هل هي نهاية نداء تونس؟
جريدة المغرب/ الإفتتاحية
السبت 17 أكتوير 2015 | بقلم: زياد كريشان
قيادات ومناضلو وأنصار وناخبو نداء تونس يتساءلون كما بقية مكونات المشهد السياسي، هل نحن أمام بداية نهاية حزب نداء تونس؟ أو على الأقل نهاية الحزب الذي فاز في انتخابات خريف 2014؟
وكما هي الحياة فقد تكون النهاية مؤذنة بميلاد كائنات حزبية جديدة قد يرث بعضها الاسم دون وراثة المشروع والهوية الأصلية..
التذكير بصراع الزعامات أو بالأحرى «الجنرالات» في حزب نداء تونس لم يعد مجديا لأن حضوره يومي في مختلف وسائل الإعلام وقد يشهد هذا الصراع تحولا نوعيا بتكريس الانشقاق الفعلي والنهائي لهذا الحزب اليوم وغدا في اجتماع جربة والذي دعت إليه بصفة غير معلنة «الإدارة المركزية للهياكل» التي يشرف عليها حافظ قائد السبسي زعيم «التيار الإصلاحي» والذي أعلن دون مواربة أن المكتب السياسي للحزب يُعدّ منحلا منذ 15 جوان 2015.
لقد اعتقد بعضهم أن اللقاء الذي جمع أهم فرقاء الحزب بالمؤسس في قصر قرطاج سوف يضبط كل «الانفلاتات» ويحافظ على وحدة الحزب إلى حين انعقاد مؤتمره بعد شهرين أو ثلاثة، ولكن التلاسن لم يكفّ ويبدو أن أنصار حافظ قائد السبسي يعتبرون أنه بإمكانه حسم المعركة منذ الآن ودون انتظار المؤتمر القادم..
فالبيان الصحفي الذي وزعه أنصار حافظ قائد السبسي في اجتماع المكتب التنفيذي لحزبهم يوم أمس (انظر نصه الكامل بصفحة 5) يدل بكل وضوح بأن اجتماع جربة اليوم وغدا تحت مسمى «الندوة الوطنية لإطارات الحركة» سوف يكرس الانشقاق الفعلي والنهائي بين أغلبية «المكتب السياسي» و«الإدارة المركزية للهياكل» إذ تطرح هذه الندوة على نفسها «ضبط تاريخ التأسيس والتوافق على طبيعته وتشكيل هيئة قيادية جديدة تشرف على تنظيم المؤتمر وتسيير الحزب إلى غاية انعقاد المؤتمر التأسيسي».
لا وجود لوضوح أكثر من هذا!! فإما الانضواء في «الأنشطة الحزبية الإصلاحية برعاية الإدارة المركزية للهياكل» وإلا – وهذا ما لا يقوله هذا البيان – سوف يصبح لنا نداء تونس / المكتب السياسي ونداء تونس / الخط التصحيحي..
كل المؤشرات تقول بأنّ التشقق البادي في الحزب منذ سنة 2013 والذي احتد سنة 2014 قد ينفجر نهائيا سنة 2015 ومن شظاياه قد تخرج كيانات سياسية جديدة وعندها لا تهم المسميات فالنداء بعد الانشقاق لن يكون بالمرة كالنداء قبله..
عودة قليلة إلى الماضي وما سمّي بالروافد الأربعة لنداء تونس: الدستوري واليساري والنقابي والمستقل.. وأن هذه الروافد التي رافقت مرحلة التأسيس ستتحول بحكم النضال المشترك إلى هوية ندائية واحدة رغم تنوع مرجعياتها..
هذه الرواية لم تكن بالضبط مطابقة لحقيقة الميدان أو على الأقل لكل حقيقة الميدان.. ففي الحقيقة كان هنالك رافدان فقط: رافد تجمعي كان يقول في البداية باستحياء بأنه دستوري ثم ما فتئ يعبّر عن هويته بكل فخر واعتزاز رغم اعترافه بما يعتبره أخطاء تجربة الحكم ولا سيما تحت نظام بن علي ورافد انتمى تاريخيا وفكريا وأحيانا تنظيميا أيضا إلى اليسار التونسي بمختلف تكويناته مع مجموعة هامة من الإطارات والمناضلين المستقلين فعلا وهؤلاء لا يزنون في الصراعات السياسوية لأنهم غير مستعدين نفسيا وذهنيا وعصبيا وحتى بدنيا لها..
ظروف الولادة حتمت على الدستوريين، في الأغلب، أن يكونوا في المواقع الثواني بينما احتل الرافد اليساري ومعه لفيف من المستقلين المواقع الأولى خاصة في المكتب التنفيذي.. فلو رمنا الكثير من التبسيط لقلنا أن قيادة نداء تونس ظلت في معظمها متكونة من الزعامات والإطارات المنحدرة فكريا وشخصيا من اليسار أما الهياكل القاعدية والتي مثلت فيما بعد الثقل الأساسي للآلة الانتخابية للحزب فكانت من العناصر التي انتمت في أوقات مختلفة للحزب الدستوري..
لقد كانت هذه استراتيجية المؤسس الباجي قائد السبسي وكذلك جلّ المؤسسين معه وذلك حتى قبل الإعلان عن ولادة الحزب.. فاليسار يمكن أن يوفر الجنرالات ولكن الحرب لا بد لها من فيالق المشاة وهؤلاء يتوفرون فقط في التجمع المنحل..
ولكن فيالق المشاة لم تكن راضية على هذه القسمة غير العادلة وبدأت تطالب بنصيبها من الأفق.. ويبدو أنها وجدت في شخص نجل رئيس الحزب حينها المدافع الأبرز عنها خاصة وأن وظيفته الحزبية «إدارة الهياكل» كانت تسمح له بالاتصال اليومي بالتنسيقيات المحلية والجهوية حيث كانت الأغلبية – في عدة حالات – على غير شاكلة الأغلبية في المكتب التنفيذي..
ويكفي أن نعلم أن الاستشارات الجهوية التي تمت لاختيار قائمات حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية قد أفضت إلى تغليب الرافد التجمعي على اليساري ولولا التدخل الشخصي للباجي قائد السبسي ليدخل بعض التعديلات، ومن بينها إبعاد نجله عن رئاسة قائمة تونس الأولى، لكان الانخرام أوضح من هذا بكثير وعلى كل فإن حوالي نصف كتلة النداء اليوم في مجلس نواب الشعب هي من هذا الرافد المذكور..
ولهذا كان الرافد الدستوري يطالب دوما بمؤتمر انتخابي بينما يفضل الرافد اليساري الصيغة الوفاقية للحفاض على تنوع قيادة الحزب..
صحيح أن الأمور لم تكن بهذه البساطة فالدستوريون ليسوا سواسية وكذلك من يُنعت باليساريين إذ تتعدد عناصر التقارب والتباعد وفق معطيات أخرى كالتصور الإيديولوجي (بعض الدستوريين حداثيون بل وعلمانيون وبعضهم الآخر محافظون) وكذلك التموقع الشخصي كما أن عددا هاما من إطارات نداء تونس لم ينخرطوا بالمرة في هذه الخلافات والتي أضحت اليوم تصدعات فعلية تنبئ بانقسام الحزب..
ولكن مع هذه الخلافات الموضوعية داخل النداء والتي رافقته بصيغ مختلفة منذ نشأته انضافت إليها عناصر عقدتها منها ما يرتبط بكل سعي للتوريث – سواء كان مقصودا أم لا - وأحيانا يسعى بعضهم لتوظيف علاقة البنوة الطبيعية إلى رافعة سياسية ضد الخصوم كما تدافعت على الحزب الأول، خاصة بعد فوزه في الانتخابات،
لوبيات عديدة جلها راهن على «التيار التصحيحي» لتكون له اليد الطولى داخل الهياكل القيادية للنداء كما أن القيادات التي كانت تنسب للرافد اليساري لم تتمكن هي الأخرى – بداية بالطيب البكوش الأمين العام الأول للحزب - من التحول بالسرعة المطلوبة إلى قيادات حزبية ذات كاريزما شعبية..
كل هذه العناصر – وغيرها – أذكت الخلاف ووسعت من رقعته خاصة بعدما غادر الرئيس المؤسس للحزب لقصر قرطاج حينها ظن البعض – هنا وهناك – أن الفرصة مواتية للانفراد بالقيادة ودخل «الجنرالات» في حلقة مفرغة: تصريح ناري فتعقيب أشد فتصريح يأتي على الأخضر واليابس فمطالبة بالتجميد أو حتى بالرفت..
هنالك عنصر آخر له أهميته القصوى في هذا الصراع الندائي الندائي وهو العلاقة مع حركة النهضة.. فإن كان هنالك إجماع بين جل القيادات الندائية على ضرورة العمل المشترك مع حركة النهضة إلا أن الموقف الاستراتيجي منها مختلف:
*جل القيادات المنحدرة من اليسار وبعض القيادات الدستورية ترى في النهضة خصما إيديولوجيا لا بد من هزمه في الانتخابات القادمة حتى يحكم الندائيون مع من «يشبههم»
* بينما يعتبر «التيار التصحيحي» والذي وجد ضالته في مؤسس الحزب الدستوري عبد العزيز الثعالبي أنّ العلاقة مع النهضة استراتيجية وأن الإسلام السياسي المعتدل هو الأقرب فكريا له من بقية مكونات المشهد السياسي..
نفس هذا التمشي تقوله القيادات النهضوية بكل وضوح فهي تفضل الدستوريين على «اليساريين الاستئصاليين».. وبعض اللوبيات التي أشرنا إليها سابقا تعمل على توفير المستلزمات الضرورية لتحويل هذا التصور إلى واقع ملموس أي إلى إبعاد «اليساريين» عن قيادة النداء.
ولكن لِمَ يعتقد أنصار حافظ قائد السبسي أنه بإمكانهم حسم هذا الصراع من الآن وقبل انتظار موعد المؤتمر التأسيسي؟
يبدو أن موازين القوى بصدد التحوّل داخل الحزب الأول في البلاد..
لقد تمكنت الأطر القيادية للنداء من السيطرة نسبيا على واجهة الأحداث ولكن يبدو أن جزءا من حقيقة الحزب الميدانية قد أفلتت من أياديهم ثم يبدو أن بعض «الجنرالات» قد غيّروا بنسب متفاوتة تموقعاتهم بعدما تأكد لديهم بأن محسن مرزوق، الأمين العام الجديد، قد لا يكون رجل المرحلة المقبلة ...
والواضح، إلى حد اليوم، أنّ وحده محسن مرزوق يمكن له إيقاف – ولو بصفة مؤقتة –زحف حافظ قائد السبسي وأنصاره.. وأن بقية «الجنرالات» إما غير معنيين بهذا الصراع أو لا ثقل تنظيمي لهم..
اجتماع جربة سنة 2012 أعطى بعدا جديدا لنداء تونس عندما اعتدت ميليشيات حماية الثورة عليه وخرج منه أقوى عودا وأعلى صوتا..
بعد ثلاث سنوات قد يطلق اجتماع جربة المنعقد اليوم وغدا رصاصة الرحمة على نداء تونس في شكله الحالي..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire