جماعة الإخوان المسلمين.. الأب الروحي للإرهاب والتنظيمات السرية
التاريخ والوقت : السبت, 9 سبتمبر 2017 مشاركة
علي بن يعقوب الحافظ*
عند إرادة الحكم على جماعة من الجماعات، أو فرد من الأفراد، يجب أن يُرجع في ذلك إلى ما خطته الجماعة، أو ما خطه الفرد. وليس من الإنصاف والمنهج العلمي، أن يرجع إلى كتب الخصوم، والأنداد لما قد تحويه من مبالغات، وأغاليط، وحقائق مشحونة كونها صادرة من خصم، وجماعة الإخوان المسلمين ليست استثناء من هذه القاعدة.
من خلال هذا البحث المختصر، حاولت أن أجيب عن معظم الأسئلة التي تدور حول جماعة الإخوان، وما حقيقة كونها جماعة إرهابية، وسيكون هذا البحث مقسمًا على ستة مطالب، هي:
– المطلب الأول: اعتماد عمل التنظيمات السرية.
– المطلب الثاني: حيازة وصنع الأسلحة والمتفجرات والتدرب عليها.
– المطلب الثالث: التخطيط للاغتيالات والقيام بها.
– المطلب الرابع: القيام بتفجير الأماكن العامة والممتلكات الخاصة.
– المطلب الخامس: القيام بالثورات والتخطيط لها ودعمها.
– المطلب السادس: قيام الجماعات المتطرفة ومنظريها على فكر الإخوان وأدبياتهم.
– الخاتمة.
وكما أسلفت، فإنني لن آتي بشيء من عندي، بل سوف أدع ما خطَّه الإخوان بأقلامهم، وتفوَّهت به ألسنتهم، وسيكون تداخلي فقط للتعليق أو التقديم لبعض اعترافاتهم – وقد أضيف شهادة لمن هو من غير الإخوان تتوافق مع شهادات الإخوان من باب التأكيد – دون المساس بصلب الشهادة والاعتراف تبصرة للحائر، وإعذارًا للمغتر، وتعليمًا لمن يجهل حال القوم.
المطلب الأول: اعتماد عمل التنظيمات السرية
اتخذ الإخوان من العمل السري والتنظيمات السرية، مبدأ تقوم على أساسه دعوتهم، وشابهوا في ذلك تلك التنظيمات السرية للحركات الشيوعية والماسونية والمافوية، التي تقوم على مبدأ الغموض والسرية والولاء المطلق للجماعة، يقول علي عشماوي، أحد قادة التنظيم السري والمساعد الشخصي لسيد قطب – والذي انشق عن الإخوان فيما بعد -: “لقد درس الإخوان جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء النظام الخاص، وقد تأثروا جدًا بالفكر الباطني في التاريخ الإسلامي، حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية.. والشيعية وما صاحبها من فرق سرية، مصدرًا أساسيًا تمَّ الرجوع إليه ودراسته والاستنارة بالأفكار الحركية في كل تنظيم على حدة [إلى أن قال] وأخيرًا التنظيمات الصهيونية العالمية بما لها من قوة انضباط واتصالات بجميع القوى السياسية ومعرفة إخضاع الخصوم والسيطرة عليهم وتصفيتهم.
ويحكي محمود عساف، أمين قسم المعلومات في جماعة الإخوان المسلمين (استخبارات الإخوان)، قصة بيعته للتنظيم فيقول: “في يوم من أيام مايو 1944م دعيت أنا والمرحوم الدكتور عبدالعزيز كامل (نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف وشؤون الأزهر في أواخر عهد عبد الناصر)، لكي نؤدي بيعة النظام الخاص وذهبنا إلى بيت في حارة الصليبية في منتصف المسافة بين السيدة زينب والقلعة، ودخلنا غرفة معتمة يجلس فيها شخص غير واضح المعالم، بَيْدَ أن صوته معروف هو: صالح عشماوي، وأمامه منضدة منخفضة الأرجل وهو جالس أمامها متربع، وعلى المنضدة مصحف ومسدس، وطلب من كل منَّا أن يضع يده اليمنى على المصحف والمسدس ويؤدي البيعة بالطاعة للنظام الخاص والعمل على نصرة الدعوة الإسلامية.
كان هذا موقفًا عجيبًا يبعث على الرهبة، وخرجنا سويًا إلى ضوء الطريق، ويكاد كل منَّا يكتم غيظه قال عبدالعزيز: هذه تشبه الطقوس السرية التي تتسم بها الحركات السرية كالماسونية والبهائية، ولا أصل لها في الإسلام، صدَّقت على كلامه، ثم انصرف كل منَّا إلى حال سبيله.
أمَّا فيما يخص التنظيم الذي أنشأه الإخوان، وتحديدًا حسن البنا، والمعروف بـاسم “التنظيم السري” فيقول محمود عبد الحليم – مؤرخ الإخوان الأول وعضو اللجنة التأسيسية للنظام الخاص – عن سبب نشأة هذا التنظيم : ” وقد أدرك الأستاذ المرشد أن قضية فلسطين هي قضية الإخوان المسلمين ، وأن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يعدلوا عن خطتهم ويسلموا البلاد لأهلها إلا مكرهين ، وعلم الأستاذ المرشد أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود ، وأنه لا بد من معركة فاصلة بين الإخوان المسلمين وبين هذه العصابات مادام الإخوان مصرين على تحرير هذه البلاد وإنقاذ المسجد الأقصى الذي هو هدف اليهود الأصيل…
أدرك الأستاذ المرشد هذا أيضا فكان ذلك حافزا على سرعة الاستعداد بتكوين (( النظام الخاص)).
إذا كما يتبين من هذا النص أن نشأة هذا التنظيم كانت لأسباب من أهمها جهاد اليهود ، واستعادة المسجد الأقصى ، وسوف يتبين للقارئ الكريم حقيقة هذه الدعوى ، ومدى تطبيقها على أرض الواقع.
ولكن قبل ذلك، قد يقول قائل: إن الإخوان اضطروا إلى اعتماد العمل السري، نظرًا للتضييق الذي مُورس عليهم، وحملات الملاحقة الشرسة التي مارستها الحكومات المصرية المتعاقبة على الجماعة. وفي الحقيقة أن هذا الادعاء، ليس صحيحا ألبتة، وذلك لعدة أمور، أقتصر على ذكر اثنين منها:
أولاً: أن هذا التضييق والملاحقات، لم تأتِ مباشرة بمجرد إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، بل كانت الساحة المصرية في ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، حُبلى بالعديد من الجماعات والأحزاب والفرق – وإن كان هذا مخالفًا شرعًا لأصل الاجتماع في الإسلام -، وجماعة الإخوان كانت إحدى هذه الجماعات، فقد كانت تمارس ما تدعو إليه ظاهرًا بكل أريحية، فقد كانت تقيم المؤتمرات والندوات والجمعيات، وسمح لها بإنشاء صحيفة وتوزيعها، وغير ذلك من الأمور التي كانت تشاركها فيها بقية الأحزاب، إلا أن عدم حظر كل هذه الجماعات باستثناء جماعة الإخوان المسلمين فيما بعد، يطرح أكثر من علامة استفهام على منهج هذه الجماعة، وهو ما يسقط الزعم بأن اعتماد العمل السري، إنما كان بسبب التضييق على الجماعة.
ثانيًا: لو سلمنا جدلاً بأن الإخوان فعلاً قد ضُيِّق عليهم في مصر، ولذلك لجؤوا إلى العمل السري فلماذا لم يقتصر عملهم السري داخل مصر؟ بل مارسوا ذات السرية في دول مُكِّن لهم فيها، وتمَّ معاملتهم فيها أحسن معاملة، يقول علي عشماوي تحت عنوان قيادات المهجر : “وبعد أن سمعت قصته ] يقصد محي الدين هلال أحد الإخوان الهاربين إلى السعودية [ سألته عن حال الإخوان ، فأجاب : إن الإخوان في السعودية، قد اختاروا الشيخ مناع قطان مسؤولًا عنهم، والإخوان في إمارات الخليج اختاروا الأخ سعد الدين إبراهيم ، وأن الأخ عصام العطار ما زال مسئولا عن الإخوان في سوريا ، وأن الشيخ الصواف في العراق ، والدكتور عبدالرحمن خليفة في الأردن ، وكانت الأمور في السودان غير مستقرة في تلك الفترة .
ويجدر بنا أن نعرف بكل شخصية من هذه الشخصيات التي ذكرتها.
الشيخ مناع : قطان هو أحد إخوان المنوفية، وقد هاجر، وقيل إنه أول مصري يجرؤ على تجنيد سعوديين في دعوة الإخوان في مصر للشباب السعودي، ولذلك فرض نفسه مسؤولًا عن الإخوان بالسعودية دون استشارة أحد ” .
يلحظ هنا كلمة “تجنيد” وكلمة “بيعة” في بلاد احتضنتهم وآوتهم ولم تضيق عليهم، أي أن العمل السري ما زال هو ديدنهم، والطابع عليهم.
هكذا إذًا، مارس الإخوان العمل السري والتخطيطات السرية حتى في البلدان التي أُكرموا فيها، وحُفظت فيها أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، يقول الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – في مقابلة صحفية : “وأقول بحكم مسؤوليتي إن الإخوان المسلمين لما اشتدت عليهم الأمور وعلقت لهم المشانق في دولهم لجؤوا إلى المملكة وتحملتهم وصانتهم وحفظت حياتهم – بعد الله – وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين.
إخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بالوضع، وقالوا إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، استضفناهم وهذا واجب وحسنة، بعد بقائهم لسنوات بين ظهرانينا وجدنا أنهم يطلبون العمل، فأوجدنا لهم السبل ففيهم مدرسون وعمداء، فتحنا أمامهم أبواب المدارس وفتحنا لهم الجامعات، ولكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة فأخذوا يجندون الناس وينشئون التيارات وأصبحوا ضد المملكة والله تعالى يقول: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ هذا ما نعرفه، لكن في حالهم الوضع مختلف، على الأقل كان عليهم ألا يؤذوا المملكة إذا كانوا يريدون أن يقولوا شيئًا عندهم لا بأس ليقولوه في الخارج وليس في البلد الذي أكرمهم” .
وهذا الذي قاله سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله تعالى – هو عين ما قاله وأكده علي عشماوي الذي يقول: “… وهكذا فهم يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن [يعني الإخوان المسلمين] إذا حدث واختلف معهم مرة، فقد ساعدتهم السعودية وقطر والكويت والكثير من الدول العربية فما كان منهم إلا أن أساؤوا إليهم وطعنوهم وانقلبوا عليهم كما كانوا يفعلون مع الأحزاب التي كانوا يتحالفون معها ، فعلوا كذلك مع الدول التي آوتهم وأحسنت وفادتهم ” .
جاء في الأثر عن عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – أنه قال: “إذا رأيت قومًا يتناجون في دينهم بشيء دون العامة؛ فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة” .
قلت : وهذا الذي قاله عمر بن عبدالعزيز المتوفى عام 101ه، أكدته الليالي والأيام من خلال تلك التنظيمات السرية التي أنشأتها جماعة الإخوان، وتفرعت عنها.
المطلب الثاني: حيازة وصنع الأسلحة والمتفجرات والتدرب عليها:
ليس لأحد أن يقتني الأسلحة والمتفجرات وينصب نفسه دولة داخل دولة، لأن ذلك مؤذن بالفوضى وانفلات الأمن، والتصرفات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، ولأن جماعة الإخوان المسلمين تعتقد أنها الجماعة المخولة بأن تكون هي الدولة، إذ لا اعتبار إلا بما بُويع عليه المرشد، دون حاكم البلاد، فقد كانت هذه الجماعة تحوز الأسلحة والمتفجرات وتعمل على تدريب أفرادها على استخدامها تحت دعوى الجهاد الذي هو منوط شرعا بسلطان البلاد، وليس بمرشد الجماعة، وليتهم اقتصروا فعلاً على جهاد العدو كما يزعمون، بل وجهوا أسلحتهم إلى نحور إخوانهم المسلمين، وعاثوا بالبلاد الإسلامية فسادًا وتفجيرًا. وفيما يلي أذكر شيئًا من شهادات الإخوان على حيازة الأسلحة والمتفجرات والتدرب عليها:
1 – شهادة سيد قطب:
يقول سيد قطب وهو يتحدث عن مجموعة من الإخوان الذين سوف يقودهم فيما بعد – ويعرف بتنظيم 65 – : “وأما السلاح فكان موضوعه له جانبان:
الأول: أنهم أخبروني – ومجدي هو الذي كان يتولى الشرح في هذا الموضوع – أنه نظرًا لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب، فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محليًا، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها في حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة…
الثاني: أن علي عشماوي زارني على غير ميعاد، وأخبرني أنه كان منذ حوالي سنتين قبل التقائنا، قد طلب من أخ في دولة عربية قطعًا من الأسلحة، وحددها له في كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل – وهي كميات كبيرة حوالي عربية نقل – وأنها سترسل عن طريق السودان مع توقع وصولها في خلال شهرين…
وتقرر تكليف علي بوقف إرسال الأسلحة من هناك، حتى يتم الاستعلام من مصدرها عن مصدر النقود التي اشتريت بها، فإن كان من غير الإخوان ترفض، والاستفهام كذلك عن طريق شرائها دفعة واحدة أو مجزأة وطريقة إرسالها وضمانات أنها مكشوفة أم لا؟ وبعد ذلك يقال للأخ المرسل ألا يرسلها حتى يخطره بإرسالها، ومضى أكثر من شهر – على ما أتذكر
– حتى وصل للأخ علي ردٌّ مضمونه الباقي في ذاكرتي: أن هذه الأسلحة بأموال إخوانية من خاصة مالهم، وأنهم دفعوا فيها ما هم في حاجة إليه لحياتهم تلبية للرغبة التي سبق إبداؤها من هنا وأنها اشتريت وشحنت بوسائل مأمونة…” () .
2 – شهادة أحمد عادل كمال:
يقول أحمد عادل كمال، عضو التنظيم السري تحت عنوان “حادثة الجبل: “هكذا اشتهرت بهذا الاسم، ذلك أننا كلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمفرقعات، فقد كان جبل المقطم قريبًا من القاهرة، فهو لا يحتاج إلى إجازات أو سفر، والمطلوب أن يكون المكان موغلاً في الجبل ميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحًا كميدان ضرب نار، وأن يكون مستورًا عن الأعين، وأن يكون به ما يصلح أبراج مراقبة للحراسة، ووجدنا كل تلك الصفات في موقع حين واقعناه على خرائط المساحة وجدناها عبرت عنه باسم الأسيمرات …
وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتى العصر وأخرى تذهب مع العصر وتعود مع الفجر… وكان الترتيب أن لا ترى مجموعةٌ الأخرى، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع، من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، وهذا الحارس كان في استطاعته أن يرى سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل، وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها السلاح والذخيرة ويردم عليها لدى أول إشارة، وبذلك تبقى المجموعة في حالة معسكر، وليس معها ممنوعات قانونية” () .
3 – شهادة علي عشماوي:
يقول علي عشماوي : “بعد البيعة كانت لقاءاتنا في التدريب ودراسة كتب النظام الخاص تتمُّ بمعرفة الأخ محيي هلال، حيث تمَّ تدريبنا على أكثر من نوع من المسدسات والقنابل اليدوية والحارقة، وأنواع المفرقعات وكيفية التعامل معها، ودراسة بعض الكتب العسكرية التي ألفها الإخوان للنظام، وكتيب صغير عن أعمال المراقبة والتعقب، وكلها كانت تدرس لأعضاء مخابرات الإخوان” () .
4 – شهادة محمود عبد الحليم :
يقول محمود عبدالحليم وهو يعدد برنامج النظام الخاص إلى عدة نقاط منها :
” التدريب على الأعمال الشاقة
التدريب على توزيع المنشورات
التدريب على التخاطب والتراسل بالشفرة
التدريب على استعمال الأسلحة
المبالغة على السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر ” () .
المطلب الثالث: التخطيط للاغتيالات والقيام بها
يزخر تاريخ الإخوان المسلمين بعمليات الاغتيال التي قامت بها الجماعة، أو ممن ينتسب إليها، وهذه العمليات يتمُّ تصويرها على أنها أعمال ما فعلت إلا من أجل الجهاد في سبيل الله. وفيما يلي سأذكر شيئًا من هذه الاغتيالات مقرونة باعترافات الإخوان أنفسهم وإقرارهم القيام بها:
1 – اغتيال القاضي أحمد الخازندار:
قام التنظيم السري للإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندي باغتيال القاضي أحمد الخازندار، حيث باشر العضوان حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم، إطلاق الرصاص على المستشار الخازندار عند خروجه من منزله في طريق ذهابه إلى مقر عمله، أما عن السبب: فقد كان ذلك بسبب حكم القاضي على مجموعة من الشباب التابعين للإخوان بالأعمال الشاقة مع المؤبد، نظير اعتدائهم على مجموعة من الجنود الإنجليز في الإسكندرية.
يقول صلاح شادي، المسؤول عن قسم الوحدات في التنظيم الخاص وهو يتحدث عن أحداث سنة 1948م ما نصه: “كانت هذه السنة حافلة بالأحداث التي أثرت تأثيرًا كبيرًا على كيان الجماعة، ففي مارس سنة 1948م اغتيل الخازندار بيد الأخوين محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، وحكم عليهما بالسجن المؤبد في 22 نوفمبر سنة 1948م…” ()
ويقول الدكتور عبدالعزيز كامل، أحد أعضاء التنظيم السري الخاص : “وفي صبيحة هذا اليوم بينما كان المستشار أحمد الخازندار بك في طريقه من منزله في حلوان إلى عمله، عاجله اثنان من شباب الإخوان بإطلاق النار عليه فأردياه قتيلاً … وأمكن القبض على الاثنين: محمود زينهم وحسن عبدالحافظ …” .
العجيب أن البنا مرشد الجماعة، وعبدالرحمن السندي، قائد التنظيم الخاص، كلاهما تبرأ من دم الخازندار، وألقى التهمة على الآخر، كما يذكر ذلك الدكتور عبدالعزيز كامل في مذكراته، إذ ينقل حواره مع حسن البنا، وعبد الرحمن السندي، وكيف تبرأ كل منهما من دم الخازندار ، وإليكم ما دار في ذلك الاجتماع العاصف:
عبدالعزيز كامل لحسن البنا: هل أصدرت فضيلتكم أمرًا صريحًا لعبد الرحمن بهذا الحادث؟!
حسن البنا: لا.
عبدالعزيز كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك، وتلقى به الله يوم القيامة؟!
حسن البنا: قال: لا.
عبدالعزيز كامل: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسؤولية هذا أمام الله!
حسن البنا: نعم.
ثم التفت عبدالعزيز كامل إلى عبدالرحمن السّندي، مرتب عملية اغتيال الخازندار، وسأله في ذات الجلسة عبدالعزيز كامل: ممن تلقيت الأمر بهذا؟!
عبدالرحمن السندي: مِن الأستاذ!
عبدالعزيز كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟!
عبدالرحمن السندي: لا.
عبد العزيز كامل: وهذا الشَّاب الذي دفعتم به إلى قتل الخازندار مَن يتحمل مسؤوليته والأستاذ ينكر وأنت تنكر، والأستاذ يتبرأ وأنت تتبرأ!
عبدالرحمن السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار، فرغبته في الخلاص أمر منه () .
هكذا ببساطة، تمَّ إزهاق نفس معصومة بمجرد ظن متوهم، استرخاصًا للدماء، وعبثًا بالمحرمات، دون مراعاة لأبسط قواعد الشريعة الإسلامية، وكذلك جاء من جماعة تسمي نفسها جماعة دعوية.
2- اغتيال النقراشي باشا:
لم يمضِ على اغتيال الخازندار سوى بضعة أشهر، حتى قام الإخوان بجريمة أخرى لا تقل بشاعة عن سابقتها، حيث قام عبدالمجيد أحمد حسن، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، باغتيال النقراشي بعد أن تنكر بزي ضابط شرطة وأفرغ عددًا من الرصاصات في جسد النقراشي، وهو يهمُّ بدخول المصعد للتوجه إلى مكتبه في وزارة الداخلية،
يقول محمود عساف : ” صار الإخوان الذين لم يقبض عليهم من أعضاء النظام الخاص في حال يرثى لها، فليس هناك من يرشدهم إلى ما ينبغي أن يفعلوا، ولا أحد يوعيهم بما لا يجوز أن يفعلوه، فصارت كل مجموعة منهم تلتقي سرًا، ويقرون فعل شيء وفقًا لاجتهاداتهم، من هذه المجموعات: مجموعة أحمد فؤاد (كان ضابطًا بالشرطة ضمن تنظيم الوحدات التي كان يشرف عليه الصاغ صلاح شادي)…
لم تجد هذه المجموعة أحدًا يوجهها، فقررت قتل النقراشي جزاء على حله للإخوان واستجابته للإنجليز وتخريبه لحرب فلسطين.
رسم أحمد فؤاد وجماعته خطة قتل النقراشي، ونجح عبدالمجيد أحمد حسن في مهمته بعد أن تنكَّر في زي ضابط بوليس، وقتل النقراشي رميًا بالرصاص، وهو على وشك دخول المصعد، متجهًا إلى مكتبه في وزارة الداخلية” .
3- اغتيال المهندس سيد فايز:
لم تكتفِ جماعة الإخوان المسلمين بتصفية خصومها، بل تجاوزت في التساهل في الدماء إلى اغتيال بعض الشخصيات المنتمية لها، أحد هؤلاء هو المندس سيد فايز أحد كبار المسؤولين في التنظيم الخاص.
يشير محمود عبدالحليم لسبب تلك الجريمة ؛ حيث يعزوها لوقوف المهندس سيد فايز مع المرشد الهضيبي في قرار فصل عبدالرحمن السندي، رئيس التنظيم الخاص وكيف دبر السندي هذا الاغتيال ، فيقول: “من هنا يتضح أن إجراء المرشد العام بتنحية رئيس النظام عن رياسة النظام، ليست إلا إجراء عاديًا كان يجب أن يقابل من أخ بايع على السمع والطاعة بالتسليم والرضا [يقصد عبدالرحمن السندي] …
ولكن الذي حدث كان عكس هذا تمامًا .. اعتبر هذا الأخ هذا الإجراء اعتداء عليه، وسلبًا لسلطان يرى أنه حق أبدي له، وإذا كان قد ناوأ المرشد العام من قبل في خفاء، فإنه أصبح الآن في حل من إعلان الحرب عليه مستحلاً في سبيل ذلك كل وسيلة تتاح له، أتدري أيها القارئ ماذا فعل؟
كان يعلم أن المهندس فايز، وهو من كبار المسؤولين في النظام الخاص، من أشد الناقمين على تصرفاته وأنه وضع نفسه تحت إمرة المرشد العام لتحرير هذا النظام في القاهرة على الأقل من سلطته… وكذلك سولت له نفسه أن يتخلص من سيد فايز، فكيف تخلص منه؟
تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله، وانتهز فرصة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، وأرسل إليه في منزله هدية (علبة مغلفة) عن طريق أحد عملائه، ولم يكن الأخ سيد في ذلك الوقت موجودًا بالمنزل، فلما حضر وفتح العلبة انفجرت فيه وقتلته وقتلت معه شقيقًا له، وجرحت بقية الأسرة وهدمت جانبًا من جدار الحجرة. وقد ثبت ثبوتًا قاطعًا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة، كانت بتدبير هذا الرئيس ..، وقد قامت مجموعة من كبار المسئولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني ” ().
ويؤكد محمود عساف هذه الشهادة، فيقول: “… في اليوم التالي – وكانت ليلة مولد النبي – ذهب صندوق الحلوى إلى شقيقته قائلاً: إنه لا يجب أن يفتحه إلا السيد – وبالفعل – حضر السيد فايز وتسلم الصندوق وبدأ بفتحه وإذا بالصندوق ينفجر ويؤدي بحياته… تلك جريمة رهيبة، لا شك عندي أنها من فعل النظام الخاص، لمجرد أن السد فايز يعارض وجوده…” .
هكذا كان الانحراف لدى ما يسمى بـ”التنظيم السري” عند الإخوان المسلمين، الذي أصبح كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ويؤكد هذه الحقيقة ما قاله محمد الغزالي في كتابه (من معالم الحق)، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يختلف مع مرشدها الهضيبي وينفصل عن الجماعة تنظيمًا لا فكريًا: “وكان الإمام حسن البنا نفسه، وهو يؤلف جماعته في العهد الأول، يعلم أن الأعيان والوجهاء وطلاب التسلية الاجتماعية الذين يكثرون في هذه التشكيلات، لا يصلحون لأوقات الجد، فألف ما يسمى بالنظام الخاص، وهو نظام يضم شبابًا مدربين على القتال كان المفروض من إعدادهم مقاتلة المحتلين الغزاة، وقد كان هؤلاء الشباب الأخفياء شرًا وبيلاً على الجماعة فيما بعد، فقتل بعضهم بعضًا، وتحولوا إلى أداة تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الإسلام، ولا تعويل على إدراكهم للصالح العام” .
المطلب الرابع: القيام بتفجير الأماكن العامة والممتلكات الخاصة
يحفل تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بالعديد من السوابق الإجرامية، ولعل من هذه السوابق: ابتكار الأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة، إذ حاز الإخوان قصب السبق في ابتكار هذه الوسائل التخريبية وهذا شيء لا أدعيه، بل هو مما اعترف به أحد أعضاء هذه الجماعة، يقول علي: “أنا لا أفتري عليهم ولا أخترع من عندي، فتلك الوسائل التي أعيبها عليهم وأتهمهم بابتكارها، ثم صارت أسلوب عمل عند جميع المنظمات المماثلة، فهم سيحاسبون أمام الله عن كل فرد استعمل هذه الأساليب لأنهم مبتكرون.
1 – الحزام الناسف: الذي ابتكره الإخوان عام 1954 لقتل عبدالناصر، وكان أول من تطوع لاستعماله هو الأخ نصير، وهذا الأسلوب هو الذي تطور بعد ذلك ليصبح القنابل البشرية، والمنتحرين والأجسام المفخخة، وهكذا فإن الإخوان مسؤولون عن هذا الفعل وعن كل من استعمله وقتل الناس عن طريقه….
2 – وأما الأسلوب الآخر، فهو السيارات المفخخة التي تستعمل حتى الآن لإرهاب الناس وقتلهم رجالاً ونساء وأطفالاً … لقد ابتكره أحد أقسام الإخوان، وهو قسم الوحدات الذي يشرف عليه صلاح شادي، فقام بتفجير عربة محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة في 5/6/1948، ثم أتبعها بتفجير عربة يد أخرى في نفس المكان، وهو حارة اليهود في 19/7 /1948، وقد كان هذا في شهر رمضان، وقد قُتل في هذا الحادث مفجر العربة وعدد من المارة الذين لا حول لهم ولا قوة، إلا أنهم يمرون في نفس الشارع المفروض أن يكون آمنا” ().
إذًا، هذه شهادة من رجل غير متهم، شهادة من رجل كان في يوم من الأيام أحد قادة التنظيم السري والمساعد الأول لسيد قطب، وأحد الذين سجنوا وحوكموا على جرائمهم التي ارتكبوها مع جماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينشق عنهم بعد خروجه من السجن.
ولا يميّز الإخوان في سبيل تحقيق ما يزعمون أنه (جهاد) بين الأهداف العسكرية، والمدنية، فكله مباح تحت دعوى (الجهاد) وردِّ العدوان على الدعوة، يقول سيد قطب في كتابه (لماذا أعدموني) تحت عنوان “خطة رد الاعتداء على الحركة الإسلامية: “… لهذه الأسباب مجتمعة فكرنا في خطوة ووسيلة ترد الاعتداء والذي قلته له: ليفكروا في الخطة والوسيلة باعتبار أنهم هم الذين سيقومون بها بما في أيديهم من إمكانيات لا أملك أنا معرفتها بالضبط ولا تحديدها، الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه وجب أن يكون ذلك في ضربة راجعة توقف الاعتداء وتكفل سلامة أكبر من الشباب المسلم.
ووفقًا لهذا، جاؤوا في اللقاء التالي، ومع أحمد عبدالمجيد قائمة باقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة الإخوان في حالة ما إذا وقع الاعتداء عليهم… وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشأة التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء …[وبعد أن نبهه علي عشماوي إلى أن تفجير القناطر والجسور والكباري، قد يكون مساعدًا لتحقيق أهداف الصهيونية]، قال: ونبهتنا هذه الملاحظة إلى خطورة العملية، فقررنا استبعادها والاكتفاء بأقل قدر ممكن من تدمير بعض المنشآت في القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية عن المتابعة، إذ إن هذا وحده هو الهدف من الخطة…”.
يلاحظ أن سيد قطب، لم يستبعد الخطة نهائيًا، وإنما استبعد بعض الأهداف (المدنية)، وأبقى الأخرى تحت دعوى حماية الدعوة الإسلامية. ولا أعلم حقيقة، أي دعوة إسلامية هي تلك التي تبيح تفجير مصالح المسلمين وإزهاق الأنفس المعصومة، وإخافة الآمنين، تحت دعوى حماية الدعوة الإسلامية؟!
وفيما يلي شيء من تلك التفجيرات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها باعترافات أعضائها:
1- تفجير محكمة الاستئناف:
تعود أحداث هذه المحاولة ابتداء، لما يعرف بحادثة السيارة (الجيب)، والقصة باختصار: أن البوليس وجد سيارة جيب فيها عدد من المتفجرات والأوراق الخاصة بالتنظيم السري، حيث احتوت هذه الأوراق على: أسماء أعضاء التنظيم، ومخططاتهم التي ينوون القيام بها، والمعلومات التي جمعوها حول الشخصيات المراد استهدافها، وعلى إثر ذلك توالت الأحداث بالقبض على اثنين من بين ثلاثة كانوا يقودونها، وهرب الثالث، ثم توالى سقوط الأسماء التي جاء ذكرها في الأوراق، ونظرًا لأن هذه الأوراق تمثل دليل الإدانة الرئيس لأفراد الجماعة تطوع أحد المنتمين لها بوضع قنبلة في المحكمة لحرق هذه الأوراق؛ حتى لا يبقى دليل يستند عليه،
يقول محمود الصباغ في كتابه (حقيقة التنظيم السري): “من أجل ذلك وضع الأخ الكريم الأستاذ شفيق أنس، وكان حينئذ لا يزال في ريعان شبابه، قنبلة زمنية حارقة داخل حقيبة صغيرة شبيهة بحقائب المحامين بجوار الخزانة التي تحتوي على جميع أوراق قضية سيارة الجيب، بنية إحراقها وسلب الحكومة سندها لدى النيابة العامة في كل ما تفتريه على الإخوان المسلمين ظلمًا وعدوانًا، لأنه يعلم علم اليقين أن الإخوان المسلمين أبرياء من كل اتهام يوجه إليهم ضد مصر خاصة، وضد أي بلد عربي أو إسلامي عامة، وقد أصدر إليه أمر التنفيذ قائد النظام الخاص المسؤول في هذا الوقت، وهو الشهيد السيد فايز عبدالمطلب”..
هكذا يبرر محمود الصباغ، وضع قنبلة حارقة دائرة حكومية، تبريرًا يظهر مدى الاستخفاف بحياة الأبرياء، وتعريض المصالح العامة للتلف، وإلا من متى كان الظلم سببًا في أن التفجير والحرق، على فرض التسليم بأن هناك ظلمًا وقع على الإخوان.
2- تفجير أقسام الشرطة:
اختار الإخوان ضمن ما يزعمون أنه ردٌّ على ظلم السلطة لهم، أن يقوموا بتفجير أقسام البوليس تفجيرًا لا يوقع قتلى، وإنما كنوع من الإرهاب والتخويف للدولة، وفي هذا الصدد يقول أحمد عادل كمال، أحد أعضاء التنظيم الخاص، ما يلي: “كان المطلوب تفجير تلك العبوات في أقسام البوليس ذاتها، في كل قسم عبوة بحيث لا تصيب أحدًا، لذلك كانت المتفجرات ملفوفة في ورق كرافت، فليس لها شظايا، ومن الممكن ألا تصيب، ولكن الفرقعة في حد ذاتها كانت مطلوبة للإعلان عن أن قسم البوليس هذا، قد ضرب بالقنابل، لم نكن نبتغي أكثر من الفرقعة، وكان قسم مصر الجديدة هو نصيب مجموعتنا… [ثم يقول بعد ذلك] وبتنا على جمر حتى الصباح، ثم تهافتنا على الصحف وقد نشرت أخبار ضرب أقسام البوليس على صفحاتها الأولى بخط كبير… وفي لقائنا مع قيادتنا علمنا أن العملية تمت بنجاح وأن جميع إخواننا قد عادوا بسلام…” .
3- تفجير شركة الإعلانات الشرقية:
يزعم الإخوان أن شركة الإعلانات الشرقية، كانت ملاذًا استخباراتيًا لليهود، ولذلك قاموا بنسفها رغم وجود مصريين يعملون فيها، وهذا هو ديدن الجماعات المتطرفة في وقتنا الحالي، هذا التفجير الذي قام به الإخوان ذهب فيه العديد من الضحايا الأبرياء كما هو حال غيره من التفجيرات، يقول أحمد عادل كمال: ” وتمَّ حادث شركة الإعلانات بسيارة بيك أب امتلأت بصناديق المتفجرات ساقها، رحمه الله، أخونا علي الخولي، حتى حشرها في بوابة المبنى الكبير للشركة، ثم تظاهر بتعطيلها، وأجاب بأن بها ورق للشركة، وانصرف بحجة إحضار مفك وبعض الأدوات اللازمة لتشغيل السيارة، وبعد انصرافه انفجرت، وخربت الدار، وظلت السماء تمطر حجارة من حطامها لدقائق بعدها، ولقد سمعت ذلك الانفجار من منزلي الذي كان يبعد نحوًا من سبعة كيلومترات، ومن المؤسف أن قتل في الحادث بعض المواطنين فيهم الشرطي المصري المكلف بالحراسة ” .
هكذا كان الجهاد الذي يدعيه الإخوان والذي أنشأ من أجله ما يسمى بالتنظيم الخاص، نسفًا للمقار الحكومية، والشركات الأهلية، تحت دعاوى العمالة والاستخباراتية، دون أي مراعاة للأحكام الشرعية، ولا الأعراف المصلحية، ثم بعد ذلك تأتي عبارات الأسف والأسى باردة، شاحبة، بعد سنين من تلك الحوادث التي تركت ظلالها حتى الآن على كل من عانى منها، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا” ، فأين سيذهب هؤلاء من تلك الدماء؟
المطلب الخامس: القيام بالثورات والتخطيط للانقلابات ودعمها
عندما أنشأ حسن البنا جماعته (الإخوان المسلمين)، جعل لها العديد من الأهداف، ولعل من أهمها، إعادة الخلافة الإسلامية، يقول حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوا (الإخوان المسلمون والخلافة): “وبيان ذلك أن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها… والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات…” .
ونظرًا لعدم إلمام حسن البنا بالعلم الشرعي، وعدم إدراكه للمصالح والمفاسد، وأن الخلافة ليست مقصودة لذاتها، وليس السبيل في الوصول إليها عن طريق الانقلابات والثورات، وإنما الهدف الأول الذي يجب على الداعية القيام به، هو تعليم الناس العقيدة الصحيحة – وأنَّى له ذلك وهو الذي تلبس بالصوفية منذ نشأته – غلا في هذا الهدف غلوًا كبيرًا، حتى وصل به الحال وجماعته إلى التخطيط لقلب أنظمة الحكم، والخروج على الولاة والسلاطين، وإضمار العداء لهم، مع إعلان الولاء والمداهنة حال ضعف الجماعة، والمجاهرة بها حال حدوث ما ينبئ بقرب زوال الحاكم أو ضعفه، وهذا – تحديدًا – ما حدث في الثورات التي قادها الإخوان، أو شاركوا فيها. وفيما يلي ذكر طرف من أخبار الإخوان في ذلك:
1 – الانقلاب على الملك فاروق:
مرَّ أن الإخوان قد يظهرون الولاء والطاعة للسلطان، وهم في ذات الوقت يخططون للانقلاب والخروج عليه، وهذا ما حدث في تخطيطهم وخروجهم على الملك فاروق، إذ أظهر له حسن البنا الطاعة، وأسبغ عليه من ألقاب الثناء والتقدير، ومن خلفه كان يحوك المؤامرات والخطط لإزاحته عن الحكم، فعلى سبيل المثال كتب حسن البنا مقالاً ، يقول فيه: “يا صاحب الجلالة [يخاطب الملك فاروق] بالنيابة عن مئات الآلاف من شعبكم المحبوب ورعيتكم المخلصة من أعضاء جماعات الإخوان المسلمين “بمصر” أرفع إلى جلالتكم هذا الرجاء لا يدفع إلى ذلك إلا حب الخير الذي تحرصون عليه لأمتكم المخلصة …” () ، يقول حسن البنا في هذا الجزء وهو يخاطب الملك: “رعيتكم المخلصة”، حسنًا.. لنرَى حقيقة هذا الإخلاص الذي ادعاه حسن البنا.
الانقلاب:
توالت الأحداث وأُطيح بالملك فاروق من عرش الملك، وتمَّ تنصيب جمال عبدالناصر رئيسًا على البلاد، أين دور حسن البنا في كل هذا؟ يجيب عن ذلك عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين فيقول: “إن الانقلاب الذي تمَّ، لم تكن تحوطه المخاطر، ولا حمل الرؤوس على الأكف، كما ادعى جمال سالم يومًا، بل كان سهلاً ميسرًا، نتيجة جهود حسن البنا التي مهدت لهذا الانقلاب منذ سنوات طوال، ولولا أن إرادة الله جاءت به في تلك الفترة المهيأة بجهود حسن البنا، لما كان لهذا الانقلاب من وجود، ورغم هذا الفضل من الله على الإخوان المسلمين، فإن مجلس قيادة الثورة – كما سمَّى نفسه – جازى الإخوان أسوأ جزاء، وهم أصحاب الفضل فيما وصلوا إليه” () .
قلت: هذا هو إخلاص حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، ويا له من إخلاص!!..
2 – الانقلاب على الإمام يحيى في اليمن واغتياله:
لم تكتفِ جماعة الإخوان بالعمل الإرهابي في مصر، بل امتد ذلك ليصل إلى عدد من الدول الإسلامية والعربية، ومن ضمن هذه الدول (اليمن)، إذ تمَّ التخطيط والتنفيذ لاغتيال الإمام يحيى، وقد جمع الإخوان في هذه الحادثة كل صفات السوء، ولو لم يكن في تاريخ الإخوان سوى هذه الحادثة، لاستحقوا عليها كل ذم وعيب، يقول علي عشماوي حاكيًا هذه الحادثة: “ولم يكتفِ الإخوان بالاغتيالات في مصر، ولكنهم حين تبدر لهم بادرة لمثل هذا العمل في أي بلد عربي آخر، فقد حانت لهم الفرصة للتآمر مع مندوب الإخوان في اليمن، وعلى رأسهم عبدالله بن الوزير لمحاولة الانقلاب في اليمن، حيث اتفقوا مع حسن البنا في مصر وشكلوا معه، الوزراء بأسمائهم واتفقوا على انتظار الإمام يحيى حتى يموت موتًا طبيعيًا، فقد كان طاعنًا في السن يعانى كثيرًا من الأمراض، وأُعلنت وفاته واندفع قادة الإخوان في مصر لنشر النبأ في جريدتهم، مع ذكر أسماء الوزراء القادمين، معتبرين ذلك سبقًا صحفيًا، لكن الإمام يحيى كان لا يزال على قيد الحياة، وهو ما فضح نوايا الإخوان، الذين عاجلوا باغتياله على يد “جميل” أحد حراسه، الضباط بحركة رشيد عالي الكيلاني في العراق، الذى لجأ إلى اليمن بعد فشل الحركة في العراق، حيث أفرغ في جسد الإمام ما يقرب من ثمانين مقذوفًا، وكأنما أراد أن يستوثق من موته هذه المرة.
وبالفعل، تشكّلت الوزارة التي نشر الإخوان أسماء وزرائها من قبل، وهو ما كان له وقع شديد على الدنيا بأسرها، وصار موقف الإخوان في غاية السوء، فقتلهم رموزًا مصرية اُعتبر إرهابًا وإجرامًا، أمَّا أن يقتلوا ملكًا لدولة شقيقة عضو في جامعة الدول العربية، فهذا ما لم يقبله العالم” ().
ويقول محمود عبدالحليم: “… أما أن الثورة بتدبير الإخوان المسلمين، أو قامت بتدبير الفئة المثقفة من أهل اليمن، أو قامت بتضامن الجهتين معًا؛ فأمر لا يعني الذين يبحثون عن الأسباب الداعية للثورة، وهل هي جديرة بالتقدير، أم هي أسباب مفتعلة لا أساس لها من الواقع.
وعلى كل حال، فإن مبلغ علمي أن الإخوان منذ عرفتهم كانوا يتمنون أن يتخلص اليمن من حكم (الأئمة) حتى تدب في أوصاله الحياة.. ولست أدعي أنني كنت مشاركًا في تدبير هذه الثورة، فلقد كنت في تلك الأثناء بعيدًا عن القاهرة، ولكنني أستطيع أن أقرر أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة، قد نبتت في المركز العام، أما تفاصيلها وخطوطها، فلا أعتقد أن المركز العام قد تدخل في رسمها” .
وسبحان الذي لا يصلح عمل المفسدين، فلم يستفد الإخوان من أعمالهم هذه، سوى مزيد من التشريد والفشل والمطاردات، فلا الدين أقاموا، ولا الدماء حفظوا، ولا الأعراض صانوا، ولا الأعداء أثخنوا.
3 – الإخوان وما يسمى بالربيع العربي:
اجتالت الشياطين بعض شعوب الدولة العربية والإسلامية، فزينت لها الخروج على ولاة أمورهم، تحت دعوى الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.. خرجت الشعوب، وحدثت الفوضى، واختلط الحابل بالنابل، وتبين في نهاية الأمر أن هذه الثورات، ما هي إلا كسراب يحسبه الظمآن ماء.
أما بالنسبة لدور الإخوان في تلك الثورات، فالحق: أنهم كانوا محرضين عليها، داعمين لها، نافخين بكيرهم فيها، موغرين للشعوب على حكامها، بإعلان عيوبهم وإشهارها على الملأ، وقد حذر النبي ﷺ من هذا المسلك الوخيم، وعلم أمته كيف يكون الإنكار على الولاة في أحاديث كثيرة منها قوله ﷺ : ((من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له )) .
وأخبر ﷺ أمته كيف العمل عندما يستأثر الحكام بالدنيا، ويمنعون الشعوب حقها، فقد جاء في الحديث أن سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال : ﷺ ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم)) .
هذه الأحاديث وغيرها، كان حري بالإخوان أن يعلموها الشعوب، ويبصروا بها الغوغاء والدهماء من الناس. ولكن بدل ذلك، ونظرًا لرغبتهم الشديدة في السلطة، حتى لو كانت على حساب سلامة المعتقد، وصفاء الطريقة، مارسوا التحريض والتسويق لهذه الثورات، وأسبغوا عليها من عبارات الثناء والتمجيد، ووصفوها بالجهاد، فكانت النتيجة كما نرى ونشاهد. وفيما يلي أذكر طرفًا مما قاله أبرز رموز الإخوان في هذه الثورات:
1 – محمد بديع:
يقول محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان المسلمين: “ما زالت أرواح الشهداء التي صعدت ولا تزال تصعد إلى بارئها تشكو الظلم والقتل الجماعي، وما زالت الجراحات والإصابات تشهد على حاجة الشعوب الملحَّة في تجنب أوطانها الفساد والاستبداد وهي في عهدها الجديد، الذي من أجله قامت بثوراتها المجيدة، وهي على استعداد وبإصرار أن تستمر في هذا النضال مهما كانت التضحيات، لأنها تستحق…” ().
وهنا أتساءل، والعجب لا يكاد ينقضي: كيف يسوغ لبديع أن يحرض الشعوب على الاستمرار في هذه الثورات، وهو يعلم أن المزيد من الدماء سوف تراق بدلالة قوله: “ما زالت أرواح الشهداء التي صعدت ولا تزال تصعد…”؟ ألهذه الدرجة يرخص هؤلاء القوم الدماء في سبيل بحثهم عن كرسي السلطة؟!
2 – يوسف القرضاوي:
يعدُّ يوسف القرضاوي من أكبر المحرضين لهذه الثورات، والنافخ الأكبر بكيره فيها، وكلماته الكثيرة وخطبه المتكررة، وفتاويه المشاهدة والمكتوبة، أكبر من أن تخفى على أحد. ولكني سأكتفي بذكر بعضها، طلبًا للاختصار، يقول الدكتور يوسف القرضاوي في إحدى خطب الجمعة: “ثوروا… وانضموا… ولن أتنازل عن خطبة الفتنة هذه، ما دام هذا هو الفتنة، اللهم أحيني من خطباء الفتنة وأمتني منهم، واحشرني معهم” () ، قلت: اللهم آمين.
ويقول في برنامج الشريعة والحياة: “… خمس ثورات عربية منَّ الله بها على أمتنا، وكانت هذه من أعظم النعم، التي أعطاها الله لهذه الأمة، فنحمد الله على ذلك، نهنئ الإخوة في العالم الإسلامي وفي العالم العربي وفي العالم الخليجي وفي دولة قطر بالذات التي اهتمت بهذه الثورات، وكان لها نعم المولى ونعم النصير كانت ظهيرًا لهذه الثورات…” .
3 – عزام التميمي:
لم يكتفِ عزام التميمي، عضو التنظيم الدولي للإخوان، ومؤسس قناة الحوار الممولة من قطر، باعتراف أمير قطر السابق حمد بن خليفة، بالتحريض على الثورات في قناته التي يديرها فقط، بل اتخذ من المنابر التي يعتليها منصات لإطلاق دعاوى التحريض والعداء لجميع الأنظمة العربية بما في ذلك أنظمة الخليج – باستثناء قطر بالطبع –. يقول في إحدى طلعاته الإعلامية: “نسأل الله تعالى أن يتمم لنا نصرنا ويسقط هذه الأنظمة، النظام تلو النظام، طبعًا مش حنوفر التانين على فكرة يعني متفكروش أن الأمر سيقف عند سوريا، الأنظمة في دول الخليج الفاسدة العفنة التي تنتهك الحرمات، وتنتهك حقوق الناس سيأتيها الدور، وربي سيأتيها الدور، السعودية التي يقبع في سجونها اليوم ما يزيد عن ثلاثين ألف ناشط سياسي سيأتيها الدور لأن المستضعفين سينصرهم الله… واليمن لم تنتهِ قصتها…
الحرية لا تتجزأ.. المصريون يستحقون الحرية والتوانسة، والسوريون، والسعوديون يستحقون الحرية، [ثم يستدرك فيقول] ليس السعوديين، أهل الجزيرة وكيف ينسب إنسان إلى عائلة حاكمة فاسدة، ثم سيأتي دور الآخرين، كل نظام ساهم في حماية إسرائيل، والأردن سيأتيها الدور كذلك…” .
هكذا يسوق عزام هذه الثورات، ويصورها في عيون الشعوب على أنها النعيم الذي لا ينفد، هذا النعيم الذي يسوقه عزام وجماعته – جماعة الإخوان المسلمين – ما هو في حقيقته إلا جحيم، ونار لا تبقي ولا تذر، نار جرت على الشعوب من المآسي ما الله به عليم، ولأن لغة الأرقام دقيقة لا تكذب، فإن أرقام هذا (الخريف العربي) جاءت مرعبة، كئيبة، محزنة، لكل من يهتم لأمر المسلمين، إذ جاء في تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي عام 2015 ما يلي:
أ – عدد ضحايا الربيع العربي بلغ 1.34 مليون.
ب – عدد اللاجئين من جراء الربيع العربي بلغ 14.389 مليون.
ج – خسائر البنية التحتية 461 مليار
د – إجمالي الخسائر المالية بلغ 833.7 مليار () .
هذه هي أرقام الربيع العربي، علمًا بأن هذا التقرير قد نشر قبل سنتين من الآن، فإلى كم وصلت هذه الأرقام اليوم؟ هذا هو الخريف العربي الذي ما زال الإخوان وغيرهم ينفخون فيه، هكذا يلقون بأبناء الأمة ومقدراتها في هذه المحارق دون أدنى إدراك للواقع، وهم الذين كانوا وما زالوا ينعتون خصومهم – وتحديدًا علماء السعودية – بعدم فقه الواقع، وصدق الله، إذ يقول: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ .
6 – قيام الجماعات المتطرفة ومنظريها على فكر الإخوان وأدبياتهم
وبعد هذا العرض المختصر لهذه الموبقات التي جرتها جماعة الإخوان على الأمة الإسلامية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا، فلا عجب ولا غرابة أن يخرج من تحت عباءتها عديد الجماعات الإرهابية، وقد قالت العرب قديمًا: “إنك لا تجني من الشوك العنب”، وفيما يلي ذكر بعض الأمثلة والشواهد على ما سبق:
1 – تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن:
تتلمذ أسامة بن لادن في كنف جماعة الإخوان المسلمين، وتربى منذ نعومة أظفاره على كتب منظريها، ويشهد بذلك نائبه في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، إذ يقول في تسجيل مصور: “كان الشيخ أسامة بن لادن يقول: أنا مطرود من التنظيم، أنا أصلاً كنت في تنظيم الإخوان مطرودًا، فأنا مطرود من التنظيمات يعني”، ثم يضيف الظواهري: “الشيخ أسامة كان في جماعة الإخوان المسلمين، لما قام الغزو الروسي لأفغانستان الشيخ نفر فورًا إلى أفغانستان… فكانت توجيهات التنظيم له، تعرفون طبعًا توجيهات التنظيم، كانت توجيهات التنظيم له لا تتخطى لاهور…” .
وليس لأحد أن يقول إن الجماعة بريئة من أسامة بدلالة أنها طردته، وذلك لأن الظواهري في ذات الشهادة يقول بأن: الشيخ مصطفى مشهور – المرشد الخامس لجماعة الإخوان المسلمين – طلب من بن لادن بعد بأن أن ارتفع اسمه بأن يعود إلى الجماعة .
هذا هو أسامة بن لادن الذي أسس ما يسمى بتنظيم القاعدة، هذا التنظيم الذي مارس صنوفًا من الإرهاب والقتل والاغتيال، سيرًا على نهج الجماعة الأم (جماعة الإخوان المسلمين)، كيف لا، وزعيم هذا التنظيم أحد أبناء الجماعة!!.
2 – تنظيم الدولة الإسلامية وزعيمه أبو بكر البغدادي:
خليفة داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، كان أحد أعضاء جماعة الإخوان بشهادة كبير منظري الإخوان يوسف القرضاوي، إذ يقول في لقاء مصور: “ومن ضمن هؤلاء جماعة داعش، الدولة الإسلامية في العراق والشام… وقالوا إن هذا الشاب كان من الإخوة من الإخوان [يقصد أبو بكر البغدادي]… في أول أمره من الإخوان، ولكنه كان يميل إلى القيادة وإلى كذا وأغراه هؤلاء بعد أن ظل عدة سنوات مسجونًا خرج وانضم إلى هؤلاء…” () .
وقد بلغ هذا الرجل مع جماعته، ما لم يبلغه أحد في التساهل في الدماء، وتكفير عموم المسلمين، بل وتكفير الجماعة التي خرج منها وهي تنظيم القاعدة، وتوأمه جبهة النصرة، وقد حدث بين الجماعتين من الاقتتال، ما لا يخفى على أحد، حتى كفرت كل فرقة أختها.
3 – جبهة النصرة وزعيمه أبو محمد الجولاني:
تعد جبهة النصرة بزعيمها أبو محمد الجولاني، أحد أجنحة تنظيم القاعدة في الشام، وقد كان الجولاني يقاتل تحت لواء زعيم داعش – أبو بكر البغدادي – في العراق، ثم انتقل بعد إذنه للقتال في الشام حتى حصل ما حصل بين الجبهتين من الاقتتال، فتدخل رئيس الجماعة الأم – وأعني: أيمن الظواهري – للحكم بينهم، فلم يقبل أبو بكر البغدادي بذلك التحكيم، فكان الاقتتال بين الفرقتين.
وقد كان للجولاني كلمة يبايع فيها أيمن الظواهري – زعيم تنظيم القاعدة بعد موت أسامة بن لادن – يقول في جزء من هذه الكلمة: “… هذه بيعة من أبناء جبهة النصرة ومسؤولهم العام نجددها لشيخ الجهاد الشيخ أيمن الظواهري، حفظه الله، فإننا نبايع على السمع والطاعة في المنشط والمكره والهجرة والجهاد، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن نرى كفرًا بواحًا لنا من الله فيه برهان” .
4 – أبو محمد المقدسي:
يعدُّ أبو محمد المقدسي من رؤوس الخوارج القعدية، ومن أبرز المنظرين للتيارات الإرهابية، وهذا الرجل ألَّف كتابًا يكفر فيه الدولة السعودية، كان يوزع على الذاهبين إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، ولا يختلف شأن هذا الرجل عن غيره من هؤلاء الإرهابيين الذين تأثروا بفكر الإخوان بعامة، وبفكر سيد قطب على حد سواء، يقول أبو محمد المقدسي حاكيًا عن نفسه: “… بل قد أمضيت عمرًا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرهما من كتب سيد وأخيه والمودودي، رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية” .
5 – عبدالله عزام:
جاء في تعريف عبدالله عزام على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان بأنه: “شخصية إسلامية يوصف بأنه رائد “الجهاد الأفغاني”، كان منتميًا لجماعة الإخوان المسلمين، وكان شخصية محورية في تطوير الحركات الإسلامية المسلحة. أسس عبدالله عزام مدرسة فكرية وبنية تحتية شبه عسكرية كانت تركز على الصراعات الوطنية، الثورية والتحررية المنفصلة” .
يقول عبدالله عزام في مقالة له بعنوان : (سيد قطب ؛ عشرون عاما على الشهادة): “والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم، يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه المبارك في تفكيرهم.
ولقد كان لاستشهاد سيد قطب، أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته، ففي السنة التي استشهد فيها طبع (الظلال) سبع طبعات، بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته، ولقد صدق عندما قال: إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء.
ولقد مضى سيد قطب إلى ربه رافع الرأس ناصع الجبين عالي الهامة، وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال، بعد أن وضح معاني غابت عن الأذهان طويلاً، وضح معاني ومصطلحات الطاغوت، الجاهلية، الحاكمية، العبودية، الألوهية، ووضح بوقفته المشرفة معاني البراء والولاء، والتوحيد والتوكل على الله والخشية منه والالتجاء إليه” () .
هذا الثناء العطر من عبدالله عزام لسيد قطب ليس غريبًا، فقد مرَّ أنه أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والسؤال الذي يتبادر هنا: إذا كان سيد قطب – الأقنوم الأكبر للتكفيريين – هو النموذج لعبدالله عزام، فأي منهج سيتبناه عبدالله عزام؟
خلاصة هذا المحور، هي: هذه الجماعات التي تفرقت وأصبحت أشتاتًا، كل واحدة منها تلعن الأخرى، إنما كان خروجها من الجماعة الأم (جماعة الإخوان المسلمين)، وكتب سيد قطب، بشهادة أيمن الظواهري الذي يقول : ” فلقد كانت ولا زالت دعوة سيد قطب – رحمه الله – إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الرباني شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج ، والتي لازالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم ” () .
وواقع أن هذه الجماعات التي خرجت من رحم واحدة، ومع ذلك تكفر كل جماعة أختها، ليس بأعجب من تلك الواقعة التي حفظتها أسفار التاريخ والفرق من التكفير المتبادل بين جماعة أبي علي الجبائي المعتزلي، وجماعة أبي هشام الجبائي المعتزلي، على الرغم من أن الأول أب للثاني، وهكذا هي فرق الخوارج منذ سالف الأزمان، كلما خرجت أمة على حاكمها لعنت أختها.
الخاتمة:
من خلال ما سبق يتبين الأثر السيئ الذي تركته جماعة الإخوان بين المسلمين، منذ نشأتها إلى يومنا هذا، أثر لم تسلم منه بقعة من بلاد المسلمين، سواء أكان ذلك الأثر عن طريق التفجير والاغتيال والخروج على الحكام، أم من خلال التلوث الفكري الذي بثته هذه الجماعة بين الناس، فتلوث من تلوث بأبجدياتها وأفكار منظريها، فهل بعد هذا، هناك من يقول: بأن جماعة الإخوان المسلمين، ليست جماعة إرهابية؟!
باحث في الدراسات الإسلامية*
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire