Tunisiens Libres

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

dimanche 26 janvier 2014

حركة النهضة حركة فاشية

                         

حركة النهضة حركة فاشية

  

حركة النهضة حركة فاشية في خدمة الرأسمال الفاسد و الرجعية العربية و الإمبريالية
واستمدّت طبيعتها من التربة التي تربت فيها (أحضان التجمع شق الصياح)و من مصدر المال المغدق عليها(أموال خليجية و من التنظيم الدولي للإخوان و من كبار رؤوس الأموال موغلة في الرجعية و أصحاب المال الفاسد) و من الأهداف التي تعمل لها (إقامة نظام استبدادي تيوقراطي في خدمة الإمبريالية و الرجعية الخليجية و الرأس االمال المرتبط بهم و المال الفاسد المحليين)و يمكن ان نقسم تاريخهم في تونس الى ثلاث مراحل او محطات اساسية: المرحلة الاولى من أواسط الستينات بعد أن أعطى بورقيبة الجنسية التونسية لمسؤول العلاقات العامة للإخوان المسلمين المصرية يوسف الندى الى 1981 ، وبدأ نشاطهم في أحضان التجمع الدستوري في " جمعية االمحافظة على القرآن الكريم" و بمباركته و مدّه يد المساعدة لهم كطبع مجلتهم في مطبعة الحزب الحاكم على أن يقوموا بمحاربة اليسار الماركسي و البعثيين و القوميين و خاصة الناصريين منهم و هذا ما تم فعله فقد كانوا ضد تحركات الطلبة و العمال و ندّدوا بها و كفّروا شعاراتها و خوّنوا قياداتها و قاموا بمحاضرات و ندوات في الجيش و المعاهد الثانوية يذمون و يتقولون فيها عن الفكر القومي و الماركسي و المرحلة الثانية مرحلة العمل السياسي المباشر لمّا اشتدّ عودهم و بدأ الصراع مفتوح لخلافة بورقيبة و لسد الباب أمام تأثير اليسار على الحركة العمالية و الطالبية و أمام تنامي الإحتجاجات الشعبية أعلنوا عن تأسيس حزبهم وافتتح الاتجاه الاسلامي هذه المرحلة بالاحتفال الضخم بتوديع القرن الرابع عشر للهجرة ( في ذكرى الهجرة ) في صورة استعراض هائل للقوة ، نظمته في الجامعة والمعاهد العليا وفي المساجد ، احتفال تم تنظيمه تحت شعار " القرن الخامس عشر للهجرة امل الشعوب المستضعفة في الثورة الاسلامية " . لقد مثلت سنوات 79 و 80 و 81 السنوات الخصبة للنشاط السياسي للاتجاه الاسلامي . ففي تلك الفترة ، طغت المسائل السياسية على الاعداد الاخيرة لمجلة " المعرفة " التي كانت الى ذلك الحين منبرا دعويا ، كما تم اصدار جريدتي " الحبيب " و " المجتمع " وهما اسبوعيتان سياسيتان . من جهة اخرى فان الخطب والدروس المسجدية التي اصبح يحضرها المئات من الانصار والوافدين الجدد ، صار خطابها موجها ضد السلطة ، وضد الحكم ، و مساندة الثورة الايرانية التي أعطتها زخما ملحوظا ، هذا زيادة على اعمال التمرد على المناسك الرسمية ، والتقاليد المرعية للنظام ، مثل اتباع الرؤيا في صوم رمضان ، ومحاولات اغلاق المطاعم والمقاهي المفتوحة في شهر رمضان ، والتصدي لتنصيب أئمة رسميين في المساجد . هذه المرحلة التي توّجتها المحاكمات الواسعة التي شملت قيادتهم وإطاراتهم في صيف 1983 . والمرحلة الثالثة التحالف مع حكومة مزالي ثم الزين ثم سرعان ما تقوم المواجهة بينهم
و السؤال ما هي منطلقاتهم و غاياتهم؟
نؤكد على إنّ هذه الحركة هي حركة فاشية مثلها مثل الأحزاب الفاشية الغربية و هي صنيعة أمريكا و دول الخليج و اسرائيل خارجيا و في خدمة جزء من أصحاب الثروات الكبيرة المرتبطة مصالحهم بالدوائر الخليجية و الغربية و المغرقين في الرجعية و أصحاب المال المتأتي من المال الفاسد محليا و هذا ما يفسر الحجم المرتفع للتمويلات التي يحظون بها أما هدفها فهو قبر تطلعات الشعب في التحرر و الإنعتاق و التمتّع بخيرات أراضيه و بحره والعيش الكريم و هم يغلفون أهدافهم الرجعية هذه بغلاف ديني ليسهل عليهم النفاذ للأوساط الشعبية الواسعة في المدينة و الريف في شكل حمل وديع يحمل الخير و الجنّة و الهداية للضالين و هم في حقيقة الأمر ذئاب مفترسة لطموحات تلك الفئات التي قاموا بتضليلها أيضا و ليحموا أنفسهم من خصومهم أي كل من يريد فضح مراميهم و حقيقتهم ينعتونه بأنه ضد الإسلام و كفى
فالإخوانجية بكل تلويناتهم يبدؤون بخلق مجتمع صغير يعزلون فيه كل وافدة أو وافد جديد له عاداته الخاصة وعلاقاته وتقاليده ، سواء في الحفلات او في المآتم ، في اللباس والمظهر وفي طريقة العيش ، مجتمع يعيش القرون الغابرة ، وعلى هامش المجتمع القائم الذي يقيمون معه علاقة اتصال / انعزال .
و يستعملون كلمة حق أريد بها باطل وهي كلمة الجهاد و هي المفتاح السحري في يدهم يغزون بها عقول مريديهم و يطوعونها حسب المراحل فتبدأ بجهاد النفس و تنتهي بجهاد الطاغوت
و يقسّمون الواقع التونسي المعاصر إلى ثنائية بسيطة، أولها أولياء الرحمان: >>و مهمّتهم الجهاد من أجل الإسلام والحريّة»(. وثانيها أولياء الشيطان: وهم فئة المارقين عن الدين، الذين يعكسون «موجات الإلحاد التي مثلت على حدّ سواء إيديولوجيّة الدولة وإيديولوجيّة المعارضة اليساريّة وهي المعارضة الفاعلة والنافذة في أوساط نخبة الفكر والسياسة ومؤسسات المجتمع المدني». فيخرجون بذلك أي تعارض من الحقل السياسي إلى الحقل الديني. ويسعون إلى ترسيخ ثنائيّة مقدسة، بمقتضاها، يسوّقون لأنفسهم مهمّة رافعي راية الإسلام، ويحشرون معارضيهم داخل ظلام العداء للدين. بمعنى ما، أنّ أي متعبّد يشعر باغتراب مع الواقع الراهن، باعتباره واقع الكفر والإلحاد والجاهلية المعاصرة، ويرى في المسلك العنيف نهجا نحو تطهير العالم، سيتعرّف من خلال خطاب هذه الحركات على أهدافه، حتى ولو لم يكن منتسبا لأحد لتنظيماتهم. إنه تهييج للعنف المقدّس داخل المجتمع.
ختاما إننا لم نجانب الحقيقة في ما كتب أعلاه فممارستهم للحكم تدلل على صدق رأينا و على خسّة منبتهم و رجعية أفكارهم و عمالة ممارساتهم وفساد أخلاقهم و فاشية أفعالهم
لكم جردا لبعض ممارساتهم في المرحلتين :
-*-*-* أمثلة عن بعض ممارساتهم لما كانوا في خدمة التجمع الحاكم:
فخلال مرحلتهم الأولى هذه وقفوا مع بورقيبة في صراعه ضد عبد الناصر،وكفّّروا الديمقراطية و الديمقراطيين و العمل النقابي و النقابيين في الجامعة و البلاد، و ساندوا المحاكمات السياسية التي تعرض لها اليسار و القوميين و البعثيين، و وقفوا مع الهادي نويرة ضد مشروع الوحدة الاندماجية المجهضة بين تونس وليبيا ، و شنوا الهجمات و التشويه ضد النضالات التي كانت تخوضها الحركة الطلابية من أجل الحريات و الديمقراطية بالجامعة ، والمعاهد العليا ضد السلطة والحكم القائم ، وضد الامبريالية ومناصرة القضية الفلسطينية ، والقضايا القومية العربية والأممية ، كما كانوا ضدّ النضالات التي بدأ يخوضها الشغالون والعمال منذ سنة 1976 ، والتي تصاعدت عموديا الى حدود الاضراب العام الذي دعت اليه النقابة العمالية سنة 1978 ، هذا الحدث الهام الذي كان الاتجاه الاسلامي الاخواني مناهضا له، حيث اعتبره صيحة مفتعلة لإجهاض التجربة الديمقراطية الفتية في تونس و اصطفافهم مع مزالي ضد الإنتفاضة الشعبية المعروفة بإنتفاضة الخبزفي جانفي 84 و كانوا يقيمون الولائم لبوليس الزين في انتفاضةالحوض المنجمي5 جانفي 2008 تاريخ انطلاقها ، وصولا إلى غيابهم الكلي عن الإنتفاضة الشعبية التي بدأت من سيدي بوزيد في17ديسمبر و توجت بهروب المخلوع يوم 14 جانفي 2011
-*-*-* أما جرائمهم في مراحل الصدام مع الحاكم:
الجرد التاريخي لأهم جرائم العنف التي اقترفتها حركة النهضة التونسية ما بين سنة 1981 وسنة 1991:
20 فيفري 1981_ «احتجاز عميد كليّة العلوم بتونس علي الحيلي والتهديد بتفجير مختبر الكلية» (11) وقد اعترف راشد الغنوشي بمشاركة الإسلاميين في عملية الاحتجاز، إذ يقول: «بخصوص حدث كليّة العلوم في فيفري كان لأفراد من قيادات الحركة الاتجاه دور ضمن آخرين قد يكون فعّالا في حجز عميد كليّة ومجموعة من الإداريين وتهديدهم المختبر كلّه بالتفجير» (12)
02 أوت 1987_ «تفجير مفرقعات بـ 4 نزل سياحيّة ليلة عيد ميلاد بورقيبة. وقد شارك في هذه العمليّة كل من محرز بودقة وبولبابة دخيل بتحريض من عبد المجيد الميلي المسؤول عن التنظيم (حركة النهضة التونسية) بجهة جمّال بالمنستير» وأسفرت عن بتر ساقي سائحتين أجنبيتين. وقد جاءت الأحكام تبعا لهذه القضيّة وتهم أخرى ذات صبغة سياسيّة بـ« الإعدام شنقا: محرز بودقة- بولبابة دخيل- علي العريض- حمادي الجبالي- صالح كركر- عبد المجيد الميلي- فتحي معتوق. والأشغال الشاقة مدى الحياة: راشد الغنوشي وفاضل البلدي» (13) هذا، وقد تحصن صالح كركر وحمادي الجبالي وعلي العريض وعبد المجيد الميلي وفتحي معتوق بالفرار. وعن هذه الحادثة، يقول راشد الغنوشي: «كما وجهت تهمة القيام بأعمال عنف محدّدة إلى شابين صدر بعد ذلك حكم بإعدامهما ونفّذ فيهما رحمهما اللّه» والمفزع، أنّ الرجل يعلّق في هامش الصفحة، قائلا: «هما الشهيدان: محرز بودقة، وبولبابة دخيل»(14). هو ينكر بشكل متكرّر مسؤوليته عن هذا الجرم، لكن لا يمنعه هذا من اعتبار أصحاب هذا الفعل الشنيع شهداء الدين.
06 نوفمبر 1987_ التحضير لانقلاب يوم 08 نوفمبر 1987 حيث: «انعقدت يوم 06 نوفمبر، جلسة عامة أخيرة في مسكن العسكري أحمد الحجري، حضرها الثالوث المساعد لمحمد شمام والمتألف من المنصف بن سالم وبلقاسم الفرشيشي وسيّد الفرجاني وحضرها من العسكريين أحمد الحجري (حركيا عبد الحفيظ) صالح العابدي (حركيا يحي) ابراهيم العموري (سالم) جمعة العوني (سعد) عبد الله الحريزي (عمار) لزهر خليفة (حسين) وكمال الضيف وتغيّب عن هذا الاجتماع لضرورة العمل الضابطان أحمد السلايمي والبشير بن أحمد. بدأ الاجتماع بتقرير رفعه سيّد الفرجاني عن مهمّته وتقديم الفتوى التي حفظها عن صالح كركر ثم عرض مشروع البيان الانقلابي الذي جاء به من لندن وقد تضمن تطمينا للجيران في المغرب العربي وتطمينا للرأي العام الدولي عن طريق التعهّد باحترام العقود والمواثيق الدوليّة، وتطمينا لرؤوس الأموال على ممتلكاتهم. أما التوصية الأخيرة التي أبلغها كركر إلى المجموعة الانقلابية فهي تتعلّق بضرورة الاستفادة من أسلحة وفرها محفوظ نحناح على الحدود الجزائريّة التونسية لتكون عونا للتنظيم التونسي في مشروعه الانقلابي.» (15) « لكن هذه المحاولة الانقلابية رغم أنها استكملت كل مراحل الإعداد والتنفيذ. لم تقع. وهناك احتمالان وراء إلغاء هذه العملية:
الاحتمال الأول: هو افتضاح أمر هذه المجموعة يوم 06 نوفمبر 1987 على الساعة الحادية عشر والنصف صباحا كما يفترض ذلك حسن الغضباني، وافتضاح أمر هذه المجموعة يعني إيقاف أبرز رؤوس المدبرة في ظرف ساعات قليلة مما قضى على حظوظ هذه العمليّة.
الاحتمال الثاني: هو وقوع تغيير في أعلى هرم السلطة بإزاحة الرئيس بورقيبة العدو اللدود للإسلاميين وتولي الوزير الأول زين العابدين بن علي مقاليد السلطة بناء على الفصل 51 من الدستور الذي يضبط طريقة الخلافة عند حالات الشغور. وقد أدى التغيير في نظام الحكم إلى تخلّي المجموعة الأمنية عن محاولتها. وسواء صحّ الاحتمال الأول أو الثاني فإن الثابت أن البلاد كانت ستشهد حماما من الدم لو لم يقع الإسراع بالتغيير في الحكم.»(16)
** ويقول راشد الغنوشي عن هذا الانقلاب: «لولا أن انقلابا أطاح به (يعني بورقيبة) يوم 7 نوفمبر مستبقا انقلابا آخر خطّط له عدد من الضباط الوطنيين الشبّان» من تجربة الحركة الإسلامية... ذكر أعلاه، ص123. لم يكن ثمّة خيار للتونسيين: إمّا انقلابا يرفع حكما دينيا وإمّا انقلابا يرفع حكما أمنيّا جاء مستعجلا ليردّ على الانقلاب الآخر.

02 أكتوبر 1989_ أصدر «التنظيم بلاغا حكم فيه بتكفير وزير التربية لأنه عقد ندوة صحفية شرح فيها مثلما اقتضت العادة مع بداية كلّ سنة دراسيّة الظروف المادية المتعلّقة بالمجال التربوي والإصلاحات المزمع إدخالها على القطاع، مع ما يتبع ذلك من نقد للسلبيات وعرض للأخطاء. فاعتبر التنظيم أن عرض الوزير على الرأي العام نماذج مما كان يُدرّس من نصوص موغلة في الانغلاق وحاثة على التباغض والحقد مع تجاهل روح الرحمة والتسامح، ضرب من السخرية بالدين، لأنه ليس من حقّ الإنسان أن يخاطب المسلمين بأن دينهم دين رحمة وإن فعل أصبح مستهترا بالدين مفصحا ضمنيّا عن كفره (جريدة الصباح 03 أكتوبر 1989)» (17)
** و يعرّف راشد الغنوشي محمد الشرفي على النحو التالي: «محمد الشرفي علماني فرنكفوني متطرّف شيوعي، قاد الحرب في مجال التعليم ضدّ الإسلام والإسلاميين والثقافة العربية عامة عندما شغل خطّة وزير التربية وله كتاب تحت عنوان: «الإسلام والحريّة: سوء التفاهم التاريخي» من تجربة الحركة الإسلامية ... ذكر أعلاه، ص 126. ولا يفوتني أن أقدّم، في هذا الإطار، فهم محمد الشرفي للإسلام كدين ينتمي إليه قوامه السلم لا التطرّف والقتل، يقول:«فالإسلام هو عندنا معشر المسلمين دين شعبي هادئ، إذ هو أوّلا وأساسا دين، أي عقيدة وإيمان، بل إجابة عن سؤال مؤرّق يخصّ الحياة والموت، وهو سبيل ناجعة لتهدئة قلق الوجود، وهو الأمل في حياة بعد الموت ملؤها العدل والسعادة، ثمّ هو يعني ببساطة أنّ القوّة العظمى التي خلقت هذا العالم، أي اللّه، قد أوحت إلى محمّد، وهو بشر "يأكل الطعام ويمشي في الأسواق" كبقيّة البشر، رسالة محبة ومساواة، رسالة إخاء وسلام وقد تجرّع ذلكم الرجل الويلات، فسخر منه قومه وطاردوه وكادوا يقتلونه، فدافع عن نفسه وإذا ما استثنينا ذلك الدفاع عن نفسه فإن رسالته إنما هي رسالة سلام ووفاق» الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي، نشر الفنك الدار البيضاء، 2000، ص49.
17 فيفري 1991_ «حادثة باب سويقة... والمتمثلة في قيام عناصر من حركة النهضة باحتلال مقر خلية للحزب الحاكم في قلب العاصمة وشد وثاق حارسي المقرّ ثم سكب مادة حارقة على جسمهما أودت بحياة أحدهما وبقاء الآخر يعاني من عاهة مستديمة. وقد اعترف الغنوشي في بيان أصدره من الخارج بمسؤولية الحركة عن هذه الحادثة واعتبر ذلك ردّ فعل على العنف المسلّط عليها. كما تسببت هذه الحادثة كذلك في تجميد عبد الفتاح مورو لعضويته بالحركة وإدانته لهذه العمليّة.» ويقول راشد الغنوشي، على نحو عجيب، معلّقا على الحادث: «هذا الحادث الأليم الذي ذهب ضحيّته ثلاثة تونسيين على الأقل، حارس أحد مقرات الحزب الحاكم وشابان نفذ فيهما حكم الإعدام رحمهم اللّه جميعا». هو يساوي بين المجرميْن والمقتول، وينعتهم جميعا بالضحايا.
**. اعلية علاني، الحركات الإسلامية ... ذكر أعلاه، ص 184. عبد الله عمامي، التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي: أنموذج النهضة، الدار التونسية للنشر، 1992، ص 264. في حين، يكتب توفيق المديني: «الشخصان اللذان أعدما في إطار قضية 1987 الكبرى، في 8 تشرين أول أكتوبر هما محرز بودقة وديخيل بولبابة، ينتميان إلى مجموعة صغيرة أطلقت على نفسها اسم »الجهاد الإسلامي«. وكانت هذه المجموعة قد شنت هجوماً على نطاق ضيق (على مكتب بريد ومخفر شرطة) وتم إلقاء القبض على كيلاني الشواشي (الملازم بالجيش التونسي) وحبيب الضاوي (واعظ معروف في منطقة صفاقس) والأزرق (مناضل قومي قديم وعضو سابق في حركة الاتجاه الإسلامي) في صيف سنة 1986، وحكم عليهم بالإعدام في نهاية شهر آب من سنة 1986. وأعلنت المجموعة نفسها مسؤوليتها عن أخطر عملية عنف حدثت في تاريخ تونس، تمثلت بوضع أربع قنابل يدوية في 2 آب 1987 (تاريخ ميلاد بورقيبة) في أربعة فنادق في سوسة والمنستير (مسقط رأس بورقيبة أيضاً)» توفيق المديني، المعارضة التونسية: نشأتها وتطورها، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2001، النسخة الالكترونية، ص 303.
**. بعد أن منعت السلطات البريطانية يوسف القرضاوي من دخول أراضيها نظرا لفتاويه التحريضية على العمليات الانتحارية، تكفّل راشد الغنوشي في ندوة "تجديد التفكير في الجهاد" التي عقدها "مركز الدراسات المتقدّمة للعالم العربي" بجامعة العاصمة الاسكتلندية في 7-9 سبتمبر 2009، بإلقاء كلمة عن كتاب "فقه الجهاد" ليوسف القرضاوي مدافعا عنه.


samedi 25 janvier 2014

لغاية في نفس النهضة

لغاية في نفس النهضة 

و يحاولون فرض بن جدو  فقامت النهضة و وليد البنّاني يحرّضون أهالي القصرين على التظاهر و بثّ الفوضى من اجل بقاء بن جدّو على وزارة الداخلية لغاية في نفس النهضة 

كان ماركس رجل علم


     في ذكرى رحيل كارل ماركس - خطاب على قبر كارل ماركس


توفي ماركس يوم 14 مارس 1883. و بعد ثلاثة ايام القى انجلز هذا الخطاب باللغة الانجليزية على ضريح ماركس بمقبرة هايغايت بلندن حيث دفن هناك. تكلم انجلز بالانجليزية و ظهر الخطاب في صحيفة المانية في ترجمة المانية ثم نشر الخطاب بالانجليزية مترجما عن الالمانية.
في الرابع عشر من مارس و على الساعة الثالثة الا ربع ظهرا توقف اعظم مفكر عن التفكير. لقد ترك وحيدا لدقيقتين بالكاد و حينما عدنا و جدناه جالسا في كرسيه نائما في هدوء و لكن الى الابد.
انها خسارة لا تقاس ضربت كلا من الطبقة العاملة المناضلة في اوروبا و امريكا و علم التاريخ بوفاة هذا الرجل. ان الثغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريبا.
فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري: الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الايديولوجيا و هي ان الانسان يجب اولا ان ياكل و يشرب و يجد الماوى و الملبس قبل ان يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة و العلم و الفن و الدين الخ... و بالتالي فان انتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش و من ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما او في حقبة ما تشكل الاساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة و المفاهيم الشرعية و الفن و حتى الافكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب او ذاك و على ضوئها يجب ان تفسر و ليس العكس كما هو الحال.
 و لكن ليس هذا كل ما في الامر. فقد اكتشف ماركس ايضا القانون الخاص بالحركة الذي يحكم نمط الانتاج الراسمالي لعصرنا و المجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الانتاج. ان اكتشاف فائض القيمة سلط الضوء فجاة على المشكلة محاولا حل ما عجزت عن حله جميع البحوثات السابقة من لدن الاقتصاديين البرجوازيين و كذلك النقاد الاشتراكيين.
ان هذين الاكتشافين لامر كاف في حياة شخص. و سيكون سعيدا ذاك الذي يتسنى له تحقيق ولو احدى هذين الاكتشافين.
علاوة على ذلك فانه و في كل حقل بحث فيه ماركس – و لئن بحث في حقول عديدة و لم يكن ذلك بسطحية في اي منها -  حتى في حقل الرياضيات قام ماركس باكتشافات مستقلة.
هكذا كان ماركس رجل علم. الا  ان ذلك لم يكن يمثل ولو نصف هذا الرجل. لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركية-دينامية- تاريخية و قوة ثورية. و مهما كان سروره عظيما  باي اكتشاف جديد في العلوم النظرية و لئن كانت تطبيقاتها مستحيلة البلوغ فانه كان يعيش  سرورا من نوع اخر حين يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة  و في التطور التاريخي عموما. فعلى سبيل المثال كان متابعا عن قرب لتطور الاكتشافات المحققة في مجال الكهرباء و اخرها تلك لمارسال دوبري
Marcel Deprez.  
كان ماركس قبل كل شيء ثوريا. و كانت مهمته الاولى في الحياة المساهمة بطريقة او باخرى في الاطاحة بالمجتمع الراسمالي و بمؤسسات الدولة التي جلبها معه و كذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة الذي كان اول من جعلها تعي بموقعها و حاجاتها و تعي بشروط تحررها. لقد كان الكفاح امرا اساسيا بالنسبة له فكافح بحب و عزم و نجاح لا ينافسه فيهم الا قليلون. و كان عمله في الجريدة الرينانية الاولى-1842- و في الى الامام الباريسية- 1844*Vorwarts - و في جريدة البروكسالي-Brussler - الالمانية-1847 – و في الرينانية الجديدة-1848-1849. و في التريبيون النيويوركية-New York Tribune-1852-1861. و بالاضافة الى ذلك اشرافه على نشريات نضالية و عمله في منظمات في باريس و بروكسال و لندن و اخيرا توج كل ذلك بتكوينه جمعية الرجال العاملين العالمية. كان ذلك انجازا بامكان محققه ان يفخر به حتى و لو لم ينجز شيئا غيره.
و كنتيجة لذلك كان ماركس افضل المكروهين و اكثر المشهرين بهم في عصره فقامت حكومات مطلقة و جمهورية على حد السواء بترحيله عن اراضيها و تنافس البرجوازيون من المحافظين  او من اقصى الديمقراطيين  بالتشهير و الثلب لشخصه.  لقد ازاحوا ماركس كما تزاح خيوط العنكبوت. لكن لم يعر ماركس  اهتمامه بذلك و لم يرد الا عندما دعته الضرورة الى الرد. و مات محبوبا ممجدا و نعته الملايين من العمال الثوريين- من مناجم سيبيريا الى كاليفورنيا و في كافة انحاء اوروبا و امريكا.
و لمن المهم القول انه برغم خصومه العديدين فبالكاد ان كان له عدو شخصي واحد.
سيخلد اسمه على مر العصور و كذلك اعماله!
*
rtsäVorw : جريدة جذرية – راديكالية – للاشتراكيين الالمان في الهجرة و كان ماركس احد المساهمين فيها. و قد ظهرت بالالمانية في باريس سنة 1844.

حول السلطة


                         حول السلطة
    

فريدريك انجلز 
الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 09:15 
المحور: الارشيف الماركسي 
    
شن مؤخرا عدد من الاشتراكيين حربا منظمة ضد ما يسمونه مبدأ السلطة. يكفي أن تقول لهم أن هذا أو ذاك الفعل سلطوي ليدينوه. لقد تم باستعجال الإفراط في صيغة هذا الإجراء لدرجة أنه أصبح من الضروري النظر للمسألة عن قرب.

تعني السلطة, بالمعنى المستعمل هنا, فرض مشيئة طرف على مشيئة طرف لآخر حيث لا تقوم السلطة إلا على التبعية. و الآن, بما أن هذه الكلمات تبدو سيئة, و العلاقة التي تمثلها بغيضة للطرف الخاضع, فالسؤال هو كيفية التثبت من أن هناك أي طريقة لتجاوزها, ألا يمكننا (بناءا على الحالة الراهنة لمجتمعنا) خلق جهاز مجتمع جديد, أين لا تحصل فيه هذه السلطة على مجال آخر و تضطر بالتالي للزوال.

نجد عند فحص الحالات الاقتصادية و الصناعية و الفلاحية التي تشكل أساس المجتمع البرجوازي الحالي أنها تتجه أكثر فأكثر لاستبدال الأعمال المعزولة بأعمال تتطلب اشتراك الأفراد. فقد تجاوزت الصناعة الحديثة, بمصانعها و طواحنها العظيمة أين يراقب مئات من العمال آلات بخارية معقدة, ورشات المنتجين المنفصلين (المعزولين). كما تم تعويض مجرورات و عربات الطرق المعبدة بقطارات السكك الحديدية, تماما مثلما تم تعويض السفن الشراعية الصغيرة بأخرى بخارية. و حتى الفلاحة تتجه هي الأخرى نحو السقوط بين براثن الآلة البخارية التي تركز ببطء لكن بثبات مكان صغار الملاك كبار الرأسماليين الذين بمساعدة العمال المأجورين يحصدون أراضي بالغة الامتداد.

في كل مكان, تزيح الأعمال المشتركة (
combined action) – تعقيدات مراحل معينة تخضع الواحدة منها للأخرى و تتبعها – الأعمال التي ينفذها الأفراد. لكن إذا ما أشار أي شخص إلى الأعمال المشتركة فلا بد أن يتحدث أيضا عن التنظيم (organisation). فالسؤال الآن هو هل من الممكن أن يوجد تنظيم بدون سلطة.

لنفترض أنه تم خلال ثورة اجتماعية ما خلع الرأسماليين. من سيتحكم الآن في السلطة على الإنتاج و حركة الثروة (
circulation of wealth). لنفترض – إذا ما تبنينا نظرة اللاسلطويين (anti-authoritarians) كاملة – أن الأرض و معدات العمل أصبحت الملكية المشتركة للعمال الذين يستعملونها, هل ستزول السلطة أم أنها فقط ستغير من شكلها؟ لنرى ذلك.

لنأخذ على سبيل المثال طاحونة غزل القطن. يجب على القطن أن يمر بست مراحل متتالية على الأقل قبل أن يتحول إلى حالة الخيط. و تقع هذه العمليات في أغلبها في غرف مختلفة. إلى جانب ذلك فمراقبة الآلات تتطلب مهندسا يسهر على المحرك البخاري و ميكانيكي يقوم بالإصلاحات المطلوبة و عمال آخرون يتمثل عملهم في نقل المنتوج من غرفة لأخرى و هكذا دواليك. يجبر كل هؤلاء العمال من رجال ونساء و أطفال على أن يبدؤوا و أن ينهوا عملهم في ساعات تحددها سلطة البخار التي لا تراعي أي استقلالية للأفراد. فيتوجب بالتالي على العمال أولا الاتفاق حول ساعات العمل و الالتزام بها حال تحديدها من طرف الجميع بلا استثناء. بعد ذلك تـُطرح أسئلة محدد في كل غرفة و في كل لحظة بخصوص أسلوب الإنتاج و توزيع المعدات الخ. و هذا يتوجب حلا من خلال قرار من طرف مندوب يوضع على رأس كل شعبة عمل أو إن كان ذلك بالإمكان عبر انتخاب الأغلبية. و بالتالي فعلى مشيئة الفرد الواحد أن تخضع دائما. هذا يعني أنه تم حل هذه المسائل بطريقة سلطوية. إن آلات المصنع الضخم الأوتوماتيكية أصبحت أكثر تسلطا مما كان عليه الرأسماليين الصغار الذين يشغلون العمال. على الأقل من ناحية ساعات العمل المكتوبة على بوابات هذه المصانع
Lasciate ogni autonomia, voi che entrate (تخلى يا من تدخل هنا عن كل استقلالية!)

إذا ما كان الإنسان قد تمكن بفضل معارفه و عبقريته الخلاقة إلى إخضاع قوى الطبيعة فهذه الأخيرة قد تمكنت من الثأر لنفسها منه بإخضاعه في حدود استغلاله لها لاستبداد حقيقي مستقل عن كل تنظيم اجتماعي. إن الرغبة في إلغاء السلطة في الصناعات الثقيلة مساو للرغبة في إلغاء الصناعة نفسها: تدمير المنسج الآلي (
power loom) للعودة إلى العجلة الغازلة (spinning wheel).

لنأخذ مثالا آخر: السكة الحديدية. فهنا أيضا من الضروري للغاية تشارك عدد لانهائي من الأفراد. و يجب تنفيذ الأعمال المشتركة هذه خلال ساعات محددة بدقة كي لا تقع أي حوادث. هنا أيضا يكون أول شرط للعمل مشيئة (قوة) مسيطرة و التي تحل كل المشاكل الناتجة في العمل. و سوى مثل هذه المشيئة مندوب واحد أو لجنة مكلفة بتنفيذ مشيئة الأغلبية المعنية بالمسألة فهناك في كلتا الحالتين سلطة صريحة. إلى جانب ذلك ما الذي يمكن أن يقع لأول قطار منطلق إذا ما تم إلغاء سلطة عمال السكة الحديدية على المسافرين؟

لكن ضرورة السلطة و السلطة الآمرة لا يمكن أن تبرز أكثر مثل سفينة في عرض البحر. هناك, عند الخطر, تتوقف حياة الجميع على طاعة الكل الفورية و المطلقة لمشيئة الفرد الواحد.

عندما طرحت مثل هذه الحجج على أكثر اللاسلطويين تزمتا لم يكن بإمكانهم أن يقدموا أكثر من هذا كجواب: نعم, ذلك صحيح لكن هناك هي ليست حالة سلطة نتباحثها مع مؤتمرينا بل هي حالة لجنة مؤتمنة! يعتقد هؤلاء السادة أنهم باستبدالهم أسماء الأشياء قد استبدلوا الأشياء ذاتها. هكذا يسخر هؤلاء المفكرون العباقرة من العالم كله.

إذن لقد استعرضنا من جهة سلطة معينة بغض النظر عن تفويضيتها و من جهة أخرى خضوع معين. هذان أمران مفروضان علينا بقطع النظر عن كل تنظيم إجتماعي. و هما مفروضان علينا مع جملة الأوضاع المادية التي ننتج و نحرك عملية الإنتاج داخلها.

و لقد رأينا إلى جانب ذلك أن الحالات المادية للإنتاج و الدورة الإنتاجية تتطوران بصفة حتمية مع تطور الصناعات الثقيلة و الزراعات واسعة النطاق و تنزعان تدريجيا إلى توسيع مجال هذه السلطة. من هنا فمن السخيف التحدث عن مبدأ السلطة على أنه شر مطلق و على مبدأ الإستقلالية الفردية على أنه خير مطلق. السلطة و الإستقلالية شيئان نسبيان حيث يختلف مجالهما باختلاف مراحل تطور المجتمع. إذا ما اكتفى الاستقلالييون (
autonomists) بالقول أن التنظيم الاجتماعي في المستقبل سيحد السلطة فقط عند الحدود التي تكون فيها ظروف الإنتاج حتمية فهنا يمكننا أن نتفق لكنهم تعاموا عن الحقائق التي تجعل الأشياء ضرورية و حاربوا العالم بكل حماس.

لماذا لا يكتفي اللاسلطوييون بالتنديد بالسلطة السياسية: الدولة؟ يتفق كل الاشتراكيون على أن الدولة السياسية و معها السلطة السياسية ستختفيان نتيجة الثورة الاجتماعية القادمة. هذا يعني أن تفقد الوظائف العامة طابعها السياسي و تتحول إلى الوظائف الإدارية البسيطة المتمثلة في مراقبة المصالح الحقيقية للمجتمع. لكن اللاسلطويين يطالبون بإلغاء الدولة السياسية في ضربة خاطفة قبل حتى أن يتم تدمير الأوضاع الاجتماعية التي أوجدتها.

إنهم يطالبون بأن يكون إلغاء السلطة أول عمل للثورة الاجتماعية. هل يا ترى شهد هؤلاء السادة أي ثورة؟ الثورة هي بالتأكيد أكثر الأمور سلطوية؛ إنها الفعل الذي يفرض من خلاله قسم من الشعب مشيئته على القسم الآخر بواسطة البنادق و العصي و المدافع أي بوسائل سلطوية. و إذا أراد الطرف المنتصر أن لا يذهب قتاله سدى فعليه أن يحافظ على حكمه بأساليب ترهيبية بأسلحته تردع الرجعيين. أكانت كمونة باريس لتبقى ليوم واحد لو لم يستعمل الشعب المسلح هذه السلطة ضد البرجوازية؟ ألا يجب علينا على العكس أن نلومهم على عدم استعمالها بأكثر حرية؟

إذن فهناك أمران لا ثالث لهما: إما أن اللاسلطويين يتحدثون عن أشياء يجهلونها. في هذه الحالة فهم لا يضيفون شيئا إلا البلبلة. أو أنهم يعرفون. و في هذه الحالة فهم يخونون حركة البروليتاريا. في كلتا الحالتين فهم يستحقون ردة الفعل المضادة.

مباديء الشيوعية


مباديء الشيوعية

    

1. ما هي الشيوعية؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.

2.
ما هي البروليتاريا؟
البروليتاريا هي الطبقة التي -من بين كل طبقات المجتمع- تعيش كليا من بيع عملها فقط, لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. و لا تتوقف معيشتها بل وجودها ذاته, على مدى حاجة المجتمع إلى عملها, أي أنها رهينة فترات الأزمة و الازدهار الصناعي و تقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.

3.
هل وجدت البروليتاريا منذ القدم؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء و العمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا -أي البروليتاريا- فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة و بلا أي حدود.

4.
كيف ظهرت البروليتاريا؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية و مختلف أنواع آلات الغزل و الأنوال الآلية و عددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى, التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين, مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق و إلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل و أرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية و أدواتهم البدائية.
و هذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين و إلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال, أدوات عمل...) كل ما لها قيمة, مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.
و لقد أدخل نظام المانيفاكتورة -أول الأمر- في صناعة النسيج و الملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة و صناعة الخزف و المعادن و أصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال, بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. و قد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع و بالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة و مكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
و سرعان ما سيطرت المكننة و الصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل و النسيج و هكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين و فقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. و زيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة, إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين و ذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل و إمكانية تقسيم العمل أوفر. و هذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى و التغيير الشامل في وضعية العمال و نشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا و هي:
-
طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش و المواد الأولية و أدوات العمل (الآلات و المصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
-
طبقة الذين لا يملكون شيئا و المضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.

5.
ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم للبرجوازية؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع و بالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. و في ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما -دائما- ما يعادل كلفة إنتاجها. و بالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف و مواصلة عمله و لإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. و هكذا يكون سعر العمل -أو الأجر- هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. و بما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة و تزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال, تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
و هكذا, كما يتقاضى الرأسمالي -إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كسادها- ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر و لا أقل, فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. و مع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج, يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.

6.
ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة الصناعية؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف و احتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة و المسيطرة و ذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. و قديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة و حتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. و في القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر و بولونيا و روسيا. و عرفت المدن طوال القرون الوسطى و حتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. و مع تطور المانيفاكتورة, برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.

7.
بما يتميز البروليتاري عن العبد؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة, يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم, بل كل ساعة. و العبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة و حقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. و هكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة, يوجد البروليتاري في صميمها. و هو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. و بينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء, لا كعضو في المجتمع المدني, يُعتبر العامل كائنا بشريا و عضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع و يجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.
و يتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا و هي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.

8.
بماذا يتميز البروليتاري عن القن؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج و قطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر و لحساب نفس ذلك الشخص و مقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي و البروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة, في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة, أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. و يمكن للقن أن يتحرر:
-
إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
-
إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول و العمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر.
-
أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.
و بإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة و منخرطا في دائرة المنافسة, في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها و الملكية الخاصة و جميع الفوارق الطبقية.

9.
بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي؟
في الورشات الحرفية القديمة, لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته و يأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري و الرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه و يشاركه عاداته و تقاليده, بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى و يتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي و تختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك, أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له و يستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان و تلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة, أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز, أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء, و تأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. و غالبا ما تكون الآلة -على كل حال- أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي -تماما مثل معلمه- محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية و الأعراف السائدة, بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي -مثله مثل معلمه- كائن محدود, ضيق الأفق, خاضع للعصبية الفئوية و عدو لكل ما هو جديد, بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته و مصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل, يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي -في نهاية الأمر- محافظ و رجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة, الذي يتمثل في إخضاع الحرفة -بما فيها المعلم و الصانع- لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري و رأس مال صناعي.

10.
بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة و مغزله العائلي و حقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. و يعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف و يرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل, بينما يعيش العامل في المدن الكبرى و لا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. و تقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.

11.
ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية و لانقسام المجتمع إلى برجوازيين و بروليتاريين؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم و على التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين على هامش التطور التاريخي, و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. و هكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي تقدم منذ قرون, تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.
و هكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. و بهذه الطريقة, ربطت الصناعة الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها و حوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة و مهدت السبيل في كل مكان للتقدم و الحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير العمال في البلدان الأخرى.
ثانيا: و قد أدى قيام الثورة الصناعية أينما حلّت الصناعة الكبرى محل الإنتاج المانيفاكتوري, إلى نمو منقطع النظير للطبقة البرجوازية و ثرواتها و نفوذها مما جعل منها الطبقة الأولى في المجتمع. و حيثما حدث ذلك, استولت البرجوازية على السلطة السياسية و كذلك أزاحت الطبقات التي كانت سائدة آنذاك الأرستقراطية و أمناء الحرفيين و الحكم الفردي المطلق الذي كان يمثّل هاتين الطبقتين.
لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية و النبلاء و ذلك بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الابن الأكبر) و جميع الامتيازات الإقطاعية. كما حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية و جميع امتيازاتها و صلوحياتها, و أحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له و لا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.
و هكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت رساميلهم و أصبح الرأسمال هو القوة الحاسمة و المحددة و بالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في المجتمع.
و لكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية, أول الأمر, لتطوير الصناعة الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.
و ما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. و قد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية المنافسة الحرة. و هذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي البرجوازيين وحدهم, و هكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.
ثالثا: و مثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. و كلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة العاملة عددا و بما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال و أن هذا الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط وثيق مع تراكم رأس المال.
كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين, تماما مثل العمال, في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد و الأرباح, و تمكن العمال, بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة, من أن تدرك مدى قوتها.
و من ناحية أخرى, كلما تطورت الثورة الصناعية, كلما وقع اختراع المزيد من الآلات الحديثة, الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة -كما بينا سابقا- إلى التخفيض من الأجر إلى حده الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. و هكذا تمهد الثورة الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء و تذمر العمال من ناحية, و تعاظم قوتها من ناحية أخرى.

12.
ما هي النتائج الأخرى للثورة الصناعية؟
لقد أوجدت الصناعة الكبرى, عبر الآلة البخارية و غيرها, وسائل زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة و كلفة أقل إلى أقصى الحدود. و سرعان ما اكتسبت المنافسة, التي فرضتها الصناعة الكبرى, طابعا عنيفا جدا. و تهافت عدد ضخم من الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي و لم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما يمكن استهلاكه. و لم تجد البضائع من يشتريها و تكدست السلع فكانت "الأزمة التجارية" و اضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل و أعلن الكثير من الصناعيين إفلاسهم و وجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة و عم البؤس الرهيب كل مكان. و بعد فترة, بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة و استأنفت المصانع نشاطها و ارتفعت الأجور شيئا فشيئا و عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي, بل أحسن من أي وقت مضى. و لكن لم يدم ذلك طويلا, إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة و حصلت أزمة جديدة اتخذت مسار سابقتها. و هكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر), تأرجحت باستمرار الأوضاع الاقتصادية بين فترات الازدهار و فترات الأزمة, و بصفة شبه منتظمة, أي كل خمس أو سبع سنوات, تحت أزمة دورية تجلب للعمال البؤس و تنفث فيهم روح الهيحان الثوري العام و تشكل خطرا بالغا على النظام القائم كله.

13.
ما هي نتائج الأزمات الاقتصادية الدورية؟
أولا: إن الصناعة الكبيرة, رغم كونها هي التي ولدت نظام المنافسة الحرة أثناء المرحلة الأولى لنموها, لم يعد يلائمها هذا النظام. ثم إن المزاحمة الحرة, و بصفة عامة ممارسة النشاط الصناعي من قبل مختلف الأفراد, أصبحا يشكلان بالنسبة للصناعة الكبيرة عقبة مطروح عليها تجاوزها. و طالما بقيت الصناعة الكبيرة تمارس على هذا الأساس فإنه لا يمكن لها أن تبقى و تستمر دون أن تؤدي كل خمس أو سبع سنوات إلى حالة من الفوضى العامة تهدد في كل مرة بدمار الحضارة البشرية بأسرها و لا تقتصر فقط على إلقاء ملايين العمال في مهاوي البؤس و الشقاء, بل تلقي قسما كبيرا من العمال على حافة الإفلاس و الخراب. و هكذا فإما أن تدمر الصناعة الكبيرة نفسها بنفسها - و هذا محال إطلاقا - و إما أن تعمد إلى تركيز تنظيم جديد تماما للمجتمع لا يكون فيه الإنتاج الصناعي موجها لا من قبل بضعة صناعيين قلائل يزاحم بعضهم بعضا بل من طرف المجتمع بأسره وفقا لخطة مرسومة حسب حاجيات كل أفراد المجتمع
ثانيا: إن الصناعة الكبيرة و ما تتيحه من إمكانية لا متناهية لتوسيع الإنتاج, تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته و مؤهلاته الخاصة و استخدامها بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية و نشر البؤس في المجتمع الراهن, يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء البؤس و كل الأزمات. و من هنا يتضح ما يلي :
أ- أن جميع هذه الأمراض اليوم ليس لها من سبب سوى النظام الاجتماعي القائم الذي لم يعد يستجيب لحاجيات المجتمع.
ب- إن وسائل القضاء على جميع هذه الأمراض أصبح الآن متوفرا و ذلك بفضل بناء نظام اجتماعي جديد.

14.
كيف ينبغي أن يكون هذا النظام الاجتماعي الجديد؟
ينبغي قبل كل شيء انتزاع المصانع و فروع الإنتاج الأخرى من أيدي الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم و وضعها تحت إدارة و تسيير المجتمع بأسره. مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة و بمساهمة جميع أفراد المجتمع. و بالتالي يقع القضاء على المنافسة و يستعاض عنها بمبدأ المشاركة و التعاون. و من ناحية أخرى, فإن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة و عن ممارسة أشخاص منفردين للنشاط الاقتصادي. ذلك أن ممارسة هؤلاء الأشخاص للنشاط الصناعي يفترض بالضرورة وجود الملكية الخاصة, كما أن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة نظرا لكون هذه المنافسة ليست سوى أسلوبا لممارسة نشاط صناعي مفتوح أمام بضعة أشخاص منفردين لإدارته و تسييره و هكذا فلا بد من إلغاء الملكية الخاصة و الاستعاضة عنها بالاستخدام الجماعي لكل وسائل الإنتاج و بالتوزيع العادل لكل المنتوج و ذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ "اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز و الأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل, الذي حتمه التطور الصناعي, في النظام الاجتماعي. و لهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة الشيوعيين.

15.
أ فلم يكن إلغاء الملكية الخاصة ممكنا في الماضي؟
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية و كل تغير في النظام الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة منذ بدء التاريخ. و عندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل ماينفاكتورة, أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية و الحرفية السائدة آنذاك. و بحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة, ولد ذلك شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. و فعلا, فبالنسبة للمانيفاكتورة, كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى, لم يكن ثمة من شكل ممكن للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز أساسا على الملكية الخاصة. و طالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي, لا فقط لسد حاجيات المجتمع, بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال الاجتماعي و بتطوير القوى المنتجة, لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى المنتجة و طبقة أخرى فقيرة و مضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين و طابعهما يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى, القائم على زراعة الأرض, يعطينا السيد الإقطاعي و القن. و في نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم الحرفي و الصانع و العامل اليومي. و يعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة و العامل. و القرن التاسع عشر, الصناعي الكبير (البرجوازي) و البروليتاريا.
و هكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع و تجعل من الملكية الخاصة عبئا و عائقا لنموها. أما اليوم :
إثر نمو الصناعة الكبيرة, أنشأت الرساميل و تطورت القوى المنتجة على نحو لم يسبق له مثيل و توفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة إلى ما لا نهاية له.
تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين, بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا و أصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين.
تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار الملكية الخاصة و النظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن و الحالة تلك, فإن القضاء على الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.

16.
هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا, و سيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يشتكي من ذلك, لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم, بل إنها كانت في كل مكان و زمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة و قيادة الأحزاب و حتى الطبقات بأسرها. و لكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة و أن خصوم الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. و لما كان ذلك يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل و بكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة.

17.
هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية و ضحاها, فكذلك الثورة العمالية, التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها, لا تستطيع سوى تحويل المجتمع تدريجيا. و لن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.

18.
ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب و بصفة غير مباشرة في فرنسا و ألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا من صغار الفلاحين و البرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال و الذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية, و بالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. و قد يقتضي الحال خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.
و لا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة و تكفل وجود الطبقة العاملة ذاتها.
و لعل أهم هذه الإجراءات, كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة, هي التالية.
1-
الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل و الضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة و أبناء الخال) الخ...
2-
المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين و الصناعيين و أصحاب خطوط السكك الحديدية و البواخر و ذلك بواسطة منافسة القطاع العام في الصناعة من جهة و بواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة أخرى.
3-
مصادرة أملاك جميع المهاجرين و المتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
4-
تنظيم العمل و تشغيل العمال في ممتلكات و مصانع و مؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم و يضطر ما تبقى من الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
5-
إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة و خاصة لخدمة أغراض الأنشطة الفلاحية.
6-
مركزة نظام القروض و تبادل العملة في أيدي الدولة و ذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي و إلغاء كل البنوك الخاصة.
7-
مضاعفة عدد المصانع و المشاغل و السكك الحديدية و السفن التابعة للقطاع العام و استصلاح الأراضي المهملة و ترشيد استغلال الأراضي الفلاحية و بذلك تقع الزيادة في الرساميل و تنمو القوى العاملة بالبلاد.
8-
تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة و على نفقتها منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم و العمل الصناعي).
9-
بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة و الريف مع التخلص من سلبياتها.
10-
تهديم جميع المساكن و الأحياء غير الصحية و السيئة البناء.
11-
تمتيع الأبناء الشرعيين و غير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
12-
مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.
طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة, و لكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما و إلى تعزيز مركزة الرساميل و الصناعة و الفلاحة و النقل و المبادلات بين أيدي الدولة.
ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. و بقدر ما تتعاظم و تنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق و تؤدي دورها الممركز و بفضل عمل و مجهود العمال.
و أخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال و الإنتاج و المبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها و تصبح النقود بلا أي قيمة و يتضاعف الإنتاج و يتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.

19.
هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد فقط؟
لا. بخلق السوق العالمية, تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب الأرض, خاصة الشعوب المتحضرة, في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.
كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في كل منها, أصبحت الطبقة البرجوازية و طبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان, و أصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان المتحضرة. هذا يعني, على الأقل في إنجلترا و أمريكا و فرنسا و ألمانيا.
ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة و الثروة و أهمية كتلة القوى المنتجة. من هنا, ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل في ألمانيا, و بأكثر سرعة و بأقل عراقيل في إنجلترا. و سيكون لها مفعول قوي على بقية بلدان العالم, و ستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة رقعتها.

20.
ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة و كل وسائل النقل و تبادل و توزيع المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص و تسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد و الحاجات المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام الحالي لإدارة و تسيير الصناعة الكبيرة. و ستختفي جميع الأزمات و سيصبح الإنتاج الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع, بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس, بل ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. و بدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس الوقت.
كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على درب التقدم و سببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات مثلما هو الشأن إلى حد الآن.
و بتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما قيست بالصناعة الكبيرة و الحديثة. و سيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من التحسينات و الاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة و لتجزئة (الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة و توفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات الفلاحية. و هكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن تلبية حاجيات جميع أفراده. و بذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات المتعارضة أمرا لا مجال له. و ليس هذا فحسب, بل و غير متطابق مع النظام الاجتماعي الجديد, و بما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه و بأشكاله الحالية, سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي و الفلاحي إلى المستوى المذكور لا يتطلب الوسائل الميكانيكية و الكيميائية فقط, و لكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. و كما غير عمال المانيفاكتورة و الفلاحون من طريقة عيشهم و تغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة الكبيرة, فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة و ما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. و لا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به, مستغلين من طرفه, عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى و غير مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج, بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا, حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها, فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية و متطورة في كل المجالات و القادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج و السيطرة عليه. و سيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح و البعض الآخر إلى إسكافي و الثالث إلى عامل و الرابع إلى مضارب في البورصة. و سيتيح نظام التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة و عملية و سيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية و سيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. و هكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات و تكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية. كما سيزول, بإزالة الملكية الخاصة, التناقض الموجود بين المدينة و الريف. و تعتبر ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي و الفلاحي هي إحدى الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي, على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت السكان الريفيين و تجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من مراحل تطور الفلاحة و الصناعة و تشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ الآن. و أخيرا, إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :
-
تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي و العقلاني للقوى المنتجة.
-
تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
-
إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم على حساب الآخرين.
-
إزالة الطبقات و الفوارق الطبقية بصفة نهائية.
-
تنمية مؤهلات و مواهب جميع أفراد المجتمع بفضل إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن و بفضل نظام التعليم المرتكز على العمل و بفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس و تشريك الجميع في التمتع بالخيرات المبدعة من قبل الجميع و كذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.

21.
ماذا سيكون تأثير المجتمع الشيوعي على العائلة؟
سيُحوّل (المجتمع الشيوعي) العلاقات بين الجنسين إلى قضية شخصية صرفة لا تهم إلا الأشخاص المعنيين بحيث لن توجد هناك فرصة للمجتمع للتدخل. سيتمكن (المجتمع الشيوعي) من هذا بما أنه تخلص من الملكية الخاصة و علّم الأطفال على قاعدة مشتركة. بهذه الطريقة يكون قد أزال قاعدتي الزواج التقليدي - الاستقلال المتجذر في الملكية الخاصة, و في المرأة على الرجل, و في الأطفال على الوالدين.
و في ما يلي الجواب على صرخة القدامى ضد "مجتمع النساء". مجتمع النساء هو حالة تنتمي بأكملها إلى المجتمع البرجوازي الذي يجد اليوم تعبيره الكامل في البغاء. لكن البغاء يقوم على الملكية الخاصة التي بها تسقط المرأة. هكذا, فالمجتمع الشيوعي, عوض إن يقدّم مجتمع النساء, يلغيه.

22.
ماذا سيكون موقف الشيوعية من القوميات الموجودة؟
ستُرغم قوميات الشعوب التي ألزمت نفسها بمقتضى مبادئ جماعية, على الاختلاط فيما بينها كنتيجة لهذه الشراكة و عليه لتحل أنفسها, تماما مثل الإرث و تباين الطبقات المختلفة التي يجب أن تختفي عبر إلغاء أساسها, الملكية الخاصة.

23.
ماذا سيكون موقفها من الديانات الموجودة؟
كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل الأديان الموجودة سطحية و تؤدي إلى اضمحلالها.

فريدريك انجلز
أوكتوبر - نوفمبر 1847