Tunisiens Libres

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 14 mars 2014

فريدريك إنجلس:خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي



خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي



خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي

فريدريك إنجلس


ملاحظة:

كتبه إنجلس في أواخر 1842 – كانون الثاني (يناير) 1844.
صدر في مجلة ""
Deutsch- Franzosische Jahrbucher"" سنة 1844


لقد نشأ الاقتصاد السياسي كعاقبة طبيعية لانتشار التجارة، ومعه ظهر، في مكان المتاجرة البسيطة غير العلمية، نظام متطور للغش الجائز، علم كامل للإثراء.

إن هذا الاقتصاد السياسي، أو علم الإثراء، الذي نشأ من حسد التجار المتبادل وجشعهم، يحمل على ملامحه خاتم الطمع الأشد تنفيراً. وكان الناس لا يزالون يعيشون بالتصور الساذج الزاعم أن الثروة تكمن في الذهب والفضة وأنه ينبغي لهذا السبب أن يصار في كل مكان وبأسرع ما يمكن إلى منع تصدير المعادن ""الكريمة"". وكانت الأمم تقف بعضها ضد بعض أشبه بلئام يقبض كل منهم بيديه الاثنتين كيس النقود العزيز عليه ويتلفت بحسد وارتياب إلى جيرانه. وقد استعملت جميع الوسائل لابتزاز أكبر قدر ممكن من النقود من الشعوب التي كانت تقوم معها علاقات تجارية، وللاحتفاظ بشدة وثبات، وراء الحواجز الجمركية، بالنقود المستوردة بسلامة.

ولو طُبق هذا المبدأ بكل تتابع وانسجام، لقتل التجارة. ولهذا طفقوا يتجاوزون حدود هذه الدرجة الأولى؛ وأصبح واضحاً أن الرأسمال القابع بلا حركة في الصندوق ميت بينما يتنامى على الدوام في التداول. ولهذا صارت العلاقات بين الأمم أكثر مودة؛ وشرع الناس يسكون دوكاتهم كطعم لكي تعود هذه الدوكات إليهم مع دوكات أخرى، واعتبروا أنه ليس من الخسارة إطلاقاً دفع مبلغ أكبر من اللازم للسيد ""أ"" لقاء بضاعته ما دام يمكن بيع هذه البضاعة من السيد ""ب"" بثمن أكبر أيضاً.

وعلى هذا الأساس بني النظام المركنتيلي. وصار طابع التجارة الجشع مموهاً نوعاً ما؛ وبدأت الأمم تتقارب شيئاً فشيئاً، وتعقد المعاهدات التجارية ومعاهدات الصداقة، ودخلت في صفقات تجارية بعضها مع بعض، وعاملت بعضها بعضاً بكل ضروب المجاملة، وقدمت بعضها لبعض الخدمات الطيبة. ولكن هذا كان من حيث الجوهر الطمع القديم بالنقود، والجشع القديم، وبين الفينة والفينة كان الطمع والجشع يتجليان في الحروب التي كان يثيرها التنافس التجاري دائماً في تلك المرحلة. 

وهذه الحروب بيّنت كذلك أن التجارة، مثل النهب، ترتكز على حق القبضة؛ وبدون أي وخز في الضمير حاولوا التوصل بالدهاء أو العنف إلى معاهدات تعتبر أنفع المعاهدات.

إن نظرية الميزان التجاري هي النقطة المركزية في النظام المركنتيلي كله. ولأن الآراء الزاعمة أن الثروة تتلخص في الذهب والفضة كانت لا تزال مترسخة بعناد، لهذا السبب بالذات، كانوا لا يعتبرون من الرابح غير الشؤون التي يقارنون بين التصدير والاستيراد. فإذا كان التصدير أكبر من الاستيراد، فقد كانوا يعتبرون أن الفرق وصل إلى البلد نقوداً وأن ثروته قد ازدادت بفضل هذا الفرق. وهكذا تلخص فن الاقتصاديين في الحرص على أن يعطى التصدير في نهاية كل سنة ميزاناً ملائماً ضد الاستيراد؛ وفي صالح هذا الوهم المضحك، ضُحّي بآلاف الناس! وللتجارة أيضاً كانت حملاتها الصليبية ومحاكمها التفتيشية.

إن القرن الثامن عشر، قرن الثورات، قد ثوّر الاقتصاد السياسي أيضاً. ولكن كما أن جميع ثورات هذا القرن كانت أحادية الجانب، وبقيت في إطار التضاد، وكما كانت الروحانية المجردة مضادة للمادية المجردة، والملكية للجمهورية، والحق الرباني للعقد الاجتماعي، كذلك الثورة في الاقتصاد السياسي لم تذلل التضادات، ففي كل مكان بقيت المقدمات ذاتها؛ ولم تمس المادية الازدراء المسيحي حيال الإنسان وإذلاله، ولم تفعل غير أن جعلت الطبيعة، عوضاً عن الإله المسيحي، مطلقاً، مضادة للإنسان؛ ثم إن السياسة لم تفكر في دراسة مقدمات الدولة بالذات؛ ولم يخطر في بال الاقتصاد السياسي أن يطرح مسألة شرعية الملكية الخاصة. 

ولهذا لم يكن الاقتصاد السياسي الجديد غير نصف التقدم؛ وقد اضطر إلى خيانة مقدماته بالذات وإلى التنكر لها، وإلى الاستنجاد بالسفسطائية والنفاق، لكي يخفي التناقضات التي تخبط بها، ولكي يخلص إلى تلك الاستنتاجات التي دفعته إليها، لا مقدماته، بل روح القرن الإنسانية. وهكذا اتخذ الاقتصاد السياسي طابع الخيرية؛ وحرم المنتجين حسن التفاته وأنعم به على المستهلكين؛ وأعلن رياءً ونفاقاً اشمئزازه الورع من فظائع النظام المركنتيلي الدامية، وأعلن أن التجارة تخدم أواصر الصداقة والوحدة، سواء بين الشعوب أم بين الأفراد. 

كان كل شيء تألقاً وروعة، - ولكن سرعان ما أثبتت المقدمات وجودها من جديد، وأسفرت، على نقيض الخيرية المتألقة، عن نشوء نظرية مالتوس عن السكان، عن نشوء هذا النظام الأشد فظاظة، الأشد بربرية، بين جميع الأنظمة التي رأت النور يوماً، نظام اليأس الذي يمتهن جميع الأقاويل الرائعة عن الحب والإنسان والمواطنية العالمية. 

إن هذه المقدمات قد ولدت النظام المصنعي والعبودية المعاصرة ورفعتهما إلى مستوى لا يقل في شيء عن العبودية القديمة من حيث اللاإنسانية والقساوة. وقد تبين أن الاقتصاد السياسي الجديد، نظام حرية التجارة، القائم على مؤلف آدم سميث ""ثروة الشعوب"" يعكس ذلك النفاق والتذبذب واللاأخلاقية التي تضاد الآن النزعة الإنسانية الحرة في جميع الميادين.

ولكن ألم يكن نظام سميث، يا ترى، تقدماً؟ – بالطبع كان تقدماً، ناهيك بأنه كان تقدماً ضرورياً. فقد كان من الضروري دك النظام المركنتيلي مع احتكاراته ومع تضييقاته على العلاقات التجارية، لكي يمكن أن تتكشف العواقب الحقيقية للملكية الخاصة، كان من الضروري أن تتراجع إلى المرتبة الثانية جميع هذه الاعتبارات المحلية والوطنية التافهة لكي يمكن أن يصبح النضال في زمننا عاماً، إنسانياً؛ 

كان من الضروري أن تنصرف نظرية الملكية الخاصة عن سبيل البحوث التجريبي الصرف والموضوعاني الصرف وتتخذ طابعاً أكثر علمية يجعلها مسؤولة عن العواقب أيضاً، وأن تنقل بالتالي القضية إلى الميدان الإنساني العام؛ أن يصار إلى دفع اللاأخلاقية الكامنة في الاقتصاد السياسي القديم إلى الذروة بمحاولة نفيها وإدخال النفاق كعاقبة ضرورية لهذه المحاولة. 

كل هذا كان في سياق الأمور. ونحن نعترف بطيبة خاطر بأن تعليل وتحقيق حرية التجارة هما وحدهما اللذان أتاحا لنا تخطي حدود الاقتصاد السياسي للملكية الخاصة، ولكن يجب في الوقت نفسه أن يكون لنا الحق في تصوير حرية التجارة هذه بكل حقارتها النظرية والعملية.

يجب أن يزداد حكمنا صرامة بقدر ما يكون أولئك الاقتصاديون الذين لا يزال يتعين علينا أن نبدي رأينا بصددهم أقرب إلى زمننا، لأنه بينما لم يجد سميث ومالتوس تحت تصرفهما بشكل جاهز إلا بعض العناصر، كان أمام أحدث الاقتصاديين نظام اقتصادي كامل؛ وقد تم استخلاص جميع الاستنتاجات، وتم استيضاح التناقضات بما يكفي من الدقة، ومع ذلك لم يصلوا إلى بحث المقدمات، ولا يزالون يأخذون على عاتقهم المسؤولية عن النظام بمجمله.

 وبقدر ما يكون الاقتصاديون أقرب إلى زمننا، بقدر ما يكونون بعيدين عن الاستقامة. ومع كل تقدم في الزمن، يشتد التفلسف السفسطائي بالضرورة لأجل إبقاء الاقتصاد السياسي في مستوى العصر. ولهذا، مثلاً، كان ريكاردو مذنباً أكثر من آدم سميث، وماك – كولوخ وميل مذنبين أكثر من ريكاردو.

إن الاقتصاد السياسي الحديث لا يستطيع أن يقيِّم بصورة صحيحة حتى النظام المركنتيلي لأنه هو نفسه يتسم بطابع أحادي الجانب ولا يزال مثقلاً بمقدمات المركنتيلية. 

ولن تستطيع أن تبين للنظامين مكانهما الحقيقي غير وجهة نظر تسمو فوق التضاد بين النظامين وتنتقد مقدماتهما المشتركة وتنطلق من أساس عام، إنساني بحتاً، عام. 

وآنذاك سيتبين أن المدافعين عن حرية التجارة احتكاريون أردأ من المركنتيليين القدماء بالذات. وآنذاك سيتبين أن إنسانية الاقتصاديين الجدد المنافقة تستر بربرية كان الاقتصاديون القدماء يجهلونها تماماً، وأن تشوش المفاهيم عند الاقتصاديين القدماء بسيط ومنسجم بالمقارنة مع منطق أخصامهم الزائف؛ وإنه ليس بوسع أي من الطرفين أن يوجه إلى الآخر ملامة لا تنقلب عليه بالذات. – 

ولهذا لا يستطيع الاقتصاد السياسي الليبرالي الحديث أن يفهم إعادة النظام المركنتيلي من قبل ليست، في حين أن المسألة بسيطة جداً بالنسبة لنا. فإن الاقتصاد السياسي الليبرالي المتذبذب والمنافق لا بد له من الانشطار بالضرورة من جديد إلى أقسامه المكونة الأساسية. وكما أنه لا بد للاهوت من أن يعود إلى إيمانه الأعمى أو أن يسير إلى الأمام نحو الفلسفة الحرة، كذلك لا بد لحرية التجارة أن تؤدي في جانب إلى عودة الاحتكار، وفي جانب آخر إلى القضاء على الملكية الخاصة.

إن الإنجاز الإيجابي الوحيد الذي حققه الاقتصاد السياسي الليبرالي إنما هو صياغة قوانين الملكية الخاصة. وهذه القوانين ترد فعلاً فيه، وإن لم تكن مطوَّرة بعد حتى الاستنتاجات الأخيرة ومصاغة بوضوح. ومن هنا ينجم أن المدافعين عن حرية التجارة على حق في جميع النقاط التي يتناول فيها الكلام البحث عن أقصر سبيل إلى الإثراء وبالتالي في جميع المجادلات الاقتصادية البحتة، - وطبعاً في المجادلات مع أنصار الاحتكار، وليس مع أخصام الملكية الخاصة، لأن أخصام الملكية الخاصة، كما برهن على هذا الاشتراكيون الإنجليز من زمان في التطبيق وفي النظرية، قادرون من وجهة النظر الاقتصادية أيضاً، على حل المسائل الاقتصادية حلاً أصح.

وهكذا، في معرض انتقاد الاقتصاد السياسي، سنبحث المقولات الأساسية، ونكشف التناقض الذي حمله نظام حرية التجارة، ونستخلص الاستنتاجات النابعة من طرفي هذا التناقض.
___________
لقد ظهر تعبير ""الثروة الوطنية"" للمرة الأولى بفضل سعي الاقتصاديين الليبراليين إلى التعميمات. ولكن لا معنى لهذا التعبير ما دامت الملكية الخاصة قائمة. إن ""ثروة"" الإنجليز ""الوطنية"" عظيمة جداً، ولكنهم مع ذلك أفقر شعب في العالم. ينبغي، إما طرح هذا التعبير جانباً تماماً، وإما اتخاذ مقدمات يكسب بموجبها معنى. والقول نفسه يصح على التعابير: الاقتصاد الوطني، الاقتصاد السياسي، الاقتصاد الاجتماعي. ونظراً لوضع الأمور الراهن، ينبغي تسمية هذا العلم بعلم الاقتصاد الخاص، لأن العلاقات الاجتماعية لا تتواجد بالنسبة له إلا في صالح الملكية الخاصة.
________
التجارة – تبادل الأشياء الضرورية، البيع والشراء – عاقبة مباشرة للملكية الخاصة. وهذه التجارة، مثل كل نشاط آخر، لا بد لها، في ظل سيادة الملكية الخاصة، من أن تصبح مصدراً مباشراً للدخل بالنسبة للتاجر، وهذا يعني أنه ينبغي على كل تاجر أن يحاول أن يبيع بأغلى ما يمكن ويشتري بأرخص ما يمكن. ومن هنا ينجم أن شخصين لهما مصالح متضادة تماماً يقفان أحدهما ضد الآخر في كل عملية بيع وشراء. وإن النزاع يتسم بطابع عدائي حقاً وفعلاً، لأن كلاً منهما يعرف نوايا الآخر، يعف أن هذه النوايا مضادة لنواياه. ولهذا كانت العاقبة الأولى للتجارة، من جهة، عدم الثقة المتبادل، ومن جهة أخرى، تبرير عدم الثقة هذا، وتطبيق الوسائل اللاأخلاقية لأجل بلوغ هدف لاأخلاقي. فإن القاعدة الأولى في التجارة، مثلاً، هي لزوم الصمت، إخفاء كل ما من شأنه أن يخفض ثمن البضاعة المعنية. ومن هنا الاستنتاج التالي: يجوز في التجارة استخلاص أكبر نفع ممكن من عدم اطلاع الجانب المضاد، من سرعة تصديقه، كما يجوز بالقدر نفسه للتاجر أن ينسب إلى بضاعته صفات لا تملكها. خلاصة القول إن التجارة خداع يجيزه القانون. أما إن الممارسة تتطابق مع هذه النظرية، ففي وسع أي تاجر أن يؤكد هذا، إذا أراد قول الحقيقة.
ثم إن النظام المركنتيلي كان يتميز أيضاً، بدرجة معينة، بصراحة ساذجة، كاثوليكية، ولم يكن يخفي جوهر التجارة اللاأخلاقي. وقد رأينا كيف عرض على المكشوف جشعه الدنيء. لقد كان التعادي بين الشعوب في القرن الثامن عشر، والحسد الكريه، والتنافس التجاري عاقبة محتمة للتجارة على العموم. فإن الرأي العام لم يكن قد اكتسب بعد الصفات الإنسانية، - ولذا، أي داع كان يدعو إلى إخفاء ما كان ينبع مباشرة من جوهر التجارة ذاتها اللاإنساني، المفعم بالعداء؟
ولكن، عندما شرع لوتر الاقتصاد السياسي، آدم سميث، ينتقد الاقتصاد السياسي السابق، تغير وضع الأمور كثيراً. فقد صار العصر أكثر إنسانية، وشق العقل لنفسه طريقاً، وأخذت الأخلاقية تدّعي بحقها الخالد. ودخلت المعاهدات التجارية المفروضة بالقوة، والحروب التجارية، وانعزال الشعوب الشديد، في تناقض حاد جداً مع الوعي المتقدم. ومحل الصراحة الكاثوليكية حل النفاق البروتستانتي. وزعم سميث أن للنزعة الإنسانية أيضاً أساساً في جوهر التجارة، عوضاً عن ""أن تكون أغزر منبع للخلافات والعداوة""، إنما ينبغي لها أن تخدم ""أواصر الوحدة والصداقة سواء بين الشعوب أم بين الأفراد"" (راجع ""ثروة الشعوب""، الكتاب الرابع، الفصل الثالث، الفقرة الثانية)؛ ذلك أن التجارة، كما يزعم، تنطوي، بحكم طبيعتها بالذات، على كونها نافعة عموماً وإجمالاً لأجل جميع المشتركين فيها.
كان سميث على حق حين أعلن أن التجارة إنسانية. وليس ثمة في الدنيا أي شيء لاإنساني إطلاقاً؛ وفي التجارة يوجد جانب تلقى فيه الأخلاقية والنزعة الإنسانية حق التقدير. ولكن ما أكثر ما تلقيا حق التقدير! إن حق القبضة القروسطي، السلب السافر على الطريق العريض، صار إنسانياً نوعاً ما حين تحول إلى تجارة، وصارت التجارة إنسانية نوعاً ما حين تحولت درجتها الأولى التي تتصف بمنع تصدير النقود إلى نظام مركنتيلي. والآن صار هذا النظام نفسه هو أيضاً إنسانياً نوعاً ما. وبديهي أن من مصلحة التاجر أن يقيم علاقات طيبة سواء مع من يشتري منه برخص أم مع من يبيعه بغلاء. ولهذا تتصرف ببالغ الغباوة تلك الأمة التي تثير في نفوس مزوديها وزبائنها شعور العداء حيالها. وبقدر ما تزداد علاقاتها مودة، بقدر ما يزداد نفعها. هنا تكمن إنسانية التجارة؛ وهذا الأسلوب المرائي لسوء استغلال الأخلاقية في سبيل أهداف لاأخلاقية هو موضع اعتزاز نظام حرية التجارة. يصيح المنافقون: أولم ندك بربرية الاحتكار، أولم نحمل الحضارة إلى أبعد زوايا الكرة الأرضية، أولم نبنِ أخوية الشعوب، أولم نقلل عدد الحروب؟ – أجل، كل هذا فعلتموه، ولكن كيف فعلتموه!؟ فقد قضيتم على الاحتكارات الصغيرة لكي يتطور الاحتكار الأساسي الكبير بمزيد من الحرية ومزيد من الطلاقة هو الملكية؛ وحملتم الحضارة إلى جميع أطراف الدنيا لكي تكسبوا تربة جديدة لأجل تطوير جشعكم الدنيء؛ لقد آخيتم بين الشعوب ولكن بأخوية اللصوص، وقللتم عدد الحروب لكي تبتزوا المزيد في زمن السلم، لكي تؤزموا إلى الحد الأقصى العداوة بين الأفراد، وحرب التنافس الشائنة! – أين فعلتم شيئاً ما انطلاقاً من الدوافع الإنسانية البحتة، من إدراك أن التضاد بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا يملك الحق في الوجود؟ هل كنتم يوماً ما أخلاقيين دون أن تكون لكم مصلحة في هذا، دون أن تخفوا في أعماق نفوسكم البواعث اللاأخلاقية، الأنانية؟
بعد أن فعل الاقتصاد السياسي الليبرالي ما يتوقف عليه، لكي يجعل العداوة عامة عن طريق إبادة القوميات، ولكي يحول البشرية إلى قطيع من الوحوش الضارية، - لأنه ما عسى أن يكون المتنافسون إن لم يكونوا كذلك؟ – التي تلتهم بعضها بعضاً للسبب التالي بالذات، وهو أن لكل مصلحة واحدة مع الغير، - بعد هذا العمل التمهيدي، بقي له أن يخطو في الطريق إلى الهدف خطوة أخرى فقط – انحلال العائلة. ولبلوغ هذا الهدف، مدّ له يد المساعدة اختراعه اللطيف بالذات – النظام المصنعي. فإن البقايا الأخيرة للمصالح العامة – الوحدة العائلية للأموال، قد قوضها النظام المصنعي، وهي تتواجد – هنا، في إنجلترا، على الأقل – بسبيل الانحلال. وصارت الظاهرة التالية عادية تماماً، وهي أن الأولاد، ما أن يصبحوا بالكد قادرين على العمل، أي ما أن يبلغوا التاسعة من العمر، حتى ينفقوا على أنفسهم أجورهم، ويروا في البيت الأبوي مجرد مأوى مدفوع الأجر، ويعطوا والديهم جزاء معيناً لقاء المائدة والمسكن. وهل يمكن أن يكون الحال غير ذلك؟ وهل يمكن أن يحصل أمر آخر من انعزال المصالح القائم في أساس نظام حرية التجارة؟ وما أن يبدأ تحريك مبدأ ما حتى يشبع بنفسه جميع عواقبه، بصرف النظر عما إذا كان هذا يطيب للاقتصاديين أم لا.
ولكن الاقتصادي نفسه لا يعرف أية قضية يخدم؛ لا يعرف أنه بكل تفلسفه الأناني لا يشكل سوى حلقة في سلسلة تقدم البشرية العام، لا يعرف أنه لا يفعل فإفساده لجميع المصالح الخاصة غير أن يمهد السبيل إلى ذلك الانقلاب العظيم الذي يتحرك قرننا إلى لقائه – تصالح البشرية مع الطبيعة ومع نفسها بالذات.
_________
القيمة هي أقرب مقولة تشترطها التجارة. وبصدد هذه المقولة، كما بصدد جميع المقولات الأخرى، لا يوجد أي جدال بين الاقتصاديين القدماء والاقتصاديين الجدد، لأنه لم يبق لدى أنصار الاحتكار الذين استحوذ عليهم مباشرة ولع الإثراء أي وقت للاهتمام بالمقولات. إن جميع المجادلات بصدد هذا الضرب من المسائل قد انطلقت من الاقتصاديين الحديثين.
إن الاقتصادي الذي يدرس المتضادات يتعامل بالطبع مع قيمة مزدوجة: القيمة المجردة، أو الفعلية والقيمة التبادلية. وحول جوهر القيمة الفعلية نشب جدال مديد بين الإنجليز الذين اعتبروا تكاليف الإنتاج تعبيراًُ عن القيمة الفعلية، وبين الفرنسي ساي الذي أكد أن هذه القيمة تقاس بمنفعة الشيء. وقد امتد الجدال من أوائل هذا القرن وهدأ دون أن يلقى حلاً. فإن الاقتصاديين لا يستطيعون أن يحلوا شيئاً.
وهكذا يؤكد الإنجليز – وبخاصة ماك – كولوخ وريكاردو – إن قيمة الشيء المجردة تحددها تكاليف الإنتاج. لاحظوا – القيمة المجردة، وليس القيمة التبادلية، exchangeable value القيمة في التجارة، التي هي، على حد قولهم، شيء يختلف تماماً عن القيمة المجردة. لماذا تكون تكاليف الإنتاج مقياس القيمة؟ لأن أحداً – اسمعوا، اسمعوا! – لن يقدم – في الظروف العادية، وإذا طرحنا المزاحمة جانباً – على بيع شيء ما أرخص مما يكلفه إنتاجه. لن يقدم على البيع؟ ولكن الكلام هنا لا يتناول القيمة التجارية، - وما شأننا و""البيع""؟ ومع هذا الأخير، تظهر حالاً من جديد على الحلبة التجارة التي اتفقنا على طرحها جانباً – وأية تجارة! – تجارة يتعين عليها أن لا تأخذ بالحسبان الأمر الرئيسي، - المزاحمة! في البدء، كانت أمامنا القيمة المجردة، والآن أمامنا بالإضافة التجارة المجردة، التجارة بدون المزاحمة، أي إنسان بدون جسد، فكر بلا دماغ يخلق الفكر. أفلا يخطر البتة في بال الاقتصادي أنه ما دامت المزاحمة قد طرحت جانباً، فلا ضمانة البتة من أن يبيع المنتج بضاعته حسب تكاليف الإنتاج على وجه التدقيق؟ فيا للتشويش!
لنواصل! لنفترض لحظة أن كل هذا كما يقول الاقتصادي. لنفترض أن شخصاً ما صنع، ببذل قدر كبير من العمل، وبنفقات بالغة، شيئاً غير نافع إطلاقاً، ولا يلقى طلباً من أي امرئ، - فهل هذا الشيء جدير بتكاليف الإنتاج؟ يجيب الاقتصادي: كلا إطلاقاً، ومن ذا الذي يرغب في شرائه؟ ومن هنا ينجم أننا هنا نواجه دفعة واحدة، لا منفعة ساي السيئة الشهرة وحسب، بل أيضاً مع ""البيع"" – المزاحمة. ينشأ وضع مستحيل، وليس بمقدور الاقتصادي أن يبقى للحظة واحدة وفياً لتجريده. وليست المزاحمة التي يحاول ببالغ الجهد أن يستبعدها وحسب، بل المنفعة التي يهاجمها أيضاً، تقتحمان تحليله خلسة في كل لحظة. إن القيمة المجردة وتحديدها بتكاليف الإنتاج ليسا على وجه الضبط إلا من التجريدات، من الأوهام.
ولكن لنفترض أيضاً للحظة أن الاقتصادي على حق، فبأي نحو يفكر، والحالة هذه، في نحديد تكاليف الإنتاج إذا لم يأخذ المزاحمة بالحسبان؟ إننا سنرى عند دراسة تكاليف الإنتاج أن هذه المقولة أيضاً ترتكز على المزاحمة. وهنا سيتكشف من جديد إلى أي حد يعجز الاقتصادي عن عرض مزاعمه بانسجام وتتابع.
وإذا انتقلنا إلى ساي، فإننا نجد التجريد نفسه. فإن منفعة الشيء أمر ذاتي بحت، يستحيل البتة تحديده بشكل مطلق، يقيناً إنه يستحيل تحديدها عل الأقل ما دام الناس لا يزالون يتخبطون في المتضادات. وحسب هذه النظرية ينبغي أن تملك أشياء الضرورة الأولى قيمة أكبر من أشياء البذخ. إن المزاحمة في ظل سيادة الملكية الخاصة هي السبيل الممكن الوحيد الذي يؤدي إلى حل موضوعي نوعاً ما، عام على ما يبدو، بصدد منفعة الشيء بهذا القدر أو ذاك، بينما المزاحمة بالذات هي التي يجب طرحها جانباً. ولكن ما أن تجاز علاقات المزاحمة حتى تظهر تكاليف الإنتاج معها، لأن أحداً لن يقدم على البيع بأرخص مما أنفقه على الإنتاج. ولذا يتحول جانب من التضاد إلى الجانب الآخر هنا أيضاً، سواء شاؤوا أن أبوا.
لنحاول أن نحمل الوضوح إلى هذا التشويش. إن قيمة الشيء تنطوي عل عاملين يفرقان بالعنف، وعبثاً، كما رأينا، بين الأطراف المتجادلة. فإن القيمة هي النسبة بين تكاليف الإنتاج والمنفعة. واللجوء المباشر إلى القيمة يجري عند حل مسألة ما إذا كان ينبغي إنتاج الشيء المعني على العموم، أي ما إذا كانت منفعته تغطي تكاليف الإنتاج، بعد هذا فقط، يمكن أن يتناول الكلام اللجوء إلى القيمة لأجل التبادل. فإذا كانت تكاليف إنتاج شيئين واحدة، فإن المنفعة ستكون العنصر الحاسم في تحديد قيمتها المقارنة.
وهذا الأساس هو الأساس الصحيح الوحيد للتبادل. ولكن إذا انطلقنا منه، فمن ذا الذي سيحل مسألة منفعة الشيء؟ هل مجرد رأي المشتركين في التبادل؟ آنذاك سيكون طرف واحد على كل حال مخدوعاً. أم يجب أن يكون ثمة تعريف يرتكز على المنفعة الملازمة للشيء بالذات، - تعريف لا يتوقف على الأطراف المشتركة ويبقى غير واضح بالنسبة لهم؟ آنذاك لا يمكن أن يتحقق التبادل إلا قسراً. ويعتبر كل مشترك في التبادل نفسه مخدوعاً. فبدون القضاء على الملكية الخاصة يستحيل القضاء على هذا التضاد بين المنفعة الفعلية الملازمة للشيء نفسه، وبين تحديد المنفعة، بين تحديد المنفعة وبين حرية المشتركين في التبادل؛ وحين يتم القضاء على الملكية الخاصة، فلن يبقى من الممكن التحدث عن التبادل في الصورة التي يتواجد بها الآن. إن التطبيق العملي لمفهوم القيمة سيقتصر أكثر فأكثر آنذاك على حل مسألة الإنتاج، وهذا هو ميدانه الحقيقي.
فما هو وضع الأمور الآن؟ لقد رأينا أن مفهوم القيمة ممزق بالعنف، وأن كلاً من جوانبه يُصور بطبل وزمر بصورة الكل. إن تكاليف الإنتاج التي تشوهها المزاحمة منذ بادئ بدء يجب أن تضطلع بدور القيمة بالذات، والدور نفسه يجب أن تضطلع به المنفعة الذاتية البحتة، لأنه لا يمكن أن تكون ثمة الآن أية منفعة أخرى. ولمساعدة هذين التعريفين الأعرجين في الوقوف على أقدامهما، من الضروري أخذ المزاحمة بالحسبان في الحالتين. والأطرف هنا هو أ، المزاحمة تشغل عند الإنجليز، عندما يتحدثون عن تكاليف الإنتاج، مكان المنفعة، بينما عند ساي، على العكس، تحمل المزاحمة معها تكاليف الإنتاج حين يتحدث عن المنفعة. ولكن أي منفعة، أي تكاليف إنتاج تحملها! إن منفعتها تتوقف على الصدفة، على الموضة، على تقلبات أهواء الأغنياء، وتكاليف إنتاجها ترتفع وتهبط بحكم العلاقة الصدقية بين الطلب والعرض.
في أساس الفرق بين القيمة الفعلية والقيمة التبادلية يقوم هذا الواقع بالذات، وهو أن قيمة الشيء تختلف عما يٌسمى بالمعادل الذي يُعطى عنه في التجارة، أي أن هذا المعادل ليس معادلاً. إن ما يسمى بالمعادل هو ثمن الشيء؛ وإذا ما كان الاقتصادي مستقيماً لاستعمل هذه الكلمة عوضاً عن ""القيمة التجارية"". ولكن لكي لا تفقأ لاأخلاقية التجارة العين أكثر من اللزوم، لا يزال يتعين على الاقتصادي أن يحتفظ ولو بظل مظهر واقع أن الثمن يرتبط بشكل ما بالقيمة. أما أن الثمن يحدده تفاعل تكاليف الإنتاج والمزاحمة، فإن هذا صحيح تماماً، وهذا قانون الملكية الخاصة الرئيسي. وهذا القانون التجريبي الصرف إنما هو أول قانون وجده الاقتصادي؛ ومن هنا جرّد فيما بعد قيمته الفعلية، أي الثمن الذي يتقرر عندما تتساوى فيه علاقة المزاحمة، عندما يغطي الطلب والعرض أحدهما الآخر. وعند ذاك، بالطبع، لا يبقى غير تكاليف الإنتاج، وهذا ما يسميه الاقتصادي بالقيمة الفعلية، بينما لا نجد هنا غير تحديد معين للثمن. ولكن كل شيء في الاقتصاد السياسي موقوف بهذا النحو على رأسه؛ فإن القيمة التي هي شيء ما أ,لي، مصدر الثمن، تغدو تابعة للثمن، لمنتوجها بالذات. ومعروف أن هذا القلب هو الذي يشكل جوهر التجريد، وعن هذا راجع فورباخ.
_________
يستفاد من نظريات الاقتصادي أن تكاليف إنتاج البضاعة تتألف من ثلاثة عناصر: من الريع العقاري عن قطعة الأرض الضرورية لأجل إنتاج الخدمات، من الرأسمال مع الدخل منه، ومن الأجرة لقاء العمل المطلوب لأجل الإنتاج والتصنيع. ولكن يتبين في الحال أن الرأسمال والعمل متماثلان لأن الاقتصاديين أنفسهم يعترفون بأن الرأسمال هو ""العمل المتراكم"". وهكذا لا يبقى عندنا سوى طرفين: الطرف الطبيعي، الموضوعي – الأرض، والطرف الإنساني، الذاتي – العمل الذي ينوي على الرأسمال وعلى شيء ما آخر، ثالث، عدا الرأسمال، الأمر الذي لا يخطر في بال الاقتصادي، وأقصد، فضلاً عن العنصر البدني للعمل البسيط، العنصر الروحي لقابلية الاختراع، للفكر. فما شأن الاقتصادي وروح الاختراع؟ أولم يحصل على جميع الاختراعات بدون مشاركته؟ وهل كلفه واحد منها على الأقل شيئاً ما؟ فلماذا يقلق في هذه الحال بصددها عند حساب تكاليف إنتاجه؟ إن شروط الثروة بنظره هي الأرض والرأسمال والعمل وإلى أكثر من ذلك لا يحتاج. ولا شأن له وللعلم. ورغم أن العلم قد حمل إليه الهدايا من خلال برتوله وديفي وليبيخ وواط وكارترايت وإلخ..، الهدايا التي رفعته هو نفسه وإنتاجه إلى ارتفاع لا سابق له، فما شأنه وهذا؟ فالأشياء من هذا النوع لا يستطيع أن يأخذها بالحسبان، ونجاحات العلم تتخطى حدود حساباته. ولكن في ظل نظام معقول يقف فوق تجزؤ المصالح كما هو الحال عند الاقتصاديين، سيكون العنصر الروحي، بالطبع، في عداد عناصر الإنتاج، ويجد مكانه بين تكاليف الإنتاج وفي الاقتصاد السياسي. وهنا، بالطبع، سنعرف بشعور من الارتياح أن العمل في ميدان العلم يتعوّض مادياً أيضاً، ونعرف أن ثمرة واحدة فقط من ثمار العلم، مثل آلة جيمس واط البخارية، قد جلبت للعالم في السنوات الخمسين الأولى من وجودها أكثر مما أنفق العالم منذ بادء بدء على تطوير العلم.
وهكذا نجد قيد العمل عنصري الإنتاج – الطبيعة والإنسان – ونجد الأخير، مع خواصه البدنية والروحية؛ والآن بوسعنا أن نعود إلى الاقتصادي وإلى تكاليف إنتاجه.
____________
إن كل ما يمكن احتكاره ليس له قيمة، - هكذا يقول الاقتصادي. هذه الموضوعة سندرسها فيما بعد بمزيد من التفصيل. وحين نقول: لا ثمن له، فإن هذه الموضوعة صحيحة بالنسبة لنظام قائم على الملكية الخاصة. ولو أنه كان من الممكن الحصول بسهولة على الأرض كما على الهواء، فإن أحداً لن يدفع الريع العقاري. ولكن بما أن الحال ليس هكذا، وبما أن رقعة الأرض المستأثر بها في كل حالة بعينها محدودة، فإنه يتعين دفع الريع العقاري عن الأرض المستأثر بها أي المحتكرة، أو شراؤها بثمن البيع. ولكن بعد هذا التوضيح لنشوء قيمة الأرض، من الغريب جداً أن نسمع من الاقتصادي أن الريع العقاري هو الفرق بين مدخول القطعة التي تجلب الريع، وبين أسوأ قطعة لا تعوض سوى العمل لحراثتها. ومعلوم أن التعريف للريع العقاري معروض كلياً للمرة الأولى عند ريكاردو. أغلب الظن أن هذا التعريف صحيح علمياً إذا افترضنا أن هبوط الطلب ينعكس آنياً في الريع العقاري ويستبعد من الحراثة رقعة مناسبة من أسوأ قطعة من الأرض المحروثة. ولكن الحال ليس هكذا، ولذا كان هذا التعريف غير كامل، ناهيك أنه لا يشتمل على أسباب نشوء الريع العقاري وبأنه ينبغي بالتالي أن يسقط من الحساب. وعلى نقيض هذا التعريف، عاد العقيدت. ب. تومبسون، نصير عصبة مكافحة قوانين الحبوب، إلى تعريف آدم سميث وعلله. إن الريع العقاري، حسب فهمه، هو العلاقة بين مزاحمة الذين يسعون إلى الانتفاع بالأرض وبين المساحة المحدودة من الأرض المتوفرة. هنا، على الأقل، تظهر العودة إلى مسألة نشوء الريع العقاري؛ ولكن هذا التفسير ينفي الفوارق في خصب التربة كما يغفل التعريف المذكور أعلاه المزاحمة.
وهكذا نجد أمامنا من جديد تعريفين أحاديي الجانب، وبالتالي غير محددين للشيء نفسه. وكما عند دراسة مفهوم القيمة، يتعين علينا هنا أيضاً أن نجمع هذين التعريفين لكي نجد التعريف الصحيح الذي ينبع من تطور الشيء نفسه، والذي يشمل بالتالي جميع الحالات المتواجدة في الواقع. إن الريع العقاري هو النسبة بين مردود قطعة الأرض، الجانب الطبيعي (الذي يتشكل بدوره من الخواص الطبيعية وحراثة الإنسان، العمل المبذول على تحسين قطعة الأرض) – وبين الجانب الإنساني، المزاحمة. ليهز الاقتصاديون رؤوسهم بصدد هذا ""التعريف"". فإنهم سيرون، لما فيه رعبهم، إنه ينطوي على كل ما يمت بصلة إلى الموضوع.
ولا يمكن لمالك الأرض في أي حال من الأحوال أن يلوم التاجر.
فإن مالك الأرض ينهب باحتكاره الأرض. إنه ينهب بتحويله في صالحه نمو عدد السكان الذي يزيد المزاحمة، ويزيد معها قيمة أرضه، بتحويله إلى مصدر لنفعه الشخصي ما لم يكن نتيجة لجهوده الشخصية، ما يغدو من نصيبه من باب الصدفة تماماً. إنه ينهب عندما يؤجر أرضه مستأثراً في آخر المطاف بالتحسينات التي يجريها مستأجر قطعة أرضه. وهنا يكمن سر غنى كبار ملاكي الأراضي المتعاظم على الدوام.

إن البديهيات التي تصف أسلوب كسب مالك الأرض بالنهب، أي التي تقرر على وجه الضبط أن لكل امرئ الحق في نتاج عمله، أو أنه لا يحق لأحد أن يحصد حيث لم يزرع، ليست من اختلافنا. إن البديهية الأولى تنفي واجب إطعام الأولاد، والثانية تحرم كل جيل من حق العيش، لأن كل جيل يرث ما تركه الجيل السابق. هاتان البديهيتان هما، على العكس، عاقبتان للملكية الخاصة. فمن الضروري إما تحقيق جميع العواقب الناجمة منها، وإما التخلي عنها كما عن المقدمة.

وحتى الاستئثار الأولي بالأرض يتبرر بالزعم أن الحق في الحياة العامة كان موجوداً من قبل؛ ولذا تسوقنا الملكية الخاصة إلى التناقضات، أياً كانت الجهة التي نتجه إليها.
إن جعل الأرض التي تشكل بالنسبة لنا كل شيء، التي هي الشرط الأول لعيشنا، موضع متاجرة، قد كان الخطوة الأخيرة في المتاجرة بأنفسنا، وقد كان ولا يزال حتى أيامنا عملاً لاأخلاقياً لا تتفوق عليه غير لاأخلاقية المتاجرة بالنفس. ولكن الاستئثار الأولي بالأرض، احتكارها من قبل عدد قليل من الأفراد، حرمان جميع الآخرين من الشرط الأساسي لعيشهم، لا يقل البتة من حيث اللاأخلاقية عن المتاجرة بالأرض.

وإذا استبعدنا الملكية الخاصة هنا أيضاً، فإن الريع العقاري يقتصر على حقيقته، على الراي المعقول الذي يكمن من حيث الجوهر في أساسه. وفي هذه الحال تعود قيمة الأرض، المفصولة عن الأرض بصورة الريع، إلى الأرض بالذات. وهذه القيمة التي تقاس بالقدرة الإنتاجية للمساحات المتساوية في حال تساوي كمية العمل المبذول فيها، إنما يجب بالفعل أخذها بالحسبان عند تعريف قيمة المنتوجات بوصفها قسماً من تكاليف الإنتاج، كما أنها، مثل الريع العقاري، عبارة عن النسبة بين القدرة الإنتاجية والمزاحمة، ولكن بالمزاحمة الحقيقية، بتلك المزاحمة التي ستتطور في حينها.
__________
لقد رأينا أن الرأسمال والعمل هما متماثلان منذ بادئ بدء؛ وسنرى فيما بعد من محاكمات الاقتصادي نفسه أن الرأسمال، نتيجة العمل، يصبح حالاً من جديد، في سياق الإنتاج، أساس العمل، مادة العمل؛ وأن فصل الرأسمال عن العمل، المحقق للحظة، يقضى عليه بالتالي حالاً من جديد في وحدتهما؛ ومع ذلك، يفصل الاقتصادي الرأسمال عن العمل، ومع ذلك يتمسك بشدة بهذا التشعب إلى شعبتين، غير معترف بوحدتهما إلا بصورة تعريف الرأسمال: ""العمل المتراكم"". إن القطيعة بين الرأسمال والعمل، النابعة من الملكية الخاصة، ليست غير تشعب العمل إلى شعبتين في نفسه بالذات، هذا التشعب المناسب لحالة التشعب الأولى والنابع منها. وبعد تحقيق هذا الفصل، ينقسم الرأسمال من جديد إلى رأسمال أولي وإلى ربح، إلى زيادة في الرأسمال يحققها الرأسمال في سياق الإنتاج، رغم أن الممارسة تضم حالاً من جديد هذا الربح إلى الرأسمال وتدخله معه في التداول. ثم إن الربح نفسه ينشطر بدوره إلى فائدة مئوية وربح صافٍ. وفي الفائدة المئوية تبلغ لامعقولية هذه الانشطارات الحد الأقصى. ولكن لاأخلاقية المراباة، لاأخلاقية الحصول على دخل بدون بذل العمل لمجرد منح قرض، جلية للعيان – رغم أن جذورها تكمن في الملكية الخاصة – واكتشفها من زمان بعيد الوعي الشعبي غير المتحيز الذي يكون عادة على حق الأمور من هذا النوع. وجميع هذه الانشطارات والانقسامات الدقيقة تنجم من الفصل الأولي للرأسمال عن العمل، ومن انشقاق البشرية الذي ينجز هذا الفصل إلى رأسماليين وعمال، الانشقاق الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، ولا بد له، كما سنرى، أن يشتد على الدوام. ولكن هذا الفصل بين الرأسمال، والعمل، مثله مثل فصل الأرض عن الرأسمال والعمل، الذي درسناه أعلاه، يتبين في آخر المطاف أمراً ما غير ممكن. ولا يمكن في أي حال من الأحوال تحديد النصيب الذي يعود إلى كل من الأرض والرأسمال والعمل في هذا المنتوج المعين أو ذاك. فإن هذه المقادير الثلاثة غير متساوية القياس. إن الأرض تخلق المادة الخام، ولكن ليس بدون الرأسمال والعمل. والرأسمال يفترض وجود الأرض والعمل، والعمل يفترض على الأقل وجود الأرض كما يفترض، بقدر أكبر، وجود الرأسمال. ووظائف هذه العناصر الثلاثة مختلفة تماماً ولا يمكن قياسها بمقياس مشترك رابع ما. ولذا، حين يتعين في ظل العلاقات الحالية تقسيم الدخل بين هذه العناصر الثلاثة، فمن المستحيل أن نجد من أجلها أي مقياس ملازم لها داخلياً؛ ويبت في الأمر مقياس غريب تماماً، صدفي، بالنسبة لها: المزاحمة أو الحق المتأنق العائد للقوي. إن الريع العقاري ينطوي على المزاحمة؛ وربح الرأسمال لا يقرره غير المزاحمة؛ أما حال الأجرة، فإننا سنراه الآن.
وما أن نستبعد الملكية الخاصة حتى تسقط من الحساب جميع هذه الانشطارات المنافية للطبيعة، يسقط من الحساب الفرق بين الفائدة والربح؛ الرأسمال لا شيء بدون العمل، بدون الحركة. وتتلخص أهمية الربح في أهمية ذلك الثقل الذي يضعه الرأسمال في كفة الميزان عند تحديد نفقات الإنتاج؛ وهذا الربح سيكون ملازماً للرأسمال بنفس القدر الذي سيعود به إلى الوحدة الأولية بين الرأسمال والعمل.
_______________
العمل، العنصر الرئيسي في الإنتاج، ""مصدر الثروة""، النشاط الحر للإنسان، يظهر عند الاقتصادي في وضع غير مفيد. وكما فُصل الرأسمال عن العمل، كذلك الآن ينشطر العمل أيضاً للمرة الثانية؛ إن إنتاج العمل يواجه العمل بصورة الأجرة، وهو مفصول عن العمل؛ وبحكم العادة تقرره المزاحمة أيضاً، لأنه لا وجد لمقياس ثابت لأجل تحديد نصيب العمل في الإنتاج. حسبنا أن نقضي على الملكية الخاصة حتى يسقط من الحساب هذا الانقسام غير الطبيعي، ويصبح العمل مكافأة للعمل، وتتكشف بكل وضوح الأهمية الحقيقية للأجرة المغتربة من قبل: أهمية العمل لأجل تحديد تكاليف إنتاج شيء ما من الأشياء.
_______________
لقد رأينا أن كل شيء ينحصر في المزاحمة، في آخر المطاف، ما دامت الملكية الخاصة قائمة. والمزاحمة هي مقولة الاقتصادي الرئيسية، ابنته المحبوبة ولا أكثر، التي لا يكل من ملاطفتها وتدليلها، - ولكن انظروا أي وجه مدوزة يتكشف هنا.
تقسيم الإنتاج إلى جانبين متضادين – الجانب الطبيعي والجانب الإنساني – الأرض التي هي ميتة وقاحلة إذا لم يخصبها الإنسان، والنشاط الإنساني، الذي الأرض على وجه الضبط شرطه الرئيسي. ثم رأينا فيما بعد كيف انشطر النشاط الإنساني بدوره إلى عمل ورأسمال. وكيف عامل هذا الجانبان أحدهما الآخر بعداوة. وهكذا قد حصل عندنا نضال جميع العناصر الثلاثة بعضها ضد بعض عوضاً عن مساندة بعضها بعضاً، والآن، إضافة إلى هذا، تجلب الملكية الخاصة معها انقسام كل من هذه العناصر الثلاثة. فإن قطعة من الأرض تعارض قطعة أخرى، ورأسمالاً يعارض رأسمالاً آخر، وقوة عمل تعارض قوة عمل أخرى. وبتعبير آخر نقول: بما أن الملكية الخاصة تعزل كلاً في وحدته الفظة بالذات، وبما أن لكل فرد نفس المصلحة التي لجاره، فإن مالك الأرض يواجه مالك الأرض بعداوة، والرأسمالي يواجه الرأسمالي، والعامل يواجه العامل. وفي هذه العداوة بين المصالح المتماثلة، من جراء تماثلها على وجه الضبط، تكتمل لاأخلاقية حال الإنسانية الراهن؛ وهذا الاكتمال هو المزاحمة.
_______________
إن الاحتكار هو نقيض المزاحمة. ولقد كان الاحتكار صيحة المركنتيليين القتالية، بينما كانت المزاحمة صيحة الاقتصاديين الليبراليين الحربية. وليس من الصعب أن نرى أن هذا النقيض يخلو كلياً من أي مضمون. ينبغي على كل مزاحم أن يتمنى لنفسه الاحتكار، سواء كان عالاً أو رأسمالياً أم مالك أرض. وينبغي على كل جماعة غير كبيرة من المزاحمين أن تتمنى الاحتكار لنفسها ضد جميع الآخرين. إن المزاحمة ترتكز على المصلحة، والمصلحة تخلق الاحتكار من جديد؛ خلاصة القول إن المزاحمة تتحول إلى احتكار. ومن جهة أخرى، لا يمكن للاحتكار أن يوقف تدفق المزاحمة؛ وفضلاً عن هذا، يخلق الاحتكار نفسه المزاحمة، مثلما منع الاستيراد أو الرسوم العالية تخلق مباشرة مزاحمة التهريب. – إن تناقض المزاحمة يشبه تماماً تناقض الملكية الخاصة بالذات. في مصلحة الفرد بمفرده أن يملك كل شيء؛ أما المجتمع، ففي مصلحته أن يملك كل فرد على قدم المساواة مع الآخرين. وهكذا تكون المصلحة العامة والمصلحة الفردية على طرفي نقيض. إن تناقض المزاحمة يتلخص في أنه ينبغي على كل امرئ أن يتمنى الاحتكار لنفسه، بينما لا بد للمجتمع بأسره، بصفته هذه، أن يخسر من الاحتكار، ولا بد له بالتالي من أن يقضي عليه. وفضلاً عن ذلك، تفترض المزاحمة الاحتكار، عنينا بالضبط احتكار الملكية، - وهنا يتبدى نفاق الليبراليين من جديد، - وما دام احتكار الملكية قائماً، فإن ملكية الاحتكار ستظل تملك معه التبرير نفسه، لأنه ما دام الاحتكار قائماً، فإنه يعني الملكية. ولهذا، أي تذبذب حقير أن يتهجم المرء على الاحتكارات الصغيرة ويحتفظ بالاحتكار الأساسي! وإذا أدرجنا هنا موضوعة الاقتصادي المذكورة آنفاً، - فإن كل ما لا يمكن أن يكون موضع احتكار، لا يملك قيمة، ولذا لا يمكن لكل ما لا يجيز هذا الاحتكار أن يدخل في صراع المزاحمة هذا؛ – ولذا يلقى تأكيدنا أن المزاحمة تفترض الاحتكار التبرير التام.
______________
يتلخص قانون المزاحمة في كون الطلب والعرض يسعيان على الدوام إلى التطابق فيما بينهما. وفي كونهما، لهذا السبب بالذات، لا يتطابقان أبداً. فإن الطرفين ينفصلان أحدهما عن الآخر ويتحولان إلى طرفي نقيض حاد. إن العرض يسير دائماً وراء الطلب مباشرة، ولكن لا يحدث أبداً أن يلبيه بدقة؛ فهو إما كبير أكثر من اللزوم، وإما صغير أكثر من اللزوم، ولكنه لا يتناسب أبداً مع الطلب، لأنه ما من أحد يعرف، في هذه الحالة اللاواعية للبشرية، مقدار الطلب أو مقدار العرض. فإذا كان الطلب أكبر من العرض، فإن السعر يرتفع، الأمر الذي كأنما يستحث العرض. وما أن يظهر في السوق هذا العرض المتزايد حتى تهبط الأسعار؛ وإذا زاد العرض على الطلب، فإن هبوط الأسعار سيزداد إلى حد أن يشتد الطلب بدوره من جراء ذلك. هكذا يحدث على الدوام. ولا تقع أبداً حالة سليمة، بل يحدث دائماً تعاقب التهيج والارتخاء، الذي ينفي كل تقدم، ويحدث التذبذب الأبدي الذي لا ينتهي أبداً. وهذا القانون، مع تسويته الدائمة، التي تعوض في مكان عن الخسارة في مكان آخر، إنما يجده الاقتصادي قانوناً ممتازاً. وهذا هو موضع اعتزازه الرئيسي، ولا يمكنه أن يشبع من النظر إليه، ويدرسه في جميع الظروف الممكنة وغير الممكنة. ولكنه واضح مع ذلك أن هذا القانون قانون طبيعي بحت، وليس قانون الروح. إنه قانون يلد الثورة. ويظهر الاقتصادي مع نظريته الرائعة عن الطلب والعرض، ويحاول أن يبرهن لكم أنه ""لا يمن أبداً إنتاج كمية من المنتوجات أكبر من اللزوم"". بينما الواقع يجيب بالأزمات التجارية التي تنشب من جديد بانتظام مثل المذنبات، وتحدث عندنا الآن بالمتوسط كل خمس – سبع سنوات. وفي السنوات الثمانين الأخيرة، حلت هذه الأزمات التجارية بانتظام مثلما كانت تحل الأوبئة الكبيرة من قبل، وجلبت من البلايا واللاأخلاقية أكثر مما جلبت الأوبئة. (راجع ويد. ""تاريخ الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة""، لندن، سنة 1835، ص211). وبديهي أن هذه الثورات التجارية تؤكد صحة القانون، تؤكد صحته بأكمل نحو ولكن ليس بذلك الأسلوب الذي يصوره لنا الاقتصادي. فما عسانا أن نفكر في هذا القانون الذي لا يستطيع أن يشق لنفسه طريقاً إلا عبر الثورات الدورية؟ إنه قانون طبيعي يرتكز على كون المشتركين يتصرفون هنا بلا وعي. فلو أن المنتجين، بصفتهم هذه، يعرفون أية كمية يحتاج إليها المستهلكون، ولو أنهم ينظمون الإنتاج، ويوزعونه فيما بينهم، لاستحالت تذبذبات المزاحمة واستحال ميلها إلى الأزمة. ابدأوا الإنتاج عن وعي، مثل الناس، وليس مثل الذرات المنتشرة، التي لا تعي وحدتها الأصلية، تتخلصوا من جميع هذه المتضادات الاصطناعية والباطلة. ولكن ما دمتم تواصلون الإنتاج بالأسلوب الحالي، غير الواعي، غير المعقول، الموضوع في حكم الصدفة، فإن الأزمات التجارية ستبقى أيضاً؛ ولا بد لكل أزمة لاحقة أن تكون أكثر شمولاً، وبالتالي أشق من الأزمة السابقة، ولا بد لها أن تخرب عدداً أكبر من صغار الرأسماليين، وتزيد بصورة أسرع فأسرع تعداد أفراد الطبقة التي لا تعيش إلا بالعمل؛ ولا بد، بالتالي، من أن تزيد بصورة ملحوظة عدد الأفراد الذين يحتاجون إلى عمل – الأمر الذي يشكل معضلة اقتصاديينا الرئيسية، وأخيراً لا بد لكل هذا أن يستتبع ثورة اجتماعية لا تحلم بها حكمة الاقتصاديين المدرسية.

إن تقلب الأسعار الدائم الذي تخلقه ظروف المزاحمة، يحرم التجارة نهائياً من آخر آثار الأخلاقية. وينقطع الحديث عن القيمة. إن ذلك النظام الذي يضفي، حسبما يبدو، مثل هذه الأهمية على القيمة، والذي يرفع تجريد القيمة، بشكل النقود، إلى مصف وجود خاص ما، - هذا النظام نفسه يدمر بواسطة المزاحمة كل قيمة ملازمة داخلياً للأشياء، ويغير كل يوم وكل ساعة علاقة جميع الأشياء بعضها ببعض على صعيد القيمة. فأين تبقى في هذا الإعصار الإمكانية لأجل تبادل يرتكز على المبادئ الأخلاقية؟ وفي هذا التذبذب المتواصل إلى أعلى وإلى أسفل يجب على كل امرئ أن يحاول اغتنام الفرصة السانحة لأجل الشراء والبيع، يجب على كل امرئ أن يصبح مضارباً، أي أن يحصد حيث لم يزرع، أن يغتني بفضل خسارة الآخرين، أن يبني حساباته على تعاسة الغير أو أن يغتنم الفرصة لأجل الكسب. إن المضارب يأمل دائماً في المصائب، وبخاصة في القحط، ويستغل كل شيء كما استغل، مثلاً، في حينه، حريق نيورورك. ولكن ذروة اللاأخلاقية هي المضاربة في البورصة بالأوراق المالية، المضاربة التي تنزل التاريخ، والبشرية معه، إلى دور وسيلة تلبي جشع المضارب الحذر أو المضارب المجازف. ولكن لا ينافقنّ التاجر ""الوقور"" المتأدب بصدد لعبة البورصة: أشكرك، أيها الخالق، وإلخ. إن هذا التاجر مقيت مثل المضاربين بالأوراق المالية، وهو يضارب بقدر ما يضاربون، ولا بد له من أن يضارب، - إذ إن المزاحمة تجبره على هذا، - وتجارته تنطوي، بالتالي، على تلك اللاأخلاقية التي تنطوي عليها صفقات رجال البورصة. إن حقيقة المزاحمة تتلخص في نسبة القوة المستهلكة إلى القوة المنتجة. وفي نظام جدير بالبشرية، لن تكون ثمة مزاحمة غير هذه. سيتعين على المجتمع أن يحسب ما يمكن إنتاجه بالوسائل الموجودة تحت تصرفه، وأن يعين، وفقاً لنسبة هذه القوة المنتجة إلى جمهور المستهلكين، إلى أي حد يصح زيادة أو تخفيض الإنتاج، إلى أي حد يصح إجازة البذخ أو الحد منه. ولكن لأجل تكوين فكرة صحيحة عن هذه النسبة وعن مقدار ازدياد القوة المنتجة الذي يمكن توقعه من تنظيم المجتمع بصورة معقولة، ليطالع قرائي بحوث الاشتراكيين الإنجليز، وكذلك جزئياً بحوث فوريه.

إن المزاحمة بين مختلف الأفراد، المنافسة بين الرأسمال والرأسمال، بين العمل والعمل وإلخ. في ظل هذه الظروف، تنحصر في التباري الذي يقوم على الطبيعة الإنسانية والذي لم يوضحه بصورة مقبولة حتى الآن غير فوريه، - التباري الذي سيجده، مع إزالة المصالح المتضادة، المجال الأصيل والمعقول الملازم له.
_____________
إن نضال الرأسمال ضد الرأسمال، نضال العمل ضد العمل، نضال الملكية العقارية ضد الملكية العقارية، يدفع الإنتاج إلى حالة من الحمى، تنقلب فيها جميع علاقاته الطبيعية والمعقولة رأساً على عقب. وما من رأسمال يستطيع أن يصمد لمزاحمة رأسمال آخر، إذا لم يطور نشاطه إلى أقصى حد. وما من قطعة أرض تمكن حراثتها بنفع، إذا لم يرتفع مردودها باستمرار. وما من عامل يصمد في وجه مزاحميه إذا لم يبذل في العمل جميع قواه إلى أقصى حد، دون أن يتنكر لجميع الأهداف الإنسانية حقاً. إن الاسترخاء في جانب هو حتماً عاقبة مثل هذا التوتر الخارق في الجانب الآخر. وحين يكون تذبذب المزاحمة تافهاً، وحين يكون الطلب والعرض متساويين تقريباً، فلا بد أن تحل في تطور الإنتاج مرحلة يظهر فيها فيض من القوة المنتجة كبير إلى حد أنه لا يتوفر شيء لجمهور ضخم من الشعب لأجل العيش، وإن الناس يشرعون يموتون جوعاً – وذلك بسبب الوفرة على وجه الضبط. وفي هذا المجال، وفي هذه السخافة المتجسدة، تتواجد إنجلترا زمناً مديداً. أما إذا تذبذب الإنتاج بمزيد من القوة، - وهذا عاقبة ضرورية لوضع الأمور الموصوف، - حل تعاقب الازدهار والأزمة، وفيض الإنتاج والركود. إ الاقتصادي لم يستطع يوماً أن يستوضح لنفسه هذه الحالة الجنونية؛ ولأجل توضيحها ابتدع نظرية السكان التي هي سخيفة بقدر سخافة هذا التناقض في وجود الغنى والفقر في آن واحد، وحتى سخيفة بقدر أكبر. إن الاقتصادي لم يتجرأ على رؤية الحقيقة. لم يتجرأ على الاعتراف بأن هذا التناقض هو عاقبة بسيطة للمزاحمة، وإلا لأطيح بكل نظامه.

أما بالنسبة لنا، فإن هذا أمر من السهل تفسيره. إن القوة المنتجة الموجودة تحت تصرف البشرية لا حد لها. ومن الممكن زيادة مردود الأرض إلى ما لا نهاية له بتوظيف الرأسمال والعمل والعلم. ومن الممكن في غضون عشر سنوات إيصال بريطانيا العظمى ""الفائضة السكان""، كما يستفاد من حسابات أبرز الاقتصاديين والإحصائيين (راجع أليسون، ""مبادئ السكان""، المجلد الأول، الفصل الأول والفصل الثاني) إلى حالة تتمكن فيها من إنتاج ما يكفي من الحبوب لأجل عدد من السكان يوازي ستة أضعاف عددهم الحالي. إن الرأسمال يزداد يوماً بعد يوم وقوة العمل تنمو مع نمو السكان، والعلم يخضع قوى الطبيعة للناس، يوماً بعد يوم، وبقدر أكبر فأكبر. وهذه القدرة المنتجة التي لا حد لها من شأنها، إذا ما استعملت عن وعي وفي مصلحة الجميع، أن تخفض في فترة وجيزة، وإلى الحد الأدنى، العمل الذي هو من نصيب البشرية؛ ومن شأنها، إذا وضعت تحت تصرف المزاحمة، أن تقوم بالأمر نفسه، ولكن في إطار التضاد. إن قسماً من الأرض يُعرض لأفضل أشكال الحراثة، بينما يبقى القسم الآخر – وفي بريطانيا العظمى وإرلندا 30 مليون أكر من الأرض الجيدة – غير محروث. ويدور قسم من الرأسمال بسرعة لا تصدق، بينما القسم الثاني يبقى ميتاً في الصناديق. ويشتغل قسم من العمال 14 – 16 ساعة في اليوم بينما القسم الآخر يبقى بلا عمل، بلا شغل، ويموت جوعاً. أو أن هذه الأضداد لا تفعل فعلها في آن واحد: اليوم تجري أمور التجارة جيداً، الطلب كبير جداً، في كل مكان يسير العمل، الرأسمال يدور بسرعة مدهشة، الزراعة تزدهر، العمال يشتغلون حتى الضنى – غداً يحل الركود، الزراعة لا تعوض الجهود المبذولة، تبقى مساحات كبيرة من الأرض غير محروثة، الرأسمال يتجمد فجأة في أوج حركته، العمال يبقون بلا شغل، والبلد كله يعاني من فيض الثروة وفيض السكان.
وسير الأمور هذا لا يمكن أن يعتبره الاقتصادي صحيحاً، وإلا تعين عليه، كما قيل، أن يتخلى عن كل نظامه القائم على المزاحمة؛ وتعين عليه أن يرى كل سخافة اختلاقه للتعارض بين الإنتاج والاستهلاك، بين فيض الثروة وفيض السكان. ولجعل هذا الواقع يتطابق مع النظرية، - ذلك أنه لم يكن من الممكن إنكار هذا الواقع – اخترعت نظرية السكان.
يزعم مالتوس، مؤسس هذا المذهب، أن السكان يضغطون دائماً على وسائل العيش، وأن عدد السكان يتزايد بقدر ما يتزايد الإنتاج، وأن الميل الملازم للسكان إلى التكاثر أكثر من وسائل العيش الموجودة تحت تصرفهم هو سبب الفقر كله، والعيوب كلها. لأنه حيث يوجد عدد من السكان أكثر من اللزوم، تعين إقصاؤهم بنحو أو آخر: إما يجب تمويتهم بالعنف، وإما يجب أن يموتوا جوعاً. وما أن يحدث هذا، حتى تتشكل من جديد ثغرة تمتلئ في الحال من جديد بفضل تكاثر السكان الباقين، ويحل الفقر السابق من جديد. وهكذا يحدث، حسب زعمه، وفي جميع الظروف، لا في الحالة الحضارية وحسب، بل أيضاً في الحالة الطبيعية. إن متوحشي هولندا الجديدة* حيث يوجد إنسان واحد بكل ميل مربع، يعانون من فيض السكان بقدر من الشدة كما في إنجلترا. خلاصة القول، إذا شئنا أن نكون منسجمين، تعين علينا أن نعترف بأن الأرض كانت فائضة السكان حتى عندما لم يكن يوجد سوى إنسان واحد. ومن هذه المحاكمة ينجم استنتاج مفاده ما يلي: بما أن الفقراء على وجه الضبط هم الفائضون، فلا يتعين فعل أي شيء من أجلهم عدا تسهيل موتهم جوعاً قدر الإمكان، وإقناعهم بأنه يستحيل تغيير أي شيء في هذا الصدد، وبأن الخلاص الوحيد لأجل طبقتهم يتلخص في التكاثر أقل ما يمكن؛ وإذا لم يسفر هذا عن أية نتيجة، تعين على الأقل، إنشاء مؤسسات حكومية لأجل إماتة أولاد الفقراء بلا ألم، كما اقترح ""ماركوس""، علماً بأنه يجب أن يكون نصيب كل عائلة عمالية ولدين ونصف ولد وأنه يجب إماتة الأولاد الزائدين عن هذه النسبة بلا ألم. يعتبر منح الصدقات جريمة، لأن هذا يعزز فيض السكان! وبالمقابل يعتبر من المفيد جداً إعلان الفقر جريمة وتحويل البيوت لأجل الفقراء إلى مؤسسات قمعية كما فعل ذلك في إنجلترا قانون الفقراء ""الليبرالي"" الجديد. صحيح أن هذه النظرية تتطابق بصورة سيئة جداً مع تعاليم الكتاب المقدس بصدد كمال الرب وخلقه، ولكنه ""سيء ذلك الدحض الذي يواجه الكتاب المقدس بالوقائع!"".
فهل يتعين عليّ أن أعرض بمزيد من التفصيل هذا المذهب الخسيس، السافل، هذا التجديف الكريه على الطبيعة البشرية، وأن أتتبع استنتاجاته اللاحقة؟ أخيراً، تبرز هنا أمامنا لاأخلاقية الاقتصادي في أرفع أشكالها. ماذا تعني جميع حروب وويلات نظام الاحتكار بالمقارنة مع هذه النظرية؟ والواقع أنها بالذات حجر الزاوية في نظام حرية التجارة الليبرالي، الحجر الذي لا بد أن ينهار الصرح كله إذا ما سقط. لأنه ما دام قد أقيم البرهان على أن المزاحمة هي هنا السبب الأول للفقر والبؤس والإجرام، فمن ذا الذي يتجاسر، والحالة هذه، أن يقول كلمة في الدفاع عنها؟
إن أليسون قد زعزع في المؤلف المذكور أعلاه نظرية مالتوس باستشهاده بالقوة المنتجة الملازمة للأرض، وبمعارضة مبدأ مالتوس رواقع أن كل امرئ راشد يستطيع أن ينتج أكثر مما يستهلك، - هذا الواقع الذي بدونه ما كانت البشرية تكاثرت، وحتى، فضلاً عن ذلك – ما كانت تواجدت، وإلا، بمَ كان من الممكن أن يعيش الجيل الناشئ؟ ولكن أليسون لا يتسرب إلى كنه الأمور، ويتوصل بالتالي في آخر المطاف، إلى نفس النتيجة التي توصل إليها مالتوس. صحيح أنه يبرهن عدم صحة مبدأ مالتوس، ولكنه عاجز عن دحض الوقائع التي ساقت مالتوس إلى مبدئه.
ولو أن مالتوس لم ينظر إلى القضية بنحو أحادي الجانب، لكان رأى، بلا مناص، أن فيض السكان أو فيض قوة العمل يرتبط دائماً بفيض الثروة، وفيض الرأسمال، وفيض الملكية العقارية. ولا يكون عدد السكان مفرطاً في الكبر إلا حيث القوة المنتجة مفرطة في الكبر عموماً. وهذا ما تبينه بوضوح ما بعده وضوح حالة كل بلد فائض السكان، وبخاصة إنجلترا، منذ أن كتب مالتوس. هكذا كانت تلك الوقائع التي كان يجب على مالتوس أن يدرسها بمجملها والتي كان لا بد لدراستها أن تؤدي إلى استنتاج صحيح، وعوضاً عن هذا، تمسك بواقع واحد، وترك الوقائع الأخرى جانباً، ولهذا خلص إلى استنتاج جنوني. وتلخص الخطأ الثاني الذي اقترفه في الخلط بين وسائل العيش ووسائل الشغل. إما أن السكان يضغطون دائماً على وسائل الشغل، وأن عدداً معيناً من الناس يمكن توفير شغل له، وأن العدد نفسه منهم يجري إنتاجه، - خلاصة القول إن إنتاج قوة العمل قد ضبطها حتى الآن قانون المزاحة، وأنه تعرض بالتالي هو أيضاً للأزمات والتذبذبات الدورية – فإن هذا واقع يعود الفضل في إثباته إلى مالتوس. ولكن وسائل الشغل ليست وسائل العيش. ففي حال ازدياد قوة الآلات ونمو الرأسمال، لا تتزايد وسائل الشغل إلا كنتيجة أخيرة. أما وسائل العيش، فإنها تتزايد في الحال ما إن تزداد القوة المنتجة نوعاً ما على العموم. وهنا يبرز تناقض جديد في الاقتصاد السياسي. فإن الطلب كما يفهمه الاقتصادي، ليس الطلب الفعلي، والاستهلاك، كما يفهمه، استهلاك مصطنع. إن الممثل الفعلي للطلب، المستهلك الفعلي، ليس بنظر الاقتصادي إلا ذاك الذي يستطيع أن يعرض معادلاً لما يحصل عليه. ولكن إذا كان من الواقع أن كل امرئ راشد ينتج أكثر مما يستطيع أن يستهلكه، وأن الأولاد مثل الأشجار التي تعيد النفقات عليها بفيض وعلاوة – وكل هذا من الواقع – فإنه ينبغي الظن أنه كان لا بد لكل عامل أن تتوفر له إمكانية إنتاج كمية أكبر بكثير من الكمية التي يحتاج إليها، وأنه كان لا بد للمجتمع بالتالي أن يزوده بطيبة خاطر بكل ما يلزم؛ كان ينبغي الظن أنه يجب أن تكون العائلة الكبيرة بالنسبة للمجتمع هدية مرغوب فيها شديد الرغبة. ولكن الاقتصادي لا يعرف، بحكم غلاظة مفاهيمه، أي معادل غير ما يُدفع نقوداً رنانة محسوسة. وهو مقيد في متضاداته بدرجة من الشدة بحيث إن الوقائع الدامغة للغاية قلما تقلقه مثلها في ذلك مثل المبادئ العلمية للغاية.
نحن نقضي على التناقض بمجرد أننا نلغيه. وحين تتمازج المصالح المتضادة حالياً، يزول التضاد بين فيض السكان في جهة وفيض الثروة في الجهة الأخرى، يزول ذلك الواقع المدهش، المدهش أكثر من جميع عجائب جميع الأديان مأخوذة معاً، وهو أنه لا بد للأمة أن تموت جوعاً بسبب الثروة والوفرة، على وجه الضبط؛ يزول الزعم الجنوني القائل إن الأرض عاجزة عن إطعام الناس. إن هذا الزعم هو أسمى آيات الحكمة في الاقتصاد السياسي المسيحي؛ أما أن اقتصادنا السياسي هو مسيحي من حيث الجوهر، ففي وسعي أن أبرهن هذا في كل موضوعة، في كل مقولة – وسأفعل هذا في حينه. إن نظرية مالتوس ليست سوى التعبير الاقتصادي عن العقيدة الدينية بصدد التناقض بين الروح والطبيعة وبصدد فساد الاثنتين النابع من هنا. وبطلان هذا التناقض الذي كشف من زمان في ميدان الدين ومعه، قد بينته كذلك، كما آمل، نظرية مالتوس بأنه كفؤ طالما لم يوضح لي، انطلاقاً من مبدئها بالذات، بأي نحو يمكن أن يموت الشعب جوعاً – بسبب الوفرة على وجه الضبط – وطالما لم يجعل الاقتصادي هذا التوضيح متطابقاً مع العقل والوقائع.
ولكن نظرية مالتوس كانت عاملاً انتقالياً ضرورياً بالتأكيد، دفعنا إلى الأمام إلى ما لا نهاية. فبواسطتها، كما على العموم بواسطة الاقتصاد السياسي، شرعنا نهتم بالقوة المنتجة للأرض البشرية. وبعد التغلب على هذا النظام الاقتصادي لليأس، ضمنّا أنفسنا إلى الأبد دون الخوف من فيض السكان. ومن نظرية مالتوس، نستمد أقوى الحجج الاقتصادية في صالح التحويل الاجتماعي، لأنه حتى لو كان مالتوس على حق بالتأكيد، لكان من الضروري مع ذلك الشروع حالاً في هذا التحويل، لأنه وحده دون غيره، لأن تنوير الجماهير المحقق بفضل هذا التحويل، من شأنهما وحدهما دون غيرهما أن يجعلا من الممكن أيضاً الحد المعنوي من غريزة التكاثر، الذي يعتبره مالتوس نفسه أسهل وسيلة ضد فيض السكان وأكثر الوسائل فعالية. وبواسطة هذه النظرية صرنا نفهم خارق إذلال البشرية، وتبعيتها لظروف المزاحمة؛ وقد بينت لنا هذه النظرية كيف حولت الملكية الخاصة الإنسان في آخر المطاف إلى بضاعة إنتاجها وإبادتها لا يتوقفان هما أيضاً إلا على الطلب؛ وكيف قتل نظام المزاحمة من جراء ذلك ويقتل يومياً ملايين الناس. وكل هذا رأيناه، وكل هذا يحفزنا على وضع حد لإذلال البشرية هذا عن طريق القضاء على الملكية الخاصة والمزاحمة وتضاد المصالح.
ولكن لنرجع مرة أخرى إلى النسبة بين القوة المنتجة والسكان لكي نبين إلى أي حد يخلو الخوف الواسع الانتشار من فيض السكان من دون أي مبرر كان. فإن نظام مالتوس يقوم كله على الحساب التالي. إن عدد السكان ينمو، كما يزعم مالتوس، بمتوالية هندسية: 1+2+ 4+ 8+ 16+ 32 وإلخ: وإن القوة المنتجة للأرض تنمو بمتوالية حسابية: 1+ 2+ 3+ 4+ 5+ 6+. الفرق جلي، مرعب؛ ولكن هل هو صحيح؟ أين أقيم البرهان على أن القوة المنتجة للأرض تنمو بمتوالية حسابية؟ لنفترض أن مساحة الأرض المحروثة محدودة. إن قوة العمل المبذولة في هذه المساحة تنمو مع نمو السكان، وحتى لنفترض أن مقدار الغلة ليس دائماً يزداد مع ازدياد نفقة العمل بنفس القدر الذي يزداد به العمل؛ وفي هذه الحالة يبقى عنصر ثالث ليس له، بالطبع، أية أهمية بنظر الاقتصادي، هو العلم؛ والحال أن تقدمه لا نهاية له، ويجري، على الأقل، بنفس السرعة التي يجري بها نمو السكان، وبأي نجاحات تدين الزراعة في هذا القرن للكيمياء وحدها، وحتى لشخصين فقط، هما السير همفري ديفي ويوستوس ليبيخ؟ ولكن العلم ينمو، على القل، بالسرعة التي ينمو بها السكان. ينمو السكان بنسبة عدد أفراد الجيل الأخير، ويتحرك العلم إلى الأمام بنسبة كتلة المعارف التي ورثها من الجيل السابق، ولذا ينمو العلم هو أيضاً، في الظروف العادية تماماً، بمتوالية هندسية. وما هو المستحيل على العلم؟ ولكن من المضحك التحدث عن فيض السكان ما دام ""يوجد في وادي المسيسيبي من الأراضي غير المحروثة ما يكفي لأجل نقل كل سكان أوروبا إليه""، ما دام من الممكن على العموم اعتبار الثلث فقط من الأرض محروثاً، وما دام من الممكن زيادة منتوج هذا الثلث من الأرض إلى ستة أضعاف وأكثر، وذلك عن طريق تطبيق الأساليب المحسّنة المعروفة حالياً لحراثة الأرض، وعن طريقها فقط.
______________
إذن، تعارض المزاحمة الرأسمال بالرأسمال والعمل بالعمل والملكية العقارية بالملكية العقارية، كما تعرض كلاً من هذه العناصر بالعنصرين الآخرين. وفي الصراع ينتصر الأقوى؛ وللتكهن بنتائج هذا الصراع، يجب علينا أن ندرس قوى المتصارعين. أولاً، الملكية العقارية والرأسمال – وكل مهما بمفرده – أقوى من العمل، لأنه يتعين على العامل أن يعمل لكي يعيش، بينما يستطيع مالك الأرض أن يعيش من ريعه والرأسمالي من فوائده، وعلى الأقل، من رأسماله أو بفضل الملكية العقارية المحولة إلى رأسمال. ومن جراء هذا، لا يبقى للعامل غير الضروري الضروري، لا يبقى له غير وسائل العيش، بينما يتقاسم الرأسمال والملكية العقارية أغلبية المنتوجات. وفضلاً عن ذلك، يزحزح العامل القوي من السوق العامل الضعيف، والرأسمال الكبير الرأسمال الصغير، والملكية العقارية الكبيرة الملكية العقارية الصغيرة. وتؤكد الممارسة صحة هذا الاستنتاج. وإنها لمعروفة أفضليات الصناعي الكبير والتاجر الكبير بالنسبة للصناعي الصغير والتاجر الصغير، ومالك الأرض الكبير بالنسبة لمالك مورغن* واحد وحيد من الأرض. ومن جراء هذا، يبتلع الرأسمال الكبير والملكية العقارية الكبيرة، في الظروف العادية، بموجب حق القوي، الرأسمال الصغير والملكية العقارية الصغيرةن أي يجري تمركز الملكية. وأثناء الأزمات التجارية والزراعية، يجري هذا التمركز بسرعة أكبر بكثير. – وعلى العموم تنمو الملكية الكبيرة بصورة أسرع بكثير مما تنمو الملكية الصغيرة لأنه يُحسَم من الدخل لأجل تكاليف الحيازة في الملكية الكبيرة نصيب أقل بكثير. وتمركز الملكية هذا هو قانون ملازم للملكية الخاصة بقدر ما تلازمها جميع القوانين الأخرى، ولا بد للطبقات المتوسطة أن تزول أكثر فأكثر حتى صبح العالم مقسوماً إلى مليونيرين وفقراء مدقعين، إلى ملاكين عقاريين كبار ومياومين فقراء. ولن يجدي نفعاً أي قانون، أو أي تقسيم للملكية العقارية، أو اية تقسيمات للرأسمال من باب الصدفة؛ فلا بد لهذه النتيجة أن تحل وهي تحل إذا لم يسبقها تحويل العلاقات الاجتماعية تحويلاً تاماً، وتمازج المصالح المتضادة، والقضاء على الملكية الخاصة.
إن المزاحمة الحرة، شعار الاقتصاديين الرئيسي في أيامنا، هي شيء مستحيل، فقد كان الاحتكار ينوي، على الأقل، وقاية المستهلك من الخداع، رغم أنه لم يكن بمقدوره أن يحقق هذه النية. أما القضاء على الاحتكار، فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام الخداع. أنتم تقولون: المزاحمة تنطوي على الوسيلة ضد الخداع، إذ أن أحداً لن يشتري أشياء رديئة، ولكن هذا يعني أنه ينبغي أن يكون كل امرئ خبيراً في كل صنف من البضائع؛ وهذا مستحيل. ومن هنا ضرورة الاحتكار، كما تبين تجارة الكثير من البضائع. يجب أن تملك الصيدليات وما إليها الاحتكار. والبضاعة الأهم – النقود – تحتاج، أشد ما تحتاج، إلى الاحتكار على وجه الضبط. وكلما كانت أداة التداول تكف عن أن تكون احتكار الدولة، كانت تنشب أزمة تجارية! ولذا يعترف الاقتصاديون الإنجليز، بمن فيهم الدكتور ويد، بضرورة الاحتكار هنا. ولكن الاحتكار أيضاً لا يقي من النقود المزيفة. انظروا إلى المسألة من أي جانب كان، فإن كل جانب يعرض من المصاعب قدر ما يعرضه أي جانب آخر. إن الاحتكار يلد المزاحمة الحرة، والمزاحمة الحرة تلد – بدورها – الاحتكار: ولهذا يجب أن يسقطا كلاهما، ومع إزالة مبدأ ولادتهما ستزول المصاعب نفسها أيضاً.
____________
لقد تسربت المزاحمة إلى جميع علاقاتنا الحياتية وأنجزت الاستعباد المتبادل الذي يتواجد فيه الناس حالياً. والمزاحمة هي تلك الآلية الجبارة التي تدفع المرة تلو المرة إلى النشاط نظامنا الاجتماعي بسبيل الشيخوخة أو بسبيل الهرم أو بالأصح انعدام النظام، ولكن التي تبتلع في الوقت نفسه قسماً من قواه المستضعفة في حال توتيرها كل مرة. إن المزاحمة تسود على نمو البشرية العددي، وهي تسود كذلك على تطورها الأخلاقي. إن من يلم، ولو نوعاً ما، بإحصاءات الإجرام، الإجرام سنوياً، والذي تلد به أسباب معينة جرائم معينة. إن انتشار النظام المصنعي يؤدي في كل مكان إلى تفاقم الإجرام. ومن الممكن التكهن سلفاً بما يكفي من الدقة، سواء بالنسبة لمدينة كبيرة أم بالنسبة إلى مدينة صغيرة، - كما لم يكن ذلك من النادر في إنجلترا – بالعدد السنوي للاعتقالات والجرائم الجنائية، وحتى بعدد جرائم القتل، وعدد جرائم السرقة مع العنف، وعدد السرقات الصغيرة وإلخ.. إن هذا الانتظام يبرهن أن الإجرام أيضاً توجهه المزاحمة، وإن المجتمع يخلق الطلب على الإجرام، وإن هذا الطلب يلبيه عرض مناسب؛ وإن الثغرة التي تتشكل إثر عمليات الاعتقال أو النفي أو الإعدام التي تطال عدداً معيناً من الناس، يسدها في الحال من جديد أناس آخرون، مثلما كل نقص في السكان، يسده في الحال قادمون جدد، وبتعبير آخر نقول إن الإجرام يضغط على وسائل العقاب مثلما يضغط السكان على وسائل الشغل. وإني لأترك لقرائي القول إلى أي حد من العدالة تمضي معاقبة المجرمين في هذه الظروف، ناهيك عن جميع الظروف الأخرى. فهنا يهمني أمر واحد فقط، هو أن أثبت انتشار المزاحمة في ميدان الأخلاق أيضاً وأن أبين أي درك من الانحطاط ساقت الملكية الخاصة الإنسان.
___________
في نضال الرأسمال والملكية العقارية ضد العمل، يملك العنصران الأولان في وجه العمل أفضلية خاصة أخرى، هي مساعدة العلم، لأن العلم أيضاً موجه في ظل العلاقات الراهنة ضد العمل. مثلاً: الاختراعات الميكانيكية جميعها تقريباً، وبخاصة آلات هارغريفس وكرومبتون واركرايت لغزل القطن، قد استدعاها نقص قوة العمل. إن الطلب المشتد على العمل قد استتبع دائماً اختراعات زادت كثيراً من قوة العمل وقللت بالتالي من الطلب على العمل البشري. وإن تاريخ إنجلترا منذ 1770 حتى أيامنا دليل متواصل على هذا. والاختراع الكبير الأخير في غزل القطن - المول* - قد استتبعه الطلب الخارق على العمل وارتفاع الأجور، وقد ضاعف عمل الآلات، وخفض بالتالي العمل اليدوي إلى النصف، وحرم نصف العمال من العمل، وخفض بالتالي أجور النصف الآخر؛ وقضى على اتفاق العمال ضد الصناعيين ودمر البقية الأخيرة من القوة التي كانت لا تزال تتيح للعمل أن يصمد في الصراع غير المتكافئ ضد الرأسمال. (قارن الدكتور يور. ""فلسفة المانيفاكتورات""، المجلد 2). صحيح أن الاقتصادي يقول إن الآلات نافعة للعمال في آخر المطاف لأنها ترخص الإنتاج وتخلق بالتالي لأجل منتوجاتها سوقاً أوسع، وإن الآلات تؤمن على هذا النحو، من جديد، وفي آخر المطاف، شغلاً للعمال الذين بقوا بلا عمل. صحيح تماماً. ولكن لماذا ينسى الاقتصادي هنا أن إنتاج قوة العمل تضبطه المزاحمة، وأن قوة العمل تضغط دائماً على وسائل الشغل، وأنه سيظهر بالتالي، من جديد نحو الزمن الذي لا بد أن تحل فيه هذه المنافع، عدد فائض من المتزاحمين الذين يفتشون عن عمل، وأن المنفعة تمسي بالتالي شبحاً، بينما الخسارة – الحرمان المفاجئ من وسائل العيش بالنسبة لنصف العمال وهبوط أجور النصف الآخر – ليست البتة شبحاً؟ لماذا ينسى الاقتصادي أن تقدم الاختراعات لا يتوقف أبداً وأن هذه الخسارة تتأبد بالتالي؟ لماذا ينسى أن العامل لا يستطيع أن يعيش – في ظل تقسيم العمل، المتعاظم إلى ما لا نهاية له بفضل حضارتنا – إلا إذا كان بوسعه أن يجد مجالاً لبذل قواه على آلة معينة للقيام بعمل جزئي معين؛ وأن الانتقال من شغل إلى آخر، جديد، مستحيل تماماً على الدوام تقريباً بالنسبة للعامل الراشد؟
ومع دراسة تأثير الإنتاج الآلي، أصل إلى موضوع آخر، أبعد، هو النظام المصنعي؛ ولكن لا رغبة عندي ولا وقت للانصراف هنا إلى بحثه. ولكني آمل في أن تسنح لي الفرصة عما قريب لكي أحلل بالتفصيل لاأخلاقية هذا النظام الكريه وأفضح بلا هوادة نفاق الاقتصاديين الذين يبرزون هنا بكل لمعانهم. 

جوزيف ستالين: كراس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية

 كراس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية - ترجمة :حسقيل قوجمان


مقدمة المترجم: كان ستالين عضوا رئيسيا في اللجنة التي اضطلعت بكتابة موجز تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي (البلشفي) الذي كتب بعد صياغة الدستور الاشتراكي سنة 1936 وصدر في السنوات التالية. وقد اضطلع ستالين بمهمة تلخيص كتابات لينين في التسلسل التاريخي لنضال الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الحزب الشيوعي). وبين في تلخيصه لهذه الكتابات السبب الذي دعا الى كتابتها والظروف التي حتمت صدور مثل هذه الكتابات.
وحين بلغ تاريخ الحزب الفترة التي كتب فيها لينين كتابه الشهير "المادية والنقد التجريبي" وهو كتاب اختص بالدفاع عن المادية الديالكتيكية وتفنيد تحريفها الذي انتشر في فترة انتكاس نضال الحزب الشيوعي رأي ستالين ان من العسير تلخيص كتاب ضخم كهذا ففضل كتابة هذا الكراس الذي يعالج بايجاز نفس الغرض من كتاب لينين، اي الدفاع عن المادية الديالكتيكية. فكان هذا الكتاب شرحا وتوضيحا رائعا للمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية.

لذا لم اجد، تلبية لطلب احد زوار موقعي في الحوار المتمدن، مني كتابة شيء عن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية خيرا من ترجمة كراس ستالين وتقديمه لزواري الاعزاء توخيا للفائدة العظيمة التي يقدمها هذا الكراس لكل من يرغب مخلصا في خدمة الطبقة العاملة والكادحين وتحرير شعبه من استعباد الراسمالية الامبريالية والراسمالية المحلية الموالية لها. ارجو ان اكون وفقت في تقديم هذه الخدمة لقرائي الاعزاء.

المادية الديالكتيكية هي النظرة العالمية للحزب الماركسي اللينيني. وهي تدعى مادية ديالكتيكية لان نهجها للظواهر الطبيعية، اسلوبها في دراسة هذه الظواهر وتفهمها ديالكتيكي بينما تفسيرها للظواهر الطبيعية، فكرتها عن هذه الظواهر، نظريتها مادية.

المادية التاريخية هي امتداد مبادئ المادية الديالكتيكية على دراسة الحياة الاجتماعية، تطبيق مبادئ المادية الديالكتيكية على ظواهر الحياة الاجتماعية وعلى دراسة المجتمع وتاريخه.

لدى وصف ماركس وانجلز اسلوبهما الديالكتيكي، يشيران عادة إلى هيغل باعتباره الفيلسوف الذي صاغ المعالم الرئيسية للديالكتيك. الا ان هذا لا يعني ان ديالكتيك ماركس وانجلز متطابق مع ديالكتيك هيغل. في الواقع أخذ ماركس وانجلز من الديالكتيك الهيغلي "نواته المعقولة" نابذين قشرته المثالية وطوراها ابعد من ذلك لكي يضفوا عليها شكلا علميا.

يقول ماركس: "ان اسلوبي الديالكتيكي لا يختلف عن الديالكتيك الهيغلي وحسب، بل هو نقيضه المباشر. فهيغل يحول عملية التفكير، التي يطلق عليها اسم الفكرة حتى إلى ذات مستقلة، انها خالق العالم الحقيقي، ويجعل العالم الحقيقي مجرد شكل خارجي ظواهري ُللفكرةُ. اما بالنسبة لي، فعلى العكس من ذلك، ليس المثال سوى العالم المادي الذي يعكسه الدماغ الانساني ويترجمه إلى اشكال من الفكر." (كارل ماركس، الراسمال، الجزء الاول، ص 30 الطبعة الانجليزية)

لدى وصف ماركس وانجلز ماديتهما يشيران عادة إلى فويرباخ باعتباره الفيلسوف الذي اعاد المادية إلى صوابها، الا ان هذا لا يعني ان مادية ماركس وانجلز متطابقة مع مادية فويرباخ. في الواقع اخذ ماركس وانجلز من مادية فويرباخ "لبها" الداخلي وطوراه إلى نظرية المادية العلمية الفلسفية ونبذا "قشرتها" المثالية الدينية الاثنية. نعلم ان فويرباخ، ولو انه كان ماديا بالاساس، اعترض على اسم المادية. وقد صرح انجلز اكثر من مرة ان " فويرباخ على الرغم من الاساس المادي، بقي مكبلا بالقيود المثالية التقليدية"، وان "المثالية الحقيقية لفويرباخ تظهر بوضوح حالما ناتي إلى فلسفته عن الدين والاثنية". (كارل ماركس، مؤلفات، الطبعة الانجليزية، الجزء الاول ص 439 - 442).

تأتي كلمة ديالكتيك من
Dialigo الاغريقية، المجادلة، المناقشة. في العصور الغابرة كان الديالكتيك فن التوصل إلى الحقيقة عن طريق كشف التناقضات في مجادلة الغريم والتغلب على هذه التناقضات. كان ثمة فلاسفة في العصور القديمة اعتقدوا ان كشف التناقضات في الفكرة وتصادم الافكار المتناقضة كان افضل وسيلة للتوصل إلى الحقيقة. هذه الطريقة الديالكتيكية في الفكر، امتدت فيما بعد إلى الظواهر الطبيعية، وتطورت إلى الاسلوب الديالكتيكي لتفهم الطبيعة، الاسلوب الذي يعتبر الظواهر الطبيعية في حركة دائمة وتطرأ عليها تغييرات دائمة، ويعتبر تطور الطبيعة نتاجا لتطور الظروف في الطبيعة نتيجة التفاعل المتبادل بين قوى الطبيعة المتضادة.

إن الديالكتيك في جوهره هو النقيض المباشر للميتافيزيق.

1) ان المعالم الاساسية للاسلوب الديالكتيكي الماركسي هي كما يلي:

أ?) على العكس من الميتافيزيق، لا يعتبر الديالكتيك الطبيعة تراكما عرضيا من الاشياء، أو الظواهر، لا ترتبط احداها بالاخرى، أو منعزلة ومستقلة احداها عن الاخرى، بل يعتبرها كيانا كليا مرتبطا ارتباطا لا ينفصم تكون فيه الاشياء والظواهر مرتبطة ارتباطا عضويا وتعتمد احداها على الاخرى وتقرر احداها الاخرى.

ب?) وعليه فان الاسلوب الديالكتيكي يعتبر انه لا يمكن فهم اية ظاهرة طبيعية اذا اخذت بذاتها، منعزلة عن الظواهر المحيطة بها، إلى حد ان اية ظاهرة في اي مجال من الطبيعة قد تصبح عديمة المعنى لنا اذا لم تدرس بالترابط مع الظروف المحيطة بها، بل بالانفصال عنها، وانه على العكس من ذلك يمكن تفهم اية ظاهرة وتوضيحها اذا درست في ارتباطها الذي لا تنفصم عراه مع الظواهر المحيطة بها، كظاهرة تقررها الظروف والظواهر المحيطة بها.

ج?) على العكس من الميتافيزيق، يعتبر الديالكتيك ان الطبيعة ليست في حالة سكون وعدم حركة وجمود وعدم تغير، بل في حالة حركة دائمة وتغير مستمر، حالة تجدد وتطور مستمرين، حيث ينشأ شيء ما جديد ومتطور على الدوام وشيء متفسخ وزائل على الدوام.
وعليه فان الاسلوب الديالكتيكي يتطلب دراسة الظواهر ليس فقط من وجهة نظر علاقاتها المتبادلة واعتماد بعضها على البعض، بل كذلك من وجهة نظر حركتها وتغيرها وتطورها، من وجهة نظر نشوئها وزوالها.

إن الاسلوب الديالكتيكيي يعتبر ذا اهمية اساسية ليس ذلك الذي يبدو في اللحظة الراهنة دائم الوجود مع انه قد بدأ فعلا في الزوال، بل ذلك الذي ينشأ ويتطور، حتى لو كان يبدو في اللحظة الراهنة غير دائم الوجود، لان الاسلوب الديالكتيكي لا يعتبر شيئا لا يقهر الا ذلك الناشئ والدائم التطور.

يقول انجلز : "الطبيعة كلها من اصغر الاشياء إلى اكبرها، من حبة الرمل إلى الشمس، من البروتيستا إلى الانسان، هي في حالة دائمة من النشوء والزوال، في حالة تغير متواصل، في حالة حركة وتغير لا يتوقفان." (ف . انجلز، ديالكتيك الطبيعة)

وعليه يقول انجلز ان الديالكتيك "ياخذ الاشياء وصورها المحسوسة بالجوهر في ترابطها المتبادل، في تسلسلها، في حركتها، في نشوئها وفي اختفائها". (نفس المصدر)

د?) على العكس من الميتافيزيق، لا يعتبر الديالكتيك عملية التطور انها عملية نمو بسيطة، حيث لا تتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية، بل على انها تطور يجتاز من تحولات كمية تافهة غير محسوسة إلى تحولات اساسية مكشوفة، إلى تحولات كيفية، يعتبرها تطورا لا تحدث التغيرات الكيفيه فيه بصورة تدريجية، بل بصورة سريعة ومفاجئة، تتخذ شكل طفرة من حالة إلى حالة اخرى، لا تحدث بصورة عرضية بل نتيجة طبيعية لتراكم تغيرات كمية غير محسوسة وتدريجية.

وعليه فان الاسلوب الديالكتيكي يعتبر ان عملية التطور يجب تفهمها ليس كحركة في دائرة، ليس كتكرار بسيط لما كان قد حدث فعلا، بل كحركة إلى امام والى الاعلى، كتحول من حالة كيفية قديمة إلى حالة كيفية جديدة، كتطور من البسيط إلى المركب، من الادنى إلى الاعلى.

يقول انجلز: "ان الطبيعة اختبار الديالكتيك، ويجب ان يقال لصالح العلم الطبيعي الحديث انه قد زودنا بمواد غنية جدا ومطردة الازدياد يوميا لهذا الاختبار، انه اثبت بهذا ان عملية الطبيعة بالتحليل الاخير ديالكتيكية وليست ميتافيزيقية، على انها لا تتحرك في دائرة ازلية الانسجام تتكرر على الدوام، بل تجتاز غبر تأريخ حقيقي. هنا يجب ان نذكر بالاساس داروين الذي وجه ضربة شديدة للفكر الميتافيزيقي عن الطبيعة ببرهانه على ان العالم العضوي المعاصر، النبات والحيوان، وعليه كذلك الانسان، كله نتاج عملية تطور كانت في تقدم ملايين السنين". (ف . انجلز، ضد دوهرينغ)

ويقول انجلز في سياق وصفه التطور الديالكتيكي كتحول من التغيرات الكمية إلى التغيرات الكيفية:

"في الفيزياء ... يشكل كل تغير تحولا من الكمية إلى الكيفية، نتيجة لتغير كمي من شكل معين من الحركة، اما ان تكون كامنة في الجسم، أو موجهة له. فعلى سبيل المثال، ان درجة حرارة الماء ليس لها في البداية تأثير على الحالة السائلة، ولكن حين ترتفع درجة حرارة الماء السائل أو تنخفض، تحل لحظة حيث تتغير هذه الحالة من التماسك وينقلب الماء إلى بخار في الحالة الاولى والى ثلج في الحالة الثانية ... يلزم حد ادنى من التيار ليجعل سلك البلاتينيوم يتوهج. كل معدن له درجة حرارة انصهار، كل سائل له درجة حرارة انجماد ودرجة غليان معينة تحت ضغط جوي معين، وبقدر ما نستطيع بالوسائل المتوفرة تحت تصرفنا بلوغ درجات الحرارة المطلوبة. واخيرا، كل غاز له النقطة الحرجة التي عندها، تحت الضغط والتبريد المناسب، يمكن تحويله إلى حالة السيولة. ان ما يعرف بالدرجات الثابتة في الفيزياء (الدرجة التي تتحول بها حالة معينة إلى حالة اخرى) هي في اغلب الاحيان تعبير عن النقاط العقدية التي يؤدي (التغيير) الكمي فيها، زيادة أو نقصان الحركة إلى تغير كيفي في حالة الجسم المعين، تتحول نتيجة لها الكمية إلى كيفية." (ديالكتيك الطبيعة)

منتقلا إلى الكيمياء يواصل انجلز:

"يمكن تسمية الكيمياء علم التغيرات الكيفية التي تحدث في الاجسام نتيجة لتغيرات التركيب الكمي. كان هذا معلوما لدى هيغل ... خذوا مثلا الاكسيجين، اذا احتوت الجزيئة على ثلاث ذرات بدلا من ذرتين في الجزيئة الاعتيادية، نحصل على الاوزون وهو جسم متميز جدا في الرائحة والتفاعل عن الاكسيجين العادي. وماذا يمكن القول عن الخواص المختلفة التي يتحذ فيها الاكسيجين مع النيتروجين أو الكبريت وكل مركب منها يشكل جسما مختلفا كيفيا عن الاجسام الاخرى؟" (نفس المصدر)

وأخيرا، لدى انتقاد دوهرينغ الذي وبخ هيغل عن كل كفاءاته ولكنه اختلس منه مقولته المعروفة بان الانتقال من العالم غير المحسوس إلى العالم المحسوس، من مملكة المادة غير العضوية إلى مملكة الحياة العضوية، هو طفرة جديدة، يقول انجلز:

"هذا هو بالضبط خط قياس العلاقات الهيغلية الحرجة التي فيها، في نقاط حرجة معينة، تؤدي الزيادة أو النقصان الكمي البحت إلى طفرة كيفية، فمثلا، في حالة الماء الذي يسخن أو يبرد، حيث تشكل نقطة الغليان ونقطة الانجماد النقطتاه اللتان فيها، تحت ضغط جوي اعتيادي، الطفرة إلى حالة تكتلية جديدة، والتي فيها نتيجة لذلك تتحول الكمية إلى كيفية." (ضد دوهرينغ)

د?) على العكس من الميتافيزيقية تعتبر الديالكتيكية ان التناقضات الداخلية ملازمة في جميع الاشياء والظواهر في الطبيعة، لانها جميعا تحتوي على جانبيها السلبي والايجابي، جانبيها الماضي والمستقبل، شيء زائل وشيء متطور، وان الصراع بين هذين النقيضين، الصراع بين القديم والجديد، بين ما هو زائل وما هو مولود، بين ما يجري اختفاؤه وما يجري تطوره، يشكل المحتوى الداخلي لعملية التطور، المحتوى الداخلي لتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية.

وعليه فإن الأسلوب الديالكتيكي يعتبر أن عملية التطور من الادنى إلى الاعلى لا يحدث بصورة كشف منسجم للظواهر، بل بصورة كشف عن التناقضات الملازمة في الاشياء والظواهر، بصورة "صراع" الميول المتناقضة التي تعمل على اساس هذه التناقضات.

يقول لينين: "ان الديالكتيك بمعناه الاعتيادي هو دراسة التناقضات في جوهر الاشياء بالذات" (لينين، ملاحظات فلسفية، ص 263 الطبعة الروسية)

واكثر من ذلك:

"ان التطور هو صراع الاضداد" (لينين، مختارات، الطبعة الانجليزية، م 11 ص 81 - 82)

هذه باختصار مبادئ ومعالم الاسلوب الديالكتيكي الماركسي.

من السهل ان نفهم عظم اهمية امتداد مبادئ الاسلوب الديالكتيكي على دراسة الحياة الاجتماعية وتأريخ المجتمع، وعظم اهمية تطبيق هذه المبادئ على تاريخ المجتمع وعلى الانشطة العملية لحزب البروليتاريا.

اذا لم تكن ثمة ظواهر منعزلة في العالم، اذا كانت جميع الظواهر متبادلة الاتصال ومتبادلة الاعتماد، فمن الواضح ان كل نظام اجتماعي وكل حركة اجتماعية في التاريخ لا يجب تثمينها من وجهة نظر "العدل الازلي" أو اية فكرة اخرى مسبقة، كما يفعل المؤرخون في احيان كثيرة، بل من وجهة نظر الظروف التي انشأت ذلك النظام أو تلك الحركة الاجتماعية والتي ترتبط بها.

يكون نظام العبودية عديم المعنى، أحمقا وغير طبيعي في الظروف الحديثة. الا انه في ظروف تحلل النظام المشاعي البدائي، يكون نظام العبودية ظاهرة مفهومة تماما وطبيعية نظرا إلى انه يمثل تقدما بالنسبة لنظام المشاعية البدائية.

ان المطالبة بجمهورية برجوازية ديمقراطية حين كانت توجد القيصرية والمجتمع البرجوازي، كما، يمكننا القول، في روسيا سنة 1905، كانت مطالبة مفهومة وصحيحة وثورية، اذ ان الجمهورية البرجوازية في ذلك العهد كانت تعني خطوة إلى امام. اما الان، في ظروف الاتحاد السوفييتي، تكون المطالبة بجمهورية ديمقراطية برجوازية عديمة المعنى ومضادة للثورة لان الجمهورية البرجوازية تكون خطوة تراجعية بالقياس إلى الجمهورية السوفييتية.

كل شيء يعتمد على الظروف والزمان والمكان.

واضح انه بدون النهج التاريخي تجاه الظواهر الاجتماعية يصبح وجود وتطور علم الاجتماع مستحيلا، اذ ان نهجا كهذا فقط يقي علم الاجتماع من ان يصبح غابة من الاحداث الطارئة وجمعا من اكثر الاخطاء حماقة.

واكثر من ذلك، اذا كان العالم في حالة حركة دائمة وتطور مستمر، اذا كان زوال القديم ونشوء الجديد قانونا للتطور، فمن الجلي الواضح انه لا يمكن ان يوجد نظام اجتماعي "لا يتغير" أو تكون ثمة "مبادئ ازلية" للملكية الخاصة والاستغلال وتكون "افكار ازلية" لخضوع الفلاح للملاك، أو العامل للراسمالي.

وعليه يمكن احلال المجتمع الاشتراكي محل المجتمع الراسمالي، بالضبط كما كان بالامكان في عهد النظام الاقطاعي احلال النظام الراسمالي محل النظام الاقطاعي.

وعليه يجب الا نوجه اتجاهاتنا على طبقات المجتمع التي لم تعد تتطور، رغم انها تشكل في الحال الحاضر القوة السائدة، بل إلى الطبقات التي تتطور ولها المستقبل امامها، حتى لو لم تكن في الحال الحاضر تشكل القوة السائدة.

في ثمانينات القرن المنصرم، في فترة الصراع بين الماركسيين والناروديين (الشعبيين)، كانت البروليتاريا الروسية تؤلف اقلية ضئيلة من السكان، بينما كان الفلاحون يشكلون الاغلبية الساحقة من السكان. الا ان البروليتاريا كانت تتطور كطبقة، بينما كان الفلاحون كطبقة في حالة تفكك. ولان البروليتاريا فقط كانت متطورة كطبقة وجه الماركسيون اتجاهاتهم إلى البروليتاريا. ولم يكن الماركسيون على خطأ لان البروليتاريا كما نعلم نمت بالتالي من قوة ضئيلة إلى قوة تأريخية وسياسية من الدرجة الاولى.

وعليه، لكي لا يخطئ المرء في السياسة، عليه ان ينظر إلى الامام لا إلى الوراء.

واكثر من ذلك، اذا كان الانتقال من التغيرات الكمية البطيئة إلى تغيرات كيفية سريعة مباشرة قانونا للتطور، فان من الواضح الجلي ان الثورات التي تعلنها الطبقات الخاضعة للاستغلال هي ظاهرة طبيعية وحتمية.

وعليه فان الانتقال من الراسمالية إلى الاشتراكية، وتحرير الطبقة العاملة من نير الراسمالية لا يمكن تحقيقه بتغيرات بطيئة، بالاصلاحات، بل بتغيير كيفي للنظام الراسمالي، بالثورة.

وعليه لكي لا يخطئ المرء في السياسة، عليه ان يكون ثوريا لا اصلاحيا.

واكثر، اذا كان التطور يجري عن طريق كشف التناقضات الداخلية، عن طريق التصادم بين القوى المضادة على اساس هذه التناقضات ومن اجل التغلب على هذه التناقضات، فان من الجلي الواضح ان الصراع الطبقي للبروليتاريا ظاهرة طبيعية جدا وحتمية.

وعليه يجب الا نستر تناقضات النظام الراسمالي بل ان نكشفها ونزيل القناع عنها. علينا الا نحاول وقف الصراع الطبقي بل ان نواصله حتى نهايته.

وعليه، لكي لا يخطئ المرء في السياسة، عليه ان يتبع سياسة طبقية بروليتارية لا تساومية، لا سياسة اصلاحية للانسجام بين مصالح البروليتاريا ومصالح البرجوازية، لا سياسة الاصلاحيين في "نمو الراسمالية إلى الاشتراكية".

هذا هو الاسلوب الديالكتيكي الماركسي لدى تطبيقه على الحياة الاجتماعية، على تاريخ المجتمع.

اما المادية الفلسفية الماركسية، فهي في الاساس الضد المباشر للمثالية الفلسفية.

1) ان المعالم الاساسية للمادية الفلسفية الماركسية هي كالاتي:

أ?) على العكس من المثالية التي تعتبر العالم تجسيدا "لفكرة مطلقة"، "لروح كونية" "للوعي" تعتبر مادية ماركس الفلسفية ان العالم بذات طبيعته، مادة. وان الظواهر المتعددة الاوجه للعالم تؤلف اشكالا مختلفة لمادة في حركة. وان الترابط المتبادل والاعتماد المتبادل للظواهر الذي يحققه الاسلوب الديالكتيكي، هو قانون تطور المادة المتحركة. وان العالم يتطور وفقا لقوانين حركة المادة بلا حاجة إلى "روح كونية".

يقول انجلز " ان النظرية المادية العالمية هي ببساطة ادراك الطبيعة كما هي، بدون اي تحفظ" (لودفيغ فويرباخ)

لدى التحدث عن وجهات النظر المادية للفيلسوف القديم هرقليستس الذي اعتبر ان "العالم، الكل في واحد، لم يخلقه اي اله أو اي انسان، بل انه كائن وسيبقى كائنا إلى الابد، يندلع اندلاعا منتظما ويخبو بانتظام" علق لينين قائلا "عرض جيد جدا لبدايات المادية الديالكتيكية". (ملاحظات فلسفية، طبعة روسية، ص 318)

ب?) على العكس من المثالية التي تؤكد على ان عقلنا وحده موجود حقا، وان العالم المادي، الوجود، الطبيعة، لا توجد الا في عقلنا، في احساساتنا وافكارنا وادراكنا، تغتبر المادية الفلسفية الماركسية ان المادة، الطبيعة، الوجود، هي حقائق موضوعية قائمة خارج عقلنا ومستقلة عنه، ان المادة هي الاساس نظرا لانها مصدر احساساتنا وافكارنا وادراكنا، وان العقل ثانوي واشتقاقي نظرا إلى انه انعكاس للمادة، انعكاس للوجود، وان الفكر هو نتاج للمادة التي بلغت في تطورها درجة عالية من الاكتمال، هي المخ، وان المخ هو عضو التفكير، وانه بناء على ذلك لا يستطيع المرء ان يفصل الفكر عن المادة بدون ان يرتكب خطأ فاحشا.

يقول أنجلز "ان مسألة العلاقة بين التفكير والوجود، العلاقة بين الروح والطبيعة، هي المسألة الكبرى للفلسفة بكاملها ... ان الاجوبة التي اعطاها الفلاسفة لهذه المسألة تفصلهم إلى معسكرين عظيمين، اولئك الذين أكدوا على اولوية الروح على الطبيعة ... معسكر المثالية. والاخرون الذين اعتبروا الطبيعة اولية يعودون إلى شتى مدارس المادية". (ماركس انجلز، مختارات، الطبقعة الانجليزية، م 1 ص 430 - 431)

وأكثر:

"ان العالم المادي الملموس حسيا الذي ننتمي نحن اليه، هو الحقيقة الوحيدة ... ان وعينا وتفكيرنا، مهما قد يبدو من الحساسية القصوى، هو نتاج للمادة، العضو الجسدي، الدماغ. ان المادة ليست نتاجا للفكر بل ان الفكرة ذاتها ليست سوى اعلى نتاج للمادة". (نفس المصدر ص 435)

وفيما يتعلق بفصل الفكر عن المادة المفكرة يقول ماركس:

"من المستحيل فصل الفكر عن المادة المفكرة. ان المادة هي الذات لجميع التغيرات". (نفس المصدر ص 397)

يقول لينين في وصفه الفلسفة المادية الماركسية:

"ان المادية عموما تميز الوجود الحقيقي الموضوعي (المادة) باعتباره مستقلا عن الوعي، والاحساس والتجربة .. ليس الوعي سوى انعكاس الوجود، في احسن الاحوال، بما يقرب من الانعكاس الصحيح (المناسب، الدقيق، بصورة مثلى) للوجود". (لينين، المختارات، الطبعة الانجليزية، م 11 ص 377)

وأكثر:

(أ?) ان المادة هي تلك التي بعملها على اعضائنا الحسية تنتج الاحساس؛ المادة هي الحقيقة الموضوعية المعطاة لنا بالاحساس ... ان المادة، الطبيعة، الوجود, الجسم الطبيعي – هي الاساس، والروح، الوعي، الاحساس، الكيان النفسي – هي الثانوية". (نفس المصدر ص 27 - 28)

(ب?) "ان صورة العالم هي الصورة التي تبين كيف تتحرك المادة، وكيف ُتفكر المادةُ ". (نفس المصدر ص402)

(ج?) "ان الدماغ هو عضو التفكير" (نفس المصدر ص 214)

د?) على العكس من المثالية التي تنكر امكانية معرفة العالم وقوانينه، والتي لا تعتقد بموثوقية معرفتنا، ولا تميز الحقيقة الموضوعية وتعتبر ان العالم سر مليء "باشياء بذاتها" لن يستطيع العلم معرفتها، تعتبر المادية الفلسفية الماركسية ان العالم وقوانينه قابلة للعلم كليا وان علمنا لقوانين الطبيعة، بعد اختباره بالتجربة والتطبيق، هو علم موثوق له صحة الحقيقة الموضوعية، وانه لا يوجد اي شيء في العالم لا يمكن معرفته، بل توجد فقط اشياء ما زالت غير معروفة، ولكنها سوف يكشف عنها وتجري معرفتها بمجهود العلم والتطبيق.

في معرض نقد مقولة كانت ومثاليين اخرين بان العالم لا يمكن معرفته وانه توجد "اشياء بذاتها" لا يمكن معرفتها، ودفاعه عن المقولة المادية الشائعة بان علمنا هو علم موثوق يقول انجلز "ان افضل دحض لهذا ولكافة الفلسفات المتعصبة الاخرى هو التطبيق، اي التجربة والصناعة. اذا استطعنا اثبات صحة فكرتنا عن عملية طبيعية بان نصنعها بانفسنا، ان نخرجها إلى الوجود خارج ظروفها واستعمالها لاغراضنا ضمن هذه العملية، فهذا يعني نهاية ُ الشيء بذاته ُ الكانتي. ان المواد الكيمياوية المنتجة في اجسام النباتات والحيوانات بقيت مثل هذه "الاشياء بذاتها" إلى ان بدأت الكيمياء العضوية بانتاجها الواحدة بعد الاخرى حيث اصبح "الشيء بذاته" شيئا لنا. كما على سبيل المثال ، الزارين، المادة الملونة في جذور الفوة الذي لم نعد نكلف انفسنا عناء زراعة جذور الفوة في الحقول بل ننتجه ارخص وابسط من قطران الفحم. بقي نظام كوبرنيك الشمسي مجرد نظرية لمدة ثلاثمائة سنة مع مائة أو الف أو عشرة الاف فرصة إلى واحد لصالحه، ولكنه مع ذلك بقي دائما كنظرية الا انه حين قام ليفريير، بواسطة المعلومات المتوفرة من هذا النظام، ليس بالتوصل إلى ضرورة وجود كوكب غير معروف بل كذلك تمكن من حساب الموقع في السماء الذي يجب بالضرورة ان يحتله هذا الكوكب، وحين وجد غال هذا الكوكب فعلا كان ذلك برهانا على نظام كوبرنيك." (كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية م 1 ص 432 - 433)

قال لينين في سياق اتهام بوغدانوف وبازاروف ويوسكفيتش واخرين من اتباع ايمانية باخ، وفي الدفاع عن المقولة المادية المعروفة بان معرفتنا العلمية لقوانين الطبيعة هي معرفة موثوقة، وان قوانين العلم تمثل حقيقة موضوعية:

"ان الايمانية المعاصرة لا تنبذ العلم بتاتا، فكل ما ترفضه هو "الادعاءات المبالغ فيها" للعلم، اي الادعاء بالحقيقة الموضوعية. اذا كانت الحقيقة الموضوعية موجودة (كما يتصور الماديون)، اذا كان العلم الطبيعي الذي يعكس العالم الخارجي في "التجربة الانسانية هو وحده القادر على اعطائنا الحقيقة الموضوعية، فان ذلك يدحض الايمانية كلها دحضا مطلقا". (لينين، مختارات، الطبعة الانجليزية، م 11 ص 188)

هذه باختصار المعالم المميزة للمادية الفلسفية الماركسية.

من السهل ان يفهم المرء عظم اهمية توسيع مبادئ المادية الفلسفية إلى دراسة الحياة الاجتماعية، تاريخ المجتمع، وعظم اهمية تطبيق هذه المبادئ على تاريخ المجتمع وعلى النشاطات العملية لحزب البروليتاريا.

اذا كانت الروابط بين الظواهر الطبيعية واعتمادها المتبادل قوانين تطور الطبيعة، فذلك يؤدي ايضا إلى ان الترابط والاعتماد المتبادل لظواهر الحياة الاجتماعية هي قوانين تطور المجتمع وليست اشياء عرضية.

وعليه فان الحياة الاجتماعية، تأريخ المجتمع، لا يبقى مجموعة "احداث طارئة" بل يصبح تأريخ تطور المجتمع وفقا لقوانين عادية، وتصبح دراسة تاريخ المجتمع علما.

ولهذا فان النشاطات العملية لحزب البروليتاريا يجب الا تقوم على اساس الرغبات الطيبة "لأشخاص بارزين"، لا على ما يمليه "العقل" أو "الاخلاق السامية" الخ.. بل على قوانين تطور المجتمع وعلى دراسة هذه القوانين.

ثم، اذا كان العالم قابلا للمعرفة وكانت معرفتنا لقوانين تطور الطبيعة معرفة موثوقة لها صحة الحقيقة الموضوعية، ينجم عن هذا ان الحياة الاجتماعية، تطور المجتمع، هو الاخر قابل للمعرفة وان المعلومات العلمية بخصوص قوانين تطور المجتمع معلومات موثوقة لها صحة الحقائق الموضوعية.

وعليه يمكن ان يصبح علم تاريخ المجتمع، رغم تعقد ظواهر الحياة الاجتماعية، علما دقيقا لنقل مثل علم الاحياء، علما قادرا على الاستفادة من قوانين تطور المجتمع للاغراض العملية.

لذا على حزب البروليتاريا الا يتبع في نشاطاته العملية الحوافز العرضية، بل يتبع قوانين تطور المجتمع وبالاستدلال العملي من هذه القوانين.

وعليه فان الاشتراكية تتحول من حلم بمستقبل افضل للانسانية إلى علم. وهكذا فان الارتباط بين العلم والنشاطات العملية، بين النظرية والتطبيق، ووحدتهما، يجب ان يكون النجم الموجه لحزب البروليتاريا.

ثم، اذا كانت الطبيعة، وهي العالم المادي، هي الاساس، وان العقل، الفكر، ثانوي، اشتقاقي، اذا كان العالم المادي يمثل الحقيقة الموضوعية القائمة بالاستقلال عن الفكر الانساني، بينما يكون الفكر انعكاسا للحقيقة الموضوعية، ينجم عن ذلك ان حياة المجتمع المادية، كيانه، هو الاخر اساسي وان الحياة الروحية ثانوية، اشتقاقية، وان حياة المجتمع المادية هي حقيقة موضوعية قائمة بالاستقلال عن ارادة الانسان، وان الحياة الروحية للمجتمع هي انعكاس للحقيقة الموضوعية، انعكاس للوجود.

وعليه، فان مصدر تكوين حياة المجتمع الروحية، اصل الاراء الاجتماعية، النظريات الاجتماعية، الاراء السياسية والمؤسسات السياسية يجب الا نبحث عنها في الاراء أو النظريات أو وجهات نظر المؤسسات السياسية ذاتها، بل في ظروف الحياة المادية للمجتمع، في الوجود الاجتماعي الذي تشكل الاراء والنظريات ووجهات النظر الخ.. انعكاسا لها.

ولذا، اذا لاحظنا في فترات مختلفة من تاريخ المجتمع اراء ونظريات ووجهات نظر ومؤسسات سياسية، اذا واجهنا في ظل النظام العبودي بعض الاراء والنظريات ووجهات النظر والمؤسسات السياسية، وفي ظل الاقطاعية غيرها وفي ظل الراسمالية غيرها ايضا، فيجب الا نفسر ذلك ب"طبيعة" أو "خواص" الاراء والنظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية ذاتها، بل بالظروف المختلفة للحياة المادية للمجتمع في الفترات المختلفة من التطور الاجتماعي.

فايا يكون وجود المجتمع، ايا تكون ظروف الحياة المادية للمجتمع، هكذا تكون اراء ونظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية لذلك المجتمع.

يقول ماركس بهذا الصدد:

"ليس وعي الانسان ما يقرر وجوده، بل، على العكس، وجوده المادي هو الذي يقرر وعيه". (كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية، م 1 ص 356)

وعليه، لكي لا يخطئ حزب البروليتاريا في سياسته، لكي لا يجد حزب البروليتاريا نفسه في وضع الحالم التائه، الا يؤسس نشاطاته على "مبادئ العقل البشري" المجردة، بل على الظروف الحقيقية لحياة المجتمع المادية باعتبارها المقررة الحقيقية لتطور الحياة المادية للمجتمع.

ان سقوط الطوبائيين، بمن فيهم الناروديين (الشعبيين)، الفوضويين والاشتراكيين الثوريين، يرجع، ضمن امور اخرى، إلى واقع انهم لم يميزوا الدور الاساسي الذي تلعبه ظروف الحياة المادية للمجتمع في تطور المجتمع، وانغمارهم في المثالية، إلى انهم لم يؤسسوا نشاطاتهم العملية إلى حاجات تطور الحياة المادية للمجتمع، بل، بالاستقلال عن وبالرغم من هذه الحاجات، على "الخطط المثالية" وعلى "المشاريع الشاملة" بالانفصال عن الحياة الحقيقية للمجتمع.

ان قوة الماركسية اللينينية وحيويتها تكمن في واقع انها تبني نشاطاتها العملية على اساس حاجات تطور الحياة المادية للمجتمع ولن تعزل نفسها عن الحياة الحقيقية للمجتمع.

الا انه لا ينجم عن كلام ماركس ان الاراء والنظريات الاجتماعية، ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية لا اهمية لها في حياة المجتمع ولا تؤثر تاثيرا متبادلا على الوجود الاجتماعي، على تطور الظروف المادية لحياة المجتمع. كنا نتحدث لحد الان عن اصل الاراء والنظريات الاجتماعية ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية، عن الظروف التي تنشا منها، عن واقع ان الحياة الروحية للمجتمع هي انعكاس لظروف الحياة المادية. اما بخصوص اهمية الاراء الجتماعية والنظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية، بخصوص دورها في التاريخ، فان المادية التاريخية، بعيدا عن انكارها، تؤكد على دور واهمية هذه العوامل في حياة المجتمع، في تا ريخه.

هناك انواع مختلفة من الاراء والنظريات الاجتماعية. ثمة اراء ونظريات قد تجاوزت عهدها وهي تخدم مصالح قوى المجتمع المحتضرة. ان اهميتها تكمن في واقع انها تعيق التطور، تعيق تقدم المجتمع. ثم ثمة اراء ونظريات جديدة متقدمة تخدم مصالح قوى المجتمع المتقدمة. وتكمن اهميتها في واقع انها تسهل التطور، تسهل تقدم المجتمع. وان اهميتها اعظم كلما كان عكسها لحاجات تطور حياة المجتمع المادية اكثر دقة.

ان الاراء والنظريات الجديدة لا تنشأ الا بعد ان يكون تطور حياة المجتمع المادية قد وضع مهام جديدة امام المجتمع. الا انها ما ان تنشأ الا وتصبح اشد القوى التي تسهل تنفيذ المهام الجديدة التي خلقها تطور حياة المجتمع المادية، قوة تسهل تقدم المجتمع. هنا بالضبط تظهر نفسها الاهمية الهائلة لتنظيم وتحريك وتحويل الاراء والنظريات الجديدة ووجهات النظر الجديدة والمؤسسات السياسية الجديدة. ان الاراء والنظريات الجديدة تنشأ بالضبط لانها ضرورية للمجتمع، لان من المستحيل تنفيذ المهام الملحة لتطور حياة المجتمع المادية بدون نشاطها التنظيمي والتحريكي والتحويلي. ولدى نشوء الاراء الاجتماعية الجديدة عن المهام الجديدة التي يتطلبها تطور حياة المجتمع المادية، فانها تشق طريقها وتصبح ملكا للجماهير، تحركهم وتنظمهم ضد قوى المجتمع المحتضرة، وبهذا تسهل اسقاط هذه القوى التي تعيق تطور حياة المجتمع المادية.

وهكذا فان الاراء والنظريات والمؤسسات السياسية، لدى نشوئها على اساس المهام الملحة لتطور حياة المجتمع المادية، على اساس تطور الكيان الاجتماعي، تقوم هي ذاتها برد فعلها على حياة المجتمع المادية وتخلق الظروف الضرورية لتنفيذ المهام الملحة لحياة المجتمع المادية تنفيذا كاملا وتجعل المزيد من تقدمها امرا ممكنا.

يقول ماركس في هذا الصدد:

"تصبح النظرية قوة مادية حالما تستحوذ على الجماهير". (نقد الفلسفة الهيغلية)

وعليه، على حزب البروليتاريا، لكي يستطيع التأثير على ظروف حياة المجتمع المادية وتسريع تطورها وتحسينها، ان يعتمد على النظريات الاجتماعية، على الاراء الاجتماعية التي تعكس حاجات تطور حياة المجتمع المادية، والتي تكون بناء على ذلك قادرة على تحريك الجماهير الواسعة من الشعب ودفعها وتنظيمها في جيش حزب البروليتاريا العظيم، المستعد لتحطيم القوى الرجعية وان يمهد الطريق لقوى المجتمع المتقدمة.

ان سقوط "الاقتصاديين" والمنشفيك كان يرجع ضمن امور اخرى إلى واقع انهم لم يميزوا الدور التحريكي والتنظيمي والتحويلي للنظرية المتقدمة، للاراء المتقدمة، وانهم انغمروا في المادية المبتذلة وهبطوا بدور هذه العوامل إلى الصفر تقريبا، وبذلك حكموا على الحزب بالسلبية واللاحيوية.

ان قوة وصحة الماركسية اللينينية وحيويتها تنشأ عن واقع انها تعتمد على النظرية المتقدمة التي تعكس حاجات تطور حياة المجتمع المادية" بصورة صحيحة. انها ترفع النظرية إلى المستوى اللائق بها، وانها ترى ان من واجبها الاستفادة من كل مثقال من قوى هذه النظرية التحريكية والتنظيمية والتحويلية.

هذا هو الجواب الذي تعطيه المادية التاريخية للسؤال عن العلاقة بين الكيان الاجتماعي والوعي الاجتماعي، بين ظروف تطور حياة المجتمع المادية وتطور حياة المجتمع الروحية.

يبقى الان ان نوضح المسألة التالية: ما الذي نعنيه "بظروف حياة المجتمع المادية" التي بالتحليل الاخير تحدد ملامح المجتمع، آراءه، وجهات نظره، مؤسساته السياسية الخ..؟

فما هي "ظروف حياة المجتمع المادية" وماهي معالمها المميزة؟

لا شك ان مفهوم "ظروف حياة المجتمع المادية" تتضمن قبل كل شيء الطبيعة المحيطة بالمجتمع، البيئة الجغرافية، وهي احدى الظروف اللامفر منها والدائمية في حياة المجتمع المادية، والتي تؤثر طبعا على تطور المجتمع. فما هو الدور الذي تلعبه البيئة الجغرافية في تطور المجتمع؟ هل البيئة الجغرافية هي القوة الرئيسية التي تقرر ملامح المجتمع، طابع النظام الاجتماعي للانسان، والانتقال من نظام إلى آخر؟

ان المادية التاريخية تجيب على هذا السؤال بالسلب.

لاشك ان البيئة الجغرافية هي احد الظروف الدائمة اللامفر منها في تطور المجتمع، وتؤثر طبعا على تطور المجتمع وتسرع أو تؤخر تطوره. الا ان تأثيرها ليس تأثيرا مقررا طالما ان تغيرات وتطورات المجتمع تجري اسرع بما لا يقاس من تغيرات وتطورات البيئة الجغرافية. ففي خلال ثلاثة الاف سنة حلت ثلاثة انظمة اجتماعية مختلفة محل بعضها بنجاح في اوروبا: نظام المشاعية البدائية، نظام العبودية، ونظام الاقطاع. وفي الجزء الشرقي من اوروبا، في الاتحاد السوفييتي، جرى احلال حتى اربعة انظمة محل بعضها. ومع ذلك فان الظروف الجغرافية في اوروبا اما لم تتغير بتاتا في هذه الفترة، أو انها تغيرت تغيرا طفيفا لا يلاحظه علم الجغرافيا. وهذا امر طبيعي تماما. فالتغيرات ذات الاهمية في الظروف الجغرافية تتطلب ملايين السنين، بينما بضع مئات من السنين، أو الفي سنة يكفي لتغيرات هامة في نظام المجتمع البشري.

ينجم عن هذا ان البيئة الجغرافية لا يمكن ان تكون السبب الرئيس، السبب المقرر، في التطور الاجتماعي، اذ ان ما يبقى غير متغير تقريبا في مضمار عشرات الالوف من السنين لا يمكن ان يكون سبب التطور الرئيس فيما تطرأ عليه تغييرات اساسية خلال بضع مئات من السنين.

ثم انه لاشك ان مفهوم "ظروف حياة المجتمع المادية" يتضمن ايضا نمو السكان، كثافة السكان بهذه الدرحة أو تلك، لان الناس عنصر جوهري في ظروف حياة المجتمع المادية، ومن دون عدد ادنى من الناس لا يمكن ان تكون حياة مجتمع مادية. اليس نمو السكان القوة الرئيسة التي تقرر طابع النظام الاجتماعي الانساني؟

ان المادية التاريخية تجيب على هذا السؤال بالسلب.

بالطبع ان نمو السكان يؤثر في تطور المجتمع، يسهل أو يعيق تطور المجتمع، الا انه لا يمكن ان يكون القوة الرئيسة في تطور المجتمع، وان تأثيره على تطور المجتمع لا يمكن ان يكون تأثيرا مقررا لان نمو السكان بحد ذاته لا يقدم مفتاح مسألة من السبب في ان يحل هذا النظام الاجتماعي الجديد وليس نظام اجتماعي اخر محل النظام الزائل، لماذا يحل النظام العبودي محل نظام المشاعية البدائية، ولماذا يحل النظام الاقطاعي محل النظام العبودي، ولماذا يحل النظام البرجوازي محل النظام الاقطاعي، وليس نظام اخر.

لو كان نمو السكان القوة المقررة لتطور المجتمع، لترتب على ذلك ان ينشأ النوع الاعلى من النظام الاجتماعي بالتناسق مع اعلى كثافة للسكان. لكننا لا نجد ان الحال بهذا الشكل. ان كثافة السكان في الصين تبلغ اربعة اضعاف كثافة السكان في الولايات المتحدة الاميركية، ومع ذلك فان الولايات المتحدة الاميركية اعلى من الصين في مقياس التطور الاجتماعي، اذ ان النظام شبه الاقطاعي مازال سائدا في الصين، بينما بلغت الولايات المتحدة منذ امد بعيد اعلى مرحلة في تطور الراسمالية. وان كثافة السكان في بلجيكا هي تسعة عشر ضعفا من كثافة السكان في الولايات المتحدة الاميركية، وستة وعشرين ضعفا من كثافة السكان في الاتحاد السوفييتي ومع ذلك فان الولايات المتحدة الاميركية اعلى من بلجيكا في مقياس التطور الاجتماعي وبالنسبة للاتحاد السوفييتي تتأخر بلجيكا عصرا تاريخيا كاملا وراء هذا القطر، اذ ان النظام الراسمالي ما زال سائدا في بلجيكا بينما تخلص الاتحاد السوفييتي من الراسمالية واقام النظام الاشتراكي.

ينجم عن هذا ان نمو السكان ليس ولا يمكن ان يكون القوة الرئيسة لتطور المجتمع، القوة التي تقرر طابع النظام الاجتماعي، ملامح المجتمع.

فما هي القوة الرئيسة في جملة ظروف حياة المجتمع المادية التي تقرر ملامح المجتمع وطابع النظام الاجتماعي، وتطور المجتمع من نظام إلى نظام آخر؟

تعتبر المادية التاريخية ان هذه القوة هي اسلوب الحصول على وسائل الحياة الضرورية للوجود الانساني، طريقة انتاج القيم المادية، الطعام، الكساء ، الحذاء، المأوى، الوقود، ادوات الانتاج الخ.. – القيم اللامفر منها لحياة وتطور المجتمع.

لكي يعيش الناس عليهم ان يحصلوا على الطعام والكساء والحذاء والماوى والوقود الخ.. ولغرض الحصول على هذه القيم المادية، على الناس ان ينتجوها، ولكي ينتجوها على الناس ان يحوزوا على ادوات الانتاج التي تنتج الطعام والكساء والحذاء والمأوى والوقود الخ..، يجب ان يكونوا قادرين على انتاج هذه الادوات وعلى استعمالها.

ان ادوات الانتاج التي يجري بها انتاج القيم المادية والناس الذين يشغلون ادوات الانتاج وينفذون انتاج القيم المادية بفضل درجة من التجربة الاجتماعية والمهارة العملية، كل هذه العناصر مجتمعة تشكل قوى الانتاج في المجتمع.

الا ان قوى الانتاج ليست سوى وجه واحد للانتاج، سوى وجه واحد من اسلوب الانتاج، وجه يعبر عن الانسان بمواد قوى الطبيعة التي يستفيد منها في انتاج القيم المادية. وجه اخر للانتاج، وجه اخر لاسلوب الانتاج، هو علاقة الناس ببعضهم البعض في عملية الانتاج، علاقات الانتاج بين الناس. فالناس يخوضون نضالا ضد الطبيعة ويستعملون الطبيعة لانتاج القيم المادية ليسوا منعزلين عن بعضهم البعض، ليس بصفتهم اشخاص منفصلين، بل جماعة، في جماعات، بمجتمعات. وعليه فان الانتاج في جميع الازمان وتحت جميع الظروف هو انتاج اجتماعي. في انتاج القيم المادية يدخل الناس في علاقات متبادلة من نوع أو أخر ضمن عملية الانتاج، في علاقات انتاج من نوع أو آخر. قد تكون ثمة علاقات تعاون ومساعدة متبادلة بين الناس الاحرار من الاستغلال، وقد تكون علاقات سيادة واخضاع، واخيرا قد تكون علاقات انتقالية من شكل من علاقات الانتاج إلى شكل آخر. ولكن مهما يكون طابع علاقات الانتاج، فانها، دائما وفي كل نظام، تشكل عنصرا جوهريا للانتاج شأنها في ذلك شأن قوى الانتاج الاجتماعي.

يقول ماركس: "في الانتاج لا يعمل الناس على الطبيعة فقط بل يعملون على بعضهم البعض وضمن هذه الارتباطات والعلاقات الاجتماعية فقط يحدث عملهم على الطبيعة، انتاجهم."(كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية م 1 ص 364)

نتيجة لذلك فان الانتاج، اسلوب الانتاج، يضم قوى الانتاج الاجتماعية وعلاقات الانتاج بين الناس كلاهما معا، وهو بذلك تجسيد وحدتهم في عملية انتاج القيم المادية.

ان احدى خواص الانتاج هي انها لن تبقى ثابتة على نقطة واحدة لمدة طويلة بل هي دائما في حالة تغير وتطور. اضف إلى ذلك تستدعي التغيرات في اسلوب الانتاج بالضرورة تغيرات في النظام الاجتماعي، والاراء الاجتماعية، ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية – تستدعي اعادة بناء كامل النظام الاجتماعي والسياسي. في المراحل المختلفة للتطور يستخدم الناس اساليب انتاج مختلفة. ولوضع ذلك بمزيد من البساطة يعيشون اساليب حياة مختلفة. في المشاعية البدائية يوجد اسلوب انتاج واحد، في العبودية يوجد اسلوب انتاج آخر، في الاقطاع يوجد اسلوب انتاج ثالث، وهكذا دواليك. وعلى هذا المنوال يختلف كذلك نظام الناس الاجتماعي، الحياة الروحية للناس، نظرتهم السياسية ومؤسساتهم السياسية.

وكيفما يكون اسلوب انتاج مجتمع ما، هكذا يكون، بصورة اساسية، المجتمع نفسه، آراؤه ونظرياته، وجهات نظره السياسية ومؤسساته السياسية.

أو، لوضع ذلك بمزيد من البساطة، كيفما يكون اسلوب حياة الانسان، هكذا يكون اسلوب تفكيره.

هذا يعني ان تاريخ تطور المجتمع هو قبل كل شيء تاريخ تطور الانتاج، تاريخ اساليب الانتاج التي خلف احدها الاخر في مسرى القرون، تاريخ تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج بين الناس.

وعليه، فان تاريخ التطور الاجتماعي هو في نفس الوقت تاريخ منتجي القيم المادية انفسهم، تاريخ الجماهير الكادحة الذين هم القوة الرئيسة في عملية الانتاج والذين ينجزون انتاج القيم المادية الضرورية لوجود المجتمع.

ولهذا فاذا اريد ان يكون علم التاريخ علما حقيقيا، فلا يمكن بعد الان اختزال تاريخ التطور الاجتماعي إلى اعمال الملوك والجنرالات، إلى اعمال "الفاتحين" و "مخضعي" الدول، بل يجب فوق كل شيء تكريس نفسه إلى تاريخ منتجي القيم المادية، تاريخ الجماهير الكادحة هذه، تاريخ الشعوب.

ولهذا فان مفتاح دراسة قوانين تاريخ المجتمع يجب الا نبحث عنه في ادمغة الناس، في نظرات واراء المجتمع، بل في اسلوب الانتاج الذي مارسه المجتمع في اية فترة تاريخية، علينا ان نبحث عنه في الحياة الاقتصادية للمجتمع.

ولهذا فان المهمة الرئيسة لعلم التاريخ هي دراسة وكشف قوانين الانتاج، قوانين تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، قوانين تطور المجتمع الاقتصادي.

ولهذا اذا اراد حزب البروليتاريا ان يكون حزبا حقيقيا، عليه فوق كل شيء ان يحوز على معرفة قوانين تطور الانتاج، قوانين تطور المجتمع الاقتصادي.

ولهذا اذا اراد الحزب الا يخطئ في السياسة، عليه سواء في وضع منهاجه أو في نشاطاته العملية ان ينهج بالاساس من قوانين تطور الانتاج، من قوانين تطور المجتمع الاقتصادي.

والخاصية الثانية للانتاج هي ان تغيره وتطوره يبدأ دائما بتغيرات وتطور قوى الانتاج، وبالدرجة الرئيسة، بتغيرات وتطور ادوات الانتاج. ان قوى الانتاج بناء على ذلك هي عنصر الانتاج الاكبر حركة وثورية. فقوى انتاج المجتمع تتغير وتتطور اولا، ثم، استنادا إلى هذه التغيرات، وبالانسجام معها، تتغير علاقات الناس الانتاجية، علاقاتهم الاقتصادية. وهذا لا يعني طبعا، ان علاقات الانتاج لا تؤثر في تطور قوى الانتاج وان الاخيرة لا تعتمد على الاولى. فبينما يعتمد تطور علاقات الانتاج على تطور قوى الانتاج فان علاقات الانتاج بدورها تفعل مفعولها على تطور قوى الانتاج، بتسريعه أو اعاقته. بهذا الخصوص يجب ملاحظة ان علاقات الانتاج لا يمكن ان تتاخر لوقت طويل جدا وبحالة تناقض مع نمو قوى الانتاج بقدر ما لا تستطيع قوى الانتاج ان تتطور تطورا كاملا الا حين تكون علاقات الانتاج منسجمة مع طابع قوى الانتاج، مع حالتها، وتسمح لها باقصى مجالات التطور. لهذا، مهما ازدادت علاقات الانتاج تأخرا وراء تطور قوى الانتاج فانها يجب ان تصبح منسجمة مع – وان تصبح فعلا منسجمة مع – مستوى تطور قوى الانتاج وطابع قوى الانتاج ان عاجلا أو اجلا. والا فيحصل خرق اساسي لوحدة قوى الانتاج وعلاقات الانتاج ضمن نظام الانتاج، وتفكك الانتاج ككل، ازمة الانتاج، تفكك قوة الانتاج.

ان الحالة التي لا تنسجم معها علاقات الانتاج مع طابع قوى الانتاج، تتصادم معها، هي حالة الازمة الاقتصادية في البلدان الراسمالية، حيث تكون الملكية الراسمالية الخاصة لوسائل الانتاج في حالة عدم انسجام صارخ مع الطابع الاجتماعي لعملية الانتاج، مع طابع قوى الانتاج. ينجم هذا عن ازمة اقتصادية تؤدي إلى تدمير قوى الانتاج. اضف إلى ذلك، يشكل عدم الانسجام هذا الاساس للثورة الاجتماعية التي تهدف إلى تحطيم علاقات الانتاج القائمة وخلق علاقات انتاج جديدة تنسجم مع طابع قوى الانتاج.

على العكس من ذلك، ان الحالة التي فيها تكون علاقات الانتاج منسجمة تماما مع طابع قوى الانتاج هي حالة الاقتصاد الوطني الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي حيث الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج تنسجم تمام الانسجام مع طابع قوى الانتاج وحيث لهذا السبب لا وجود للازمات الاقتصادية ولا لتحطيم قوى الانتاج.

وبناء على ذلك فان قوى الانتاج ليست فقط العنصر الاكثر حركة وثورية في الانتاج بل كذلك العنصر المقرر في تطور الانتاج.

ايا تكون قوى الانتاج كذلك يجب ان تكون علاقات الانتاج.

بينما يقدم وضع قوى الانتاج الجواب على السؤال – باية ادوات انتاج ينتج الناس القيم المادية التي يحتاجونها – فان وضع علاقات الانتاج يقدم الجواب على سؤال اخر – من يمتلك وسائل الانتاج (الارض، الغابات، الماء، الثروات المعدنية، المواد الخام، ادوات الانتاج، الخ..)، من يتحكم بوسائل الانتاج، أهم المجتمع كله، ام اشخاص افراد، أو جماعات أو طبقات اخرى؟

فيما يلي صورة موجزة لتطور قوى الانتاج منذ العصور الغابرة إلى ايامنا. ان الانتقال من الادوات الحجرية الاولية إلى القوس والنشاب، والانتقال من الادوات الحجرية إلى الادوات المعدنية (الفأس الحديدية، المحراث الخشبي المزود بحديدة قاطعة الخ..)، مع الانتقال المتطابق للحراثة والزراعة، تحسين اخر للادوات المعدنية لتطوير المواد، ادخال منفاخ الحداد، ادخال صناعة الخزف مع تطور الحرف المتطابقة معها، انفصال الحرف عن الزراعة، تطور صناعة حرفية مستقلة ونتيجة لذلك تطور المانيفكتورا، الانتقال من ادوات المانيفكتورا إلى المكائن وتحويل الحرف والمانيفكتورا إلى صناعة المكائن، الانتقال إلى نظام المكائن ونشوء صناعة المكائن الحديثة الواسعة النطاق – هذه صورة عامة بعيدة عن الكمال لتطور قوى الانتاج في المجتمع خلال تاريخ الانسان. من الواضح الجلي ان تطوير وتحسين ادوات الانتاج قد اجراه الناس الذين كانوا مرتبطين بالانتاج، وليس بالاستقلال عن هؤلاء الناس؛ وبناء على ذلك، فان تغيير وتطوير ادوات الانتاج قد رافقه تغيير وتطور الناس، باعتبارهم اهم عنصري قوى الانتاج، بتغير وتطور ميزاتهم الانتاجية، مهاراتهم العملية، قدراتهم على تناول ادوات الانتاج.

بالانسجام مع تغير وتطور قوى انتاج المجتمع في مسار التاريخ، تغيرت وتطورت ايضا علاقات انتاجهم، علاقاتهم الانتاجية.

عرفت خمسة انواع من علاقات الانتاج في التاريخ: المشاعية البدائية، العبودية، الاقطاع، الراسمالية والاشتراكية.

ان اساس علاقات الانتاج في ظل النظام المشاعي البدائي هو ان وسائل الانتاج مملوكة جماعيا. وهذا ينسجم بصورة رئيسية مع طابع قوى الانتاج في تلك الفترة. الادوات الحجرية وبعدها القوس والنشاب، أعاق ان يقوم الناس منفردين في مكافحة قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة. من اجل جمع فواكه الغابات وصيد السمك، وبناء نوع من المأوى، اضطر الناس إلى العمل مجتمعين اذا لم يريدوا ان يموتوا جوعا، أو ان يقعوا فرائس للحيوانات المفترسة أو ضحايا للمجتمعات المجاورة. ان العمل سوية ادى إلى الملكية العامة لوسائل الانتاج، وكذلك لثمار الانتاج. هنا لم توجد بعد فكرة الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، فيما عدا الملكية الشخصية لبعض ادوات الانتاج التي كانت في الوقت ذاته وسائل للدفاع ضد الحيوانات المفترسة. هنا لم يكن ثمة استغلال ولا طبقات.

ان اساس علاقات الانتاج في ظل النظام العبودي هو ان مالك العبيد يملك وسائل الانتاج؛ هو كذلك يمتلك العامل في الانتاج – العبد الذي يستطيع بيعه أو شراءه أو قتله كما لو كان حيوانا. ان علاقات الانتاج هذه تنسجم بصورة رئيسية مع حالة قوى الانتاج في تلك الفترة. فبدلا من الادوات الحجرية اصبح تحت تصرف الانسان الان ادوات معدنية؛ وبدلا من اقتصاد الصياد، البائس البدائي الذي لم يكن يعرف الرعي ولا الحرث ظهر الان الرعي والحرث والحرف، وتوزيع العمل بين فروع الانتاج هذه. تظهر هنا امكانية تبادل المتتجات بين الافراد وبين الجماعات، امكانية تراكم الثروة في ايدي القلائل من الناس، التراكم الفعلي لادوات الانتاج في ايدي الاقلية، وامكانية اخضاع الاقلية للاغلبية وتحويلها إلى عبيد. لم نجد هنا العمل العام الحر لاعضاء المجتمع في عملية الانتاج – هنا يسود عمل العبيد القسري، لا توجد ملكية عامة لوسائل الانتاج أو لثمار الانتاج. لقد حلت محلها الملكية الخاصة. هنا يبدو مالك العبيد مالك الثروة الرئيسي والاساسي بكل ما في العبارة من معنى.

ثمة الغني والفقير، المستغل والمستغل، اناس لهم كامل الحقوق واناس لا حقوق لهم، وصراع طبقي ضار بينهم – هذه هي صورة النظام العبودي.

ان اساس علاقات الانتاج في ظل نظام الاقطاع هي ان السيد الاقطاعي يمتلك وسائل الانتاج ولكنه لا يمتلك عامل الانتاج – القن – امتلاكا تاما، لم يعد السيد الاقطاعي يستطيع قتل القن ولكنه يستطيع شراءه أو بيعه. إلى جانب الملكية الاقطاعية ثمة ملكية فردية يمتلك فيها الفلاح والحرفي ادوات انتاجه ومشروعه الخاص القائم على اساس عمله الشخصي. ان علاقات الانتاج هذه تنسجم بالدرجة الرئيسية مع حالة قوى الانتاج في تلك الحقبة. تحسينات اخرى في صهر الحديد والعمل به، انتشار المحراث الحديدي والمغزل، مزيد من التطور في الزراعة والبستنة وزراعة الكروم، وصناعة الالبان، ظهور المانيفاكتورات إلى جانب الورشات الحرفية – هذه هي المعالم المميزة لحالة قوى الانتاج.

تتطلب قوى الانتاج الجديدة ان يبدي الكادح شيئا من المبادأة في الانتاج وميلا للعمل واهتماما بالعمل. لذا فان السد الاقطاعي ينبذ العبد باعتباره عامل لا اهتمام له بالعمل وعديم المبادأة اطلاقا، ويفضل التعامل مع القن الذي يمتلك اقتصاده الخاص وادوات انتاجه وبعض الاهتمام فيي العمل الشيء الجوهري في زراعة الارض ويدفع جزءا من حصاده عينا إلى السيد الاقطاعي.

هنا تطورت الملكية الخاصة تطورا اضافيا والاستغلال ما زال كما كان في ظل العبودية تقريبا – لقد جرى تلطيفه بعض الشيء. ان الصراع الطبقي بين المستغلين والمستغلين هو الصفة الرئيسية للنظام الاقطاعي.

ان المعالم الرئيسية لعلاقات الانتاج في ظل النظام الراسمالي هي ان الراسمالي يمتلك وسائل الانتاج، ولا يمتلك العمال في الانتاج – العمال بأجور الذين لا يستطيع الراسمالي قتلهم ولا بيعهم لانهم احرار شخصيا، ولكنهم محرومون من وسائل الانتاج ولكي لا يموتون جوعا هم مضطرون إلى بيع قوة عملهم إلى الراسمالي وان يرزحوا تحت نير الاستغلال. إلى جانب الملكية الراسمالية لوسائل الانتاج نجد اولا نطاقا واسعا من الملكية الخاصة للفلاحين واصحاب الحرف في ملكية وسائل الانتاج، وهؤلاء الفلاحون واصحاب الحرف لم يعودوا اقنانا، وتقوم ملكيتهم الخاصة على اساس كدحهم الشخصي. وبدلا من الورشات الحرفية والمانيفاكتورات تظهر معامل ومصانع مجهزة بالمكائن. وبدلا من القطع الزراعية للفلاح المزروعة بادوات انتاج بدائية، تظهر الان مزارع راسمالية واسعة تدار بطرق علمية ومزودة بالمكائن الزراعية.

ان قوى الانتاج الجديدة تتطلب ان يكون العمال في الانتاج افضل ثقافة واكثر ذكاء من الاقنان المسحوقين الجهلة، ان يكونوا قادرين على فهم المكائن وعلى تشغيلها، وعليه فان الراسمالي يفضل التعامل مع عمال باجور احرار من القيود يحوزون على ما يكفي من الثقافة لكي بستطيعون تشغيل المكائن تشغيلا صحيحا.

ولكن الراسمالية، وقد طورت قوى الانتاج إلى مدى واسع جدا، وقعت في شرك من التناقضات لا تستطيع التخلص منه. فبانتاج كميات اوسع واوسع من السلع، وتخفيض اسعارها تفاقم الراسمالية المنافسة وتدمر عددا كبيرا من الملاك الخاصين الصغار والمتوسطين وتحولهم إلى بروليتاريين وتخفض من قدراتهم الشرائية، وينجم عن ذلك انها لا تستطيع التخلص من السلع المنتجة. ومن الناحية الثانية، بتوسيع الانتاج وتركيز ملايين العمال في مصانع ومعامل عملاقة تضفي الراسمالية على عملية الانتاج طابعا اجتماعيا وبذلك تقوض اساسها الخاص، طالما يتطلب الطابع الاجتماعي لعملية الانتاج الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج؛ مع ذلك تبقى وسائل الانتاج ملكية راسمالية خاصة لا تنسجم مع الطابع الاجتماعي لعملية الانتاج.

هذه التناقضات المتضاربة بين طابع قوى الانتاج وعلاقات الانتاج تبدو محسوسة في ازمات فيض الانتاج الدورية حين لا يجد الراسماليون طلبا على بضائعهم نظرا لدمار جمهور السكان الذين خلقوهم هم بانفسهم، يضطرون إلى احراق منتجاتهم، وتدمير البضائع المتتجة وايقاف الانتاج وتدمير قوى الانتاج في الوقت الذي يضطر الملايين من الناس ان يصبحوا عاطلين يتضورون جوعا لا لعدم وجود الكميات الكافية من البضائع بل لوجود فيض من انتاج البضائع.

وهذا يعني ان علاقات الانتاج الراسمالية توقفت عن الانسجام مع حالة قوى انتاج المجتمع واصبحت في تناقض متعارض معها.

وهذا يعني ان الراسمالية تتمخض عن الثورة التي رسالتها هي الاستعاضة عن الملكية الراسمالية القائمة لوسائل الانتاج بملكية اشتراكية.

وهذا يعني ان الصفة الاساسية للنظام الراسمالي هي اشد اشكال الصراع الطبقي حدة بين المستغلين وموضوع الاستغلال.

ان اساس علاقات الانتاج في ظل النظام الاشتراكي الذي تأسس لحد الان في الاتحاد السوفييتي فقط، هو الملكية الاشتراكية لوسائل الانتاج. هنا لا يوجد مستغلون ومستغلون بعد الان. توزع البضائع المنتجة وفقا للعمل المنجز وفقا لمبدأ "من لايعمل لا يأكل". هنا تتميز العلاقات المتبادلة بين الناس وعملية الانتاج بالتعاون الرفاقي والمساعدة الاشتراكية لعمال تحرروا من الاستغلال. هنا تنسجم علاقات الانتاج انسجاما تاما مع حالة القوى المنتجة لان الطابع الاجتماعي لعملية الانتاج تتعزز بالملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج.

لهذا السبب لا يعرف الانتاج الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي ازمات دورية لفيض الانتاج ولا الحماقات المرافقة لها.

لهذا السبب تتطور قوى الانتاج هنا بخطوات متسارعة لان علاقات الانتاج التي تنسجم معها تمنح اوسع المجال لهذا التطور.

هذه هي صورة تقدم علاقات انتاج الناس في مسار التاريخ البشري.

هكذا هو اعتماد تطور علاقات الانتاج على تطور قوى الانتاج في المجتمع، وبالدرجة الرئيسية، على تطور ادوات الانتاج، هذا الاعتماد الذي بفضله تؤدي تغييرات وتطورات قوى الانتاج، عاجلا أم آجلا، إلى تغييرات وتطورات علاقات الانتاج.

يقول ماركس:

"ان استخدام وتصنيع ادوات العمل(1) ولو انها موجودة جنينيا بين بعض فصائل الحيوانات، فهي تميز خصيصا عملية العمل الانساني، ولذلك عرف فرانكلين الانسان كحيوان يصنع الالات. ان اثار ادوات عملية العمل المندثرة لها نفس الاهمية في تحريات الاشكال الاقتصادية المندثرة التي تقدمها العظام المتحجرة لتقرير فصائل الحيوانات المندثرة. ليست الادوات المصنوعة وانما كيف يجري صنعها وباية ادوات، هو الذي يجعل بامكاننا التمييز بين العصور الاقتصادية التي يجري في ظلها ذلك العمل." (كارل ماركس، الراسمال، الجزء الاول، ص 159)

ثم:

"العلاقات الاجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بقوى الانتاج. بالحصول على قوى انتاج جديدة يغير الناس اسلوب انتاجهم؛ ويتغير اسلوب انتاجهم، بتغيير طريقة الحصول على رزقهم، يغيرون جميع علاقاتهم الاجتماعية. فالرحى تعطيك مجتمعا مع السيد الاقطاعي، والطاحونة البخارية تعطيك مجتمعا مع الراسمالي الصناعي." (كارل ماركس، فقر الفلسفة، الطبعة الانجليزية ص 92)

ثم:

"ثمة حركة مستمرة في نمو قوى الانتاج، في تحطيم علاقات الانتاج، في تكوين الاراء، فالشيء الواحد الثابت لا يتغير هو تجريد الحركة." (نفس المصدر ص 93)

يقول انجلز لدى التحدث عن المادية التاريخية كما صيغت في البيان الشيوعي:

"ان الانتاج الاقتصادي وتركيب المجتمع في كل عصر تأريخي نشأ عنه بالضرورة يشكلان اساس التاريخ السياسي والفكري لذلك العصر ... وعليه فمنذ انحلال الملكية المشاعية البدائية للارض كان كل التاريخ تاريخ الصراعات الطبقية، صراعات بين المستغلين والمستغلين، بين الطبقات المسودة والطبقات السائدة في مختلف مراحل التطور الاجتماعي ... وقد بلغ هذا الصراع الان مرحلة لم تعد فيها الطبقة المستغلة المضطهدة (البروليتاريا) تستطيع ان تحرر نفسها من الطبقة التي تستغلها وتضطهدها (البرجوازية) بدون ان تحرر في الوقت ذاته للابد المجتمع باسره من الاستغلال والاضطهاد والصراعات الطبقية. (كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية، م 1 ص 192 - 193)

صفة ثالثة للانتاج هي ان نشوء قوى انتاج جديدة وعلاقات الانتاج المطابقة لها لا يحدثان منفصلين عن النظام القديم، بعد اختفاء النظام القديم، بل ضمن النظام القديم؛ انهما يحدثان ليس نتيجة لنشاط الناس المقصود والواعي، بل تلقائيا بصورة غير واعية، بالاستقلال عن ارادة الناس. انهما يحدثان تلقائيا بالاستقلال عن وعي الناس لسببين.

اولا، لان الناس ليسوا احرارا في اختيار اسلوب الانتاج هذا أو ذاك، لانه حين يدخل كل جيل جديد الحياة يجد قوى انتاج وعلاقات انتاج قائمة فعلا كنتيجة لعمل الجيل السابق. وبسبب ذلك يجب عليه في البداية ان يقبل ويكيف نفسه لكل ما يجده جاهزا في مجال الانتاج لكي يستطيع ان ينتج القيم المادية.

ثانيا، بما ان الناس، حين يحسنون اداة انتاج واحدة أو اخرى، أو عنصرا من عناصر قوى الانتاج أو اخر، لا يدركون ولا يفهمون ولا يفكرون اية نتائج اجتماعية تؤدي اليها هذه التحسينات بل يفكرون فقط بمصالحهم اليومية، بتسهيل كدحهم، وضمان نوع من التقدم المباشر أو غير المباشر لانفسهم.

حين تحول بعض اعضاء المجتمع المشاعي البدائي تدريجيا وبطريق التجربة من استخدام الادوات الحجرية إلى استخدام الادوات الحديدية فانهم لم يعلموا طبعا ولم يتوقفوا للتفكير بالنتائج الاجتماعية التي سيؤدي اليها هذا التجديد؛ انهم لم يفهموا أو يدركوا ان التحول إلى الادوات الحديدية كان يعني ثورة في الانتاج وانه بالمدى البعيد سيؤدي إلى نظام العبيد. انهم ارادوا ببساطة ان يسهلوا من كدحهم وان يضمنوا فائدة فورية محسوسة؛ ان نشاطهم الواعي كان محصورا ضمن حدود مصالحهم.

وحين بدأت البرجوازية الفتية في اوروبا، في فترة النظام الاقطاعي، في اقامة المانيفاكتورا الكبيرة، إلى جانب ورشات الصناعات الحرفية الصغيرة وبذلك طورت قوى انتاج المجتمع، فهي لم تعرف طبعا ولم تتوقف للتفكير بالنتائج الاجتماعية التي يؤدي اليها هذا التجديد. انها لم تدرك أو تفهم بان هذا التجديد "الصغير" سيؤدي إلى اعادة تجميع القوى الاجتماعية، مما كان سينتهي بالثورة على سلطة الملوك الذين قدروا افضالهم ايما تقدير وضد طبقة النبلاء الذين كان اكبر ممثلي البرجوازية يطمحون إلى الارتفاع إلى صفوفها. انها ارادت فقط خفض تكاليف انتاج البضائع، وانزال كميات كبيرة من البضائع إلى اسواق اسيا وافريقيا واميركا الحديثة الاكتشاف، وان تحصل على المزيد من الارباح. ان نشاطها الواعي كان محصورا ضمن الحدود الضيقة لهذا الهدف العملي المألوف.

حين ادخل الراسماليون الروس بالارتباط مع الراسماليين الاجانب، صناعة المكائن الواسعة النطاق الحديثة في روسيا، في الوقت الذي كانت القيصرية سليمة تضع الفلاحين تحت رحمة الملاكين، فانهم لم يعرفوا طبعا، ولم يتوقفوا للتفكير بالنتائج الاجتماعية التي سيؤدي اليها هذا النمو الهائل في قوى الانتاج، انهم لم يدركوا أو يفهموا ان هذه الطفرة الواسعة في نطاق قوى انتاج المجتمع ستؤدي إلى اعادة تجميع قوى الانتاج التي ستجعل بامكان البروليتاريا، بتحقيق اتحادها مع الفلاحين، ان تنجز ثورة اشتراكية ظافرة. انهم ارادوا ببساطة توسيع الانتاج الصناعي إلى اقصى حد، وان يسيطروا على السوق المحلية الضخمة وان يصبحوا احتكاريين وان يعتصروا اقصى ما يمكن من الارباح من الاقتصاد الوطني. ان نشاطهم الواعي لم يمتد ابعد من مصالحهم العامة العملية جدا. وعليه يقول ماركس:

"في الانتاج الاجتماعي الذي ينجزه الناس (اي في انتاج القيم المادية الضرورية لحياة الناس – ستالين) يدخلون في علاقات محددة لا مفر منها ومستقلة عن اراداتهم، علاقات انتاج تنسجم مع مرحلة محددة من تطور قوى انتاجهم المادية". (كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية م 1 ص 356)

الا ان هذا لا يعني ان التغيرات في علاقات الانتاج، والانتقال من علاقات انتاج قديمة إلى علاقات انتاج جديدة يجري بصورة سلسة، بدون اصطدامات، بدون انتفاضات، بل بالعكس، يحدث هذا الانتقال عادة بواسطة اطاحة ثورية لعلاقات الانتاج القديمة واقامة علاقات انتاج جديدة. ضمن فترة معينة من تطور قوى الانتاج والتغيرات في مجال علاقات الانتاج تجري تلقائيا، بالاستقلال عن ارادة الانسان ولكن هذا يحدث إلى لحظة معينة فقط، إلى ان تكون قوى الانتاج الجديدة المتطورة قد بلغت درجة معينة من النضوج. وبعد نضوج قوى الانتاج الجديدة تصبح علاقات الانتاج القائمة والمتمسكين بها – الطبقات الحاكمة – ذلك العائق الذي "لا يحتمل" والذي لا يمكن ازاحته الا بعمل الطبقات الجديدة الواعي، بالعمل القسري لهذه الطبقات، بالثورة. هنا يبرز الدور العظيم للاراء الاجتماعية، للمؤسسات السياسية الجديدة، للسلطة السياسية الجديدة التي تكون مهمتها ازالة علاقات الانتاج القديمة بالقوة نتيجة للتصادم بين قوى الانتاج الجديدة وعلاقات الانتاج القديمة.

نتيجة لمتطلبات المجتمع الاقتصادية، تنشأ اراء اجتماعية جديدة؛ والاراء الجديدة تنظم وتحرك الجماهير؛ تدفع الجماهير لتكون جيشا سياسيا جديدا وتخلق سلطة ثورية جديدة وتستفيد منها لكي تزيل النظام القديم لعلاقات الانتاج بالقوة ولكي تقيم نظاما جديدا. ان عملية التطور التلقائي تخلي مكانها لعمل الناس الواعي، والتطور السلمي يخلي مكانه للانتفاض، والتطور التدبيجي إلى الثورة.

يقول ماركس: "ان البروليتاريا خلال صراعها مع البرجوازية تضطر، بقوة الاحداث، ان تنظم نفسها كطبقة ... وبواسطة الثورة تجعل نفسها الطبقة الحاكمة، وهكذا تزيح بالقوة ظروف الانتاج القديمة". البيان الشيوعي، كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية م١ ص ٢٢٨)

واكثر:

أ) "ان البروليتاريا ستستخدم تفوقها السياسي لكي تنتزع تدريجيا كامل الراسمال من البرجوازية وتركز جميع ادوات الانتاج في ايدي الدولة اي في ايدي البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة، ولتزيد مجموع قوى الانتاج باسرع ما يمكن". (نفس المصدر ص 227)

ب) "ان القوة هي مولدة كل مجتمع قديم يتمخض عن مجتمع جديد". (كارل ماركس، الراسمال، م 1 ص 776)

وفيما يلي الصياغة الرائعة لجوهر المادية التاريخية التي قدمها ماركس سنة 1859 في مقدمته التاريخية لكتابه الشهير نقد الاقتصاد السياسي:

"في الانتاج الاجتماعي الذي ينجزه الناس يدخلون في علاقات محددة لا مفر منها ومستقلة عن ارادتهم؛ ان علاقات الانتاج هذه تنسجم مع مرحلة محددة لتطور قوى انتاجهم المادية. ان مجموع علاقات الانتاج هذه تشكل تركيب المجتمع الاقتصادي – الاساس الحقيقي الذي ينشأ عليه بناء فوقي قانوني وسياسي تنسجم معه اشكال محددة من الوعي الاجتماعي. وعملية حياتهم السياسية والفكرية عموما. فليس وعي الانسان هو الذي يقرر وجوده بل بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يقرر وعيهم. في مرحلة معينة من تطور قوى الانتاج المادية في المجتمع تدخل في صدام مع علاقات الانتاج القائمة أو – ما هو مجرد تعبير قانوني لنفس الشيء – مع علاقات الملكية التي كانوا يعملون فيها سابقا. ان هذه العلاقات تتحول من اشكال لتطور قوى الانتاج إلى قيود تكبلها. عندئذ يبدأ عصر الثورة الاجتماعية. ومع تغير الاساس الاقتصادي يتحول البناء الفوقي الهائل كله بسرعة نوعما.

لدى تداول مثل هذه التحولات يجب التمييز دائما بين التحولات المادية لظروف الانتاج الاقتصادية، التي يمكن تحديدها بدقة العلوم الطبيعية، وبين الاشكال القانونية أو السياسية أو الدينية أو الفنية أو الفلسفية – وباختصار الاشكال الايديولوجية التي يعي الناس فيها هذا التصادم ويناضلون ضده. فكما ان رأينا عن الفرد لا يقوم على اساس ما يفكره هو عن نفسه، كذلك لا نستطيع ان نحكم عن حقبة من التحولات بوعيها هي، بل على العكس يجب تفسير هذا الوعي بالاحرى من تناقضات الحياة المادية، من التصادم القائم بين قوى الانتاج الاجتماعي وعلاقات الانتاج. لا يختفي اي نظام اجتماعي ابدا قبل ان تتطور جميع قوى الانتاج التي لها مجال للتطور فيه؛ ولن تظهر علاقات انتاج جديدة قبل ان تكون شروط وجودها المادية قد نضجت في رحم المجتمع القديم ذاته. لذا فان الجنس البشري لا يضع لنفسه سوى المهام التي يستطيع انجازها؛ وبما اننا نجد دائما لدى تفحصنا الامر عن كثب، ان المهمة ذاتها لا تنشأ الا اذا سبق ان وجدت الظروف المادية الضرورية لحلها أو على الاقل في سباق تكوينها". (كارل ماركس، مختارات، الطبقة الانجليزية، م1 ص 356 - 357)

هذه هي المادية الماركسية لدى تطبيقها على الحياة الاجتماعية، المادية التاريخية.

نرى من هذا اي كنز نظري خلفه لينين للحزب وصانه من هجمات الانتهازيين والمرتدين، وعظم اهمية ظهور كتاب لينين "المادية والنقد التجريبي" لتطور حزبنا.

(1) يقصد ماركس بعبارة ادوات العمل ادوات الانتاج بالدرجة الرئيسية

كتبه : جوزيف ستالين
سنة: 1938
نشر لأول مرة : سبتمبر 1938
ترجمة ونسخ: حسقيل قوجمان (من أجل الحوار المتمدن)