Tunisiens Libres: février 2016

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

lundi 29 février 2016

الاسلاميون في تونس بين المواجهة والمشاركة2006.1980


الاسلاميون في تونس بين المواجهة والمشاركة2006.1980




عليّة العلاّني* نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008


ظهرت الحركة الإسلامية بتونس في فترة السبعينات من القرن العشرين نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية، فبالنسبة للعوامل الداخلية نلاحظ أن عشرية السبعينات تميزت بدخول النظام الحاكم في أزمة داخلية عقب الخلاف بين التيار الليبرالي والتيار المحافظ داخل الحزب الدستوري الحاكم، والذي توج بخروج التيار الأول من الحزب والحكومة بعد خلاف حول عدة قضايا أبرزها غياب المشروع الديمقراطي في الدولة البورقيبية خاصة إثر إعلان الرئاسة مدى الحياة لبورقيبة في مؤتمر المنستير الثاني للحزب الدستوري سنة 1974.


ثمّ تتالت الأزمات بالمواجهة الدامية التي حصلت بين الحكومة والمنظمة النقابية في 26 جانفي 1978 والتي سقط فيها عديد القتلى والجرحى وحوكم فيها عدد كبير من الكوادر النقابية من مختلف الهياكل


وفي خضم هذه الأزمة بدأت الحركة الإسلامية، التي كانت تتابع الوضع السياسي عن كثب، تتلمس أولى خطواتها السياسية، فقد كانت تصدر في فترة السبعينات من القرن العشرين مجلة "المعرفة"، ولم تكن المواضيع السياسية تحتل حيزا كبيرا بالمجلة في البداية. كما أن نشاطاتها انحصرت في دروس الوعظ والإرشاد بالمساجد، وفي الانخراط بجمعيات المحافظة على القرآن الكريم التي كانت منتشرة بالبلاد. ولم تكن القضايا السياسية تستهويها كثيرا واقتصرت معظم أبحاث المجلة على قضايا اجتماعية ودينية كالأسرة والتعليم والتعريب إلخ. ولم يبدأ اهتمامها بالسياسة في التبلور إلا مع اندلاع أحداث 26 جانفي 1978 الدامية بين الحكومة واتحاد الشغل فوقفت ضمنيا في صف الحكومة واعتبرت الشغب والعنف الذي حصل بسبب المواجهة مع المنظمة النقابية "هيجة مفتعلة" من عمل اليسار، العدو التقليدي للحركة الإسلامية آنذاك.


أما العوامل الخارجية التي ساهمت في انتعاشة التيار الإسلامي بتونس في السبعينات فمتعددة من بينها بداية انحسار المد القومي العربي، لكن العامل الأهم، قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 التي أعطت للحركة الإسلامية بتونس دفعا سياسيا وفكريا وتنظيميا. فهذه الحركة كانت منذ سنواتها الأولى تبحث عن نموذج للإسلام الثوري وجدته في الثورة الإيرانية.


وقد أسهبت مجلة "المعرفة" في مدح خصال الخميني وإبراز ثورته على أنها انتصار للإسلام ولصوت المستضعفين في الأرض ، وذهب الغنوشي إلى إثبات أن هناك علاقة تاريخية بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية الشيعية منذ أربعينات القرن العشرين فيقول : "ومن التاريخ الحديث للحركة الإسلامية نُذكِّرُ بالعلاقة التي كانت تربط بين الإمام الشهيد حسن البنا وبين الإمام الكاشاني الزعيم السابق للحركة الإسلامية في الأربعينات والخمسينات في إيران حيث وضعا برنامجا للتعاون والتنسيق لقيام الدولة الإسلامية وتأييدها من المجتمع في أي مكان تقوم فيه حسبما بلغني ممن أثق فيه، فضلا عن أن حركة "نواب صفوي الفدائية في إيران كانت امتدادا لتفكير الإخوان... فلا مناص من مدّ الجسور الإسلامية المشتركة معه.ا"


إذن في هذه الظرفية بدأت الحركة الإسلامية بتونس تتلمس خطواتها السياسية الأولى. فكيف تطورت الحركة الإسلامية من تيار كان أقرب للوعظية، إلى تيار مسيّس وما هي إستراتيجيتها بخصوص المشاركة السياسية؟ وما هي الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت حركة الاتجاه الإسلامي بتونس المسماة حركة النهضة حاليا إلى المراوحة بين المواجهة والمشاركة ؟


1) من الجماعة الإسلامية في السبعينات إلى حركة الاتجاه الإسلامي في الثمانينات :


حاول الإسلاميون الاستفادة من تساهل السلطة إزاء تحركاتهم، فكثفوا من تركيز خلاياهم التنظيمية في نهاية السبعينات من القرن العشرين، "وقد كان موقفهم المندد بانتفاضة 26 جانفي 1978 العمالية واعتبارها هيجة مفتعلة من عمل اليسار عاملا مساعدا على عدم ملاحقة السلطة لقياداتهم."
وكانت الظروف ملائمة للإعداد التنظيمي والفكري لجيل الحركة المرتقب ، فركزت القيادة في تكوين كوادرها على الأدبيات الإخوانية ، وقد كانت آنذاك منضوية في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وكانت النصوص التي يتمّ تداولها في هياكل الحركة بتونس مستوحاة في معظمها من نصوص حسن البنا وسيد قطب وفتحي يكن وغيرهم، فكنت تجد بصحيفة الحركة مقالات تتحدث عن المفاصلة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الجاهلي، وأُخرى تتحدث عن الجيل القرآني الفريد، ودراسات تتحدث عن رؤية الحركة للغرب ورفضها لأطروحاته، إلا أن هذا الموقف سيشهد تطورا ملحوظا خلال فترة الثمانينات وخاصة في فترة المهجر، فقد جاءت النصوص الأولى للحركة منتقدة للغرب، فهي تعتبره مصدر الأزمات وسبب تخلف العالم الإسلامي، وتعيب على الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر موقفها الداعي إلى الاقتباس من الغرب، وهي تريد بذلك أن تثبت أن مرجعيتها الفكرية لا تستند إلى تلك الحركات الإصلاحية. فقد اعتبرت مجلة "المعرفة" أن نهاية الغرب الرأسمالي المسيحي أصبحت وشيكة ويبقى إثرها الصراع مفتوحا مع الشيوعية : "إن الغرب انتهى بشيوعيته ومسيحيته... إن الأزمة النفسية طغت على العالم المسيحي (أي الرأسمالي) وبدأت تنهش هيكل العالم الاشتراكي. إذن في نظرة بعيدة المدى للتطور في الثلاثين سنة القادمة إن شاء الله سوف تكون المعركة بين الإسلام والشيوعية". ثم تمضي المجلة في انتقاد المشروع الإصلاحي الذي نادى به كل من الأفغاني وعبده وخير الدين التونسي وخاصة دعوتهم للاقتباس من الغرب : "هل أن الذي شاهده الجنرال الوزير كان حضارة فعلا حتى نضطر لنسخها – نحن لا نطالب الجنرال خير الدين بأن يتوقع في أواسط القرن التاسع عشر ميلادي المعادلة التالية :
الغرب = تلوث + انتحار + جريمة + تضخم مالي + جنون + بطالة + مخدرات...
ولأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون سار الغرب والعالم وراءه إلى حيث هو الآن. ومازال هناك من يردد الآن كلام خير الدين حتى بعد أن تبين أن الماء مجرد سراب."
كيف تطورت الحركة الإسلامية من تيار كان أقرب للوعظية، إلى تيار مسيّس وما هي إستراتيجيتها بخصوص المشاركة السياسية؟ وما هي الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت حركة الاتجاه الإسلامي بتونس المسماة حركة النهضة حاليا إلى المراوحة بين المواجهة والمشاركة ؟
وبعد التكوين النظري والتربية الحركية التي تلقاها أنصار الجماعة الإسلامية منذ السنوات الأولى، كان على القيادة أن تفكر في عقد مؤتمر تأسيسي يجمع كل الخلايا التنظيمية وكان ذلك في أوت 1979. وقد جمع المؤتمر الأول للحركة ستين نائبا : "ومن أبرز مقرراته المصادقة على تسمية الحركة باسم "الجماعة الإسلامية بتونس"، وكذلك على قانونها الأساسي الذي انبنت على أساسه هيكلة التنظيم" وتتمثل هذه الهيكلة في المؤتمر الذي ينعقد كل 3 سنوات ومجلس الشورى الذي يضم 25عضوا والمكتب التنفيذي الذي يشرف عليه أمير ويضم 9 أعضاء وعمال يعينهم الأمير على رأس كل منطقة، ووكلاء وهم المشرفون على الجهات، وخلايا، وفيها يقع تأطير القاعدة الإسلامية حسب سلم تكويني من الدوائر إلى الأُسر المفتوحة إلى الأسر الملتزمة. وقد انعقد المؤتمر في كنف السرية. وتواصل نشاط الحركة بشكل طبيعي إلى أن تمّ انكشاف التنظيم من طرف الأمن على سبيل الصدفة في 5 ديسمبر 1980 فقررت الحركة استباق الأحداث والمطالبة بالعمل العلني من خلال التقدم بطلب تأشيرة حزب سياسي أطلقت عليه اسم "حركة الاتجاه الإسلامي" وذلك يوم 6 جوان 1981 وقبل الإعلان عن الحزب الجديد بشهرين عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في سوسة يومي 9 و10 أفريل 1981 الذي أقر ضرورة اللجوء إلى العمل العلني وأكد على "اعتبار الحزب الحاكم عدوّا رئيسيا مما يحتم تكوين تحالف موسع مع المعارضة هدفه الإطاحة بنظام الحكم" وبذلك يتضح أن الحركة اضطرت ضمنيا لاختيار المواجهة، ربما لاعتقادها بأن السلطة لن تترك مسألة العثور على التنظيم السري دون عقاب.
لقد حمل المؤتمر الثاني أولى خطوات المواجهة ذلك أن السلطة حسمت أمرها في مسألة التصدي للتيار الإسلامي من خلال عقد محاكمة أولى في 1981 تلتها محاكمات أخرى. وبذلك بدأت رحلة المتاعب وسياسة الكرّ والفرّ بين السلطة والإسلاميين بتونس. ورغم أن المناخ السياسي العام في بداية الثمانينات كان يتميز بشيء من "الانفتاح السياسي" في بداية عهد حكومة محمد مزالي إلا أن البروز المفاجئ لقوة إسلامية منظمة ومهيكلة ومعادية لمشروع الدولة البورقيبية جعل خيار التصادم أمرا محتما. زد على ذلك أن البلاد كانت تعاني متاعب شتى سواء بسبب الأزمة بين الحكومة والمنظمة العمالية أو بين الحكومة والتيارات الديمقراطية واليسارية المعارضة خاصة إثر الانتخابات البرلمانية لسنة 1981 والتي زورتها الحكومة بالكامل بشهادة المسئولين الحكوميين في تلك الفترة بهدف منع المعارضة عموما وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين على وجه الخصوص من الحصول على مقاعد بالبرلمان.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مما زاد في متاعب النظام الحاكم، تلك الخلافات الداخلية بين أعضاء الحكومة والتي غذتها أزمة الصراع على الخلافة. لقد عجّل برنامج حركة الاتجاه الإسلامي الذي تضمنه بيان التأسيس المقدم في الندوة الصحفية يوم 6 جوان 1981 باستنفار مراكز القوى الفاعلة في السلطة إذ اعتبروا هذا البرنامج نقيضا لدولة الحداثة التي أسسها بورقيبة، ورأوا فيه معاداة صريحة للغرب الحليف التقليدي للسلطة، وتهجما كبيرا على اللائيكية، بالإضافة إلى دعوة الإسلاميين كذلك لاتخاذ المسجد مركزا للتعبئة الجماهيرية، وقد اعتبرت الحكومة ذلك مسّا بالوظيفة التعبدية للمسجد وإقحامه في حلبة صراع سياسي من المفروض أن يكون خارج هذا المكان المقدس.
ومما جاء في البيان التأسيسي للحركة المعلن عنه في هذه الندوة الصحفية :
"إعادة الحياة للمسجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية.
دعم التعريب والانفتاح على اللغات الأجنبية.
رفض العنف كأداة للتغيير...
تحرير الضمير الإسلامي من الانهزام الحضاري إزاء الغرب.
اعتماد التصور الشمولي للإسلام والتزام العمل الإسلامي بعيدا عن اللائكية" وهكذا تضافرت جملة من العوامل لدى السلطة، من الانكشاف الأمني، إلى البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي، لكي تتأكد من أن هذه الحركة أصبحت تمثل نقيضا لمشروعها المجتمعي وخطرا يهدد أركان الدولة، فقررت الدخول في مواجهة معها للحد من انتشارها التنظيمي فكانت محاكمات 1981 أول مرحلة لمواجهة جدية بين السلطة والإسلاميين .
2) حركة الاتجاه الإسلامي بتونس بين المواجهة والرغبة في المشاركة:1981-1989
أ- مرحلة المواجهة
كانت حادثة الاعتداء على مدينة قفصة بالجنوب التونسي في جانفي 1984 منطلقا للحركة للتعبير عن مواقفها السياسية من نظام الحكم ، فأدانت الاعتداء المسلح على هذه المدينة، و الذي صدر عن تونسيين تسللوا من أراضي الجوار، لكنها حملت المسؤولية كذلك للسلطة إذ اعتبرت هذا الحادث نتاجا لتراكمات اقتصادية واجتماعية أدت إلى تهميش المناطق الداخلية وعدم تمتعها بتنمية متوازنة، بالإضافة إلى تغييب الجماهير عن سلطة القرار كما جاء في بيان الحركة عن هذه الحادثة.
إن هذا الموقف السياسي الذي يدين السلطة ومرتكبي العملية في آن واحد يضع الحركة في موقع المعارضة البديلة، لكن الجناح الطلابي التابع لها كان أكثر راديكالية في مواقفه حيث ساند مرتكبي عملية قفصة، و من هنا تبدأ مسيرة التجاذب من داخل الحركة بين قيادتها وبعض هياكلها مما دفع البعض إلى اتهامها بازدواجية الخطاب، وقد بدأت السلطة تهتم بكل ما يصدر عن الحركة من مواقف وتحركات. وعندما حصل الانكشاف الأمني في ديسمبر 1980 أي بعد إحدى عشر شهرا من حادثة قفصة، وجدت الحكومة المبرر للحد من انتشار هذه المجموعة بالرغم من أن الحركة أعلنت اعتزامها النشاط في الإطار العلني.
وهكذا تجسم أول ردّ فعل للسلطة في تنظيم محاكمة للعديد من رموز هذا التنظيم في صائفة 1981. وبذلك أصبحت المواجهة مفتوحة مع السلطة. ويمكن القول أن هناك أسبابا عدّة دفعت السلطة للمواجهة وللتعجيل بمحاكمة الإسلاميين سنة 1981 من بينها سببان أساسيان:

أولاهما: اعتقادها أن الحركة "تريد افتكاك السلطة ولها خطط في هذا الشأن من ضمنها التسرب إلى المؤسسة الأمنية".

ثانيهما: رفضها لما قامت به الحركة من تدخّل في شؤون إدارة المساجد عندما عمدت إلى تنصيب إمام بالقوة مكان إمام معين من طرف السلطة. واعتبرت ذلك سابقة خطيرة تنزع عن الدولة حقها في تسيير ومراقبة المؤسسات الدينية. وكانت الأحكام الصادرة في قضية 1981 تتراوح بين 11 سنة سجنا وعدم سماع الدعوى و شملت 107 متهما ، وهي أول مناسبة تحصل فيها مواجهة كبرى مع السلطة.

ومن هنا شرع ما تبقى من القياديين خارج السجن في إعادة النظر في هيكلة الحركة، كما بدأت المراجعات الفكرية والسياسية صلب هذا التنظيم في التبلور تدريجيا، وانبثقت عن ذلك نتيجتان هامتان:

النتيجة الأولى: خروج بعض رموز الحركة، وهم أقلية، وإنشاؤهم لتنظيم إسلامي يعطي الأولوية للجانب الفكري على الجانب التنظيمي والحركي وسمّوه "التيّار الإسلامي التقدّمي" ومن أبرز رموزه احميدة النيفر الذي كان نائبا للغنوشي وصلاح الجورشي الذي كان عضوا بمجلس شورى الحركة.

النتيجة الثانية : ظهور تباين في داخل التنظيم بين تيار معتدل بزعامة عبد الفتاح مورو يدفع باتجاه ترشيد الحركة الإسلامية والحدّ من مواقفها المتشنجة، وتيار راديكالي بزعامة صالح كركر يدعو لمواصلة الثورة على النظام، في حين كان الغنوشي يتلمس طريقه بين التيارين لأسباب تكتيكية.

ب – مرحلة الانفراج أو بداية الرغبة في المشاركة: 1984- 1985


لم تكد تمضي ثلاث سنوات على محاكمة 1981 حتى اندلعت بالبلاد انتفاضة عنيفة عرفت بانتفاضة الخبز في جانفي 1984 نتيجة الترفيع في ثمن هذه المادة الحيوية، واعتبر الوزير الأول آنذاك محمد مزالي هذه الانتفاضة مؤامرة جمعت بين أطراف من السلطة (أساسا وزير الداخلية) وأطراف نقابية، وقد تمكّن الوزير الأول من إزاحة وزيره للداخلية، ثم دخل في مواجهة مفتوحة مع قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل انتهت بمحاكمة الحبيب عاشور أمين عام الاتحاد.

وكان على مزالي أن يحد من الخسائر في علاقته بأطراف أصبحت في شبه قطيعة معه. فبدأ يفكر في مشروع تطبيع تدريجي مع رموز الحركة الإسلامية القابعين في السجن.

ومن هنا نشطت الوساطة بين السلطة والإسلاميين وتوجت بإرسال عبد الفتاح مورو الشخصية الثانية في التنظيم رسالة إلى الرئيس بورقيبة يؤكد فيها التوجه السلمي للحركة وعدم تعارضها مع الحداثة ومقتضيات التقدّم ورفضها للعنف ولأي انتماء أجنبي.

وأثمرت هذه الوساطة إفراجا تدريجيا على عناصر القيادة. والأهم من ذلك أن لهجة محمد مزالي تجاه معارضيه من الإسلاميين بدأت تتجه نحو نوع من التقارب، خصوصا وأن هؤلاء يرون في الوزير الأول شخصا يمكن التفاهم معه" فهو في نظرهم صاحب الفضل في نشر التعريب وأحد الداعين إلى مبدأ الأصالة والتفتح بكل ما يعني ذلك من التمسك بالهوية العربية الإسلامية".


وكدليل على حصول التقارب اقتبل مزالي بمنزله عبد الفتاح مورو يوم 30 جويلية 1984 ثم أردفه بلقاء رسمي جمعه بالغنوشي ومورو بقصر الحكومة في أكتوبر 1985، فكان هذا اللقاء مفاجئا للعديد من الأطراف داخل السلطة وخارجها. واعتبر البعض هذه المقابلة كأنها إيذان بالسماح للحركة بالنشاط بشكل طبيعي بالرغم من عدم حصولها على الترخيص القانوني.

ومنذ ذلك الحين بدأت الحركة تفكر في المشاركة السياسية رغم صعوبة التعامل مع الرئيس بورقيبة، الذي كان لا يرى جدوى من إقحام الإسلاميين في اللعبة السياسية.


لقد حاول مزالي في إطار سياسة التجاذب مع معارضيه أن يدفع باتجاه خفض أكثر ما يمكن من بؤر التوتر. وبدا وكأنه يمهد لإمكانية تقنين أو قوننة التيار الإسلامي، إذ صرّح لجريدة "لابراس" (La Presse وهي صحيفة حكومية باللغة الفرنسية) في نوفمبر 1985 أنه "إذا كانت حركة الاتجاه الإسلامي لا تدّعي احتكار الإسلام، وإذا تخلت عن بعض مطالبها، فان الاعتراف بها ممكن".


وبقدر ما خلّف هذا التصريح من حركية داخل صفوف الحركة فانه لم يتمكن من إزالة مشاعر الريبة والاحتراز من عدد هام من كوادر التنظيم خاصة وأن الوعد بالاعتراف القانوني تأخر كثيرا. وكان الشق المتصلب يشكك في إجراءات" انفتاح" هذه الحكومة، لذلك كان الاتجاه صلب الحركة يقضي بالاحتفاظ بالهياكل السرية للتنظيم توقيا من أي مفاجآت غير منتظرة، والإبقاء على خطاب هو أقرب إلى التصعيد منه إلى المصالحة. وهكذا لم يدم شهر العسل طويلا بين الحكومة والإسلاميين، خاصة وأن الحركة قررت في مؤتمرها الرابع في 1986 بمنطقة المنار بالعاصمة العودة إلى سياسة المواجهة بعد إقالة حكومة مزالي وأقرّت ما سمي بإستراتيجية التصعيد بسبب تأخير الاعتراف القانوني بها، ولاعتقادها في قرب نهاية النظام البورقيبي.


ج – العودة إلى المواجهة ونهاية العهد البورقيبي : 1986-1987 :


تزامنت العودة إلى سياسة المواجهة مع إقالة حكومة مزالي في 8 جويلية 1986 فقررت الحكومة عقد مؤتمر مستعجل في ديسمبر 1986 لدرس كل الاحتمالات الناجمة عن هذا الحدث وكان القرار النهائي الإبقاء على ازدواجية الخطاب والقيادة تحسّبا لكل المفاجآت.


أعطيت التعليمات للكوادر الوسطى والصغرى بمواصلة مسيرات الاحتجاج والتظاهر التي كادت تكون يومية خلال فترة 1986 -1987 ولم تكن هذه المسيرات الاحتجاجية بدفع أساسي من الإسلاميين بل ربما بمشاركة نشيطة منهم. فالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني في نهاية 1986 وبداية 1987 بلغ حدا كبيرا من التدهور ممّا ساهم في تغذية هذه المظاهرات. وكانت خطة الإسلاميين بعد سقوط حكومة مزالي تصب في اتجاه تصعيد التوتر اعتقادا منهم أن نهاية العهد البورقيبي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وأن الحركة الإسلامية هي الفصيل الرئيسي الذي سينتفع من زوال هذا النظام، لذلك أقر مؤتمر المنار سنة 1986 ثلاث مسائل أساسية :
قيادة صلبة.


خطة منظمة للمواجهة


لوائح ونصوص يغلب عليها طابع التشدد.


وجاء في أحد الوثائق الداخلية للتنظيم حول هذا المؤتمر : "صادق المؤتمر على إستراتيجية الحركة وتنقسم إلى ثلاث مراحل أساسيّة، أولها مرحلة البلاغ والتعريف بالنّفس والفكرة، وثانيها إعداد البديل من إطارات وإعداد نمط الحكم الإسلامي، ثمّ تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة وقد سميت بمرحلة التمكين، والمقصود بها قلب نظام الحكم بالبلاد". وقد لعب محمد شمام المشرف على الجناح العسكري بالحركة دورا بارزا في تعبئة كوادر الحركة وتحسيسهم بأهمية الاستعداد للتحرك خاصة إثر محاكمة عناصر القيادة في سبتمبر 1987 أمام محكمة أمن الدولة والتي حكم فيها على الغنوشي بالأشغال الشاقة المؤبدة وعلى 6 من رفاقه بالإعدام وعلى البقية بأحكام تتراوح بين 20 سنة وعدم سماع الدعوى.


ولم يمض شهران على المحاكمة حتى تغيّر الحكم في تونس يوم 7 نوفمبر 1987 وأصبح الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي رئيسا للجمهورية، فتنفس الإسلاميون الصعداء خاصة الغنوشي الذي صرّح بأن بورقيبة خطط لقتله في السجن لولا تدخل بن علي شخصيا لفائدته. يقول الغنوشي :"إن الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي قد رفض تنفيذ ما طلبه منه بورقيبة وهو قتلي وقتل إخواني الآخرين لأنه لم ير لهذا الطلب أي مبرر أخلاقي أو قانوني... وأحسب أن زين العابدين بن علي تحمّل المسؤولية كاملة وخاطر بنفسه للقيام بالتحول الشهير الذي قاده في صبيحة السابع من نوفمبر وهو بذلك لم ينقذ شخصا بريئا فحسب وإنّما أنقذ وضعا كاملا برمّته".


واعتبر تصريح الغنوشي بادرة من الحركة لطي صفحة المواجهة والاستعداد لدخول طور جديد من المشاركة.


د - الحركة الإسلامية في عهد الرئيس بن علي بين المشاركة والمواجهة 1987 – 2006 :


مرحلة المشاركة : 1987 – 1989: -


كدليل على حصول التقارب اقتبل مزالي بمنزله عبد الفتاح مورو يوم 30 جويلية 1984 ثم أردفه بلقاء رسمي جمعه بالغنوشي ومورو بقصر الحكومة في أكتوبر 1985، فكان هذا اللقاء مفاجئا للعديد من الأطراف داخل السلطة وخارجها.


واعتبر البعض هذه المقابلة كأنها إيذان بالسماح للحركة بالنشاط بشكل طبيعي بالرغم من عدم حصولها على الترخيص القانوني.


تحمّس الإسلاميون لتغيّر السلطة بتونس وساندوا بقوة بيان السابع من نوفمبر 1987 فقد جاء في تصريح الغنوشي :"إنني أقدّر أن بيان التغيير وهو الوثيقة الأساسية التي تحكم الوضع القائم اليوم وتوجه جملة السياسات الحالية، يتضمن عناصر أساسيّة كانت كل القوى السياسية في البلاد والاتجاه الإسلامي من بينها قد ناضلت من أجلها" وبدأت حالة الاحتقان السياسي بين الحركة والسلطة تخف وطأتها خصوصا بعد الإفراج عن الغنوشي في 14 ماي 1988 ليلة عيد الفطر ثمّ العفو عن علي العريض المحكوم عليه بالإعدام.


وكانت السلطة تتعامل بحذر بالغ مع مسألة الاعتراف القانوني بالتيار الإسلامي "لأنها لم تتأكد بعد من تخلي الحركة عن النشاط السري والتسرب إلى الأجهزة الأمنية وانتهاج خطاب سياسي مزدوج".


واختارت عوضا عن ذلك شكلا من التعامل مع الحركة الإسلامية دون أن تتورط في الاعتراف القانوني بها ويهدف هذا التعامل إلى إقحام الحركة تدريجيا في اللعبة السياسية وهو ما اعتبره عديد الباحثين بداية التشريك السياسي لها وتم ذلك على ثلاثة أصعدة :


أولا : دعوة الحركة في نهاية 1988 للانضمام للمجلس الأعلى للميثاق الذي سيضع الدستور الجديد للبلاد والتوجهات الأساسية لجمهورية ما بعد بورقيبة.


ثانيا : تمكين الحركة من أن يقع تمثيلها رسميا بالمجلس الإسلامي الأعلى في بداية 1989.


ثالثا : تمكين الحركة من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 1989.


وهناك إجراءات أخرى تفسر انفتاح النظام الجديد على الحركة الإسلامية، من بينها السماح بإنشاء منظمة طلابية موالية لها تسمى الاتحاد العام التونسي للطلبة وتمكين قيادة الحركة من صحيفة ناطقة بلسانها وهي جريدة" الفجر". وللتدليل على رغبتها في العمل السياسي المنظم وطمأنة السلطة والمعارضة الديمقراطية بانتهاجها مسلك الحوار ورفض احتكار التحدث باسم الإسلام،


بادرت "حركة الاتجاه الإسلامي" منذ 8 فيفري 1989 إلى تغيير اسمها إلى "حركة النهضة" "وقدمت ملفا يتضمن وثائق تكوينها إلى مصالح وزارة الداخلية ويترأس هذه الحركة راشد الغنوشي ويساعده مكتب تنفيذي يتركب من 19 عضوا" وقد ورد في بيان تأسيسها تحديد للأهداف التي تناضل من أجلها من بينها : "دعم النظام الجمهوري واحترام دستور البلاد وتكريس الشورى وتحقيق الحرية وتأكيد استقلال القضاء وحياد الإدارة ...ودعم التعاون بين الأقطار العربية والإسلامية" .


وواضح من خلال هذه الأهداف أن المسألة الديمقراطية لم تنضج لدى الحركة، فالتأكيد على مبدأ الشورى يحمل دلالات وقراءات يمكن أن تكون متباينة، فهناك الشورى المخبرة والشورى الملزمة. كما أن مبدأ الشورى عندها لانستطيع أن نعرف إن كان يخضع لتحديدات سماوية أو أرضية. أما الأهداف الأخرى الواردة ببيان التأسيس فهي مبادئ سياسية صرفة تشترك فيها النهضة مع بقية الأحزاب الأخرى. وإعلان الحركة عن التمسك بها يبعدها عن تهمة التمسك بفكر شمولي وإطلاقي، ويسمح لها في آن واحد بدخول تجربة المشاركة السياسية بحظوظ أوفر.


بدأ التشريك السياسي لحركة النهضة بدخولها المجلس الأعلى للميثاق في نهاية 1988 إذ أصبحت تحضر باستمرار اجتماعات هذا المجلس وتدلي برأيها في أمهات القضايا الكبرى للبلاد. وكانت الحركة ممثلة في شخص المحامي نور الدين البحيري. وسعت من خلال مشاركتها في هذا المجلس إلى طمأنة سائر أطراف المجتمع المدني بأنها تقبل الثوابت الواردة بالدستور وتحافظ على الطابع التحديثي للدولة بما في ذلك مجلة الأحوال الشخصية، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على هوية البلاد العربية الإسلامية : "فالاعتبارات التاريخية والواقعية معا تقضي بأن الإسلام هو عماد هويتها الحضارية... فلئن استلزم دعم الهوية استلهام الإسلام في ذاته فإن استثمار التراث الإسلامي الذي لا يزال حاضرا فينا يحتاج إلى جهد تحليلي ونقدي. "
واستفادت الحركة كثيرا من مشاركتها في هذا المجلس ونجحت في تطبيع تدريجي لوضعها مع السلطة بعد الفترات العصيبة التي مرت بها في العهد البورقيبي.


ثم كانت المحطة الثانية في المشاركة، دخول الحركة المجلس الإسلامي الأعلى في بداية 1989 ممثلة في الشخص الثاني للتنظيم عبد الفتاح مورو ويضم المجلس في تلك الفترة 25 عضوا برئاسة التهامي نقرة ، ورغم الطابع الاستشاري لهذا المجلس، مثله مثل المجلس الأعلى للميثاق ، فإنه يمهد لفكرة التعايش والاتفاق على قواسم مشتركة بين مختلف الحساسيات السياسية وهي مرحلة مهمة في إطار فلسفة المشاركة.


وتبقى المحطة الأهم في مسار المشاركة بالنسبة لحركة النهضة هي الانتخابات التشريعية لسنة 1989 والتي لم تستثمرها الحركة بشكل جيّد بل وعادت عليها بالوبال وأنهت عمليا ورسميا عقد التفاهم الذي كان بينها وبين السلطة من جهة ، وبينها وبين عديد القوى السياسية من جهة أخرى.


فالانتخابات البرلمانية اعتبرتها الحركة فرصة ذهبية لإبراز قوتها والتعريف بمبادئها من خلال الحملات الانتخابية. ولم يكن سهلا على الحزب الحاكم وهو مازال في بداية التجربة التعددية قبول لعبة سياسية يمكن أن تقلب التوازنات القائمة على قاعدة الوفاق والتي قبلت الحركة أسسها منذ أن شاركت في أشغال المجلس الأعلى للميثاق.


لقد وضعت الحركة كل ثقلها في هذه الانتخابات ماديا وأدبيا وبشريا وسوّّقت لخطاب تعبوي يعتمد على شعارات قديمة عامة كالتأكيد على أن الإسلام هو الحلّ وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما لوّح مرشحوها في بعض القوائم بإمكانية التراجع عن مجلة الأحوال الشخصيّة وهو عكس ما التزمت به الحركة في نص الميثاق الوطني ووصل الأمر ببعض المرشحين مثل رئيس قائمة تونس بالمطالبة بالعودة إلى استرقاق العبيد.


واعتبرت السلطة وبقية قوى المجتمع المدني أن خطاب النهضة خطير وأن التزامها بالوفاق لم يعد له أساس من الوجود كما أن المتربصين بالحركة من داخل السلطة والمعارضة وجدوا في هذه الانتخابات الفرصة الملائمة لدق ناقوس الخطر والتصدي لما أصبح يسمى بعودة الخطر الأصولي.


وقد أنهت الانتخابات البرلمانية لسنة 1989 عمليا مرحلة المشاركة، إذ ستبدأ رحلة المتاعب من جديد بالنسبة لحركة النهضة مع مطلع التسعينات من القرن 20.فشل المشاركة والعودة إلى سياسة المواجهة : 1990 – 2006 :


يمكن القول أن حبل الود بين السلطة وحركة النهضة انقطع مع نهاية الانتخابات البرلمانية لسنة 1989 وقد قرر الغنوشي بعد شهر من هذه الانتخابات مغادرة البلاد فطلب إذنا بالخروج للحج في ماي(مايو) 1989 ومنذ ذلك التاريخ لم يعد إلى أرض الوطن.


ثمّ تتالت الإجراءات الإدارية والسياسية للحدّ من توسّع حركة النهضة ، وأول إجراء تمّ اتخاذه تعيين محمد الشرفي وزيرا للتربية وهو معروف بعدائه للأصوليين : "وقاوم أنصار الحركة بشدة سياسة الوزير وأصدروا بيانهم الشهير في 2 أكتوبر 1989 يطلبون فيه بإقالته من منصبه" لأنه منع الإسلاميين من تسييس المؤسسات التربوية وتوظيفها مثلما كان الأمر في عهد الرئيس السابق بورقيبة.


لكن الحدث الأهم والذي سيدفع الإسلاميين لإدارة عجلة المواجهة والتصعيد من جديد هو خطاب رئيس الدولة في ذكرى 7 نوفمبر 1989 الذي أعلن فيه صراحة منع قيام أي حزب على أساس ديني في إشارة واضحة لحركة النهضة وبذلك تأكدت الحركة أن لا سبيل للبحث عن حلول وسطى أو توفيقية مع نظام الحكم، لذا لجأت إلى ما تسميه بسياسة الدفاع عن النفس أي الدخول في مرحلة لَيِّ الذراع.


وفي هذا الإطار استغلت حركة النهضة اندلاع حرب الخليج سنة 1990 وما رافقها من مسيرات ومظاهرات تكاد تكون يومية ضدّ السياسة الأمريكية لإثبات قدرتها على التعبئة ، وصرّح الغنوشي من لندن بوجوب الوقوف مع الشعب العراقي ، في حين اتخذ الرجل الثاني في التنظيم عبد الفتاح مورو موقفا مناقضا وهو التنديد بالغزو العراقي للكويت ومناصرة الشق الخليجي.


ويُرجع الباحثون هذه المواقف المتباينة إلى ما تنتهجه الحركة من ازدواجية في الخطاب. وقد وجدت الحركة الفرصة الملائمة لتحريك الشارع فجندت قواعدها الطلابية التي كان لها دور نشيط في تلك المسيرات بما ترفعه من شعارات ولافتات. ولم يتأخر رد فعل السلطة إذ سرعان ما تمّ سحب الرخصة من التنظيم الطلابي الإسلامي المعروف باسم "الإتحاد العام التونسي للطلبة" وذلك في نهاية مارس 1991. وقبلها بقليل قررت الحكومة تعطيل صدور جريدة "الفجر" لسان حال الحركة منذ ديسمبر 1990 بحجة نشرها بيانات للغنوشي رأت فيها السلطة تحريضا على الفوضى والإخلال بالأمن العام.


ويمكن القول أن الحركة، بخروج الغنوشي وبعض القياديين من البلاد، دخلت في مرحلة ردود الأفعال. ويبدو أن السلطة اتخذت قرارها بالتصدي نهائيا لحركة النهضة بعد أن اكتشفت تسربا جديدا لعناصرها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية فنظمت في 1991 محاكمة لثلاثمائة شخص من التنظيم منهم مائة عسكري واتهم وزير الداخلية حركة النهضة بأنّها " أصدرت تعليماتها إلى عدد من المجموعات والأفراد للتأهب لتنفيذ عمليات إرهابية في الضواحي الجنوبيّة للعاصمة تستهدف ثكنة الجيش بالزهراء وعدد من مراكز الأمن وإقامة بعض الشخصيات" وبذلك لم يعد ممكنا الحديث عن أية مشاركة سياسة لحركة النهضة فجزء منها في السجن وجزء آخر في المهجر.


الانتخابات البرلمانية اعتبرتها الحركة فرصة ذهبية لإبراز قوتها والتعريف بمبادئها من خلال الحملات الانتخابية. ولم يكن سهلا على الحزب الحاكم وهو مازال في بداية التجربة التعددية قبول لعبة سياسية يمكن أن تقلب التوازنات القائمة على قاعدة الوفاق والتي قبلت الحركة أسسها منذ أن شاركت في أشغال المجلس الأعلى للميثاق.


والملاحظ أن تجربة المهجر لم تكن أحسن حالا إذ أنّها أصبحت تمثل ، في نظر بعض القريبين من الحركة ، سلبية مضاعفة ، فلا هي حققت تأييدا عربيا ودوليا ولا هي استطاعت إنقاذ جسمها التنظيمي من التفكك ، وتركزت نضالاتها في فترة التسعينات من القرن الماضي على مسألة الإفراج عن مساجينها.


وفي منتصف التسعينات عقدت الحركة بالمهجر مؤتمرها السادس في جوان 1996 طرحت فيه نقدا ذاتيا لإستراتيجيتها في المواجهة وحمّلت السلطة المسؤولية الأولى ودعت لأول مرة إلى مراعاة مقتضيات التدرج الديمقراطي. وصدرت لائحة عن هذا المؤتمر نذكر منها ما يلي :"إن التجربة المريرة التي لا تزال تعاني منها البلاد منذ 1990 وأدت إلى هذا المأزق الخانق وموت السياسة تتحمل مسؤوليتها السلطة ثمّ الحركة ثمّ المعارضة عامة... إن بلادنا اليوم في أشدّ الحاجة إلى مراجعات عميقة من طرف الجميع من أجل التوصل إلى نهوض حقيقي... ومما لاشك فيه أن مقتضيات التدرج الديمقراطي الحقيقي وشروطه الأساسية هي تحقيق الانفتاح السياسي والتخلي عن ثقافة التناحر والتصادم والإقصاء والتمسك بالاعتدال والدخول في حوار وطني جامع وعميق.


وقبل أحداث 11 سبتمبر 2001 الشهيرة عقدت الحركة مؤتمرها السابع في المهجر بلندن في 3 أفريل (نيسان) 2001 أعادت فيه التأكيد على رغبتها في انتهاج العمل السياسي السلمي ورفض كل أشكال العنف واعتماد الاختيار الديمقراطي الحر أسلوبا في مباشرة كل القضايا كما طالبت في هذا المؤتمر "بتحقيق إصلاحات دستورية وقانونيّة شاملة ورفع القيود على التدين والكف عن وصاية الدولة على الدين ومؤسساته". ويمكن القول أن تمشّي الحركة منذ مطلع الألفيّة الثالثة بدأ يرتكز على البحث عن القواسم المشتركة مع سائر القوى الديمقراطية بما فيها تلك التي كانت في تناقض استراتيجي معها مثل الحزب العمالي الشيوعي التونسي.


ولعل انخراط حركة النهضة في تنسيق مبدئي مع قوى ديمقراطية ويساريّة في هيئة موحدة عُرفت بهيئة 18 أكتوبر2005 دليل على أنّها أصبحت تسعى لضبط إستراتيجية جديدة للمشاركة تقوم على إقناع قوى المجتمع المدني بالعمل المشترك على بلورة خطّة عمل تتمحور حول عدّة مطالب من بينها العفو التشريعي العام والإفراج عن المساجين السياسيين. وقد شكلت عمليّة الإفراج الأخيرة سنة 2005 عن حوالي مائة سجين إسلامي بادرة رأت فيها عناصر من الحركة محاولة جدية للخروج من حالة اليأس والترهل.


ملاحظات واستنتاجات:


هناك إشكاليات عديدة نود طرحها في خاتمة هذا البحث: لماذا فشلت عملية المشاركة بالنسبة لحركة النهضة؟ وهل هناك بوادر لإعادة إحيائها ؟ والتساؤل الثاني، هل أن إستراتجية العنف متأصلة في الحركة ونابعة من جوهر فكرها أم هي مفروضة بحكم الظروف الموضوعية ؟ وما هي نتائج المواجهة ؟ وهل تسببت في خلق تيارات متطرفة علي غرار تيار السلفية الجهادية في بلدان أخرى ؟ ونتساءل كذلك هل استفادت الحركة من وجودها بالمهجر ومن علاقتها بالغرب وكيف تطورت هذه العلاقة مع الدول الأوروبية و الأمريكية ؟ وأخيرا هل يمكن الحديث عن ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس ؟


يمكن القول أن فشل المشاركة يعود لأسباب ذاتية وموضوعية، فالحركة لم تقدّر جيدا اختلاف موازين القوى بينها وبين السلطة عندما اختارت التصعيد ، فالشخص الثاني في التنظيم عبد الفتاح مورو يرى مثلا أن انتخابات 1989 حملت أخطاء كبيرة من جانب الحركة سواء من حيث اختيار بعض مرشحيها أو نوعية خطابها الذي فجر التناقض بينها وبين مختلف مكونات الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة علي السواء.


ويري الباحث صلاح الجورشي القيادي السابق بالحركة والوجه البارز حاليا بالتيار الإسلامي التقدمي ، أن الحركة شرعت في تقييم أخطائها وأصبحت تنسق مع عديد قوى المجتمع المدني سواء من خلال انخراطها في هيئة 18 أكتوبر 2005 أو من خلال القيام بعدة مبادرات للتهدئة. وأكد أن هناك جناحا خاصا في حركة النهضة مستعد لإحداث مصالحة مع السلطة رغم كل ما حصل, وهو يرى أن عودة المشاركة بالنسبة للحركة ربما تكون في المستقبل المتوسط لا القريب ، وذلك بحكم التراكمات الكبيرة لهذا الملف ، ولأن الأولويات الآن بالنسبة للحركة هي الإفراج عن بقية المعتقلين وتأهيلهم اجتماعيا وتسوية أوضاعهم المهنية والصحية.


أما بخصوص التساؤل الثاني عن إستراتجية العنف وهل هي متأصلة في فكر الحركة أم أنها مفروضة عليها، فيمكن القول أن العنف نتيجة لردود أفعال، وربما تكون حصلت تجاوزات من هنا وهناك، لكن الغموض المتعمد أحيانا في بعض مواقف الحركة، إضافة إلي مشكلة ازدواجية الخطاب لديها جعل عملية التصادم أمرا حتميا.


والملاحظ أن خيار التصادم، نتج عنه، بالإضافة إلى تفتت الجهاز التنظيمي للحركة، توجه البعض نحو العمل الراديكالي والمتطرف. ويذكر مورو في حواري معه أن المحاكم التونسية سنة 2006 نظرت في محاكمة مئات الإسلاميين القريبين من أطروحات تيار السلفية الجهادية وذلك تحت قانون مكافحة الإرهاب ويقول:|"إن تيار أنصار السلفية الجهادية ينتقدون الديمقراطية ويدعون لمحاربة الغربيين والحكام العرب عن طريق الجهاد. ويرفض هؤلاء كل ما يأتي من الغرب ومؤسساته ويقاومونه بالسلاح وهو أمر خطير لم تصله أي حركة إسلامية.


وبخصوص حصيلة تجربة حركة النهضة بالمهجر فمعظم الذين استجوبتهم أكدوا علي سلبيتها رغم بعض الإيجابيات المحدودة، لأن النضال في رأيهم من خارج الوطن ، يجعل الحركة مفصولة عن الواقع، ويضع مزيدا من العراقيل في اتجاه ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس. كما أكد بعض القياديين أن الحركة لم تستفد من وجودها بالمهجر وأساسا بأوروبا. يقول مورو :"إن تجربة الهجرة بالنسبة لحركة النهضة سلبية مضاعفة، إذ قطعتها عن الواقع الوطني، كما أن الإسلاميين لم يتأقلموا مع موطنهم الجديد في الهجرة، فهم لم يطوروا تجربتهم في المهجر وهذه سمة عامة الإسلاميين، إذ أنهم لا يتفاعلون بسهولة مع الواقع الجديد الذي عاشوه في الغرب كما أنهم لم يستفيدوا من آليات الغرب ولم يتمكنوا من الدخول في مؤسساته بشكل جدي كما تفعل العديد من تيارات المهاجرين".


ويري الجورشي كذلك أن المهجر تجربة قاسية وأن سلبياته أكثر من إيجابياته، وأن "الإنجاز الوحيد الذي حققته مرحلة المهجر هو أن الحركة بقي لها رأس يدافع عنها، لكن السلبيات كثيرة أبرزها ضعف واضح في أداء الجهاز التنظيمي وانسحاب عدد هام من الكوادر من التنظيم". أما بخصوص علاقة حركة النهضة بالغرب (أوروبا و أمريكا) فقد تطورت في الفترة الأخيرة عما كانت عليه في السنوات الماضية. ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت للغرب أولويات أبرزها الحد من الهجرة السرية ومقاومة الإرهاب. وأصبح ضغط الغرب علي الدول الإسلامية ينطلق من هذين الهاجسين. ويؤكد الجورشي أن تشريك التيارات الإسلامية "المعتدلة" في العملية السياسية ببلدانها يحد من الهجرة القسرية التي بدأت أوروبا تحس بوطأتها و أحيانا بخطورتها علي علمانية الدولة بالغرب ، سواء من حيث الحملة التي صاحبت قضية الحجاب أو في تبعات حادثة الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دنمركية سنة 2006 والتي حاول البعض تسويقها في إطار الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب.


يري الجورشي أن المهجر تجربة قاسية وأن سلبياته أكثر من إيجابياته، وأن "الإنجاز الوحيد الذي حققته مرحلة المهجر هو أن الحركة بقي لها رأس يدافع عنها، لكن السلبيات كثيرة أبرزها ضعف واضح في أداء الجهاز التنظيمي وانسحاب عدد هام من الكوادر من التنظيم". و يمكن القول أن ترشيد الظاهرة الإسلامية بتونس أو ما يسمي بعقلنة الحركة الإسلامية، مرتبط بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية.


فمن بين العوامل الذاتية، ضرورة إسراع القيادة بمراجعات فكرية، وهي مراجعات تحدث عنها بعض قياديي" النهضة" لكنها لم تنشر لحد الآن، وربما يعود ذلك للوضع الاستثنائي الذي تعيشه الحركة. أما العوامل الذاتية الأخرى فمن أبرزها تثبيت الطابع المدني لهذا التيار، فالخلفية الدينية لحركة النهضة مازالت تشكل هاجسا محرجا لدى مختلف مكونات الطبقة السياسية رغم التحالفات الأخيرة التي عقدتها النهضة مع عدد من قوى المجتمع المدني.


أما العوامل الموضوعية فأبرزها تعميق التجربة والممارسة الديمقراطية في المجتمع من خلال تحديد ثوابت تضمن حماية الدولة من أية اهتزازات ( كالإيمان بالدولة الوطنية ، والحفاظ على مكتسبات الحداثة ، وإعطاء الهوية العربية الإسلامية بعدا تقدميا ) .في هذا الإطار ، تصبح المشاركة السياسية لحركة النهضة محكومة بالحفاظ على هذه الثوابت ، وأن كل تنكر لها يضعها موضوعيا خارج إطار المشاركة. وختاما لا بد من التأكيد أن كلفة المشاركة السياسية للتيارات الإسلامية المعتدلة تبقى أفضل بكثير من كلفة اللامشاركة.


*باحث تونسي ومحاضر بكلية الآداب قسم التاريخ، جامعة منوبة. تونس
قدم هذا البحث في إطار ندوة بمراكش يومي 16و17 جوان 2006 حول" الحركات الإسلامية المشاركة في المؤسسات السياسية في البلاد العربية وتركيا " بدعوة من مركز الدراسات الدستورية والسياسية وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة القاضي عياض مراكش، المغرب.

التشغيل إستحقاق يا عصابة السرّاق



التشغيل إستحقاق يا عصابة السرّاق


حسب الدراسات للمؤسسات الرسمية للدولة،فان توفير موطن شغل واحد يتطلب 50.000 دينارا.

فليكن.

مجرد سؤال في هذا الغرض:

ماذا لو اجلنا تسديد خدمة ديون تونس الواجب دفعها هذا العام و البالغة 5000 مليارا؟

و ماذا لو وفرنا 3000 مليارا من الممتلكات المصادرة من عصابة بن علي و الطرابلسية التي كدسوها باساليب غير " شرعية " ؟

ماذا لو أرجعنا الـ7000 مليار التي نهبها رجال الأعمال من البنوك العمومية أيام الزين و لم يقع سدادها إلى اليوم رغم تعاقب 6 حكومات بعد الثورة؟

ماذا لو وفرت لنا ضريبة استثنائية علي الثروات 2000 مليارا؟

الا يعني ذلك توفير 340.000 موطن شغل ????

ماذا لو تواصل تاجيل خلاص الديون لمدة 3 سنوات فقط بالاضافة لتواصل العمل بالضريبة الاستثنائية علي الثروات الاستثنائية? ??? فسيكون بإمكاننا توفير كل سنة 200.000 موطن شغل

أي في ثلاث سنوات سنوفر 740.000موطن شغل علاوة على تحريك عجلة الإقتصاد و الكف عن الإستجداء من الخارج و حفظ كرامة تونس و سيادتها

و لا أتحدث عما ستوفره بعض الإجراءات كان من المفروض القيام بها بعد الثورة من أموال للتشغيل و للتنمية للجهات المحرومة ومن إستثمار إقتصادي و الخروج من الأزمة و من التبعية:

كمقاومة الفساد في الإدارة و البنوك و الشركات العمومية

و تعميم الشفافية في التسيير و في الصفقات العمومية

و سن قانون المحاسبة و تطبيقه على الجميع عملا بمبدأ :من أين لك هذا؟



Mokhtar Saidaniبتصرف