Tunisiens Libres: الندوة الوطنيّة الثالثة للجبهة الشعبيّة: نقد وتقييم بقلم مصطفى القلعي

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

mardi 3 mai 2016

الندوة الوطنيّة الثالثة للجبهة الشعبيّة: نقد وتقييم بقلم مصطفى القلعي




الندوة الوطنيّة الثالثة للجبهة الشعبيّة: نقد وتقييم بقلم مصطفى القلعي





نشر في اسطرلاب 03-05-2016 08:02


انعقدت الندوة الوطنية الثالثة للجبهة الشعبيّة أيّام 28 و29 أفريل و01 ماي بعد تأجيلها في مناسبات عدّة. واكبت أشغال الندوة وانفصلت عنها لـ 48 ساعة، والآن أجوّز لقلمي أن يتحرّك. وسأشرع في تقييمها ونقدها من موضوع التأخّر في انعقادها وأمرّ إلى ملاحظات عامة حول الانتماء الجبهوي ثمّ أقرأ نتائج الندوة وأنتهي إلى رسالة موجّهة إلى المجلس المركزي الجديد.


1. تأخّر انعقاد الندوة:


لم يكن تأخّر إلاّ دليلا على خصوصيّة العمل الجبهوي باعتباره نسقا مختلفا من العمل السياسي عن نسق العمل الحزبي. فالعمل الحزبي وإن كان لا يخلو من جدل وصراع أفكار ناتج عن اختلافات داخليّة في التحليل والتقييم وحتى في الأهداف أحيانا فإنّه ينضبط في الأخير لمشيئة الأغلبية أو الفوقيّة أو التوافقيّة أو السكتاريّة أو الزعاماتيّة حسب كل حزب.


أمّا الممارسة السياسيّة في إطار جبهة أحزاب فإنّه شأن مختلف تماما لاسيما أنّ أغلب الأحزاب تنقل تناقضاتها وصراعاتها إلى الفضاء الجبهوي استجارة برحابته واتّساع أفقه وبحثا عن مخارج جبهويّة تقي الأحزاب من الانفلاتات والتصدّعات والانشقاقات وتشعل جذوة الانتماء الفاعل التي خبت أو بدأت تخبو في داخل الأحزاب.


هذا يحدث في مختلف الجبهات الحزبيّة فما بالك في جبهة ذات مراجع يساريّة تقدّمية تربّت على الفعل النقدي الصارم والصوت العالي والروح النضاليّة اللامحدودة مثل الجبهة الشعبيّة.


ربّما هذا بعض ما يبرّر تأخّر قيادة الجبهة الشعبيّة في عقد الندوة الوطنيّة الثالثة حوالي ثلاثة أشهر. ولكن من المفيد هنا أن نشير إلى أنّ التأخير في عقد الندوة الوطنيّة لم يكن شأن الجبهة وهي على صفة الائتلاف التي ذكرنا.


فأحزاب تصف نفسها بأنّها كبيرة وتتصدّر الحكم عجزت عن عقد مؤتمراتها وأخرى لم تتوفّق إلى عقدها إلى حدّ الآن لأنّها لم تنجح في حسم خلافاتها رغم عقيدتها الانغلاقيّة كحركة النهضة وأخرى عقدت مؤتمرها بعد تأخيرات طويلة ولكنّها حصدت الفشل والانقسام والتشظّي كحركة نداء تونس الآيلة للسقوط لولا إسناد النهضة لها ودعم قوى خارجيّة.


بهذا المعنى يصبح توفّق مجلس أمناء الجبهة في عقد الندوة الوطنيّة نجاحا في حدّ ذاته خاصّة وأنّها ندوة انتقاليّة وظيفتها توسيع القيادة المركزيّة التي كانت ممثّلة في مجلس الأمناء إلى مجلس مركزي معزّز بمتحزّبين وبغير متحزّبين لتركيز التنسيقيّات المحليّة والجهويّة تمهيدا للندوة الوطنيّة الانتخابيّة التي ستنعقد قبل موفّى السنة الحاليّة 2016.


2. ملاحظات عامّة حول الانتماء الجبهوي:


لم تتمكّن الأحزاب المشكّلة للجبهة الشعبيّة من استقطاب كلّ الجبهويّين من غير المتحزّبين رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف على تأسّس الجبهة، فظلّ الكثير من الجبهويّين خارج الأحزاب.


بل إنّ عدد المتحزّبين الذين يغادرون أحزاب الجبهة ويبقون في حضن الجبهة يتزايد باستمرار. فصارت الجبهة تضمّ ثلاثة أصناف من المناضلين:


– الجبهويّون المتحزّبون


– الجبهويّون غير المتحزّبين


– الجبهويّون المغادرون لأحزابهم


هذا تنوّع مهمّ داخل الجبهة. ولكنّه يصطدم بضيق تنظيمي هيكلي سببه سيطرة الأحزاب على قيادة الجبهة وعجز الجبهة إلى حدّ الآن عن استنباط رؤية تنظيميّة تشاركيّة حقيقيّة تضمن مشاركة غير المتحزبّين والمغادرين لأحزابهم من المساهمة في قيادة الجبهة.


ولنعد إلى سيطرة الأحزاب على المشهد الجبهوي، وهذا واضح في مجلس الأمناء السابق أو في الإعلام وإن تقلّصت هذه السيطرة ولو نسبيّا في المجلس المركزي الجديد. والسبب في اعتقادي يعود لمفارقة جدليّة تتمثّل في كون الأحزاب التي تعتبر القاطرة الرئيسيّة بدأت تشعر بتراجع أسمائها وشعاراتها أمام طغيان اسم الجبهة وشعاراتها داخل تونس وخارجها.


فلئن كان إصرار الأحزاب على الإمساك على دواليب الجبهة بالنواجذ فليس ذلك إلاّ نوعا من الدفاع عن ثبات وجودها الكامل والفاعل والمؤثّر داخل فضاء الجبهة. فلا يمكن للأحزاب أن تقبل بزوالها خارج الجبهة، الذي تعاينه شعبيّا وإعلاميّا وسياسيّا، وداخلها.


ولأكن واضحا؛ لا يمكن لعاقل أن يطلب من الأحزاب غير ذلك أو أن يتوقّع منها غير ذلك لأنّها أحزاب تاريخيّة مناضلة وعليها أن تحافظ على وجودها. بل لعلّ في هذا مؤشّرات على عمليّة انصهار للأحزاب داخل الجبهة. صحيح أنّها عمليّة انصهار بطيئة وغير ظاهرة للعيان، ولكنّها خطوة صحيحة في اتّجاه ذوبان الأحزاب في حزب الجبهة الشعبيّة الذي أنا على يقين من أنّه سيكون بديلا لائتلاف الجبهة الشعبيّة يوما.


3. نتائج الندوة:


إنّ تقييمي للندوة الثالثة للجبهة الشعبيّة إيجابي. وأعتبر أنّ عدم المساس بخطّة الناطق الرسمي للجبهة قرار حكيم. فالجبهة محتاجة إلى هذه الخطّة بهذا الاسم لسببين؛ الأوّل أنّ خطّة الأمين تكون في حزب لا في ائتلاف أحزاب، والثاني أنّ الندوة كانت تعديليّة تمهيديّة ولم تكن انتخابيّة بالكامل ولا يمكن للرئيس أو للأمين العام أن يحمل هذه الصفة دون انتخاب.


والدليل على ذلك أنّ أحزابا بنيت على رئاسة عُرفيّة منحها شخص لنفسه أو منحت له قد انفجرت بشكل مدوٍّ وتلاشت بسرعة. ومتى تحوّل ائتلاف الجبهة الشعبيّة إلى حزب الجبهة الشعبيّة وأقام ندوة أو مؤتمرا انتخابيّا يمكن عندها أن تكون لخطّة الأمين العام أو الرئيس أو حتى الناطق الرسمي شرعيّةٌ وفاعليّةٌ.


سأكون منصفا مع رفاقي أعضاء مجلس أمناء الجبهة الشعبيّة للتاريخ، فأنا لا تعنيني الذوات لأنّنا جميعا في خدمة مشروع الجبهة الشعبيّة. مجلس الأمناء هو الذي حافظ على وحدة الجبهة الشعبيّة. وهو الذي نجح في عقد ثلاث ندوات سياسيّة في ثلاث سنوات ونصف.


وهو الذي أنقذ تونس بمبادرة جبهة الإنقاذ في ندوة سوسة 2013 التي ترأّسها الشهيد الرمز الحاج محمد البراهمي. وهو الذي أقرّ خطّة الجبهة وخياراتها الانتخابيّة التي أفرزت كتلة متراصّة الصفوف منيعة من 15 نائبا. وهو الذي دعّم صورة زعيم الجبهة حمه الهمّامي في أفئدة التونسيّين وجعله رئيسا محتملا لتونس.


لقد نجح مجلس الأمناء في إدارة صراعاته. وبرهن على طول نفس خرافي سيكون محلّ دراسات بحثيّة في الأكاديميّات السياسيّة لأنّه من النادر تاريخيّا أن تجتمع في قيادة جبهة حزبيّة تقدّمية أحزاب ماركسيّة وأخرى قوميّة وأن تظهر كلّ هذا التضامن وكلّ هذا التماسك وكلّ هذا التقارب في وجهات النظر.


يكفي أن تسمعوا صوت زياد لخضر مدافعا عن عمّار عمروسيّة في مجلس نوّاب الشعب وأن تصغوا لكلمات مباركة البراهمي تقدّم حمّه الهمّامي دليلا على هذه الروح الجبهويّة التي تنمو في نفوس قادة الجبهة وتتجلّى في خطاباتهم ومداخلاتهم السياسيّة والإعلاميّة وفي ممارساتهم النضاليّة في الساحات والميادين.


علينا أن نحيّي رفاقنا أعضاء مجلس الأمناء الذين اضطلعوا بمفردهم بمشاق الجبهة. وعلينا أن نقدّر أنّهم فقدوا تقريبا حياتهم العائليّة وكرّسوا أيّامهم ولياليهم للجبهة. علينا، نحن الجبهويّين أن نكتسب ثقافة الاعتراف بالجميل وثقافة الشكر والتثمين. ولئن تشكّل المجلس المركزي للجبهة فإنه لن يعفي الرفاق أعضاء مجلس الأمناء من مشاق القيادة باعتبارهم متواجدون في القيادة الجديدة. فنسأل لهم الصحّة والعافية والسلامة والطاقة. هذا من جهة.


من جهة ثانية، لقد بحثت الندوة الثالثة للجبهة الشعبيّة لأوّل مرّة عن إرضاء نفسها. ولعلّ هذا ما لم ينجح في التقاطه بعض الجبهويّين لاسيما من كان منهم يبحث عن إرضاء نفسه. ولكن ما تحقّق مهمّ جدّا تاريخيّا. فالندوة فتحت أبواب الصفّ القيادي الأوّل للجبهة لمناضلين جدد. ومنحت نفسها لاختبار قدرتها على الاتّساع وعلى احتضان جزء من المناضلين الذين كانوا بعيدين عن الصفوف الأولى لاسيما من غير المتحزّبين.


هذا جيّد ولن يرضي الجميع. ولكنّه تقدّم تاريخي يحفظ مكانة الأحزاب داخل الجبهة ويضمن توزيع المشاق على قياديّين آخرين متحمّسين لخدمة الجبهة. وليس أمام المجلس المركزي إلاّ أن ينجح حتى يقنع أحزاب الجبهة بفائدة التوسع التمثيلي في قيادة الجبهة على قاعدة الديمقراطيّة والشفافيّة.


ما أتوجّس منه حقيقة في هذه الندوة هو موضوع المبادرة السياسيّة. والحقيقة أنّي لم أكن مساندا لفكرة إصدار مبادرة لأنّي أعتقد أنّها لن تخدم الجبهة الآن. وذلك لسببين رئيسيّين:
– الأوّل أنّ هذه الندوة تمهيديّة لندوة آخر السنة وليست ندوة انتخابيّة وإصدار مبادرة عن ندوة انتخابيّة سيكون أمتن وله صدى أعمق.


– والثاني أنّ محتوى المبادرة يجب أن يكون واضحا من حيث الأطراف الموجّهة لها المبادرة سواء لاستقطابها أو لمواجهتها، ومن حيث مضمون المبادرة نفسها بمعنى أنّها لا يجب أن تكون مفتوحة على التأويلات التي قد تصل إلى درجة التناقض قياسا على بياني الجبهة السياسي والانتخابي في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة.


أمّا مسألة الهيكلة والتنظيم فسأعود إليها في النقطة الموالية.


4. إلى المجلس المركزي للجبهة الشعبيّة:


المطروح الآن على المجلس المركزي للجبهة الشعبيّة، إضافةً إلى تركيز التنسيقيّات المحليّة والجهويّة ووضع استراتيجيات العمل الجبهوي استعدادا للانتخابات المحليّة والجهويّة والتعاطي مع مبادرة الجبهة، هو الإسراع بوضع نظام داخلي ولو مؤقّت صلب مؤسّسات الجبهة. والنظام الداخلي مهمّ ليكون وجهة موضوعيّة مؤسّساتيّة للتعاطي مع التجاوزات أو المظالم أو الاعتداءات أو الخروقات حتى يعرف كلّ جبهوي ما له وما عليه.


كما ألفت انتباه المجلس المركزي إلى أنّ هناك دوائر عاجلة لا تنتظر التأجيل أكثر. وهي أساسا:


– دائرة السياسة والتخطيط والدراسات الاستراتيجيّة (من أولى مهامها إعداد الخطّة النضاليّة اللازمة للتصدّي لقرار ختم البحث في ملفّي قضيّتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي).


– دائرة الانخراطات والماليّة (من أولى مهامّا توفير موارد قارّة وغير قارّة للجبهة وصرفها في شؤون الجبهة).


– دائرة الإعلام والتعبئة (من أولى مهامها إخراج الجبهة من الدور الدفاعي الذي فرض عليها إعلاميّا والمرور بها إلى صنع الحدث ومبادرة الرأي العام بالأفكار والمشاريع والمنجزات).


– دائرة الإحاطة الاجتماعيّة (تهتمّ بأطفال الشوارع وبالأمّهات العزباوات وبالمتسوّلين وبفاقدي وظائفهم وبالمحرومين من حقوقهم الدستوريّة وبضحايا العنف والتسلّط والاستبداد والاستغلال الجنسي).


– دائرة التربية والشباب (لا يمكن أن تكون التربية مشغلا ثانويّا في الجبهة. التربية ثروة تونس الأولى ولابدّ أن يكون لنا فيه رأي دائم وفعّال).


– دائرة محمد الصغير أولاد أحمد للثقافة والنقد والتربية (على الجبهة أن تنسجم سريعا مع صفتها التقدّمية بفتح فضاءاتها وتحفيز مناضليها على إيلاء العمل الثقافي والنقدي مرتبته الحقيقيّة صلب اهتماماتهم وذلك بتنظيم الندوات الفكريّة واللقاءات الثقافيّة وباحتضان الإبداعات المهمّشة والشابة بل وبالبحث عنها واكتشافها ومرافقتها).


كما أطالب المجلس المركزي بإيجاد صيغ تنظيميّة داخل الجبهة لاحتضان المناضلين الجبهويّين الذين خرجوا من أحزابهم لسبب مّا وأصرّوا على البقاء في حضن الجبهة لاسيما أنّهم متمرّسون بالعمل الجبهوي ولم يدّخروا جهدا في خدمة مشروع الجبهة.


فعلى المجلس المركزي أن يعمل على رفع يد أحزاب الجبهة عن الجبهويّين غير المتحزّبين وعن المناضلين المغادرين لأحزابهم. وعليه أن يرسّخ الوعي بخطورة العقليّة الحزبيّة العقابيّة الإقصائيّة. فالجبهة يجب أن تظلّ حضنا دافئا لكلّ مناضليها وظلاّ وارفا لهم تطبيقا لشعار الجبهة يجب أن تكون قبل الحزب قولا وفعلا.


وأدعو رفاقي من غير المتحزّبين إلى أن يتوقّفوا عن الظهور بمظهر المظلوم أو المجحود حقُّه أو المناضل المطلوب نضالُه المتروك تمثيله أو المنفعل المسارع بالتلويح بالمغادرة. فمن ينضمّ إلى الجبهة الشعبيّة ويتطوّع لخدمة مشروعها وخدمة شعبه انطلاقا منها لا يفعل ذلك إرضاء للجبهة ولا رغبة في منال.


ولا يجب أن يكون الانتماء إلى الجبهة عند البعض بهذه الهشاشة، وربّما يتطلّب هذا التذكيرَ باستمرارٍ بمفهوم النضال الجبهوي وغاياته. والحلّ هو في الامتلاء بالروح الجبهويّة والإيمان الكامل بمشروع الجبهة الشعبيّة أفقا للعدالة والحريّة والتقدّم والحداثة والعلمانيّة والتسامح.


كما عليّ أن أنبّه المجلس المركزي إلى أنّه مطالب بتدارك ضعف شعارات الحداثة والعلمانيّة والتسامح ضمن قائمة شعارات الجبهة الشعبيّة. فليس لأنّ بورقيبة وبن علي كانا مستبدّين رغم حداثتهما وعلمانيّتهما نترك هذين الشعارين!


الحداثة محطّة إنسانيّة بلغَتها البشريّةُ بنضالها ضدّ الرجعيّة وسيطرة العقل الديني. وهي التي أرغمت الرجعيّات على إلقاء خناجرها وقادتْها في الغرب إلى التمدّن على كره منها. والعلمانيّة شعار إنساني أنقذ البشريّة من مقاصل كهنة المعابد.


أمّا التسامح فإنّه قيمة كونيّة استولى عليها الرجعيّون وألبسوها جبّة الدين عنوة وقهرا وألجموا اندفاعها الإنساني. فليس أشدّ منّا، نحن التقدّميين، إيمانا بالتسامح وممارسة له. وليس أبعد منّا عن قيمة التسامح إلاّ المستولون عليها من الأفّاقين والممتلئين حقدا الناشرين لثقافة التكفير المتغاضين عن دعوات إهدار الدماء المشجّعين على العنف الشاقّين المجتمع إلى فئات وأصناف متدافعة متناحرة.


مصطفى القلعي: كاتب وباحث سياسي


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire