1. ما هي الشيوعية؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
2. ما هي البروليتاريا؟
البروليتاريا هي الطبقة التي -من بين كل طبقات المجتمع- تعيش
كليا من بيع عملها فقط, لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. و لا تتوقف
معيشتها بل وجودها ذاته, على مدى حاجة المجتمع إلى عملها, أي أنها رهينة فترات
الأزمة و الازدهار الصناعي و تقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي
الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.
3. هل وجدت البروليتاريا منذ القدم؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة
كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء و العمال الذين يعيشون في ظروف كالتي
أشرنا إليها سابقا -أي البروليتاريا- فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم
تكن المنافسة حرة و بلا أي حدود.
4. كيف ظهرت البروليتاريا؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن
الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع
البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية و
مختلف أنواع آلات الغزل و الأنوال الآلية و عددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية
الأخرى, التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين,
مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق و إلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا
لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل و أرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين
بأنوالهم اليدوية و أدواتهم البدائية.
و هذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى
تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين و إلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال,
أدوات عمل...) كل ما لها قيمة, مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين
فقد العمال كل شيء.
و لقد أدخل نظام المانيفاكتورة -أول الأمر- في صناعة النسيج و
الملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر
الفروع الصناعية كالطباعة و صناعة الخزف و المعادن و أصبح العمل مقسما أكثر فأكثر
بين مختلف فئات العمال, بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا
يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. و قد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو
أسرع و بالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة
و مكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
و سرعان ما سيطرت المكننة و الصناعة الكبيرة على جميع فروع
الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل و النسيج و هكذا وقعت كل
الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين و فقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي
كانوا يتمتعون به سابقا. و زيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية
شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة, إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة
المنتجين الصغار المستقلين و ذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل و
إمكانية تقسيم العمل أوفر. و هذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة
الحرفية الوسطى و التغيير الشامل في وضعية العمال و نشوء طبقتين جديدتين سرعان ما
انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا و هي:
- طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان
المتحضرة ملكية وسائل العيش و المواد الأولية و أدوات العمل (الآلات و المصانع)
اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
- طبقة الذين لا يملكون شيئا و المضطرين إلى بيع
عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة
البروليتاريا أو البروليتارييون.
5. ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم
للبرجوازية؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع و بالتالي يتحدد سعرها على أساس
نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. و في ظل سيادة الصناعة الكبرى
أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما
-دائما- ما يعادل كلفة إنتاجها. و بالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة
إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل
العامل قادرا على استئناف و مواصلة عمله و لإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على
قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك
الغاية. و هكذا يكون سعر العمل -أو الأجر- هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل
على قيد الحياة. و بما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة و تزدهر تارة أخرى فإن
العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال, تماما مثلما يتقاضى
الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
و هكذا, كما يتقاضى الرأسمالي -إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و
كسادها- ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر و لا أقل, فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر
أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. و مع تغلغل التصنيع الكبير في جميع
فروع الإنتاج, يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
6. ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة
الصناعية؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف و احتلت مواقع متباينة في
مواجهة الطبقات المالكة و المسيطرة و ذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. و قديما كان
الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة و حتى
في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. و في القرون الوسطى كان الكادحون
هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر و
بولونيا و روسيا. و عرفت المدن طوال القرون الوسطى و حتى قيام الثورة الصناعية ما
يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. و مع
تطور المانيفاكتورة, برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى
كبار الرأسماليين.
7. بما يتميز البروليتاري عن العبد؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة, يتعين على البروليتاري أن يبيع
نفسه كل يوم, بل كل ساعة. و العبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها
أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة و حقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو
تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله
لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. و هكذا لا يكون وجود الطبقة
العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي
المنافسة, يوجد البروليتاري في صميمها. و هو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. و
بينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء, لا كعضو في المجتمع المدني, يُعتبر العامل
كائنا بشريا و عضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا
الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع و يجد نفسه بالتالي في منزلة
أرقى بكثير من منزلة العبد.
و يتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا و هي
العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر
من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه
عام.
8. بماذا يتميز البروليتاري عن القن؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج و قطعة أرض صغيرة مقابل تسليم
"سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل
البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر و لحساب نفس ذلك الشخص و مقابل حصة
معينة من الإنتاج. فالقن يعطي و البروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة, في حين ليس
للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة, أما البروليتاري فإنه
يقع في صميمها. و يمكن للقن أن يتحرر:
- إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
- إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول و العمل
المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر.
- أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك
إقطاعي.
و بإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة و منخرطا في
دائرة المنافسة, في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على
المنافسة ذاتها و الملكية الخاصة و جميع الفوارق الطبقية.
9. بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي؟
في الورشات الحرفية القديمة, لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل
مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من
السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن
يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته و يأكل على مائدته. أما العلاقة
الوحيدة بين البروليتاري و الرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة
الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه و يشاركه عاداته و
تقاليده, بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية.
إنه يعيش في بيئة أخرى و يتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي و تختلف
مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على
ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك, أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من
آلة ليست ملكا له و يستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم
الأحيان و تلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه
البضاعة, أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو
جهاز, أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء, و
تأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. و غالبا ما تكون الآلة
-على كل حال- أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي -تماما مثل معلمه- محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر
القيود الحرفية و الأعراف السائدة, بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو
الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق
العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي -مثله مثل معلمه- كائن محدود, ضيق الأفق, خاضع
للعصبية الفئوية و عدو لكل ما هو جديد, بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب
عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته و مصالح الطبقة الرأسمالية. عند
العامل, يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا
بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي -في نهاية الأمر- محافظ و رجعي حتى عندما يتمرد بينما
العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون
هو بروز نظام المانفكتورة, الذي يتمثل في إخضاع الحرفة -بما فيها المعلم و الصانع-
لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري و رأس مال
صناعي.
10. بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات
عمله: نول الحياكة و مغزله العائلي و حقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما
العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. و يعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا
في الريف و يرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل, بينما يعيش
العامل في المدن الكبرى و لا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. و تقوم
الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له
من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
11. ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية و
لانقسام المجتمع إلى برجوازيين و بروليتاريين؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم و
على التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع
البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه
الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين
على هامش التطور التاريخي, و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك
عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. و هكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي
تقدم منذ قرون, تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها
توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.
و هكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال
الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. و بهذه الطريقة, ربطت الصناعة
الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها و حوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة
و مهدت السبيل في كل مكان للتقدم و الحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان
المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا
فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير
العمال في البلدان الأخرى.
ثانيا: و قد أدى قيام الثورة الصناعية أينما حلّت الصناعة
الكبرى محل الإنتاج المانيفاكتوري, إلى نمو منقطع النظير للطبقة البرجوازية و
ثرواتها و نفوذها مما جعل منها الطبقة الأولى في المجتمع. و حيثما حدث ذلك, استولت
البرجوازية على السلطة السياسية و كذلك أزاحت الطبقات التي كانت سائدة آنذاك
الأرستقراطية و أمناء الحرفيين و الحكم الفردي المطلق الذي كان يمثّل هاتين
الطبقتين.
لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية و النبلاء و ذلك
بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الابن الأكبر) و جميع الامتيازات الإقطاعية. كما
حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية و
جميع امتيازاتها و صلوحياتها, و أحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل
فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له و لا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم
توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.
و هكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن
أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت رساميلهم و أصبح الرأسمال هو القوة
الحاسمة و المحددة و بالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في
المجتمع.
و لكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية, أول الأمر, لتطوير الصناعة
الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.
و ما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى
أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. و قد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام
التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية
المنافسة الحرة. و هذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي
دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي
البرجوازيين وحدهم, و هكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون
باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.
ثالثا: و مثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو
البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. و كلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة
العاملة عددا و بما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال و أن هذا
الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط
وثيق مع تراكم رأس المال.
كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين, تماما مثل
العمال, في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد
و الأرباح, و تمكن العمال, بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة, من أن تدرك
مدى قوتها.
و من ناحية أخرى, كلما تطورت الثورة الصناعية, كلما وقع اختراع
المزيد من الآلات الحديثة, الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل
اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة -كما بينا سابقا- إلى التخفيض من الأجر إلى حده
الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. و هكذا تمهد الثورة
الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء و تذمر
العمال من ناحية, و تعاظم قوتها من ناحية أخرى.
12. ما هي النتائج الأخرى للثورة الصناعية؟
لقد أوجدت الصناعة الكبرى, عبر الآلة البخارية و غيرها, وسائل
زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة و كلفة أقل إلى أقصى الحدود. و سرعان ما اكتسبت
المنافسة, التي فرضتها الصناعة الكبرى, طابعا عنيفا جدا. و تهافت عدد ضخم من
الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي و لم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما
يمكن استهلاكه. و لم تجد البضائع من يشتريها و تكدست السلع فكانت "الأزمة
التجارية" و اضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل و أعلن الكثير من الصناعيين
إفلاسهم و وجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة و عم البؤس الرهيب كل مكان. و بعد فترة,
بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة و استأنفت المصانع نشاطها و ارتفعت الأجور شيئا
فشيئا و عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي, بل أحسن من أي وقت مضى. و لكن لم يدم ذلك
طويلا, إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة و حصلت أزمة جديدة اتخذت مسار
سابقتها. و هكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر), تأرجحت باستمرار الأوضاع
الاقتصادية بين فترات الازدهار و فترات الأزمة, و بصفة شبه منتظمة, أي كل خمس أو
سبع سنوات, تحت أزمة دورية تجلب للعمال البؤس و تنفث فيهم روح الهيحان الثوري
العام و تشكل خطرا بالغا على النظام القائم كله.
13. ما هي نتائج الأزمات الاقتصادية الدورية؟
أولا: إن الصناعة الكبيرة, رغم كونها هي التي ولدت نظام
المنافسة الحرة أثناء المرحلة الأولى لنموها, لم يعد يلائمها هذا النظام. ثم إن
المزاحمة الحرة, و بصفة عامة ممارسة النشاط الصناعي من قبل مختلف الأفراد, أصبحا
يشكلان بالنسبة للصناعة الكبيرة عقبة مطروح عليها تجاوزها. و طالما بقيت الصناعة
الكبيرة تمارس على هذا الأساس فإنه لا يمكن لها أن تبقى و تستمر دون أن تؤدي كل
خمس أو سبع سنوات إلى حالة من الفوضى العامة تهدد في كل مرة بدمار الحضارة البشرية
بأسرها و لا تقتصر فقط على إلقاء ملايين العمال في مهاوي البؤس و الشقاء, بل تلقي
قسما كبيرا من العمال على حافة الإفلاس و الخراب. و هكذا فإما أن تدمر الصناعة
الكبيرة نفسها بنفسها - و هذا محال إطلاقا - و إما أن تعمد إلى تركيز تنظيم جديد
تماما للمجتمع لا يكون فيه الإنتاج الصناعي موجها لا من قبل بضعة صناعيين قلائل
يزاحم بعضهم بعضا بل من طرف المجتمع بأسره وفقا لخطة مرسومة حسب حاجيات كل أفراد
المجتمع
ثانيا: إن الصناعة الكبيرة و ما تتيحه من إمكانية لا متناهية
لتوسيع الإنتاج, تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا
يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته و مؤهلاته الخاصة و استخدامها
بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية و نشر
البؤس في المجتمع الراهن, يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء
البؤس و كل الأزمات. و من هنا يتضح ما يلي :
أ- أن جميع هذه الأمراض اليوم ليس لها من سبب سوى النظام
الاجتماعي القائم الذي لم يعد يستجيب لحاجيات المجتمع.
ب- إن وسائل القضاء على جميع هذه الأمراض أصبح الآن متوفرا و
ذلك بفضل بناء نظام اجتماعي جديد.
14. كيف ينبغي أن يكون هذا النظام الاجتماعي الجديد؟
ينبغي قبل كل شيء انتزاع المصانع و فروع الإنتاج الأخرى من أيدي
الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم و وضعها تحت إدارة و تسيير المجتمع بأسره.
مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة و بمساهمة
جميع أفراد المجتمع. و بالتالي يقع القضاء على المنافسة و يستعاض عنها بمبدأ
المشاركة و التعاون. و من ناحية أخرى, فإن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن
المنافسة و عن ممارسة أشخاص منفردين للنشاط الاقتصادي. ذلك أن ممارسة هؤلاء
الأشخاص للنشاط الصناعي يفترض بالضرورة وجود الملكية الخاصة, كما أن الملكية
الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة نظرا لكون هذه المنافسة ليست سوى أسلوبا لممارسة
نشاط صناعي مفتوح أمام بضعة أشخاص منفردين لإدارته و تسييره و هكذا فلا بد من
إلغاء الملكية الخاصة و الاستعاضة عنها بالاستخدام الجماعي لكل وسائل الإنتاج و
بالتوزيع العادل لكل المنتوج و ذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ
"اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز و
الأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل, الذي حتمه التطور الصناعي, في النظام
الاجتماعي. و لهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة
الشيوعيين.
15. أ فلم يكن إلغاء الملكية الخاصة ممكنا في الماضي؟
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية و كل تغير في النظام
الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة
الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة
منذ بدء التاريخ. و عندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل
ماينفاكتورة, أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية و الحرفية السائدة
آنذاك. و بحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة, ولد ذلك
شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. و فعلا, فبالنسبة للمانيفاكتورة,
كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى, لم يكن ثمة من شكل ممكن
للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز
أساسا على الملكية الخاصة. و طالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي,
لا فقط لسد حاجيات المجتمع, بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال
الاجتماعي و بتطوير القوى المنتجة, لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى
المنتجة و طبقة أخرى فقيرة و مضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين و طابعهما
يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى, القائم على زراعة الأرض,
يعطينا السيد الإقطاعي و القن. و في نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم
الحرفي و الصانع و العامل اليومي. و يعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة و
العامل. و القرن التاسع عشر, الصناعي الكبير (البرجوازي) و البروليتاريا.
و هكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة
من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع و تجعل من الملكية الخاصة عبئا و عائقا
لنموها. أما اليوم :
إثر نمو الصناعة الكبيرة, أنشأت الرساميل و تطورت القوى المنتجة
على نحو لم يسبق له مثيل و توفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة
إلى ما لا نهاية له.
تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين,
بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا
و أصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين.
تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار
الملكية الخاصة و النظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف
الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن و الحالة تلك, فإن القضاء على
الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.
16. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا, و سيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من
يشتكي من ذلك, لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار
أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم,
بل إنها كانت في كل مكان و زمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة و قيادة
الأحزاب و حتى الطبقات بأسرها. و لكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة
العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة و أن خصوم
الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. و لما كان ذلك
يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون
سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل و بكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة.
17. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة
واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية و ضحاها, فكذلك
الثورة العمالية, التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها, لا تستطيع سوى تحويل المجتمع
تدريجيا. و لن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر
الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.
18. ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة
الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب و
بصفة غير مباشرة في فرنسا و ألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا
من صغار الفلاحين و البرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال
و الذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية, و
بالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. و قد يقتضي الحال
خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.
و لا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة
إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة و تكفل
وجود الطبقة العاملة ذاتها.
و لعل أهم هذه الإجراءات, كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة,
هي التالية.
1- الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية
على الدخل و الضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة
و أبناء الخال) الخ...
2- المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين و
الصناعيين و أصحاب خطوط السكك الحديدية و البواخر و ذلك بواسطة منافسة القطاع
العام في الصناعة من جهة و بواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة
أخرى.
3- مصادرة أملاك جميع المهاجرين و المتمردين ضد مصلحة
غالبية الشعب.
4- تنظيم العمل و تشغيل العمال في ممتلكات و مصانع و
مؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم و يضطر ما تبقى من
الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
5- إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء
التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة و خاصة لخدمة أغراض
الأنشطة الفلاحية.
6- مركزة نظام القروض و تبادل العملة في أيدي الدولة و
ذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي و إلغاء كل البنوك الخاصة.
7- مضاعفة عدد المصانع و المشاغل و السكك الحديدية و
السفن التابعة للقطاع العام و استصلاح الأراضي المهملة و ترشيد استغلال الأراضي
الفلاحية و بذلك تقع الزيادة في الرساميل و تنمو القوى العاملة بالبلاد.
8- تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة و على نفقتها
منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم و العمل
الصناعي).
9- بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على
توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة و الريف مع التخلص من سلبياتها.
10- تهديم جميع المساكن و الأحياء غير الصحية و السيئة
البناء.
11- تمتيع الأبناء الشرعيين و غير الشرعيين بنفس حقوق
الإرث.
12- مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.
طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة, و لكن كل
إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية
بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما و إلى تعزيز
مركزة الرساميل و الصناعة و الفلاحة و النقل و المبادلات بين أيدي الدولة.
ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. و بقدر ما
تتعاظم و تنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق و تؤدي دورها
الممركز و بفضل عمل و مجهود العمال.
و أخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال و الإنتاج و المبادلات بيد
الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها و تصبح النقود بلا أي قيمة و يتضاعف
الإنتاج و يتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات
المجتمع القديم.
19. هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد
فقط؟
لا. بخلق السوق العالمية, تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب
الأرض, خاصة الشعوب المتحضرة, في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من
أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.
كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في
كل منها, أصبحت الطبقة البرجوازية و طبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان, و
أصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة
الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان
المتحضرة. هذا يعني, على الأقل في إنجلترا و أمريكا و فرنسا و ألمانيا.
ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة و
الثروة و أهمية كتلة القوى المنتجة. من هنا, ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل
في ألمانيا, و بأكثر سرعة و بأقل عراقيل في إنجلترا. و سيكون لها مفعول قوي على
بقية بلدان العالم, و ستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة
رقعتها.
20. ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة و كل وسائل النقل و تبادل و توزيع
المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص و تسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد و الحاجات
المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام
الحالي لإدارة و تسيير الصناعة الكبيرة. و ستختفي جميع الأزمات و سيصبح الإنتاج
الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع, بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس, بل
ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. و بدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج
الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس
الوقت.
كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على
درب التقدم و سببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات
مثلما هو الشأن إلى حد الآن.
و بتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا
هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما
قيست بالصناعة الكبيرة و الحديثة. و سيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من
المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من
التحسينات و الاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة و لتجزئة
(الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة و توفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات
الفلاحية. و هكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن
تلبية حاجيات جميع أفراده. و بذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات
المتعارضة أمرا لا مجال له. و ليس هذا فحسب, بل و غير متطابق مع النظام الاجتماعي
الجديد, و بما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه و بأشكاله الحالية,
سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي و الفلاحي إلى المستوى المذكور لا
يتطلب الوسائل الميكانيكية و الكيميائية فقط, و لكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى
الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. و كما غير عمال المانيفاكتورة و
الفلاحون من طريقة عيشهم و تغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة
الكبيرة, فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة و ما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل
الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. و لا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة
أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به, مستغلين من طرفه,
عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى و غير
مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج, بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة
الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا,
حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها, فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية و متطورة
في كل المجالات و القادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج و السيطرة عليه. و
سيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح و البعض
الآخر إلى إسكافي و الثالث إلى عامل و الرابع إلى مضارب في البورصة. و سيتيح نظام
التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة و عملية و
سيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية و
سيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. و
هكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم
المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات و تكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية.
كما سيزول, بإزالة الملكية الخاصة, التناقض الموجود بين المدينة و الريف. و تعتبر
ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي و الفلاحي هي إحدى
الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي, على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت
السكان الريفيين و تجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من
مراحل تطور الفلاحة و الصناعة و تشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ
الآن. و أخيرا, إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :
- تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي
و العقلاني للقوى المنتجة.
- تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
- إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم
على حساب الآخرين.
- إزالة الطبقات و الفوارق الطبقية بصفة نهائية.
- تنمية مؤهلات و مواهب جميع أفراد المجتمع بفضل
إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن و بفضل نظام التعليم المرتكز على العمل و
بفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس و تشريك الجميع في التمتع بالخيرات
المبدعة من قبل الجميع و كذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.
21. ماذا سيكون تأثير المجتمع الشيوعي على العائلة؟
سيُحوّل (المجتمع الشيوعي) العلاقات بين الجنسين إلى قضية شخصية
صرفة لا تهم إلا الأشخاص المعنيين بحيث لن توجد هناك فرصة للمجتمع للتدخل. سيتمكن
(المجتمع الشيوعي) من هذا بما أنه تخلص من الملكية الخاصة و علّم الأطفال على
قاعدة مشتركة. بهذه الطريقة يكون قد أزال قاعدتي الزواج التقليدي - الاستقلال
المتجذر في الملكية الخاصة, و في المرأة على الرجل, و في الأطفال على الوالدين.
و في ما يلي الجواب على صرخة القدامى ضد "مجتمع
النساء". مجتمع النساء هو حالة تنتمي بأكملها إلى المجتمع البرجوازي الذي يجد
اليوم تعبيره الكامل في البغاء. لكن البغاء يقوم على الملكية الخاصة التي بها تسقط
المرأة. هكذا, فالمجتمع الشيوعي, عوض إن يقدّم مجتمع النساء, يلغيه.
22. ماذا سيكون موقف الشيوعية من القوميات الموجودة؟
ستُرغم قوميات الشعوب التي ألزمت نفسها بمقتضى مبادئ جماعية,
على الاختلاط فيما بينها كنتيجة لهذه الشراكة و عليه لتحل أنفسها, تماما مثل الإرث
و تباين الطبقات المختلفة التي يجب أن تختفي عبر إلغاء أساسها, الملكية الخاصة.
23. ماذا سيكون موقفها من الديانات الموجودة؟
كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية
لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل
الأديان الموجودة سطحية و تؤدي إلى اضمحلالها.
فريدريك انجلز
أوكتوبر - نوفمبر 1847
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire