تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسي
«شؤون سرّية»: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسي
مارك كورتس، شؤون سرية. تواطؤ بريطانيا مع الاسلام الراديكالي، سيربنتس تيل، لندن، ٢٠١٠
Marc Curtis, Secret Affairs. Britain,s Collusion with Radical Islam,
Serpent›s Tail, London, 2010
بالرغم من نشره قبل سنة من انطلاقة الثورة المصرية، فإنّ كتاب مارك كورتيس «شوؤن سرّية» تنبّأ بالتحالف بين النخب المتعولمة والاخوان المسلمين.
وترتكزت نبوءة الكتاب على التحليل التاريخي المقدّم حول التعاون بين السلطات البريطانية وتنويعة من المجموعات الاسلامية عبر العالم، مدلّلاً كيف أنّ تلك العلاقة لا تزال مؤثّرة في المشهد السياسي والاجتماعي للمنطقة بعد الثورات العربية.
الكتاب محدّث وشامل ومنجز بوضوح، يقدم لنا عملا مهنيا على درجة كبيرة من الأهمية. ليس الكتاب الاول من نوعه للمؤرخ البريطاني الذي يتابع التاريخ الحديث لبريطانيا. فمنذ كتابه
«Ambiguities of Power: British Foreign Policy Since 1945»
(التباسات السلطة: السياسة الخارجية البريطانية منذ ١٩٤٥ ) ومارك كورتيس يقرأ الأرشيف البريطاني ويزداد اقتناعا بأن «الحقيقة الاساسية هي أنّ بريطانيا مساهم رئيسي ومنتظم في كثير من عذابات العالم وفواجعه» عبر تدخلات عسكرية دموية، وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان ومناهضة التنمية الاجتماعية لصالح الفقراء.
شغل المؤلف منصب المدير لـ«تيار تنمية العالم » وعمل بما هو زميل باحث في «تشاثام هاوس» واستكمل عمله فيه بنقد هذه الهيئة بتقديم ببراهين لسياسة المملكة المتحدة الخارجية في كتابه A Web of Deceit (شبكة من الخداع ) (٢٠٠٣) ومؤخراً Unpeople الذي يكشف كيف أنّ بريطانيا «تتحمّل مسؤولية أساسية» لموت حوالي 10 مليون بشري في العالم منذ 1945.
إنّ أدلة كورتيس وبراهينه مستقاة من قراءة تاريخية لمئة سنة من الوثائق المرفوعة عنها السريّة في أرشيف الحكومة البريطانية، وجميع مراجعه مفصّلة ومشار اليها بدقّة، في أكثر من ستين صفحة من الهوامش في نهاية الكتاب.
وبالرغم من وجود قانون يتيح فتح أرشيف الحكومة بعد مرور ثلاثين عام لكنّ العديد من تلك الملفّات المتعلقة بعلاقة بريطانيا بالأسلاميين بقيت سرّية كما أنّ ملفات أخرى تابعة لجهاز «الاستخبارات العسكرية رقم ٥» (MI5) وجهاز «الاستخبارات العسكرية رقم ٦» (MI6) مقفل عليها بالكامل.
تواطوء عريق مع الاسلاميين
يكشف كتاب «شؤون سرّية» وجود سياسات متسقة ومتماسكة لبريطانيا تجاه الاسلاميين.
ففي «الشرق الأوسط» الذي تلى الحرب الكبرى الاولى، قامت بريطانيا، المسؤولة في حينه عن العراق و فلسطين، بممارسة خيار استراتيجي معقّد لم ينجح في تحقيق الإجماع عليه.
فبعد نشؤ دولة إسرائيل في نهاية الحرب «بقي هناك خلاف حول ما هي القوى التي يجب أن تتحالف معها بريطانيا...» (ص ٤١). فبدأ المسؤلون البريطانيون يتطلعون الى الاسلاميين من مختلف التوجهات على انهم «متاريس ضد الشيوعية والحركات العلمانية في الشرق الأوسط» (ص ٤٣).
فكرة الكتاب الرئيسة هي أنّ الحكومات البريطانية، العمّالية منها كما المحافظة، «تواطأت لعقود مع القوى الاسلامية المتطرفة بما فيها المنظمات الارهابية. ولقد تآمرت معها، وعملت الى جانبها وأحياناً درّبتها وموّلتها.»
وقد ساعد التواطؤ المذكور بريطانيا على تحقيق هدفي سياستها الخارجية:
«التأثير على المصادر الاساسية للطاقة والسيطرة عليها»، من جهة،
و«تثبيت موقع بريطانيا في نظام مالي عالمي مولاءم للغرب» من جهة أخرى.
وسواء كانت بريطانيا تتعامل مع دول داعمة للارهاب الاسلامي، مثل السعودية او باكستان، أو مع منظمات ومجموعات مثل «الاخوان المسلمين» فقد حاولت باستمرار تقويض القوى العلمانية والقومية واليسارية في العالم العربي.
وقد أفاد «وايتهول» (مقرّ الحكومة البريطانية) من القوى الاسلامية الراديكالية في أربع طرق أساسية:
- كقوة عالمية مناهضة للايديولوجيات العلمانية والقومية وللشيوعية السوفياتية
- في حالتي السعودية وباكستان، الراعيان الاساسيان للاسلام المتطرف، كانت القوى الاسلامية بمثابة «قبضة يد محافظة» لضرب القوميين العلمانيين وتعزيز مواقع الأنظمة المساندة للغرب
- كـ«قوات صدام» لزعزعة الحكومات أو إسقاطها عبر قوات مسلحة تحارب بالواسطة
- كـ«أدوات سياسية» للتأثير على التغييرات من داخل الحكومات.
إن الاشارة الى الهدفين أعلاه على انهما بمثابة مصالح «قومية» لبريطانيا وصف مضلّل. إنها مصالح نخب سياسية وتجارية محدودة العدد. كانت بريطانيا الرسمية- بما فيها حزب «العمال الجديد» - لعقود من الزمن رائدة لبرلة التجارة العالمية والتحرير المالي خدمة لمصالح شركاتها ونخبها الأقتصادية حصرا. ,
وقد سعت بريطانيا دائماً الى تقليص دور الحكومات أو الدول في السياسات الاقتصادية ونظرت دائما الى النزعة الوطنية والقومية في الاقتصاد بعداء، مثل نظرتها الى النزعة الوطنية والقومية في السياسة. وإنّ بنية السياسة الخارجية البريطانية وتحالفاتها هي الى حد كبير نتيجة لتلك المصالح.
مصر: اتصالات وتمويل منذ ١٩٤٢
في مصر حظيت جماعة الاخوان المسلمين برعاية العرش الموالي للانكليز الذي بدأ بتمويلهم منذ العام ١٩٤٠ حيث وجد فيهم الملك فاروق قوة يوازي بها قوة حزب الوفد العلماني والوطني، اكبر حزب سياسي في البلد، ويضعهم في وجه الشيوعيين.
ويلاحظ تقرير للاستخبارات البريطانية في العام ١٩٤٢ «ان القصر بدأ يرى ان الاخوان مفيدون والقى برعايته عليهم». ( ص ٤٠)
ويبدو ان البريطانيين انفسهم بدأوا يمولون الاخوان في العام ١٩٤٢. في ١٨ مايو من ذاك العام عقد موظفون في السفارة البريطانية اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري امين عثمان باشا نوقشت خلاله العلاقات مع الاخوان المسلمين.
وتقرر ان «المساعدات المالية السرية من حزب الوفد الى الاخوان المسلمين سوف تتكفل بدفعها الحكومة المصرية وانها سوف تطلب عونا ماليا في هذا الشأن من السفارة البريطانية».
بالاضافة الى ذلك، اتفق على ان تدخِل الحكومة المصرية «عملاء موثوقين الى صفوف الاخوان لمراقبة نشاطاتهم على نحو حثيث واعلامنا [السفارة البريطانية] بالمعلومات التي يحصل عليها هؤلاء العملاء. ونحن من جانبنا، سوف نزود الحكومة بمعلومات بما نحصل عليه عن طريق مصادرنا البريطانية» (ص ٤٥)
وتفيد وثائق رفعت عنها السرّية عن لقاء بين مسؤولين بريطانيين واخوانيين عقد في ٧ فبراير ١٩٥٣ ابلغ فيه احد مسؤولي الجماعة، المدعو ابو رقايق، المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانس: «اذا بحثت مصرْ في انحاء العالم كلها عن صديق فلن تجد اقرب لها من بريطانيا». وفسّرت السفارة البريطانية في مصر هذه الملاحظة على انها تدل على «وجود فريق في قيادة الاخوان مستعد للتعاون مع بريطانا، ولكن ليس مع الغرب عموما (لانهم لا يثقون بالاميركيين)».
في ذلك الحين، وحسب تقارير الخارجية البريطانية، كانت الحكومة المصرية بالتنسيق مع السلطات البريطانية تقدم «رشاوى ضخمة» الى حسن الهضيبي، المرشد الجديد للاخوان بعد اغتيال حسن البنا، من اجل الحيلولة دون ان تخوض الجماعة المزيد من أعمال العنف ضد النظام.
في العام ١٩٥٥ كان موظفون بريطانيون براقبون عن كثب نشاطات الاخوان المناهضة لنظام الرئيس جمال عبد الناصر، واعترفوا بأنهم قادرون على ان يشكلوا تحديا كبيرا له.
وثمة ما يدل ايضا على ان البريطانيين اجروا اتصالات بجماعة الاخوان في اواخر ١٩٥٥ عندما زار وفد من الاخوان الملك فاروق في منفاه بايطاليا للبحث في امكانية التعاون ضد عبد الناصر.
وقد زوّد الملك حسين الاخوان بجوازات سفر دبلوماسية لتسهيل تنقلاتهم وتحركاتهم فيما السعوديون وفّروا التمويل. ويبدو ان السي.آي.إي شجعت تمويل العربية السعودية للاخوان من اجل العمل ضد عبد الناصر، حسب رواية عميل السي اي اي السابق، روبرت باير (ص ٤٦)
وفي اوغسطس ١٩٥٦، كشفت السلطات المصرية شبكة جاسوسية بريطانية واعتقلت اربعة بريطانيين، بينهم جايمس سوينبرن، مدير ادارة «وكالة الانباء العربية» وهي واجهة لجهاز المخابرات العسكرية البريطاني MI6 في القاهرة،
وطرد ايضا دبلوماسيان اتهما بتجميع معلومات استخباراية. ويبدو من اقوال الدبلوماسي البريطاني دورل، ان الدبلوماسيين كانا على صلة بـ«عناصر طلابية ذوي ميول دينية » بغرض «التشجيع على اضطرابات للاصوليين توفر مبررا لتدخل عسكري بحجة حماية أرواح الاوروبيين». (ص ٥٨)
وعندما غزت بريطانيا مصر في العام ١٩٥٦ تطورت الخطط لاسقاط عبد الناصر. تم الغزو بناء على معرفة مسبقة بأن الاخوان المسلمين سوف يشكلون النظام الجديد.
وبعد وفاة عبد الناصر العام ١٩٧٠ رعى الرئيس انور السادات سرّا خلايا اسلامية جهادية لمواجهة القوميين والشيوعيين، وكان لا يزال المسؤولون البريطانيون يزكّون جماعة الاخوان المسلمين على انها «سلاح مناسب» يمكن للنظام استخدامه. ...
من ايران الى اندونيسيا وبالعكس
عندما اقدم محمد مصدّق، اول رئيس وزراء ايراني منتخب ديموقراطياً، على تأميم الشركة الانكلو-ايرانية للنفط، سعت بريطانيا لإبداله «بديكتاتور» يستطيع «تسوية مسألة النفط بشروط معقولة» حسب تعبير سفير بريطانيا في طهران.
فدعمت الخارجية البريطانية شخصاً اعتبرته «سياسيّا رجعيّا بالكامل»، هو أية الله كاشاني الذي كان أتباعه من المتشددين ينظّمون التظاهرات الضخمة التي سبقت الإنقلاب ضد مصدّق العام ١٩٥٣ الذي اعاد الى السلطة الديكتاتور الحليف للغرب هو الشاه رضا بهلوي.
وكان حينها الشاب آية الله خميني أحد أتباع كاشاني. لقد قام العملاء السرّيون البريطانيون في ايران عام ١٩٥٣ بتنظيم هجمات على مساجد وشخصيات عامة من قبل عملاء وأتباع مموّلين ليظهروا وكانّهم أعضاء في حزب «توده» الشيوعي.
وفي اندونيسيا ارتكب الغرب مجزرة بحق أكثر من مليون شيوعي اندونيسي عام ١٩٦٥، حيث «لعبت الاحزاب والمجموعات الاسلامية، المدرّبة والمجهزة من قبل الجيش الاندونيسي دوراً أساسياً في المجزرة.» (ص ٩٧).
وفي عام ١٩٨٢ حين كان نظام الخميني يضطهد اليسار عادماً الآلاف منهم، حصلت الاجهزة البريطانية على لائحة بأعضاء حزب «توده» (الحزب الشيوعي الايراني ) من منشق سوفياتي يدعى فلاديمير كوزيتشكين. فتم تسليم اللائحة الى طهران بالتوافق بين وكالة المخابرات الأميركية (CIA) وال MI6 البريطانية . فقامت طهران بإعدام العشرات من هؤلاء الشيوعيين وإعتقال الالاف الآخرين من اللائحة. (ص ١٣٠).
ويكتب كورتيس «يتبيّن من تحليلي للسياسة الخارجية البريطانية انّ الامر برمته لا يمكن اختصاره بالمسألة الاقتصادية فحسب.
ففي كثير من الأحيان التي تعاون فيها البريطانيون مع تلك المجموعات كان ذلك بالاساس لتنفيذ المهمات القذرة التي لم تستطع الولايات المتحدة أن تقوم بها بسبب مراقبة الكونغرس في حينه او بسبب الخوف من الانكشاف.»
وتتضمن تلك الأعمال الشائنة محاولات اغتيال لاشخاص مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، و المرجع الشيعي الراحل السيّد محمد حسين فضل الله في لبنان .
اما عن خرافة اهتمام بريطانيا بنشر الديمقراطية، فهذه عيّنة واحدة تكشف الخداع. فها هو سفير بريطانيا للأردن يشرح بوضوح ماهية السياسة الخارجية البريطانية في رسالة الى مساعد وزارة الخارجية فيقول: «أقترح أنّ من يخدم مصلحتنا هو نظام ديكتاتوري يحافظ على الاستقرار وعلى العلاقات مع الغرب، بدل ديموقراطية لا تنتهي ستودي حتماً الى الشيوعية والفوضى.»
حليفان تاريخيان: السعودية وباكستان
يفصّل كتاب «شوؤن سرّية» في علاقة بريطانيا الوثيقة مع «الدولتين الأكثر رعاية للإسلام المتطرّف» في باكستان التي شجّعت «نظام طالبان في أفغانستان، والمسار الإرهابي في كشمير كما [رعت] صعوده في آسيا الوسطى» والمملكة العربيّة السعوديّة «أكبر داعم مالي للإسلاميين في العالم أجمع» (ص ٢٢٣-٢٢٤).
عن باكستان يقول كورتيس انها الدولة التي شهدت ولادة هذه السياسة وتحديدا في منتصف القرن التاسع عشر. وتوفر له من الادلة ما يسمح بالقول إنّ «الراج» كان تحت السيطرة من خلال استراتيجية «فرّق تسد» بين الجماعات المختلفة في شبه القارة الهندية في زمن كان فيه «تشجيع الانقسامات المجتمعية» سياسة متّبعة (ص٥).
ومنذ القرن التاسع عشر أيضاً وجذور تلك السياسة ممتدّة في حركة «أليجار»، حيث فضّل البريطانيون «العصبة الاسلامية»، الحزب العامل على تقسيم الهند وتأسيس باكستان. كذلك تمّ استعمال «الورقة الإسلامية» ضد حزب الكونغرس الوطني الهندي.
وشكّل نشوء دولة باكستان بعد إستقلال الهند «مكسباً استراتيجياً» للانكلو-أمريكيين فكتب ناريندا ساريلا أنّ «الاستخدام الناجح للدين من قبل البريطانيين لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية في الهند تمّ نسخه من قبل الامريكيين عند إنشائهم الجهاديين الاسلاميين في أفغانستان.» (ص ٣٤).
ولاجل ذلك فإنّ «الكثير من حركات الارهاب الاسلامية التي تجتاح العالم اليوم ترجع في أصولها الدفينة الى تقسيم الهند.» و رغبة في إبقاء موطىء قدم استراتيجي لها في جنوب آسيا - او بتعبير ونستون تشرتشل نفسه «الحفاظ على شيء من الهند» بعد استقلال ١٩٤٧ - كان لبريطانيا الدور الاساسي في خلق باكستان وهي الدولة الإصطناعية التي تملك القليل مما يمكن أن يحفظ لها تماسكها عدا هويتها كدولة مسلمة.
وعلاقة البريطانيين مع المملكة العربية السعودية أوثق مما هي عليه حتى مع باكستان. ولبريطانيا الفضل الاكبر في انشاء الشكل الحديث للمملكة في نهاية العهد الاستعماري.
فمن أجل تبوأ مركز الصدارة للعالم الاسلامي أغدقت السعودية - من السبعينات من القرن الماضي حتى عام ٢٠٠٧ - ما يقدّر بـ ٥٠ مليار دولار لتصدير علامتها التجارية - الاصولية الوهّابية - عبر العالم فيما وصفته أحدى المؤسسات الامريكية بأنها «أكبر حملة بروباغندا تمّ القيام بها على الاطلاق».
وقد أعطيت السعودية الحرّية المطلقة في تمويل موجات واسعة جداً من القضايا المناوئة للشيوعية، بما فيها تلك التي تتضمن دعم اليمين المتطرف العالمي وحملات العداء الفجّ للسامية ولليهود بالتوازي مع تشجيعها «للمهمة الاسلامية العالمية» منذ الحرب الباردة.
و لأجل تثبيت موقع المملكة المتحدة كمتعامل تجاري مفضّل مقابل النفط السعودي مقابل الأسلحة ومؤخراً، الاستثمارات المالية، حاولت الحكومات المختلفة، عمالية ومحافظة، التخفيف من الوجه الحقيقي لهذا النظام والتغطية على علاقاته الحثيثة بالإرهاب العالمي.
لندن: «قاعدة» الارهاب الجهادي
يلتفت كورتيس الى الصراع الحالي الدائر في أفغانستان مذكّراً بأنّ بريطانيا تقاتل الآن القوى الاسلامية اياها التي دعمتها في الثمانينيات من القرن الماضي في مواجهة الاتحاد السوفياتي فيما أسماه المؤلف «أوسع عملية سرّية لـ«وايتهول» منذ الحرب العالمية الثانية».
ويقول المؤلف أنّ اثنين من أهمّ القادة الاسلاميين في أفغانستان وهما قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقّاني، كانا على علاقة وثيقة ببريطانيا وقد زار الاول لندن في العام ١٩٨٨ والتقى رئيسة الوزراء مرغاريت تاتشر.
ثم ان استخدام الجهاديين الاسلاميين للقتال بالواسطة أمر موثّق. وقد أدّى الى نشوء «القاعدة»، وإنتشار الارهاب العالمي و تمكين ISI)) المخابرات الباكستانية من ان تصير الجهة الراعية لتنظيم القاعدة.
ويعاين كورتيس جانباً أقلّ شهرةً من نتائج «الجهاد» المذكور، هو ارسال بعثة من اسلاميين افغان مخضرمين، بالتواطؤ مع بريطانيا والولايات المتحدة، للقتال في البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في آسيا الوسطى كما في المناطق الاسلامية الاثنية في الصين.
ذلك ان مزاعم «التدخل الانساني» في كوسوفو عام ١٩٩٩ تدحضها بشكل جدّي حقيقة أنّ بريطانيا قامت بتدريب «جيش تحرير كوسوفو» و هو جهاز عمل بشكل وثيق مع تنظيم «القاعدة»، تمّ وصفه بصراحة بما هو منظمة إرهابيّة من قبل الوزراء البريطانيين أنفسهم في حينها.
بالعودة لمصر، لقد برهنت أول مئة يوماً من حكم محمد مرسي على أنّ سياسة الاخوان هي السياسة التي تنبّا بها كورتيس من خلال قراءته الدقيقة للأرشيف وتحليله النقدي للوثائق حيث يخلص في كتاب صدر قبل عام على اندلاع الثورة المصرية:
«إنّ مستقبل مصر غير واضح بعد موت أو سقوط مبارك، وسواء كان بثورة او بدون ثورة،سيكون للاخوان المسلمين دور أساسي في حكومة ما بعد مبارك أو خلال المرحلة الانتقالية...
إنّ بريطانيا من أكبر المستثمرين في مصر تصل استثماراتها الى حوالي ٢٠ مليار دولار. وتريد النخب البريطانية أن تحتلّ موقعا أفضل من الذي كانت عليه بعد سقوط الشاه في ايران العام ١٩٧٩ وعليه فانّهم ينظرون الى رعاية الاسلاميين على أنّه أمر مفصلي لمصالحهم»
«إنّ بريطانيا ترى في الاخوان المسلمين، كما فعلت بين الخمسينات و السبعينات من القرن الماضي، قوة مضادة للقوى العلمانية والوطنية المعارضة في مصر والمنطقة...»
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire