Tunisiens Libres: حصاد عامين من حكم النهضة: تقدم مشروع بناء الدولة النهضوية

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 10 octobre 2014

حصاد عامين من حكم النهضة: تقدم مشروع بناء الدولة النهضوية


حصاد عامين من حكم النهضة: تقدم مشروع بناء الدولة النهضوية

الإثنين 28 أكتوير 2013 | بقلم: الهاشمي الطرودي/جريدة المغرب


عندما نعاين حالة التمزق الإيديولوجي والصراعات السياسية والخلافات الدينية والثقافية التي شهدتها بلادنا خلال سنتين من حكم النهضة، عندما نعاين مظاهر الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تتخبط فيها البلاد

عندما نقيم سياسات السلطة ومناهجها في التعاطي مع هذا الواقع وأدوارها في صنعه نتبيّن أن تونس مستهدفة وأنها تواجه مخاطر جديّة، تهدّد الوحدة الوطنية، والأمن القومي، والمشروع الديمقراطي، والنمط المجتمعي، تهدّد، باختزال، تماسكها كمجتمع وبنيتها كدولة.
لكن هذه الصورة القاتمة أو بالأحرى، هذا الحصاد المرّ لا ينبغي أن يحجب عن أعيننا بوادر اليقظة الوطنية وارهاصات عودة الرشد، لا يسمح المجال بتقييم شامل سنركز فقط على المحاور التي ذكرنا.

عندما نتأمل الأحداث ونقف عند المنعطفات الكبرى التي شهدتها البلاد، خلال العامين الفارطين، يبدو لنا مشروع النهضة، أكثر وضوحا، وينطرح أمامنا سؤال كبير، لم نعره كثير اهتمام ألا وهو: ما هو مفهوم المرحلة التأسيسية وما هي مهامها لدى حركة النهضة، تحديدا، ولدى حركات الإخوان المسلمين عموما؟

نعتقد أن في الإجابة عن هذا السؤال المفتاح تكمن الأسباب العميقة للمأزق الذي انتهي إليه الإسلام السياسي بتونس والإشكاليات التي تواجهها البلاد اليوم نتيجة لذلك. إنّ ما تشهد به سياسات النهضة والواقع الذي أنتجته يبرز أنّ مفهوم النهضة للمرحة التأسيسية يختلف عن المفاهيم المتعارف عليها في القانون الدستوري، ومهامها تتجاوز لديها المهام التي نصّ عليها مرسوم انتخاب المجلس التأسيسي والذي تعتمده المعارضة كمرجعية لنظام حكم هذه المرحلة ولمهامها.

هدم الدولة الوطنية

إنّ هدم الدول الوطنية الحديثة التي أثمرتها الاستقلالات الوطنية، وبناء دول على أنقاضها هو جوهر مشروع الحركات الإخوانية، ما تبقى مجرّد تفاصيل. ومن ثمة فإنّ العلاقة بين الدولة القائمة والدولة المنشودة هي علاقة تضاد وتناف، بحيث لا يمكن أن تحكم دولة وتزعم إصلاحها، بينما مشروعك الحقيقي وغير المعلن، هو تفكيك هذه الدولة وإعادة بنائها. في هذا تحديدا تكمن إشكالية حركة النهضة وتتجلّى الأسباب

الحقيقية لفشلها في حكم البلاد وإدارة شؤون الدولة، كما تتجلّى المعوقات التي حالت ولا تزال دون التمكين لهذا المشروع والوصول به إلى نقطة اللاّرجعة.

إشكالية النهضة، إذن، هي ازدواجية المشروع المجتمعي، وبالتالي ازدواجية مشروع الدولة، فهي ممزّقة بين مشروع دولة مدنية ديمقراطية، تعتمد كمرجعية الفكرة الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، وبين مشروع دولة الإسلام السياسي التي تعتمد المرجعية الإسلامية كإطار للتفكير ومنهج للعمل، ازدواجية الخطاب التي يتم التركيز عليها، عادة، ليست سوى انعكاس لهذه الازدواجية.

هذا التمزّق أو هذه المراوحة بين مشروعين تجلّت بوضوح في معركة الدستور، كما تجلّت، وهو الأكثر خطورة، في السياسات الممنهجة لتفكيك بنية الدولة، أو لتقويض ما يصفونه بالدولة العميقة لإرساء أساسات الدولة الإسلامية. إنها حاملة مشروعين متناقضين، لا يمكن الجمع بينهما، مشروع الدولة المدنية الديمقراطية التي تلتقي فيه مع جلّ مكونات المشهد السياسي والذي تسوّق به نفسها على الصعيدين الداخلي والخارجي وتخونه وبشكل مستمر، على صعيد الممارسة ومشروع آخر مؤجل، هو مشروع الدولة الإسلامية الذي تشتغل الحركة من أجل توفير شروط طرحه، وتجسيده على أرض الواقع.

مشروع الدولة النهضويّة

مشروع الدولة النهضوية، إذن، والذي شرعت الحركة في وضع أساساته، منذ توليها الحكم، وعلى الرغم من الطابع الانتقالي للمرحلة، هو هدم الدولة الوطنية، تلك الدولة التي تختزل، رغم، الطابع الاستبدادي الذي اتسمت به خلال نظم الحكم السابقة، ثمرات جهود الحركات الإصلاحية والوطنية في مجالات الإصلاح والتنوير والتحديث، على امتداد القرنين الماضيين.
لم تتعامل حركة النهضة – وكما تشهد ممارساتها، مع الدولة الوطنية من منظور الإصلاح، والذي يعني السعي لتغييرها من دولة استبداديّة إلى الدولة ديمقراطية، التي رسمت ملامحها شعارات الثورة وإنما تعاملت معها من منظور التناقض العدائي، تعتبرها النقيض للدولة الإسلامية المنشودة، ومن ثمّة فإنّ الهدف الحقيقي ليس بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة الحرية والحق، كما تزعم

وكما يروّج له خطابها الإيديولوجي والسياسي، الهدف هو تغيير طبيعة الدولة من دولة مدنية حديثة إلى دولة دينية، مرجعيتها الأساسية مفردات النظم الإسلامية الموروثة «ولاية الأمة الشورى، أهل الحلّ والعقد، تطبيق الشريعة»، وغايتها إحياء نظام الخلافة الراشدة، ولو دعت الضرورة إلى استعارة مفردات نظم الحكم الحدثية ووسائلها لبعث النظم الإسلامية وإعادة تسويقها كنمط للحكم ومنهاج للحياة.

عندما نحلّل «بعمق» أدبيات «الإخوان» عموما تكشف أن المشروع الديمقراطي الإخواني لا يستند للفكرة الديمقراطية، كمرجعيّة كعقيدة، كفلسفة في الحكم وثقافة في إدارة شؤون المجتمع، فالنظام الديمقراطي، بالنسبة لهم، مجرّد أسلوب أو إطار للعملية السياسية، هذا القول ليس تجنيا على الحركة أو محاولة للنيل من قناعاتها الديمقراطية، هذا ما ورد في أدبيات مؤتمرها الأخير للحركة «فليس في الإسلام عند التأمل في تعاليمه ومقاصده وتجربة تطبيقه ما يمنع الترتيبات التي جاء بها النظام الديمقراطي».

نكتشف، إذن، أن موقف الحركة من المشروع الديمقراطي، في الواقع، موقف ذرائعي، هو مشروع مؤقت، يعبّد الطريق ويهئ الأرضية لمشروع دولة الإسلام السياسي، نشدّد على هذه «المقولة» لأن نظام الخلافة الراشدة وهي الصيغة المثلى، برأي البعض، للدولة الإسلامية هي، في الواقع، حالة عرضية إذ سرعان ما فشل هذا النظام و «تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض» على حدّ تعبير العلامة ابن خلدون.

الدولة الدينية، إذن، هو المشروع الأصلي للنهضة، ولسائر الحركات الإخوانية ستسعى إلى إحلاله تدريجيا، عبر تغيير وضع موازين القوى على الصعد الوطنية والإقلمية والدولية، هذا ما أسرّ به راشد الغنوشي لشيوخ التيار السلفي، في الفيديو الذائع الصيت «تطبيق الشريعة أمر مؤجل، تأويل الدستور يتيح لنا ذلك والقضية هي قضية ميزان قوى.

ما يتضح من كل هذا هو أن «المشروع الديمقراطي للنهضة «ليس سوى وسيلة للبلوغ إلى المشروع الثاني والذي يتناقض من حيث مرجعيته ومناهجه وأهدافه عن المشروع الديمقراطي. مرّة أخرى تسعفنا أدبيات المؤتمر التاسع بالحجج التي تؤكّد صدقية ما تذهب إليه «المرجعية الإسلامية تعدّ الإطار الفكري الذي يحكم سياق المواقف والمسالك والآراء داخلنا، ويعني الالتزام بهذه المرجعية الانطلاق من منظومة التصوّرات والأصول الإسلامية
والبحث في كل مسألة عن حكم نابع منها سواء ما كان ينصّ أو وفق اجتهادات متعدّدة». هذا الفهم للمرجعية ليس مستمدّا من الأدبيات القديمة للحركة وإنّما ورد في مشروع لائحة من لوائح مؤتمرها الأخير.ولسنا بحاجة للتأكيد على أن الحركة بهذا التعريف لمرجعيتها وهذا التحديد لما يعنيه الالتزام بها تفصح، دون لبس، عن هويتها وعن طبيعة الدولة التي تروم بناءها والتي تبدو، وبكل المقاييس، نقيضا للدولة الديمقراطية.

إن غياب مفاهيم الوطن والعقيدة الوطنية والوحدة الوطنية والدولة الوطنيّة في فكر تيار الإخوان واستبداله بفكرة ضبابية وغائبة عن الأمّة الإسلامية ودولة الخلافة كان خلف سياسات النهضة في التعاطي مع قضيّة الأمن القومي، إذ لا يمكن تفسير الأخطار التي شكلتها تلك السياسات على الوحدة الوطنية وبالتالي على الأمن القومي «واستفحال ظاهرة الإرهاب»، إحدى منجزاتها الباهرة، إلا بغياب العقيدة الوطنية وتغليب مصالح الجماعة على مصالح الوطن.
استهداف الوحدة الوطنية

دأب خطاب زعماء حركة النهضة، فائدة الائتلاف الحاكم على تقسيم المجتمع إلى إسلاميين وعلمانيين كما أشاد، وفي أكثر من مناسبة، بنموذج الحكم التونسي الذي نجح في التأليف بين أحزاب ذات مرجعيات مختلفة وكان بذلك أسيرة أسوة للعالم العربي والإسلامي.
لكن ما تجهله النهضة أو تتجاهله هو أن تقسيم المجتمع والنخبة الحاكمة انطلاقا من المرجعية الفكرية للأحزاب السياسية، هو عين البدعة في البلدان الديمقراطية، بل هو نسف لمقومات «الفكرة الديمقراطية» وفي مقدّمتها مفهومي المواطنة والعقد الاجتماعي ومضامين مقولة المساواة وفكرة الحريّة.يبقي أن نستحضر ما ورد في «ميثاق حقوق الإنسان والمواطن رائعة الثورة الفرنسية وإنجيل النظام الديمقراطي الحديث» لنتأكّد من هذه الحقيقة.

يعني ذلك أنّ الخلافات العقدية واختلاف المرجعيات الفكرية والسياسية للأفراد والجماعات لا يمكن أن تتخذ معيارا لتجزئة المجتمع ولإسقاط مقولة «التدافع الاجتماعي» على واقعنا، فأساسات النظام الديمقراطي براء من كل هذا، ومن يصرّ على تقسيم المجتمع على هذه فإمّا أن يكون جاهلا بحقيقة الفكرة الديمقراطية أو ساعيا، ومن خلال التستر بها، إلى تخريبها وضرب مقوماتها لإحلال الرؤية الدينية في تقسيم المجتمع إلى مؤمنين وكافرين بديات عنها.

تقول حركة النهضة أنها لا تحتكر الإسلام ولا تتحدّث باسمه لكن زلات لسان بعض قيادييها والإشارات في بعض الأحيان لمشروعها المؤجّل وخطابات دعاتها أكّدت، وفي أكثر من مناسبة، أن النهضة تعتقد أنها تمثل الإسلام من يناصرها ناصر للإسلام ومن يعاديها عاد الإسلام، هذا ما فسره الدّاعية الوهابي البشير بن حسين خلال مشاركته في المظاهرة التي نظمتها النهضة لمعارضة «مبادرة الجبالي» جئنا لنصرة الإسلام، القيادي في النهضة .
يتضح، إذن، أن الخلفيات الإيديولوجية لهذا التقسيم وأبعاده السياسية تقوّض من خلال تقسيم التخب ومن ورائها بالتالي الشعب إلى فئتين، فئة الإسلاميين وفئة العلمانيين، مقومات الاستقرار السياسي والاجتماعي وتؤسس لضرب الوحدة الوطنية.

لكن الأخطر من هذا، هي الفتاوى والأفكارالتي يحشو بها السلفيون، على اختلاف نحلهم، عقول الشباب الذين يصدرونهم «للجهاد» في سوريا، يدعون هؤلاء الشبان لمساندة الشعب السوري في ثورته ضدّ نظام استبدادي وفاسد، إلى الجهاد ضدّ بشار العلماني، والعلماني لا تعني لدى هؤلاء «الدعاة» سوى الكفر، يوهمون هؤلاء الشبان الأبرياء بأنهم يجاهدون في سبيل الله ويطلبون السعادة لتحرير بلاد الشام من هذه الطغمة الكافرة.
هذا التشخيص لهوية نظام الأسد والذي تتماهي فيه العلمانية والكفر، وفهم الجهاد بأنه غنيمة في الدنيا وفوز بالجنّة في الآخرة، هو ما شرحه، أبو زيد العائد من سوريا في الحوار التلفزي الذي أجرته معه مؤخرا قناة التونسية، فعندما سئل إذا فاز العلمانيون بالحكم في تونس فهل ستجاهدهم ؟ أجاب ودون تردّد نعم.

نلاحظ، إذن، أن الخطاب السياسي للحزب الحاكم الذي كرّس هذا التقسيم، كان، في الواقع، الأرضيّة التي استند عليها الخطاب الديني ليزرع بذور الفتنة عبر تقسيم النخب السياسية، والمجتمع عموما إلى «ملتين» ملّة الكفر وملّة الإيمان.

زرع بذور الفتنة

خطر هذا الخطاب الدعوي الذي أسّس له الخطاب السياسي للنهضة لعب، دورا محدّدا، بصفة مرئيّة وغير مرئيّة، وعن قصد أو دون قصد، في زرع بذور الفتنة، وازدهار التيار السلفي وتزكية الفكر التكفيري، وتشريع العنف السياسي ضدّ السياسيين انطلاقا من المقولة الشهيرة «أمّة الكفر واحدة».

ساعد هذا الخطاب، ذي الخلفيات الذينية، من جهة أخرى، على تعميم فكرة التقسيم على مؤسسات المجتمع المدني، وعلى هذا الأساس، نقابات العمال والأعراف والطلاب والمنظمات المهنيّة والحقوقيّة.

أسس هذا الخطاب التقسيمي، أخيرا، لسياسة أخونة الدولة ولتحقيق هذا الهدف، الذي يتراءى خلف خطاب ديمقراطي وثوري مضلل، ركّزت النهضة جهودها للهيمنة على مفاصل الدولة، على الأمن والقضاء، والإعلام والإدارة ومؤسسات القطاع العام عبر زرع نشطائها وأنصارها في مختلف المؤسسات لقد كان حصاد هذه السياسة غنما وفيرا.

فقد نجحت النهضة وإلى حدّ بعيد، في تحقيق عديد المكاسب ومن أبرز عناوينها:
• وضع اليد على المؤسسة الأمنية
• وضع اليد علي المؤسّسة القضائية
• التغلغل في مفاصل الإدارة المركزية والهيمنة المطلقة على السلط الجهويّة والمحليّة
• إرباك المؤسّسة العسكرية
• توفير الغطاء السياسي والقانوني والأمني لرابطات حماية الثورة، الذراع البدنية للحركة، والاستماتة في رفض حلّها.
• تشكيل تحالف موضوعي واستراتيجي بين مختلف مكونات «الجبهة الإسلامية، بما في ذلك السلفية الجهاديّة الذي لا يزال الحزب الحاكم برفض، حتى الأن، تصنيفها تنظيما ارهابيا.
هذه النجاحات التي حققتها حكومة النهضة، في مسار التمكين للمشروع الإسلام السياسي وإرساء أساسات الدولة النهضويّة، لم تمرّ بسلام، لقد كانت لها، في المقابل، نتائج على الواقع الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالبلاد، يمكن أن نختزلها في النقاط التالية:
• استشراء العنف السياسي واستفحال ظاهرة الإرهاب، نتيجة إرباك المؤسسة الأمنية والعسكرية وتدجين القضاء.

• فشل في إدارة شؤون الدولة والمجتمع يبدو، بوضوح، في تراجع جلّ المؤشرات الاقتصادية وتدهور مستوى المعيشة، لم يلمس التونسيون، وهذا ما يردّدونه صباح مساء ، أيّة جهود حقيقية لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، لم يشعروا أن الحكومة تسعى حقّا لتحقيق أهداف الثورة التي اختزلها شعار»شغل، حريّة، كرامة وطنيةص.
• إقصاء الكفاءات والخبرات لزرع أبناء العشيرة والأهل والأنصار والحلفاء والموالين في مؤسسات الدولة لضمان ولائها وتبعيتها «للجماعة» لعب دورا محدّدا في سوء أداء الإدارة وتدهور خدمات الدولة.

دولة بلا شعب

لكن على الرغم من الفشل الذريع الذي منيت به سياسات حكومة النهضة، وعلى كل الأصعدة وخاصة في المجال الأمني. فقد أبى العريض الإقرار بالفشل، لقد كان اغتيال الحاج محمد البراهمي مقتل جنودنا البواسل غيلة في الشعانبي، كافيان بمفردهما لحمل الحكومة على الاعتراف بفشل سياستها الأمنية وإخفاقها في مكافحة ظاهرة الإرهاب، وعلى تقديم استقالتها بكل أريحيّة، لكنها أصرّت على البقاء في الحكم ورفضت، حتى الآن، إقامة شراكة حقيقية مع المعارضة والمجتمع المدني لإنقاذ البلاد وتأمين مسار الانتقال الديمقراطي. فكانت الأزمة المتواصلة التي تشهدها البلاد منذ اغتيال الحاج البراهمي والتي انفجرت، أخيرا، والحمد لله.

خارطة طريق الرباعي التي صادق عليها 21 حزبا من أحزاب المجلس الوطني من بينها حزبان من أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم، تحظى، في الواقع، بمساندة القوى الحيّة بالبلاد من عمال وأصحاب أعمال ومحامين وحقوقيين كما تحظى بمساندة قطاع من الجامعيين والإعلاميين والمثقفين والمبدعين، تحظى أخيرا بمساندة قطاع واسع من الرأي العام، الجميع يرى فيها قارب النجاة، يأمل أن تنقذ ما يمكن إنقاذه وفي أسوأ الحالات تتفادى الأسوأ.
شركاءنا الاستراتيجيين، من بيدهم الحلّ والعقد في شأننا الاقتصادي واحتياجاتنا الأمنية، يدفعون بدورهم وفي اتجاه التوافق الوطني وحلّ الأزمة ويرهنون مساعداتهم بتوضيح الرؤية السياسية وتحسين الوضع الأمني.

إنّ حقائق الواقع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي تدفع الحكومة إلى الاستقالة، لكن مع الأسف فعلي العريض لم يقدم على هذا القرار، رغم أنّ المسؤولية الوطنية والمصلحة العليا للبلاد، والتي ما انفكّ يردّد أنها نبراس سياسة حكومته، تدفعانه دفعا لذلك، قد ماطل وناور وبذل وصحبه المستحيل ولا يزالون لإجهاض الحوار الوطني وللابقاء على حكومة، وأضحى عموم الشعب وقواه الحيّة ترفض سياساتها وتحملها مسؤولية تردّي الوضع
بات عموم التونسيين من مختلف الأجيال والفيئات، وعلى اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية يصيحون صوت واحد «تونس باش تضيع من أيدينا يا ناس»، غادرهم الأمل، باتوا لا يشعرون بالأمن ويخشون من المستقبل.

سيدي الوزير تأمل هذه اللوحة:

الأمنيون ينتفضون ضدّ سياستكم الأمنية وتفانيكم في تحزيب مؤسستهم، مطالبين بحياد المؤسسة وبناء أمن جمهوري.
قضاة غاضبون من سياسة حكومتكم الممنهجة، لضرب استقلالية القضاء، وتوظيفه لخدمة أجندة حزبكم العتيد
رجال أعمال يصرخون من سياسة القهر والابتزاز وعطالة الإدارة ونقص الخبرة وسوء التدبير التي أدّت إلى تدهور الوضع الاقتصادي وعطلت عجلة الاقتصاد.
عمال وعموم الناس من كل الفئات والطبقات يشتكون من غلاء المعيشة ويصيحون «العيشة نار ومسمار».
كفاءات إدارية محبطة من المحسوبية والمحاباة والتسميات على أساس الانتماء الحزبي والولاء السياسي.
إعلاميون ومبدعون يقاومون سياسات تدجين الإعلام وتضييق الحريات.
حقوقيون ينبهون من إرهاصات عودة الاستبداد

هذه بعض ملامح اللوحة، سيدي الوزير، صحيح أنكم مسكتم بتلابيب الدولة ومفاصل الجهاز ونجحتم، وإلى حدّ كبير، في أن تكون الدولة دولة الجماعة وليست دولة كل التونسيين لكن ألا تشعرون أن دولتكم باتت دولة بلا شعـب ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire