Tunisiens Libres: février 2014

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 28 février 2014

!!!!!!!!!!اسكتوا سيدي الرئيس مشغول


!!!!!!!!!!اسكتوا سيدي الرئيس مشغول

العديد من الجهات تطالب مصطفى بن جعفر و محمد منصف المرزوقي بالاستقالة من منصبهما اذا رغبا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ، ضمانا لديمقراطية العملية الانتخابية وحتى ينطلق كافة المترشحين من الخط نفسه في سباق الانتخابات . دعوات الاستقالة كانت جاءت من خبراء قانون و جمعيات مدنية و أحزاب المعارضة كنداء تونس و الجبهة الشعبية و حركة النهضة ... وجاء تلميحا من رئيس المجلس الوطني التأسيسي الذي قال المكلف بالإعلام في مكتبه ان السيد مصطفى بن جعفر سيقدم استقالته إن قرر خوض غمار سباق الانتخابات الرئاسية.إلا أن السيد المرزوقي قد صرّح في الندوة التي عقدها مؤخرا بأنه لن يستقيل من منصبه حتى وإن قرر الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ، أما الأسباب وكما جاءت على لسانه في الحديث الذي ادلى به مساء الاحد للقناة الوطنية1 ، فهي " متابعة الملفات التي يشتغل عليها " و" من سيأخذ مكانه ؟" و" ماذا يمكن أن يقدم رئيس جديد؟".  ”

تخيلوا نوع الملفات التي يعتني بها سيادته و المسؤوليات التي بضطلع بها ؟  إنه يريد أن بلعب دور الحجرة عثرة  حتى إلي يعثره ربي في شرّ أفعاله

jeudi 27 février 2014

وزارة الداخلية و تفكيك لغزالأمن الموازي الموالي لحركة النهضة


 وزارة الداخلية و تفكيك لغزالأمن الموازي الموالي لحركة النهضة


يفيد المصدر بأنه مع تعيين علي العريض على رأس وزارة الداخلية مسنودا بمجموعة من القيادات النهضاوية على حد تعبيره و التي شكٌلت ما
اصطلح على تسميته بالأمن الموازي و التي تضم كل من : الطاهر بوبحري، فتحي البلدي، أسامة بوثلجة (الذي واصل نفس المهام بعد تحول العريض الى رئاسة الحكومة في القصبة)، فتحي الحيدوري و عبد الكريم العبيدي، اللذين أوكلت لهم مهمة اختراق المؤسسة الأمنية و التغلغل بمفاصل الوزارة تحت إشراف مباشر للقياديين النهضاويين السيد الفرجاني عضو مجلس الشورى في حركة النهضة و زبير الشهودي رئيس المكتب الشخصي لراشد الغنوشي و المكلف بالملف الأمني بحركة النهضة انطلاقا من مونبليزير على حد تعبير المصدر. و قد تم ذلك في ظل صمت القيادات الأمنية العليا التي خذلت قواعدها

و خيٌرت الانصهار في خيارات حركة النهضة للانتفاع بما أغرقت فيه من امتيازات مادية على أن تكون اليد التي تضرب بها النهضة كل أمني لا ينصهر في استراتيجيتها، فتعددت المظالم الإدارية التي مست مئات الأمنيين من مختلف الرتب
و الاختصاصات و أضحت وعود التسميات بالمناصب الإدارية و النقل و الإعفاءات و الإحالة على العدالة أو التقاعد الوجوبي... من وسائل الترهيب التي تستعمل للضغط على الأمنيين و تطويعهم أو التشفي منهم إذا ما تعنتوا في عدم الإذعان لخيارات الحركة.
و نجحت بذلك الحركة في التغلغل بوزارة الداخلية و في وضع رجالاتها بكل الهياكل و المناصب الحساسة بالمؤسسة الأمنية
و يؤكد المصدر أنه في الوقت الذي كان فيه الأمنيون و نقاباتهم و أغلب مكونات المجتمع يجمعون على أن الأداء الأمني بعيد عن الحد الأدنى المسموح به و أن الوزارة حادت بشكل واضح عن دورها المأمول بعد الثورة و يدعونها بصوت مرتفع إلى مراجعة خياراتها، واصلت حركة النهضة في سياسة الهروب الى الأمام و تكريس جهودها الرامية إلى إحداث القطيعة بين المؤسسة الأمنية و المجتمع لضمان عدم اصطفافها إلى جانب الشعب في صورة احتداد الأزمة السياسية و الأمنية بالبلاد
و واصلت حركة النهضة الاعتماد على نفس القيادات لمزيد توريطها في أجنداتها السياسية و تحميلها مسؤولية إخفاقات جديدة إلى حين الحسم في أمرها بعد انتهاء المرحلة التي ستحدد حركة النهضة لاحقا ملامحها و توقيتها، فكلما تراكمت الأخطاء و احتدت الأزمة سواء خلال فترة الوزير علي العريض أو الوزير لطفي بن جدو تقوم بتسمية قيادة أمنية قديمة جديدة تتم مساومتها و توظيفها لصالحها باستغلال ماضيها و ارتباطها بمنظومة الفساد الإداري و المالي و الأخلاقي زمن بن علي، لتحمٌلها اثر ذلك مسؤولية سلسلة من الإخفاقات و الجرائم الجديدة في حق الشعب التونسي كما أفاد بذلك المصدر لتنتهي المرحلة بتنصيب قيادات أخرى بنفس الطريقة وتأمل في كل مرة حركة النهضة في تلميع صورتها و النأي بنفسها عن الأزمات المتتالية التي تتخبٌط فيها
كما يوضٌح المصدر أن المؤسسة الأمنية مرت منذ تنصيب حركة النهضةعلى رأس السلطة السياسية بالبلاد بثلاث مراحل رئيسية في تنفيذ إستراتيجيتها :
المرحلة الأولى: انطلقت بعد تاريخ 23 أكتوبر و نفٌذها بنجاح نبيل عبيد المدير العام للأمن الوطني و توفيق الديماسي المدير العام للأمن العمومي السابقين الذي استغلتهما النهضة لمعرفة دواليب الوزارة و تسهيل إعادة إدماج النهضاويين المعزولين و الأمنيين الذين تعلقت بهم قضايا عدلية زمن النظام السابق و تسوية وضعيتهم المهنية و في مقدمتهم فتحي البلدي و عبد الكريم العبيدي الذين تمت ترقيتهما بصفة استثنائية في مناسبتين متتاليتين و هو اجراء يخص الأمنيين الذين قدٌموا خدمات جليلة للوطن و هو ما لا ينطبق على المعنيين لا قبل الثورة و لا بعدها و بالتالي فهو إجراء مخالف للقانون.
و يقرٌ المصدر بأن نبيل عبيد تواطأ مع علي العريض لضرب النقابات الأمنية الناشئة و إزاحة قيادات أمنية بهدف فسح المجال لمنتسبي النهضة و من نجحت في استقطابهم من الأمنيين للارتقاء الى أعلى المناصب الأمنية دون مراعاة أدني معايير الكفاءة و التجربة المهنية. و حسب المصدر، فإن هذه التسميات كانت منطلقا لسلسة من الإخفاقات الأمنية و فشل الوحدات الأمنية في التصدي للظواهر المخالفة للقانون و التي من أهمها ارتفاع منسوب ظاهرة العنف الصادر عن تنظيم أنصار الشريعة و روابط حماية الثورة و ميليشيات حركة النهضة و التي انطلقت مند أحداث العبدلية فأحداث 9 أفريل وصولا الى أحداث السفارة الأمريكية و السماح لمتزعم التيار السلفي الجهادي سيف الله بن حسين بمغادرة جامع الفتح أمام أعين البوليس المقهور. و يضيف المصدر أن هذه الإخفاقات و لئن تعكس في جانب منها قرارات وخيارات سياسية معلومة، فإن السيد نبيل عبيد يتحمل في جانب آخر منها مسؤولية مسايرته لها و عدم اتخاذه قرارا شجاعا بالتمسٌك بتطبيق القانون و عدم فسح المجال للقرار السياسي أن يتدخل في القرار الأمني و أن يعلو عليه مما كان سيغيٌر حتما مجرى الأحداث بالبلاد و يجنبها موجة الإرهاب و الاغتيالات التي تعيشها اليوم.
و بعد صمته على مختلف الأحداث التي جدت و هو المسؤول الأول عن الأمن الوطني تمت إقالة السيد نبيل عبيد و تحميله وفق استراتيجية النهضة الأمنية مسؤولية هذه الأحداث و إسكاته بتسميته مستشارا ديبلوماسيا لدى الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بمرتب شهري يناهز ال15 ألف دولار و إقامة دائمة بين تونس و المملكة العربية السعودية.
المرحلة الثانية: مرحلة قصيرة انطلقت مع تعيين عبد الحميد البوزيدي مديرا عاما للأمن الوطني بعد أن لجأ إليه رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي للإبقاء على نفوذه على الوزارة، غير أن القيادات الأمنية المنصبٌة من قبل الشقٌ المهيمن بالنهضة و في مقدمتها وحيد التوجاني المدير العام للأمن العمومي و محرز الزواري المدير العام للمصالح المختصة و عماد بوعون المدير العام للمصالح الفنية و عماد الغضباني المدير العام لوحدات التدخل و رياض باللطيف المدير العام للتكوين... بقيت تنسٌق مباشرة مع وزير الداخلية على العريض و أبقت على البوزيدي في عزلة، و هو ما أدخل حسب ما أكده المصدر ارباكا على الأداء الأمني بحكم أن تغييب المدير العام للأمن الوطني عن أهم المسائل الأمنية لا يمكن الا أن يؤدي الى عواقب وخيمة كانت احدى نتائجها بروز الأمن الموازي و اغتيال الشهيد شكري بلعيد. و مع استقالة حكومة الجبالي، لم يعمٌر البوزيدي طويلا و تمت إقالته للتخفيف من حدة الانتقادات التي وجهت لوزارة الداخلية حينها.
المرحلة الثالثة: انطلقت حسب ما يؤكده المصدر مع تعيينات جديدة بوزارة الداخلية تكرٌس مبدأ اختيار قيادات أمنية ضالعة في الفساد المالي و الإداري بهدف استغلال نقاط ضعفها كورقة ضغط لتطويعهم و ضمان ولائهم و التستر على الخروقات و التجاوزات, و توظيفهم كبيادق لاستكمال احتواء وزارة الداخلية نهائيا عبر تعيين اخطبوط من القيادات الأمنية الموالية لحركة النهضة و اختراق القواعد الأمنية عبر إعطاء الأولوية في الانتدابات للموالين و المتعاطفين مع التيار الديني. و هذه التعيينات تخص كل من:
محرز الزواري : والذي تمت ترقيته في أقل من سنة من مكلف بالشؤون الادارية بإحدى المدارس.الأمنية الى المدير العام للمصالح المختصة
وحيد التوجاني : تمت ترقيته في أقل من سنة من مكلف بالتنسيق العدلي بصفاقس الى مدير اقليم أمن مدنين فمدير عام للأمن العمومي ثم مديرا عاما للأمن الوطني
سيف الدين باللطيف : ابن خال سيف الله بن حسين (أبو عياض) و هو يجسٌد لوحده المفارقات العجيبة لحركة النهضة فهي تقيل رياض باللطيف المدير العام للتكوين بناءا على علاقة القرابة التي تجمعه بسيف الله بن حسين، و تبقي على سيف الله باللطيف الذي تولت فيما بعد ترقيته في لمح البصر من مجرد رئيس مصلحة بالتفقدية العامة للأمن الوطني الى مدير اقليم قفصة و في أقل من 3 أشهر متفقدا عاما للأمن الوطني برتبة مدير عام و ها هي اليوم تستعد لتعيينه مديرا عاما للأمن العمومي خلفا لمصطفى بن عمر الذي تسعى القيادة النهضوية الى تحميله مسؤولية التواطؤ في موضوع اغتيال الشهيد محمد البراهمي على حد تعبير المصدر.
مصطفى بن عمر: تمت ترقيته في أقل من 4 أشهر من رئيس المصلحةالمختصة ببن عروس الى مدير اقليم قرطاج فمدير عام للأمن العمومي رغم ما عرف به من فساد مالي و اداري حسب ما صرح به المصدر لتتعلق به في بداية سنة 2012 القضية التحقيقية عدد 25333/12 و التي تقدمت بها عناصر نهضاوية ضده من أجل التعذيب، تم على إثرها مباشرة ترقيته إلى مدير امن قرطاج و من ثم ترقيته بعد أقل من شهرين إلى مدير عام للأمن العمومي .
عماد بوعون : و هو حسب ما صرح به مصدرنا يعتبر من أكثر المنتفعين بثورة 14 جانفي حيث لم يسبق في تاريخ وزارة الداخلية أن تمت ترقية إطار امني مكلف بالترجمة الى مدير لمكافحة الجوسسة ثم مباشرة الى منصب المدير العام للمصالح الفنية في أقل من سنة.
عاطف العمراني : تمت ترقيته في أقل من سنة من رئيس مصلحة مختصة بصفاقس لمدة أكثر من 5 سنوات أين عرف بفساده الاخلاقي و المالي حسب ما صرح به المصدر وقد تم استقطابه بعد الثورة من قبل الطاهر بوبحري الذي تربطه به علاقة قرابة ليتم تعيينه في مناسبة أولى رئيس منطقة باب بحر ثم ترقيته الى منصب مدير الاستعلامات العامة و في أقل من شهر مديرا عاما للمصالح المختصة
يقر المصدر أن الإخفاقات الأمنية تراكمت تحت سياسات و استراتيجيات هذه القيادة التي يعتبرها متواطئة مع حركة النهضة و خاضعة لاملاءاتها مما يفسر حسب رأيه تعدد فضائح التقصير الأمني من أحداث العبدلية و السفارة الأمريكية و قرار عدم إيقاف سيف الله بن حسين بجامع الفتح بدعوى تفادي الاصطدام مع أتباعه، ثم أحداث الرش بسليانة، والاعتداءات المتكررة على الاتحاد العام التونسي للشغل من طرف ميليشيات الحركة على حد تعبير المصدر و غيرها من الأحداث، و هي وضعية سمحت باستباحة دم السياسيين فجاءت الاغتيالات و جاء التستٌر على الاغتيالات رغم سابقية توفٌر معطيات استخباراتية متأكدة لدى هذه القيادة الأمنية المتواطئة التي فضٌلت طمس الحقائق و التدخل في سير الأبحاث للسيطرة على نتائجها، فتم بذلك الحكم على ضرورة إنهاء هذه المرحلة لاسيما مع احتداد الأزمة السياسية و اتُخذ قرار على أعلى مستوى السلطة السياسية بتوجيه من الثنائي وحيد التوجاني و مصطفى بن عمر الذين نسُقا مع السيد الفرجاني عضو مجلس
شورى حركة النهضة للتضحية بمحرز الزواري و خدماته و إبعاده بدعوى الاستجابة لمطلب المعارضة في هذا الخصوص.
يؤكد المصدر أن معظم القواعد الأمنية بعد أن فقدت الثقة في قياداتها المنصٌبة و في قدرتها على إدارة الشأن الأمني في ظل تواصل الأحداث الأليمة و الغير مسبوقة التي تعيشها البلاد، عبٌرت عن رفضها الشديد لمواصلة نفس نهج التعيينات
و إعادة التعويل على من أجرم في حق الأمنيين و الوطن و تطالب بإحداث لجنة تعيين تضم نواب من المجلس التأسيسي
و ممثٌلين عن المجتمع المدني و ممثٌلين عن النقابات و الجمعيات الأمنية الى جانب وجوه سياسية وطنية بارزة من مختلف الحساسيات السياسية قصد انقاذ البلاد و العباد .
كل ما جاء من معلومات في هذا المقال هي تصريحات لمصدر أمني مطلع أدلى بها للرأي العام الوطني دون ذكر اسمه
و لكم سديد النظر ...اللهم قد بلغت فاشهد
نقلا عن أمين مطيراوي -صحفي-                 


انعكاسات وخيمة على تونس جراء تسليم صندوقي الطائرة المنكوبة الأسودين للسلطات الليبية وخروقات قانونية بالجملة


هل يكفي الإسلاميين الفوز الانتخابي للحكم؟

هل يكفي الإسلاميين الفوز الانتخابي للحكم؟ 

بما يرضي تلك الشعوب و يساهم في تقدم بلدانها

و حالة البلدان المذكورة في الصورة أعلاه و غيرها تعطينا نبذة عن فساد و خراب حكمهم




تبعث بعض المؤشّرات على قلق بالغ وعميق، إذ تشير في مجملها إلى أن قيادة الحركة الإسلامية التونسية ربّما لم تستوعب بعد العبر من تجربة السنتين الماضيتين، ولم تفهم الدرس الأساسي الّذي عليها أن تعيه جيّدا
حتّى لا تفضي سياساتها مجدّدا إلى تعريض نفسها وأتباعها ووطنها مجدّدا للخطر، وتدفع مشروع الديمقراطية مرّة أخرى إلى حافّة الهاوية، إذ لا يكفي أن تفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات حتّى يكون بمقدورك أن تسيّر البلاد وتحكم.
لا يكفي أن تربح انتخابيا لتكون مؤهّلا للنجاح في استحقاقات السلطة، لأن الحكم مجموعة من الشروط يجب أن تتوفّر أوّلا، قد تكون الانتخابات من بينها وقد لا تكون كذلك، فإن لم تتوفّر فإن الحكم ساعتها سيكون مغامرة غير محمودة العواقب، وهدرا أكيدا للجهد والطّاقة، ومضيعة كبيرة لوقت الوطن والأمة، وإحياء للأزمة الّتي بالكاد حلّت وغادرها الإسلاميون وهم لا يصدّقون أنّهم حافظوا بعدها على حظوظهم كاملة وأن لعنة الفراعنة لم تلحق بهم ضررا.
قد تحوز على كتلة أولى كبيرة في انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة، كالّتي جرت في بلادنا يوم 23 أكتوبر 2011، لكنّك ستكتشف لاحقا أنّ كومتك الانتخابية لم تضمّ في ثناياها غالبية كافية من رجال المال والإعلام والمثقّفين والفنّانين وصنّاع الرأي وسائر المبدعين، وأن هذه الفئات وإن كانت من جماعات «صفر فاصل»، إلاّ أن تأثيرها على الأحداث يفوق حجمها بمرّات كثيرة، وأن تكتّلها ضدّك سيجعل حكومتك محاصرة وعاجزة وحائرة منذ يومها الأوّل، وستنتهي الأحداث لا محالة بسقوطها وإن طال صمودها.
لا يحتاج الإسلاميون الآن إلى فوز انتخابي وسلطة، بقدر ما يحتاجون إلى زمن كفيل بتحقيق إعادة اندماجهم في المجتمع، فالنّاس لا يعرفونهم في الغالب، حتّى تلك الأغلبية من الأصوات الّـتي أحرزوا عليها لا تعرفهم، فقد انتخبتهم في الغالب إمّا لكونهم «متاع ربّي» وكأن البقية «متاع الشيطان»، وإمّا لأنّهم الحزب الحاكم الجديد والتونسي ميّال بطبعه إلى السلطان، كما أنّهم كذلك لا يعرفون النّاس بعد أن جرّبوا عذاب «التيه» في السجون والمنافي، فكيف بهم يتطلّعون إلى حكم شعب لا يعرفونه ولا يشبهونه ولا يتحدّثون لغته حتّى وإن استعملوا ذات ألفاظها وجملها.
ما يحتاجه الإسلاميون حقّا، أن يمنحوا أنفسهم بعض سنين من الرّاحة بأن لا يتصدّوا للحكم في مقام أوّل، وإن كانت مشاركتهم النسبية (بمقدار) فيه مطلوبة، وأن يتفرّغوا للكتابة في أدب السجون والاستمتاع بفترة من العيش الطبيعي مع أهاليهم، و ممارسة الحياة العادية كغيرهم من المواطنين، عساهم يقطعون مع أربعة عقود من المواجهات والمداهمات والاعتقالات والعذابات والاتّهامات، وعساهم بعد خمسة أو عشرة أعوام يكونون قد عادوا قوما آخرين بعد مراجعات وتأمّلات ومشاركات محدودة مكسبة للتجربة والحكمة، وفوق ذلك قراءات وعبادات وحياة بعض الشيء هادئة هانئة يجلسون فيها مع أبنائهم وأحفادهم قليلا ويذوقون معها طعم بلد آمن مطمئنّ غير حزين.
تبرز معظم استطلاعات الرأي الأخيرة في هولندا أن حزب «الحريّة اليميني المتطرّف بقيادة «خيرت فيلدرز» يتقدّم بقية الأحزاب ومرشّح أن يكون أوّلا في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكنّ جميع تصريحات القيادات السياسية الهولندية تؤكّد أن هذا الحزب لن يحكم الأراضي المنخفضة حتّى وإن فاز، فبقية الأحزاب لن تشاركه الائتلاف الضروري لتشكيل الحكومة مهما قدّم من تنازلات ومغريات، وما سيستخلص أنّ شروط حكمه لم تتوفّر وإن ضمن انتصارا انتخابيا.
لقد بدأ الإسلاميون الأتراك محاولاتهم في الوصول إلى السلطة منذ خمسينيات القرن الماضي، وحقّقوا في بعض المرّات انتصارات انتخابية، ودخلوا بين فينة وأخرى في ائتلافات حكومية عادة ما أنهتها انقلابات عسكرية، ولم تتوفّر شروط وصولهم إلى السلطة إلا سنة 2002 عبر حزب العدالة والتنمية وبقيادة إصلاحي كبير هو رجب طيّب أردوغان، لم يبق عمليّا من آثار الإسلاميين في مشروعه إلاّ رائحة بسيطة جدّا، وكانت خلطة حزبه الّتي ضمّت محافظين ويمينيين ويساريين أقرب إلى حالة «الوطنية» منها إلى حالة «الإخوانية الإسلامية»، وإن اضطرّته نظرية «العثمانية الجديدة» إلى تقوية النزعة الدينية مؤخّرا أكثر ممّا يحتمل الظرف، ومن هنا كانت معاناته الأخيرة.
أمّا إخوان مصر فقد كان تهوّرهم عظيما، ولو صبروا على ما أصابهم وأذعنوا لقدرهم وسلّموا السلطة برضاهم كما فعل نجم الدّين أربكان رحمه الله قبل عشر سنوات ونيف، واستنكفوا أن يكونوا وقود فتنة لن تفرح سوى أعداء الدّين والملّة، واحتسبوا مصيبتهم عند الله، وفهموا أن ممارسة الحكم رهينة توفّر الشروط، وباتوا مظلومين لا ظالمين، لوفّروا قدراتهم وملايينهم ومؤسساتهم وشبابهم وعلاقاتهم لخدمة بلادهم لا إقامة الحجّة على بعض أبناء وطنهم وجلدتهم حتّى وإن كانوا برأيهم من الظالمين، فقد أضعفوا بحماقاتهم مصر وجرّوا جيشها وأمنها واقتصادها وعزّتها ومنعتها للخطر، وخسروا بأفعالهم الهوجاء احترام النّاس حكّاما ومحكومين.
ولا يظنّن عاقل من الإسلاميين أن شروط الحكم في تونس ستتغّير خلال بضعة أشهر، وأن المناورات السياسية قادرة على ترميم الصورة وكسب أحلاف وإقناع الآخرين، أو أنّ الجولات الخارجية ستحمل صورة مختلفة مغايرة كلّيا عن الجماعة لدى الغربيّين والعالمين، فإن ثبت هذا الظنّ فلن يكون أهله إلاّ من الضالّين الواهمين، والخير كلّه في حساب الراشدين، حساب يجعل من الوطن قبل الحزب، ومن أزمات الماضي البعيد والقريب عبرة للمتّقين.

mercredi 26 février 2014

عيش حرية عدالة اجتماعية ثلاث مصامير في نعش 5حكومات

عيش حرية عدالة اجتماعية ثلاث مصامير في نعش 5حكومات
ما ستقرأه في هذا التحليل ينطبق حرفيا على تونس
مع الموافقة رسمياً على استقالة حكومة د. حازم الببلاوي التي تولت المسئولية عقب الإطاحة بمحمد مرسي في الـ30 من يونيو الماضي، يكون الببلاوي قد أكمل الحكومة الخامسة منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 والتي فشلت جميعها في تحقيق مطالب الثورة الثلاث "العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية".

حكومة شفيق 
وكانت أولى الحكومات الخمس التي فشلت في تحقيق تلك المطالب هي حكومة الفريق أحمد شفيق ، والتي أسند إليها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك إدارة شئون البلاد عقب الاحتجاجات التي شهدتها ربوع مصر ،إلا أن حكومة الفريق شفيق لم تكن على القدر الكافي من الكفاءة عقب ثورة ضحى فيها المئات بأرواحهم.
وفشلت حكومة شفيق في كسب ثقة الشعب المصري والذي كان محتشدا بميدان التحرير في ذلك الوقت ، وتعهد حينها شفيق بألا يمس أحد الشباب المعتصمين بالميدان، لتحدث بعدها بساعات موقعة الجمل التي كتبت كلمة النهاية في عمر الحكومة الأولى بعد الثورة و تسقط بعدها شعبياً في 3 مارس 2011 وهو اليوم الذي تم فيه قبول استقالة شفيق ، وتكليف عصام شرف بتشكيل الحكومة الجديدة.
حكومة عصام شرف 
تعتبر حكومة د. عصام شرف هي الوحيدة التي كانت تمتلك كل مقومات النجاح في الحكومات التي تولت إدارة البلاد منذ اندلاع ثورة الـ25 من يناير، فهي الحكومة التي حلف رئيسها اليمين بميدان التحرير الذي دخله محمولا على أعناق المتظاهرين الذي فقدوا أصدقائهم وكلهم أمل وإيمان في أن يتم تنفيذ مطالبهم الثلاث.

وتولت الحكومة المسئولية بتكليف من المجلس العسكري في مارس 2011 ، واستمرت تتخبط لمدة أربعة أشهر ، قبل أن يتدخل شرف لمحاولة تصحيح مسار حكومته بتعديل وزاري في يوليو من نفس العام إلا أن سياسة الأيادي المرتعشة، وعدم مواجهة الأحداث التي شهدتها البلاد في تلك الفترة بنوع من المسئولية هو ما أطاح بتلك الحكومة.

و ساعد على الإطاحة بحكومة شرف نفس من حملوه على الأعناق في ميدان التحرير ،وثاروا ضده وضد إدارة المجلس العسكري للبلاد خاصة بعد أحداث محمد محمودالأولى  "شارع عيون الحرية" والتي سقط خلالها الكثير من القتلى والمصابين.
حكومة الجنزوري 
مع تصاعد الاحتجاجات ضد حكومة عصام شرف قرر المجلس العسكري تكليف د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق في عهد مبارك بإدارة شئون البلاد، وتم منح الجنزوري كامل الاختصاصات التي تحتاجها أيحكومة، وقوبلت تلك الحكومة منذ يومها الأول بالاحتجاج والرفض من قبل قطاع كبير من الشباب.

وزادت حدة المصادمات في فترة تولي تلك الحكومة بين المتظاهرين والأمن وكان أشدها أحداث مجلس الوزراء وتلتها مذبحة ستاد بورسعيد ، وأكملت تلك الحكومة مهمتها بتسليم البلاد لجماعة الإخوان المسلمين عقب نجاح محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية.
حكومة قنديل للإخوان فقط 
تولى د.هشام قنديل منصب رئيس الوزراء في 24 يوليو 2012 خلفاً لحكومة كمال الجنزوري ، وعقب تولي الرئيس المعزول محمد مرسي رئاسة الجمهورية ، بدأت حملة كبيرة لأخونة كل مؤسسات الدولة في إطار خطة الجماعة من أجل السيطرة على جميع مفاصل الدولة ووضع رجالها في جميع المؤسسات.

وشهدت حكومة قنديل تخبطاً إدارياً كبيراً في البلاد، وخرجت العديد من التصريحات الغير مسئولة من رئيس الوزراء ذاته، مما أشعل غضب الشعب المصري الذي خرج في الـ30 من يونيو للمطالبة بإسقاط حكم الإخوان واستقالت الحكومة بعدها في 3 يوليو بعد عزل مرسي.
الببلاوي و دولة العواجيز
 تم تعيين الحكومة الخامسة منذ ثورة يناير بعد خروج الشعب المصري في الـ30 من يونيو ، وتراسها هذه المرة د. حازم الببلاوي لتمثل حكومة الإنقاذ بالنسبة للشعب المصري وكانت حكومة مكونة من كثير من الاقتصاديين لتكون مهمتهم الأولى هي إنقاذ الاقتصاد المصري المنهار في بعد ثورتين كبيرتين.

ولم تكن تلك الحكومة هي الأخرى على قدر من المسئولية لتقود انتفاضة دولة العواجيز ودون منح الفرصة لأي وزير شاب ممن خاضوا ثورة الـ25 من يناير ، و تفشل هي الأخرى في حل لوغاريتم الثلاث مطالب " عيش حرية عدالة اجتماعية "لتستقيل في الـ24 من فبراير 2014 وتقبل استقالتها رسمياً في نفس اليوم .

هل هناك جريمة أبشع من: «تاكسيست» يحرق حيا في سيارته

هل هناك جريمة أبشع من: «تاكسيست» يحرق حيا في سيارته

في بنزرت:العثور على «تاكسيست» جثة متفحّمة

عثر ليلة أول أمس رجال الامن بمنطقة  منزل جميل من ولاية بنزرت على  جثة سائق سيارة تاكسي متفحمة داخل سيارته  المحترقة   بمدخل  غابة الرمال .  ويدعى  الهالك انور  الطياشي  و يبلغ من العمر 37 سنة  وهو متزوج وله   طفلتان تترواح اعمارهما بين  3 و8 سنوات ومشهود له بدماثة اخلاقة  .
  وتفيد تفاصيل هذه الحادثة ان رجال الأمين بمنطقة منزل جميل عثروا في حدود الواحدة بعد منتصف الليل على جثة تاكسيست متفحمة داخل سيارته المحروقة. وبعد معاينة الجثة من طرف وكيل الجمهورية تولى رجال الأمن نقلها للتشريح لمعرفة أسباب الوفاة الحقيقية كما تم فتح تحقيق في الغرض للكشف عن ملابسات الواقعة.
وحسب ما توفر لنا من معلومات فإن مجهولين اتصلوا ليلة الواقعة بزوجة الهالك وطلبوا منها فدية تقدر بـ 4 آلاف دينار مقابل الابقاء على زوجها  حيا ثم أغلقوا الهاتف. والأكيد أن الأبحاث الأمنية ستكشف النقاب عن هذه الحادثة الأليمة .
  مفيدة الشرقي   

mardi 25 février 2014

بالوثائق والشهادات: كيف صنعت المخابرات البريطانية تنظيم «الإخوان»؟

بالوثائق والشهادات: كيف صنعت المخابرات البريطانية تنظيم «الإخوان»؟

يجب أن تفخر بريطانيا بنجاحها فى توفير ملاذ آمن لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الثلاثة الماضية. كثير من هؤلاء الإخوان جاءونا هاربين من السجن والتعذيب فى بلدان يحكمها مستبدون فاسدون دعمهم الغرب بقوة حتى جاء الربيع العربى، الآن بعض هؤلاء يعودون إلى بلدانهم الأصلية للمساعدة فى بناء الديمقراطيات الجديدة ويحصنون بلدانهم ضد ديكتاتوريات محتملة فى المستقبل فى العالم العربى».. هذا ما كتبه الرئيس السابق لوحدة الاتصال بالمسلمين فى شرطة لندن، الدكتور روبرت لامبرت، فى مجلة «نيو استيتسمان» فى 5 ديسمبر 2011، كاشفًا عن علاقات لندن «الأزلية» بجماعة الإخوان منذ نشأتها، وإلى عامنا الحالى، الذى يهرع فيه قادة الإخوان بمساعدة من قطر للجوء إليها.
ويمكن تتبع علاقة لندن بالجماعة من خلال عدة تواريخ مفصلية، توضح، بجلاء، أن الجماعة صناعة بريطانية 100%؛ ففى عام 1928 نشأت الجماعة فى منطقة الإسماعيلية تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال البريطانى، وبدعم من أكبر رموز الاحتلال فى مصر، وهى شركة قناة السويس، التى موّلت الجماعة بـ500 جنيه فى بداياتها.
فى عام 1955، وبعد إعلان «عبدالناصر» حظر الجماعة وملاحقة قادتها، اتخذ الإخوان من لندن مقراً لنشاطهم الدولى، ومنها إلى كثير من بلدان العالم.
وفى مطلع السبعينات أفرج «السادات» عن الإخوان وأعادهم للمسرح السياسى بضغط من لندن وواشنطن، بعد أن تلقى «السادات» رسالة عام 1972، عبر رئيس المخابرات السعودية كمال أدهم، فحواها: «إذا أردتَّ دعم الأمريكان فى صراعك مع إسرائيل فعليك بأمرين، أولهما: طرد الخبراء السوفيت، وثانيهما: الإفراج عن الإخوان».
وفى عام 2005 ضغطت واشنطن ولندن على «مبارك» لإشراك الإخوان فى الحكم، وهى الضغوط التى أدت لدخول 88 إخوانياً للبرلمان، وبعد إسقاط نظام «مرسى» فى يوليو 2013 وحظر نشاط الجماعة سارع الإخوان بالعودة إلى بلدهم الأم، ليؤسسوا مقراً جديداً فى منطقة «كريكل وود» بشمال لندن؛ حيث يديرون حملتهم ضد الحكومة المصرية ويعيدون رسم مستقبل الجماعة مرة أخرى.
ووصفت مجلة فورين بوليسى الأمريكية لندن بأنها «المكان الطبيعى لجماعة الإخوان خارج مصر»؛ فهى بالفعل المقر الرئيسى لموقع «إخوان أون لاين» باللغة الإنجليزية منذ تأسيسه عام 2005، لتقديم الجماعة كتنظيم صديق للغرب.
كما أن لندن كانت مقراً لما سمى «مركز المعلومات العالمية» الذى أسسته الجماعة فى التسعينات بهدف توصيل رسالة الجماعة إلى وسائل الإعلام فى العالم، وفيها يقيم المتحدث باسم الإخوان لأوروبا، إبراهيم منير، خلفاً لكمال الهلباوى الذى عاش هناك أيضا لسنوات
كما أن جمعة أمين، الذى يعالَج هناك، سعى مؤخرا للحصول على اللجوء السياسى.
وفيها أقام خيرت الشاطر عدة سنوات فى منتصف الثمانينات، وهناك زامل عصام الحداد، الذى قضى سنوات طويلة فى لندن، قبل أن يعود مستشارا سياسيا للرئيس محمد مرسى، وتولى ابنه جهاد مهمة مخاطبة وسائل الإعلام العالمية، وينشط ابنه الآخر عبدالله فى جناح الإخوان فى لندن، الذى يضم عائلات كثيرة بعضها يمثل الجيلين الثانى والثالث لإخوان استقروا فى لندن منذ عقود.
وأشارت المجلة التى أجرت تحقيقا من داخل هذا المقر إلى هذا المقر الخفى فى دهاليز شمال لندن أصبح إحدى أكثر أذرع الجماعة نشاطا وتنسيقا مع مكاتبها فى مختلف دول العالم فى مصر والولايات المتحدة وأوروبا، فى إصدار بياناتهم وتنظيم احتجاجاتهم والاستعانة بمحامين بريطانيين مشاهير مثل مايكل مانسفيلد لملاحقة النظام المصرى الحالى.
وكان الشيخ يوسف القرضاوى زائرا منتظما لبريطانيا؛ فقد زارها 5 مرات فقط فى الفترة بين 1995 و1997. وعندما انتقد البعض دعوة عمدة لندن كين ليفنجستون لـ«القرضاوى» عام 2004 رد مقبول على، مستشار الشئون الخارجية للشئون الإسلامية فى الخارجية البريطانية، بأن «زيارة القرضاوى يمكن أن تكون مفيدة فى ضوء نفوذه، فيما يتعلق بأهداف سياساتنا الخارجية»، ويسعى الآن عدد كبير من قادة الإخوان وأصدقائهم ومنهم عضو بمكتب الإرشاد محمود حسين إلى اللجوء للندن بمساعدة من الدوحة التى تواجه ضغوطا عربية لتسليمهم لمصر.
تاريخ بريطانيا فى استغلال الجماعات الإسلامية قديم ويتجاوز 100 عام؛ ففى ظل الاحتلال البريطانى وتحت رعايته نشأت أكبر حركتين للإحياء الإسلامى السنى، هما: «حركة ديوباندى» فى شمال الهند عام 1866 (التى تأثر بها أبوالأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية فى باكستان الذى ألهم الأفكار التكفيرية لسيد قطب لاحقا)، والإخوان المسلمون فى عام 1928.
قبل أن نشرع فى سرد تاريخ لندن فى دعم الجماعة، يجب أن نوضح أن علاقة الجماعة بلندن أو غيرها من العواصم الغربية لا تعنى أن الإخوان كانوا عملاء، بمعنى أنهم تحالفوا عن قناعة أو تحت إغراء المال ضد بلدانهم. الأدق أنه تم التلاعب بهم واستغلالهم طوال عقود لتحقيق تم مآرب لندن، سواء بعلم الإخوان، لاتفاق المصالح، أو دون علمهم.
ويلخص المؤرخ لديفيج فروميكين موقف بريطانيا من الجماعات الإسلامية المختلفة فى كتابه الشهير «السلام الذى يقضى على كل سلام» بأن «القادة البريطانيين كانوا يعتقدون دوما أن الإسلام يمكن التلاعب به واستغلاله بشراء قياداته الدينية أو الاحتيال عليهم».
ولأسباب كثيرة، كانت بريطانيا تجد ضالتها فى الإسلاميين، وأحد هذه الأسباب تركيز بعض هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة الإخوان، على العمل بالسياسة والخبرة المتراكمة للساسة الإنجليز فى فهم هذه الجماعات؛ فبريطانيا تتمتع منذ نهاية القرن الـ18 بنفوذ كبير على العالم الإسلامى؛ إذ شملت الإمبراطورية البريطانية أكثر من نصف شعوب العالم الإسلامى.
ووفقا للمؤرخ المتخصص فى علاقة الإسلام بالإمبراطورية البريطانية فرانسيس روبنسون، فإن «بريطانيا سعت دوما لدعم سلطة إسلامية تقليدية كحصن لاستمرار سلطتها، وكثيرا ما سمحت باستمرار الشريعة والحكم الأصولى المتشدد، وهذا يساعد فى تفسير تقاعس المسلمين فى كثير من البلاد الإسلامية التى كان البريطانيون يحكمونها عن الاستجابة لدعوة الإمبراطور العثمانى للجهاد ضد بريطانيا، فى بداية الحرب العالمية الأولى».
ويضرب مؤلف كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين»، مارك كورتيس، عدة أمثلة على رغبة وقدرة بريطانيا على تطويع الإسلاميين والتعامل معهم، أولها: «خلافة سوكوتو» الإسلامية؛ ففى أوائل القرن الـ19 قام الشيخ عثمان بن فودى برفع لواء الجهاد لتجديد الإسلام، وتمكّن من توحيد إمارات الهوسا تحت سلطة مركزية واحدة ممثلة فى خلافة سوكوتو (1802-1903)، التى تأسست فى شمال نيجيريا وضمت 30 إمارة.
وفى ظل هذه الخلافة، أصبح الإسلام هو القوة السياسية العليا فى نيجيريا وطُبِّقت الشريعة فى أنحاء السلطنة.
وقررت بريطانيا سحق هذا السلطان المتمرد بمدافعها، لكن بعد هزيمته بصورة وحشية عام 1902 فضّل الإنجليز الإبقاء على سلطان سوكوتو. وتحولت هذه الإمارة إلى نموذج لـ«الحكم غير المباشر»، كررته بريطانيا لاحقا فى مستعمرات أخرى. وفى السودان، هزم البريطانيون الحركة المهدية عام 1898، لكن بحلول عشرينات القرن الماضى أصبحت بريطانيا تعتبر زعيمهم السيد عبدالرحمن «حليفاً يمكن أن يكفل لها ولاء سودانيين كثيرين».
طموح جماعة الإخوان السياسى كان على ما يبدو أكثر ما أغرى الإنجليز بالاهتمام بتنظيمهم. وفى تحليل مطول بعنوان «الإخوان.. وجوه كثيرة فى خدمة بلاط صاحبة الجلالة البريطانية»، يقرر الباحث الباكستانى رام تنيور ميترا أن المخابرات البريطانية اخترقت جماعة الإخوان منذ أيامها الأولى واستفادت منها، حتى عندما أرادت الجماعة دعم النازيين الألمان فى حربهم ضد بريطانيا، فبعد وقت قصير من تأسيس الجماعة، ظهرت على الساحة عميلة الاستخبارات البريطانية فريا ستارك، التى اكتسبت شهرة كبيرة فى وقت لاحق كمستشرقة كارهة لليهود ومعارضة للسياسات الاستعمارية الإنجليزية.
لكن الحقيقة أن «ستارك» تعاونت مع المخابرات البريطانية لمجابهة النفوذ النازى فى عدن والقاهرة وبغداد، وأثناء وجودها فى القاهرة أنشأت جمعية «إخوان الحرية» لتتبع أنشطة الألمان فى شمال أفريقيا، وسرعان ما أجرت اتصالات مع «الإخوان» وأصبحت مصدراً لمعلومات لندن عن العديد من الحركات السياسية المختلفة التى ظهرت فى مصر، بمساعدة «البنا» وجماعته.
وبعبارة أخرى «كانت جماعة الإخوان منذ بدايتها (عصفورة) لصالح المخابرات البريطانية»، على حد وصف الباحث.
 «هتلر» طلب الاتصال بـ«البنا» لمعرفة ما إذا كان يمكن العمل معه..
وهو ما حدث بـ«زيارات سرية وعلنية» ووفقاً للمدعى العام السابق فى وزارة الخارجية الأمريكية جون لوفتوس، الذى كتب كثيرا عن علاقة الإخوان بالنازيين، فقد «كان (مستر البنا) معجباً بشدة بكاتب نمساوى شاب يدعى أدولف هتلر، وكانت رسائله إلى هتلر تكشف عن دعم كبير لأفكاره. وعندما جاء هتلر إلى السلطة فى الثلاثينات من القرن العشرين، طلب من المخابرات النازية الاتصال بالبنا لمعرفة ما إذا كان يمكن له العمل معه».
وازدهر التحالف السياسى والعسكرى بين الإخوان وألمانيا النازية، وأسفر عن زيارات رسمية للجماعة قام بها سفراء ألمانيا «الفعليون» ومشاريع مشتركة علنية وسرية بين الطرفين.
وساعد مؤسسها حسن البنا فى توزيع الترجمات العربية من كتاب هتلر «كفاحى» وكتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، وبالتالى ساعد فى تأجيج العداء المتزايد تجاه اليهود ومؤيديهم الغربيين.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عمل «البنا» على دعم تحالفاته مع هتلر وموسولينى، فأرسل لهما برسائل مع مبعوثين، وحثهما على مساعدته فى نضاله ضد البريطانيين والنظام الغربى للملك فاروق فى مصر.
وعمل بالفعل جهاز المخابرات الخاص بالجماعة «المخترق من قِبَل المخابرات البريطانية» على إنشاء شبكة تجسس لألمانيا النازية فى جميع أنحاء العالم العربى، وجمع المعلومات عن أهم رموز النظام فى القاهرة وتحركات الجيش البريطانى، وتقديم هذه المعلومات وغيرها للألمان فى مقابل علاقات أوثق. ووفقا لـ«لوفتوس»، فإن مفتى القدس، الحاج محمد أفندى أمين الحسينى، ممثل جماعة الإخوان فى فلسطين، لعب دورا حيويا فى الاتصال بهتلر.
لكن كل ذلك كان يحدث تحت سمع وبصر المخابرات البريطانية التى كانت تسيطر على كل من فلسطين ومصر، بل إن تعيين «الحسينى» مفتيا جاء بقرار مباشر بين عامى 1917-1948 من البريطانيين رغم احتجاجات قوية من معظم العرب الفلسطينيين، وكذلك من المستوطنين اليهود على تعيينه.
ورغم الصلات القوية بين الحسينى والنازيين، فإن الإنجليز والصهيونيين عملوا على تصعيده، إذ لم يكن خفيا على المندوب السامى البريطانى فى فلسطين، السير هيربرت صموئيل -وهو يهودى صهيونى- حقيقة ميول «الحسينى» واتصالاته مع النازيين وكذلك دوره فى النضال ضد اليهود، وتحديدا فى مذبحة اليهود المعروفة بـ«عيد الفصح الدامى» فى القدس فى عام 1920.
وبعد محاولة فاشلة لإطلاق انتفاضة مؤيدة للنازية فى العراق، هرب المفتى إلى أوروبا لحشد قوات عربية لخوض الحرب فى صفوف الرايخ الثالث. لكن الملفت للنظر وفقا لـ«لوفتوس» فإنه «على الرغم من كون الحسينى يعد مجرم حرب (من جانب بريطانيا) فإنها لم تلاحقه فى مصر التى جاء إليها بعد ذلك».
عميلة بريطانية أنشأت جمعية «إخوان الحرية» بالقاهرة لتتبّع أنشطة الألمان ووفقا لـ«مارك كورتيس» فى كتابه «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين».
الذى اعتمد على الوثائق السرية الرسمية التى أفرجت عنها الحكومة البريطانية فقد حدث أول اتصال مباشر ومعلن بين مسئولين بريطانيين والإخوان فى عام 1941. بعده مباشرة، بدأت جماعة الإخوان مرحلتها التالية: إنشاء «الجهاز السرى».
وبداية من عام 1941-1942، أسس الإخوان ذراعا استخباراتية، تحولت بسرعة إلى منظمة شبه عسكرية.
ويشير «كورتيس» فى كتابه إلى أنه بحلول عام 1942، بدأت بريطانيا على وجه اليقين فى تمويل الإخوان. فى 18 مايو 1942، عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعا مع وزير المالية المصرى أمين عثمان باشا، نوقشت فيه العلاقات مع الإخوان واتفق على أن «حكومة الوفد ستدفع سرا مساعدات مالية لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى مساعدات أخرى للجماعة ستقدمها السفارة البريطانية، على أن تقوم الحكومة المصرية بزرع عملاء لها داخل الجماعة لمراقبة أنشطة الجماعة عن كثب وإطلاع الجانب البريطانى على هذه المعلومات.. ونحن، من جانبنا، سنطلع الحكومة على أى معلومات (تتعلق بالجماعة) نحصل عليها من المصادر البريطانية».
بعد هزيمة النازيين واغتيال البنا فى عام 1949، ردا على اغتيال الجماعة لرئيس الوزراء المصرى فهمى النقراشى، ظلت علاقة الجماعة قائمة بقوة مع بريطانيا. فى أكتوبر عام 1951، أعلن المرشد الجديد حسن الهضيبى معارضته للعنف الذى تورطت فيه الجماعة بين عامى 1945و1949.
لكن حدث أن دعا الإخوان فى عام 1951، إلى الجهاد ضد البريطانيين واستهداف ممتلكاتهم. ولكن هذه الدعوة كانت «مسرحية»، أو كما وصفها «رام تنيور ميترا» مثل «عروض السيرك للكلب والحصان».
إذ ذكر تقرير للسفارة البريطانية من القاهرة فى أواخر 1951 أورده مارك كورتيس فى كتابه: «فإن جماعة الإخوان تمتلك منظمة إرهابية منذ مدة طويلة، ولم تفلح أبدا جهود الأمن فى القضاء عليها. لكن التقرير قلل من أهمية نوايا الإخوان فى استهداف الإنجليز»، مشيراً إلى أنهم «يخططون لإرسال إرهابيين إلى منطقة القناة، ولكنهم لا ينوون حقا قوات جلالة الملكة، أى القوات البريطانية».
وأشار تقرير آخر إلى أنه على الرغم من تورط الإخوان فى بعض الهجمات ضد البريطانيين، فإن هذا يرجع إلى تصرفات فردية أو «عدم انضباط»، ويتعارض مع سياسات قادة التنظيم. وتظهر الملفات السرية، التى أصبحت متاحة فيما بعد فى أرشيف الوثائق البريطانى، أن المسئولين البريطانيين حاولوا ترتيب لقاء مباشر مع حسن الهضيبى فى ديسمبر عام 1951.
وعقدوا بالفعل عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه، ويُدعى «فرخانى بك»، الذى لم تتوافر عنه معلومات تذكر، ولم يكن -على ما يبدو- عضوا فى جماعة الإخوان.
وهناك مؤشرات عديدة فى الملفات السرية تؤكد أن قادة الإخوان، على الرغم من دعواتهم فى العلن لشن هجمات على البريطانيين، كانوا مستعدين تماما للقائهم سرا.
وقبل هذا الوقت، ووفقا لمكاتبات وزارة الخارجية البريطانية، كانت الحكومة المصرية قد عرضت «رشاوى هائلة» لإغراء جماعة الإخوان بعدم التورط فى مزيد من العنف ضد النظام.
فى أوائل عام 1953 كان عبدالناصر مشغولا بإتمام الجلاء البريطانى من مصر مع اقتراب نهاية اتفاقية 1936، لكنه فوجئ بالجانب البريطانى يعقد اجتماعات مع الهضيبى.
ولا يعرف أحد ما دار فى هذه الاجتماعات على وجه الدقة، لكن المؤرخ الشهير «ريتشارد ميتشل» كتب فيما بعد «أن الإخوان دخلوا فى هذه المفاوضات بطلب من البريطانيين ما أثار صعوبات لمفاوضى الحكومة المصرية، موفرة للجانب البريطانى أداة للتأثير على حكومة الثورة».
وأدانت فى حينها حكومة عبدالناصر هذه الاجتماعات باعتبارها «مفاوضات سرية من وراء ظهر الثورة»، واتهم عبدالناصر الإنجليز بالتآمر مع الإخوان، واتهم الهضيبى بأنه قبل شروطا للجلاء تغل من أيدى الحكومة المصرية.
ووفقا لمذكرة اجتماع للسفارة البريطانية فى القاهرة بتاريخ 7 فبراير 1953 فإن قياديا إخوانيا يدعى «أبورقيق» قال للمستشار الشرفى للسفارة البريطانية «تريفوز إيفانز» إنه «إذا بحثت مصر فى كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا».. وفسرت السفارة هذه العبارة على وجود مجموعة من قادة الإخوان مستعدين للتعاون مع بريطانيا، وأضاف «إيفانز» فى برقية أرسلت بتاريخ 19 فبراير 1953 للخارجية البريطانية: «هذا التصريح وإن كان يدعو للدهشة فقد يفسره تزايد الطبقة الوسطى فى الجماعة مقارنة بالقيادة الشعبية فى الأساس فى أيام حسن البنا».
فى 26 يوليو 1956، أقدم عبدالناصر على ما كان ينبغى عليه القيام به قبل عقود: طرد المستعمرين البريطانيين من منطقة قناة السويس. وفى خطاب هادئ، وصفته لندن بـ«الهستيرى» فى 26 يوليو فى الإسكندرية، أعلن عبدالناصر عن تأميم قناة السويس، الذى لم يكن من الناحية القانونية البحتة أكثر من قرار لشراء حصص المساهمين الأجانب.
ويروى «ستيفن دورل» تفاصيل رد الفعل البريطانى على هذه الخطوة فى كتابه «داخل العالم السرى لاستخبارات صاحبة الجلالة» على النحو التالى: (فى تلك الليلة فى «داوننج ستريت» انفجر رئيس الوزراء البريطانى «أنتونى إيدن» غضبا واستدعى مجلس الحرب الذى ظل منعقدا حتى الرابعة فجرا. وفى هذا الاجتماع صرخ «إيدن» فى زملائه «لا يجب أن نسمح لناصر أن يضع يديه على قصبتنا الهوائية.. يجب أن ندمر هذا الـ«موسولينى المسلم».
وأضاف إيدن: «أريد إزالته ولا يهمنى ما يمكن أن يترتب على ذلك من فوضى فى مصر. وكان رئيس الوزراء السابق ونستون تشرشل حاضرا فى هذا الاجتماع، فزاد النار اشتعالا حين قال يجب أن تخبر المصريين: «إذا أزعجونا مجددا بوقاحتهم سنطلق اليهود عليهم ليعيدوهم إلى الحضيض، والذى ما كان ينبغى لهم أن يخرجوا منها أبدا»).
وفى مكالمة أخرى غاضبة من بطء وتيرة الحملة ضد عبدالناصر، قال إيدن لأحد مساعديه -وفقا للمؤرخ «إيفلين شاك برا» فى كتابه «أصل أزمة السويس، يوميات وزارة الخارجية بين عامى 1951 و1956» الذى صدر فى عام1986: «ما كل هذا الهراء الذى أرسلتموه إلىّ؟ ما كل هذا الكلام الفارغ عن عزل ناصر أو «تحييده» كما تسمونه؟ أريد تدميره. ألا تفهمون؟ أريده أن يقتل». ولم يجد البريطانيون سوى حلفائهم الإخوان لتنفيذ هذه المهمة.
وكانت محاولة اغتيال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954 بداية لتصفية جماعة الإخوان فى مصر، لكن هذه التصفية كانت «انتكاسة للقوى الغربية التى أرادت التخلص من ناصر أو قتله».
 «ميترا»: دعوة الإخوان للجهاد ضد بريطانيا عام 1951 «مسرحية».. تماماً مثل «السيرك للكلب والحصان»
ووفقا للباحث الباكستانى «ميترا» حظر الجماعة واعتقال ناصر لقادتها لم يقض عليها وأدى إلى انتشارها فى دول العالم، ومن تحت عباءتها خرجت جماعات أكثر تشددا بعد أن انتقل معظم الإخوان إلى المملكة العربية السعودية، وسوريا، وفى بعض الدول الغربية مثل ألمانيا الغربية. لكن لم تسهم دولة أكثر من بريطانيا فى احتضان هذا الجماعة بكل فروعها ومسمياتها. وحماية بريطانيا لقادة الإرهاب الإسلامى بدأت منذ سنوات، لكن يصعب تحديد تاريخ محدد لبداية هذه العلاقة.
ويرصد «ميترا» 3 أسباب لشعبية الجماعة وبقائها رغم كل محاولات عبدالناصر وغيره لقمعها، أولاها أن الشعب المصرى لم يكن على علم تام بالقوى الحقيقة التى تتحكم فى جماعة الإخوان، ثايتها خطاب الجماعة الذى يبدو معارضا حقيقيا للقوى الاستعمارية الغربية والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين. وثالثا اشتداد الحرب الباردة التى عززت من قيمة الجماعة بالنسبة للدول الغربية فى حربها ضد الاتحاد السوفيتى، فقد كان قسم من صناع القرار الغربى «يعتبر الإخوان السم الذى يمكن أن يقتل الشيوعيين».
وقد اتضح هذا فى الثمانينات، عندما غزا الجيش السوفيتى أفغانستان، فأرسل الغرب (مدعوما من السعوديين وباقى دول الخليج) مجاهديه يلوحون بأعلام الجهاد الإسلامى.
هؤلاء كانوا أتباع الإخوان، الذين عملوا تحت هياكل تنظيمية مختلفة. ويعتقد كثير من المحللين والباحثين الغربيين أن الساسة البريطانيين كانوا يكرهون الإخوان ويحتقرونهم، بل ويعتبرونهم خطرا عليهم، لكن يمكن التلاعب بهم والاستفادة من تطرفهم مرحليا، ويوضح هذا الموقف مثلا رسالة للسفارة البريطانية فى الأردن فى أوائل عام 1957 تقول إن نشاط الإخوان «مثير للاضطرابات» وإن مطبوعاتهم الرسمية تعتبر البريطانيين والمسيحيين فى الأردن الهدفين الرئيسيين للمنظمة.
ولاحظ سفير بريطانيا فى الأردن «تشارلز جونستون»، فى تقرير قدمه لوزارة الخارجية فى فبراير 1957 «أن تنظيم الإخوان فى الأردن تقوده مجموعة من المتعصبين المحليين ذوى العقلية الضيقة وأتباعهم من الأميين فى معظمهم»، لكن لديها ميزة أنها «تعارض أحزاب اليسار القوية، وأنها مثلما تهاجم البريطانيين والأمريكيين فإنها تهاجم الشيوعيين».
وبالفعل أثبت الإخوان أهميتهم لبريطانيا عندما ثارت أزمة بين حليفهم وأهم رجال الغرب فى المنطقة، الملك حسين، ورئيس وزرائه، سليمان النابلسى، الفائز فى أول انتخابات ديمقراطية فى الأردن فى 1957.
فى هذا الخلاف وقف الإخوان مع الأمريكان والإنجليز والسعوديين ضد النابلسى الذى كان يرغب فى الاصطفاف مع سوريا وعبدالناصر لدحر النفوذ الغربى فى الأردن. ووفقا لمذكرة كتبها السفير البريطانى، تشارلز جونستون، فى عمان فإن «الإخوان فى الأردن ما زالوا على ولائهم لجلالته»، ورغم اعتبار كل الأحزاب السياسية غير قانونية سمح الملك حسين بمواصلة عملهم ظاهريا بسبب رسالتهم الدينية، لكن فى واقع الأمر بسبب أن الملك وحلفاءه اعتبروهم الأقدر على مواجهة اليساريين والعلمانيين، وناشد دعاة الإخوان أتباعهم مساعدة السلطات فى البحث عن مؤيدى الحكومة من الشيوعيين والقبض عليهم، وقيل إن الملك زود الإخوان بالسلاح لإرهاب المعارضة اليسارية فى مدينة أريحا، ومرة أخرى كتب جونستون: «إن الإخوان كانوا مفيدين للملك حسين فى أبريل باعتبارهم يمثلون منظمة الذراع القوية التى يمكن عند الضرورة إطلاقها على متطرفى الجناح اليسارى فى الشوارع». هتلر وتوظيف الإسلاميين لضرب الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان قصة معروفة الآن. لكن الذى لا يعرفه الكثيرون هو دور لندن فى توظيف هذه الجماعات، ومنها الإخوان.
فعلى سبيل المثال المخابرات البريطانية هى من أطلقت «راديو كابول الحرة» فور الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979. ومن أشرف عليه هو اللورد «نيكولاس بيت هيل»، مسئول مخابرات جهاز MI6 عن الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتى. كما أن هذا اللورد هو من أسس أيضاً ما يعرف بـ«لجنة أفغانستان الحرة» فى عام 1981 فى أعقاب زيارة قامت بها رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر و«بيت هيل» إلى الولايات المتحدة، وكان الهدف منها دعم المجاهدين. وقدمت الأموال من خلال هذه اللجنة لأجنحة «بيشاور السبعة» التى ضمت كل المجاهدين.
وكان لأسامة بن لادن مكتب فى لندن يدير من خلاله أنشطة الجهاد من خلال ما عرف بلجنة الجهاد وقتها والتى ضمت الجماعة الإسلامية فى مصر، وتنظيم الجهاد فى اليمن، وجماعة الحديث الباكستانية، وجماعة الأنصار اللبنانية، والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، ومجموعة بيت الإمام فى الأردن، والجماعة الإسلامية فى الجزائر. ولم يفقد الإخوان أهميتهم للندن فى فترة حكم الرئيس مبارك، فقد حرصوا دوماً على الاتصال بقادة الجماعة، خصوصاً بعدما بدأ يتصاعد القلق على مصير نظام «مبارك».
ويوضح خطاب أرسله السفير السير ديريك بلامبلى، السفير البريطانى فى القاهرة، إلى السفير السابق فى القاهرة جون سويرز، بتاريخ يونيو 2005 (تسرب إلى مجلة نيوستيتسمان البريطانية، التى نشرته فى 20 فبراير 2006)، أن الهدف من الاتصال بالإخوان فى مصر مفيدة، لأننا «قد نحصل منهم على معلومات»، وهو ما يتسق مع استراتيجية لندن التى تقضى بتجنيد المتطرفين ليعملوا مرشدين لها.
وأضاف: «إن مصلحة بريطانيا فى مصر تقضى بالضغط على نظام مبارك للنهوض بالإصلاح السياسى.. وإن الطريق لتحقيق هذه الغاية وعر وينطوى بلا شك على ممارسة الإخوان لقدر أكبر من الضغط على الشارع»، وهذا يعنى بوضوح -كما يقول مارك كورتيس- أن لندن تعتبر الإخوان أداة للتأثير لإحداث تغيير داخلى. ولم يقترح السفير دعم الإخوان بصورة مباشرة حتى لا تنسف لندن علاقتها بنظام «مبارك» تماماً، لكنه قال نصاً: «إذا قُمع الإخوان بشكل عدوانى، فإن الأمر يقتضى منا رداً».
وهناك دلائل قاطعة على أن دعم جماعة الإخوان بعد ثورات الربيع العربى لم يكن سياسة عفوية، بل قراراً استراتيجياً اتخذته لندن منذ عدة سنوات سبقت الربيع العربى، ففى أغسطس 2006 ألقى رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير خطاباً رسم فيه السياسة الخارجية لبريطانيا فى الشرق الأوسط، أمام مجلس الشئون العالمية فى لوس أنجلوس: «هناك قوس للتطرف يمتد حالياً عبر الشرق الأوسط، وتقضى هزيمته بإقامة تحالف للاعتدال يرسم مستقبلاً يمكن فيه للمسلمين واليهود والمسيحيين العرب والغربيين أن يحققوا التقدم»، وقال بشكل أكثر وضوحاً: «إن الشرق الأوسط يشهد صراعاً جوهرياً بين الإسلام الرجعى والإسلام المعتدل والسائد».
وفى نفس العام، نشرت مجلة «نيوا ستيتسمان» تقريراً كشف عن أن بريطانيا تخطط للانخراط مع جماعة الإخوان (التى تمثل لهم الإسلام المعتدل)، وأشارت المجلة البريطانية الرصينة أن مسئولاً بارزاً فى وزارة الخارجية عن الشئون الإسرائيلية والعربية وشمال أفريقيا، قدم مذكرة اقترح فيها على مسئولين كبار فى مختلف دوائر الحكومة البريطانية أن تنخرط مع الإسلام السياسى وتحديداً جماعة الإخوان فى مصر، وأوصى أن تحذو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى حذو لندن.
وكشفت «نيوا ستيتسمان» عن وجود دراسة أعدها جهاز المخابرات البريطانى MI6 أكد فيها للحكومة البريطانية أن «جماعة الإخوان لم تتورط فى عنف مباشر، على الرغم من أن بعض التبرعات ربما تجد طريقها لحركة حماس وجماعات إرهابية أخرى».
وتسربت لمجلة «نيوا ستيتسمان» أيضاً مذكرة مشتركة بين وزارتى الداخلية والخارجية البريطانيتين فى يوليو 2004 حول «العمل مع الجالية الإسلامية فى بريطانيا»، رأت أن من يقود الحركة الإصلاحية الدينية فى العالم الإسلامى هما جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية (الباكستانية)، وكلاهما يريد أن يتمسك بصحيح الدين، لكنهما «حركتان براجماتيتان»، ويمكن التعاون معهما، كما حدث بالفعل طوال العقود الماضية.
وقد أوضح أحد معدى هذه المذكرة، وهو «أنجوس مكى»، من إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى وزارة الخارجية، أن معظم الحركات الإسلامية «حذرة من دوافع الغرب، لكنها مستعدة للتعامل معه»، وهى على عكس باقى القوى المعارضة «حسنة التنظيم»، كما أنها أقل فساداً من الأغلبية فى المجتمعات التى تعمل فيها، وبالتالى يجب التفكير فى توجيه موارد المعونة من خلالها.
وكانت هناك دراسة أهم كتبها «باسيلى إيستوود»، سفير بريطانيا السابق فى سوريا، و«رتشارد ميرفى»، مساعد وزير الخارجية فى إدارة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، بعنوان «يجب أن نتحدث إلى الإسلاميين السياسيين فى الشرق الأوسط وليس فى العراق وحده»، وأشارت هذه الدراسة، التى تُدُوولت ودرست بعناية فى دوائر صنع القرار الغربى، إلى «أنهما طوال عام كامل كانا على اتصال مطول مع ممثلين للإخوان وحماس وحزب الله، وانتهيا إلى وجود فرق بين الإسلاميين الراغبين فى التغيير بدون استخدام العنف وبين الجهاديين المتطرفين الذين يحملون السلاح»، وبعد ذلك قال المسئولان: «ينبغى على مجموعة الثمانية حالياً وربما بصورة غير مباشرة أن تبدأ فى الحوار مع هذه الحركات وأن تشركها فى مسيرة المجتمع المدنى فى مبادرة الشرق الأوسط الأكبر».
وبعد كتابة هذه الدراسة بخمسة أشهر فاز الإخوان -بعد ضغط من واشنطن ولندن على الرئيس مبارك- فى نوفمبر 2005 بـ88 مقعداً فى الانتخابات البرلمانية. ويعتقد «كورتيس» أن ما فعلته بريطانيا مع الإخوان كان هدفه أيضاً «تأمين نفسها فى حالة تغيير نظام مبارك أو سقوطه أو اندلاع ثورة»، ويضيف أن «بريطانيا لم تكن مشغولة إطلاقاً بمسألة الديمقراطية، ليس فقط بسبب تاريخ بريطانيا الطويل فى قمع الحكومات والحركات الشعبية فى المنطقة، بل أيضاً لأن هذه الحركات غالباً ما تكون أكثر عداء للغرب»، ويضيف أن «بريطانيا ما زالت تعتبر الإخوان قوة ردع ومصداً للقوى العلمانية والقومية واليسارية، ومنها حركة كفاية التى ظهرت فى عام 2004».
وحتى أوائل 2010 لم يرد أى ذكر لـ«كفاية» فى البرلمان أو على موقع وزارة الخارجية البريطانية، وذلك دليل على بعد هذه الحركة عن شاشة رادار السياسة البريطانية، وربما يعتقدون أن الإخوان سد منيع أمام أى تغيير وطنى أكثر شعبية قد يمثل خطراً على مصالحهم. والواقع أن دعم لندن لم يقتصر على جماعة الإخوان، بل امتد ليشمل كل أطياف الجماعات الأصولية. وكان الفرنسيون هم أول من أطلقوا على العاصمة البريطانية «لندنستان» فى التسعينات، بسبب عدد الجماعات المتطرفة التى تؤويها لندن تحت حماية حكومتها وأجهزة مخابراتها.
فى هذه الفترة بدأت أجهزة الأمن الفرنسية تشعر بالقلق والإحباط جراء وجود متزايد للإسلاميين الجزائريين، الذين استخدموا لندن كقاعدة خلفية لشن حملة إرهابية ضد فرنسا. كانوا فى الغالب ينتمون لـ«الجماعة الإسلامية المسلحة»، التى اغتالت الرئيس الجزائرى «محمد بوضياف» فى يونيو 1992، وكانت هذه الجماعة تتلقى أوامرها من قادتها، من أمثال «أبومصعب» والشيخ أبوقتيبة، الذى منحته لندن اللجوء السياسى فى عام 1992 بعد صدور حكم بالإعدام عليه فى الجزائر لإدانته فى تفجير بمطار الجزائر، هذه القيادات كانت تعمل من خلال ما يعرف باسم «جماعة الأنصار» فى لندن.
وهناك أيضاً زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة ومقرها لندن «أبوفارس»، الذى أشرف على عمليات ضد فرنسا. هذا الرجل منحته لندن حق اللجوء إلى بريطانيا فى عام 1992، بعد أن كان محكوماً عليه بالإعدام فى الجزائر لاعترافه بالمسئولية عن نفس العملية التى قتل فيها 9 أشخاص وأصيب 125 فى مطار العاصمة الجزائر، وكان متهما أيضاً بتفجير ثلاث محطات لمترو أنفاق باريس وسوق مفتوحة، وسعت فرنسا لمطالبة لندن بتسلم بعض الإرهابيين لصلتهم بتفجيرات فى باريس خلال الثمانينات، لكن السلطات البريطانية رفضت وأصرت على حقهم فى اللجوء، شريطة ألا يكونوا قد ارتكبوا أى جرائم على أراضيها.
ومن بين أشهر قيادات الإخوان الذين احتضنتهم لندن (التى تنوعت مستويات احتضانها؛ ما بين منح اللجوء السياسى فى بعض الحالات، والحق فى الإقامة إلى أجل غير مسمى، أو منح الجنسية).. استقبلت بريطانيا رئيس حزب النهضة التونسى «راشد الغنوشى» بعد مغادرته تونس، بعد استكماله حكماً بالسجن لإدانته من قبل حكومة «زين العابدين» فى جرائم إرهابية فى عام 1989.
وأقام «الغنوشى» هناك 22 عاماً، ليعود لحكم تونس من خلال حزب النهضة عقب سقوط الرئيس زين العابدين بن على فى عام 2011.
وكانت لندن ملاذاً آمناً لعدد من أعضاء «الجماعة الليبية المقاتلة»، التى استعانت بأعضائها فى تصفية معمر القذافى فى عام 2011. ووفرت بريطانيا للسورى عمر بكرى فوستك (المعروف بعمر بكرى محمد)، الذى أسس مع فريد قاسم فرعاً جديداً لحزب التحرير فى عام 1986ملاذاً.
عمر بكرى كان قد وصل إلى بريطانيا بعد طرده من المملكة العربية السعودية التى لجأ إليها هرباً من ملاحقات الرئيس الراحل حافظ الأسد، لكنه انخرط فى المملكة العربية السعودية فى مجموعة متشددة تسمى جماعة «المهاجرون».
والآن حزب التحرير متورط فى عمليات إرهابية فى آسيا الوسطى، وباكستان، وشمال لبنان. وفى التسعينات، اشتكت السلطات المصرية مراراً من إصرار لندن على توفير ملاذ آمن لعدد كبير من الجماعات المتطرفة، ومنهم قادة الجماعة الإسلامية الذين نفذوا مذبحة الأقصر الشهيرة، لكن السلطات البريطانية رفضت طلب المصريين بشكل متكرر.
وفى 14 ديسمبر 1997، استدعى وزير الخارجية عمرو موسى السفير البريطانى لدى مصر «ديفيد بولترويك»، وسلمه مذكرة رسمية يطالب فيها الحكومة البريطانية بـ«التوقف عن توفير ملاذ آمن للإرهابيين، والتعاون مع مصر فى مكافحة الإرهاب».
وفى مقابلة مع صحيفة التايمز اللندنية فى نفس اليوم، دعا «موسى» بريطانيا لـ«وقف تدفق الأموال من المتطرفين الإسلاميين فى لندن على الجماعات الإرهابية فى مصر، وحظر خطباء المساجد البريطانية الذين يدعون لاغتيال قادة أجانب»، وأضافت الصحيفة أن «موسى كان غاضباً جداً من تقارير تؤكد أن الجماعات المتطرفة التى تؤويها لندن أرسلت 2.5 مليون إسترلينى إلى الجماعة الإسلامية فى مصر».
واشتكى السعوديون عدة مرات إلى السلطات البريطانية من استضافتهم للمعارض محمد المسعرى، الذى يدعو لإسقاط آل سعود، وطالبوا بتسليمه إليهم بإصرار، وكان يقال إنه على صلة بأسامة بن لادن، الذى كان لديه مقر بحى ويمبلى الراقى بلندن.
ووفقا لنفس المصادر، فإن لجنة «المشورة»، التى يديرها خالد فواز، كانت تابعة لـ«بن لادن»، وتتخذ من لندن مقراً لها. طبعاً لم تكن هذه الاستضافة بلا مقابل، وقد توصل «مارك كورتيس»، بعد بحث طويل فى كتابه، إلى مآرب لندن من استضافة هذه الجماعات؛ أولها أن «أجهزة الاستخبارات البريطانية كانت مقتنعة بأن استضافة تشكيلة من المجموعات المتشددة فى لندن مفيدة لتعزيز سياسة فرِّق تسد القديمة للندن، فالأنشطة الإرهابية يمكنها أن تثير التوترات وتضع ضغوطاً على الدول بتقويض قياداتها أو تفريق الدول عن بعضها، وهى وظائف اعتبرتها لندن ضرورية فى أوقات معينة فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويشير «كورتيس» إلى عدة أمثلة، أشهرها الداعية أبوحمزة المصرى، الذى رفضت بريطانيا تسليمه للمصريين، ووفرت له كل الدعم والحماية على أرضها، فى مقابل أن تحصل منه على معلومات عن أنشطة الجماعات المتطرفة التى ترتاد مسجد «فنسيرى بارك» فى لندن، والذى كان «أبوحمزة» إماماً له لسنوات.
وثانيها: أن لندن اعتبرت وجود قادة هذه الجماعات على أراضيها «بوليصة تأمين» فى حال سقوط الأنظمة الهشة فى المنطقة، كما حدث بعد الربيع العربى.
ويضرب مارك كورتيس مثالاً باستضافة لندن لـ«حركة الإصلاح الإسلامى» فى الجزيرة العربية، و«لجنة بن لادن للمشورة والإصلاح»، اعتقاداً من لندن أن هؤلاء قد يكونون قادة المستقبل فى حال سقوط نظام آل سعود.
وهناك مثال أوضح، هو قادة إخوان مصر وتونس، الذين عادوا من لندن بعد الربيع العربى لحكم بلادهم. ثالثاً: خدمت هذه الجماعات كأداة تأثير على السياسات الداخلية والخارجية لبلدان رئيسية، فوجود هذه الجماعات فى لندن «مكَّن المخابرات البريطانية من التجسس على أنشطتها، واكتساب شكل من قوة التأثير على السياسات الداخلية لبلدانها الأصلية»، وعلى سبيل المثال، استخدمت لندن مكتب «بن لادن» فى منتصف التسعينات كأداة ضغط على النظام السعودى.
رابعاً: استخدمت لندن هذه الجماعات لتحطيم الدول، كما فعلت فى كوسوفو فى مطلع التسعينات، والاتحاد السوفيتى بدعم المجاهدين الشيشان.
خامساً: استخدام الحكومة البريطانية بعض الإسلاميين على أراضيها بشكل مباشر لتصفية زعامات غير مرغوب فيها، وعلى سبيل المثال، فضح ضابط المخابرات البريطانية MI6 السابق ديفيد شيلر، تكليف أجهزة الأمن البريطانية لجماعة إرهابية إسلامية مقرها لندن باغتيال الزعيم الليبى معمر القذافى فى فبراير عام 1996.
وسادساً، وهو الأهم: ساعدت هذه الجماعات فى الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط مقسمة وضعيفة بشكل يمكن الغرب من استنزاف ثرواتها دون معارضة تذكر من القوى الوطنية. وأوضح مثال على ذلك، الدور الذى لعبته هذه الجماعات فى التخلص من رئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق، الذى هدد مصالح بريطانيا والولايات المتحدة فى نفط بلاده فى الخمسينات.
ولخص العميل البريطانى والمؤلف الشهير «جون كولمان» حقيقة الإخوان بالنسبة للغرب بكلمات قاسية، قال فيها: «الإخوان طائفة ماسونية سرية نشأت بدعم من رواد المخابرات البريطانية، من أمثال تى إى لورنس وبرتراند راسل وسانت جون فيلبى، بهدف «الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط متخلفة حتى يتمكنوا من نهب مواردها من النفط».