Tunisiens Libres: المرأة في الأديان و عند البرجوازية و ما تحقق لها في الإشتراكية

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

mercredi 8 mars 2017

المرأة في الأديان و عند البرجوازية و ما تحقق لها في الإشتراكية



المرأة في الأديان و عند البرجوازية و ما تحقق لها في الإشتراكية



عندما نتطرق إلى موضوع تأثير الدين في مسألة اضطهاد المرأة، يأتي على أذهاننا اليوم الشادور والبرقع والحجاب وغيرها من الملابس التي يزعم البعض، باسم الدين الإسلامي، بوجوب حبس النساء فيها، وغالبا ما ينجحون بذلك. وتواردنا صورة النساء في الأوساط اليهودية المتدينة واللواتي يتوجب عليهن تخبئة شعرهن أو حلق رؤوسهن وارتداء الشعر المستعار. كما تراودنا بالطبع العصابات التي، باسم المسيحية، تقوم بمحاربة حق المرأة بالقرار بإيقاف الحمل، وتذهب هذه العصابات إلى حد القيام بعمليات قتل.

بالتأكيد أن مواقف الازدراء ومعاداة النساء منتشرة على نطاق واسع في المجتمع، بغض النظر عن الدين، بما في ذلك الأشكال المتعددة من العنف الممارس ضد المرأة. ولكن النماذج التي ذكرتها للتو تعود بشكل خاص إلى التيارات الدينية التي نسميها اليوم بالأصولية. في هذا النطاق، يمكن نعت مواقف البابا بشأن الإجهاض، والواقي الذكري، الخ، بالأصولي أيضا.

إن هذه التيارات هي تيارات سياسية بالدرجة الأولى، واستخدامها للدين في سعيها لفرض سلطتها يأخذ طابع العودة عدة قرون إلى الوراء. فالأمر ليس مسألة إيمان أو عقيدة. إذ أن الأصولية لا تريد أن يدير الدين المسائل الخلقية والسلوك الفردي فقط بل أيضا مجموع الحياة الاجتماعية والسياسية.

لا يمكننا دائما وضع حد فاصل بين التيار الأصولي وما يشمله الدين الذي يرتبط به. فجميع الأديان تحمل الاصولية بحكم طبيعتها، والإسلام ليس حالة خاصة. ففي فترات ارتفاع الأفكار الرجعية مثل فترتنا الحالية، كل الأديان تقوم بفرز أفكارها الأصولية حتى لو أن جميعها لا تجد، بحسب أماكن تواجدها، نفس الوسائل لفرض نفوذها وسلطتها.

ونحن لا نقول بأن الأديان هي المسبب الأول لاضطهاد المرأة. فلهذه المسألة تاريخ يعود إلى ما قبل ولادة الأديان الحالية. ولكن الأديان تساعد على إدامة هذا الاضطهاد.

هذا العرض سوف يركز على الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى - أي التي تقول بوجود إله واحد - اليهودية والمسيحية والإسلام. وعلى الصعيد الجغرافي، سوف يقتصر بشكل رئيسي على أوروبا والولايات المتحدة من جهة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جهة أخرى.

لقد ولدت هذه الديانات الثلاث في حقبات مختلفة. فديانة اليهود التوحيدية (اليهودية) قد تشكلت خلال الألف الأول قبل الميلاد. والمسيحية، التي انبثقت عنها، قد تشكلت خلال القرن الأول من عصرنا الحالي. أما الاسلام، الذي يعترف أيضا بأنبياء التوراة، قد وضع النبي محمد أسسه في القرن السابع. ولكن لهذه الديانات الثلاث قاسما مشتركا بولادتها في مجتمعات تتشكل بشكل أساسي من قبائل بدوية تعتمد على تربية المواشي كمورد رئيسي لها. وكانت هذه المجتمعات منقسمة إلى طبقات وكانت تمارس العبودية كما أنها كانت قائمة على هيمنة الذكورية.

ومنذ تلك الأوقات، وبالرغم من تطور الكبير للمجتمعات البشرية، إلا أنها قد بقيت مقسمة إلى طبقات اجتماعية. وإذا ما تغيرت أساليب إنتاجها، لا تزال هذه المجتمعات قائمة على الاستغلال. ورافق هذا التطور كل أنواع القمع والظلم التي تبدلت على مرور الزمن، إلا أن اضطهاد النساء، بموجب كونهن نساء، قد تواصل مع استمرار الاستغلال.

وقد لعبت الأديان ومؤسساتها دورا رئيسيا في فرض هذه القوانين الاجتماعية، غير المتكافئة جوهريا، وفي سبيل قبولها من قبل ضحاياها، بما في ذلك النساء، مبررة ذلك بمشيئة الرب، من يهوه مرورا بالأب-والابن-والروح القدس إلى الله. ونحن لن نقارن مزايا كل من التوراة والإنجيل والقرآن! فتفسيرها لمسألة الوجود قد عفا عليه الزمن. أما فيما يخص احتقار المرأة فهو من بين قواسمها المشتركة.

لقد شاءت ظروفنا الحالية أن يتم تسليط الأضواء على الإسلام، خاصة وأن اضطهاد المرأة يبلغ مستويات عالية للغاية ومأساوية في بعض الأحيان في البلدان حيث الإسلام هو الدين المهيمن. وقد احتلت مسألة "الحجاب الإسلامي" هنا في فرنسا عناوين الصحف. لكن للكنائس المسيحية أيضا تقليد طويل في خدمة الطبقات المهيمنة من جهة، وفي اضطهاد النساء من ناحية أخرى. ولا يزال لهذا التقليد بقايا عديدة حاليا، وعلاوة على ذلك، فالكنيسة تتربص الوقت المناسب لإعادة فرض هذا التقليد في المجتمع!

إذا، وإن كانت الأصولية الإسلامية تبدو اليوم الأكثر تهديدا (ولذلك سلسلة من الأسباب التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية)، لا بد من القول بأن أولئك الذين، هنا في فرنسا، لا يقومون أولا بالتنديد، ومن دون تحفظ، بالدور الرجعي والشنيع الذي تلعبه الكنائس المسيحية ليس لهم، في رأينا، أية مصداقية حقيقية للحديث عن هذه المسألة.

الملكية الخاصة وإخضاع النساء

إن الرابط الذي يفسر استمرار اضطهاد المرأة على مر العصور نجده في بقاء النظام الاجتماعي القائم على الملكية الخاصة، ومعه نتيجته الطبيعية: اعتبار النساء كملك لأزواجهن، كما ممتلكاتهم الأخرى.

لقد بدأت مغامرة الإنسان في زمن كانت الموارد المادية فيه شحيحة بقيامها على الصيد وجمع الثمار. بالنسبة للنساء، كانت فترات الحمل والولادة، التي تليها فترات طويلة من الرضاعة الطبيعية للأطفال، تجبرها بالبقاء خارج العملية الإنتاجية، خاصة بالنسبة لعمليات الصيد الكبيرة. كان تقسيم الأدوار هذا ناتجا عن الوظائف البيولوجية لكنه لم يكن بالضرورة يعني وجود تراتبية بين الجنسين. وعلاوة على ذلك، فقد كان البشر في ذلك الزمن يجسدون آلهتهم على شكل أمهات ليعبدوها خاصة وأن النساء كانت تمثل مستقبل الجماعة.

لكن بعد زمن طويل، في الزمن المسمى بالعصر الحجري الحديث، تبدل نمط الحياة بشكل جذري عندما حلت تربية المواشي تدريجيا مكان الصيد وحلت الزراعة مكان عملية جمع الثمار. فبات الرجال يسيطرون على القطعان ومن بعدها على الزراعة التي كان تطويرها يعتمد على القوة الحيوانية.

وكلمة "رب" التي نجدها في مصطلح رب العائلة (pater familias) الذي كان معتمدا في الحضارة الرومانية، تأتي من كلمة قديمة جدا لا تعني أبوية مادية بل أكثر الإتقان وحيازة الممتلكات. وهكذا فإن مفهوم "الأملاك" (patrimoine) يشير إلى أملاك رب العائلة.

ومع زيادة أهمية عملية انتقال الاملاك، أي الميراث، بدأت أهمية السيطرة على خصوبة المرأة. إذ أصبح من الضروري التأكد من أن رب العائلة هو المنجب الحقيقي لمن سوف يحظى بإرثه ...

لقد امتد هذا التبدل العميق في نمط الحياة على مدى آلاف السنين. هذا ما يبدو بحسب القليل مما عرفناه عن حضارات منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، بما في ذلك بلاد ما بين النهرين. وأدى هذا التحول إلى تركيز الأملاك والسلطة بحوذة أقلية من الاسياد. وفي سبيل إعطاء قدسية لهذه السلطات، وبث روح الخوف والتبجيل والخنوع في النفوس، تشكلت طائفة من الكهنة أصحاب المعرفة والدارين بالإرادة الإلهية.

التطور نحو التوحيد

كما تطورت المفاهيم الدينية بدورها. فبدل الآلهة المتعددة في كل بلاد ما بين النهرين واليونان ومصر وروما القديمة، حلت فلسفة الإله الواحد والأبدي، والتي كان من شأنها أن تصبح الفكرة الأساسية في ديانة الشعب العبراني، وهو أحد الشعوب البدوية في المنطقة. وشن كهنة اليهود الرسميين صراعات متكررة ضد فكر تعدد الآلهة الذي سموه بـ"الوثنية". وإلههم الواحد، يهوه، لم يكن رحوما إذ مان قادرا على الغضب والانتقام حتى القتل، بحسب الكتاب المقدس. فقد ترتب عليه طرد حواء الفضولية من الجنة. وحتى اليوم في الديانة اليهودية، يحمد الرجال ربهم يوميا في صلاتهم لأنه قد خلقهم رجالا وليس نساء. والرجال وحدهم يمكنهم الاطلاع على النصوص المقدسة... وبحسب التوراة، وهي مجموعة التعليقات على الكتاب المقدس اليهودي، فـ"إنه من الأفضل حرق التوراة من أن تضع في عهدة امرأة"...

وتم تحديد دور المرأة بعملية إنجاب الاولاد.

لكن يهوه بقي باستحواذ الشعب العبري، فلم يكن شاملا للجميع فعلا.

كما تلقت الآلهة المتعددة ضربة أخرى، وبشكل مختلف تماما، خلال الألفية الأخيرة قبل الميلاد، وتحديدا بين القرنين الخامس والثالث ق.م.، وذلك في المجتمع اليوناني القديم حيث حقق الفكر العقلاني اختراقا ملحوظا طال المثقفين والفلاسفة وعلماء الرياضيات. ولكنه من الملحوظ في هذا المجتمع الذي كان يمارس العبودية أن أرسطو، وإن كان قد شعر ببعض الحرج عند تبريره بالمنطق استعباد البشر، فهو لم يكن محرجا على ما يبدو لتبرير اضطهاد النساء. إذ أن هذا الامر كان يبدو أمرا بديهيا في مجتمع كان يغلق النساء المتزوجات في ما كان يسمى بـ"المأنث". كما أصدر عالم الرياضيات فيثاغورس نظرية تقول بـ"أن المرأة عندما تتواجد في الأماكن العامة فهي تكون دائما في غير مكانها". ولكنه، على عكس نظريته الأخرى التي تدرس في المدرسة، فإنه لم يتكلف ببرهنتها!

ولادة المسيحية

أما التطور نحو دين ذات إله واحد وشامل، أي التوحيد، فهو كان بفعل أحد تيارات اليهودية الذي كان يتبع يسوع من الناصرة. فهذا التيار المضطهد من قبل الكهنة العبريين الرسميين الذين اعتبروا أفكاره منحرفة، قام بالانفتاح إلى غير اليهود. وتطور هذا التيار في عهد الإمبراطورية الرومانية حيث كانت العبودية منتشرة بشكل كبير. فأصبحت المسيحية دين عزاء للعبيد الذين كانت توعدهم بالمساواة بعد الموت. إذا قامت المسيحية بتمجيد العبيد، فذلك كان فقط في كونهم شهداء، وليس كثائرين!

ولاقت المسيحية اضطهادا من قبل الأباطرة الرومان خلال ثلاثة قرون قبل أن يتم السماح بها لتصبح بعدها الدين الرسمي للدولة في عهد الامبراطور ثيودوسيوس في نهاية القرن الرابع ميلادية. فتم منع الطقوس الوثنية وتم وصف العقلانية اليونانية بـ"الجنون الدنس"... ليصبح الكهنة المسيحيون طغاة بدورهم.

وكان بولس، المؤسس العظيم الأولى للمسيحية في القرن الأول ميلادية، والذي أصبح قديسا لاحقا، قد أقر بضرورة العمل في سبيل كسب تحصيل المعيشة وبضرورة احترام القوانين القائمة والخضوع للسلطة ودفع الضرائب. وطلب من العبيد إطاعة أسيادهم كما فعل يسوع المسيح.

واستمرارية "الرسالة المسيحية" نجدها، على سبيل المثال، في ما صرحه المجلس البابوي في عام ٣٢٤ مهددا: "اذا قام شخص ما، بحجة التقوى الدينية، بتعليم العبد احتقار سيده أو الهرب من العبودية أو التلكؤ عن خدمة سيده بحسن نية وبحب، فإنه سوف يعتبر كافرا".

كما تماشت الكنيسة المسيحية مع ما كان وضع المرأة في المجتمع الروماني.

ففي أساس فانون الأسرة الروماني، كانت الزوجة تعتبر جزءا من البضاعة رب العائلة، وكذلك أولادها وعبيدها وجميع ممتلكاتها. وكان لرب العائلة عليهن، من حيث المبدأ، الحق بالقتل إن شاء. كانت المرأة من تابعيات الرجل، دون أية سلطة بما في ذلك على أطفالها.

وكان "القديس" أوغسطينوس، الذي يعتبره المسيحيون واحدا من أعظم علمائهم الدينيين، قد تساءل في حوالي السنة ٤٠٠: "أنا لا أرى بأي غرض يمكن للرجل استعمال المرأة، إذا استثنينا تربية الأطفال". وهم كان يسير على خطى سلفه القديس بولس الذي كان ينادي بإسكات النساء: "لنفرض الصمت على النساء في المجالس!"...، أو بخصوص ارتداء الحجاب المفروض على النساء في الكنائس "إن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل"..."لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها، من أجل الملائكة".

كان قوله واضحا وضوح الشمس إلا أنه لماذا تكلم عن الملائكة؟ فهل للملائكة، في نهاية المطاف، شهوات جنسية؟

على أي حال، بعد حوالي العشرين قرن، بقيت النساء والفتيات مجبورة على ارتداء وشاح أو قبعة داخل الكنائس الكاثوليكية، وهذا لا يزال الحال في جنوب أوروبا حاليا!

ولادة الإسلام

سوف نقوم الآن بقفزة زمنية للحديث عن أصول الإسلام، ولكن بصراحة لا تأملوا أن تختلف الأفكار.

في القرن السابع ميلادية، كانت شبه الجزيرة العربية ما زالت في مرحلة تطور تتميز بوجود نظام قبلي وآلهة متعددة ومن بينها إله يدعى الله.

قام محمد، الذي ادعى الانتماء إلى أنبياء الكتاب المقدس، بتقديم نفسه على أنه ممثل الله، جاعلا إياه إله واحد أحد. وكان محمد أيضا زعيم سياسي وحربي. فتحت راية الإسلام، قام بتوحيد القبائل العربية البدوية تحت أمرته، وجعل منها أداة للفتوحات. وعند وفاته عام ٦٣٢، كانت شبه الجزيرة العربية بأسرها معتنقة الدين الإسلامي.

وبعد مرور قرن على وفاته امتدت امبراطورية خلفائه من نهر السند إلى المحيط الأطلسي، تحت راية الدين الاسلامي، مع العديد من التعديلات المحلية.

هكذا كان دين الإسلام منذ البداية قوة سياسية إلى جانب تأثيره الديني. كان القانون المسن في القرآن قانون الدولة. حتى اليوم، بالنسبة للأصوليين الاسلاميين، يجب أن يكون القرآن مصدر أي دستور. بسبب هذا المنحى التاريخي يجد الأصوليون المسلمون سهولة نسبية للظهور على كونهم تيارات سياسية.

ويؤكد المدافعون عن الإسلام الذين يريدون تحسين صورته بالنسبة لعصرنا الحالي، كما أولئك الذين يتبعون نصوصه حرفيا، على أن قرآن محمد يمثل تقدما للمرأة مقارنة مع ما كان سائدا في المجتمع في ذلك الحين: ففي حين كان تعدد الزوجات أمرا طبيعيا، حدد الإسلام عدد الزوجات الشرعية إلى أربعة - الأمر الذي لم يمنع محمد نفسه أن يكون له تسعة زوجات - كما سمح للبنت الحصول على حصة من الميراث الأبوي بينما كان المجتمع الأبوي في ذلك الوقت يحظر مشاركة النساء في الإرث لأنه كان ينبغي أن يبقى ضمن ممتلكات قبيلة. ولكن المسيحية تمكنت من الظهور طوال مدة على كونها دين "المساواة" لإعطائها النساء (كما العبيد) نوعا من المساواة الروحية في العالم الآخر. إنه لمن الصعب وصف هذا بتحسن، وهو كان ضئيلا في كل الاحوال.

أما الحجاب الشهير، فماذا كان يقول القرآن بصدده؟ الحقيقة أنه من المستحيل تحديد ذلك حيث أن مفسري القرآن والحديث غالبا ما يتجادلون بخصوص الآيات العديدة التي تتناول هذه المسألة، والتي هي غالبا متناقضة.

ولسنا نحن من سوف ينهي هذا الجدال!

الحجاب كان موجودا قبل الإسلام (حتى لو أنه لم يكن مستعملا، وفقا للبعض، في شبه الجزيرة العربية نفسها). فبحسب الاختصاصي جان بوتيرو، يبدو أن في بابل القديمة كان الحجاب مخصصا للنساء المتزوجات، في حين أن النساء اللواتي كن يتسكعن في الشوارع والساحات العامة، وهن من المومسات في كثير من الأحيان، كان لبس الحجاب يحظر عليهن. إذ كان من الضروري التمييز بين النساء المتاحة للعامة والزوجات المرتدية الحجاب كدليل عن أنهن ملكية الخاصة: ممنوع اللمس، وحتى الرؤية!

إذن، الحجاب لم يكن من اختراع محمد. لكن الحقيقة هي أن توسع الإسلام قد ترافق في العديد من البلدان مع تزايد ارتداء الحجاب. وكان ذلك يهدف إلى وضع شعار تمييز بالنسبة للمجتمع المحلي الذي أصبح تحت سيطرة الخلافة. ومع تزايد الثروات، من مال وعبيد، نتيجة غنائم الغزوات، تزايدت ضرورة التحكم بالزوجات مع الحاجة للتفرقة بينهن وبين النساء المستعبدة اللواتي كان يتوجب عليهن التنقل دون تغطية رؤوسهن. وأصبحت النساء المحجبات، من الرأس إلى أخمص القدمين في كثير من الاحيان، رمزا للدين الإسلامي.

الأديان ضد المرأة

مع تناقل الإرث جاءت حاجة الرجال للتأكد من نسلهم. من هنا تطورت الحاجة لأن تكون الفتاة عذراء عند الزواج وتزايد قمع زنا النساء فكان العقاب البدني لهن، حتى الرجم، منذ قانون الدين اليهودي، وهو لا زال يمارس في العديد من الدول الإسلامية.

والإكراه البدني هو أيضا حبس النساء في بيوت أزواجهن وآبائهن، وهو أمر يستمر أيضا حتى أيامنا هذه.

جميع الأديان، بكونها من نتاج مجتمعات همجية ماضية، هي بطبيعتها معادية للنساء. يمكن أن يكون هناك بعض الفوارق فيما بينها، وفقا لخصائص المجتمعات المختلفة التي ولدت وتطورت فيها، لكن معاداة النساء تبقى من قواسمها المشتركة.

وجميع الأديان تبقى متمسكة بشدة بفكرة أن الوظيفة الجنسية يجب أن تستخدم للإنجاب فقط - خاصة عند النساء، بطبيعة الحال. وتطور التحكم بعملية الانجاب إلى التحكم بأجساد النساء ككل. والمسيحية قد أبدت بهذا الصدد نوعا من الهوس، وما زال هذا الهوس موجودا في عصرنا الحالي.

فإنه ليس من المستغرب أن يتم، ولمدة طويلة، اعتبار الاغتصاب كمجرد "هتك للعرض"، وليس حتى جنحة، ناهيك عن جريمة. ولم يتحدث أحد عن مسالة "الاغتصاب" ضمن العلاقات الزوجية حتى مؤخرا.

أما المفهوم الديني للجرائم الجنسية "المخالفة للطبيعة" فقصته طويلة أيضا. فالمثلية الجنسية جريمة كونها لا تؤدي إلى الإنجاب! وحتى في العلاقة مع الجنس الآخر، تحظر الكنيسة أي هدر للبذور الإلهية: فبالنسبة لتوماس الأكويني في القرن الثالث عشر، "إن التبذير بالبذور يتعارض مع مصلحة الطبيعة الكامن ببقاء الجنس البشري. "

هذا الهوس بتحديد الوظيفة الجنسية يفسر لماذا تعرض المثليون جنسيا لقمع شديد خلال التاريخ من قبل جميع الاديان، الكاثوليكية والإسلامية وغيرها من الأصوليين البروتستانتيين في الولايات المتحدة ورجال الدين الأنغليكانيين في افريقيا السوداء.

في هذا الصدد، قال أحد النواب الفرنسيين مؤخرا في جلسة مخصصة للحد من التمييز الذي يطال المثليين أن سلوك مثلي الجنس "من الواضح أنه يشكل تهديدا لبقاء البشرية"، وهو يعرب بذلك عن وجهات نظر العديد الناس في مجتمعنا.

إن القمع والإكراه البدني لا يكفيان لضمان بقاء الانظمة الظالمة مطولا. هنا تلعب الأديان بشكل عام دورها لضمان خضوع الجماهير للفوارق الاجتماعية. فنابليون قال في حديثه عن الملكية الخاصة بشكل عام أن "...إن عدم المساواة في الثروات لا يمكن أن يوجد بدون دين. فعندما يتعذب رجل من الجوع وبجانبه رجل ثري، فإنه لا يمكنه أن يتقبل هذا الاختلاف دون وجود سلطة تقول له: هذه هي مشيئة الله... وهذا الأمر ينطبق أيضا على اضطهاد المرأة. فباسم "مشيئة الله" أدخلت الأديان في أذهان النساء مشاعر الخضوع والدونية. الأمر الذي ساهم في إطالة أمد هذه الفكرة الهمجية حتى القرن الواحد وعشرين.

الثورة البرجوازية تتراجع أمام مسألة المساواة بين الجنسين

بدأت الثورة البرجوازية في فرنسا في عام ١٧٨٩ فأتت على النظام الملكي والكنيسة التي كانت داعمة له. ماذا بشأن مسألة تحرير المرأة؟

لقد أعادت هذه الثورة النظر بالنظام الاجتماعي الكهل والقائم جوهريا على انعدام المساواة مع تقسيم المجتمع إلى ثلاثة مراتب: طبقة النبلاء التي كان لوحدها الحق في حمل السلاح، وطبقة رجال الدين الذين كان من المفترض عليهم تأدية الصلاة؛ وفي أسفل المجتمع الطبقة الثالثة التي تنتج ما يلزم لإعالة الطبقتين الأخرتين، وذلك وفقا لتقسيم المهام التي ادعت الكنيسة أنه يتوافق مع إرادة الله.

وكان النظام الملكي الفرنسي يدعي الحق الإلهي وأنه "الابنة الكبرى للكنيسة". بذلك، بإعلان الثوار في عام ١٧٨٩ حقوق الإنسان والمواطن، فإنهم قاموا بالطعن بالحق الإلهي. ومع إلغاء الامتيازات والمراتب وإلغاء الحقوق الإقطاعية في ليلة ٤ أغسطس تم إصابة رجال الدين، وخاصة أعلاهم في المراتب من الإقطاعيين الكبار، في القلب!

وكان يمكن لانعدام المساواة بين الجنسين أن تتزعزع بدورها.

لقد حققت الثورة بالفعل تقدما كبيرا بما يخص المساواة في الحقوق. فمن حيث الحقوق المدنية أقرت المساواة في الميراث عبر إلغاء "امتياز الرجولة" في هذه المسألة، وأصبح الزواج مجرد عقد مدني، كما سمحت بالطلاق بالتراضي وبالمساواة في الحقوق .

وعلى الرغم من كل هذا، فالثورة الفرنسية المناضلة ضد الكنيسة، ومع أن الكثير من قوادها كانوا متحررين من الظلامية الدينية، فإنها لم تذهب إلى حد إرساء المساواة المدنية والسياسية بسن المرأة والرجل، وحتى لم تعطي المواطنية للمرأة.

ولكن النساء من عامة الشعب لم يقفن مكتوفات الايادي. فهن قد لعبن دورا حاسما في أحداث ثورة الـ ١٧٨٩، وقد شاركن بشكل مذهل خلال الأيام العظيمة بين عامي ١٧٩٢ و١٧٩٣، وقد أسست بعضهن نوادي سياسية. وبكل جرأة قامت أوليمب دو غوج بنشر إعلانها عن حقوق المرأة والمواطنة. ولكن كل هذا لم يكفي. ففي خريف عام ١٧٩٣، تم منع الأندية الشعبية والجمعيات النسائية وتم أعادت النساء إلى بيوتهن.

وقد تملؤنا الدهشة أمام التناقض الصارخ لهذه الاجراءات مع المبادئ المعلنة في عام ١٧٨٩. الأمر يعود إلى كون كراهية النساء عميقة في المجتمع، حتى بين المثقفين من التنوير مثل جان جاك روسو، وذلك على الرغم من التقدم الذي خصل في العقود السابقة. هذا وإن كان هناك من تحلي بعض القادة الثوريين بجرأة في بعض الحالات.

يمكن للمرء أن يتصور أن معظم الثوار لم يكونوا ليتقبلوا بمشاطرة السلطة التي تمكنوا أخيرا من الوصول إليها... وكانوا يكتفون بهذا القدر من الانقلابات في القوانين الاجتماعية والسياسية. ولكن جوهر المسألة ربما يكمن في حقيقة أن هذه الثورة كانت مصابة بعيب تكويني: فإنها كانت تطمح، في أوجها، لأن تكون ثورة ديمقراطية تطال جميع البشر، ولكنها في نهاية المطاف قد عملت على تأمين المصالح الأنانية للبرجوازية: فهي، كما نعلم، قد توقفت أمام حد الملكية الخاصة التي أقرت احترامها في شرعة حقوق في عام ١٧٨٩. وعلى حد قول جان جوريس "لقد تقهقرت البرجوازية الثورية أمام ضمان المصالح الخاصة الكبيرة ".

ولذلك توقفت الثورة عند حد المساواة السياسية بين الرجل والمرأة. من الواضح أن هيمنة الملكية الخاصة الكبيرة وهيمنة الرجال على المجتمع هما أمران مرتبطان ارتباطا وثيقا جدا!

إن الثورة الفرنسية لم تحقق الديمقراطية "الكاملة"، على حد تعبير بعض نواب تلك الحقبة والذين يمكن اعتبارهم نسويين بحسب تعبيرنا اليوم. لكن بعد مرور أكثر من قرنين من الزمن، فإن ذلك لم يتحقق بعد فعليا.

النظام الأخلاقي البرجوازي ضد المرأة

بعد الانتهاء من المرحلة الثورية عاودت كنيسة لتلعب دورها في ظل دكتاتورية نابليون. ففي سبيل تثبيت الملكية البرجوازية بشكل متين، كان القمع يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مرهم الدين. فتم أبرام توافق بين نابليون والفاتيكان، وساهمت الكنيسة بشكل كبير إلى تحديد دور المرأة في بقائها في المنزل. وفقدت النساء حتى ما كانت الثورة قد جلبته لهن. فانتصر النظام الاخلاقي التقليدي وبات أمام النساء كنيسة أشد تصميما على فرض قوانينها بقدر ما كانت قد خشيت الثورة قبل ذلك.

كان حكم البرجوازية المنتصرة قائما على الاضطهاد القاسي للنساء ضمن الزواج البرجوازي ونفاقه. والقانون المدني الذي اعتمد في عام ١٨٠٤، والمعروف باسم قانون نابليون، هو ملخص لهذا الاضطهاد.

كون غرضه الأساسي هو تنظيم مبادئ الملكية وحقوقها، فإنه قد تولى أيضا تنظيم ملكية المرأة ضمن الزواج، مستلهما من القانون الروماني. فكان نابليون واضحة تماما: "تعطى المرأة إلى الرجل بهدف إنجاب الأطفال. المرأة هي من ممتلكاتنا، ولسنا ملكا لها". ولم يكن للمرأة المتزوجة أي وجود كفرد في التشريع، فإنها حرمت من الحقوق القانونية كما كان الحال بالنسبة للقاصرين والمجرمين والمعاقين عقليا. لكمه كان يمكن تطبيق عقوبة السجن عليها في حال ارتكبت الزنا. لم يعد للمرأة أي مكان في المجال العام، فلم يكن مسموحا لها الدخول إلى الأماكن العامة مثل المحاكم والمجالس، ولا حتى المكتبات العامة.

كانت هذه الحقبة الممتدة حتى سقوط الإمبراطورية الثانية في عام ١٨٧٠ حقبة مارست فيها الكنيسة الكاثوليكية سلطتها وكانت المرأة من بين ضحاياها.

وأصبحت مريم، "القديسة العذراء"، مواساة للنساء. فمريم لم تكن "مقدسة" في بداية الديانة المسيحية، بل مجرد والدة الله. وعبادتها قد بدأت خلال العصور الوسطى في سبيل تعزيز التقوى لدى النساء. فكتعويض لها - كون إله المسيحية، سواء الآب والابن والروح القدس، ليسوا نساء (ولا يهوه ولا الله كذلك، وجب التحديد) - جعلوا من والدة الرب قديسة مميزة.

وفي القرن التاسع عشر، في عام ١٨٥٤، أعلن البابا أخيرا أن مريم كانت قد أولدت بلا خطيئة...، فأصبحت عقيدة "الحبل بلا دنس" التي رافقت إعلان البابا نفسه معصوما عن الخطأ في عام ١٨٧٠. فتتالت معجزات ظهور "القديسة مريم العذراء"، في مدينة لورد على وجه الخصوص.

وألقت هذه الأيديولوجية بتأثيرها أيضا في الدوائر الفكرية والفنية - والأوساط الطبية أيضا - التي كان يمكن الاعتقاد بأنها أكثر استنارة. ففي حين كانت الكنيسة تمجد مريم العذراء كوالدة المسيح، قامت كمية من الكتاب والشعراء والرسامين ومؤلفي الأوبرا، وبشكل خاصة في الحركة الرومانسية، بوضع "المرأة" (صورتها المجردة) على أعلى السلم وكمصدر إلهام مثالي للـ"الأنوثة" - الصامتة، وهذا غني عن القول.

وكان هناك تقارب في المنحى الرجعي، الناشط من قبل الكنيسة، والمنافق من قبل الآخرين، في تمجيد هذه الامرأة الوهمية. وقام بلزاك بتلخيص هذا التمجيد الوهمي عندما قال بسخرية أن المرأة هي "عبدة يجب أن نعرف كيفية وضعها على العرش".

أما المرأة الحقيقية، فكانت حياتها جحيما في غالب الاحيان.

وتكيفت الكنيسة مع عصرها، فمن جهة قامت بإرسال العديد من النساء إلى مختلف أنحاء العالم لخدمة مشروعها التوسعي، "لتبشير الدول الكافرة"، ومن جهة أخرى قامت باستغلال النساء الفقيرة، وخاصة فتيات الريف، في "مجتمعات العمل"، وهي كانت عديدة في منطقة ليون، وذلك تحت غطاء دور الأيتام. وأصبحت هذه المراكز، المسماة بـ"الهبة الربانية" (!)، ورش عمل لصناعة الحرير مع طاقم ينصاع جيدا للأوامر ويتقاضى أجورا منخفضة جدا: إذ كان ذلك عبارة عن "عمل خيري"، ولأن احتياجاتهم الحياتية كانت تعتبر ضئيلة جدا.

وشكل ذلك منافسة لعمال الغزل والنسيج وأثار سخط نساجي الحرير في مدينة ليون الذين قاموا بتدمير حلقات العمل هذه أثناء الاضطرابات العمالية العنيفة الذي حصلت في عام ١٨٤٨. وهو أمر يمكن تفهمه.

وناضل رجال الدين على الدوام ضد تنظيم العمال، إي ضد النقابات الناشئة. فهددوا النساء بحرمانهم من الزواج الكنسي إذا لم يتركن النقابة، كما حصل على سبيل المثال لعاملات مدينة دوارنانيه في عام ١٩٠٥.

نفهم إذا لماذا انتشرت الكراهية ضد الكنيسة في الحركة العمالية التي بدأت في التحرك، وليس فقط في فرنسا.

الحركة الشيوعية والحركة النسوية

منذ فترة الـ ١٨٣٠، لاقت حركة تحرير المرأة الكنيسة بالمرصاد. وذلك خاصة لأن الجمعيات النسوية في فرنسا، ومعها فلورا تريستان، والتي كانت متأثرة بالتيارات الاشتراكية المثالية التابعة لسان-سيمون وفورييه، كانت تمزج المطالب النسوية بمطالب العاملات.

وكان شارل فورييه رائدا في مكافحة إخضاع المرأة في مؤسسة الزواج. والحركة الشيوعية وجدت في بيان الحزب الشيوعي لماركس وإنجلز في عام ١٨٤٨ تنديدا باضطهاد المرأة وبالأسرة البرجوازية وكان ذلك مدرجا في برنامج الأساسي. وإنه بفضل هذه الحركة، وبفضل انجلز والزعيم الاشتراكي الألماني أوغست بيبل، تأسست قضية المرأة أخيرا على أرضية صلبة، عبر التبيين عن الطبيعة التاريخية للعلاقات الأسرية والقمع الشامل للمرأة. كان كتاب بيبل عن "المرأة في الماضي والحاضر والمستقبل" أحد ركائز تثقيف الاشتراكيين والشيوعيين.

بطبيعة الحال، كان لا بد أيضا من محاربة الأفكار الذكورية في الحركة العمالية الفرنسية، والمتأثر بشكل خاص بأفكار برودون الكاره للنساء والذي كان يقول "المرأة التي تستخدم ذكائها في السياسة فأنها تصبح قبيحة ومجنونة كالقردة."

وكان من الضروري أيضا محاربة التفكير التنافسي بين أعضاء البروليتاريا في سوق العمل نتيجة عمل النساء في الصناعة.

ولكن الشيء المهم هو أن قادة الحركة الاشتراكية، أوجين فارلان، جول جاد وبول لافارج، قد حاربوا هذه الأفكار الذكورية بشدة.

في فرنسا، وابتداء من سنة ١٨٦٠-١٨٧٠، كانت مسألة تعليم البنات ضمن العديد من الصراعات السياسية. وقد لاقى الإدخال التدريجي للتعليم العام المفتوح للفتيات مقاومة من قبل الكهنة والأساقفة الذين كانوا يحاولون الحفاظ على قبضتهم على النساء. فرأوا في قانون عام ١٨٨٠ بإنشاء التعليم الثانوي للفتيات "قانونا معاديا للكنيسة" في المقام الأول.

المدرسة العلمانية، بتخلصها من قبضة الكهنة، لم تكن متخلصة كليا من ممارسات التمييز الجنسي وغيرها من الأخلاق البرجوازية. كما أنها لم تؤمن التعليم إلا لفتيات البرجوازية. وحتى بالنسبة لها، كان يتم إعاقة بلوغها الدراسات العلمية والطبية والقانونية التي كانت حكرا على الرجال. كما نعلم، حتى اليوم، ليس من المفترض أن تكن الفتيات ضالعات في "الرياضيات"... وشهادة البكالوريا لم تعتمد على تعليم وامتحان مشترك إلا منذ عام ١٩٢٤.

وأخيرا، وعلى الرغم من سلسلة من التحسينات التشريعية خلال الجمهورية الثالثة، ظل تعليم البنات في فرنسا لفترة طويلة معقلا لسلطة الكهنة والراهبات. بحيث أنه عندما قامت بعض الجمعيات والمثقفين بالمطالبة بإعطاء حق التصويت للنساء، تجرأ خصوم هذا الحق بالتحجج بقلة مستوى تعليم المرأة وبتأثير الأيديولوجية الدين عليها قائلين بأن الناخبات سوف يكن بمثابة حصان طروادة بخدمة الكنيسة. وكان من شأن هذه الحجة المنافقة أن تستخدم عدة مرات لاحقا من قبل السياسيين الفرنسيين، كلما طرحت قضية إعطاء المرأة حق التصويت، لا سيما عند نهاية الحرب العالمية الأولى.

وهكذا، ظلت المرأة مستبعدة عن السياسية في هذه الجمهورية الذي كانت تدعي الديمقراطية. وكانت هذه المسألة صعبة في جميع البلدان، وبشكل خاص في فرنسا، حيث إلى جانب الكنيسة الكاثوليكية، كان يوجد ثقل الجماهير الريفية العديدة في ذلك الوقت. لفترة طويلة كان الكلام عن "الاقتراع العام" في حين أن الاقتراع كان محصورا بالذكور!

وحتى عام ١٩١٤، لم تمنح أية قوة عظمى حق الاقتراع للمرأة. كانت السلطة السياسية ما يمكن تسميته بـ"النواة الصلبة" للهيمنة الذكورية في المجتمع البرجوازي.

الثورة العمالية في روسيا وآثارها على النساء في الدول الإسلامية

ومع ذلك، فإنه كان من البديهي أن يقوم البلاشفة، عندما وجدوا أنفسهم في السلطة في روسيا، بإلغاء قوانين الحقوق المدنية بخصوص الزواج وحقوق الطفل والطلاق. لكن إدخال مبدأ المساواة الجديد في الممارسة في روسيا الشاسعة والمتخلفة والمتشبعة بمخلفات النظام القيصري، كان طبعا مسألة أخرى. على الأقل، فعل البلاشفة كل ما هو ممكن في سبيل ذلك. وقاموا في نفس الوقت بحل الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية والباباوات لتصبح من ذكريات الماضي - على الأقل حتى الوقت الحالي حيث يعودون بشكل خطير وفعال إلى جانب بوتين.

ويمكننا تقدير كيف قامت الثورة الروسية بزرع بذور المستقبل في وقتها، وذلك مع هذا الحدث: في مايو ١٩١٧، عقد في موسكو المؤتمر الروسي المسلم الاول، والذي ضم ١٠٠٠ مندوب من بينهم ٢٠٠ امرأة. وإذ بهم يعلنون المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل! وفي كانون الأول/يناير ١٩١٨، قررت اللجنة المركزية لشئون المسلمين إلغاء تعدد الزوجات وزواج الفتيات الناشئات، كما أعلن عن إرادة الدولة فرض تعليم الفتيات كما الفتيان. وبالنسبة لمناطق آسيا الوسطى التي كانت ممثلة في اللجنة، كان إلغاء لباس الحجاب الالزامي أمرا مذهلا للغاية.

كما نشأت منذ بداية القرن نوادي ومجموعات نسائية أسستها نساء من الطبقات الغنية، وذلك في عدد من الدول خارج أوروبا وأمريكا الشمالية. منها، على سبيل المثال، في إيران الموالية للثورة الدستورية في فترة ١٩٠٦-١٩١١، وأيضا في مصر.

بعد الحرب العالمية، ومع تفكك الإمبراطورية التركية، جاءت فترة من الاضطرابات بسبب تداعيات الثورة الروسية وصحوة الشعوب المناهضة للاستعمار وللوصاية الامبريالية. كل هذا فتح طريق التقدم أمام وضع المرأة، وهو طريق سلكته الأحزاب الشيوعية الناشئة في الشرق الأوسط، بما كانت تسمح قواها.

أما في تركيا، وعلى أنقاض الإمبراطورية العثمانية، تم إعلان الجمهورية عام ١٩٢٣ تحت قيادة القومي المتطرف مصطفى كمال أتاتورك ليقوم بعدها دستور وقانون مدني مستوحى من نماذج الدول الغربية. كانت الدولة الجديدة علمانية ونالت المرأة حق التصويت والترشح مساواة مع الرجل، في عام ١٩٣٤، أي قبل عشرة سنوات من المرأة الفرنسية. وفي عام ١٩٣٥ عقد في اسطنبول مؤتمر التحالف الدولي للنساء التي كان قد تأسس في بداية القرن فاستقبل مندوبات جئن من إيران وسوريا وفلسطين وحتى الهند.

في كل مكان، نشأت منظمات نسائية، في العراق في عام ١٩٢٤، وسوريا حيث تظاهرت النساء ضد قوات الاحتلال الفرنسي في عام ١٩١٩ وعام ١٩٢٥، وفي فلسطين والسودان ولبنان.

وفي مصر، قامت نساء من المجتمع الراقي، بعد مشاركتهن بمؤتمر التحالف الدولي، بتأسيس منظمة سياسية نسوية تميزت فيها هدى الشعراوي بخلعها الحجاب ورميه بشكل علني في الأماكن العامة.

المؤرخون الغربيون الذين كانوا، ولمدة طويلة، يتألفون حصرا من الرجال، لم يأبهوا كثيرا بالعثور على آثار من الحركات النسوية التقدمية في ذلك الوقت في البلدان الإسلامية. ولكن مجرد وجود هذه الحركات تبرهن أنه لم يكن هنالك حتمية لتقهقر وضعية المرأة في هذه البلاد كما حصل بعد تلك الفترة.

نضالات النساء في سنوات الـ ١٩٦٠-١٩٧٠

في أوروبا، وبعد الحركة الثورية بين ١٩١٧-١٩١٩ حلت فترة من الرجعية، باستثناء فترة منتصف الثلاثينات (مع التحديد أن الجبهة الشعبية في فرنسا لم تحسن أي شيء بخصوص حقوق المرأة). فجاء قانون ١٩٢٠ لمنع الإجهاض بحجة "تجديد" الشعب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، وتم تقديم الإنجاب كواجب وطني وأمام الرب. كما منع هذا القانون أية دعاية أو ترويج لتحديد النسل، تحت طائلة عقوبات ثقيلة، بما في ذلك السجن. وقد وافق رئيس رابطة حقوق الإنسان (دون المرأة على ما يبدو!)، فرديناد بويسون على هذا القانون. وتم تعزيز القانون في عام ١٩٢٣ وخاصة في عام ١٩٤٢، في عهد بيتان الذي جعل الإجهاض "جريمة ضد الدولة" تعاقب بالإعدام.

كما تم تطبيق قانون ١٩٢٠ في عام ١٩٣٣ في الأقاليم المستعمرة في إفريقيا الغربية...

وفي تلك الفترة أحبط مجلس الشيوخ ست مشاريع قانون لإعطاء المرأة حق الاقتراع - ورافق ذلك تعليقات مثل ما قاله السيناتور الكسندر بيرار: "إن أيدي النساء لا تصلح لمسك ورقة الاقتراع بقدر ما تصلح لتقبيلها "...

وأخيرا، حصلت المرأة الفرنسية على حق التصويت، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، في عام ١٩٤٤. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ٦٠ لهذا الحدث، أفادت المؤرخة فرانسواز تيبو أن الصحافة في ذلك الوقت أعطت توصيات للناخبات: عند الاقتراب من صناديق الاقتراع، عليهن المزايدة بإظهار أنوثتهن وذلك بهدف طمأنة أزواجهن، باستعمالهن البودرة وحمرة الشفاه على سبيل المثال...

وعاودت الحركة النسوية بالظهور في أواخر الستينات، بدأ بالولايات المتحدة. في فرنسا، ظهرت الحركة بعد نهضة مايو ٦٨ حيث أعطت الحركة الطلابية صفرة البداية لعملية إزالة الغبار عن المجتمع الفرنسي القديم إلى جانب استعادة حيوية جديدة لأفكار اليسار واليسار المتطرف. كانت السنوات ١٩٦٠-١٩٧٠ فترة من التقدم الحقيقي بالنسبة لمطالب المرأة.

الوقت لا يسمح لنا هذا المساء عرض مراحل الكفاح من أجل حق النساء في التحكم في أجسامهن، ولكن، إذا كان هناك أمر ثابت هو عداء الكنيسة لهذا المشروع. فبعد قانون ١٩ ٢٠ القمعي والذي تماشى مع أهواء الكنيسة، قامت الكنيسة باستخدام كافة وسائل الضغط ضد قانون ترخيص توزيع وسائل منع الحمل.

تم تمرير هذا القانون من حيث المبدأ في كانون الاول/ديسمبر كانون الاول عام ١٩٦٧. وقد تبنى نائب اليمين لوسيان نيوفيرت الدفاع عن المشروع رغم التهديدات والشتائم من قبل زمر الرجعية السائدة. فأثناء المناقشات في الجمعية الوطنية، حذر النائب هربرت، على سبيل المثال، بـ"خطر انتشار الإثارة الجنسية في جميع أنحاء البلاد" كما أعلن أحد زملائه، الدكتور كماروس، أن الرجال يمكن أن يفقدوا "ثقتهم الفخورة برجولتهم المثمرة"... كما ناقشت الجمعية الوطنية تعديلات كتلك التي تريد أن تتطلب المرأة الأذن من الزوج قبل تناول حبوب منع الحمل (وإلا، بحسب مؤلف كتاب التعديل الصادر في ١٤ كانون الاول/ديسمبر عام ١٩٦٧، فإن ذلك سوف يعطي "الحق للمرأة بالكذب على زوجها ")، أو تعديل ينادي بحصر حق استعمال حبوب منع الحمل بالنساء اللواتي لديهن طفلين اثنين على الأقل، الخ. كما أعرب بعض الصيادلة امتناعهم عن بيع هذه الحبوب.

ولم يتم إصدار مراسيم التنفيذ لقانون نيوفيرت ١٩٦٧ بهذه السهولة. ففي صيف عام ١٩٦٨، نشر البابا إدانة لوسائل منع الحمل الحديثة، لا سيما حبوب منع الحمل. كما مارس الفاتيكان الضغط على الحكومة. كل هذ أدى إلى تأجيل نشر مراسيم التنفيذ حتى عام ١٩٦٩ وعام ١٩٧٢ ليدخل القانون رسميا حيز التنفيذ - أي بعد خمس سنوات على إقراره!

أما القانون المشرع للإجهاض، والمقترح من قبل النائبة سيمون فايل في كانون الأول/يناير ١٩٧٥ فقد تم كسبه بفضل نضالات عنيدة لآلاف من النساء، ولسنوات عديدة. كان على سيمون فايل أن تواجه نيران الرجعية في مجلس النواب، وكره النساء وحتى معادية السامية. فكان هذا القانون حاسما حتى لو أنه في البدء قد تم التصويت عليه لمدة خمس سنوات فقط، وترافق مع العديد من الشروط المقيدة. كما أنه لم يكن لاغي لقانون ١٩٢٠.

لإعطاء صورة عما حققته الحركة النسوية في السبعينيات، يمكننا التوقف لحظة على حال النساء هناك في بداية عام ١٩٦٥.

كان للنساء الحق بالتصويت منذ أكثر من عشرين عاما، ولكنهن كن يعشن وسط سلسلة طويلة من المحظورات. فمن الناحية التشريعية، كان قانون نابليون الشهير، الذي أقدمت النساء على حرقه عام ١٩٠٤ أمام عمود فاندوم في باريس، لا يزال ساري المفعول إلى حد كبير. فلم يكن يحق للمرأة المتزوجة ممارسة مهنة ما دون الحصول على إذن من زواجها. كما لم يحق لها حتى إدارة ممتلكاتها الخاصة بشكل حر. لم تكن تملك نفس سلطة الزوج فيما يتعلق بأطفالهما. ولا يمكن لها الطلاق إلا بصعوبة جدا. وكان الزنا يعاقب بالسجن في جميع الأحوال في حين كان زنا الزوج يعتبر جنحة تعاقب بدفع غرامة مالية، وذلك فقط إذا ارتكبه في البيت الزوجي، في حين أن منزل العائلة كان في معظم الأحوال ملكا للزوج. ووفقا لهذا القانون، كان يمكن للزوج مراقبة رسائل زوجته...

وعلى صعيد الأعراف: لم تكن النساء ترتدي السراويل في غير فترات صقيع فصل الشتاء القارس، لكن حتى ذلك لم يكن ممكنا لبعضها، كمعلمات المدارس. كما كان على المرأة أن تتحلى الشجاعة لو أرادت الجلوس وحيدها في المقهى، وخاصة في المدن الصغيرة.

وأخيرا، وبطبيعة الحال، كل عام كان هناك مئات الآلاف من النساء اللواتي كن يخضعن لعمليات إجهاض سرية. واستنادا إلى تقرير المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، يقدر الطبيب النسائي البروفسور راؤول بالمر عدد هذه العمليات بين ٣٦٠٠٠٠ ومليون عملية سنويا. في حين استشهدت سيمون فايل بعدد ٣٠٠٠٠٠ خلال نقاش عام ١٩٧٤. وكانت عمليات الإجهاض هذه تتم في كثير من الأحيان في ظروف بائسة، بل ومأساوية، حيث كانت تقدر الوفيات بـ ٣٦٠٠ وفاة (بحسب البروفسور بالمر). وقد آلت الأمور إلى درجة أن البروفسور بول ميلييه، أحد أبرز الاطباء وقتها وهو كاثوليكي متدين، استنكر الوضع بكلام مؤثر، على أساس خبرته في المستشفى، ذلك خلال محاكمة بوبيني ( ١٩٧٢).

الشهادات العديدة التي تم نشرها منذ هذه الفترة تمكننا من قياس التحول الذي حدث جراء نضالات أعوام ١٩٦٠-١٩٧٠ في حياة المرأة (وحياة الرجل أيضا). وهذا الماضي ليس بعيدا جدا. فالتقدم الذي تم انتزاعه من البرجوازية ونظامها الأخلاقي ليس مضمونا، ويمكن فقدانه ما دمنا نعيش في نظامها الاجتماعي. والكنيسة ما زالت تتربص لقانون الإجهاض.

ومنذ ذلك الحين يراود مسامعنا القول بأنه لم يعد هناك ضرورة لنضال المرأة إذ أن المساواة قد تحققت مع الرجل. بالطبع ما زال هناك الكثير قبل أن نتمكن من التكلم عن المساواة الحقيقية في الممارسة وفي المعتقدات، بما يخص العمل كما فيما يخص المنزل. والأمر لا يقتصر على الجانب التشريعي (بما في ذلك قانون الإجهاض).

لقد كشف التحقيق الوزاري الوطني عن العنف ضد المرأة في فرنسا، والذي أقيم عام ٢٠٠٠، عن الأرقام المتعلقة بالعنف المنزلي، والتي تقشعر لها الأبدان. في فرنسا، واحدة من كل عشر نساء تقع ضحية هذا العنف ولقيت ٧٢ امرأة حتفها في تلك السنة على أيادي أزواجهن. وفي الصيف الماضي، عام ٢٠٠٤، كان هناك ٢٩ جريمة قتل للنساء على أيدي أزواجهن أو شركائهن.

إنه النظام الاجتماعي برمته، مع أيديولوجيته التي تميز بين الجنسين، والذي ينظر لجسم المرأة كملك للرجل، ما يفرز العنف الذكوري ضد الزوجة والشريكة والأخت، وذلك في مختلف طبقات المجتمع. ويقول البعض أن هذا لا يعود خصوصا إلى الدين... ولكن التحقيق الوزاري الذي ذكر قد أظهر أن النساء التابعة لدين ما هن عرضة ٣ إلى ٥ مرات أكثر للعنف المنزلي.

الأصولية الإسلامية والنساء

إن ثقل الدين على المجتمع لا يمر فقط عبر الضغط المباشر من قبل رجال الدين، بفرض الزواج الديني على سبيل المثال. فتأثيره على المواقف والسلوك يمر أيضا من خلال المؤسسات التقليدية وعددا من الأعمال الاجتماعية والمنشورات. وهي أفكار تروج بفضل رجال - ونساء - سياسيين، في غالب الأحيان من اليمين ومن دون شك من قبل اليمين المتطرف. رأينا ذلك، على سبيل المثال، أثناء المناقشات بشأن الحق في الإجهاض أو بشأن الارتباط بين المثليين.

حتى وقت قريب، كان معظم التأثير الديني في الحياة الاجتماعية في فرنسا هو نتيجة الكنيسة الكاثوليكية. ولكن اليوم، بجوار الكنيسة الكاثوليكية التي لا زالت ترمي بثقلها على الاخلاق، بات هناك ثقل الديانة الإسلامية.

وتأثير الاسلام لا يقتصر على فرض الحجاب على النساء. فالحجاب، على اختلاف أشكاله، هو علامة عزل والتمييز الاجتماعي بين الجنسين.

في معظم الدول الإسلامية، يقتصر دور النساء على العمل المنزلي والإنجاب، دون حقوق شخصية حقيقية، ويتم تزويجهن من دون موافقتهن، الخ.

وهناك ممارسة الرجم بشكل شرعي. من بين الأمثلة عن عمليات القتل التي ارتكبت باسم هذه الاخلاق الآتية من عصر آخر، بحسب رواية إليزابيث بادينتر: في أغسطس ٢٠٠٤، في إيران، تمت أدانة فتاة شابة عمرها ١٦ سنة بـ"أعمال تتعارض مع العفة"، فتم شنقها على رافعة.

العنف ضد المرأة هو من الواضح أكثر انتشارا وأكثر حدة حيث تتواجد الاحزاب الاسلامية في السلطة. ويرى تقرير حزيران/يونيو ٢٠٠٤ لمنظمة العفو الدولية في تركيا أن "ما بين ثلث ونصف النساء التركيات يقعن ضحايا للعنف الجسدي داخل الأسرة (للضرب والاغتصاب، مدفوعة حتى الانتحار)... والأزواج، الآباء والاخوة هم المسؤولون عن معظم أعمال العنف. وفي بعض الحالات، فإنهم يقدمون على فعلتهم بناء على أوامر من مجلس العائلة. والسلطات لا تجري التحقيقات الازمة". وهذا يجري في الريف ولكن أيضا في الأحياء الفقيرة في أنقرة على سبيل المثال. ويستشهد التقرير بناشطة من أجل حقوق المرأة في مدينة ديار بكر: "من بين الأعذار التي تقدم لضرب المرأة في منزله، نجد: لقد نظرت طويلا خارج النافذة، لقد قالت مرحبا لأصدقاء من الذكور، يرن الهاتف وليس هناك أحد على الهاتف، والدردشة مع التجار لمدة طويلة"...

إن أزمات الشرق الأوسط، والحروب التي تجري هناك، تلعب دورا ضد تطور المجتمعات وبالتالي ضد المرأة. وهكذا، في الأراضي الفلسطينية، مع الاحتلال العسكري، يتم تزويج الفتيات باكرا أكثر فأكثر. وهناك العديد من قصص الاغتصاب داخل العائلات يقوم بها رجال قابعون في ديارهم بسبب البطالة المنتشرة. كما تسجل حالات وفاة مشبوهة غرضها "غسل شرف" العائلة.

وقال الأخصائي الاجتماعي في مستشفى بيت لحم في مقابلة مع صحيفة لوموند (١٠ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٤): "رسميا، وقعت ٣٦ امرأة شابة ضحية جرائم الشرف خلال الـ ١٨ أشهر الماضية، في الضفة الغربية وفي غزة. ولكنه من المرجح أن العدد في الواقع يبلغ الثلاثة أضعاف".

حالة الحرب ليست هي السبب الوحيد. ففي قطاع غزة، لا سيما منذ اندلاع الانتفاضة، تمارس المنظمات الإسلامية مثل حماس الضغط الفعال لفرض الحجاب، وهو شيء لم نكن نراه قبل بضع سنوات.

ويمكننا أن نختم مع قول هذه المحامية من أفغانستان، البلد الذي يقدم على أنه "ديمقراطي" لأنه قد تم إجراء انتخابات فيه مؤخرا: "إن المشكلة الرئيسية هي أن الرجال لا يفهمون أن ليس لديهم الحق في قتل زوجاتهم وأخواتهم "...

ويتساءل المرء لماذا التيارات الإسلامية المتطرفة هي بهذه القوة والشراسة ضد المرأة اليوم.

الدول العربية هي دول ضعيفة اقتصاديا ودول تسود فيها الدكتاتورية. ببقائها جامدة لفترة طويلة جدا في الهياكل القديمة للإمبراطورية العثمانية ثم بعد أن تم نهبها اقتصاديا من قبل الإمبريالية الغربية، لم تشهد هذه الدول الثورات البرجوازية ولا تطور الفكر العقلاني والنقد المناهض للدين. لقد حصل في نهاية القرن الـ ١٩ حركة إصلاح، مستوحاة من الحداثة، في الإسلام في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا. وكان كتاب قاسم أمين، "تحرير المرأة "، الذي نشر في عام ١٨٩٩ قد سبب بعض الضجة، ولكن لم يكن هناك إعادة نظر جذرية لسيطرة السلطة الدينية على جهاز الدولة ومحاكمها وقوانينها. وحركة الإصلاح الخجولة هذه توقفت بسرعة مع قيام الاستعمار المباشر في المغرب العربي والحماية البريطانية على مصر، وقيام مختلف الدول الإمبريالية بتضييق الخناق على جميع أنحاء المنطقة.

وقد قامت هذه السياسة الإمبريالية عموما بالاعتماد على ما يمكن أن يكون هناك من رجعية في هذه المجتمعات، من دين ومؤسسات ووجهاء.

فالمملكة العربية السعودية - هذا الحليف الكبير للإمبريالية الأمريكية - قد تم تأسيسها في عام ١٩٢٩ على أساس المذهب المتزمت، الوهابية، فهي لم تكن بالتأكيد مثال على التقدم! فبقيت معقل التطبيق الصارم للشريعة ومركزا للمتزمتين دينيا وللأصوليين.

بالإضافة إلى ذلك: جعل الإذلال الاستعماري الذي عانت منها الجماهير المستعمرة النساء آخر ما تبقى من "شرف" الرجل والمجتمع، لتصبح بذلك السيطرة عليها محاولة للحصول على تعويض لهذا الاذلال.

والقوى الاستعمارية مسؤولة إلى حد كبير عن هذا الوضع بإبقائها على الهياكل الاجتماعية الرثة والتي عملت على حمل المعتقدات والمعايير العفنة حتى أيامنا.

وأثارت حقبة الحركات التحررية الكثير من الآمال بين السكان وبين النساء أيضا، على أي حال النساء في المدن.

وكما نعلم، القيادات القومية لم تكن تسعى إلى اسقاط الامبريالية. وهي لم تكن قادرة على تلبية توقعات الجماهير على المدى الطويل وإخراج البلاد من التخلف. لذلك، كانت تلجأ هي أيضا إلى الدين، بداية ضمن العديد من النضالات التحررية، ومن ثم بهدف توطيد سلطتها على شعوبها. وكان لتشجيع الدين ميزة بمنافسته للأفكار اليسارية بين الشباب، كان يوفر لهم غوغائية جاهزة. فبقي الإسلام دين الدولة في كل هذه الدول تقريبا.

فانفتح طريق واسع أمام الأصولية في العالم الإسلامي. فإن لم تكن المعتقدات الدينية بالشيء الجديد لدى الجماهير، إلا أن وصول الحركات السياسية الرجعية إلى السلطة، أو إلى أبوابها، باعتمادها على هذه المعتقدات وبتلقيها تجاوبا واسع النطاق في الطبقات الشعبية، وخاصة الأكثر فقرا، هو شيء آخر.

فتولي آية الله الخميني السلطة في عام ١٩٧٩ في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية قد كشف عن هذه ظاهرة كانت بدأت منذ فترة طويلة. على سبيل المثال في مصر، حيث جماعة الإخوان المسلمين الفائقة الرجعية، التي تأسست في عام ١٩٢٨، قد وجدت مجالا للعمل منذ وفاة عبد الناصر في عام ١٩٧٠.

وكان مجيء الخميني إلى السلطة قد أتى في ظل حراك شعبي ضد نظام الشاه. وقد حظي بتأييد الحزب الشيوعي، حزب توده، وعدد من مجموعات أقصى اليسار المتواجدة في إيران آنذاك. حتى النساء في الأوساط الفكرية وذات النمط الغربي جدا في الحياة، قد اصطفت هي أيضا خلف آية الله العظمى، فارتدت الشادور للمشاركة في المظاهرات مع النساء الأتية من الاوساط الشعبية ...

رفض الموالي الحاكمون المساواة بين الجنسين: ففرضوا الحجاب على جميع النساء، بما في ذلك الفتيات الصغيرات، وأعادوا السن القانونية لزواج الفتيات من ١٨ إلى ٩ سنوات... وشرعوا الرجم وألغو للمرأة الحق في الطلاق، وأطلقوا مرسوما يقضي بأن حياة المرأة تساوي نصف حياة الرجل. وأنشأوا دوريات شرطة لضمان تطبيق هذه القوانين.

ومن جديد، يوجد اليوم في إيران نساء يقاتلن بقدر ما في وسعهن، وبشجاعة، ولكنهن لا يردن، أو لا يمكن لهن، تعريف أنفسهن كـ"نسويات" ذلك لأن هذه الكلمة قد تبدو أنها كلمة غربية للغاية وليست إيرانية.

وفي الجزائر، لقد تم إعادة النساء المقاتلات بحرب الاستقلال فورا إلى ديارهم وقد تم إقصاءهن من رواية الاستقلال الرسمية.

إن النساء الجزائريات اللواتي وجدن القوة لإعادة بناء الجمعيات والتجمعات في الثمانينات والقيام بمظاهرات، قد لقيت بالمرصاد السلطة العسكرية الجزائرية وقانون العائلة البالغ الرجعية الذي سنته عام ١٩٨٤، كما كان بمواجهتها أيضا الحركة الاسلامية. فدفعت الكثيرات ثمن تصميمهن من حياتهن.

أما القوى الغربية فإنها لم تكم ترى تصاعد الحركات الإسلامية الأصولية كأمر سيء حتما. فجيسكار ديستان - مؤلف الدستور الأوروبي - قد صرح في عام ١٩٨٠: "في سبيل محاربة الشيوعية نحتاج لأيديولوجية معارضة. في الغرب، ليس لدينا شيء، لهذا السبب يجب أن ندعم الإسلام ".

وحذي حذو جيسكار العديد من السياسين منذ ذلك الحين...

هجوم الأصولية الدينية

إن تأثير الأديان والمؤسسات الدينية يعود، بطبيعة الحال، أكثر إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الذي تؤثر فيه منها إلى عقيدتها الدينية. ونشهد منذ مدة تزايد تأثير الرجعية الدينية على مستوى العالم، ومعها تفاقم أوضاع المرأة.

منذ نهاية السبعينيات، تزامن تصاعد الهجمة الأصولية لدى الديانات التوحيدية الكبرى: في عام ١٩٧٧ في إسرائيل، حققت الأحزاب الدينية اختراقا لأول مرة؛ في عام ١٩٧٨، أصبح الكاردينال البولندي كارول فويتيلا البابا الجديد، تحت اسم يوحنا بولس الثاني وهو رجعي للغاية. وفي عام ١٩٧٩ في إيران، وصل الخميني إلى السلطة وأسس أول جمهورية إسلامية. وكان ١٩٧٩ أيضا سنة ولادة حركة سياسية من اليمين الديني في الولايات المتحدة.

في اسرائيل ...
غالبا ما توصف إسرائيل كواحة من الديمقراطية الحديثة في الشرق الأوسط. لكن منذ تأسيسها، ليس لإسرائيل بعد أي دستور مدني. فكل مواطن يلتحق بفئة عرقية-دينية بما يتعلق بالحقوق المدنية، فو إن رغب رجل وامرأة من دينين مختلفين الزواج مدنيا، فيجب عليهما الذهاب إلى الخارج للقيام بذلك، إلى قبرص مثالا.

وشهدت السبعينيات "عودة إلى الإيمان"، أي إلى ممارسة الشعائر الدينية بشكل أكثر صرامة والامتثال بقواعد الكتاب المقدس اليهودي. وتعتزم الأحزاب الدينية تعزيز قوة الحاخامية. فحي ميا شعاريم في القدس الواقع تحت سلطة الاصوليين يطلق عليه الصحفيون والإسرائيليون العلمانيون لقب "طهران في قلب إسرائيل" وذلك دليل عما يكمن من ممارسات: يتم مراقبة لباس المرأة بحزم مع وجود شرطة الفضيلة لضمان تطبيق القوانين الأخلاقية عند الحاجة. كما يمارس الفصل بين الجنسين على نطاق واسع: طوابير منفصلة في المحلات التجارية وتحديد مكان جلوس النساء في الحافلات في مؤخرة الحافلة، الخ. ويناضل المتشددون على إلا تكون ميا شعاريم مجرد جزيرة استثنائية.

في أوروبا الغربية ...

أما الدول الأوروبية المرتبطة تاريخا بالديانة المسيحية فلديها هي أيضا الأصوليين المدافعين عن نظرة لحقوق المرأة تحاكي حقوقها في العصور الوسطى. فلو أن الامر يعود إلى البابا، ما كانت سلطة الكنيسة مختلفة كثيرا عن تلك التي يحظى بها الدين في العالم العربي والاسلامي.

هناك من يتذكر من جون شك ما كانت عليه سلطة الكنيسة في عهد فرانكو في إسبانيا حتى عام ١٩٧٥، عندما كانت الكاثوليكية دين الدولة، وحيث كان الزواج الديني وحده المسموح.

اليوم، في موناكو، حيث الديانة "الكاثوليكية، الرسولية والرومانية" هي دين الدولة، وكذلك مالطا وسان مارينو وليختنشتاين، يتم حظر الإجهاض، والأمر سيان في أندورا. كل هذه مناطق صغيرة بالتأكيد، ولكن الكنيسة هي أبعد من أن تكون مفصولة عن الدول في أوروبا، سواء الكنائس اللوثرية كما هو الحال في السويد والدنمارك وفنلندا، أو الكنيسة الأنجليكانية في إنجلترا، أو حتى الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان.

والكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص لا تزال تتمتع بسلطة حقيقية تمارسها على حساب المرأة في ايرلندا وبولندا وفي البرتغال.

ولطالما اعتبرت جمهورية إيرلندا نفسها معقلا للكنيسة. وهو أمر لم ينته بعد. فقبل استقلال البلاد، كانت الكنيسة الكاثوليكية قوية اقتصاديا في المجتمع لأنها كانت تمتلك الأراضي الكبيرة وكذاك الأثاث. مع الاستقلال في عام ١٩٢٢، أصبحت الكنيسة، بفضل رد الفعل الوطني المناهض للتاج البريطاني، تتمتع بموقع متميز داخل الدولة الجديدة. وتم صياغة الدستور الايرلندي في عام ١٩٣٧ بتعاون مع الأبرشية. ويشيد الدستور بـ"الله عز وجل"، ويشير إلى أن الأسرة ودور المرأة في المنزل هما أساس النظام الاجتماعي - وعلى الدولة السعي جاهدة للقيام بما يلزم لتفادي الأمهات من وجوب الخروج من المنزل من أجل العمل، ذبك حتى لا تهملن واجباتهن المنزلية. وتشير المادة ٤٠ من الدستور بأن أفراد المجتمع متساوون بالحقوق أمام القانون، طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار "اختلاف الدور الاجتماعي"... بين الرجال والنساء!

وقد تم تعزيز قانون منع الإجهاض في عام ١٩٨٣ وتم وضع حق الجنين وحق النساء الحوامل على قدم المساواة. وفي عام ١٩٩٢، تم خوض معركة لا تنسى، استلزمت المرور بالمحكمة العليا، للتمكن من انتزاع الحق لفتاة بالغة الـ ١٤ سنة من العمر، حامل نتيجة الاغتصاب ومصممة على الانتحار بسبب ذلك، بالذهاب إلى انكلترا للإجهاض... ويتطلب أن تكون حياة المرأة مهددة للسماح لها بالذهاب إلى إنكلترا للقيام بالإجهاض.

وفي بولندا، التي كانت قد سمحت بالإجهاض في عام ١٩٥٣، أي قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى بفترة طويلة، وحيث كانت تأتي نساء من السويد للإجهاض... كل هذا قد تغير الآن! فالحكومة البولندية الجديدة قد وقعت اتفاقا مع الفاتيكان في عام ١٩٩٣. والكنيسة الكاثوليكية البولندية، الرجعية بشكل كبير، تطالب بمنع الإجهاض بشكل كلي، وهو اليوم غير مسموح إلا في حالات الاغتصاب وزنى ذوي القربى ووجود خطر مميت للأم أو تشوه للطفل - ويجب توفير الأدلة والشهادات العديدة لإثبات ذلك. وهكذا في عام ٢٠٠٢ تم السماح بـ ١٥٠ عملية إجهاض فقط، بمقابل قيام ٨٠٠٠٠ و٢٠٠٠٠ حالة إجهاض غير قانونية كل عام.

بطبيعة الحال، حبوب منع الحمل لا يتم التعويض عنها ماليا، والواقي الذكري ليس مستحبا من قبل الكنيسة.

وقامت منظمة نسوية الهولندية اسمها "نساء على الأمواج" باستئجار قارب مجهز لإجراء عمليات الإجهاض ويقوم بالتعريف أيضا عن وسائل منع الحمل. زار القارب ايرلندا وبولندا حيث لاقته نساء للترحيب به، فتم نعتهن بالنازيات وبالمجرمات من قبل متظاهرين بمرافقة كهنة أقاموا تقديسا للعامة (بهدف درء الشيطان؟). وفي البرتغال، حيث لا يسمح بالإجهاض بسهولة وحيث يجري ما بين ٢٠٠٠٠ و٤٠٠٠٠ عملية إجهاض غير شرعية سنويا، قامت سفينتين عسكريتين باعتراض القارب ومنعه من الرسو في أيلول/سبتمبر الماضي.

ذلك دون أن ننسى دولة الفاتيكان الموجودة في قلب أوروبا، والتي، على الرغم من صغر حجمها الذي يبلغ ٤٤ هكتار، تقود حملة ضد مظاهر العلمانية والحداثة، خصوصا منذ وصول البابا يوحنا بولس الثاني في عام ١٩٧٨.

وقد ألهم الفاتيكان قيام هجمات ضد النساء، خاصة لمناهضة الإجهاض وبشكل عنيف أحيانا. فما زالت المعركة ضد الإجهاض قائمة في البلدان الأوروبية، حتى سياسيا. فعلى دليل المثال، في عام ١٩٩٥، إي بعد عشرين عاما على قانون فايل المشرع للإجهاض في فرنسا، نشر البابا مذكرة ينكر فيها القيمة القانونية للقوانين التي تسمح بالإجهاض، ويبرر (ضمنا على أي حال) أعمال الكوماندوز المعادي للإجهاض العنيفة، وذلك باسم الحق في الحياة "المحتملة".

ومن دون مفاجأة، يعلن مشروع دستور الاتحاد الأوروبي (تحت تأثير الروح القس من دون شك) أنه "يستلهم من الميراث الثقافي والديني والإنساني في أوروبا" وبأنه يحترم "الكنائس والجمعيات الدينية والمجتمعات الدينية في الدول الأعضاء" وصولا إلى التأكيد على "الحق في الحياة"، دون الذكر في أي فقرة حق المرأة في إنهاء الحمل، ويكتفي بنصف سطر حول "المساواة بين المرأة والرجل". في برلمان ستراسبورغ، إن رئيسة لجنة المرأة هي امرأة معروفة بمواقفها المناهضة للإجهاض.

والبابوية لديها صفة مراقب لدى الاتحاد الأوروبي، ولكن من الواضح أن هذا لا يكفيها. فدولة الفاتيكان لديها، منذ عام ١٩٦٤، مقعد يمثلها في الأمم المتحدة حيث تحظى بصفة مراقب دائم (والأمم المتحدة تحيل أمامها قراراتها منذ عام ١٩٥٧). وهي الديانة الوحيدة الممثلة رسميا بهذا الشكل. خلال المؤتمرات العالمية المخصصة مبدئيا إلى تحسين وضع المرأة في العالم، يسعى الفاتيكان لبناء تحالفات مع الأصولية اليهودية والإسلامية وذلك باسم "برنامج الرفق بالحياة". وإنه تحت تأثير الفاتيكان قد قام أساقفة في السبعينيات بإطلاق الحركة التي أطلقت على نفسا اسم "بروفي" (من أجل الحياة) في الولايات المتحدة (لربما لأن هذا الاسم يبدو أفضل من "مكافحة الإجهاض"؟). وجمعيتهم المسماة "حياة الإنسان الدولية"، التي أنشئت في عام ١٩٨١، موجودة في ٥٣ بلدا، وتملك موارد مالية كبيرة.

في الولايات المتحدة

وكان تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الأصوليين البروتستانتيين في الولايات المتحدة سهل في هذا المجال.

فهذه التيارات الاصولية، المسماة كذلك لأنها تتطلع إلى العودة إلى الأصول، الحقيقية أو المفترضة، للعقيدة المسيحية، ليست بجديدة. وهي تناضل منذ زمن ضد تدريس نظريات النشوء والارتقاء. في نهاية السبعينيات، تم تشكيل تحالف بين هؤلاء الأصوليين الدينيين واليمين الجمهوري الأكثر رجعية ضمن ما سمي بـ"الأغلبية الأخلاقية". وكان ذلك بمثابة انتقام مما قد شهدته الفترة السابقة من تقدم في حقوق المرأة.

كان الهدف الأول هو معارضة قانون السماح بالإجهاض الذي اصدرته المحكمة العليا في عام ١٩٧٣. هذا القانون، وإن لم يتم إلغاؤه حتى الآن، هو في حالة يرثى لها حاليا. فقد تمكنت الضغوطات الدينية من إدخال قيود مختلفة إليه. دون أن ننسى بالطبع المضايقات الممنهجة والأساليب الإرهابية من حرق مراكز تنظيم الأسرة والمستوصفات والهجمات بالقنابل أو بالرسائل المفخخة ضد الأطباء الذين يمارسون الإجهاض ومحاولات القتل، الناجحة أحيانا، التي تعرصوا لها من قبل جماعات كوماندوز وأفراد.

وتمكن أنصار "الأكثرية الأخلاقية"، لا سيما كنيسة المورمون، من إحباط التعديل الدستوري - المقترح أساسا في عام ١٩٢٣ - والهادف لتسجيل المساواة بين الجنسين في الدستور الأميركي، فتم رفض هذا التعديل مجددا في يونيو ١٩٨٢. فبالنسبة لهؤلاء، كان هذا التعديل يقود مباشرة "إلى انتهاء الفصل بين الجنسين في المراحيض العامة وكذلك إلى زواج المثليين." بالضبع تم تقديم داء الإيدز على أنه عقاب أرسله الله لمعاقبة المثليين والمثليات...

وفي بداية قرننا الـواحد والعشرين، لا تزال الأوراق النقدية الأمريكية تحمل شعار "بالله نؤمن" ولا يزال الرؤساء الأميركيون يؤدون اليمين على الكتاب المقدس. والدستور الأميركي لا يتضمن حتى بيان مبدئي عن المساواة بين الجنسين...!

كما أن فكر "الأغلبية الأخلاقية" المسيحية هو عابر للأديان أيضا. فبإسم "أمة الإسلام"، شرح الزعيم الأسود فرقان: "يقول الله في القرآن أن الرجال هم أعلى من النساء بدرجة (...) فتبعا للطبيعة التي قدمها لله لك يا أخي، فإنه قد خلقك درجة أعلى من المرأة. هذا ما يعني أنه على المرأة احترامك دائما. وكلما كفت امرأة ما عن احترامك يا أخي، فإنك في ورطة ".

وسبرينغ آدمز هو اسم فتاة شابة عمرها ١٣ عاما كانت تعيش في ولاية ايداهو. قام والدها بقتلها في عام ١٩٨٩ بطلقة بارودة لأنها أرادت الذهاب إلى مركز للإجهاض بهدف إيقاف حملها. كانت حاملا من أبيها الذي اغتصبها. وهو كان ناشطا ضمن جمعية "بروفي" المسيحية.

هل أن ذلك أقل بغضا من حال الفتيات الصغيرات في العائلات المسلمة اللواتي يقتلهن أقربائهن باسم الشرف؟

إن الهمجية منتشرة في هذا المجتمع، وفي كل مكان.

وازدهر اليمين الديني في الولايات المتحدة ليصبح قوة سياسية مؤثرة، وجورج بوش الحالي ممثل مرموق لها. وهو قد قرر تعليق تمويل جميع البرامج في العالم التي تتعاطى الإجهاض أو وسائل منع الحمل غير تلك المعتمدة على العفة.

ويحسن مناضلو هذا التيار القتل وكذلك الانتحار في سبيل الله. وهم قد أقاموا نظرية "القتل المبرر" ضد أنصار حق الإجهاض. وقام قس، مؤلف كتاب عنوانه "هناك وقت للقتل" بنشر على موقعه على الانترنت لائحة بأسماء وعناوين الأطباء الذين يستحقون برأيه عقوبة الإعدام لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

ويمكننا قياس مدى التهديد الذي تشكله الأصولية المسيحية، وخاصة تلك الآتية من الولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم، عبر هذه المقتطفات من البيان الصحفي الذي أصدره الداعية الشهير جيري فالويل في اليوم التالي للهجوم الإرهابي في ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١: "أعتقد فعلا أن المسؤولون هم الوثنيون وممارسو الإجهاض والنسويين والمثليين والمثليات جنسيا الذين يدعون إلى أسلوب حياة بديل. (...) كل من حاول علمنة أمريكا. إني أوجه أصابع الاتهام إليكم واقول دون تردد "لقد ساعدتم على حدوث هذه الهجمات."

الأصولية الإسلامية في فرنسا

إن النظام الاخلاقي لا يفتك في فرنسا كما هو الحال في الولايات المتحدة، لحسن الحظ! ولكن هنا أيضا، يقوم السياسيون باستخدام الدين، وبشكل خاص الإسلام حاليا، بالإضافة إلى المسيحية واليهودية.

سياسة متعمدة من قبل القادة السياسيين

في كتابها "لا عاهرات ولا خاضعات"، تصف فضيلة عمارة كيف شهدت في التسعينيات ظهور الحركة الاسلامية الأصولية، التابعة لتيار الإخوان المسلمين، وذلك لأن "الكثير من الشباب في الاحياء المهمشة كانوا في حالة من الضياع بسبب فشلهم في المدرسة وبوجه البطالة والتمييز الذي كان يطالهم". فظهر الإسلام لهؤلاء الشباب كـ"نظام خلقي جديدة يجنبهم الوقوع في الانحراف. وهكذا أصبح الأئمة الأصوليون، وبشكل سريع بين العامين ١٩٩٠-١٩٩٥، مرجعا للشباب في بعض هذه الاحياء".

وأشارت عمارة تحديدا بأن "السلطات المحلية والسياسيين المنتخبين في السلطات المناطق وخاصة رؤساء البلديات من جميع الاتجاهات السياسية، قاموا بإعطاء هؤلاء الأئمة المكانة الازمة لهم وتعاطوا معهم كمحاورين أساسيين".

ثم أضافت: "كان هذا الأمر فظيعا بالنسبة للناشطين من جيلي (...) وكنا نعرف الخطورة الناجمة عن هذه السياسة بشكل عام، وبشكل خاص بالنسبة لوضعية النساء في المجتمع".

وساركوزي رعى تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية في عام ٢٠٠٣، حيث ضمت هذه الهيئة إسلامية الرسمية اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وهي منظمة أصولية على غرار منظمة الإخوان المسلمين. ويشرح ساركوزي سبب ذلك في كتابه الأخير: "إني مقتنع بأنه من إمكان العقيدة الدينية وممارسة الشعائر الدينية المساعدة على تهدئة وتنظيم مجتمع الحريات (...) من وجهة نظري، إن فتح أماكن العبادة في المناطق السكنية الكبيرة هو من نفس الأهمية كتدشين القاعات الرياضية ...". إن هذا يلخص، وبسفاهة، سياسته المتعمدة لدعم المؤسسات الدينية.

واستفادت المنظمات الإسلامية، كما كان متوقعا، من هذه السياسة. وباءت منهمكة باستغلال شعور الاستياء لدى المهاجرين الشباب ولدى ضحايا البطالة والاشكال المتعددة من التمييز الاجتماعي والعنصرية.

إن لمشاعر الإحباط والإذلال هذه جذور حقيقية في المجتمع الفرنسي. وكان من شأنها المساعدة على عودة التدين، رغبة أو فرضا، كما البحث عن تعويض من خلال ممارسة العنف ضد المرأة...

فلاقت الدعوة إلى "العودة إلى تقاليد الإسلام" الصدى الازم، فتم إعادة الاعتبار إلى "الحجاب" بعد أن شهدت الفترة التي سبقت عملية إزالة للحجاب عن رؤوس النساء.

وتروي ميمونة حجام من جمعية "أفريقيا" الناشطة في لاكورنوف (ضاحية باريس): "مع انتشار الجمعيات الإسلامية والمساجد التي تقدم دورات دراسية، نشهد تزايد عدد الفتيات الصغيرات اللواتي هن في صدد "تعلم لبس الحجاب". فيومي الأربعاء والسبت في الأحياء الشعبية، نرى أكثر فأكثر من الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن الـ ١٠ أعوام يتجهن إلى مدارس التعليم الديني، واضعات الحجاب على رؤوسهن".

الحجاب، ناهيك عن ذاك الزي الكبير الذي يشبه الكفن، هو شعار علني للاختلاف ليس فقط مع الصبيان، ولكن مع كل ما تبقى من المجتمع، كدليل عن عدم اندماجها فيه. وهو أيضا تذكير دائم للنظام الإسلامي. إن حجاب المرأة هو إشارة علنية لخضوعها.

الأصوليون المسلمون يقومون بسياسة ترويجية
ومن بين هؤلاء: طارق رمضان. وهو يرتبط بحركة الإخوان المسلمين المصرية عبر عائلته (فهو نجل حسن البنا، مؤسس هذه الحركة) وخاصة عبر الدعاية الترويجية التي يقوم بها.

وكانت عائلة رمضان تعيش في المنفى في جنيف حيث تمكنت من منع أداء مسرحية فولتير "التعصب أو محمد النبي" في عام ١٩٩٣. وهو ليس أستاذا جامعيا كما يتم تقديمه في بعض الأحيان، بل مبشر ديني. وهو، في هذا الصدد، نشط جدا. فقد كتب العديد من الكتب والمقالات وقام بالعديد من المؤتمرات (حيث، وجب التحديد، يجلس النساء والرجال كل على حدا) التي تم تسجيلها وبيعها، مع ما يقارب، على ما يبدو، الـ ٥٠٠٠٠ نسخة سنويا. وتتولى عملية النشر دار التوحيد، ومقرها في ليون، وهي دار نشر متقربة منه. إن خطابه في هذه المؤتمرات أقل نفاقا بكثير من الخطاب الذي يعتمده أمام الصحفيين.

كارولين فورست، رئيسة تحرير مجلة ProChoix، اتخذت عناء دراسة محتوى هذه المئات من الأشرطة.

فيظهر عن هذه الدراسة أن خطابه ليس فقط مناهض للحداثة ومعادي للتقدمية، بل أيضا معادي للعلم ذلك لأن طارق رمضان يدين فكرة النشوء والارتقاء، حاله كما الأصوليين من البروتستانت والكاثوليك. وهو يعادي حقوق المرأة ويحفز على لبس الحجاب وهو ضد زواج المسلمات مع غير المسلمين (ولكنه لا يعارض العكس) كما أنه يعارض أي تحرير للمرأة "على حساب الأسرة" ويحبذ وضع رقابة دينية على المدرسة والرياضة. أما بما يخص ممارسة الرجم، فقد تنازل يوما في مقابلة تلفزيونية (تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٣) قائلا أنه مع إجراء استفتاء بصدد تطبيقه، لكنه لم يقم بإدانته.

بالنسبة لطارق رمضان، إن "المجتمع الإيراني اليوم هو الأكثر تقدما بين المجتمعات الإسلامية بما يخص مكانة المرأة في المجتمع"...!

ولديه برنامج مبلور جدا: "كلما زاد تواجدنا، مع المزيد من النساء اللابسات الحجاب في المجتمع وفي المناقشات للتعريف عن أنفاسهن وعن تبلور التزامهن (...)، سوف تعتاد علينا عقول الآخرين وسوف تتغير الأشياء..."

ويرتبط طارق رمضان بآلان غريش، رئيس تحرير صحيفة لوموند ديبلوماتيك. وهما يتشاركان بعض الإصدارات المكتبية، مثل كتاب "الاسلام في أسئلة"، وأقاما مؤتمرات مشتركة. وغريش أيضا قادر على القول: "أعتقد أن إيران هو البلد، في العالم الإسلامي، حيث تتمتع المرأة بأكثر قدر من الحقوق". ذلك لأن هناك، أو بالأخرى كان هناك، بعض النساء بين النواب والوزراء!

في فرنسا، يتزايد عدد "النساء اللابسات الحجاب" (دون الحديث عن الحجاب الأسود الطويل)، وهذا الرمز الذي تحملهن هو خطر حقيقي في أحيائهن بالنسبة لتلك اللواتي ترفض ارتداءه. والحجاب ليس قطعة قماش تافهة، بل هو سلاح ضد النساء المتمردات. إنه تحد سياسي لهن.

بين التواطؤ والتماشي

وإنه من دون شك لأمر دراماتيكي أن يجد هؤلاء الاصوليون من يتواطأ معهم من بين المثقفين في فرنسا وأوروبا. والمسألة تذهب أبعد من حالة آلان غريش وصحيفة لوموند ديبلوماتيك. فقد تمكن طارق رمضان من العثور على العديد من الآذان الصاغية داخل رابطة التعليم حيث قاد مجموعة عمل بعنوان "الإسلام والعلمانية"، وأيضا داخل رابطة حقوق الإنسان التي قامت بالدفاع عن الفتيات المحجبات في المدارس، وكذلك في الأوساط الأكاديمية وفي افتتاحيات صحف ومن بينها التي تعتبر أنها "مستنيرة"، وحتى لدى بعض المفكرين النسويين الحديثين في هذا المجال (ولدى بعض المتأصلين!).

وفي حركة مناهضة العولمة كما في الأحزاب اليسارية وحتى داخل أقسى اليسار، أظهر البعض عن تضامن معلن مع الإسلاميين والحجاب الإسلامي تخت شعار "التضامن المناهض للإمبريالية،" ذلك باعتبار أن الإسلام هو العدو الرئيسي للامبريالية، أو تحت غطاء محاربة العنصرية أو بحجة عدم وضع "وصم" على النساء من أصل مهاجر، فيتركونهن في قبضة الأصوليين الإسلاميين.

وفي سبيل الحد من المنتقدين قام البعض، كجمهور طارق رمضان مثلا، بتوجيه تهمة "الإسلاموفوبيا" إلى النقاد. وانتقاد الإسلام يصيب البعض بالشلل، ربما خوفا من الظهور كرجعيين أو بسبب الشعور بالذنب بشأن العنصرية المعادية للعرب، أو بمجرد غوغائية بحتة. وهم نفسهم لا يترددوا من استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا" كشتيمة، هذا المصطلح الذي، في الأصل، قد أطلقه الموالي في إيران كلعنة يوجهونها على خصومهم...

ووجد الاصوليون نساء للقيام بمكافحة النسوية. وأصبحت فكرة "النسوية الإسلامية" - وأيضا "النسوية المتعددة" - على الموضة بين بعض الطلاب والمفكرين، مبررين ذلك بأنه "مقاربة أخرى للحداثة"...

من الواضح أنه ليس جديدا قيام المظلومين بتبرير الاضطهاد الذي هم ضحيته، كما يحدث أن يقوم بروليتاريون بتبرير استغلالهم من قبل أرباب العمل. كما كان لا بد من التصارع مع بعض النساء بهدف الدفاع عن حق المرأة في الاقتراع، وبما في ذلك في حركة السبعينيات في سبيل الدفاع عن حق الإجهاض! كم من المعلمين والمدرسين الذين كان عليهم مواجهة الأمهات لكي تسمحن لبناتهن الذهاب إلى المدرسة وتعلم القراءة وتخليصها من وصاية الكهنة!

ويقول آخرون بأنها مسألة شخصية، وبوجوب ترك حرية الاختيار للفتيات اللواتي يرغبن بارتداء الحجاب. فوفقا لهم، أنهن لا يعشن بالضرورة الحجاب كرمز للخضوع... من الواضح أن هذا نفاق، نفاق خطير على جميع النساء المسلمات اللواتي ليس لديهن أدنى رغبة في الخضوع لهذا النوع من القمع.

فأية مصداقية يمكننا أن نعطي للأخوتين ليفي الشهيرتين، من مدينة Aubervilliers، اللتين تحدثتا عن الحجاب كاختيار شخصي؟ إذ في كتاب من مقابلات خصصت لهم، تذهبان حتى إلى التأكيد بأنه "إذا أراد شخص ما، وقد ارتكب الزنا، التوبة عبر رجمه، فهذا خياره وهو يقوم بذلك بحرية"... لنأمل أنهما، رغم اضطرابهما الواضح، لن تختارا لنفسيهما هذا الخيار...

كما يرافق الهجوم الموالي للحجاب هجمات ضد الاختلاط الجنسي، وهذا قد بدأ في المدارس: كالمطالبة بأحواض سباحة منفصلة بين الجنسين وعدم ذهاب الفتيات المسلمات إلى مراكز الترفيه أو في رحلات الثلج والرحلات الميدانية إلخ...، وذلك بسبب أن الصبيان والفتيات يناموا في نفس المباني السكنية!

وواحدة من الحجج الأكثر تقدما لتبرير التماشي مع هذه الممارسات البالية هي القول بأن الأمر هو مسألة "هوية"، مسألة "جذور ثقافية" ينبغي احترامها باسم احترام الاختلاف الثقافي.

إن هذه الحجة تدل عن ازدراء بحت. لماذا تقاليد الآخرين يجب بالضرورة "احترامها" أكثر من تلك التي قامت أجيال هنا بمحاربتها وبتبديدها (ليس في كل العقول على ما يبدو)؟ ألم تقم هذه الأجيال بمحاربة الأصوليين الكاثوليك وبالتنديد بهم! هل أن ممارسة ختان البنات أمر يحترم؟ وتعدد الزوجات، والحريم أو المأنث، هل يمكن احترامها؟ وتقاليد الكنيسة الكاثوليكية من مطاردة الساحرات وحبس الفتيات "المخطئات" وتقليد الكتاب المقدس القائل بأن الولادة يجب أن تكون مؤلمة للأم - واللائحة طويلة - هي جزء من "جذورنا" في أوروبا الغربية! هذه الجذور لا تستحق إلا... اقتلاعها. وما هو صالح للنساء هنا هو صالح لكل النساء وفي كل مكان: إن كرامة المرأة لا تجزأ!

إن الموقف الفكري القائم بوضع جميع الثقافات، من أكثرها بدائية إلى أكثرها حداثة، على نفس المستوى عادة ما يدل عن فكر رجعي. بالفعل فإن هذا يسهل تبرير إعطاء المرأة مكانة دونية. كما أن بالنسبة لسكان شمال افريقيا، يحمل هذا الموقف في طياته أبوية غالبا ما تكون شكلا من أشكال الازدراء.

إن كرامة المرأة لا تجزأ!

ويتساءل المرء أين حلت، في أوساط من يعتبرون أنفسهم مستنيرين أو علمانيين تقدميين أو حتى اشتراكيين، مسألة التضامن مع تلك اللواتي يكافحن هنا وفي أماكن أخرى: المرأة التركية تتعرض لضغوط من قبل الإسلاميين والنساء في أفغانستان وباكستان وبنغلاديش كما تسليمة نسرين التي لا تدين الأصولية فحسب بل القرآن كله. وهي التي تشجب حقيقة أن الرجم، على الرغم من أنه لم يعد قانونيا في بنغلادش، فهو لا يزال يمارس يوميا في القرى. كما أنها لا تخشى، أمام كل هذه الهمجية، القول لنساء بلادها: "إلى تلك اللواتي لا يحاربن في سبيل الحد من القمع والنظام الديني الأبوي، أقول: عار عليكم! "(مقابلة مع مجلة الاكسبرس في نيسان/أبريل ٢٠٠٣).

أين حل التضامن مع النساء في المغرب والنساء الجزائريات اللواتي يقمن بمقاومة بطولية؟

في هذا الصدد، من الضروري أن أقتبس الدعوة التي أطلقتها في العام الماضي المحامية النسوية وصيلة تمزالي، بعنوان "أيتها النسويات، أكتب لكم من الجزائر":

..."منذ سنوات عديدة وأفكار النسويات الفرنسيات تتلاقى مع أفكار نسويات الجنوب، أي نحن هنا. وغالبا ما كان لدينا النهج العام نفسه بشأن مسألة التمييز بين الجنسين. كان ذلك يعزز إيماننا بأن الحركة النسوية هي حركة عالمية (...) وأخيرا، كنا نظن أن صديقاتنا النسويات، وبالنسبة لموضوع الحجاب الذي يعرفنه تماما، سوف يتولين لوي عنق هذه النسبية الثقافية التي ازدهرت بشكل غريب في صفوف اليسار المثقف، وفي أماكن كرابطة حقوق الإنسان! إلا أن ذلك لم يحدث! (...) إن قبول ممارسات، منبثقة عن الأوساط المغربية أو غيرها، مسلمة أو غير مسلمة، كإخفاء الشعر ورفض العلاج من قبل رجل وعدم مصافحة الرجال، هو قبول بممارسات فصل بين الجنسين (...)

إن رفض الحجاب لا يعني قبول العنصرية! (...) في بلادنا، كان يشار إلى النسويات على أنهن حليفات للقوى الغربية (...) لقد عانيت كثيرا من سوء النية هذا لكي أقدر على تقبله من قبل نسويات وديمقراطيات! (...) إننا نقاتل ضد أنظمة نعرف شراستها، فهل يجب أن نضيف إلى ذلك معارضة من كان ينبغي أن يكون معنا؟ (...) أنا فقط أريد أن أذكر بأن التخوف من وصم صورة الديانة المسيحية لم يوقف نضال الحركة النسائية (...) فما هو خير لدين ما ليس خيرا دين آخر؟ (...) هل يمكننا القول بأن ما يقود الفكر النسوي بشكل عام ليس صالحا بما يخص النساء المسلمات؟ لدينا ما يكفي من الصعوبات لكي تقوم مفكرات بضم أصواتهن - وأية أصوات! - إلى أولئك الذين يعتقدون مع طارق رمضان بوجود صنف خاص وهو "المرأة المسلمة" (....)."

تتوجه وصيلة تمزالي في نصها إلى نسويات تعرفهن جيدا. نتفهم المرارة التي تشعر بها. ويمكننا أن نضيف أن أولئك من بين أقصى اليسار الذين يعلنون بأنهم "متضامنون مع النساء اللواتي يعارضن فرض ارتداء الحجاب عليهن" وأنهم في الوقت نفسه "ضد كل تمييز بحق تلك اللواتي يخترن ارتداء الحجاب"، كما لو أن الموقفان يتضاهيان وكأنه ليس هناك من ضرورة لاختيار أي من الصفين، يرتكبون خيانة حقيقية لجميع النساء اللواتي قاتلن ويقاتلن في سبيل تحررهن.

فليسقط اضطهاد المرأة ولتحيا المساواة بين جميع البشر!
على مستوى العالم، ثلثي الأميون هم نساء.

وهن يمثلن الغالبية العظمى من القوى العاملة المستخدمة بدوام جزئي.

في كل عام، يجري ما يزيد عن العشرين مليون عملية إجهاض في العالم في ظروف غير صحية. كم من النساء يمتن جراء ذلك؟

يمكن ضرب النساء واغتصابهن وقتلهن ضمن عائلاتهن.

لقد تم عولمة الاتجار بالنساء من أجل الجنس، وهي تتم بكثافة داخل آسيا وبين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية. والنساء اللواتي يقعن ضحيتها هن أصغر فأصغر سنا، لأنهن يفترضن خاليات من فيروس الإيدز...

الصورة سوداء وبالطبع أن الدين لا يفسر كل شيء. في حالة الاتجار بالجنس، الدافع هو الأرباح التجارية. ومع ذلك يبقى أن الضغوط الدينية، بشكل ماكر أحيانا، وغالبا ما هي أكثر فأكثر عدوانية، تؤثر على النساء بشكل كبير، وحتى لو كان ذلك بدرجة مختلفة.

إن بقايا الماضي تهددنا اليوم بالعودة إلى الوراء.

كثوريون شيوعيون، نحن نعلم أن المجتمع، وضمنه قضية المرأة، لا يمكن له إحراز تقدم حقيقي عندما تكون الطبقة العاملة متقهقرة. إن الدفاع عن حقوق المرأة وتحرر النصف النسائي من الإنسانية مرتبط بقضايا العمال ككل. فالبروليتاريا ليست طبقة تستغل عمل الآخرين وهي ليست في حاجة إلى ممارسة أي اضطهاد ما. إن عملية كسر سلاسل المستغلين هي أيضا عملية كسر سلاسل جميع النساء المضطهدات لكونهن نساء.

هذا لا يدفعنا قط إلى تأجيل الدفاع عن حقوق المرأة إلى ما بعد انتصار ثورة الطبقة العاملة! فالنضال من أجل تحقيق المساواة للمرأة في المجتمع هو جزء لا يتجزأ من برنامجنا. وهو كفاح حالي كما الدفاع عن مصالح العمال. ويجب الاستمرار بهذا الكفاح بشكل مستمر حيث أن التضامن بين جميع المكافحات والمكافحين هو أمر ضروري.

وبطبيعة الحال، إننا كشيوعيون نناضل لترويج المادية الفكرية، ولا نتنازل أبدا أمام الأفكار الدينية التي يتم ترويجها. ونحن نستمر على هذا المسار اليوم رغم أن الادعاء بالإلحاد اليوم قد أصبح عيبا، وحيث يتنامى التفكير غير العقلاني في كثير من الاوساط.

لكن ما ينقصنا قبل كل شيء اليوم هو وجود حزب ثوري للبروليتاريا.

إن الطبقة العاملة في بولندا، والتي تضم من دون شك العديد من المؤمنين بوجود إله، لقد قامت بصراعات طبقية شديدة في عام ١٩٥٦ وفي عامي ١٩٧٠-١٩٧١ ثم في عام ١٩٧٦، وذلك كان من دون أي توجيه أو وراء قادة قاموا بتضليلها. على أية حال لم يكن للكنيسة أي وزن يمكنها من التأثير. وإذا كان على رأس نضال العمال البولنديين في عام ١٩٨٠ كاثوليكي مرموق اسمه فاليسا، إلا أنها وسائل البروليتاريا كالإضراب، وليست الصلاة، هي التي مكنتهم من فرض عدد من التنازلات على الحكومة. إنهم لم يكونوا محكومين بالتواجد تحت قيادة الكنيسة الكاثوليكية: بل إن غياب حزب ثوري للبروليتاريا هو ما ترك المجال للكنيسة.

وعلى نحو مماثل إلى حد ما، عندما تثور الجماهير العربية ضد الإمبريالية، فإنها تصطف اليوم في معظم الحالات تحت راية الأيديولوجية الإسلامية. ولكن هذا لا يعود إلى حتمية الإسلام: هنا أيضا، المسألة هي في عدم وجود قيادة ذات أيديولوجية تقدميه، أي قيادة شيوعية ثورية التي هي وحدها القادرة على مناهضة اللامبريالية.

لذلك بالنسبة لنا هنا، من الضروري، بل وربما من الحيوي - على أية حال، هو واجب أساسي بالنسبة لنا - عدم إظهار أي تهاون بوجه أي دين: فبالنسبة للمرأة المضطهدة هذا النوع من التهاون هو نفاق في أفضل الاحوال، والنفاق تصبح نذالة بسرعة.

إذن ختاما: فلتسقط الظلامية الدينية! فليسقط اضطهاد المرأة ولتحيا المساواة بين البشرية جمعاء! وفي نهاية المطاف، فليسقط نظام الملكية الخاصة ولتسقط الرأسمالية!

ملحق

تواطؤ الدولة الفرنسية

لا بد من شجب بعض خصائص التشريع الفرنسي غير المعروفة والتي تشكل انتهاكات بحقوق المرأة القادمة من شمال إفريقيا أو من أصل أفريقي وتعيش في فرنسا.

فالأحكام المتعلقة بالنساء التي أصلهن من الجزائر ومصر والسنغال وساحل العاج ومالي والنيجر والكاميرون، والصادرة في تلك البلدان، وحتى غيابيا، يتم التصديق عليها هنا في فرنسا: النبذ من قبل الزوج والزواج دون موافقة وتعدد الزوجات وكذلك الاحكام المتعلقة بحضانة الأطفال، وذلك بموجب اتفاقات بين الحكومة الفرنسية وهذه الدول.

فعملية النبذ في هذه البلدان يصدق عليها في فرنسا كطلاق قضائي ولكن من دون أي حقوق وأي ضمانة للمرأة المنبوذة. فالإجراء المسمى "exequatur" يسمح بذلك.

وكل هذا يحدث في محاكمات سرية. ولطالما تقوم جمعيات المرأة بشجب ممارسة الزواج القسري للفتيات، الصغيرات في كثير من الأحيان، وتقوم بحملات توعية في الضواحي لمساعدة الشابات اللواتي يردن مقاومة هذه الاحكام. ولكن المسألة ليست سهلة، فهذه الفتيات التي يعشن في هذه الاحياء يقبعن تحت سيطرة الأسرة ومحيطها الدائمة. إذ يمكن أن يتم تزوج الفتاة من دون موافقتها، وأن تخضع تكرارا للاغتصاب "القانوني". يمكن أن تؤخذ الفتاة إلى بلد المنشأ بشكل فجائي ليتم تزويجها من رجل يكون، في كثير من الأحيان، أكبر سنا منها بكثير. فيتم الحديث عادة عن زواج "مرتب" بين أسرة الفتاة والرجل، لتفادي القول أن الزواج هو زواج قسري.

وقد وصلت الجمعيات في تقديراتها إلى حوالي ال ٧٠٠٠٠ فتاة التي تتراوح أعمارهن بين ١٠ و١٨ سنة واللواتي هن عرضة لخطر أن يعانين مثل هذا المصير. وهذه الفتيات، عندما يتم إعادتهن إلى فرنسا، يجدن أنفسهن في مصيدة.

هذه الممارسات من الضروري أن يتم تعريف الرأي العام بها ويجب علينا أن نكافح ضدها وبوجه كل الأئمة والمشعوذين من جميع الأنواع، وكذلك بوجه المحاكم الفرنسية لو استلزم الأمر.

الممارسات الوحشية الأخرى
إن جذور بعض الممارسات التي تقع المرأة ضحيتها تعود إلى العصور والمجتمعات الي سبقت تشكيل الديانات الكبرى التي تحدثنا عنها. وإنه لمن الصعب إجمالا تحديد زمن بداياتها بالتحديد.

وهكذا، فالاستئصال والتشويه الجنسي للفتيات يمارس في عدة بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في مصر وفي السودان. في هذا الصدد، نشير إلى أمرين: أن هذه الممارسات لا تزال مستمرة رغم حشيتها، وحتى اليوم، وربما تمديد. وهي موجودة بين السكان المسلمين والمسيحيين كما الوثنيين بنفس القدر.

هذا هو جزء من شكل من أشكال همجية قديمة جدا يدل على ازدراء للنساء ولأجسادهن ومستقبلهن، إلى درجة يصعب في بعض الأحيان تصورها اليوم... ولكن هذه الممارسات تستمر اليوم دون إن يتم محاربتها لا من قبل دول ولا من قبل المراجع الدينية. وغالبا ما تقدم هذه الهمجية كجزء من "الثقافة التقليدية" لهذه الشعوب...

يجب علينا أيضا أن نذكر بوأد البنات الاطفال، والتي تعتبر أفواه عديمة الفائدة يتوجب تغذيتها، كما مصدر للقلق أو حتى ذات تكلفة لا تطاق في الأسر الفقيرة، بسبب دحم النقطة الشهيرة التي ستطلبها منها أسرة الزوج المستقبلي وقت الزواج... "الحل" بوأد البنات ما زال يمارس، وحتى على نطاق واسع في الهند والصين، بدعم عند الضرورة من التقنيات الحديثة مثل اختبارات الحمض النووي والصورة الصوتية (على الأقل لمن تتوفر له هذه الوسائل) التي تسمح بالإجهاض على أساس الجنس ...

لقد وصل قتل البنات إلى درجة في الهند وفي الصين تهدد هذان البلدين باختلال التوازن الديمغرافي بشكل مثير للقلق.

وأخيرا، هناك التقليد الكبير والمدمر القائل بأن "شرف" الرجل والأسرة يلطخ إذا ما حبلت الفتاة خارج إطار الزواج، وحتى عندما يكون الحمل ناتج عن عملية اغتصاب، وإن كان اغتصاب ارتكب من قبل فرد من العائلة. من الواضح أن العقاب لا يقع على المغتصب بل على النساء أو الفتيات اللواتي يعاقبن بهدف "غسل الشرف"، إلى حد قتلهن بقرار من مجلس العائلة.

ويتم عد هذه الجرائم على أنها "جرائم الشرف" في التقييمات الإحصائية عندما تكون ممارستها متاحة قانونيا في البلد الذي ارتكبت فيه، أو "مقبولة اجتماعيا"... ويكفي القول أن تقييم عدد هذه الجرائم لا يمكن إلا أن يكون تقريبيا: يتم ارتكاب عدة آلاف جريمة من هذا النوع سنويا في جميع أنحاء العالم. في المغرب والشرق الأوسط بما فيه إسرائيل، وكذلك في الهند والدول المجاورة، أو ما هو أقل شهرة، البرازيل وإيطاليا أو ضمن أوساط المهاجرين في الولايات المتحدة وإنجلترا وفي فرنسا.



هذه الجرائم هي مشابهة جدا مع رجم النساء الزانيات، وحرق الأرامل، أهوال تقشعر لها الابدان، ولكنها بعيدة من الاختفاء من عالمنا في القرن الـواحد والعشرين.
منقول


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire