كسب أبو
هريرة وخسر عمر
عمرو
اسماعيل
الحوار
المتمدن-العدد: 1314 - 2005 / 9 / 11 - 11:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا أخذنا
في الاعتبار أن السنة النبوية كما هي مروية في كتب الصحاح الستة هي المصدر الثاني
بعد القرآن الكريم للمسلمين و أن العدد الأكبر من الأحاديث رواها الصحابي الجليل
أبو هريرة يصبح من نافلة القول أن أبو هريرة بعد رسولنا الكريم صلوات الله عليه
وسلم هو أكثر من أثر علي فهمنا الحالي للإسلام ..
ولعله من
هذا المنطلق أكثر تأثيرا من صحابة رسول الله من الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي .. فالأحاديث المروية عنهم أقل كثيرا وتعد علي أصابع اليد الواحدة ..
حيث أجمع رجال الحديث على أن أبي هريرة كان أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، على حين أنه لم يصاحب النبي (صلى الله عليه وآله) إلا عاما وتسعة
أشهر - أو ثلاثة أعوام حسب بعض الروايات - وقد احتوت صحاح أهل السنة على 5374
حديثا لأبو هريرة روى منها البخاري 446 حديثا.
فمن هو
أبو هريرة ؟
هو عبد الرحمن
بن صخر الدوسي. قيل إن اسمه في الجاهلية عبد شمس فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم
عبد الرحمن, وقيل سماه عامرا وغلب عليه لقب (أبو هريرة) وقد لقبه به النبي صلى
الله عليه وسلم لأنه رآه يحمل هريرة في كمه. أسلم عام خيبر سنة 7هـ وشهد فتح خيبر
مع الرسول صلى الله عليه وسلم . لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه رغبة
في العلم, راضيا بشبع بطنه, وكان يدور مع الرسول صلى الله عليه وسلم حيث دار ..
وكان يفتي
في الناس، ويحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى الإمارة فقد ولي
إمارة البحرين لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم نزعه عنها، ولما عاد سأله عمر: كيف
وجدت الإمارة يا أبا هريرة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها،.
والغريب
والغير مفهوم أن ابو هريرة نفسه روي أحاديث تمنع تدوين الأحاديث مثل الحديث التالي
:
روى أبو
هريرة عن النبي أنه قال:" ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم، إنما أنا
بشر. فمن كان عنده شيء منها فليأت بها، يكمل أبو هريرة، فجمعنا ما كتبناه وأحرقناه
في النار"
وفي صحيح
مسلم (ج 18، ص 229)، أن النبي قال:" لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني
غير القرآن فليمحه".
وصعد
الخليفة عمر بن الخطاب المنبر، وقال:"أيها الناس بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم
كتب، فأحبها إلي أحسنها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى رأيي
فيه. فظن الناس الذين كتبوا عن رسول الله أنه يريد أن ينظر بها، فأتوه بكتبهم،
فجمعها وأحرقها. ثم قال: أمنية عندي كأمنية أهل الكتاب. ثم كتب إلى عماله في
الأمصار قائلاً: من كان عنده من السنة شيء فليتلفه (ابن حزم: الإحكام، ج2، ص 139)
وهدده عمر
بن الخطاب أبو هريرة بالعقوبة لو عاد للحديث عن النبي. ولما مات الخليفة عمر تحرر
أبو هريرة من قيوده، وعاد يحدث من جديد، ولكن هذه المرة...أين؟ في قصر أمير الشام
والخليفة فيما بعد معاوية بن أبي سفيان، وما أدراك ما معاوية! (الذهبي: تذكرة
الحفاظ، ص 7). إن اتهام أبي هريرة بالكذب جاء حتى من الأوساط السنية المعروفة
بولعها برواية الحديث وتعظيمها له، كما يتبين من وصف أحد كبار الحنابلة :"لم
يكن من فقهاء الصحابة، وقد أنكر عليه عمر بن الخطاب أشياء" (الجوزي: مرآة
الزمان، ج1، ص23). وقد اتهمه عمر بن الخطاب ليس بالكذب فحسب بل وبسرقة مال
المسلمين عندما ولاه البحرين.
وقد روى
مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة لما سمعه يحدث عن رسول الله (صلى الله
عليه وآله): - من قال لا إله إلا الله دخل الجنة-، وروى ابن عبد البر عن أبي هريرة
نفسه قال: لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة(
صحيح مسلم ج 1 ص 201 باب من شهد لا إله إلا الله مستيقنا دخل الجنة. - فقه السيرة
للشيخ محمد الغزالي ص 41 ط السادسة.).
وقال
الفقيه المحدث رشيد رضا: " لو طال عمر عمر حتى مات أبو هريرة لما وصلت إلينا
تلك الأحاديث الكثيرة،
وأما سبب
كثرة مصاحبة أبو هريرة للرسول (صلى الله عليه وآله)، فقد أجاب هو نفسه عن ذلك
عندما قال: " يقولون أن أبا هريرة يكثر والله الموعد، ويقولون ما للمهاجرين
والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه ؟ وإن أخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق
بالأسواق وإن أخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا ألزم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ملئ بطني. فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون
".( صحيح البخاري ج 3 ص 313 كتاب المزارعة باب ما جاء في الفرس)
وكنت ألصق
بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطمعني،
وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته
حتى أن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها "(
صحيح البخاري ج 5 ص 47 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب جعفر بن أبي طالب).
ويدل ما
أثر عنه من فعل وقول انّه كان رجلاً محبّاً للمال وذاخراً له، فلنأت ببعض النماذج
الدالة على ذلك:
فعن ابن
المسيب، قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت، وإذا أمسك عنه تكلّم. (3)
روى إسحاق
بن عبد اللّه بن أبي طلحة: انّ عمر قال لاَبي هريرة: كيف وجدت الاَمارة؟ قال:
بعثتني وأنا كاره، و نزعتني وقد أحببتها.وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين.
فقال: ما
جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً.
قال: من
أين أصبتها ؟ قال: كنت أتّجر، قال: أنظر إلى رأس مالك و رزقك فخذه، واجعل الآخر في
بيت المال
أما عن
الموضوعات العجيبة التي رويت في أحاديثه فمنها التالي :
..محاولة
عفريت من الجن قطع صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)....وجوب الجهاد تحت راية
كلّ بر و فاجر...قبول التوبة مع عدم الندم.. من هو خالق اللّه؟.. انّ اللّه خلق
آدم على صورته طوله ستون ذراعاً... سليمان يطوف على ستين امرأة في ليلة واحدة....
موسى يفقأ عين ملك الموت.... روَية اللّه بالعين الباصرة.... لا تملاَ النار حتى
يضع الرب رجله فيها.... نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا... نقض سليمان حكم
أبيه داود... ظهور موسى عرياناً أمام الملاَ... اتهام أُولو العزم من الاَنبياء
بالعصيان... شك الاَنبياء وتفضيل يوسف على نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
نبي من الاَنبياء يحرق قرية النمل.... أيوب يحثي رجل جراد من ذهب في ثوبه....
النبي يوَذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق.... التلاعب بحديث بدء الدعوة.... امة
مسخت فأراً ...أبو طالب أبى النطق بالشهادتين عند الموت.... إبراهيم يخاصم ربّه
..... في إحدى جناحي الذبابة داء وشفاء...
و فيما يلي
بعضا من روايات أبي هريرة والتي أخرجها البخاري في صحيحه، نبدأ بزعم أبي هريرة بأن
موسى (عليه السلام) قد فقأ عين ملك الموت! فعن أبي هريرة قال: "أرسل ملك
الموت إلى موسى (عليهما السلام)، فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى
عبد لا يريد الموت. فرد الله عليه عينه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور،
فله بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن
يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر"( صحيح البخاري ج 2 ص 236 كتاب الجنائز).
وعن أبي
هريرة قال: "يقال لجهنم هل امتلأت، وتقول هل من مزيد ؟ فيضع الرب تبارك
وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط (صحيح البخاري ج 6 ص 353 كتاب التفسير باب قوله -
وهل من مزيد) .
وعن أبي
هريرة قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ينزل ربنا تبارك وتعالى كل
ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له ؟
من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له البخاري ج 2 ص 136 كتاب التهجد .
والرواية
الأخيرة تتناقض مع ما يعتقده أهل السنة من استقرار الله جل وعلا على العرش، فنزوله
إلى السماء الدنيا في آخر الليل - كما يزعم أبو هريرة - يعني بقائه فيها طوال الـ
24 ساعة من الليل والنهار لدوام وجود وقت آخر الليل على الأرض ولكن في بقع مختلفة
نظرا لكروية الأرض!! ترى لو كان أبو هريرة يعلم بكروية الأرض، فهل كان ليروي مثل
هذه الروايات؟
وعن أبي
هريرة أيضا: "إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا نودي للصلاة أدبر
الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء، أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة
أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر
كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى".
وعن أبي
هريرة أيضا قال: "قال النبي (صلى الله عليه وآله): بينما رجل راكب على بقرة
التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا. خلقت للحراثة، قال: آمنت به وأبو بكر وعمر. وأخذ
الذئب شاة فتبعها الراعي، فقال الذئب: من لها يوم السبع؟ يوم لا راعي لها غيري؟
قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر. قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم".
وعن دخول
الجنة، فقد روي عن أبي هريرة قوله: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفا تضئ وجوههم إضاءة القمر، فقام عكاشة
بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه، قال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم،
فقال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، ادع الله لي
أن يجعلني منهم . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سبقك عكاشة".
وعن أبي
هريرة أيضا قال: "بينما نحن عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال: بينما
أنا نائم، رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟
فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فوليت مدبرا. فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا
رسول الله".
ونختتم
روايات أبي هريرة ببعض الفتاوى، التي رويت عنه منسوبة إلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أنه قال: "لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له حذفته بحصاة ففقأت
عينه ما كان عليك من جناح"(، وأما الفتوى الأخرى عن أبي هريرة أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا، أو
ليحفهما جميعا".
وكل هذه
الأحاديث موثقة في صحيح البخاري أصح كتب الحديث عند من يطلقون علي أنفسهم أهل
السنه والجماعة .. فهل هذا المفهوم هو ما نريده وهل من المعقول أن يكون رسولنا
الكريم أشرف خلق الله الذي أوحي إليه القرآن الكريم الذي نخشع له جميعا هو من قال
هذه الأحاديث وبهذه اللغة ..
الحقيقة
أن سيدنا عمر بن الخطاب خسر أمام أبو هريره .. فنحن نفخر به ولكن للأسف لا نتأسي
به أبدا .. بينما أصبح ما تقوله أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم دينا لا
نستطيع أن نعارضه .. وهذه الحالة هي تماما مثل خسارة سيدنا علي بن أبي طالب أمام
الطلقاء من بني أمية الذين أورثونا أبو هريرة وغيره الكثيرون من فقهاء السلطة حتي
يومنا هذا ..
ورحم الله
الإمام أبو حنيفة ، لم يقبل من آلاف الأحاديث سوى سبعة عشر حديثاً . ولهذا نرى أبا
حنيفة الأكثر تحرراً من قيود النصوص ، والأكثر احتراما للعقل الإنساني وقدرته على
استنباط الحلول، والأقرب إلى الحس الإنساني في الإسلام المهدور من
مسلمي اليوم ومن
فقهاء الإرهاب .
فعلا لقد
كسب أبو هريره وخسر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وخسرنا معهما جميعا ..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire