Tunisiens Libres

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 24 juillet 2015

الإخوان المسلمين .. لعبة المخابرات الغربية


الإخوان المسلمين .. لعبة المخابرات الغربية 



عشرات الوثائق السرية تؤكد :الإخوان المسلمين .. لعبة المخابرات الغربية 
صعدة برسنشر في صعدة برس يوم 07 - 02 - 2013

«الإخوان يتصلون بواشنطن بانتظام منذ منتصف 2007، وهذا ليس عيبا، ولهم صلات بالمخابرات البريطانية تعود للأربعينات»، هذا ما قاله شيخ الصحفيين المصريين محمد حسنين هيكل، مؤخرا في إحدى حلقات حواره مع الإعلامية لميس الحديدي على تليفزيون «سي بي سي»، رافعا بيديه كتاب «الشئون السرية» الذي صدر عام 2010 وحظي بتغطية سطحية ركزت على عناوين ساخنة مثل دعم المخابرات البريطانية للشيخ حسن البنا وتمويلها لجماعته فقط لا أكثر، 

لكن الكتاب فيه من التفاصيل ما يستحق إعادة قراءته. 

الكتاب يقول ببساطة، عبر مئات من الأمثلة المدعومة بعشرات من الوثائق السرية، إن حركات الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين وغيرهم في بلدان العالم، كانوا لأكثر من 60 عاما لعبة في أيدي المخابرات الأمريكية والبريطانية التي وظفت هذه الجماعات لتحقيق وخدمة مصالحها في مختلف الدول.

وتوقع مارك كرتيس في كتابه، الذي نشر قبل عام واحد من الثورة المصرية، تحالفاً بين النخب العالمية والإخوان المسلمين، وهو ما تحقق بالفعل في مصر وتونس وسوريا مؤخراً، واستند إلى سوابق تاريخية، ساقها «كرتيس» في كتابه، على هذا «التعاون، أو على نحو أدق، التواطؤ بين النخب السياسية البريطانية والإسلام المتطرف»، 

ويعتقد «كرتيس» أن هذه العلاقة ليست مجرد تحالف تاريخي وانتهى، بل تعاون ما زالت أسبابه قائمة حتى اليوم، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي.

ومنذ منتصف الأربعينات، تواطأت الحكومات البريطانية المختلفة مع القوى الإسلامية الراديكالية و«عملوا معهم بشكل وثيق ودربوهم ومولوهم في بعض الأحيان» لتحقيق هدفي بريطانيا الرئيسيين في السياسة الخارجية: تحقيق النفوذ والسيطرة على موارد الطاقة الرئيسية في العالم، والحفاظ على وضع بريطانيا كمركز للنظام المالي العالمي.

وكان ساسة بريطانيا يعتبرون الإسلاميين مفيدين من 5 أوجه، أولها: 

- تقويض العلمانية والتيارات القومية في العالم العربي وجنوب آسيا، 

- وثانيها استخدامهم ك«قوات صاعقة» لزعزعة استقرار الحكومات المناوئة، 

- وثالثها: العمل عند الضرورة كقوات عسكرية لخوض حروب نيابة عنها كما حدث في إندونيسيا في الخمسينات، وفي أفغانستان في الثمانينات، 

- ورابعها: استخدامهم ك«أدوت سياسية» لإحداث التغييرات من جانب الحكومات المستهدفة، مثل إيران، ضد محمد مصدق عام 1953، 

- وخامسها: تقويض النظم القومية والعلمانية ودعم الأنظمة الموالية للغرب، خصوصا في السعودية وباكستان.

ويركز «كرتيس» على باكستان التي يعتبر انفصالها عن الهند أحد أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام السياسة، وترحيب ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الشهير، بدعوات بعض الإسلاميين بالاستقلال عن الهند -الذى كان أمرا غريبا وقتها- لأن باكستان في حقيقتها دولة صناعية، ليس بها مقومات تحفظ وحدتها، غير هويتها الإسلامية، والبريطانيون كانوا يدركون ذلك جيدا، لكن تشرشل رحب بانفصالها للاحتفاظ بجزء صغير من الهند، التى اضطرت بريطانيا للرحيل عنها بعد استقلالها عام 1947.

ولتحقيق هذا الهدف شجعت بريطانيا تيارات الإسلام المتشدد ورموزه ومنهم أبوالأعلى المودودى صاحب نظرية «الحاكمية لله» التى تبناها لاحقا سيد قطب، ولاحقا تعلمت الولايات المتحدة، خليفة بريطانيا في قيادة العالم، الدرس ووظفت الجهاديين في أفغانستان لضرب السوفيت.

ولم يقتصر دعم بريطانيا للإسلاميين على باكستان، فدعمها للمملكة العربية السعودية «الوهابية» أكثر وضوحا، وكان الهدف من هذا الدعم، الذي واصلته الولايات المتحدة لاحقا، مكافحة «فيروس القومية العربية»، بعد صعود «عبدالناصر» وتأميمه قناة السويس.

وأدت السعودية دورها في رعاية الإخوان والسلفيين عقودا طويلة، وأنفقت بين عامى 1970 و2007 نحو 50 مليار دولار لنشر «الوهابية» في جميع أنحاء العالم، وهو ما وصفه أحد المراكز البحثية الأمريكية ب«أكبر حملة دعائية في التاريخ»، وجرت بمباركة ورضا بريطانيا والولايات المتحدة اللتين رأتا في أفكار الوهابيين حائطا دفاعيا ضد أفكار «عبدالناصر» التى كانت تهدد مصالح الدولتين خصوصا في منابع النفط.

ويضرب الكتاب عشرات الأمثلة على استخدام الغرب للإسلاميين في تحقيق أجندتهم، فحين حاول محمد مصدق، رئيس آخر حكومة منتخبة ديمقراطيا في إيران، تأميم شركة النفط البريطانية الإيرانية، قررت بريطانيا والولايات المتحدة الإطاحة به عن طريق دعم ما وصفوه وقتها ب«دكتاتور مستعد لتسوية مسألة النفط بشروط معقولة».

وكان الدكتاتور هو «آية الله سيد كشانى» الذي نظم أتباعه المتشددون احتجاجات واسعة مهدت الطريق لانقلاب 1953، الذي جاء بالشاه الموالى للغرب، وتتلمذ على يدى «كشانى» آية الله الخمينى، الذي أطاح بالشاه عام 1979، وأقام دولة دينية قمعية حتى اليوم، ومن الطريف أن الولايات المتحدة دعمت «الخمينى» اعتقادا منها أنه زعيم إسلامي معتدل يمكن «التفاهم معه»، حتى حين ظهر أن الخمينى خطر على مصالح الغرب، سعت أمريكا لاستخدامه في تصفية اليسار في إيران التى كانت وما زالت تعتبره الخطر الأكبر على مصالحها.

وفي 1982، حصل البريطانيون على قائمة أعضاء الحزب الشيوعى الإيرانى «توده» من عميل سوفيتي سابق يدعى فلاديمير كوشكان، ومررت المخابرات البريطانية «MI6» ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA»، القائمة إلى طهران التي سارعت بحل الحزب وإعدام عشرات منهم وألقت القبض على أكثر من ألف شخص.

وتكرر السيناريو نفسه في إندونيسيا، بصورة أبشع، حين دعم الغرب الجماعات الإسلامية، المدربة والمسلحة من قبل الجيش الإندونيسى لارتكاب مذبحة إندونيسيا الشهيرة، التى راح ضحيتها نحو مليون شيوعى عام 1966، 

إلا أن أشهر صور التعاون بين الغرب والإسلاميين كانت في أفغانستان بعد غزو الروس لها عام 1979.

وسعت ال«CIA» والمخابرات الباكستانية، في هذه الفترة، للعمل بشكل وثيق مع تيارات إسلامية مختلفة، ومنها إخوان باكستان المعروفون باسم «جماعة الإسلام»، بهدف استنزاف «الجيش الأحمر» هناك.

وجعل هذا التعاون من الولايات المتحدة، فيما بعد، متهما بإطلاق شيطان الجهاد الإسلامي المسلح، إلا أن كثيرا من السياسيين الأمريكان رأوا التعاون فكرة عبقرية لا يقلل منها وجود آثار جانبية مثل ميلاد تنظيم القاعدة، وهو ما عبر عنه زبيجنيو بريجنسكى، مستشار الرئيس كارتر لشئون الأمن القومى، ذات مرة لصحيفة «نوفيل أوبزرفتوار»، التى سألته: «هل تشعر بالندم على رعاية الجماعات الإسلامية أثناء حرب أفغانستان؟»، فأجاب: كيف أندم على فكرة ممتازة؟! وما أهمية مقارنة «طالبان» ب«سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفيتى»؟! وما أهمية وجود بعض المسلمين الغاضبين مقارنة بتحرير وسط أوروبا وإنهاء الحرب الباردة؟!

وإذا كان تحالف الإسلاميين وال CIA في أفغانستان قصة معروفة، فما لا يعرفه كثيرون أن بريطانيا والولايات المتحدة هما من سهلا لاحقا إيفاد كثير من هؤلاء المجاهدين للمشاركة في حروب البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى، والمناطق الإسلامية في الصين، بدعم سخي من حليفهم الغنى السعودية، التى كانت أيضاً الممول الرئيسي لحرب إدارة «ريجان» السرية لدعم المجالس العسكرية القمعية في أمريكا اللاتينية، مقابل أن تغض أمريكا الطرف عن جهودها في نشر المذهب الوهابى الذي تعتبره المملكة أحد أسلحتها لمواجهة دعوات الإصلاح وتداول السلطة في الداخل.

وفي كتابه «لعبة الشيطان.. كيف أطلقت أمريكا الأصولية 
الإسلامية»، الصادر عام 2006، قال مؤلفه روبرت دريفوس: 

«هناك فصل غير مكتوب في تاريخ الحرب الباردة، يتناول خطة أمريكا المجهولة لدعم وتمويل -سرا وأحيانا علنا- الإسلاميين المتشددين، هذه الخطة المجهولة، التى نفذت على مدار 6 عقود، مسئولة جزئيا عن ظهور الإرهاب الإسلامي كظاهرة في جميع أنحاء العالم، بل إن امبراطورية أمريكا في الشرق مصممة وتقوم على عدة دعائم إحداها الإسلام السياسى».

ويضيف «دريفوس» في مقدمة كتابه الشهير: «أنفقت الولايات المتحدة عقودا في رعاية الإسلاميين ودعمهم، والتلاعب بهم وخداعهم، باستخدامهم كحلفاء لها في الحرب الباردة، لكن السحر انقلب على الساحر بعد أن تحول هؤلاء الأئمة والملالى والدعاة إلى وحوش، ليس فقط ضد الولايات المتحدة، بل ضد حرية الفكر والعلوم الإنسانية القومية واليسار وحقوق المرأة. بعضهم إرهابيون، لكن أكثرهم متعصبون لأفكار تعود للقرون الوسطى ويتمنون العودة للقرن السابع الميلادي». 

ويوضح «لعبة الشيطان» أنه خلال سنوات الحرب الباردة بين عامي 1945 و1991، لم يكن الاتحاد السوفيتي هو العدو الوحيد لأمريكا وحلفائها، وسعت الولايات المتحدة ل«شيطنة» وتجريح كل الأفكار والأيديولوجيات التي يمكن أن تهدد الأجندة الأمريكية والنفوذ الغربى مثل التيارات القومية والعلمانية والاشتراكية، وكانت هذه الأفكار هي أيضاً أكثر ما يخشاه الإسلاميون، 

ويضرب الكتاب مثلا واضحا بتحالف الغرب مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية في العالم العربي وإيران وتركيا والهند، فالحركات القومية الناشئة في دول العالم الثالث كانت تهديدا كبيرا على مصالحها، واتخذ هذا التهديد أشكالا مختلفة، أشهرها جمال عبدالناصر الذي تواطأت بريطانيا والمخابرات الأمريكية مع الإخوان لاغتياله عام 1954.

وفي محاولاتها لاحتواء هذه الأفكار في الخمسينات تحالفت واشنطن مع المملكة العربية السعودية، ووظف الأمريكان «الوهابية» للدفاع عن مصالحهم، واتفقوا مع الملك سعود والأمير فيصل -لاحقا الملك فيصل- لتأسيس كتلة إسلامية من شمال أفريقيا إلى باكستان وأفغانستان. 

وبالفعل مولت الأسرة السعودية مؤسسات كثيرة لنشر الوهابية ودعم جماعة الإخوان، ومولت بناء المركز الإسلامي في جنيف 1961، ورابطة مسلمى العالم 1962، ومنظمة المؤتمر الإسلامي 1969، وغيرها من المنظمات التى شكلت جوهر الإسلام السياسي في العالم.

وفي السبعينات ومع وفاة «عبدالناصر» وتراجع القومية العربية، ظل الإسلاميون دعامة أساسية للعديد من الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، ومنها مصر في عهد الرئيس السادات الذي تحالف مع الإسلاميين للقضاء على «الناصريين» والتقرب من أمريكا التي قال إنها «تمتلك 99 % من أوراق اللعبة السياسية».

وفي كتابه الشهير «مسجد في ميونخ: النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب»، كشف مؤلفه الصحفي الكندي إيان جونسون، الحائز على جائزة بوليتزر، عن أبعاد أخرى لتحالف الإسلاميين والغرب الذي لم يقتصر، حسب وثائق المؤلف، على الولايات المتحدة وبريطانيا، فالولايات المتحدة استثمرت وبنت على مخطط ألماني نازي بدأه هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، لتوظيف الإسلاميين لضرب الاتحاد السوفيتي.

القصة بإيجاز أن النازيين وجدوا أن عدداً كبيراً من الجنود السوفيت، الذين وقعوا في أسرهم، مسلمون ساخطون على الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين وكارهون لنظامه - شارك بين 150 و300 ألف سوفيتي في الحرب العالمية الثانية- 

ففكروا في استخدام المسلمين كطابور خامس داخل الجمهوريات الروسية المسلمة، وتولى هذه المهمة رجل يدعى «جيرهارد فون» الذي بدأ في رسم مخطط واسع لاستغلال الإسلاميين لصالح النازيين، وبعد هزيمة ألمانيا واصل «فون» نشاطه المعادي للشيوعية.

ولم تنجح الشبكة التي كونها «فون» عسكرياً في تهديد السوفيت لكنهم أثبتوا أنهم أكثر كفاءة في تنفيذ الأجندة السياسية والدينية بعد أن تحولوا من جنود إلى «إسلاميين»، وتحولت مدينة ميونخ، بسبب وجود عدد كبير من المسلمين السوفيت فيها، لمركز لهؤلاء الإسلاميين الذين انضم إليهم عدد من النازيين السابقين والمنظمات التابعة للمخابرات الأمريكية.

ويوضح «جونسون» في كتابه كيف استطاع الأمريكيون سرقة مشروع «شبكة فون مندى» وتسليمها للقيادي الإخواني سعيد رمضان لمساعدته في تكوين شبكة من التنظيمات الإسلامية بدعم من أمريكا وبريطانيا، وتمويل سعودي، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي في مصر، وخطر عبدالناصر، وكان مسجد، تحول لاحقا للمركز الإسلامي في جنيف 1961، هو نواة هذا المشروع.

واتضح فيما بعد، أن المركز الإسلامي كان مجرد بداية، ففي عام 1962، ساعد سعيد رمضان في إنشاء «رابطة مسلمي العالم» التي أصبحت الجهاز العصبي المركزي للحركة الوهابية في العالم، بتمويل سعودى سخي تكفّل بإرسال الدعاة والدعاية المطبوعة، وتمويل بناء مساجد ومراكز وهابية مختلفة بطول شمال أفريقيا وآسيا الوسطى، وحتى خارج العالم الإسلامي.

ووفقاً ل«جيل كيبيل» مؤلف كتاب «الجهاد: تعقب أصول الإسلام السياسى»، خدمت هذه الرابطة أيضاً كقناة لعبور الأموال السعودية إلى إسلاميين متطرفين، في باكستان وأفغانستان، وجماعة الإخوان نفسها.

ويضيف الباحث الفرنسي المتخصص في تاريخ الإسلام السياسي: «حددت الرابطة المؤسسات والأشخاص المستحقين لدعمها ودعتهم لزيارة المملكة العربية السعودية، وأعطتهم دعما إضافيا من أحد أعضاء العائلة المالكة أو أحد رجال الأعمال»، وأدار هذه الرابطة، إضافة للقيادى الإخوانى سعيد رمضان، علماء من المؤسسة الدينية السعودية ودعاة هنود من مدارس «ديوبند» التى أسسها «أبوالأعلى المودودي»، وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان.

وفي عام 1970، بعد وفاة «عبدالناصر»، قاد رمضان وفدا للإخوان، نظمته ومولته السعودية، للتوسط لدى السادات لإعادة إحياء الجماعة التي جرى حظرها عام 1954، حسب قول روبرت باير، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية: 

«المملكة العربية السعودية لعبت دور القواد للإخوان»، ووافق السادات الذي كان يرغب في التنصل من الروس والتخلص من الناصريين، والتحالف مع الأمريكيين، وانتشرت الحركة الإسلامية بصورة كبيرة في عهد السادات وسرعان ما ردت هذه الحركات الجميل للأمريكان والسعوديين بالجهاد ضد الروس في أفغانستان عام 1979.

قصة سعيد رمضان، في حد ذاتها، أحد أكثر فصول العلاقة بين الإسلاميين، خصوصا الإخوان، وأجهزة الاستخبارات الغربية غموضا وإثارة. رمضان بإيجاز شديد هو الذراع اليمنى لمؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا، وزوج ابنته ووزير خارجية الجماعة الذي تولى تأسيس فروع الجماعة في الخارج والتنظيم الدولى للإخوان.

وبدأ الاهتمام العالمى ب «رمضان» عام 1953، حين دعاه البيت الأبيض مع 5 أشخاص من دعاة وعلماء المسلمين من دول مختلفة للقاء مع الرئيس الأمريكي آيزنهاور، وجاء اللقاء كجزء من مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة، إلا أن وثيقة سرية أمريكية، وقعت في يد روبرت دريفوس، كشفت عن أن إدارة المعلومات الدولية، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية -وهو فرع له اتصال مباشر بوكالة المخابرات المركزية- هي الجهة التي نظمت المؤتمر وتكفلت بتكاليف نقل هؤلاء العلماء من مصر والبحرين ولبنان والهند وبلدان أخرى، التي بلغت 25 ألف دولار خلاف مصاريف إضافية تكفلت بها شركة «أرامكو» السعودية الأمريكية.

وطبقا للوثيقة نفسها، وتصنيفها «سرى.. معلومات أمنية»، فإن هدف المؤتمر، في الظاهر، مجرد تجمع علمى بحت، إلا أن الهدف الحقيقى هو «تجميع عدد من الأشخاص، من ذوى النفوذ في تشكيل الرأى العام في البلاد الإسلامية في قطاعات مختلفة مثل التعليم والعلم والقانون والفلسفة، مما يعزز بشكل غير مباشر النفوذ السياسي للولايات المتحدة في المنطقة»، 

ومن بين الأهداف المتوقعة للمؤتمر خلق قوة دافعة لحركة النهضة الإسلاموية.

ويوضح مؤلف كتاب «لعبة الشيطان»: «كانت الولايات المتحدة وقتها تتحسس طريقها لدول الشرق الأوسط، ويتباحث مفكروها إلى أى مدى يمكن للإسلام السياسي أن يكون قناة للنفوذ الأمريكي في المنطقة. 

ولم تكن الولايات المتحدة قلقة من أفكار الإخوان ولا طموحاتهم وتنظيمهم السري، فكل ما كان يعنيها هو الاتحاد السوفيتي، فأي جماعة أو شخص يعادي الشيوعية، هو حليف محتمل»،

 وأكد الفكرة هيرمان إيلتس، دبلوماسي أمريكي عمل في المملكة العربية السعودية أواخر الأربعينات، بعد أن قابل الشيخ حسن البنا وقال: «وجدناه متعاطفا».

ويشرح الكتاب تفاصيل كثيرة عن دور سعيد رمضان وعلاقاته المتشابكة مع أجهزة مخابرات غربية مختلفة ودوره في إنشاء عشرات التنظيمات الإسلامية التي باركتها أمريكا ومولتها السعودية لتحقيق أهدافها.

ويطرح «دريفوس» سؤالاً مباشراً: هل جندت الCIA سعيد رمضان عام 1953 في أمريكا؟، حسب وثائق مفرج عنها من أرشيف الوثائق السويسرى، وانفردت بنشرها صحيفة «Geneva's Le Temps»، فإن السلطات السويسرية في الستينات «كانت تعتبره، ضمن أشياء أخرى، عميلا للمخابرات البريطانية والأمريكية».

وفي يوليو 2005، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، بعد تحقيق استقصائي موسع في محفوظات أرشيفي سويسرا وألمانيا: «الدلائل التاريخية تشير إلى أن السيد رمضان عمل مع وكالة المخابرات المركزية»، وكشفت وثائق من أرشيفات مخابرات ألمانيا الغربية -عرضتها الصحيفة الأمريكية- عن أن رمضان استخدم جواز سفر دبلوماسيا أردنيا، وفرته له وكالة الاستخبارات المركزية وأن «نفقاته يجرى تمويلها من قبل الجانب الأمريكى»، وأضافت الصحيفة أن رمضان كان على علاقة وثيقة مع «لجنة التحرر من البلشفية» المعروفة اختصارا ب «Amcomlib» التي كانت تدير إذاعة أوروبا الحرة و«راديو ليبرتي» وكلاهما تابع لCIA في الخمسينات والستينات.

ووفقاً للصحيفة، فإن مسؤولاً في ال CIA، يعمل مع هذه اللجنة، التقى رمضان في مايو 1961، لوضع خطة ل «حملة دعائية ضد الاتحاد السوفيتى».

الشيء المؤكد، حسب مؤلف «لعبة الشيطان»، هو أن الغرب ولعقود طويلة فضل التحالف مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية واليسارية، 

وحتى بعد 11 سبتمبر، كان التغيير الرئيسي حسب الإدّعاء الظاهري لدول الغرب هو التحالف مع الإسلاميين الذين لا يرفعون السلاح، وأن واشنطن وجدت في الإسلام السياسي شريكاً مريحاً خلال كل مرحلة من مراحل بناء الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط.

ويبرر روبرت مالي، مستشار سابق للرئيس الأمريكى للشئون العربية الإسرائيلية بين أعوام 1998 و2001، هذا التحالف في دراسة له بعنوان «ليست ثورة» بأن «الإسلاميين جاهزون دائماً بصفقة يرونها مُرضية للغرب: المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي من الغرب، مقابل عدم تهديد ما يعتقدون أنها مصالح غربية أساسية، أي الاستقرار الإقليمى، والحفاظ على السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وتدفق الطاقة، وعدم شن أي حروب تجارية، والمواجهة مع الدولة اليهودية يمكن أن تنتظر، ففي مخططات الإسلاميين لا وجود لدولة يهودية لكن مشكلة إسرائيل ستظل دائما آخر قرار يتخذه الإسلاميون، بل يمكن ألا يتخذه أحد أبدا». و لن يتخذوه أبدا

jeudi 23 juillet 2015

تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسي


 تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسي




«شؤون سرّية»: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسي



مارك كورتس، شؤون سرية. تواطؤ بريطانيا مع الاسلام الراديكالي، سيربنتس تيل، لندن، ٢٠١٠

Marc Curtis, Secret Affairs. Britain,s Collusion with Radical Islam,

Serpent›s Tail, London, 2010

بالرغم من نشره قبل سنة من انطلاقة الثورة المصرية، فإنّ كتاب مارك كورتيس «شوؤن سرّية» تنبّأ بالتحالف بين النخب المتعولمة والاخوان المسلمين. 

وترتكزت نبوءة الكتاب على التحليل التاريخي المقدّم حول التعاون بين السلطات البريطانية وتنويعة من المجموعات الاسلامية عبر العالم، مدلّلاً كيف أنّ تلك العلاقة لا تزال مؤثّرة في المشهد السياسي والاجتماعي للمنطقة بعد الثورات العربية.

الكتاب محدّث وشامل ومنجز بوضوح، يقدم لنا عملا مهنيا على درجة كبيرة من الأهمية. ليس الكتاب الاول من نوعه للمؤرخ البريطاني الذي يتابع التاريخ الحديث لبريطانيا. فمنذ كتابه

‪«Ambiguities of Power: British Foreign Policy Since 1945»

(التباسات السلطة: السياسة الخارجية البريطانية منذ ١٩٤٥ ) ومارك كورتيس يقرأ الأرشيف البريطاني ويزداد اقتناعا بأن «الحقيقة الاساسية هي أنّ بريطانيا مساهم رئيسي ومنتظم في كثير من عذابات العالم وفواجعه» عبر تدخلات عسكرية دموية، وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان ومناهضة التنمية الاجتماعية لصالح الفقراء. 

شغل المؤلف منصب المدير لـ«تيار تنمية العالم » وعمل بما هو زميل باحث في «تشاثام هاوس» واستكمل عمله فيه بنقد هذه الهيئة بتقديم ببراهين لسياسة المملكة المتحدة الخارجية في كتابه ‪A Web of Deceit‬ ‬ (شبكة من الخداع ) (٢٠٠٣) ومؤخراً‬ Unpeople ‬الذي يكشف كيف أنّ بريطانيا «تتحمّل مسؤولية أساسية» لموت حوالي 10 مليون بشري في العالم منذ 1945.

إنّ أدلة كورتيس وبراهينه مستقاة من قراءة تاريخية لمئة سنة من الوثائق المرفوعة عنها السريّة في أرشيف الحكومة البريطانية، وجميع مراجعه مفصّلة ومشار اليها بدقّة، في أكثر من ستين صفحة من الهوامش في نهاية الكتاب. 

وبالرغم من وجود قانون يتيح فتح أرشيف الحكومة بعد مرور ثلاثين عام ‬ لكنّ العديد من تلك الملفّات المتعلقة بعلاقة بريطانيا بالأسلاميين بقيت سرّية كما أنّ ملفات أخرى تابعة لجهاز «الاستخبارات العسكرية رقم ٥» (MI5) وجهاز «الاستخبارات العسكرية رقم ٦» (MI6) مقفل عليها بالكامل.

تواطوء عريق مع الاسلاميين

يكشف كتاب «شؤون سرّية» وجود سياسات متسقة ومتماسكة لبريطانيا تجاه الاسلاميين. 

ففي «الشرق الأوسط» الذي تلى الحرب الكبرى الاولى، قامت بريطانيا، المسؤولة في حينه عن العراق و فلسطين، بممارسة خيار استراتيجي معقّد لم ينجح في تحقيق الإجماع عليه. 

فبعد نشؤ دولة إسرائيل في نهاية الحرب «بقي هناك خلاف حول ما هي القوى التي يجب أن تتحالف معها بريطانيا...» (ص ٤١). فبدأ المسؤلون البريطانيون يتطلعون الى الاسلاميين من مختلف التوجهات على انهم «متاريس ضد الشيوعية والحركات العلمانية في الشرق الأوسط» (ص ٤٣).

فكرة الكتاب الرئيسة هي أنّ الحكومات البريطانية، العمّالية منها كما المحافظة، «تواطأت لعقود مع القوى الاسلامية المتطرفة بما فيها المنظمات الارهابية. ولقد تآمرت معها، وعملت الى جانبها وأحياناً درّبتها وموّلتها.» 

وقد ساعد التواطؤ المذكور بريطانيا على تحقيق هدفي سياستها الخارجية: 

«التأثير على المصادر الاساسية للطاقة والسيطرة عليها»، من جهة، 

و«تثبيت موقع بريطانيا في نظام مالي عالمي مولاءم للغرب» من جهة أخرى. 

وسواء كانت بريطانيا تتعامل مع دول داعمة للارهاب الاسلامي، مثل السعودية او باكستان، أو مع منظمات ومجموعات مثل «الاخوان المسلمين» فقد حاولت باستمرار تقويض القوى العلمانية والقومية واليسارية في العالم العربي.

وقد أفاد «وايتهول» (مقرّ الحكومة البريطانية) من القوى الاسلامية الراديكالية في أربع طرق أساسية:

- كقوة عالمية مناهضة للايديولوجيات العلمانية والقومية وللشيوعية السوفياتية

- في حالتي السعودية وباكستان، الراعيان الاساسيان للاسلام المتطرف، كانت القوى الاسلامية بمثابة «قبضة يد محافظة» لضرب القوميين العلمانيين وتعزيز مواقع الأنظمة المساندة للغرب

- كـ«قوات صدام» لزعزعة الحكومات أو إسقاطها عبر قوات مسلحة تحارب بالواسطة

- كـ«أدوات سياسية» للتأثير على التغييرات من داخل الحكومات.

إن الاشارة الى الهدفين أعلاه على انهما بمثابة مصالح «قومية» لبريطانيا وصف مضلّل. إنها مصالح نخب سياسية وتجارية محدودة العدد. كانت بريطانيا الرسمية- بما فيها حزب «العمال الجديد» - لعقود من الزمن رائدة لبرلة التجارة العالمية والتحرير المالي خدمة لمصالح شركاتها ونخبها الأقتصادية حصرا. ‪,

وقد سعت بريطانيا دائماً الى تقليص دور الحكومات أو الدول في السياسات الاقتصادية ونظرت دائما الى النزعة الوطنية والقومية في الاقتصاد بعداء، مثل نظرتها الى النزعة الوطنية والقومية في السياسة. وإنّ بنية السياسة الخارجية البريطانية وتحالفاتها هي الى حد كبير نتيجة لتلك المصالح.

مصر: اتصالات وتمويل منذ ١٩٤٢

في مصر حظيت جماعة الاخوان المسلمين برعاية العرش الموالي للانكليز الذي بدأ بتمويلهم منذ العام ١٩٤٠ حيث وجد فيهم الملك فاروق قوة يوازي بها قوة حزب الوفد العلماني والوطني، اكبر حزب سياسي في البلد، ويضعهم في وجه الشيوعيين.

 ويلاحظ تقرير للاستخبارات البريطانية في العام ١٩٤٢ «ان القصر بدأ يرى ان الاخوان مفيدون والقى برعايته عليهم». ( ص ٤٠)

ويبدو ان البريطانيين انفسهم بدأوا يمولون الاخوان في العام ١٩٤٢. في ١٨ مايو من ذاك العام عقد موظفون في السفارة البريطانية اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري امين عثمان باشا نوقشت خلاله العلاقات مع الاخوان المسلمين. 

وتقرر ان «المساعدات المالية السرية من حزب الوفد الى الاخوان المسلمين سوف تتكفل بدفعها الحكومة المصرية وانها سوف تطلب عونا ماليا في هذا الشأن من السفارة البريطانية».

بالاضافة الى ذلك، اتفق على ان تدخِل الحكومة المصرية «عملاء موثوقين الى صفوف الاخوان لمراقبة نشاطاتهم على نحو حثيث واعلامنا [السفارة البريطانية] بالمعلومات التي يحصل عليها هؤلاء العملاء. ونحن من جانبنا، سوف نزود الحكومة بمعلومات بما نحصل عليه عن طريق مصادرنا البريطانية» (ص ٤٥)

وتفيد وثائق رفعت عنها السرّية عن لقاء بين مسؤولين بريطانيين واخوانيين عقد في ٧ فبراير ١٩٥٣ ابلغ فيه احد مسؤولي الجماعة، المدعو ابو رقايق، المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانس: «اذا بحثت مصرْ في انحاء العالم كلها عن صديق فلن تجد اقرب لها من بريطانيا». وفسّرت السفارة البريطانية في مصر هذه الملاحظة على انها تدل على «وجود فريق في قيادة الاخوان مستعد للتعاون مع بريطانا، ولكن ليس مع الغرب عموما (لانهم لا يثقون بالاميركيين)».

في ذلك الحين، وحسب تقارير الخارجية البريطانية، كانت الحكومة المصرية بالتنسيق مع السلطات البريطانية تقدم «رشاوى ضخمة» الى حسن الهضيبي، المرشد الجديد للاخوان بعد اغتيال حسن البنا، من اجل الحيلولة دون ان تخوض الجماعة المزيد من أعمال العنف ضد النظام.

في العام ١٩٥٥ كان موظفون بريطانيون براقبون عن كثب نشاطات الاخوان المناهضة لنظام الرئيس جمال عبد الناصر، واعترفوا بأنهم قادرون على ان يشكلوا تحديا كبيرا له. 

وثمة ما يدل ايضا على ان البريطانيين اجروا اتصالات بجماعة الاخوان في اواخر ١٩٥٥ عندما زار وفد من الاخوان الملك فاروق في منفاه بايطاليا للبحث في امكانية التعاون ضد عبد الناصر. 

وقد زوّد الملك حسين الاخوان بجوازات سفر دبلوماسية لتسهيل تنقلاتهم وتحركاتهم فيما السعوديون وفّروا التمويل. ويبدو ان السي.آي.إي شجعت تمويل العربية السعودية للاخوان من اجل العمل ضد عبد الناصر، حسب رواية عميل السي اي اي السابق، روبرت باير (ص ٤٦)

وفي اوغسطس ١٩٥٦، كشفت السلطات المصرية شبكة جاسوسية بريطانية واعتقلت اربعة بريطانيين، بينهم جايمس سوينبرن، مدير ادارة «وكالة الانباء العربية» وهي واجهة لجهاز المخابرات العسكرية البريطاني MI6 في القاهرة، 

وطرد ايضا دبلوماسيان اتهما بتجميع معلومات استخباراية. ويبدو من اقوال الدبلوماسي البريطاني دورل، ان الدبلوماسيين كانا على صلة بـ«عناصر طلابية ذوي ميول دينية » بغرض «التشجيع على اضطرابات للاصوليين توفر مبررا لتدخل عسكري بحجة حماية أرواح الاوروبيين». (ص ٥٨)

وعندما غزت بريطانيا مصر في العام ١٩٥٦ تطورت الخطط لاسقاط عبد الناصر. تم الغزو بناء على معرفة مسبقة بأن الاخوان المسلمين سوف يشكلون النظام الجديد. 

وبعد وفاة عبد الناصر العام ١٩٧٠ رعى الرئيس انور السادات سرّا خلايا اسلامية جهادية لمواجهة القوميين والشيوعيين، وكان لا يزال المسؤولون البريطانيون يزكّون جماعة الاخوان المسلمين على انها «سلاح مناسب» يمكن للنظام استخدامه. ...

من ايران الى اندونيسيا وبالعكس

عندما اقدم محمد مصدّق، اول رئيس وزراء ايراني منتخب ديموقراطياً، على تأميم الشركة الانكلو-ايرانية للنفط، سعت بريطانيا لإبداله «بديكتاتور» يستطيع «تسوية مسألة النفط بشروط معقولة» حسب تعبير سفير بريطانيا في طهران. 

فدعمت الخارجية البريطانية شخصاً اعتبرته «سياسيّا رجعيّا بالكامل»، هو أية الله كاشاني الذي كان أتباعه من المتشددين ينظّمون التظاهرات الضخمة التي سبقت الإنقلاب ضد مصدّق العام ١٩٥٣ الذي اعاد الى السلطة الديكتاتور الحليف للغرب هو الشاه رضا بهلوي. 

وكان حينها الشاب آية الله خميني أحد أتباع كاشاني. لقد قام العملاء السرّيون البريطانيون في ايران عام ١٩٥٣ بتنظيم هجمات على مساجد وشخصيات عامة من قبل عملاء وأتباع مموّلين ليظهروا وكانّهم أعضاء في حزب «توده» الشيوعي.

وفي اندونيسيا ارتكب الغرب مجزرة بحق أكثر من مليون شيوعي اندونيسي عام ١٩٦٥، حيث «لعبت الاحزاب والمجموعات الاسلامية، المدرّبة والمجهزة من قبل الجيش الاندونيسي دوراً أساسياً في المجزرة.» (ص ٩٧).

وفي عام ١٩٨٢‪ ‬ حين كان نظام الخميني يضطهد اليسار عادماً الآلاف منهم، حصلت الاجهزة البريطانية على لائحة بأعضاء حزب «توده» (الحزب الشيوعي الايراني ) من منشق سوفياتي يدعى فلاديمير كوزيتشكين. فتم تسليم اللائحة الى طهران بالتوافق بين‪ ‬وكالة المخابرات الأميركية ‪(CIA) ‬ وال ‪MI6‬ البريطانية . فقامت طهران بإعدام العشرات من هؤلاء الشيوعيين وإعتقال الالاف الآخرين من اللائحة. (ص ١٣٠).

ويكتب كورتيس «يتبيّن من تحليلي للسياسة الخارجية البريطانية انّ الامر برمته لا يمكن اختصاره بالمسألة الاقتصادية فحسب. 

ففي كثير من الأحيان التي تعاون فيها البريطانيون مع تلك المجموعات كان ذلك بالاساس لتنفيذ المهمات القذرة التي لم تستطع الولايات المتحدة أن تقوم بها بسبب مراقبة الكونغرس في حينه او بسبب الخوف من الانكشاف.» 

وتتضمن تلك الأعمال الشائنة محاولات اغتيال لاشخاص مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، و المرجع الشيعي الراحل السيّد محمد حسين فضل الله في لبنان .

اما عن خرافة اهتمام بريطانيا بنشر الديمقراطية، فهذه عيّنة واحدة تكشف الخداع. فها هو سفير بريطانيا للأردن يشرح بوضوح ماهية السياسة الخارجية البريطانية في رسالة الى مساعد وزارة الخارجية فيقول: «أقترح أنّ من يخدم مصلحتنا هو نظام ديكتاتوري يحافظ على الاستقرار وعلى العلاقات مع الغرب، بدل ديموقراطية لا تنتهي ستودي حتماً الى الشيوعية والفوضى.»

حليفان تاريخيان: السعودية وباكستان

يفصّل كتاب «شوؤن سرّية» في علاقة بريطانيا الوثيقة مع «الدولتين الأكثر رعاية للإسلام المتطرّف» في باكستان التي شجّعت «نظام طالبان في أفغانستان، والمسار الإرهابي في كشمير كما [رعت] صعوده في آسيا الوسطى» والمملكة العربيّة السعوديّة «أكبر داعم مالي للإسلاميين في العالم أجمع» (ص ٢٢٣-٢٢٤).

عن باكستان يقول كورتيس انها الدولة التي شهدت ولادة هذه السياسة وتحديدا في منتصف القرن التاسع عشر. وتوفر له من الادلة ما يسمح بالقول إنّ «الراج» كان تحت السيطرة من خلال استراتيجية «فرّق تسد» بين الجماعات المختلفة في شبه القارة الهندية في زمن كان فيه «تشجيع الانقسامات المجتمعية» سياسة متّبعة (ص٥). 

ومنذ القرن التاسع عشر أيضاً وجذور تلك السياسة ممتدّة في حركة «أليجار»، حيث فضّل البريطانيون «العصبة الاسلامية»، الحزب العامل على تقسيم الهند وتأسيس باكستان. كذلك تمّ استعمال «الورقة الإسلامية» ضد حزب الكونغرس الوطني الهندي.

وشكّل نشوء دولة باكستان بعد إستقلال الهند «مكسباً استراتيجياً» للانكلو-أمريكيين فكتب ناريندا ساريلا أنّ «الاستخدام الناجح للدين من قبل البريطانيين لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية في الهند تمّ نسخه من قبل الامريكيين عند إنشائهم الجهاديين الاسلاميين في أفغانستان.» (ص ٣٤). 

ولاجل ذلك فإنّ «الكثير من حركات الارهاب الاسلامية التي تجتاح العالم اليوم ترجع في أصولها الدفينة الى تقسيم الهند.» و رغبة في إبقاء موطىء قدم استراتيجي لها في جنوب آسيا - او بتعبير ونستون تشرتشل نفسه «الحفاظ على شيء من الهند» بعد استقلال ١٩٤٧ - كان لبريطانيا الدور الاساسي في خلق باكستان وهي الدولة الإصطناعية التي تملك القليل مما يمكن أن يحفظ لها تماسكها عدا هويتها كدولة مسلمة.

وعلاقة البريطانيين مع المملكة العربية السعودية أوثق مما هي عليه حتى مع باكستان. ولبريطانيا الفضل الاكبر في انشاء الشكل الحديث للمملكة في نهاية العهد الاستعماري. 

فمن أجل تبوأ مركز الصدارة للعالم الاسلامي أغدقت السعودية - من السبعينات من القرن الماضي حتى عام ٢٠٠٧ - ما يقدّر بـ ٥٠ مليار دولار لتصدير علامتها التجارية - الاصولية الوهّابية - عبر العالم فيما وصفته أحدى المؤسسات الامريكية بأنها «أكبر حملة بروباغندا تمّ القيام بها على الاطلاق». 

وقد أعطيت السعودية الحرّية المطلقة في تمويل موجات واسعة جداً من القضايا المناوئة للشيوعية، بما فيها تلك التي تتضمن دعم اليمين المتطرف العالمي وحملات العداء الفجّ للسامية ولليهود بالتوازي مع تشجيعها «للمهمة الاسلامية العالمية» منذ الحرب الباردة. 

و لأجل تثبيت موقع المملكة المتحدة كمتعامل تجاري مفضّل مقابل النفط السعودي مقابل الأسلحة ومؤخراً، الاستثمارات المالية، حاولت الحكومات المختلفة، عمالية ومحافظة، التخفيف من الوجه الحقيقي لهذا النظام والتغطية على علاقاته الحثيثة بالإرهاب العالمي.

لندن: «قاعدة» الارهاب الجهادي

يلتفت كورتيس الى الصراع الحالي الدائر في أفغانستان مذكّراً بأنّ بريطانيا تقاتل الآن القوى الاسلامية اياها التي دعمتها في الثمانينيات من القرن الماضي في مواجهة الاتحاد السوفياتي فيما أسماه المؤلف «أوسع عملية سرّية لـ«وايتهول» منذ الحرب العالمية الثانية».

 ويقول المؤلف أنّ اثنين من أهمّ القادة الاسلاميين في أفغانستان وهما قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقّاني، كانا على علاقة وثيقة ببريطانيا وقد زار الاول لندن في العام ١٩٨٨ والتقى رئيسة الوزراء مرغاريت تاتشر.

ثم ان استخدام الجهاديين الاسلاميين للقتال بالواسطة أمر موثّق. وقد أدّى الى نشوء «القاعدة»، وإنتشار الارهاب العالمي و تمكين ‪ISI)‬) المخابرات الباكستانية من ان تصير الجهة الراعية لتنظيم القاعدة. 

ويعاين كورتيس جانباً أقلّ شهرةً من نتائج «الجهاد» المذكور، هو ارسال بعثة من اسلاميين افغان مخضرمين، بالتواطؤ مع بريطانيا والولايات المتحدة، للقتال في البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في آسيا الوسطى كما في المناطق الاسلامية الاثنية في الصين. 

ذلك ان مزاعم «التدخل الانساني» في كوسوفو عام ١٩٩٩ تدحضها بشكل جدّي حقيقة أنّ بريطانيا قامت بتدريب «جيش تحرير كوسوفو» و هو جهاز عمل بشكل وثيق مع تنظيم «القاعدة»، تمّ وصفه بصراحة بما هو منظمة إرهابيّة من قبل الوزراء البريطانيين أنفسهم في حينها.

بالعودة لمصر، ‬لقد برهنت أول مئة يوماً من حكم محمد مرسي على أنّ سياسة الاخوان هي السياسة التي تنبّا بها كورتيس من خلال قراءته الدقيقة للأرشيف وتحليله النقدي للوثائق حيث يخلص في كتاب صدر قبل عام على اندلاع الثورة المصرية:

«إنّ مستقبل مصر غير واضح بعد موت أو سقوط مبارك، وسواء كان بثورة او بدون ثورة،سيكون للاخوان المسلمين دور أساسي في حكومة ما بعد مبارك أو خلال المرحلة الانتقالية... 

إنّ بريطانيا من أكبر المستثمرين في مصر تصل استثماراتها الى حوالي ٢٠ مليار دولار. وتريد النخب البريطانية أن تحتلّ موقعا أفضل من الذي كانت عليه بعد سقوط الشاه في ايران العام ١٩٧٩ وعليه فانّهم ينظرون الى رعاية الاسلاميين على أنّه أمر مفصلي لمصالحهم»

«إنّ بريطانيا ترى في الاخوان المسلمين، كما فعلت بين الخمسينات و السبعينات من القرن الماضي، قوة مضادة للقوى العلمانية والوطنية المعارضة في مصر والمنطقة...»

ريّا و سكينة الثنائي القذر


ريّا و سكينة الثنائي القذر




هذا الثنائي القذر سيكون وراء كل المصائب التي ستحصل في تونس و لتونس و لجيرانها

زيد عليهما البجبوج(حسب الله زوج ريّا) و كما يقال على الطماطم التي تتعفن : طماطم تبجبجت

يقال اليوم على تونس : فتونس تبجبجت هي أيضا


و ربي يحسن العاقبة

mardi 21 juillet 2015

ما تعيشه تونس من عدم استقرار سببه ساركوزي


ما تعيشه تونس من عدم استقرار سببه ساركوزي




حمه الهمامي:

لا أهلا ولا سهلا بساركوزي، هذا اليميني المتطرّف المتسبّب في تدمير ليبيا وفي مساندة نظام بن علي الاستبدادي إلى آخر أيّامه، أضف إلى ذلك تصريحاته المستفزّة للجارة والشّقيقة الجزائر

مستشار سابق لساركوزي: ما تعيشه تونس من عدم استقرار سببه ساركوزي
20-07-2015 14:17:33

  
 مستشار سابق لساركوزي: ما تعيشه تونس من عدم استقرار سببه ساركوزي 

 قال المستشار السابق للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي عبد الرحمان دحمان إنه كان حريا بتونس عدم استقبال ساركوزي، مشيرا بالخصوص إلى دعمه لبن علي والنظام السابق في تونس بل ورغبته في تسليم عدد من المناضلين التونسيين في مجال حقوق الإنسان المتواجدين على التراب الفرنسي. 

وأوضح دحمان في مداخلة هاتفية في برنامج ميدي شو اليو الإثنين 20 جويلية 2015 إن الزيارة لم تأت في وقت يمكن فيه الحديث بإيجابية عنها. 

وقال إن ساركوزي يقف وراء المشاكل والأخطار الإرهابية التي تعيشها تونس والجزائر  وعدم الإستقرار عموما في منطقة المغرب العربي من خلال تحطيمه للدولة الليبية، متهما ساركوزي بقتل القذافي بعد أن تلقى كل وسائل الدعم الممكنة من العقيد الليبي. 

واعتبر دحمان أن ساركوزي كان أحد الشخصيات السياسية التي تشجع الإرهاب من خلال مواقفه خاصة تلك المتعلقة بما يحدث في ليبيا. 

وقال إن ساركوزي الذي حضي بإستقبال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لم يكن أبدا صديقا للعرب أو للتونسيين على وجه التحديد وأنه كان مستعدا لسلبهم الحق في الإقامة والعمل في فرنسا. 

واعتبر أن الرئيس الفرنسي السابق استغل الجالية المسلمة والمغاربية من 2002 و2007  لغايات انتخابية لينقلب عليها بمجرد دخوله الإيليزي  

مستعيدا بذلك جذوره الفاشية عبر خلق وزارة للهوية الوطنية والبدأ تدريدجيا في إهانة المسلمين والتمييز ضدهم وكأن الإسلام خطر يجب ازاحته. 
*******
و في ردّها على دحمان تقول ريّة(محسن مرزوق):

مرزوق يرد على تصريحات دحمان في ميدي شو بخصوص ساركوزي
20-07-2015 21:44:57

  
 مرزوق يرد على تصريحات دحمان في ميدي شو بخصوص ساركوزي 

اعتبر أمين عام نداء تونس محسن مرزوق أن نداء تونس –الذي استدعى ساركوزى – 
حزب و ليس جمعية تضامن  مع الشعوب (قل اللهم زدنا علما تريد أن تقول لكم رية النداء حزب ما يهموشي مصير ليبيا و الجزائر أي بعبارة أخرى و حسب رية و سكينة النداء أصبح صهيونيا و تابع للناتو و مصلحتو من مصلحتهم نقطة و ارجع للسطر) 

وذلك تعليقا على تصريحات المستشار السابق لساركوزي عبد الرحمان دحمان الذي اعتبر في برنامج ميدي شو أن ساركوزي يقف وراء الأخطار الإرهابية التي تعيشها تونس والجزائر  من خلال تحطيمه للدولة الليبية .
*****
عمروسية: زيارة ساركوزى إلى تونس تهدف إلى دعم الثورة المضادة
20-07-2015 21:56:54

  
 عمروسية: زيارة ساركوزى إلى تونس تهدف إلى دعم الثورة المضادة 

اعتبر النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية خلال مداخلة بقناة فرانس 24 أن زيارة ساركوزى إلى تونس هدفها تقديم الدعم السياسي للثورة المضادة.

lundi 20 juillet 2015

النهضة و المؤتمر وراء تسفير شبابنا لبؤر الإرهاب


النهضة و المؤتمر وراء تسفير شبابنا لبؤر الإرهاب




كتب الناشط والمدون منذر قفراشي في صفحته على الفايس بوك تحديثة “خطيرة ” هذا نصها :

“‫#‏أهم‬ نقاط البحث الإستقصائي الذي أجريته مؤخرا في تركيا حول شبكات تسفير شبابنا إلى سوريا : 

* أبرز قيادات النهضة مثل الحبيب اللوز و أبو يعرب المرزوقي و محمد بن سالم و شورو و علي العريض

* إضافة إلى عماد الدايمي و سمير بن عمر عن المؤتمر هم المسؤولون عن الجناح السياسي لشبكات التسفير 

و البشيربن حسين و خميس الماجري و إمام جامع اللخمي و مئات الشيوخ في كامل الجمهورية هم المسؤوليون عن الجناح الدعوي و الإفتاء للجهاد 

و جمعية تونس الخيرية و جمعية اللخمي و جمعية نسائم الخير و مائة و ستة و ثمانون جمعية خيرية و إسلامية مسؤولون عن الإستقطاب و دفع الأموال لكل شخص تقدر ب3000 دولار لكل فرد 

و تركيا و السعودية و قطر هم من يدفعون الأموال للجمعيات 

و الأمن الموازي يقوم بإستخراج جوازات السفر 

و قناة الزيتونة و موقع الصدى و قناة القلم و عدة وسائل إعلام تنشر حملة الإستقطاب 

و كل ذلك كان يحدث في عهد حكومات الترويكا و سينشر التقرير الذي أعددته عبر الاستماع لشهادات من تركيا في زيارتي الأخيرة سينشر مفصلا في أول عدد من مجلة الزعيم قريبا بصورة حصرية إنتظرونا…….”

dimanche 19 juillet 2015

جرّموا التكفير تسلموا من التفجير


جرّموا التكفير تسلموا من التفجير



كل عملية إغتيال أو تفجير تسبقها فتوة تكفيرية لأحد شيوخ الفتنة تصحبها حملة تكفير ضد المراد إغتياله أو تفجيره

و ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير وما ينشأ عنه من سفك الدماء ، وتخريب المنشآت ، ونظرا إلى خطورة التكفير ، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة ، وإتلاف أموال معصومة ، وإخافة للناس ، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم ، 

و ما نجم عن  التكفير من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال الخاصة والعامة ، وتفجير المساكن والمركبات ، و تخريب المنشآت . 

و ينجم عنه من هتك لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتك لحرمة الأموال ، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .

وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموآلهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها ، وشدد في ذلك ، وكان من آخر ما بلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته فقال في خطبة حجة الوداع :  إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " . ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد . متفق عليه .

لذا عليتا أن نقف و بكل حزم و قوّة مع تجريم التكفير في قانون مكافحة الإرهاب كمقدمّة تضمن لنا إيقاف الإغتيالات و التفجير و التصدي للإرهاب بكل أرياحية و فاعلية

samedi 18 juillet 2015

تكلفة الفساد على الدولة والمجتمع باهضة



تكلفة الفساد على الدولة والمجتمع باهضة




♦ د.إدريس لكريني    

يرتبط الفساد في شكله المالي أو الإداري بسوء استعمال السلطة وتوظيفها في خدمة المصالح الخاصة الضيقة، بصورة تتناقض مع القوانين الجاري بها العمل، وتفرز تكاليف سيّئة وخطيرة تطال الدولة والمجتمع.

فالفساد الإداري يقوم على تسخير السلطة لخدمة أهداف شخصية، فيما نجد الفساد المالي يشجّع الإثراء بلا سبب، بصورة تسهم في تدمير الأسس الاقتصادية للدولة وتهدّد قيام المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.. 

وتكرّس سلوكات تعكس الاستهتار بالقوانين وتقضي على مظاهر الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.

وينطوي الفساد بشكل عام على مجموعة من الدلالات والمفاهيم، وكما يهمّ الأفراد فهو يعني الدولة بمختلف مؤسساتها أيضا، وهو يتنوع بين شكله السياسي وما يرتبط به من خيانة وخداع وتزوير لإرادة الجماهير.. 

وبين مظهره الإداري وما يتعلق به من استغلال السّلط المخوّلة بشكل غير مشروع في تحقيق مصالح شخصية مختلفة.. 

وبين تجلياته المالية المرتبطة بالسّطو على المال العام والاغتناء غير المشروع..

كما تتنوّع أشكال هذه الآفة أيضا بين فساد محلي يصيب مؤسسات الدولة وغالبا ما تنحصر تداعياته داخليا، وفساد دولي يتجاوز من حيث أسبابه وانعكاساته حدود الدولة الواحدة، 

وبين فساد صغير يرتكبه بعض صغار موظّفي الدولة أو عمّال في مؤسسات خاصة بشكل فردي في علاقته بالارتشاء والمحسوبية.. 

وفساد كبير يتورط فيه كبار موظفي الدولة أو مسؤولي المؤسسات الخاصّة، وغالبا ما تكون تكلفته باهظة لارتباطه بسوء استعمال السّلطة وهدر للأموال.

إن خطورة الفساد بمختلف تجلياته ومظاهره بالغة بالنظر إلى تكلفته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. الكبرى وانعكاساته السيئة على مسار التنمية، ولذلك أضحت مكافحته وتتنقية الحياة العامة منه مطلبا شعبيا ملحّا 

زاد من حدّته تنامي الاهتمام الدولي بهذا الملف الحيوي، وهو ما تترجمه العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والتقارير الدولية التي تصدرها مجموعة من المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا الشأن..

تصيب ظاهرة الفساد جميع المجتمعات وكل الاقتصاديات وتشكّل عائقا خطيرا للتنمية بحيث تعطّل السير العادي للدولة نظرا لما لها من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع، الأمر الذي يجعل محاربتها والحد من انتشارها ضرورة أساسية وواجبا وطنيا يفرضه المصير المشترك لجميع المواطنين والفرقاء من القطاع العام أو الخاص.

ويمثل الفساد المالي أبرز أوجه الفساد التي تطال دواليب الحياة العامة سواء على المستوى الوطني أو المحلي ويشمل على الخصوص استغلال سلطة التدخل في تدبير الشؤون العامة ووضع اليد على المال العام قصد تحقيق المصالح والأغراض الخاصة على حساب المصلحة العامة، وتعدّيا على إرادة دافعي الضرائب والمنتفعين من الخدمات والمرافق العامة.

إن العوامل التي تغذّي الفساد متعدّدة، وهي تتنوع بين أسباب سياسية في علاقتها بعدم فعالية المؤسسات السياسية وضعف هامش الحريات، وغياب الشّفافية وتكافؤ الفرص بين المواطنين.. 

وأسباب اقتصادية مرتبطة بهشاشة الأوضاع الاقتصادية وعدم قيامها على أسس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص.. 

واجتماعية مرتبطة بغلاء الأسعار وانتشار البطالة وبالاضطرابات الداخلية، وسيادة ثقافة الفساد وأسبقية المصلحة الشخصية على العامة، والاستهتار بالقوانين ووجود التباس في مفهوم المواطنة.. 

وأسباب قانونية وإدارية مرتبطة بضعف الرقابة على المال العام، والتعقيدات الإدارية، وضعف القوانين وعدم مسايرتها للتطورات الاقتصادية والاجتماعية وعدم استقلالية القضاء وعدم تطوير دخل وكفاءات العنصر البشري داخل مختلف الإدارات والمؤسسات..

إن تكلفة وخطورة الفساد كارثيّة بكل المقاييس على الاقتصاد والمجتمع من حيث حرمان خزينة الدولة من مجموعة من الموارد بسبب التهرّب الضريبي، ونهب الأموال العامة وإهدارها واستنزافها في أغراض شخصية، أو تهريبها نحو الخارج، عوض توجيهها نحو مشاريع تنموية اجتماعية حيوية في مجالات الصحة والتعليم والسكن والبنيات الأساسية.. 

بما يخلق حالة من عدم الثّقة وخيبة الأمل لدى المواطن ويقتل فيه روح المبادرة والاجتهاد، ويسمح بانتشار العزوف السياسي، ويعرقل تحقّق التنمية بكل مظاهرها وأشكالها، ويفرز مظاهر من التهميش والفقر وإضعاف الدخل الفردي، والإثراء غير المشروع ويسهم في هروب الرّساميل الأجنبية وإضعاف الاستثمارات المحلية والخارجية، نتيجة لعدم توخّي الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص في طرح الصفقات العمومية أمام الخواص وتدبيرها..

وعلى المستوى السياسي، ينخر الفساد جسم الدولة ويكرّس روح الانتقام داخل المجتمع، وثقافة عدم الثّقة في القوانين والمؤسسات السياسية للدولة، بالشكل الذي يؤثّر بالسلب على أمن واستقرار الدولة والمجتمع، ويعرقل أي تغيير أو إصلاح حقيقي على طريق بناء دولة الحقّ والقانون وتحقيق الديمقراطية وترسيخ مبدأ المساواة بين المواطنين، وهو ما يجعل منه عاملا أساسيا في مصادرة الحقوق والحريات الفردية والجماعية وتقويض كيان الدولة والمجتمع وزرع البلبلة وعدم الاستقرار..

 ففي مناخ فاسد تصبح الدولة غير قادرة على وضع قواعد ملزمة أو ضمان تطبيقها وفرض العقوبات على من يقوم بخرقها، الأمر الذي يترتب عنه شيوع ثقافة رفض المساءلة والإفلات من العقاب ومقاومة عمل المؤسسات بكل الوسائل، والعمل على تأخير وعدم تفعيل القوانين الرقابية على المال العام، كما تتعقّد عملية تجديد النخب نتيجة لرغبة المنتفعين من الفساد في الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم.

 ويصبح الفساد أكثر سوءا وخطورة عندما يصيب جهازي القضاء والأمن ليتحولا من ذلك “الملاذ” الذي يفترض فيه حماية الحقوق والحريات وفرض احترام القانون، إلى آلية لحماية الفساد ولجعل “المفسدين” في مأمن ضد أية مساءلة أو عقاب كيفما كانت الجرائم والمخالفات المرتكبة.. 

وتزداد خطورته أكثر عندما ينتقل إلى بعض المؤسسات التي يفترض أن تقاومه من قبيل الأحزاب السياسية والبرلمان وبعض فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمختلف وسائطها..، حيث تصبح جزءا من الفساد وفي خدمته ووسيلة للتغطية عليه..

... والواقع إن التساهل و الإعفاءات المتكررة عن الفاسدين (أو ما نسميه هذه الأيام في تونس التصالح مع الفساد و المفسدين عبر قانون البجبوج للعفو عن المفسدين...و التصالح معهم!كذا) و عدم نهج الصّرامة اللازمة في التعامل مع ملفّات الفساد الإداري والمالي بصورة استراتيجية وبعيدة عن المناسباتية، يفرغ المبادرات الإصلاحية المتخذة من كل أهمية، 

ذلك أن التنمية والديمقراطية لا يمكن أن يتعايشا مع الفساد والمفسدين.
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات من المغرب
منبر الحرية،16 ديسمبر/كانون الأول2012