·ماذا يريد الوطد الموحد
كنت تعرضت منذ ما قبل اندلاع الصراع داخل الجبهة الشعبية في مقال لي على صفحات التواصل الاجتماعي لمسالة الخطوط المتصارعة صلبها وهو صراع طبيعي بمعنى ما باعتبار تعدد المشارب الفكرية والسياسية للمكونات واكدت على خطورة النزعات اليمينية التي لا يخلو منها مكون من مكونات الجبهة واشرت الى بعض تمظهراتها من خلال سلوكات ومواقف الرفيق المنجي الرحوي.
ودعوت في الوضوح الى التصدي لها ومقاومتها حفاظا على الخط الثوري للجبهة وعلى هويتها باعتبارها جسم مستقل عن منظومة الحكم الحالية.
ومع احتداد الازمة كانت لي مساهمات اخرى الهدف منها كشف حقيقة الصراع/الخلاف الذي اراد الرفاق في الموحد تسويقه على انه صراع مواقع ويتعلق بالتسيير الديمقراطي والتداول على المسؤوليات صلب الجبهة الى حد انهم دافعوا عن "انتخابات قاعدية " في الجهات كرد على حسم اغلبية اعضاء مجلس الامناء لصالح ترشيح الرفيق حمة الهمامي للرئاسية,
وهم يدركون قبل غيرهم انها غير ممكنة عمليا.والحال انه صراع/حول تصورين متناقضين للجبهة الشعبية الاول يميني اصلاحي يخطط لربط الجبهة بالقوى الليبرالية الحداثية وهو تواصل لتجربة جبهة الانقاذ التي يريد الرفاق في الموحد اعتمادها كقاعدة دائمة للعمل المشترك واعتبار حركة النهضة والقوى الاسلامية العدو الرئيسي الواجب مواجهته على نطاق واسع.
وهو موقف ينفي جوهر التناقض مع منظومة الحكم المتمثل في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يعتمدها الائتلاف الحاكم بتشكيليه الحداثي والاصولي وهي خيارات لاوطنية ولاشعبية ساهمت في تدمير حياة الاغلبية وفي زرع الفقر والتهميش على نطاق واسع وفي دهورة الخدمات الاساسية للاغلبية الساحقة.
لكنها في المقابل ساهمت في تكديس الثروات الطائلة لدى حفنة من كبار السماسرة الذين يملكون اكثر من نصف الناتج الداخلي المحلي.
اما التصور الثاني وهو الذي تاسست على قاعدته الجبهة الشعبية ويتمثل في اعتبار الجبهة الشعبية جبهة ثورية مستقلة عن المنظومة الليبرالية وتعمل من خارجها من اجل احداث تغييرات جذرية في حياة التونسيين والتونسيات مع توخي تكتيكات تراكم لاجل هذا الهدف وتخدمه.
ولئن انحصر الدفاع في البداية ولفترة زمنية محددة عن الخط اليميني في اقلية من مناضلي الوطد الموحد فانه مع بداية النقاشات صلب المجلس المركزي ومجلس امنائها اصبح خيارا حزبيا تدافع عنه اغلبية القيادة بما في ذلك الامين العام الرفيق زياد لخضر والرجل الثاني في الحزب الرفيق محمد جمور وكل الذين تداولوا على الحضور في الاجتماعات المذكورة.وصفحات التواصل الاجتماعي تؤكد هذا التطور.
الصراع يمر الى مرحلة كسر العظام
اوضحت في احدى مقالاتي ان الوطد الموحد ضبط خطتين في صراعه مع الاغلبية داخل الجبهة.الاول يتمثل في السيطرة على الجبهة والذهاب بها نحو اليمين بكل مكوناتها ومن هذه الزاوية يدافع رفاقنا عن وحدة الجبهة اي جبهة موحدة على قياسهم.ولما فشل هذا المخطط انتقلوا الى المخطط الثاني المتمثل في هدم الصرح الجبهاوي على رؤوس الجميع وتفتيت المشروع والقضاء عليه قبل مغادرته.
واعتقد ان ما كتبه الرفيق مصطفى الجويلي اخيرا.هذا الخبير الاقتصادي والمالي الذي ساهم لفترة طويلة في فضح حقيقة المشروع الاقتصادي والاجتماعي للائتلاف الحاكم والاسلوب التبريري الذي اعتمده ليقنعنا بان المعركة صلب الجبهة معركة مواقع اي حول الرئاسية والقيادة وما الى ذلك.
وكنت رددت على الرفيق واعتبرت موقفه آخر مسمار يدق في نعش الوطد الموحد الذي انساقت قيادته بالجملة وراء النزعة اليمينية التي نشات في البداية لدى نفر من مناضليه دون سواهم.
لكن الموحد وامام تمسك بعض قواعده بالبقاء صلب الجبهة على اعتبار انها جبهة الشهيد شكري بلعيد وانه اغتيل بسبب المشروع الوطني الديمقراطي الاجتماعي,توخى تكتيكا مزدوجا ومخاتلا يتمثل في الدفاع عن الجبهة موحدة في الظاهر وفي اغتيالها ودفنها في الحقيقة.
ونحن نتساءل كيف يتمسك الوطد الموحد بالجبهة موحدة ويدفع في نفس الوقت نوابه بمن فيهم امينه العام للاستقالة من كتلتها البرلمانية وطلب بعث اخرى اقل وزنا وحضورا في اللجان .ثم كيف يتمسك الرفاق في الموحد بجبهة موحدة وفي نفس الوقت يقدمون مطلب تشكيل ائتلاف انتخابي بحزبين من مجموعة 9 احزاب تحت مسمى الجبهة الشعبية.
كيف يمرون الى تشكيل جبهة بفصيلين ويتركون الاغلبية خارجها.اضافة الى ان تقديم مطلب ائتلاف انتخابي باسم الجبهة زاد في تعرية حقيقة نظرتهم لها اي اعتبارها جبهة انتخابية لا سياسية.
وامام افتضاح الخطة وانسداد الآفاق شن الرفاق في الموحد حملة شعواء ضد الاغلبية المتمسكة بالجبهة وهددوا الناطق الرسمي بالمتابعة القضائية وادعوا زورا وبهتانا انه قام " خلسة " وبعيد اغتيال الشهيد ( محاولة اعتباطية للربط بين الحدثين) بتسجيل الجبهة باسمه في معهد الملكية الفكرية والصناعية واعتبر الرفيق مصطفى الجويلي ان الاغلبية والرفيق حمة الهمامي تحديدا يتعاملون مع الجبهة ك "علامة تجارية" او "شركة " وهو عين الابتذال
والانحدار السياسي.
لكن لم تمر سويعات حتى فند الامناء العامون للجبهة وبعض ممثليها وآخرهم الرفيق رياض بن فضل المنسق العام لحزب القطب عبر قناة الحوار التونسي مزاعم قيادات الموحد وفي مقدمتهم الرفيق الامين العام زياد لخضر الذي كذب واطنب في ذلك ليس فقط امام الراي العام الجبهوي لكن ايضا امام قواعد الوطد الموحد واعتقد ان العديد منهم قلقون ازاء هذه المفارقات.
اي مستقبل للجبهة الشعبية
مثلت الندوة الصحفية التي اثثتها الاغلبية المتمسكة بالجبهة الشعبية يوم الاربعاء 19 جوان الجاري منعرجا حاسما اكد من خلالها الناطق الرسمي الرفيق حمة الهمامي ان مرحلة قديمة انتهت لتدخل الجبهة الشعبية طورا جديدا من النشاط والبناء اطلق عليه صفة الجبهة الشعبية في نسختها الرابعة.
وهي نسخة/مرحلة جديدة باعتبار الاطراف المغادرة وباعتبار الاستعدادات الحقيقية للانطلاق والنهوض في كنف الانسجام والوحدة والعمل الميداني المكثف لتجاوز حالات التراجع والوهن والتعطل التي اصابت الجسم الجبهوي منذ2014 الى اليوم وهي فترة قاتمة في مسيرة الجبهة عنوانها التآكل من الداخل والصراعات اللامبدئية باساليب لا تليق باليساريين والتقدميين.
صراعات حاولت الاغلبية تجاوزها بالصمت ومحاولات راب الصدع والحفاظ على "وحدة الجبهة"وفشلت في ذلك.لكنها في الحقيقة وحدة مغشوشة لا علاقة لها بالوحدة المناضلة التي يمكن ان تتقدم بالجبهة على طريق الانغراس ومزيد الفعل في الواقع والمراكمة على طريق تغيير موازين القوى المختلة لصالح الرجعية الحاكمة.
ان الظروف الموضوعية كانت مواتية لنجاح الجبهة لكن الصراعات والنزعات اليمينية المعطلة لعبت دورا هاما في التلجيم والتعطيل والتهميش حتى خلنا في بعض الفترات ان هناك ارادة واعية للتعطيل والتهميش للاقناع بان القيادة التي اختزلوها في شخص الناطق الرسمي دون سواه فاشلة وان الخط الثوري بما يحمله من "سكتارية" و"جمود عقائدي" و"تصلب"(هكذا ادعى رفاقنا في الوطد الموحد ) هو سبب ازمة الجبهة وتراجعها.
والحل او لنقل حل الحلول من وجهة نظر الرفاق هو الانقلاب على الخط الثوري وازاحة "القائد الاوحد"و "الزعيم الابدي الصالح لكل زمان ومكان" على حد وصف الرفاق في الموحد للرفيق حمة الهمامي.
الجبهة الشعبية تنتهي في نسختها الثالثة لتنطلق في نسخة جديدة بكثير من التفاؤل وبروح وعزيمة جديدتين وما التقدم على مستوى تشكيل تنسيقية شباب الجبهة وقريبا تنسيقية النساء الجبهويات والاجتماعات الموسعة الاولى الناجحة في ولايات تونس الكبرى بعد طول غياب الا مؤشرات ايجابية على هذا النجاح المرتقب الذي قد يستفز الرفاق في الموحد وفي اليسار العمالي ولو جزئيا ويقنعهم بالالتحاق لمواصلة المشوار المشترك من اجل اعلاء راية الجبهة الشعبية وهذا ليس بالمستحيل.وتجربة الجبهة اكدت بلا منازع هذه الامكانية.
عاشت الجبهة الشعبية,جبهة الشهداء
الى العمل الجاد.
Ali Baazaoui
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire