أميركا تغزو العالم بالاسلامويين!!
((لجمع الحجارة وقت..ولرمي الحجارة وقت))(1) (أميركا تغزو العالم بالاسلامويين!!) (14)
خلف الناصر
2016 / 9 / 11
تمهيد:
يبدو أن السياسة والساسة الأمريكيون وقبلهم أساتذتهم البريطانيون، يتصرفون وفق هذه الحكمة التوراتية العتيدة، ويتخذونها قاعدة أساسية ثابتة لإستراتيجياتهم في العالم أجمع، وفي مقدمته منطقتنا العربية والإسلامية..وربما تكون هذه قاعدة اتبعتها عبر العصور، جميع الدول الكبرى وحتى الدول الإقليمية التي يقع أمنها القومي ومصالحها القومية خارج حدودها السياسية!!
فالدول الكبرى كأمريكا وصنوها الاتحاد السوفيتي السابق مثلاً، وقبلهما بريطانيا والصين حالياً، وجميع الدول الكبرى الأخرى يقع أمنها القومي ومصالحها القومية دائماً ـ بحكم اعتبارات عديدة ـ خارج حدودها السياسية، ويشمل بلدانا العالم بأجمعها تقريباً.. ولهذا فهي تضع إستراتيجيات كونية ـ وسرية غالباً ـ تشملها جميعاً !
أما الدول الإقليمية الأقل شأناً، كإيران وتركيا والكيان الصهيوني في منطقتنا العربيةً، فإن أمنها القومي يقع أيضاً خارج حدودها السياسية أيضاً، ويشتمل جميع بلدان إقليم الشرق الأوسط ويتداخل معها عضوياً..ولهذا تضع هي الأخرى (إستراتيجيات إقليمية سرية) لحماية أمنها ومصالحها الإقليمية، وتسوقها داخل كامل الإقليم تحت مختلف الواجهات والشعارات السياسية والدينية: شيعة ، سنة ، مظلومية....إلخ!
وتتطلب حماية المصالح القومية للدول الكبرى، وكذلك الدول الإقليمية في بعض الأحيان، إتباع سياسات وإستراتيجيات سرية قد تصل إلى حدود (المؤامرة) على تلك البلدان، التي تقع فيها مصالحها القومية.. فتلحق بها أضراراً بالغة، قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية وفقدان للأمن وتدمير لنسيج الاجتماعي، وربما تتُفتت بتأثيرها تلك البلدان، وقد تُقسم اجتماعياً وسياسياً وجغرافياً!!
وواحدة من أهم وسائل حماية الأمن القومي والمصالح القومية التي تؤدي إلى خلق وضع خطير كهذا، هي وجود جماعات وأطراف اجتماعية وإيديولوجيات ـ قد يكون وجودها طبيعياً وأصيلاً في بلدانها ـ لكنها في بعض الأحيان تشكل امتدادات عضوية لتلك الدول الكبرى أو الإقليمية داخل مجتمعاتها.. فتستغلها هذه لحماية مصالحها وأمنها القومي،وتشكل منها (الحجارة) التي ترمي بها أعدائها وتحمي بها مصالحها القومية .
وهذه (الحجارة البشرية) تُجمع وتصنّع، داخل البلدان التي تقع فيها المصالح القومية للدول الأخرى، وعادة تتكون من أهل البلاد الأصليين وليسوا من الغرباء عنها.. وهئولاء هم الاحتياط الذي رمزت إليه (التوراة) بـ ((لجمع الحجارة وقت)).
في الماضي كان يطلق على مثل هئولاء اسم (عملاء أو خونة) لكنهم في حقيقة الأمر، هم مجموعة من المغفلين، تستغلهم الدول الأخرى لحماية مصالحها القومية، وتغويهم بشعارات دينية أو سياسية أو إيديولوجيات عابرة للانتماءات الوطنية!!
و(الحجارة) الثقيلة التي نُرمى بها اليوم من كل الاتجاهات الدولية والإقليمية، تتمثل بمجموعات من هئولاء المغفلين، وبعضهم من المرتزقة والمأجورين.. ولا حاجة بنا للبحث كثيراً عنهم لاكتشاف هوياتهم، فهم يعلنونها صراحة أنهم جماعات الإسلام السياسي بشقيه: الإرهابي التكفيري والمليشياوي التدميري.. وبمختلف مسمياتهم الدينية والطائفية والاعتقادية!!
ولابد أن لهذه الحجارة الإسلاموية الثقيلة التي نرمى بها اليوم من تاريخ طويل، فقد تم تجميعها وتصنيعها على مدى سنين وعقود وأجيال متعاقبة.. ولابد أيضاً أنها قد استغرقت نفس هذه المدة الطويلة كي تستقر في هذه الأيدي الهمجية، بعد أن تفاعلت (كيميائياً) داخل مجتمعاتنا، فغيّرت كيميائها الطبيعية، واستبدلتها بهذه الكيمياء الدموية !! .
وتاريخياً أطلت علينا هذه (الحجارات الدموية) بوجهها الجديد هذا بعد احتلال الأمريكان للعراق، والأصح بدأ جنينها بالنمو منذ حرب ما يسمى بالمجاهدين الأفغان، أما قبل هذا التاريخ فقد كان أغلبنا يجهل وجودها، لأنها كانت شبه معدومة..
لكن المؤكد أن ملكية هذه الحجارة الصرفة، تعود لجماعات الإسلام السياسي بشقيه: المسالم والعنيف وبفرعيه الأزليين..(السني والشيعي)!!
ومما لا شك فيه أن جماعات الإسلام السياسي بشقيه وفرعيه، تستغفل الجماهير دينياً وعاطفياً، وتتبادل على حساب دمها وحياتها المنافع والمكاسب مع القوى الكبرى والإقليمية، والأمريكية منها بالخصوص..والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى:
فالأمريكان مثلاً: بفضل الإسلامويين قد احتلوا المشرق العربي بكاملة، وفتحوا أغلب البلدان الإسلامية بذريعة " مكافحة الإرهاب" ، الذي يمارسه النصف(العنيف) من الإسلام السياسي!!
بينما نصفهم الآخر (المسالم!!) قد استلم السلطة بمساعدة أمريكية واضحة، في كل من مصر وتونس وليبيا والعراق ومعظم البلدان العربية والإسلامية الأخرى..
ولولا هذه المساعدة الأمريكية الفعالة، ما كان بإمكان هئولاء الإسلامويين الوصول إلى حكم هذه الأقطار العربية المهمة!!
فبهذه الطريقة (البرغماتية) يتبادل الأمريكيون والإسلاميون المنافع والمكاسب دائماً.. ولهذا توحدت دوافعهم وتشابكت مصالحهم واستمرت علاقاتهم لأجيال متعاقبة، وأصبح كل منهم وكأنه الوجه الثاني للآخر!!
ونحن في هذا المقال نحاول أن نتتبع هذه العلاقة القديمة والمتجددة دائماً بين الطرفيين، ومن أول محطاتها ومن أبعد نقطة بدأت منها!!
***
أولاً: جمع (الحجارة) الإسلاموية!!
إذا أردنا معرفة أسباب هذه العلاقات القديمة والحديثة المتينة، وهذا الزواج الكاثوليكي بين الطرفين (الأمريكي والإسلاموي) والبريطاني قبله، فعلينا تتبع ذلك الخيط الرفيع الذي جمع الأمريكان ومن قبلهم البريطانيين بالاسلامويين عموماً وبـ "الإخوان المسلمين " خصوصاً.. فسنجد أن رأس ذلك الخيط يمتد إلى سبعينيات القرن التاسع عشر!!
وذلك عندما التقى جمال الدين الأفغاني بالمخابرات البريطانية وعرض عليهم فكرة الجامعة الإسلامية..وكون البريطانيين يعرفون من أين تؤكل أكتاف الشعوب، فهم قد تبنوا تلك الفكرة بحماسة شديدة في البداية !!
والمعروف عن البريطانيين أنهم ((خبراء في اللعب على أوتار القبلية والعرقية والانتماءات الدينية والوقيعة الشديدة بين الأقليات)) وتجيرها جميعاً في النهاية لمصالحهم الخاصة.. كما يقول (روبرت دريفوس) في كتابه المهم " لعبة الشيطان " والمكرس لــ " دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي"
ويقول دريفوس أيضاً: أن السجلات السرية لمخابرات حكومة الهند البريطانية تحتفظ بوثائق عن علاقة الأفغاني بها، وإنه ـ كما تقول تلك الوثائق ـ قد عرض عليهم رسمياً بأن يذهب إلى مصر بصورة عميل للمخابرات البريطانية عندما كان في الهند.. وأنه قد ذهب فعلاً إلى هناك بتمويل منها!!
والمؤلف يعتقد بأن الأفغاني هو الذي أنشأ البناء الفكري للجامعة الإسلامية برعاية بريطانية، وبدعم شديد من المستشرقين البريطانيين من أمثال لورد آي جي براون.. ويعتقد أيضاً أن الأفغاني وتلميذه النجيب محمد عبده هما اللذان:
• ((أسسا الحركة السلفية أو اليمين المتشدد القائم حتى الآن بمساعدة القنصل المصري في لندن ولورد ايفلين بارينج واللورد كرومر . ولكي نتفهم الدور الحقيقي لكلٍ من الأفغاني ومحمد عبده من المهم أن ننظر إليهما على أنهما تجارب في الجهود البريطانية التي استمرت قرناً من الزمان لإنشاء الجامعة الإسلامية)) 2))
وبهذا يكون الأفغاني هو الذي وضع البدايات واللبنات الأولى لما يعرف اليوم بـ " الإسلام السياسي " ، وبواسطته قد تزاوجت (السياسة بالدين) فولدا (السلفية) الاعتقادية والجهادية.. وبمعناها السياسي الذي نعرفها به اليوم!!
وقد تناسلت تلك السلفية ـ كما يقول دريفوس ـ عن بعضها نسلاً بدأ بالأفغاني وانتهى بأسامة بن لادن وعلى الصورة التالية:
جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده ، محمد رشيد رضا ، حسن البنا ، أبو الأعلى المودودي ، أسامة بن لادن . (لم يشر المؤلف للبغدادي والزرقاوي...إلخ لأنهم لم يكونوا قد وجدوا بعد) وهذا الأخير ـ ابن لا دن ـ هو الذي ولدت على يديه القاعدة وأفراخها السامة [ألزرقاوي ، والبغدادي ، وداعش والنصرة ، وبوكو حرام ، وثوار ليبيا ، وأكناف بيت المقدس ، فجر ليبيا........إلخ] وكل المسميات الدموية الأخرى.. وهذه السلسلة الجهنمية لا زالت مفتوحة على المجهول، وتتناسل باستمرار بآلاف الأشخاص والأسماء والمسميات التنظيمية الدموية التكفيرية!
***
لقد نشأ الإسلام السياسي ـ وحسب وثائق كثيرة ـ في حضن بريطانيا وأنها ـ أي بريطانيا ـ وظِفته لحماية مصالحها الإمبراطورية الواسعة، والمنتشرة في جميع أنحاء العالم.. وفي العالم الإسلامي بالدرجة الأولى!! .
ففي نهاية القرن التاسع عشر مثلاً: كانت هناك دلائل علمية كثيرة تشير إلى وجود كميات هائلة من النفط، في كلٍ من العراق وإيران والجزيرة العربية.. وكانت كل هذه المناطق والسعودية خاصة، مطمح الدول الاستعمارية وبؤرة لصراعاتها أنذك !
وكان احتلال بريطانيا للخليج العربي وبعض مناطق الجزيرة العربية، الهدف منه الهيمنة على تلك الثروات النفطية الهائلة والثروات المعدنية الأخرى، وأيضاً لتأمين طريق الهند (جوهرة التاج البريطاني) كما كانت تسمى... وبعد الحرب العالمية الأولى أصبح وجود النفط في تلك المناطق حقيقة مؤكدة، وغنيمة تتنافس وتتصارع على اقتناصها جميع الدول الاستعمارية الكبرى، وحتى الصغرى منها!! .
ولتأمين هذين الهدفين معاً: لجأت بريطانيا المشهورة بدهائها، وبمعرفتها الواسعة بأحوال العرب والمسلمين الدينية والاجتماعية، إلى توظيف الدين والعواطف الدينية الإسلامية و (قضية الخلافة) التي كانت مطروحة بقوة أنذك عند العرب والمسلمين، بعد أن تخلى أتاتورك عنها..
فوظفت الاثنين معاً ـ أي العواطف الدينية وقضية الخلافة ـ بدهاء، في صراعها على النفط وتأمين طريق الهند، وفي صراعها وتنافسها مع القوى الاستعمارية الأخرى للاستيلاء على هذه المنطقة الغنية!!
فاحتضنت لهذا الأغراض الإسلام السياسي الناشئ حديثا على يد الأفغاني ومحمد عبده، واستثمرته أفضل استثمار، وقد نجح استثمارها هذا على مستويين.. رسمي وشعبي :
فعلى المستوى الرسمي استغلت بريطانيا تنافس الزعماء العرب [الهاشميين وآل سعود وآل رشيد وملك مصر وآخرون غيرهم] على منصب الخلافة بعد أن تخلت عنها تركيا ، وموهمة كل طرف منهم بوقوفها معه ضد الأطراف الأخرى!!
فأثمر هذا عن ولادة ممالك الهاشميين في كل من سورية والعراق وشرق الأردن..وأثمر أيضاً مملكة آل سعود في الجزيرة العربية، وتالياً إمارات النفط الخليجية الحالية!!
لكن بريطانيا ـ وكعادتها دائماً ـ غدرت بحلفائها الهاشميين، وأسقطت ممالكهم في الحجاز وسورية الواحدة تلو الأخرى، وأعطت فلسطين لليهود الصهاينة,, فبعد أن فاضلت بين كل تلك الأطراف المتنافسة على منصب الخلافة، حسمت أمرها ومنحت ملك السعوديين لقب ((حامي الحرمين الشريفين!!))..
مهيأة إياه بهذا اللقب الديني العريض، ليكون خليفة للمسلمين مستقبلاً!!
لأن السعوديين ـ من وجهة النظر البريطانية ـ أكثر فائدة لها من المتنافسين الآخرين، وأكثر منهم مطاوعة لرغباتها ومصالحها، كما وأن السعوديين كانوا ولا زالوا أكبر منتجِ للطاقة في العالم!
هذا على المستوى الرسمي!!
أما على المستوى الشعبي ـ أي السياسي والاجتماعي ـ فقد أثمر تصنيع واحتضان البريطانيين للإسلام السياسي، عن توسيع ظاهرته متمثلة بالإخوان المسلمين في مصر، ونشره منها ومن خلالهم في أرجاء المنطقة العربية والعالم الإسلامي برمته. ومن ثم تصديره إلى أنحاء أخرى من العالم باحتضان بريطاني بلا حدود، وبدعم مالي سعودي غير محدود.. لأن الأخوان المسلمين قد وقفوا بقوة وصلابة مع خلافة السعوديين للمسلمين !!
لكن قبل أن يصل البريطانيون إلى هذه النتائج الباهرة، كانت تواجههم مشكلة كبيرة، وهي عدم وجود قاعدة شعبية للإسلام السياسي الناشئ حديثاً .. ففي بداية القرن العشرين الماضي:
• ((لم يكن (تكن) هناك قاعدة جماهيرية للإسلام السياسي يمكن أن تتماسك ضد الإيديولوجيات الجذابة المضادة للاستعمار وهي الشيوعية والقومية . ولم تنبت البذور التي زرعها الأفغاني ومحمد عبده بعد))..
و ((كانت (هناك) قوة إسلامية على وشك الظهور بعد أن رواها السعوديون والمخابرات البريطانية وقاموا على رعايتها بعد أن نشر بذورها محمد عبده . وستولد على ضفاف قناة السويس في مصر ، ليس بعيداً عن السعودية)) لتؤدي هذا الدور الكبير ..
فــ ((تأسست حركة الإخوان المسلمين على يد البنا بمنحة من شركة قناة السويس البريطانية وخلال الربع قرن التالي بدعم من الدبلوماسيين البريطانيين والمخابرات البريطانية)) (3)
وجاء تأسيس هذه الحركة ـ بتلك المنحة البريطانية ـ لتكون قوة مؤيدة ومؤازرة للملك عبد العزيز آل سعود لخلافة المسلمين، والدعوة له بين بسطاء الناس، ونصرته في ذلك الصراع الشرس بينه وبين الهاشميين وملك مصر على منصب الخلافة الإسلامية الرفيع..
ومنذ ذلك التاريخ البعيد نسبياً، نشأت هذه العلاقة الحميمة والإيديولوجية المشتركة، التي تربط الإخوان المسلمين بمملكة السعوديين.. وبالبريطانيين وبورثتهم الأمريكيين فيما بعد!!
وقد اشتقت حركة الأخوان المسلمين اسمها من اسم (الاخوان) او (اخوان من اطاع الله) الوهابية، وهم مجاميع بدوية جلبها عبد العزيز آل سعود من البادية، وأسكنهم في ما سمي (بالهجر) في السعودية، فشكلوا عماد جيشه..وهم القوة الوهابية المسلحة والمنظمة التابعة لعائلتي آل سعود و (آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب)..
وهؤولاء [الأخوان الوهابيون] هم اللذين حاربوا ـ بمساعدة بريطانيا ـ جميع القوى الأخرى (كالهاشميين وآل رشيد وغيرهم) في الجزيرة العربية وهزموهم، وهم اللذين ثبتوا ملك آل سعود والمذهب الوهابي فيها..وقد ارتكبوا في حينها أفضع الجرائم، أثناء غزوهم لمناطق الجزيرة العربية وسيطرتهم عليها!
وكان تحالف هاتين العائلتين ـ آل سعود وآل الشيخ ـ قد أثمر وجود هذه (المملكة السعودية).. فاختصت إحداهما ـ آل سعود ـ بالشؤون الدنيوية والسياسية، واختصت الأخرى ـ آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ بالشؤون الدينية والأخروية.. و (الأخوان الوهابيون) كانوا هم قواتهم المسلحة المشتركة!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire