Tunisiens Libres

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 21 février 2014

مسألة الحجاب/الخمار والعلمانية كما يراها حزب العمال

      مسألة الحجاب/الخمار والعلمانية كما يراها حزب العمال
تاريخية الحجاب
إننا لا نناقش كون الحجاب/ الخمار، ليس كما يزعم السلفيون بمختلف ألوانهم وتشكيلاتهم، لباسا أو "زيا إسلاميا" بمعنى أن الإسلام هو الذي ابتدعه وشرّعه، ولكنه لباس سابق للإسلام، سواء عند العرب أو عند اليهود والنصارى أو عند اليونانيين الوثنيين (القرن الخامس قبل الميلاد) أو عند المصريين (القرن الثالث قبل الميلاد) أو عند الآشوريين (القرن الثاني عشر قبل الميلاد) أو عند الفرس (التشادور) أو عند الهنود إلخ... ومهما تعددت أشكال هذا الخمار عند هؤلاء الأقوام على اختلاف أجناسهم ودياناتهم وثقافاتهم وحضاراتهم والحقب التاريخية التي عاشوا فيها، فإن فرض لباسه على النساء ارتبط عندهم جميعا بنظرة رجعية تعتبر المرأة أو بالأحرى جسدها أو أجزاء منه كالشعر، "عورة" أو "مصدر إثارة لغرائز الرجل" أو سببا لارتكاب "الخطيئة" أو "أداة متعة للرجل" أو "ملكا" له، لذلك لا بد من "ستر" ذلك الجسد أو هذا الجزء أو ذاك منه وإن لزم الأمر حجب المرأة بالكامل عن العيون.
ولمّا جاء الإسلام في مطلع القرن السابع ميلاديا، لم يكن ليخرج عن سياق التاريخ أو يتعالى عنه، بل إنه كان في صلبه ومن صلبه. فلم يتجاوز نظرة عصره وبيئته للمرأة إلا في حدود جزئية، بل في حدود ما كانت تسمح به درجة التطور الاجتماعي والثقافي والحضاري. ولكنه حافظ على جوهر النظرة الأبوية/الذكورية التي تعتبر المرأة في مرتبة دون مرتبة الرجل في كافة مجالات الحياة الاجتماعية. وقد تولى الفقهاء الذين ارتبطوا دائما بالسلطة الحاكمة وبالطبقات الاستغلالية السائدة، تقنين تلك النظرة في سلسلة من الأحكام أخطر ما فيها أنها تضفي طابعا قدسيا على دونية المرأة وعلى تبعيتها للرجل و"سيادته" على جسدها لحملها على قبول هذا الوضع المُملى من "السماء" حسب زعمهم، والذي يُعاد إنتاجه باستمرار بنفس الغلاف الديني، واتهام كل من يطرحه محل سؤال بالكفر و"الزّيغ" عن مبادئ الإسلام أو تحريفها. و قد شمل ذلك التقديس الحجاب/الخمار الذي قُدم على أنه "فريضة" لا يكتمل "إيمان المرأة" إلا بارتدائه.
إن الحجاب/الخمار جاء مظروفا في القرآن وخاليا من كل بعد روحاني، أو عقدي أو تشريعي. كما أن القرآن لم يحدّد له شكلا معينا. وقد خُصّت به في البداية "زوجات النبي" (سورة الأحزاب آية 53) وكان يعني فصلهن عن الرجال بستار، ثم شمل في مرحلة ثانية نساء المؤمنين، ولم يرد هنا بالمعنى الأول بل بمعنى الجلباب (سورة الأحزاب، آية 59) وهو لباس متداول على ما يبدو، يُغطّي كامل الجسم ويستر المرأة التي تقضي حاجتها في العراء، وأُريد منه أن يكون علامة لتمييز "المؤمنات" و"الأحرار"، حتى أن لباسه منع عن الإماء والبغايا. وفي آية ثالثة تمّت الإشارة إلى الخمار (سورة النور، الآيتان 31و32) وهو في هذه الحالة عبارة عن منديل يُغـَطـّي فتحة الصدر.
ولكن الفقهاء هم الذين جعلوا من الحجاب/الخمار "زيّا إسلاميا". وبما أن معظم مفسري القرآن كانوا من الفرس فقد أعطوه شكل "التشادور" المتسم بالصرامة. و شيئا فشيئا تحول الحجاب من لباس لتغطية الجسم/العورة أو لـ"الحشمة" إلى حَجْب النساء في البيت، خصوصا في المراكز الحضرية. ووصل الأمر إلى حد اعتبار نظراتهن وأصواتهن "عورة"، واتسع زنا المرأة ليشمل حواسّها فأصبح الزنا، زنا بالعين والصوت والأذن، علاوة على الزنا باللمس، فتم تطويق النساء من كل الجوانب تطويقا ماديا ومعنويا.
و من الملاحظ أن الخمار لم يلبسه كل النساء. فالنساء خارج المدن بقين في الغالب سافرات. كما أن اللواتي لبسنه لم يفعلن ذلك حسب زي منمّط في كافة البلدان والأمصار. فالخمار اتخذ أشكالا عدة وفقا للتقاليد الخاصة بكل بلد ولمناخاته وعاداته الثقافية والاجتماعية. و لمّا فتحت البلدان العربية والإسلامية عيونها على العصر نتيجة الصدمة الاستعمارية، ووقفت على مدى تخلفها الحضاري مقارنة بتقدم البلدان الأوروبية وشعرت بالخطر الذي يتهددها إن استمرت على ما هي عليه، سعت إلى تدارك أمرها. وكانت المناداة بتحرير النساء من العبودية وإخراجهن من ظلمات عصور الانحطاط أحد أهم عناصر "الإصلاح الاجتماعي" الذي طالب به المثقفون المستنيرون. و في هذا الإطار حصلت معركة السفور والحجاب في أكثر من قطر عربي وإسلامي بما فيها تونس في مطلع القرن العشرين. وكان دعاة تقدم "الأمة" يدافعون عن خروج المرأة من البيت والتحاقها بالمدرسة ومساهمتها في الحياة العامة، بينما كان دعاة الحفاظ على الماضي بنظامه الاجتماعي والسياسي المتخلف وقيمه الإقطاعية البالية التي "تُبلـّس المرأة"، يدافعون عن مواصلة حجب النساء ويدعون عموم الناس، مستغلين جهلهم ومشاعرهم الدينية، إلى "التعبئة" ضد "الكفرة والملحدين" الذين ينادون بـ"تحرير النساء".
ولكن هذه الدعوات لم تمنع النساء، في تونس وفي عدد من المجتمعات العربية والإسلامية، من تحقيق مكاسب وقطع خطوات نحو تحررهن. و قد شمل هذا التحرر لباسهن الذي خرج من دائرة "المقدس" أي من دائرة "الحلال والحرام" و"تـَعَلـْمَنَ" ضمن العلمنة الجزئية التي شملت المجتمع، وأصبح خاضعا لاعتبارات أخرى غير الاعتبارات الفقهية التقليدية (الذوق، الموضة...). وظل الوضع على هذه الحال إلى أن دخلت الأنظمة الاستبدادية التي خلفت المستعمر في الحكم في أزمة خانقة اقتصادية واجتماعية سياسية وثقافية وقيَميّة. وهو ما أدّى، في غياب بدائل تقدمية، وفي إطار هجمة خارجية امبريالية شرسة، واتساع نفوذ مراكز الرجعية العربية الكبرى ومنها السعودية وتوابعها الخليجية التي تصرف أموالا طائلة وتجند فضائيات كثيرة لنشر الدعوات السلفية، إلى عودة الظاهرة الدينية بمعناها الشامل إلى البروز في شكل أحزاب وتيارات سياسية ومراكز ثقافية سلفية، ولكن أيضا في شكل طرق تنشر الشعوذة والخرافة. و قد ركزت هذه الأحزاب والتيارات و الطرق دعايتها في اتجاه النساء لموقعهن الحساس داخل العائلة ودورهن الممكن أو المفترض في الحفاظ على العادات والتقاليد وبالتالي على العائلة التقليدية.
أزمة مجتمعات "الاستقلالات" وعودة الحجاب/الخمار
وفي هذا المناخ العام عاد الحجاب/الخمار الذي ظُنّ أنه اندثر إلى الأبد، إلى البروز في المجتمعات العربية "المُعلمنة" نسبيا بما فيها المجتمع التونسي، وفي صفوف الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في البلدان البرجوازية الغربية، علاوة على وجوده في البلدان ذات الأنظمة الإسلامية التي يُفرض فيها لباس الخمار بحكم القانون (إيران، السعودية...). و لكن الخمار "الحديث" يختلف عن الخمار التقليدي متعدد الأشكال فهو خمار نمطي على العموم، خاضع لعدد من الشروط (تغطية الرأس والجسد بالكامل عدا الوجه واليدين ابتداء من المعصمين) التي وضعتها التيارات الإسلامية السلفية. ويتعايش هذا النمط من الخمار مع أنماط أخرى مثل "النقاب" أو "البرقع" أو"التشادور" الإيراني وغيره. وهي تمثل مجالا لبروز الفوارق الطبقية والاجتماعية فالخمار أخْمرة والنقاب نـُقـُبٌ، والتشادور "تشادورات"، فيها ما هو خاص بالثـّرِيـّات وفيها ما هو خاص بالفقيرات، وفتيات ونساء الفئات الوسطى، وهي أحيانا موحدة اللون وأحيانا أخرى ملونة بألوان زاهية وهي تـُلبس مع ألبسة فضفاضة أو مضبوطة على الجسم (سروال الدجينز إلخ...)، فهي أقرب إلى الموضة منها إلى أي شيء آخر.
وكما تتعدّد أشكال الخمار، تتعدد أيضا بواعث ارتدائه فهي دينية أحيانا إذ يعتبر جزء من النساء أنه جزء من ديانتهم، بل فريضة "إسلامية"، حسب ما سمعوه في الفضائيات خصوصا، وهي اجتماعية أخلاقية أحيانا أخرى لإخفاء الفقر، أو تجنب المشاكسة في الشارع في ظل التدهور الأخلاقي السائد وتفاقم الاعتداءات على النساء، وهي أحيانا ثالثة تعبير عن هوية في وجه العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تسعى إلى القضاء على المجتمعات الصغيرة والضعيفة وفرض التنميط عليها أكلا ولباسا وذوقا إلخ... و إذا كان يوجد من الفتيات والنساء في تونس من ترتدي الخمار عن قناعة، فإنه يوجد منهن من تلبسه لأنه مفروض عليها فرضا بشكل من الأشكال من الأب أو الأخ أو القريب أو الزوج. وإذا كان لباس الخمار مقترنا في ذهن قسم من المتحجّبات بمواقف رجعية من المرأة مثل الخضوع للزوج وقبول تعدد الزوجات والاكتفاء بنصف نصيب الذكر من الإرث، فإن لباسه لا يمنع فتيات ونساء أخريات من أن يقترن عندهن برفض تلك المظالم أو على الأقل الصارخ منها ومن أن يتخذنه وسيلة لتشريع خروجهن من البيت والمساهمة في الحياة العامة.
ذلك هو الحجاب/الخمار في تنوع دوافع ارتدائه في معيشهنّ الاجتماعي والنفسي والثقافي والسياسي الحالي، وفي تعدد التصورات والتمثـّلات التي تحملها عنه مرتدياته، ولكن هذا التنوع والتعدد لا ينزع عنه بأي حال من الأحوال دلالته الموضوعية أو بعده التاريخي الاجتماعي بوصفه لباسا قائما، في الأصل، على نظرة تستنقص النساء، وهي النظرة التي ما تزال تعبّر عنها بشكل واع وواضح التيارات الدينية الرجعية سواء كانت في الحكم أو في المعارضة. وهذه التيارات إذ تضفي على الحجاب/الخمار طابعا دينيا، قدسيا فمن أجل طمس تلك الدلالة أو إخفاء ذلك البعد ومنع نقاشه وجعل التقديس مدخلا لفرض سياسة رجعية على النساء العربيات والمسلمات (تعدد الزوجات، حرمان المرأة من حقوقها المدنية والسياسية، إن جزئيا أو كليا...).
استلاب الحجاب لا يبرّر قمع المتحجبات
ولكن أن يكون ذلك هو المغزى الموضوعي للحجاب، فهو لا يمثل مبرّرا لمنع الفتيات والنساء من ارتدائه وإكراههن على نزعه أو حرمانهن، في صورة تشبثهن به، من حقوقهن الأساسية كالذهاب إلى المدرسة أو الجامعة أو إلى مراكز العمل من إدارة ومؤسسات عمومية. إن هذا الموقف القسري، التعسفي، يتعارض مع المبدأ العلماني القاضي باحترام حرية العقيدة. فمهما كان الحجاب/الخمار مهينا من الناحية الموضوعية للمرأة، فإنه توجد من المتحجّبات من تعتقد أنه "فريضة" و"جزء من العقيدة". كما أن من بينهن من ترى فيه "جزءا من شخصيتها الإسلامية". وهذا الموقف الشخصي لا يمكن معالجته بالقمع، إذ لا يجوز قمع النساء المتحجّبات بدعوى أن ذلك من "مصلحتهن" وفيه "دفاع عن تحررهن" ويهدف إلى "إنقاذهن من الاستعباد الذاتي" أو من "استعباد الرجل والمجتمع".
إن القمع لم يكن في يوم من الأيام وسيلة لتحرير الإنسان من الأوهام الدينية أو من الخرافات والأساطير التي تتخذ طابعا عقديا. لأن القناعات سواء كانت دينية أو إيديولوجية لا تتغير إلا بالنقاش والإقناع، بل لا تتغير إلا إذا توفرت الأرضية الاجتماعية والثقافية المناسبة التي تجعل المعنيات أو المعنيين يقتنعون بأن القناعات الجديدة تمكنهم من تحقيق ذواتهم. والمرأة التي تلبس اليوم الحجاب/الخمار يمكن أن تتخلى عنه غدا إذا اقتنعت بأنه لا يلائمها وأنه مناف لحريتها وتحررها. أما القمع فيولـّد الخوف، ولا يخلق قناعات جديدة، بل على العكس من ذلك، يعمّق العقائد والقناعات القديمة التي تبقى تنتظر الفرصة المناسبة للتعبير عن نفسها بشكل مكثف أكثر من ذي قبل.
وليس أدلّ على ذلك من الواقع في تونس. فمنذ أواسط الثمانينات ونظام الحكم يشن الحملة تلو الحملة على المتحجّبات، ومع ذلك فإن عددهن لم يقل، بل أكدت التجربة أنه ما أن يتراجع القمع حتى تعود الظاهرة إلى البروز. و إذا كانت في وقت من الأوقات لا تستقطب سوى أتباع التيار الإسلامي، فإنها منذ وقت معيّن تجاوزت هذا المدى لتشمل العديد من الفتيات والنساء اللواتي لا علاقة لهن بهذا التيار. وهكذا أصبح لباس الخمار ظاهرة اجتماعية وثقافية.
ولابد من الإشارة إلى أن مقاومة السلطة للخمار لا تنطلق من نظرة تُدافع عن حرية النساء وحقوقهن ولكنها تكرّس صراعا مع خصم سياسي يهدّد هيمنتها على الحياة العامة والمجتمع، ناهيك أن بن علي لا يرفض الحجاب بشكل عام ولكنه يرفض شكله المرتبط بالتيار الإسلامي. ولم يتردد في أكثر من مناسبة إلى الدعوة إلى العودة إلى أشكال الحجاب الأخرى كـ "السفساري" و"البخنوق" الخ... هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السلطة لم تتوان عن منع مناقشة الظاهرة في الفضاءات العمومية وفي وسائل الإعلام بمشاركة الأحزاب والجمعيات والمنظمات المهنية والثقافية وخاصة منها المنظمات النسائية، والسبب في ذلك أن ما يهمّها أوّلا وقبل كل شيء هو مواصلة احتكار الحياة العامة وسدّ الباب أمام أي إمكانية للنقاش الحر.
إنّ مقارنة الدفاع عن الحجاب/الخمار كجزء من الحرية الذاتية بالدفاع عن العبودية أو "الانتحار" لتبرير منعه، هو من قبيل المقارنات الخرقاء. فلباس الخمار، طالما أنه اختيار شخصي، يمثل سلوكا فرديا، لا يحتمل الاعتداء على أي شخص آخر. في حين أن الاستعباد يمثل جريمة على حساب شخص آخر لما يُلحقه به من أذى مادي ومعنوي ويكرهه عليه من خضوع ويحرمه من التمتع بالحقوق، وفي حالة كهذه ينبغي أن يتدخل القانون لمنع الاستعباد منعا تاما، سواء كان ذلك في الفضاء الخاص أو في الفضاء العام. ولو كان لباس الخمار كالاستعباد، فلماذا يطالب أصحاب هذه المواقف بتحريمه في الفضاءات العمومية فحسب؟ هل يعقل أن تُحرَّم جريمة ما في فضاء معيّن وتباح في فضاء آخر؟ أليست الجريمة جريمة مهما كان المكان الذي تُرتكب فيه؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى الانتحار، فالتشجيع عليه جريمة مهما كان المكان، وهو جريمة لأن فيه ضررا لا رجعة فيه لشخص آخر. بينما الأمر يختلف بالنسبة إلى الخمار كما قلنا، فمتحجبة اليوم يمكن أن تكون سافرة الغد. و هو ما نلحظه في محيطنا، إذ أن العديد من الفتيات نزعن خُمُرهن بعد ارتدائها مدة معينة نتيجة تحوّل في قناعاتهن.
ومن نافل القول إن لباس الحجاب/الخمار يكفّ عن أن يكون حرية شخصية إذا كان ناجما عن إكراه، لأن الإكراه يمثل اعتداءً على تلك الحرية. وإذا كان للقانون أن يتدخل، في نظام ديمقراطي تُضمن فيه الحريات الفردية، ففي هذا المستوى، وذلك لمنع الإكراه وتجريمه ومعاقبة مرتكبيه صيانة للحرية الشخصية. وفي مناخ كهذا فقط، يمكن أن تتوفر للفتيات والنساء إمكانية اختيار لباسهن بحرية، وفقا لقناعاتهن الشخصية وهن يعرفن أنه بإمكانهن اللجوء إلى القانون إذا حاول طرف ما إرغامهن على ارتداء هذا اللباس أو ذاك.
أما على المستوى الفكري فالأمر يختلف. إن الديمقراطي، التقدمي، المتماسك فكرا وممارسة، الذي يتصدّى سياسيا لقمع المتحجّبات ويندد به ويدافع عن حريتهن الشخصية، طالما أنهن يعتبرن ارتداء الخمار قناعة أو "عقيدة"، إن هذا الديمقراطي من حقه، بل من واجبه أن يخوض معركة مبدئية وعميقة ضد هذا اللباس لإبراز المضامين الرجعية للمنظومة القيميّة و الاجتماعية التي يندرج ضمنها و التي تستنقص المرأة. وهذه المعركة ينبغي له أن يخوضها بأسلحة فكرية وفكرية فقط، بعيدا عن كل إرهاب إيديولوجي، لأن العلمانية، كما بيّنا، فضاء للمساعدة على الحوار/النقاش الحر والديمقراطي.
هل المنشور 108 من "صميم العلمانية والديمقراطية"؟
بودّنا هنا أن نتطرق إلى موضوع المنشور 108 الذي يمنع لباس الخمار في المؤسسة التعليمية والذي رأى فيه صاحب الكراس إجراء من صميم الديمقراطية بدعوى أنه يدافع عن العلمانية. وقبل الخوض في لبّ الموضوع لا بد من الإشارة إلى أن هذا المنشور لا يمكن أن يكون حتى في شكله من صميم الديمقراطية لأن الحياة العامة لا تـُنـَظـّمُ بمناشير صادرة عن هذا الوزير أو ذاك بل بقوانين صادرة بعد نقاش وغير منافية للدستور وتأتي المناشير بعد ذلك لتيسير التنفيذ ليس إلاّ. أمّا واقع الحال هنا فإنه يتعلق بمنشور متـّصل بوجه من أوجه الحياة العامة الذي يثير إشكالات جدّيّة تمَسّ مسألة الحرية الشخصية، وقد صدر دون أن يحظى بنقاش حتى داخل البرلمان الصوري التونسي. وهو ما يؤكد طابعه التعسفي والتسلطي حتى من الناحية الشكلية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فما معنى أن تكون المؤسسة التعليمية علمانية؟ و هل أن منع التلميذات من لباس الخمار هو أحد مظاهر تلك العلمانية؟ لا نعتقد ذلك، لأن التلاميذ مهما كانت قناعاتهم الفكرية والدينية من حقهم أن يؤمّوا المدرسة أو الجامعة وليسوا مطالبين بأن يكونوا علمانيين أو متدينين أو يساريين أو قوميين... والخمار، إذا كان ناجما عن قناعة أو عقيدة فمن حق التلميذة لباسه. وليس التلميذ(ة) والطالب(ة) مطالبا بأكثر من احترام الدرس وعدم التحريض على مدرِّسه أو ترهيب زملائه وزميلاته واستفزازهم والاعتداء على كرامتهم لأسباب عقائدية أو أتنية أو ثقافية.
إن المؤسسة التعليمية هي المطالبة، في نظام ديمقراطي، عصري، بأن تكون علمانية وهذه العلمانية تهم إطار التدريس الذي عليه أن يقوم بالدرس دون استفزاز لعقيدة أو عقائد تلاميذه، كما تهم البرامج الدراسية التي ينبغي أن تنبني على حرية البحث والمعرفة وعدم إخضاعها لأي قيد لأسباب عقدية، ولا ينبغي أن يفهم من ذلك عدم تدريس الأديان مثلا، فهذا المفهوم ليس علمانيا بالضرورة أو لا يمكن حصر العلمانية فيه، إذ أن تدريس الأديان دراسة تاريخية، موضوعية، هو من صميم العلمانية، وبإمكان هذا النوع من التدريس تنسيب الأمور ونشر ثقافة التسامح، بل الاحترام بين أصحاب الأديان والعقائد المختلفة، وحتى غير المؤمن لأسباب فلسفية، فلا تضيره دراسة الأديان بهذه الطريقة لأنها تندرج ضمن المعرفة. وأخيرا، فإن الفضاء المدرسي ينبغي أن يبقى فضاءً للعلم والمعرفة ولا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن يوظَّف لأغراض دينية تخل بوظيفته هذه.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن منع الفتاة من الذهاب إلى المدرسة بسبب ارتدائها الحجاب/الخمار لا يخدم مصلحتها ولا يساعدها على الإنعتاق في شيء، لأن هذا المنع سيعيدها إلى البيت لتعيش بين أربعة جدران حيث تكون عرضة لشتى الضغوط من أفراد العائلة، الذكور منهم خاصة. وفي المقابل فإن بقاءها بالمدرسة أو الجامعة يفسح لها المجال كي تنمّي قدراتها على التفكير والتمييز والنقد وهو ما يساعدها على تكوين شخصيتها وتصليبها ويخلق لديها القدرة على التمرد على أغلالها. هذا هو المناخ السليم الذي ينبغي توفيره للفتاة المتحجبة سواء عن قناعة شخصية أو مكرهة، كي تتفتق طاقاتها. أما أن تـُعتبر هذه الفتاة ضحية (للأب أو الأخ أو العم أو الخال أو..) وتـُعاقَب في نفس الوقت بالطرد من المدرسة أو الجامعة بدعوى مساعدتها على تحرير نفسها، فذلك ما لا يقبله عقل، بل ذلك ما لا علاقة له بالعلمانية التي هي رديف الحرية. (انظر حول هذه القضية السجال الذي دار في فرنسا بمناسبة ما سمي بـ"قضية الخمار" سنة 2003. ومن بين المنشورات المهمة في هذا الصدد كتاب: Le Foulard Islamique En Questions- مجموعة نصوص صادرة عن دار أمستردام للنشر – باريس 2004).
أزمة المؤسّسة التعليمية ليس سببها الخمار
وفوق ذلك كله، فهل أن المؤسسة التعليمية في تونس ليس لها من خطر تواجهه إلا لباس الخمار؟ لا بالطبع. إننا نعتقد أن الضجيج الذي أُقيم حول هذه المسألة وأن القمع الذي سُلط على المتحجّبات ليس سوى وسيلة لطمس المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها هذه المؤسسة (وتتخبط فيها البلاد بأكملها) و عجز نظام الحكم عن إيجاد الحلول لها بل إمعانه في مفاقمتها.
إن نظام بن علي خرّب المؤسسة التعليمية في بلادنا. فقد أخضعها بالكامل لمشاريع الدول والمؤسسات المالية الأجنبية التي فرضت خوصصتها وحولتها إلى خادم لمصالح الرأسمال المتقلبة، ونزعت عنها دورها الاستراتيجي في تطوير المعارف والعلوم والحفاظ على الهوية الوطنية وإثرائها والمساهمة في النهوض بالمجتمع والبلاد. كما أنه أفرغ البرامج الدراسية في كافة المستويات مما ينمي الروح النقدية لدى المتعلم وحرم التلميذ والطالب من حرية الرأي والتعبير وأخضع المؤسسات التعليمية للمراقبة المباشرة للبوليس السياسي وضرب الحريات الأكاديمية في العمق وحوّل الأساتذة والباحثين إلى مجرد ملقنين، ومنع البارزين منهم المتشبثين باستقلالهم من مواصلة التدريس والبحث بالجامعة حال بلوغهم سن التقاعد (60 سنة).
ألم يكن أحرى بأصحاب هذه المواقف أن يجعلوا هذه المسألة على رأس اهتماماتهم، لو كانوا حقّا غيورين على المؤسسة التعليمية وعلى دورها التنويري؟ أليس ما تتعرض له من سياسات بن علي هو أخطر بكثير من ارتداء جزء من التلميذات الخمار؟ وإلى ذلك فإن كانوا حقـّا غيورين على المكتسبات العلمانية للمجتمع التونسي، أليس أحرى بهم، عوض المطالبة بقانون جديد لقمع المحجّبات العاملات في الإدارات العمومية، التركيز على مقاومة الاستغلال الفاحش والفساد المستشري والاستبداد والنهب الامبريالي للبلاد والتصحّر الثقافي وما تُولّده كل هذه المظاهر من فقر وإملاق وتجهيل وشعور بالمهانة في صفوف الطبقات والفئات الفقيرة وهو ما يدفع بأقسام منها إلى البحث عن الخلاص في العودة إلى الماضي. أليس الخطر الحقيقي على المكاسب العلمانية يجد قاعدته في هذا الواقع المزري؟ أليس اللجوء إلى القمع في معالجة ظاهرة الحجاب (والظاهرة السلفية بشكل عام) وسيلة لطمس هذا الواقع ومسؤولية نظام الحكم فيه؟
إن المراهنة على النظام القائم للدفاع عن مكاسب المجتمع العلمانية وتطويرها وصيانتها هي مراهنة خاسرة مسبقا لأن الدكتاتورية تعرض المكاسب للتدمير والتلاشي وتجرد المجتمع من وسائل الدفاع عن نفسه. وليس أدل على ذلك من توظيف نظام بن علي للدين لتشريع استبداده و تشجيعه الزوايا والكتاتيب وبعث "فرق الدعوة والتبليغ" المرتبطة مباشرة بوزارة الداخلية وإطلاق العنان للشعوذة والمشعوذين وإنشاء إذاعة "الزيتونة" لإظهار العائلة الحاكمة بمظهر الراعية للدين وتغطية ضلوع أفرادها في الفساد الاقتصادي والمالي. كل ذلك في الوقت الذي يُحاصَر فيه أصحاب الرأي الحر والمثقفون والمبدعون الجادون الذين يرفضون بيع ذمتهم.
إن مطالبة اليساريين والتقدميين بمساندة بن علي في منع الخمار وقمع المتحجّبات بدعوى الحفاظ على المكتسبات العلمانية إنما هو محاولة لتحويل اليسار إلى مجرد ذيل للدكتاتورية ومسوغ لقمعها وعسفها. وهو ما يعرض مستقبل العلمانية ذاتها للمخاطر في بلادنا. إن العلمانية كمنظومة ليست قائمة في تونس، بل إن ما هو موجود لا يعدو أن يكون علمانية مشوهة و أن الادعاء بأنها موجودة وأن المطلوب "استكمالها" يجعل منها أي العلمانية رديفا للقمع والاستبداد. إن العلمانية بمعناها الصحيح، أي بوصفها رديفا للحرية ما تزال مشروعا للتحقيق في بلادنا، لأن العلمانية لا يمكن أن تترعرع إلا في مجتمع ديمقراطي، حيث تكون هي إحدى ركائز هذه الحرية وتلك الديمقراطية.
إن الاستقواء بالقمع الإداري والبوليسي والتوهم بأن ذلك كفيل بتعديل ميزان قوى سياسي راجح راهنا لصالح القوى السلفية في العالم العربي والإسلامي، بدل التعاطي الفكري مع المسألة وخوض الصراع في صفوف النخب والجماهير بنفس طويل ورؤية واسعة الأفق من أجل إحداث النقلة الحقيقية في الأذهان وفي ميزان القوى، إن ذلك تعبير صارخ عن ضيق أفق البورجوازي الصغير وقلة صبره أمام الصعوبات.
ومهما يكن من أمر علينا أن ندرك أنه ما من جواب علماني في مجتمعنا على الأطروحات السلفية والظلامية خارج النضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحرر من التبعية وهي كلها محاور تؤدي بالضرورة إلى النضال ضد الدكتاتورية القائمة. وكما أكدنا أكثر من مرة، فإن سدّ الباب أمام الاستبداد باسم الدين يقتضي إعطاء المثال اليوم في مقاومة الاستبداد النوفمبري لا التواطؤ معه أو مجاملته.
الاشتراكية والحرية الدينية
إن الذين يَعْرِفون التراث الاشتراكي يدركون أن مَن وضعوه وطوّروه لم يدافعوا، خلافا لما تدعيه بعض الأطراف "اليسارية"، عن الأساليب الإدارية القمعية في التعامل مع القضايا العقائدية. فـ كارل ماركس وفريدريك أنجلس مؤسّسا الاشتراكية العلمية ناهضا بشدة التطرف اللاديني أو الإلحادي لما فيه من ضرر بقضية العمال والكادحين.
إن ماركس الذي دعا الاشتراكيين إلى النضال من أجل تحرير العمال من الأوهام الدينية التي تستغلها البورجوازية لتحملهم على قبول واقعهم المزري والتخلي عن السعادة في دنياهم في انتظار "سعادة الآخرة" التي يُقال لهم إنها ستعوّض لهم بؤسهم الدنيوي، دافع بحزم عن حرية الضمير مؤكدا أنه "ينبغي أن يكون في وسع كل امرئ أن يُلـَبـّيَ حاجاته الدينية والجسدية (الطقوس– من عندنا) على السّواء دون أن يحشر البوليس أنفه في الموضوع" (كارل ماركس- نقد برنامج غوته). و هذا هو معنى أن يكون الدين "قضيّة خاصة بالنسبة إلى الدولة"، لا تتدخل فيه و لا تفرض شكلا من أشكال العقائد أو القناعات على مواطنيها.
أما أنجلس الذي كتب الكثير حول الدين وحول الحركات الدينية عبر التاريخ، فإنه سَخـَرَ أيّما سخرية وهو بصدد الرد على الفوضوية والفوضويين الذين يمثلون الترجمة المكثفة للنفسية البرجوازية الصغيرة التي تخفي عجزها بالبريق الراديكالي، سخر من أولئك الذين يزعمون أنهم قادرون على إلغاء الدين من حياة الناس وفرض الإلحاد بمجرد قرار فوقي، مبينا أنه بإمكان المرء أن يُسطـّر ما يريد على الورق دون أن يجد ذلك طريقه إلى التنفيذ، وأن القرارات التعسّفية هي أحسن وسيلة لتقوية القناعات الغيبية. وفي نفس الإطار انتقد أنجلس بشدة قوانين بيسمارك التي سنـّها في إطار ما سُمّي "النضال الثقافي" للتضييق على الحزب الكاثوليكي الألماني بواسطة القمع البوليسي للكاثوليكية والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ بل عُلّقت ثم أُلغيت لطابعها الفوقي التعسّفي، علما وأنها لم تفعل شيئا سوى توطيد الإكليريكيّة الكاثوليكية وإنزال الضرر بقضية الثقافة الفعلية أي الثقافة التقدّميّة التي ترتقي بوعي الشعب (أنجلس، نصوص حول الدين. ص 142 – المنشورات الاجتماعية، فرنسا 1972).
لقد اعتبر أنجلس هذا التمشـّي الإداري خطيرا لأنه "يبرز إلى السّطح الانقسامات الدّينيّة بدلا من الانقسامات السّياسيّة و يصرف انتباه فئات من الطبقة العاملة وعناصر ديمقراطية أخرى بعيدا عن المهامّ الجوهريّة للصراع الطبقي والثوري نحو عداء الإكليريكيّة السطحي جدّا و الكاذب بشكل بورجوازيّ جدّا" (لينين، نصوص حول الموقف من الدّين، ص 100-101، دار الطليعة، بيروت،1978). وبناء على هذا الموقف المادّي الجدلي، ناضل أنجلس كما ناضل الاشتراكيون-الديمقراطيون الألمان في أواخر القرن التاسع عشر من أجل إلغاء كلّ التدابير الزجريّة البوليسيّة ضدّ أيّ دين من الأديان في نفس الوقت الذي كانوا يشرحون فيه للعمّال الجذور التاريخيّة و الاجتماعيّة لهذه الأديان و ينبّهونهم إلى دور الكنيسة في محاولة إخضاعهم للاستغلال و إلهائهم عن النضال ضدّه.
وكان أوغـست بيبل الزعيم الاشتراكي الألماني سَخـَرَ من التطرف اللاديني ونفى أن تكون له صلة بالاشتراكية العلمية واصفا النزعة المتطرفة في معاداة الأكليروس (anti-cléricalisme) بأنها "اشتراكية البورجوازية الصغيرة" باعتبارها تعزل الدين عن قاعدته الاجتماعية وتحاربه بصورة تبشيريّة تجريدية موضحا أن الخطاب المتطرف ضد الدين لا يعني بالضرورة أنه الخطاب القادر على تخليص الجماهير الكادحة من الأوهام الدينية، بل إنه خطاب بورجوازي راديكالي يترجم عن فكرة سطحيّة تزعم أنّ الفكر و الثقافة يفعلان فعلهما بواسطة نفسيهما و ليس من خلال الصراع الطبقي الملموس.
وقد انتقد لينين في كتاباته السياسية انتقادا لاذعا دور الكنيسة في مساندة الاستبداد القيصري وبث الأوهام الدينية الرجعية في صفوف العمال والفلاحين حتى يقبلوا بواقعهم المزري ويتخلوا عن النضال من أجل تغييره كي يكدّس الملاكون العقاريون وأصحاب المصانع الثروات على حسابهم و دعا إلى مقاومة تلك الأوهام، ولكنه كان في الآن نفسه حازما بخصوص الأسلوب الذي ينبغي اتـّباعه في هذه المقاومة: لا حربَ سياسيّة على الدّين بل حربًا على الاستغلال الرأسمالي الذي تكمن فيه الجذور الاجتماعيّة للأوهام الدّينيّة، ولا قمعَ بوليسيًّا للأديان و القناعات بل الحريّة لها جميعًا، ولا صراعَ مع العقائد المختلفة إلا بالأسلحة الفكريّة المحظة، ولا تقسيمَ للعمّال و الشعوب على أساس العقيدة بل توحيدها ضدّ الاستغلال و الاضطهاد. و لم يتردّد لينين في الدّعوة إلى قبول العمّال المتديّنين في صفوف الحزب طالما أنهم يتبنـّون برنامجه السياسي و يدافعون عنه مشدّدا على عدم توجيه أي إساءة إلى قناعاتهم الدّينيّة. لقد كان الهمّ الأوّل للينين توحيد نضال العمّال ضدّ الاستغلال الرأسمالي باعتباره العامل الذي من شأنه أن يرتقي بوعيهم و يحرّرهم من تأثيرات الكنيسة الرجعيّة. (لينين، نصوص حول الموقف من الدين، دار الطليعة بيروت، الطبعة الثانية 1978).
إن هؤلاء المفكرين الاشتراكيين العظام لم يكن برنامجهم السياسي "محاربة الدين" و"نشر الإلحاد"، بل إن هدفهم لم يكن خوض معركة مجردة ومقطوعة عن الواقع ضد الدين. إن ذلك مناف لنظرتهم أصلا، التي تركز أولا وقبل كل شيء على تغيير الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للعمال والكادحين، لخلق الشروط الإنسانية لحياة لا يحتاج فيها الفقير والضعيف لأوهام دينية كي يهرب من واقعه المزري.
عودة إلى "إعلان هيئة 18 أكتوبر"
وهكذا فإن ما جاء في "الإعلان" بصدد الحجاب/الخمار سليم كما أكدنا سلفا، فلا يمكن لأي يساري، ديمقراطي، تقدمي، أن لا يندد بالقمع الذي يسلطه النظام القائم على المتحجّبات وأن لا يطالب بإلغاء المنشور عدد 108 وأن لا يواجه في نفس الوقت الدعوات السلفية الاستبدادية التي تريد إكراه الفتيات والنساء على لباس الخمار، بدعوى أنه "فريضة دينية" وأن التي لا تقوم بذلك "آثمة" ومخلة بدينها وبـ"الطهر" و"الفضيلة". وبالطبع ما كان بالإمكان، أن يصدر أكثر من هذا في بيان سياسي مشترك بين أطراف متعددة المشارب الفكرية والسياسية، ومن بينها طرف إسلامي، بل إنه ما كان بالإمكان إقرار أكثر من ضرورة عدم "حشر البوليس أنفه" اليوم و غدًا في ضمائر الناس. وهذا في حد ذاته خطوة إيجابية وهامة. ويبقى لكل طرف بطبيعة الحال حق الدفاع عن موقفه في كل جوانبه وأبعاده الأخرى و بالتالي حقنا كاشتراكيّين في نشر أفكارنا الفلسفيّة و السّياسيّة و مقارعتها بأفكار الآخرين بمختلف مشاربهم.
وقد تعدّدت كما هو معلوم ردود فعل "الإسلاميين" على "إعلان 8 مارس" ولم يتردّد بعضهم بمن فيهم عناصر من "حركة النهضة" ذاتها، في اتهام السّيّدين علي العريض وزياد الدولاتلي، القياديين النهضويين المعروفين، اللذين ساهما في بلورة "الإعلان" بـ"الانحراف عن تعاليم الدّين الإسلامي". ولكن هذين الأخيرين لم يتراجعا، أمام حملات الانتقاد والتشهير، وتمسكا، كما تمسكت قيادة حركتهما، بـ"الإعلان" بل إن العريض، لم يتردد في حوار صحفي، نشر على شبكة الانترنيت، في تأكيد أن الإسلام لم يحدد زيّا معينا للمسلمين والمسلمات وأن الرسول والصحابة رجالا ونساء "كانوا يلبسون لباس قومهم وعصرهم"، مضيفا "أن اللباس شأن شخصي تدخل في تحديده عند كل شخص قيمه وعاداته وسنه وذوقه وأغلب هذه العناصر متغيرة في الزمان والمكان بل وحتى متقلبة". ويرى العريض "أن اللباس يفترض فيه مراعاة الآداب العامة والأمن العام وفيما عدا هذين الاعتبارين فكل مواطن حر في لباسه سواء لبسه اعتقادا أو وراثة أو مجاراة". (موقع نواة – 7 أفريل 2007).
إن مزية هذا الموقف أنه يعيد مسألة الخمار إلى نصابها التاريخي، ويخرجها من بوتقة "المقدس" ليسمح بنقاشها داخل التاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي وليس خارجه. ولم يتردّد الدّولاتلي من ناحيته، في حوارات عمومية، من تأكيد أن اللباس بشكل عام يندرج في إطار الحرية أي في إطار الاجتماعي/الثقافي، لا في إطار المقدس. وهذه المواقف جد هامة وهي تمثل خطوة نحو إرساء حوار جدي ومسؤول، بعيدا عن التوتر أو بالأحرى التوتير العقائدي بين مختلف مكونات الساحة الفكرية والسياسية في بلادنا.
وبطبيعة الحال لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا الموقف ليس الموقف السائد حاليا في صلب الحركة الإسلامية التونسية بما في ذلك داخل "حركة النهضة"، إذ توجد عناصر وتيارات ترفض اعتبار الحجاب/الخمار لباسا وتتمسك بأنه "فريضة". وهي لا تثير مسألة "الحرية" إلا بصورة انتهازية أحادية الجانب، أي عندما تكون لصالحها وتحديدا عندما يتعلق الأمر بارتكاب نظام الحكم اعتداءات على حساب المتحجّبات، في هذه الحالة، وفي هذه الحالة فقط ترفع عقيرتها بالصياح لإدانة انتهاك "حرية المتحجّبات" وتطالب الأحزاب والجمعيات باتخاذ مواقف تتهجم على الذين لا يدينون ممارسات النظام التعسفية، ولكننا لا نسمع لها صوتا يدافع عن حرية النساء اللواتي يرفضن ارتداء الخمار. كما أننا لا نسمع لها صوتا يُدين الإكراه الذي تتعرض له النساء في بلدان مثل إيران والسعودية، حيث يرتبط لباس الحجاب/الخمار بمنظومة قمعية كاملة تبدأ بتشريع تعدد الزوجات وتزويج القاصرات (9 سنوات في إيران) وتصل إلى فرض الحجاب عليهن ومعاقبة من ترفض لباسه.
ونحن ندرك أن تلك العناصر والتيارات وإن كانت اليوم عاجزة عن فرض الحجاب/الخمار على النساء بالقوة الغاشمة، لافتقارها القوة المادية فإنها لن تتردد في القيام بذلك يوم تمتلك هذه القوة علما وأنها لا تتورع اليوم عن استعمال الإرهاب الفكري من تكفير وتعهير وتهديد بسوء المصير لحمل النساء على ارتداء الخمار. وبالتالي فإن السيناريو الذي يتحدث عنه البعض من أن هؤلاء يريدون اليوم تمرير الحجاب/الخمار تحت غطاء الحرية لفرضه غدا بالقوة تحت غطاء الشريعة هو سيناريو حقيقي ووارد. ولكن هذا لا ينبغي أن يكون ذريعة، بالنسبة إلى أي ديمقراطي، تقدمي متماسك، وبالأحرى إلى أي يساري، جدير بهذه الصفة، للتخلي عن مواقفه المبدئية وغض الطرف عن القمع الذي تمارسه السلطة على الحجاب بدعوى أن التصدي له سيستفيد منه "الإسلاميون" على حساب حرية النساء وحقوقهن. إن نقد الحجاب/الخمار من الناحية الفكرية ينبغي أن يقترن بنقد الأساليب التعسفية للسلطة ورفضها، وبهذه الصورة يرسم الديمقراطي، التقدمي طريقه المستقل للنهوض بواقع النساء خاصة والمجتمع عامة. إن إرساء حياة ديمقراطية تتوفر فيها حرية الصراع الفكري يبقى الضامن الوحيد للسير بالمجتمع التونسي نحو الأفضل. وفي ما عدا ذلك من مواقف، سواء اتكأت على الدكتاتورية بدعوى مواجهة الخطر السلفي أو هادنت الحركات السلفية بدعوى مواجهة الدكتاتورية، فهو إن لم يُطِلْ حياة الدكتاتورية الحالية، يفتح الباب لدكتاتورية جديدة.
وخلاصة القول إن معارضة الحجاب/الخمار ينبغي أن تكون جزءا من بديل ديمقراطي تقدمي وطني شامل، يهدف إلى وضع حدّ للاستبداد في بلادنا، ويسدّ الباب أمام أي استبداد آخر مهما كان لونه، ويفتح آفاقا للشعب التونسي بأسره وللنساء خصوصا ويخلصهن من كافة أشكال الاستلاب الفكري والاقتصادي والسياسي ويجعل منهم سيّدات مصيرهن وأجسادهن وذواتهن المعنوية، ومن المؤكد أنه يوم يتحقق كل هذا للنساء التونسيات فإنهن سيتخلّيْن طواعية عن الخمار، ولكن أيضا عن كل أشكال اللباس التي تشيّؤهنّ، وستنظرن إلى ذلك على أنه مجرد ذكريات تنتمي إلى عصور "الوحشية". وفي انتظار ذلك وطالما أن الاستبداد ولاَزِماته من استغلال وفساد وتبعية، ما يزال قائما فإن مكتسبات المجتمع العلمانية ستظل هشة وقابلة للتراجع في أي لحظة.
إنّ حزب العمّال لا يتوجّه في دعايته و نشاطه العملي إلى صنف معيّن من النساء بل إلى كافـّة بنات الشعب التونسي اللواتي يتعرّضن للتمييز و الاستغلال والاضطهاد بهدف توحيدهنّ ضدّ عدوّهنّ المشترك و تخليصهنّ من براثنه، وهو لا يميّز بين سافرة أو متحجّبة لإيمانه العميق بأنّ محاولات تقسيم النساء على أساس عقائديّ يديم استعبادهنّ ولا يخدم سوى مصلحة الاستبداد ويلهيهنّ عن النضال ضدّه.
حمّه الهمّامي، صائفة 2007

هوامش

[1] إن الكرّاس الذي أصدره الحزب الاشتراكي اليساري بإمضاء السيد محمد الكيلاني، بعنوان "مع السفور ضد الحجاب"، هو النص الأكثر اكتمالا في التعبير عن موقف هؤلاء "العلمانيين". وقد صدر هذا الكراس في ديسمبر 2006 بمناسبة الحملة على المتحجّبات، للرد على موقف حزب العمال وغيره من الأحزاب والجمعيات والشخصيات التي نددت بهذه الحملة. وقد اعتمدت المواقف الواردة في الكراس للردّ لاحقا على "الإعلان". لذلك سنعتمد في ردنا هذا على هذا الكراس.

موقف القرآن من اللباس - الحجاب ليس فريضة إسلامية

موقف القرآن من اللباس - الحجاب ليس فريضة إسلامية



موقف القرآن من اللباس - الحجاب ليس فريضة إسلامية 

مدخل:

ارتداء الحجاب أو النقاب لا يُعد من قبل الملتزمات به أمراً تقره الحرية الشخصية - لو كان الأمر كذلك لقلَّت الإشكاليات والنزاع بين طرفي القضية, المناهضين للحجاب والمدافعين عنه – لكنه, من وجهة نظر المؤمنين, أمر تفرضه الشريعة الدينية فعدم ارتدائه يُعتبر معصية وإثم كبير يكون مصيره النار وارتدائه يعتبر طاعة لله وجلبا للحسنات.
هذه محاولة أخرى, تحاول إثبات أن الحجاب ليس فريضة إسلامية وفقا للنصوص الدينية التي تسمح بهذه الرؤية. هذه هي الوسيلة المتاحة الوحيدة لإقناع أنصار الحجاب بأنه غير مفروض شرعا وحتى لو اتفقنا مع هؤلاء أن الحجاب منصوص على وجوبه في الشريعة فعدم ارتداءه يدخل في باب اللمم أو الصغائر ولا تكون عقوبته النار كما يُعتقد.

منهج معاودة الطرح أو التكرار :

لم يولي القرآن مسألة اللباس اهتماما كبيرا, ونحن نعرف أن تكرار مفردة ما في القرآن ومعاودة طرحها على مسامع الناس إنما يكون من باب أهميتها. فكلمة اللباس ذُكرت في القرآن عشر مرات وفي ثمان آيات, منها مرة واحدة فقط لتعني اللباس أو الثياب الساترة للسوءات. كما أن المفردات الأخرى التي تعني أو تشير إلى ما يستر أجزاء محددة من البدن مثل الخمار أو الجلباب, وردت في سياق أحكام خاصة وظرفية ومقيدة بأسباب. وقبل الخوض في بيان موقف القرآن من اللباس لابد من الإشارة إلى منهج القرآن المتبع في بناء الأحكام .

منهج القرآن التشريعي :

للقرآن منهجان في تشريع الأحكام , منهج عام غير مقيد أو مرتبط بشرط أو بسبب , ومنهج خاص مقيد بظرف أو بسبب. وتكاد تكون هذه قاعدة متبعة في جميع الأحكام القليلة الواردة في القرآن, فلكل مسألة حكمها العام والخاص وهناك مسائل لها أحكام عامة دون أحكام خاصة. فمثلا مسألة "العقيدة أو التدين " حكمها العام { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } الكافرون6 و{ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } الكهف 29 وغيرها من الآيات التي تتيح حرية التدين والعقيدة كحكم عام . أما الحكم الخاص {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } البقرة , و {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } الأنفال39 . فهو حكم خاص مرتبط بمشركي مكة وبوجود سبب - فتنة تهدد سلامة الدين والدولة في طور النشوء . أما الآية {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19 فأتت في سياق الحديث عن التوحيد وليس في سياق المفاضلة بين الأديان.

وهناك مسائل لها حكم خاص مثل شرب الخمر دون حكم عام. لكن مجموع الأحكام الخاصة التي نزلت في شرب الخمر يمكن أن تشكل حكما عاما. ولا صحة للقول بنسخ الحكم الأخير للأحكام السابقة , لأن القول بالنسخ إلغاء للمنهج المتدرج المتبع في إصدار الأحكام .فهذه الآية خطوة أخرى وليست أخيرة للحد من إدمان الخمور وليست حكما قاطعا فيه. وعليه فآيات الخمر هي أحكام جزئية يمكن أن تشكل أحكاما خاصة لعلاج مسائل مشابهة لها في الحالة . وهي في نفس الوقت حكم عام يمكن قياسها على أي وضع مشابه للحد من إدمان الخمور . (انظر موضوعي الآخر عن موقف القرآن من الخمر)

ما يلاحظ أن المشرع المجتهد رجح كفة الحكم الخاص ليكون حكما عاما في كثير من المسائل وألغى منهج الحكم العام , مخالفا بذلك القاعدة التي يتبعها القرآن . وهكذا هو الحال فيما يتعلق بموقف القرآن من اللباس, فله فيه حكم عام وأحكام خاصة . 

حكم القرآن العام في اللباس - الآية المنهج أو المرجع :

القرآن في معظمه تأكيد لقيمة الجوهر والمضمون وما يمثله من قيم وسلوكيات حميدة ومن ضمنها هذه الآية والتي أتت فيها كلمة لباس لمرة وحيدة لتعني الثياب الساترة للعورات :
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف26
هذه الآية غفل عنها معظم – إن لم يكن كل – الذين ناقشوا وتنازعوا على مسألة لباس المرأة المسلمة . كعادتهم في النظر إلى الحكم الخاص وإهمالهم للحكم العام . مع أن الأولى النظر إلى الحكم العام, فهو القاعدة والمنهج الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند إصدار الأحكام .

آية الأعراف هي الفصل والمنهج كونها تتحدث عن اللباس كحكم عام من جهة. ومن جهة تحدد لنا منهج قرآني, يؤكد على المضمون والجوهر لا على الشكل والمظهر. والآية تخاطب بني آدم رجالا ونساء ذكورا وإناثا على حد سواء دون النظر إلى الدين أو المعتقد , وتتحدث عن نوعين من الثياب. النوع الأول لباس مادي ملموس ومحسوس وهو اللباس الذي يواري العورات - وليس كامل البدن - بمقتضى مدلول الآية, فلو كان يريد كامل البدن لقال " يواري أجسامكم أو أبدانكم". والنوع الثاني من اللباس لباس معنوي وروحي وهو " لباس التقوى " والأهم من ذلك, أن هذا النوع أهم بكثير من النوع الأول. فلماذا جعل المشرع المجتهد النوع الأول من اللباس أهم من الثاني خلافا لمضمون الآية؟! ولماذا جعلوا كامل الجسد عورة في حين تؤكد الآية على سوءات محددة, مخالفين بذلك مضمون الآية ؟!!

معنى الآية باختصار أن تقوى الجوهر أهم من تقوى المظهر. سيرد معترض أن تأكيد أهمية لباس التقوى لا يلغي أهمية النوع الأول من اللباس وهو اللباس المادي الساتر للعورات . و اعتراضه في محله فلا أحد يقول بالسير في الشوارع بدون ملابس. لكن ما هي العورات أو السوءات التي تتحدث عنها الآية والتي علينا سترها؟!

السوءة مشتقة من السوء وهي ما يسوء المرء . وما يسوء المرء في أمكنة وأزمنة مختلفة أمر تحدده الظروف والعادات والتقاليد والثقافات. إذن هي مسألة مختلف عليها. فلا وجوب للإلزام إذن . فطالما لم تحدد الآية ما يسوء المرء إظهاره من بدنه للآخرين فهي متروكة للأفراد أو المجتمعات المختلفة لتبت فيها وتجتهد في تحديد أماكن السوء أو العورات . فمسألة اللباس وتحديد مناطق العورة هي أمور متروكة للناس ولم يحدده النص. وما لم يحدده النص أو النقل يصبح مسألة من اختصاص العقل وقابلة للاجتهاد والاتفاق ومنافية للإلزام. والعورات أمور تعارف الناس عليها وهي على نحو رئيس القُبل والدبر للرجال والنساء, أُضيف إلى ذلك ثديي المرأة. وبما أن العادة والثقافة الذكورية طاغية على الدين, فقد أصبح كل بدن المرأة عورة عند المذاهب المتطرفة وتركوا منه الوجه والكفين والقدمين عند المذاهب الأخرى " الوسطية " .

الأحكام الخاصة :

بقية الآيات القليلة الأخرى لها سياقات ومناسبات وأسباب نزول خاصة. أي أنها مرتبطة بظرف ,والقاعدة أن النص المرتبط بظرف أو بسبب , حكمه مقيد ويختلف عن الحكم العام الغير مشروط . وحكم آية الأعراف عام غير مرتبط أو مقيد بظرف . كما أن الآيات الأخرى (الخمار والجلابيب ). تؤكد على هذا الحكم العام قبل الانتقال إلى الحكم الخاص فتجدها تبدأ (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) تؤكد على الجوهر - غض البصر وحفظ الفرج - قبل الحديث عن المظهر . أي أن المظهر (الحجاب) غير مطلوب لذاته وإنما القصد و الغاية هو حفظ الفرج, أي عدم الوقوع في معصية الزنا. وهذه الغاية لا تتطلب حجابا أو نقابا. فكلنا يعرف أن هذا الحجاب – حجاب المظهر – لا يحول دون وقوعها, إنما الحائل أو المانع الحق هو حجاب الجوهر – لباس التقوى . 

آية الخمار أو النقاب :

لم ترد كلمة النقاب ولا مرة واحدة في القرآن, في حين وردت كلمة الخمار مرة واحدة منسوبة إلى المؤمنات من النساء: 

(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) النور 31

الخطاب لعموم المؤمنات ومسبوقا بـ " قل ". والأوامر أو الطلبات المسبوقة بكلمة " قل " تضفي على الأمر صفة الظرفية وعدم التأكيد, فكأن الكلمة " قل " لفظ صوتي مباشر من النبي مرتبط بالحالة أو الظرف المصاحب له, خلافا للأوامر التي لا يسبقها " قل ". من جهة أخرى وهو الأهم أن الآية اتبعت نفس المنهجية التي تؤكد على الجوهر لا على الشكل والمظهر. فقد ابتدأت الآية بغض البصر وحفظ الفرج.
إبداء الزينة إلا ما ظهر منها مسألة فيها اجتهاد, فما هي حدود ظهور الزينة ؟ إنه أمر تحدده ظروف الزمان والمكان المختلفة والمتقلبة . ولا إلزام فيه. والأهم, مسألة ضرب الخُمر على الجيوب. 

يقول المستشار محمد سعيد العشماوي "ما ورد في الآية من جملة { وليضربن بخمرهن على جيوبهن..} لا يعني فرض الخمار أصلاً وشرعًا لكنه يرمى إلى التعديل في عادة كانت قائمة وقت التنزيل بوضع الخمار ضمن المقانع وإلقائه على الظهر بحيث يبدو الصدر ظاهرًا ومن ثم كان القصد هو تعديل العادة ليوضع الخمار على الجيوب وكانت الجيوب في ذلك الزمان وبعضها في هذا الزمان توضع على الصدور, كما هي العادة حاليًا . ولو أن الآية قصدت فرض الخمار لكان لها في ذلك تعبير آخر مثل: وليضعن الخُمر ( جمع الخمار ) على رؤوسهن, أو ما في هذا المعنى أو هذا التعبير. " وسبب نزول هذه الآية أن النساء كن في زمان النبي يغطين رؤوسهن بالأخمرة, ويسدلنها من وراء الظهر, فيبقى النحر ( أعلى الصدر ) والعنق لا ستر لهما, فأمرت الآية بإسدال المؤمنات للخمار على الجيوب, فتضرب الواحدة منهن بخمارها على جيبها ( أعلى الجلباب ) لستر صدرها. (العشماوي - حقيقة الحجاب وحجية الحديث)

آية الجلابيب :
وقد وردت هذه الكلمة مرة واحدة في القرآن:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59
وسبب النزول :" نزلت الآية لتضع فارقًا وتمييزًا بين " الحرائر" من المؤمنات وبين الإماء وغير العفيفات بإدناء المؤمنات لجلابيبهن, حتى يُعرفن فلا يؤذين بالقول من فاجر يتتبع النساء دون أن يستطيع التمييز بين الحرة والجارية أو غير العفيفة. " ( العشماوي - حقيقة الحجاب )

" ويقول القرطبي: « لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله (ص) أن يأمرهن بارتداء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكُنف، فيقع الفرق بينهن وبين الإماء... وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي (ص)، فنزلت الآية ». (نبيل فياض – أم المؤمنين تأكل أبناءها )

"ويخبرنا ابن كثير في تفسيره: «وكان ناس من فسّاق أهل المدينة يخرجون بالليل، حين يختلط الظلام، إلى طرق المدينة، فيعرضون للنساء. وكانت مساكن أهل المدينة ضيّقة، فإذا كان الليل، خرج النساء إلى الطرق يبتغين حاجتهن. فكان أولئك الفسّاق يبتغون ذلك منهن. فإذا رأوا المرأة عليها جلباب، قالوا: هذه حرّة! فكفّوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب؛ قالوا: هذه أمة! فوثبوا عليها». ويزداد الأمر سوءاً حين تعلمنا إحدى الروايات، أنه «كان نساء النبي (ص) يخرجن بالليل لحاجتهن؛ وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل ذلك للمنافقين، فقالوا: إنّما نفعله بالإماء! فنزلت هذه الآية» - آية الحجاب (أحزاب 59). ويؤكد ذلك الطبري، حين يقول: « يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يتعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى » . وهكذا، لمّا «كانت الحرّة تخرج فتحسب أنّها أمة فتؤذى... أمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمّر وجهها إلا إحدى عينيها». " (نبيل فياض – أم المؤمنين تأكل أبناءها )

للآية سبب وهو معالجة هذه المشكلة الظرفية. وهي مشكلة ظرفية لأنها مرتبطة أو مقيدة بسبب أو شرط وهو " الإيذاء " والحكم مرتبط ببقاء السبب وجودا أو عدما فإن بقى السبب بقي الحكم وإن انعدم ارتفع الحكم . ولا حاجة للإطناب في أن حال المرأة وحال المجتمعات قد تغير. صحيح أن المرأة مازالت تؤذى ويُتحرش بها, لكن تغطية المرأة بالجلباب هروب من المشكلة وليس حلا, لأنه يعاقب المرأة ولا يعاقب من يتحرش بها أولا ! وثانيا أن هذا أن الحكم يميز بين النساء, حرائر وإماء وجواري, مؤمنات وغير مؤمنات, وهو ما لم يعد قائما اليوم. كما أن التمييز في حد ذاته يعتبر عنصرية وهذا الحكم يثير إشكالية مضافة إلى إشكالية الحجاب عند المذاهب الإسلامية. فالحجاب، في مذاهب المسلمين الخمسة " ينطبق فقط على المرأة المسلمة «الحرّة»: على كلّ مسلمة «حرّة» أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين. وتتشدّد بعض المذاهب في اعتبار أنه حتى الوجه والكفين «عورة» يفضّل تغطيتهم. بالمقابل، فإن حجاب المسلمة «الأمة»، هو بين السرّة والركبة. بل إنّ بعض المذاهب تجعل عورتها محصورة في فتحتي القبل والدبر. وتزداد المسألة تعقيداً، إذا ما عرفنا أن بعض المذاهب - راجع ابن عابدين في حاشيته، مثلاً - تفرض الحجاب على الشاب المسلم الجميل. فكيف يمكن حلّ تناقضات الحجاب هذه؟ " (نبيل فياض – أم المؤمنين تأكل أبناءها)

فحوى القول أن آية الأحزاب 59 وآية النور 31, هي الآيات التي يستدل بها الأطراف المتنازعة على مسألة الزي الشرعي للمرأة المسلمة, في إهمال تام للحكم العام . فالتيار المتطرف فهم من هاتين الآيتين وجوب تغطية كامل جسد المرأة. والتيار " الوسطي " فهم منهما - إلى جانب اعتماده على لباس المرأة المسلمة أثناء الصلاة والحج – إباحة ظهور الوجه والكفين والقدمين. وهناك رأي ثالث- للمستشار محمد سعيد العشماوي - يرى أن للمرأة أن تكشف شعرها فليس هو بالعورة. ويستند في ذلك لنفس الآيات, مع استناده إلى تاريخ سيرة النساء على عهد النبي فيقول في ذلك :

" والخلاصة أن شعر المرأة ليس عورة أبدًا, والذي يقول بغير ذلك يفرض من عنده ما لم يفرضه الدين, ويلزم الناس ما لا ينبغي أن تلتزموا به. ويغير ويبدل من أحكام الدين لجهل شخصي أو مصلحة سياسية أو أهداف نفطية. " (حقيقة الحجاب )

ولأن اللباس والثياب مسألة تتحكم فيها العادات والتقاليد والأعراف فلذلك لم يوليها القرآن اهتماما كبيرا على اعتبار أنها مسألة خاضعة لهذه الظروف. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن لباس البدن مسألة ثانوية قياسا على لباس الروح أو الأخلاق أو التقوى. فالذي يجعل من المرء متقيا ليس مظهره الخارجي, لون أو نوع ملبسه, وإنما صفاته الخلقية وسلوكياته. هذا ما تؤكد عليه الآيات. إضافة على تأكيدها على أنها مسألة خاضعة لقرار الناس وتراضيهم واتفاقهم في كل زمان ومكان. لذلك لم يجعل منها القرآن مسألة ملزمة. وعليه فمسألة اللباس تخضع لرأي الناس واتفاقهم القابل للأخذ والرد وليس لحكم الشرع المقدس. فما قد يتفقون عليه اليوم أو أمس قد يختلفون عليه غدا . وما قد يتفق عليه في مكان قد يختلف عليه في مكان آخر. إنما مكارم الأخلاق التي تبنتها البشرية قد جعلت للحشمة قسطا وافرا من الاهتمام وإن رأى مجتمع ما أو أمة أن تتوسع في تعريف هذه الحشمة فهذا لا يجعل منها أمة ناقصة أو غير أخلاقية أو ناقصة روحيا, لأن الثياب والحشمة على مستوى المظهر ليست معيارا للحكم على الجوهر. يصدق هذا على الفرد كما يصدق على المجتمع. وكم من نساء مستترات الأبدان لم تمنعهن الملابس من اقتراف "الرذائل". والعكس. وأعتقد أن في هذا ما يكفي ليكون جوابا على السؤال المطروح في الموضوع.

على هامش الحجاب :

كلمة الحجاب في القرآن :
أولا : حجاب مادي ملموس:

(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) الأعراف 46 
"وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له الأعراف" التفسير الميسر
ولا علاقة لهذا الحجاب بالذي ترتديه كثير من المسلمات اليوم.

{فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }مريم17
"فجعلت – مريم - مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس, فأرسلنا إليها الملَك جبريل, فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق."

(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ) الأحزاب 53
" وإذا سألتم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر."
والحجاب هنا ساتر يفصل نساء النبي عن بقية الرجال أو الصحابة , وهو حكم خاص بنساء النبي.

ثانيا : حجاب معنوي:

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } الإسراء45
"وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلاء المشركون، جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا ساترًا يحجب عقولهم عن فَهْمِ القرآن؛ عقابًا لهم على كفرهم وإنكارهم." التفسير الميسر . 
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } فصلت5
" قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه, وفي آذاننا صمم فلا نسمع, ومن بيننا وبينك- يا محمد- ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك, فاعمل على وَفْق دينك, كما أننا عاملون على وَفْق ديننا." الميسر . 

(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ) الشورى 51
" وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه الله إلا وحيًا يوحيه الله إليه، أو يكلمه من وراء حجاب "

في كل الآيات السابقة التي وردت فيها كلمة حجاب, لا توجد كلمة واحدة منها تعني ما تعارف عليه الناس أو المسلمون اليوم من أنه اللباس الذي يحجب جسد المرأة أو النقاب الذي يغطي وجهها. وحتى كلمة الحجاب في آية الأحزاب هو حجاب يفصل بين نساء النبي وبقية الصحابة من الرجال وليس ثوبا يوضع عليهن . كما وأن الحكم خاص بنساء النبي كون الخطاب موجه لهن فهن المعنيات الوحيدات به . وإن احتج معترض من ضرورة اقتداء المؤمنات بنساء النبي فله ذلك . أي أنه لا يمنع أن يُقتدى بهن, لكن ذلك لن يجعل منه حكما عاما ملزما لبقية النساء المؤمنات. فالاقتداء لا يترتب عليه إصدار حكم عام على عموم النساء كما لا يترتب عليه أفضلية أو تمايز هؤلاء عن أولئك .

رياض حمَّادي

عدنان المنصر عندما كان يكتب على بورقيبة و البورقيبية


من "الشخصية التونسية" إلى "الهوية التونسية"، إلى "الأمة التونسية": محمد مزالي والبشير بن سلامة‏

(بقلم عدنان المنصر)

من "الشخصية التونسية" إلى "الهوية التونسية"، إلى "الأمة التونسية": محمد مزالي والبشير بن سلامة‏


اكتفى بورقيبة في هذا المجال بوضع المبادئ العامة للثقافة الجديدة المراد ترسيخها لدى الأجيال الشابة والتي سيعتبر أنها ضمانة لاستمرار مشروع الدولة الوطنية في المستقبل، في حين قامت أطراف أخرى، جمع بينها وحدة التكوين وانسجام الرؤى والحماس الفياض للمشروع البورقيبي، بصياغة هذه الثقافة الجديدة وإعطاء إيديولوجيا الدولة الوطنية بعدا أعمق عن طريق تأصيلها في الثقافة الوطنية من جهة، وعن طريق إعادة صياغة هذه الثقافة الوطنية لتصبح متماشية مع البرامج السياسية بعيدة المدى للنخبة الوطنية. ويؤكد ذلك في الحقيقة حركية هذه النخبة المثقفة الجديدة وبراغماتيتها في الوقت نفسه. فإضافة إلى اقتناعها الكامل بالمشروع الذي شرع في تطبيقه منذ استقلال البلاد، كانت هذه النخبة، التي نشأت في الصادقية وعايشت أهم مفاصل مسيرة التحرر الوطني واطلعت بحكم دراساتها العليا على ما كان يعتمل داخل الثقافة الأوروبية عموما والفرنسية منها بالخصوص غداة الحرب، صاحبة مشروع جنيني عبرت عنه منذ الأعداد الأولى من الفكر، وهو مشروع "التونسة" أو صيرورة "تأصيل الكيان" الوطني. وهكذا أصبحت مجموعة الفكر، وبصفة خاصة قطباها محمد مزالي والبشير بن سلامة، المجموعة التي سيعهد إليها بصياغة الثقافة الجديدة.
لقد كان الأمر يتعلق بإنشاء أجيال جديدة تؤمن بالعقيدة الوطنية مما جعل للمدرسة وللنظام التربوي الدور الأساسي في هذه الصيرورة وهو ما عبر عنه أحد أكبر المتحمسين لفكرة "التونسة" وهو محمد مزالي عندما كتب أن هذه الأخيرة "تقتضي أن يهدف الهيكل الجديد لنظامنا التربوي إلى تجسيم كل مقومات الأمة وغرس العقيدة الوطنية في نفس الشباب بحيث يؤمنون بأنهم ينتمون إلى وطن له خصائصه الحضارية وله تاريخه وأمانيه فيعتزون بالانتساب إليه ويندمجون فيه ويستعذبون البذل والتضحية من أجل نصرته ومناعته وهذا لن يكون ما لم يتم الاتفاق بين أهل الحل والعقد ورجال الفكر على محتوى هذه التونسة، وما لم يتيسر ضبط مقومات الأمة التونسية ومعرفة خصائصها، وما لم يشيد سلم القيم الروحية والأخلاقية الذي به يكيف الشباب أعمالهم ومنه يستوحون سلوكهم واتجاهاتهم".
لقد عني "بالتونسة" التأكيد على محتوى العقيدة الجمعية الجديدة المراد ترسيخها لدى التونسيين، وهو ما سيسمى في مرحلة موالية "بالشخصية التونسية" قبل أن تتحول إلى "الهوية التونسية" ثم إلى "الأمة التونسية". ويتنزل هذا المجهود النظري الذي اضطلعت به النخبة المثقفة الجديدة في إطار ما أسماه محمد مزالي "إعطاء الوحدة القومية مضمونا عقائديا وفلسفيا" والتعمق في استجلاء هذه الخصائص ثم تركيزها في كل البرامج التربوية والثقافية واعتمادها في سياسة تكوين الشباب وتوجيهه، واستيحائها عند ضبط وسائل الإعلام وطرائق التوجيه.والوحدة القومية تقتضي من التونسيين، في نظر محمد مزالي، "الإيمان بأننا أمة قبل كل شيء، ومعرفة مقوماتنا ثم العمل على تغذية هذه المقومات وجعل الأجيال الصاعدة تتعرف إليها وتتغذى منها وتعتز بها ثم تعمل بدورها على إشاعتها وتنميتها وتبليغ الأمانة إلى الأجيال التي تأتي بعدها". من هذا المنطلق يفند محمد مزالي الادعاء بمرحلية الوحدة القومية، كونها مجرد موقف ظرفي ينحصر في "وحدة الصف" في مرحلة الكفاح من أجل التحرر، بل يعطيها مضمونا حضاريا وثقافيا يعتمد على شعور التونسيين أنهم يكونون أمة "لها خصائصها ولها حاضرها ولها مستقبلها وتقتضي إيمانا بوجوب الحفاظ على جملة المقومات القارة التي تجمع بينها وصونها من التلاشي والضياع".
إن أهمية اجتهادات كل من محمد مزالي وبصفة خاصة البشير بن سلامة تكمن في تناولها مسألة ذات صبغة إشكالية واضحة، فقد حاول كل منهما تأكيد مقولة "نحن أمة" التي قامت عليها فلسفة التحرر الوطني، مؤكدين على وجود جملة من الخصائص تجعل من التونسيين أمة بالفعل. وهنا يقعان بفعل تأكيدهما على أن الدولة لا تعدو كونها خاصية من خصائص الأمة أو أحد انتاجاتها في أفضل الحالات، للوهلة الأولى، في تعارض واضح مع نظرية بورقيبة والقائمة على فكرة انعدام شيء اسمه الأمة التونسية وأن إيجادها هي مهمة الدولة الوطنية ومبرر وجودها. غير أنه من الضروري الإشارة إلى أن الاختلاف بين الموقفين ليس أمرا خاصا بالساحة التونسية . نجد النخبة المثقفة التي ينتمي إليها مزالي وبن سلامة أكثر إلحاحا على عملية التراكم التاريخي التي جعلت التونسيين أمة تسعى لتحقيق تحررها وبناء كيانها السياسي المتمثل في الدولة الوطنية.

يؤكد محمد مزالي أن "لهذه البلاد تاريخا وتاريخا مجيدا، وأن شعبنا ظل صامدا حيا رغم تعاقب الغزاة وشراسة الطامعين، لم يذب قط في الغير بل هضم ما استساغته روحه الحضارية وأخذ عن الأقوام ما تصادى مع أخص خصائص عبقريتهن وتصدى للغاصبين فردهم على أعقابهم وكثيرا ما لعب دورا إيجابيا فأخذ وأعطى واستوحى وأوحى.." وقد أدت تجربة التونسيين في العيش مع بعضهم وتوالي المحن والغزاة إلى تبلور تلك "الإرادة المشتركة في الحياة الجماعية، وهي الإرادة التي تتكون بها الأمم". وقد لاحظ مزالي من خلال استقرائه لتاريخ الشعب التونسي أن هناك خصائص كبرى تجمع بين أفراده وتجعلهم يكونون أمة بالمعنى الكامل وهذه الخصائص لخصها في ما أسماه بالقاعدة الروحية ذات المنبع الشرقي، وجدلية العلاقة مع حضارات وشعوب البحر المتوسط التي تجسمت عبر القرون تارة في الاحتكاك السلمي وطورا في التصادم الحربي "مما أورث فينا النظرة الواقعية". من هنا استنتج مزالي أن تونس "ليست مجرد فرع من أصل، إنها وطن متميز، له كيانه المعروف وحيزه الجغرافي المضبوط وإن دينها الإسلام معتقدا وحضارة وتراثا، سلوكا ونظام حياة ونظرة إلى الوجود، وإن لغتها العربية... الركن الركين للشخصية الوطنية والعنصر المتين للذاتية القومية".
ورغم أن ملامح وصفات هذا الانتماء الحضاري تبدو أمرا بديهيا إلا أن طبيعة السجال الإيديولوجي والسياسي الذي عرفته تونس بين دعاة التشريق ودعاة التغريب قد جعلت مهمة منظري الذاتية التونسية صعبة نوعا ما. وإذا ما كان من اليسير نسبيا على هؤلاء مجابهة دعاة التغريب فإن مواجهة الخصوم الآخرين لم يكن بمثل ذلك اليسر، من هنا فإن التمسك بالثقافة العربية وبالدين الإسلامي كمكونين أساسيين في تلك الشخصية التونسية كان يرمي أولا إلى رد تهم الفئات التقليدية والأطراف القومية -التي شكلت هذه الفترة وخاصة قبل هزيمة جوان 1967 عهدها الذهبي- بسعي الدولة الوطنية في تونس إلى الخروج عن دائرة الانتماء الحضاري العربي الإسلامي. لذلك نجد محمد مزالي يواصل في ذات السياق التأكيد على أن "الأمة التونسية عربية إسلامية منذ الفتح الإسلامي، تغلغلت فيها الروح الدينية وصهرت شعبها وطبعته بطابعها حتى أصبح الدين الإسلامي من أخص خصائصها وأمتن مقوماتها، لا يمكن أن تتنكر له أو تزور عنه دون أن تفقد ذاتها وتمسخ شخصيتها". غير أن الاعتزاز بهذا الانتماء لا يجب أن يخفي في نظر النخبة التونسية المثقفة طبيعة المعركة التي أصبح على الأمة خوضها، وهي معركة التحرر الاقتصادي والاجتماعي، وسعيها إلى "تجديد مفاهيم الحرية والعدالة والسعادة بما ينسجم ومثلها العليا في الحياة وما يمليه عليها ضميره الحي". من هذا المنطلق فإن الدين الإسلامي الذي "وقى الأمة في الماضي شر التشتت ودرأ عنها خطر الاندماج رغم السياسة الاستعمارية ومكائدها وزود مجاهديها بالطاقة على الكفاح والإيمان بالنصر، يمكن، بل يجب، أن يكون محركا للعزائم وحافزا على العمل، والقوة على العمل، والثقة "بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ويؤكد البشير بن سلامة على نفس المبدأ في التعامل مع الانتماء العربي الإسلامي لما يسميه الأمة التونسية وإن كان أكثر إسهابا. فهو يرى أن تأكيده على وجود ما أسماه الشخصية التونسية هو تأكيد لوجود أمة تونسية دون أن يعني ذلك مطلقا أي استنقاص من أهمية انتساب هذه الأمة إلى الأمة العربية اعتقادا منه " أنه لا تزدهر هذه الأمة الكبيرة التي ننادي بإقامتها والتي أصبحت الأمل الذي يجب أن يتحقق إلا بقيام الأمم العربية أي أن تصبح هذه الشعوب المتأرجحة في ثنائية يائسة أمما بأتم معنى الكلمة تنصهر في نهر الأمة العربية الكبير وإلا فإنها ستبقى أجزاء مبعثرة يوحدها الأمل ويفرقها الواقع".

انطلاقا من هنا سعى البشير بن سلامة لإثبات فرضية وجود "الأمة التونسية" فلاحظ أن علماء الاجتماع والفلاسفة قد اتفقوا على أنه "لا يمكن لشعب يصبح أمة إلا إذا أظهر بصفة مستمرة حية، إرادة جماعية للعيش عيشة مشتركة وإذا عرف كيف يكون لنفسه الهياكل اللازمة لوجوده كأمة قائمة الذات وكذلك إذا هو أمكن له أن تكون له نوع من الثقافة ونوع من القدرة على أن يحكم نفسه بنفسه ويدير شؤونه".
والبشير بن سلامة هنا لا يخرج عن الإطار الذي تشكلت فيه الرؤية النظرية للحركة الوطنية التونسية بوصفها عملية إحياء للثقافة وللأمة وبكونها رفضا للذوبان في الثقافة الفرنسية الغازية وبرهانا على استمرارية الكيان الوطني. فنجد أن على البلهوان، وهو أول الوطنيين الذين تناولوا هذه الإشكالية بكثير من الاهتمام، نجده ينتصر للفكرة التي تجعل من الدولة مجرد مظهر من مظاهر الأمة، ذلك أن الأنظمة تتغير وتزول وتتوالى العائلات الحاكمة ويندثر بعضها "غير أن الحكم السياسي للأمة لا ينمحي بسبب تلك التغييرات بل يبقى مستمرا دائما" .ولا يعني ذلك أي استنقاص من أولوية دور الدولة في فكر البشير بن سلامة، بل إنه على العكس من ذلك تماما يجعلها تتويجا لمسيرة دامت قرونا وقرونا وينيط بها مهمة تحويل بعض الخصائص الحضارية السلبية إلى خصائص أخرى ايجابية.

مقتطف من كتاب "دولة بورقيبة، فصول في الإيديولوجيا والممارسة"، عدنان المنصر، 2007.

Publié par à  

jeudi 20 février 2014

الحجاب

الحجاب
الحجاب بالمعنى الذي يقدمه لنا المتسترين بالدين ليس فريضة اسلامية بل بدعة من
 بدعهم الكثيرة :"قال تبارك وتعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } و المعنى واضح كوضوح الشمس إذ يعني من وراء الستارة فليس الاسلام والاخلاق بقطعة قماش تغطي شعر المراة بل بالقلب والسلوك والعمل الصالح لقول رسولنا الكريم محمد (ص) : ان الله لا ينظر الى صوركم ولا اجسامكم بل الى قلوبكم واعمالكم
الحجاب ليس فرضاً في الإسلام وذلك للأسباب التالية:
– لأن الله تعالى لم يأمر النساء في القرآن بالحجاب بشكل صريح ومباشر كما أمرنا بالصلاة والصيام والحج والزكاة… ولو كان الحجاب فرضاً لوردت آية تأمر نساء المسلمين بأن يغطين شعورهن وتحدد لهن عورة المرأة بشكل مباشر لا لبس فيه  فالآية الكريمة 
   * سورة النور أية: 31

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا

 ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ

 آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ

 أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ

 الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ

 مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). التي يتم تفسيرها على أنها فرضت الحجاب على المسلمات ليس فيها ذكر لا للشعر ولا للرأس فضلاً عن الوجه؟
فهذا النص القرآني الوحيد في تشريع حدود لباس المرأة وبيان أحكام ظهور زينتها بالنسبة للرجال
والمدقق في النص لا يجد ذكر كلمة الرأس أو الشعر مستخدمة ، مما يؤكد ابتداءً انتفاء الدلالة القطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر ، وإن عملية الاجتهاد في مسألة إخراج حكم وجوب تغطية الرأس أو الشعر من النص المذكور إنما هي نتيجة ظنية
 الجيب معروف أنه الصدر أو النحر وهذا أمر من الله تعالى أن تستر المرأة صدرها وأعلى جيدها وليس أمراً بالحجاب لا يامر المراة بتغطية راسها او شعرها لان شعر المراة ليس عورة 
-أما الآية: ”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)” فالأمر هنا بإطالة اللباس (الجلباب) وفق ما تراه المرأة مناسباً لها وعرفاً عاماً مجتمعها فالله تعالى أمر بالتطويل دون تحديد إلى أين يكون (القدم – الساق – الركبة…)

 الآية السابقة إن كانت قد فرضت شيئاً من الغطاء والتغطية فذلك لعلة وضحها قوله تعالى: “ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين“ أي للتفريق بين الحرائر والإماء وبما أننا في عصر لا إماء فيه فقد زالت علة الفرض…

 إننا في عصر تطورت فيه الحياة ووسائل الاتصال والحجاب يمنع المرأة من القيام بدورها الفاعل في الحياة ويجعل الرجل يشعر عندما يراها أنها تعامله مسبقاً باتهام أنه ليس إلا ذئباً بشرياً سيثيره منظرها دون حجاب وبهذا تتضعضع أركان المجتمع وتتعطل قدرته الإنتاجية…. لذا فنحن أحوج ما نكون لخلع الحجاب والانطلاق بحرية فما كان مناسباً لنساء القرن السادس الميلادي ليس بالضرورة أن يكون مناسباً لنساء القرن الحادي والعشرين…. والأحكام تتغير بتغير الأزمان
أن الذين فرضوه ارتكبوا أكبر فضيحة في التاريخ
 ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضيح عورة المرأة وما شابه ليس حجة على الإطلاق لأنه لم يأت في القرآن ما يؤيده أو يعززه مع أن القرآن أنزله الله تعالى كتاباً مفصلاً قال تعالى: ” أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً.…. 114″ ولكنه لم يذكر عن عورة المرأة شيئاً، والله تعالى في القرآن يأمرنا ألا نأخذ بحديث غير ما جاء في القرآن فهو القائل: “أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ 185 
اما الحديث عن ما يزعمونه الشيوخ الجهلاء (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري فيها إلا هذا ) وأشار إلي وجهه وكفيه . حديثان مصنفان كحديثي آحاد ليسا بحجة ولا يستند إليهما بالتشريع ، ناهيك عن وجود تناقض بينهما وتناقض الحديث يطعن بصحة نسبته اساساً، هذا لو افترضنا ابتداء أن الحديث حجة فحتى الاصوليون لا يعتدون بالأحاديث الآحاد كمصدر للتشريع.بمعنى أنه لا يجوز جعل حديث آحاد مصدرا لحكم شرعي ، فما بالنا بفريضة؟! من أخطر الأمور أن نخلط بين العادات والتقاليد وبين ما يأمرنا الله به في كتبه الكريمة لأن الإدعاء بأن أي عادة من العادات هي من عند الله هو إدعاء كاذب يماثل الشرك بالله والكذب في حقه جل جلاله, تعالي عن كل إدعاء كاذب.
( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) (يونس:17) وعندما تصبح العادات والتقاليد أهم عند الناس من قوانين الله سبحانه وتعالي في القرآن يصبح الدين فاسدا ويفشلوا وتذهب ريحهم ويختفي النصر الذي وعده الله عباده ويحل محله الهزيمة والخسران.
الخلاصة :الحجاب ليس فريضة وشعر المراة ليس عورة والحجاب القرآني حكم خاص بنساء النبي الكريم اللواتي ينطبق عليهم بموجب الشرع ما لا ينطبق على غيرهن من النساء ولم يقترن أبدا لفظ (فرض أو كتب) أو احد مشتقاتها بأي زي أو هيئة لنتكلم عنها كفريضة ، كما أن الفريضة الاسلامية لا تخص جنس بعينه وهي على الذكر كما على الانثى ولا تخص طبقة اجتماعية دون اخرى فهي على الحر كما هي على العبد. لا يجوز بحال انتحال علة لحكم ثابت العلة بموجب النص . أي إن كان المصدر التشريعي الأساس وهو القرآن هنا قد بين العلة في مورد النص فلا يجوز الاجتهاد لتحديد علة بديلة ، وهذا الذي يفعله انصار الحجاب اليوم من الزعم ان العلة منع الفتنة هو من قبيل هذا ، فالعلة محددة بالنص وهي التميز بين أحرار النساء وإمائهم ولا يجوز الخروج والتوسع باستصدار علل أخرى للهروب من حقيقة بطلان الحكم بزوال علته فالقاعدة الشرعية تقول أن الاحكام تدور مع علللها ثبوتا ونفياً وإلا صار التزام الحكم بزوال علته لزوما لما لا يلزم وهذا ضرب من ضروب العبث. القران كتاب قيم عظيم كريم لا ترى فيه من تفاوت ولا يدخله الباطل من بين يديه أو من خلفه.( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (فصلت:42)يحذر الله عباده المخلصين من الوقوع في الشرك باتباع مصادر للدين غير القرآن الكريم وخاصة ما يصدر من بعض العلماء والذي يخالف ما في القرآن ويضرب الله لنا مثلا باليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله .( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) (يونس:59) ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التحريم:1) هذه الآية تؤكد لنا أن أي تحريم أو تحليل لا يتفق مع القرآن إنما يمثل كذبا وافتراء على الله ورسوله ويجب أن يرفض من أي مؤمن بالله سبحانه وتعالي.المؤمن الحقيقي يعرف معرفة اليقين أن ما يذكره الله في القرآن هو مقصود وأن ما يتركه الله ولا يذكره هو مقصود أيضا فالله جل جلاله لا ينسى ولا يتناسى 
أما الإسلام المذهبي فكلٌّ حرٌّ في دينه والإسلام لله يتسامح مع جميع الأديان بشرط عدم التعدي على الغير أو المجتمع أو البيئة
الدين فرض الإحتشام وهذا واضح في آيات القرآن ولم يفرض غطاء للرأس ولم يذكر الشعر نهائياً 
إتقوا الله في النساء ودعوهم وشأنهم من أرادت أن تلبس حجاب أو نقاب أو غيرهما فهي حرة لا دخل لمعشر الرجال في ذلك 
أرفض المبدأ بالأساس بمعنى أن لا تكره على لبسه ولا تكره لنزعه فهو ليس مقياس للتدين ومدى قوة الإيمان والتقوى ولا مقياس للأخلاق وما نراه حولنا يكفي لا داعي للشرح ، علمنا ودرسنا منذ طفولتنا إلى أن كبرنا بأن الفروض خمس وهي > 1- شهادة أن لا إله إلا الله 2-إقامة الصلاة 3-إيتاء الزكاة 4-صوم رمضان 5- حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا 
إذن ليس من الفروض الخمسة ولا من أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها
رسالة الى الحركات الاسلامية المتطرفة والاخوان المسلمين والوهابية والسلفية اقول لهم  ((كفاكم يا متأسلمين يا من تلعبون على وتر الدين في السياسة تضليلاً وخداعاً ودجلاً في أساسيات الدين على حساب حريات الآخرين وحياتهم الشخصية ولا تربطوا أهواءكم بالفروض لإيهام الناس بفرضها وإن كنتم حقاً صادقين كان الأجدر بكم بأن تقولوا بأن غض النظر فرض وواجب على كل مسلم ومسلمة فهذه أخلاقيات الإسلام فديننا أعمق من كونه مجرد دين ظاهري ، فهو يدعو للحرية بالفكر والمعتقد وكل ما يخص حياة الفرد ما لم يؤذي الآخرين بالتعدي على حقوقهم والعدل والمساواة بين البشر بإختلاف جنسهم وعرقهم ودينهم ومذهبهم لا نريد تطرفاً لقد سئمنا منكم أيها الإرهابيون نحن بحاجة للسلام والتسامح والإخاء في الإنسانية وأنتم كل ما عملتموه هو غسل أدمغة أبنائنا وحشوها بالأفكار المتطرف)
اللهم اني بلغت اللهم اشهد والله على ما اقول شهيد
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين . والله المستعان
ومع تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار , وسلوك سبلهم خاصة في مجال المرأة , فإن أغلب المسلمين خالفوا هذا التحذير , وتحققت نبؤة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سَنَنَ مَن كان قبلكم شبرًا بشبر , وذراعًا بذراع , حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لتبعتموهم "
الحجاب ينتشر بين الإسرائيليات
- لم يعد ارتداء الحجاب في إسرائيل يقتصر على المتدينات اليهوديات ولا على الإثيوبيات واليمنيات كبيرات السن ، فمؤخراً انتشر الحجاب وبشكل واسع في معظم التجمعات اليهودية كظاهرة جديدة لم تشهدها إسرائيل منذ قيامها
- وفي كتاب " المرأة اليهودية في الأدب الحاخامى " للحاخام اليهودي .د. براير جاء
"كانت عاده المرأة اليهودية أن تظهر في العلن برأسها مغطاة وكانت أحيانا تغطى الوجه كله تاركه عينا واحدة فقط (وهو المعروف في الإسلام بالنقاب؛ ألا يكون هذا دليلا ليس على تشريع الحجاب بل النقاب أيضا
) 
- وقد أورد عن عدة حاخامات مشهورين قولهم : " ليس لبنت من بنات إسرائيل أن تمشى برأسها مكشوفة… ولعن الرجل الذي يجعل شعر زوجته يرى …والمرأة التي تكشف شعرها للتزين تجلب الفقر"
- يذكر أن الشريعة اليهودية تجيز للرجل تطليق زوجته إذا لم تلتزم بارتداء غطاء الرأس أمام الغرباء ، وقد أشار الحبر اليهودي موسى بن ميمون إلى أن ذهاب المرأة اليهودية للسوق وشعرها مكشوف يخرجها من ديانتها اليهودية
- ويتضح من ذلك أن العامل الديني هو من يقف وراء هذه الظاهرة الآخذة بالانتشار في إسرائيل ؛ فقد أكدن أنهن يهدفن للحصول على رضا الله الذي يقر ذلك لهن
والملفت أن تلك النسوة لم يكتفين بارتداء الحجاب وحسب ؛ بل ارتدين الزي الطويل والذي يشبه إلى حد قريب الزي العربي، وقد ذكرن بالتقارير التي أجريت معهن أنهن تعرضن للمشاكسة والتحرش من قبل الشبان الصهاينة لكثرة الشبه بينهن وبين النساء العربيات من فلسطينيات 48

فحتى تسيبي ليفني ترتدي الحجاب
 

- كانت "صحيفة يديعوت أحرنوت" نشرت تقريرا يسخر من "الغطاء الأبيض الذي وضعته تسيبي ليفني عندما التقت الحاخام عوباديا يوسف الشهر الماضي ( فبراير) اثناء حملتها الانتخابية "، مشيرة إلى "أنه يشبه نوعا من الستائر التي تعود للخمسينات". ودعت ليفني "للالتزام بالزي المعروف والمحدد الذي يرتديه المجتمع اليهودي الأرثوزكسي المتدين في إسرائيل"، في إشارة إلى الحجاب اليهودي المعروف وليس أية قطعة قماشية.
 
حتى تسيبي ليفني ترتدي الحجاب
 
وأضافت الصحيفة أن على "هؤلاء العلمانيين القيام بواجبات تعليمية ودراسة نوع الألبسة التي يجب عليهم وضعها قبل الذهاب إلى لقاء المتدينين".
 
وكانت صحيفة "جيروسالم بوست" قالت: إن الشرطة الإسرائيلية شرعت بفتح تحقيق حول قيام متطرفين بطلاء صور ليفني الانتخابية في القدس المحتلة، معتقدة أن متطرفي طائفة "حريدية" الأرثوذكسية المتطرفة قاموا بذلك لأنهم يعارضون نشر صور النساء في الأماكن العامة.
:ختاما
الحجاب ليس فرضا من الله لأنه وجد قبل الأديان السماوية و تبنته الأديان جمعاء كما اختلفوا على شكله و أوقات إرتدائه في المجتمعات بما فيها المجتمعات الإسلامية و اليهودية و المسيحية و هذا يؤكد عدم فرضيته لان الفروض ليس بها اجتهادات شخصية في تفسيرها 
الحجاب ليس من الدين في شيء، وإنما اتخذه المتسترون بالدين في جميع المجتمعات عنوانا على انتماء سياسي وهذا اعتداء على الدين والسياسة معا و بهذا اللباس انتفى المقصد الشرعي وحلت محله النزعة المذهبية الطائفية المهددة لتوازن المجتمع ووحدته .. و ليس هناك أي حديث أو آية تتحدث عن كيفية عقاب من لم ترتد الحجاب ، فيجب إعتباره لباسا عاديا يدخل في باب حرية اللباس و إلغاء صفة القدسية عليه لكي لا نقع في المحضور و نفرق بين نساء البلد الواحد و نخلق الفتن .. فالحجاب لا يجب أن يبقى ظاهرة   سياسية تهدف لتغييب نصف المجتمع
 

الأمن يوقف الارهابيين والقضاء يسرّحهم... ما الحكاية؟

عيّنة من المظنون فيهم تم اطلاق سراحهم

ـ خليفة قراوي: عرف بتهريب الاسلحة وهو من بين مجموعة سليمان.
ـ عبد الله بن عزيزة: مكلف بجمع المعلومات حول السياسيين والاعلاميين ورصد تحركاتهم 
ـ عادل الكافي : احد عناصر تنظيم انصار الشريعة شارك في الدعم والتموين للعناصر الفارة 
ـ وائل عمامي : قيادي في انصار الشريعة المحظور ومن بين المنتفعين بالعفو التشريعي العام متورط في احداث سليمان وتم اطلاق سراحه في احداث سيدي علي بن عون 
ـ علي الحرزي : متهم بتفجير القنصلية الامريكية في بن غازي تم اطلاق سراحه ثم تبين انه متورط في قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي

تونس «تتجرع» كأس دعم الإرهاب في سوريا

نصر الله يؤكد :تونس «تتجرع» كأس دعم الإرهاب في سوريا
الشروق:بيروت ـ وكالات- 
قال أمين عام حزب الله حسن نصر الله في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى السنوية للقادة الشهداء إنّ أغلب البلدان التي مَوّلَت وسهّلت وشجّعت وأوصَلت المقاتلين الأجانب إلى سوريا بدأت اليوم تعبّر عن خوفها ورعبها من المخاطر الأمنية التي يشكلها هؤلاء المقاتلين إذا انتهت الحرب وعادوا.
وأضاف نصر الله أنّ عددا من الدول أصدرت قوانين تحظر على أبنائها السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال مثل تونس، فالذين عادوا إلى تونس أذاقوا الشعب التونسي والمجتمع بعضا مما يذوقه الآن السوريّون من عمليات قتل وإرهاب.
وتساءل نصر الله «لماذا يحق لكل دول العالم والسعودية وتونس وغيرها أن تقلق من وجود شبابها في هذه الجماعات المسلحة في سوريا ولا يحق لنا كلبنانيين رغم أنّ مصيرنا مرتبط بما يجري في سوريا، لماذا لا يحق لنا اتخاذ إجراءات وحرب استباقية ؟ 
وأضاف أن الجهاديين التونسيين دمويون وخطيرون والقيادة التونسية اتخذت القرار الصائب بعدم دعم المسلحين وبالسعي إلى الحيلولة دون عودتهم إلى تونس.