Tunisiens Libres: تونس تعاني من هدر حكّامها لثرواتها

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

mercredi 25 mai 2016

تونس تعاني من هدر حكّامها لثرواتها




تونس تعاني من هدر حكّامها لثرواتها




ثروات تونس الطبيعية ! .. تاريخ من النهب.. وآخر من الاحتيال (فصل من كتاب المعادلة التونسية: كيف نصنع المستقبل؟ للصافي سعيد)
9 octobre 2014, 14:45...


إن تونس لا تعاني من ندرة ثرواتها الطبيعية (كما هي أغلب الدول الفقيرة الإقريقية أرض ثرية و شعوب فقيرة) وإنما هي تعاني من عجز الحكّام في التحكم في المتاح لديها من هذه الثروات.. لقد ظل هذا الملف مغلقا وشبه أبكم وكل من يقترب منه لا يجد غير المراوغات وخداع الشركات المشبوهة..


فمنذ الإستقلال وحتى الآن لم نقف على الأرقام الحقيقية لتلك الثروات التي تم استغلالها والتي لا تزال في طور الاكتشاف ولا على حجمها ولا حتى على تنوعها أو مواقع تواجدها.. فالخرائط غير متوفرة والمواقع غير محددة ومستوى البحث والتنقيب ضعيف وبطيء وقانون الصمت هو سيّد الموقف.


فقد كشفت مناقشات المجلس التأسيسي الأخيرة مدى الفساد الذي ينخر هذا القطاع ومدى الغموض الذي يلفه ومدى التواطؤ بين الإدارة التونسية والشركات الأجنبية وكذلك مدى الغبن الذي لحق ولازال يلحق بالثروات الطبيعية التونسية..


إن الدولة التونسية لا تبدو فقط عاجزة عن استغلال مواردها، بل هي عاجزة على حماية تلك الموارد من النهب أو السرقة أو التلاعب بها. وبالتالي، فهي ليست متخلفة فقط لأنها غير قادرة على استغلال ثرواتها، بل هي فاقدة للسيادة لأنها عاجزة عن حمايتها وحماية مستقبل أجيالها (مواطنيها).


...... *** *** ***
ليس لدى من يتحدث عن ثروات تونس الباطنية بصوت عال أي مسح جيولوجي ولا أية خارطة محددة لمواقع تلك الثروات. وحتى أعضاء المجلس التأسيسي لم يعطوا أية براهين واضحة على وجود وحجم تلك الثروات.


وعلى أية حال إذا كانت ثروات تونس الباطنية لا نعرف خرائطها ومواقعها ومعدنها وأحجامها إلا بقسط ضئيل، فإن ثروات تونس السطحية (على سطح الأرض) تبدو ظاهرة للعيان مثل الفوسفاط وشمس الصحراء والملح والآثار التاريخية والبحر....


تعتبر تونس سادس منتج للفوسفاط في العالم (8 مليون طن سنويا).

وتبيع سنويا بما قيمته نحو ملياري دولار، غير أن تلك المبيعات قد انخفضت إلى أكثر من النصف ما بين 2011 و2012. ويعتبر قطاع الفوسفاط المورد الأول للعملات الصعبة والمشغل الأول لليد العاملة فيما يتعلق بالقطاعات المنجمية (ما بين 13 و15 ألف)، غير أن هذه الثروة الكبيرة كثيرا ما تعرضت للهدر والفساد وكثرة الإضرابات الأمر الذي جعلها باستمرار بؤرة للخصومات واللا استقرار والانتفاضات.


لم تعرف حكومات ما بعد الثروة كيف تضع حلولا عادلة لتلك الإشكالات ولا برنامج إصلاح وتأهيل وإعادة اعتبار لتلك الثروة. فأسعار المبيعات التونسية لاتزال متدنية بالمقارنة مع مثيلاتها في المغرب أو الأردن.


وعقود المبيعات معتم عليها بعناية، وهي لا تعقد في أغلبها مباشرة مع الحكومة أو الشركة المنتجة الأم وإنما عبر وسطاء آخرين.

كما أن أسواق هذه المبيعات غير مؤمنة لا عن طريق الالتزام الثنائي ولا حتى بالنسبة لتدفق المنتجات. بالإضافة إلى ذلك فإن ما تجمعه الحكومة التونسية من مبيعات قد لا يفي في بعض السنوات بتغطية كلفة الإنتاج والاستخراج.


إن الفوسفاط ثروة ولكنه لا يزال بعد أكثر من قرن ثروة مهملة وغير مكيفة مع الأسواق العالمية وغير مؤهلة للتطور في ظل عجز الحكومة وغضب الأهالي والمنتجين.

ولو قارنا حجم المبيعات بكلفة الإنتاج (آلات + عمال + بيئة) لوجدنا أن قطاع الفوسفاط قد تحول إلى عبء على كل طرف وخاصة على الحكومة. ومن أجل أن يصبح هذا القطاع أكثر مردودية لا بد لأية حكومة أن تتصدى لكل المشاكل وتتخذ القرارات الأكثر جرأة للدفع بهذا القطاع المنجمي..


إن مخزون الثروة سيظل متدفقا على نفس الوتيرة لأكثر من قرن آخر حسب الاستطلاعات والاستقراءات الحالية، كما أن اكتشافات أخرى قد بدأت تتأكد في أقاليم أخرى من الجمهورية بالإضافة إلى أن حاجة السوق الدولية ما انفكت تتزايد للفوسفاط. وعليه فإنه من الممكن للحكومة التونسية أن تضاعف من مبيعاتها وإنتاجها وتعدل من أسعارها وتبعد كل الوسطاء والطفيليين عن أسواقها.


وهذا كله من شأنه أن يجلب للخزينة التونسية ضعف ما تحصل عليه الآن.. وسوف يظل قطاع الفوسفاط واعدا إذا ما اختارت الحكومة التونسية الشفافية وإعادة التأهيل وإدماج كل المنتجين في برنامج تنموي كبير تعود فوائده على الجميع وفي مقدمتهم أهالي المنطقة. أما إذا استمر التلكؤ والتعتيم والتجاهل، فإنه من المحتمل أن تتحول تلك الثروة إلى نكبة على الحكومة وسكان المنطقة والبيئة. إن أية ثروة قد تتحول إلى مصدر لإنتاج الخصومات والعنف إذا لم تجد من يحصنها ويرفع من قيمتها ويحولها إلى مصدر للرفاه.


وتبرز المفارقة هنا في أن أكثر الأقاليم حرمانا وتخلفا هي الأقاليم الأكثر ثراء من حيث الموارد الطبيعية. فمناجم الفوسفاط ومناجم الملح والغاز والنفط وكذلك الشموس والرياح لتوليد الطاقة النظيفة كلها تقع في الأقاليم الجنوبية من الأراضي التونسية الأكثر حاجة وحرمانا.


وتشير آخر التقارير العلمية الصادرة عن مراكز البحث الأوروبية أن الصحراء التونسية (ثلث المساحة العامة) تعتبر من أفضل المواقع لإنتاج الطاقة الشمسية خاصة لقربها من أوروبا. وقد تعاقدت الجزائر في العام 2010 مع ألمانيا لإنتاج مثل هذه الطاقة بدءا من العام 2015، غير أن تونس لم تهتم بتلك الطاقة المهملة.


رغم أن عراقيل كثيرة قد اعترضت المشروع الألماني/الجزائري (إذ تراجعت الجزائر بسبب التقدير في الأسعار) إلا أن تونس لم تتحرك لاستكشاف آفاق ذلك المخزون الاستراتيجي.


إن شمس الصحراء التونسية بإمكانها أن تستطع على أوروبا على نحو دائم لتوفر للخزينة التونسية مداخيل خيالية تقدر بأكثر من 20 مليار في السنوات العشر الأولى ثم ترتفع إلى نحو 50 مليار دولار في كل عشر سنوات. وهذه المبالغ تعادل مداخيل الفوسفاط والنفط والغاز والحديد مجتمعة بالأسعار الحالية.


إن إنتاج الطاقة النظيفة والدائمة هي مستقبل الشعوب. ولكي نحتل مكانتنا اللائقة في هذه السوق الجديدة والناشئة لابد أن نهيئ التصورات والمشاريع والخطط والبرامج لجعل تونس مصدرا متقدما في إنتاج هذه الطاقة النظيفة.. إن مثل هذه المشاريع الكبرى والمستقبلية تحتاج إلى تكنولوجيات عالية واستثمارات ضخمة، لذلك فإن مبدأ التشارك لابد أن يكون جاهزا من الآن.


فالصحراء التونسية المحاذية للصحراء الليبية والجزائرية قد تكون مدخلا جديدا للتعاون والشراكة والاندماج الإقليمي. فإذا ما أضاعت هذه الدول الثلاثة فرص الشراكة والتعاون في القرن العشرين، فإن ليس من حقها ولا من حق شعوبها عليها أن تبدد القرن الحادي والعشرين في التجاهل والنكران والخصومات. إن الطاقة المتجددة قد تقوم بتجديد خلايا هذا الجسم الجغرافي الكبير القريب من أوروبا، والذي بات على نحو كبير من الإغراء لاحتوائه على عصير الطاقة الذي لا ينضب.


وإلى جانب الفوسفاط والمياه الجوفية والطاقة الشمسية، ثمة مخزون من الملح يحتاج إلى إعادة تشريع وتشريح. إن تونس تعتبر مصدرا كبيرا لإنتاج ما يطلق عليه "بالذهب الأبيض". فالملح موجود وبكثرة في الشمال والوسط والجنوب الشرقي والغربي. وهو مادة مطلوبة في الأسواق العالمية لاستعمالها في الطعام والأدوية وإذابة الثلوج وبعض الصناعات الأخرى.


وقد تبالغ بعض الدراسات في قيمة هذه المادة التي ما انفكت تتراجع بسبب كثرتها في مناطق عديدة من العالم. ولكن المخزون التونسي القريب من أوروبا والذي يعتبر من المواد الإستراتيجية لايزال غير مؤمم حسب كراسات الشروط والتشريعات التي تعود إلى ما قبل الإستقلال.


فالشركات المستغلة لهذه المادة، أجنبية ولا تملك الدولة التونسية فيها الحصة الكافية لجعلها صاحبة السيادة. وبمقتضى اتفاقية تعود إلى العام 1949 لاتزال الشركات الفرنسية صاحبة اليد الطولى على مناجم الذهب الأبيض. وحسب تقديرات الخبراء (ومن بينهم مسؤولون حكوميون) فإن الحكومة التونسية تخسر ومنذ عقود ما قيمته 700 مليون دولار سنويا (ثلث مداخيل الفوسفاط).


وتعتبر الشركة العامة للملاحات التونسية المتهم الأساسي في نهب هذه الثروة إذ تتستر على هذا الملف بالاشتراك مع شركات أجنبية مثل "كوتزال" الفرنسية منذ الإدارة الاستعمارية. و"تونسيال" التي يملكها شريكان (إيطالي ونرويجي).


وتعمل هذه الشركات في مناطق كثيرة قرب البحر والسباخ وبن قردان وشط الجريد. وهي مختصة في الإنتاج والتعليب والتسويق الغذائي والصناعي والبيئي (تشتري أوروبا سنويا ما يعادل 40 مليون كيس من فضلات الملح لتذويب الثلوج. ويبلغ سعر الكيس الواحد نحو 16 دولار – أي نحو 650 مليون دولار).


ورغم أن المسؤولين في شركة كوتزال يتكتمون على أرقام الإنتاج والمعاملات وينفون تلك الأهمية المبالغ فيها لهذه المادة ويقولون أن الملح موجود بكثرة في العالم، إلا أنهم لا ينفون استحواذ الشركات الأجنبية على هذه الثروة الوطنية.


كما تعترف الحكومة التونسية بضرورة تحيين كراسات الشروط لإنتاج هذه المادة تحت السيطرة الوطنية. وسواء تمت المبالغة في تقدير هذه المادة وحجمها أو لم تتم، فإن سبب كل ذلك هو الغموض والتكتم الذي ينسحب على قطاعات أخرى مثل النفط والغاز.


*** *** ***


من الصعب الاعتماد على بيانات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. ولو صدقنا رقم الإنتاج اليومي الذي يظهر في مواقع الانترنت، فإن ذلك يدفعنا إلى التساؤل: كم تبلغ مبيعات تونس يوميا بحساب البراميل المنتجة (95 ألف برميل يوميا)؟


في أقل التقديرات بأسعار العام 2012 و2013، فإن هذه المبيعات من المفترض أن تبلغ نحو 3 مليار ونصف المليار دولار في أقل التقديرات (حوالي 5 مليار دينار) غير أن البنك المركزي لا يعترف أبدا بمثل تلك الأرقام. هل ثمة مغالطة في حجم الإنتاج؟ هل ثمة تلاعب في الفوترة؟ أم أن النفط التونسي غير مؤمم ويخضع للشركات الأجنبية إنتاجا وتسويقا وتصنيعا؟ (لا يعود للدولة التونسية أكثر من 20% من سعر كل برميل)


إن العقود المبرمة بين الشركات الأجنبية سواء للاستكشاف أو للتنقيب أو للإنتاج لا تعرض أبدا على مجلس النواب سابقا. وحتى العقود المبرمة في السنوات الثلاث الأخيرة لم تعرض ولم تناقش في المجلس التأسيسي. فهي من اختصاص وزارة الصناعة والشركاء الأجانب الذين يفرضون شروطا تصل إلى حدّ عدم الكشف عن محتوى هذه العقود.


وما يمكن أن يلاحظه أي مراقب، ذلك الإصرار على التعتيم والاكتفاء بالإشارة إلى "أن حصص الإنتاج سيتم تقاسمها بين الشركة الأجنبية والمؤسسة التونسية".. فعلى أي أساس يتم تقاسم الحصص؟ وبالتحديد ما هي حصص المؤسسة التونسية من كل عملية إنتاج؟ ولماذا تقبل تونس بمثل هذه المشاركة المغشوشة، وهي تحتاج إلى كل قطرة نفط؟! الأجوبة تكاد تكون غائبة لأن لا أحد ينطق بها.


فقانون الصمت في تونس يبدو ضاربا في القدم ويعود إلى السنوات الأولى من الإستقلال. فقد عاشت تونس إلى حدود العام 92 على مجلة محروقات قديمة لا تحفظ حق التونسيين في ثروتهم. وحين تم تنقيحها خضعت لمزايدات وصراعات خفية لم يكن للحكومة التونسية أية قدرة على مواجهتها لأسباب تتعلق بالفساد والارتباط والخضوع لإرادة الشركات الكبرى.


ويقدر خبراء الطاقة في تونس المخزون الوطني من النفط الخام والقابل للاستخراج حاليا بحوالي 450 مليون برميل. وهذا الرقم قابل للارتفاع ليصل إلى احتياطي مستكشف وقابل للاستخراج يقدر بنحو 600 مليون برميل أي بمعدل 30 مليون برميل سنويا على مدى عقدين (20 عاما) أي وبأسعار اليوم ما يعادل 3 مليارات من الدولارات سنويا.


وهي ضعف فاتورة النفط التونسية سنويا. ولو أن الحكومة التونسية باتت قادرة على امتلاك ثرواتها بلا منازع وبلا شركاء، فإنها ستوفر فاتورة نفطها كاملة مع مداخيل إضافية تصل إلى حدود الملياري دولار سنويا بحساب ارتفاع الأسعار للعقدين المقبلين. (من المحتمل أن يصل سعر برميل النفط إلى حدود 140 دولار كمتوسط للعقد المقبل)


وتأتي تونس حاليا في المرتبة 55 عالميا من حيث الإنتاج بواقع 95 ألف برميل يوميا. وتقوم بهذا الإنتاج نحو ستة شركات عالمية كبرى على رأسها "بريتش بتروليوم" البريطانية، فيما تتوزع حاليا نحو 50 شركة أجنبية للاستكشاف والتنقيب. ويوجد من بين هذه الشركات الكثيرة، شركات صورية تعمل في الوساطة وبيع الحقول في مرحلة الاستكشاف أو عند بدء التنقيب.


كما أن عددا من هذه الشركات غير قادرة أساسًا على الاستثمار الكبير في البحث والتنقيب. ومن هنا غالبا ما تقع مضاربات تذهب بحقوق التونسيين في ثروتهم أو تطمس بعض آبارهم بدعوى أنها غير مربحة ليقع بيعها لاحقا لشركات أخرى كبرى.


ويبدو أن مردّ ذلك كله هو فساد الإدارة التونسية وضعف الإرادة السياسية وعدم الاهتمام بالثروات الوطنية. ورغم ذلك فإن آخر تقارير الأوبيك تشير إلى أنه من المحتمل أن تصبح تونس عضوا من أعضاء الأوبيك (المنظمة المصدرة) بواقع نصف مليون برميل يوميا. (ما يعادل من المبيعات سنويا نحو 18 مليار دولار، أي أقل بقليل من حجم الميزانية الحالية لعام 2014)


إن الهدر الذي ألحق بهذه الثروة الوطنية يعود كله إلى مبدأ نهب الثروات الذي يحكم سياسات الشركات والدول الأجنبية. وفيما استطاعت دول كثيرة أن تقوم بتأميم وتحصين ثرواتها. وقد خاضت حروبا وصراعات شرسة من أجل استرداد حقوقها، استسلمت تونس للنهب المنظم تحت قانون الخوف تارة وتحت قانون الابتزاز تارة أخرى. ولم يعد خافيا اليوم ما مدى نفوذ شركة مثل شركة "بريتش بتروليوم" التي تعمل في تونس (في حقول النفط والغاز) منذ نحو 35 عاما.


وقد فاحت بعض الفضائح مؤخرا حين تحدثت بعض التقارير عن منح هذه الشركات مساعدات مالية لرجال سياسيين جدد في تونس بعد الثورة، وذلك حفاظا على العلاقات الخاصة التي تربطها بتونس. ولايزال من الصعب تأكيد مثل تلك التقارير، ولكن أعضاء من المجلس التأسيسي قد أثاروا الشبهات حول تلك الشركة.


ولا شك أن شركات أخرى مثل توتال الفرنسية وشال الهولندية واينا الإيطالية تشارك في صناعة – الفقر والفساد – في تونس، ولكن ثورة لاسترجاع تلك الثروة الوطنية تحتاج إلى إرادة سياسية لاتزال غير متوفرة. فالاتهامات الأخيرة قد طالت حتى رئيس الوزراء الجديد مهدي جمعة الذي حشر إسمه في صفقات مشبوهة مع شركات تنقيب نفطية تونسية وأجنبية.


إن الدولة التونسية لا تكاد تحصل على أكثر من 20% من كل عملية إنتاج، وهو أقل مستوى من السيطرة والفائدة في جميع أنحاء العالم. ولو أن النفط أو الغاز قد ظل في باطن الأرض، فإن مستقبل الأجيال التونسية سيكون محصنا أكثر مما هو عليه الآن..


إن ملف الغاز الطبيعي في تونس أكثر غموضا من ملف البترول.. فرغم أن تونس تعتبر منتجة لهذه المادة بما يكفي احتياجاتها، إلا أن الدولة التونسية تضطر إلى شرائها من شركات منتجة على أرضها. فالتقارير تشير إلى أن تونس تشتري بنحو 700 مليون دولار سنويا من شركة بتروليوم من حاجياتها الغازية. ويعني هذا حسب هذه التقارير أن هذه الشركة تستحوذ على نحو 90% من الإنتاج مقابل 10% فقط للدولة التونسية، صاحبة السيادة على حقول الإنتاج.


وإذا صحت مثل تلك التقارير فإن لا نظام يشبهها غير نظام العبيد أو السخرة. وكان زمن الاستحواذ على ثروات الشعوب قد ذهب ما بين الخمسينات والسبعينات خلال حروب التأميم، إلا أنه لايزال يتمدد في الصحراء التونسية. إن الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في تونس يقدر حاليا بنحو 85 مليار متر مكعب (المرتبة الـ50 عالميا) وهو يكفي لاحتياجات البلاد لمدة تزيد عن 25 عاما بمعدل 3,4 مليار متر مكعب (الاحتياجات المقدرة)..


إن فقر الدول هو فقر وعجز حكوماتها. فقد عاش الشعب التونسي طويلا على اسطوانة قديمة تقول: "إن تونس بلد صغير وفقير الموارد بشكل عام". وحين جاءت ساعة قول الحقيقة، كان لا بد من الحصول على المعلومات الصحيحة. ولأن البيروقراطية الفجة والرثة هي التي صنعت فقر بلدها، فهي لا تزال ممعنة في إخفاء الحقائق والأرقام الصحيحة. فتونس تحتوي على الفوسفاط والغاز والبترول والحديد والرصاص والزنك والملح والجبس والمياه الجوفية بكميات هائلة، ومع ذلك فإنها لاتزال فقيرة!


وما لم نخض معركة استرداد السيادة على ثرواتنا الطبيعية والباطنية، فإن ثورتها في كتاب تاريخها الطويل سيظهر كخدعة أخرى من خداعات الاستعمار. إن الحرب على الفساد هي الحرب على الفقر والتفقير والإرهاب والتهريب.. وفي هذه الحقول توجد مفاعيل الثورة والثروة..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire