دولة الفساد لم تسقط بعد
جرائم الفساد
المرتكبة من قبل هذه العائلات المحيطة برئيس العصابة، والتي لا زالت تحظى بالتحفظ
والماطلة والخديعة من القضاء الفاسد وحماية الجيش.
المصدر:شبكة اجيال السلام السلام
تتكون هذه العائلة من ثلاثة أخوة: كمال وصلاح ورؤوف، ويعتبر الأول صديقاً شخصياً للرئيس بن علي منذ وقت طويل. وكانت هذه العائلة القوية والمتكونة من مقاولين في الأشغال العمومية، تمتلك القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل الحكومات، طيلة السنوات الخمس الأولى من تاريخ حكم الرئيس بن علي. وقد احتل أحد أعضاء هذه العائلة مولدي زواري وزارة الفلاحة عن طريق التحالف. وكانت كل الشخصيات التونسية تنتظر في مكتب كمال لطيف القائم بنهج بيروت قبل مقابلته. وقد مكنه هذا الامتياز من الظفر بمعظم عقود مقاولات البناء العمومية، وكل مدير عام لشركة تابعة للقطاع العام مجبر على منحه عقود الأشغال العمومية، لشركته تحت طائلة فصله. وحتى الشركات التابعة للقطاع الخاص، فإنها تخضع للقاعدة نفسها. مثلا لا يستطيع مؤسس فندق أن يحصل على قروض من البنك دون أن يعطي لشركة لطيف مهمة تنفيذ أشغال البناء. وقد استحوذت هذه العائلة على ملايين الدولارات بفضل احتكارها واستحواذها على أسواق مقاولات البناء في القطاعين العام والخاص.غير أنه منذ عام 1992، سقطت هذه العائلة من برجها العاجي بسبب خلاف نشب بين كمال لطيف وبن علي، حيث رفض الأول دخول عائلة مافياوية جديدة في نظام النهب، أي عائلة ليلى الطرابلسي الزوجة الثانية للرئيس بن علي، ومنذئذ خضعت عائلة لطيف لعقوبات صارمة، ووضعت تحت الرقابة البوليسية، وأحرقت عدة مقرات لها، والتزم أعضاؤها سياسة الصمت ثمن بقائهم على قيد الحياة «.
ثانيا: عائلة عمار
ظهرت هذه العائلة الثانية في عام 1987 أيضاً. وكان رئيسها حبيب عمار، أحد المنظمين للانقلاب العسكري، ووزير الداخلية في » العهد الجديد «. وتميز ابنه دريد بطيشه وغطرسته، وقلة الذمة، وانحصرت نشاطاته في الاستيراد غير الشرعي للمواد المحظورة، الكحول، والسيارات الفارهة، وإقامة المشاريع المشبوهة مع شركاء إيطاليين وارتكاب عمليات احتيال، وسلب، ونهب... الخ.ولما وصل تعميم إلى الرئيس بن علي يكشف عن هذه التصرفات المشينة للابن في أيلول 1988، استخدمه هذا لأخير كذريعة لإقصاء الأب حبيب عمار من وزارة الداخلية في نوفمبر 1988، بهدف الاستيلاء على كامل السلطات. وتم تعيين حبيب عمار سفيراً في فيينا، ولم يعد إلى تونس إلا في عام 1995، بوساطة صداقته القديمة مع زوجة بن علي، وبعد إقصاء عائلة لطيف احتل حبيب عمار منصب وزير الاتصالات لكنه أعفي من منصبه في كانون ثاني عام 1997. وكانت العوامل التي أسهمت في سقوطه، جشع أبنائه، وعلاقاته المتميزة مع أجهزة المخابرات الليبية وبعض ضباط الجيش، إضافة إلى خشية بن علي منه، باعتباره رجلاً عسكرياً مثله «.
ثالثا: عائلة شيبوب
تعتبر عائلة شيبوب الأقوى من بين كل العائلات النهابة، بإجماع كل المراقبين للأوضاع التونسية.يرأس هذه العائلة سليم شيبوب، الذي كان صاحب مقهى حتى عام 1987، وزوج بنت الرئيس بن علي الثانية دورصاف، ويرأس منذ مدة نادي الترجي الرياضي التونسي (ى. ص. ط ) أقوى أغنى الأندية التونسية على الإطلاق.تضم عائلة شيبوب التي يرأسها سليم، أخويه عفيف وهو نائب في البرلمان، ورئيس لجنة في الجمعية الوطنية، وصاحب شركة تأمين، وقد وضع يده على كل أسواق التأمين منذ بداية العام 1990، وهي تدر عليه أرباحاً تفوق المليون دولار سنوياً. ويضطلع في بعض الأحيان بالقيام بمتابعة أعمال أو عقود مشبوهة بدلا من صاحبها الحقيقي أخوه سليم. أما أخوه الثاني إلياس، فهو متخصص في تصدير منتجات البحر، ويتمتع بامتيازات كبيرة في هذا المجال. وتوظف هذه العائلة خدمات عدد كبير من رجال الأعمال مثل يوسف زروق، تاجر سلاح معروف من قبل أجهزة المخابرات الغربية لأنه كان أحد موردي الأسلحة إلى العراق طيلة حرب الخليج الأولى، أو عزيز ميلاد أيضاً، صاحب عدة فنادق، ولديه الآن ثروة طائلة، ويملك أسهماً كبيرة في عدة بنوك، حصل عليها في ظروف مشبوهة، ويلعب منذئذ دور المسخر لبن علي نفسه لشراء العقارات في أميركا اللاتينية وخاصة في الأرجنتين.ويتمثل اختصاص رئيس هذه العائلة سليم شيبوب وشركاته في التوسط بين الشركات الأجنبية ومؤسسات الدولة التونسية، ويحصل على نسبة مئوية ناتجة عن كل الصفقات العمومية الدولية. فقد كان الوسيط عندما اشترت الخطوط التونسية للطيران أربع طائرات بوينغ وأربع طائرات إيرباص. وكذلك في صفقة الاتصالات التي انتزعتها شركة نورثرن تيليكوم (Nورتهيرن طيليچوم) بقيمة 480 مليون دولار، وصفقة توربينات الغاز لحساب الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (صطىG)، التي انتزعتها الشركة الإيطالية (إنسالدو) بقيمة 200 مليون دولار، وصفقة شراء سفن من قبل الشركة الوطنية للملاحة وهي في طور إعادة الهيكلة على طريق عملية تخصيها.إن الشراسة التي يبديها سليم شيبوب في ابتزاز شركات القطاع العام » تثير الإعجاب «، فهو يقبض عمولات عن كل مسحوق الحليب المستورد من الشركة التونسية لصناعة الألبان بفضل تواطؤ أحد أصدقائه المقربين، كمال التليلي، حسبما أكد لنا أحد مدراء شركة (صطىL). وهناك مثال آخر يوضح لنا أسلوب سليم شيبوب في اختلاس الأموال العامة: في آذار/مارس 1997، كانت هناك حالة من المساومات بصدد الفوز بصفقة بناء المدينة الأولمبية برادس (ضاحية لتونس)، بقيمة 200 مليون دولار، ولم يتم الاختيار بين مختلف المتعهدين، وخاصة الفرنسيين والكوريين الجنوبيين حسب المعايير الموضوعية، » الخاصية التقنية – السعر«، وإنما حسب مقدار العمولة (Lإ،COMMىصصىON) التي يقبل المتعهد بدفعها فقط. وحسب مسؤول كبير في وزارة التهجير، فإن الرئيس بن علي يقرر في اجتماع مجلس الوزراء فقط، عندما يكون صهره قد عقد الصفقة مع المتعهد. ويحتكر سليم شيبوب أسواق تجهيزات وزارة الدفاع أيضاً، إذ استولى بالاشتراك مع عزيز ميلاد، صاحب فندق وصديق شخصي للعائلة على مزرعة تابعة لأملاك الدولة تبلغ مساحتها 1200 هكتار. ويمتلك سليم وزوجته بفضل مساعدة »مكلف تونسي « فندقاً خاصاً في مدينة كان الفرنسية على الشاطئ الأزرق وبناية في باريس بقيمة عشرات الملايين من الفرنكات الفرنسية. وتقدر الأموال المسروقة من قبل عائلة شيبوب وشركائها، منهم الرئيس بن علي بعدة مئات الملايين من الدولارات، مودعة في عدة بنوك أجنبية في أوروبا، وبعض بلدان أميركا اللاتينية. وقد استخدمت هذا الأموال ظاهرياً لدفع مشتريات الرئيس بن علي في الأرجنتين، وفلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، كما أكدت ذلك صحيفة البايس الإسبانية. زد على ذلك، فإن افتراض التحويل المتأتي عن عملية تبييض الأموال من تجارة المخدرات لحساب مجموعات أميركية لاتينية يكتسب صدقيته. ولم يكن تعيين محمد علي دواس، ابن أخ الرئيس بن علي محافظاً للبنك المركزي، في حين لم تكن لديه أي ثقافة بنكية، مفاجئاً في شيء. في الواقع، يُقدر تحويل الأموال بالعملة الصعبة خلال السنوات الماضية بنحو 4.5 مليار دولار حسب الدراسة الجديدة المقدمة من صندوق النقد الدولي ( كانون أول/ ديسمبر 1996). وتخضع أصول ومقاصد هذه الحركات إلى امتحان دقيق من أجل تحديد درجة تورط هذه العائلة و الدولة البوليسية التونسية والجنرال بن علي في تبييض الأموال، وإعادة هيكلة دولارات تجارة المخدرات.ويقول مسؤولون كبار، وضباط في الجيش وقضاة وحتى بعض الضباط في البوليس، في الصالونات الخاصة، إنهم على دراية بهذه الممارسات، ويستنكرونها بشدة. ومع ذلك، نظراً لسيادة الإرهاب البوليسي، فإنهم عاجزون عن التنديد بإنحرافات للدولة التونسية هذه. ويذكر التونسيون في أحاديثهم اليومية أمثلة يمكن التحقق منها تقريباً «.
رابعا: عائلة سليم زروق
زوج البنت الكبرى للرئيس بن علي، غزوة ، كان في الأصل موظفا معلوماتياً في وزارة الداخلية، وهو قادم جديد على الساحة، غير أنه حقق صعوداً ساطعاً، وبسرعة، وأصبح مالكاً لوحدات تحويل البلاستيك، بسبب التسهيلات غير المحدودة لدى قطاع البنوك الخاضع لسيطرة الدولة بنسبة 70 في المئة. وهكذا وضع يده على ثلثي سوق البلاستيك، الأمر الذي جعل منافسيه يشتكون من نزعته الاحتكارية.واصبح سليم زروق من بين القيادات المتنفذة في اتحاد أرباب العمل التونسيين (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (U.ط.ى،C.إ)، إذ يرأس أحد فيدرالياته. ويتساءل أرباب العمل المنتمون إلى الاتحاد إن كانت مصلحته داخل الاتحاد ليس لها من هدف سوى مراقبته، وتقديم تقارير عن نشاطه إلى الرئيس بن علي. وتمثلت إحدى عملياته الناجحة بشرائه مدة أشهر فقط، شركة عامة عرضت للخصخصة (سيراميك تونس ) بقيمة 17 مليون دولار، بعد أن ردع كل المشترين الأقوياء الذين تقدموا لشرائها بوساطة التهديد في أبريل/نيسان 1996. وقام ببيع هذه الشركة بقيمة 24 مليون دولار في أيلول من العام ذاته، محققاً بذلك ابتزازاً مالياً بقيمة 7 ملايين دولار من المال العام. وحين عبر رشيد صفر ( رئيس حكومة سابق ) عن دهشته بصدد سير هذه العملية، أحيل على التقاعد، في اليوم عينه ، ومن المعروف في تونس أن رئيس الجمهورية يمتلك وحده صلاحيات تعيين وإنهاء مهامه، وهذا يوضح لنا جيداً طبيعة النظام الذي أقامه.ويثابر سليم زروق الملقب بالسيد » سيراميكس « على السير على نهج سليم شيبوب. ولما كان الرئيس بن علي مدافعاً جيداً عن المساواة والعدل بين المواطنين، فإنه يضع أيضاً بناته على قدر من المساواة في نطاق سياسة النهب.من جهة أخرى، أشرك الرئيس بن علي سليم زروق مع سليم شيبوب في عقد الصفقات المحققة من أجل شراء أربع طائرات بوينغ من قبل شركة الخطوط التونسية. وقد استطاع سليم زروق وزوجته أن يحققا ثروة قدرت بقيمة 42 مليون دولار، الأمر الذي جعل »المجموعة الوطنية «، العارفة بجميل رجل الأعمال اللامع هذا ، تمنحه مجاناً قطعة أرض في قرطاج، حيث يشيد فيها قصراً يليق بموهبته الفذة
خامسا: عائلة مبروك
تزوجت البنت الثالثة للرئيس بن علي سيرين من ابن رجل أعمال ثري من مدينة المهدية هو علي مبروك في صيف عام 1994، وبسرعة مذهلة سارت هذه العائلة على طريق النهب. فقد فرضت نفسها كوكيلة لشركة ( إلچاتيل) التي فازت بمناقصة تجهيزات الهاتف النقال في تونس، على حساب متعهدين آخرين قدموا منتوجاً أفضل وبكلفة أقل. وقد انسحبت شركة إريكسون من مقرها في تونس، احتجاجاً على هذه الممارسات الاحتيالية. ومكنت هذه العملية سيرين من قبض 1.9 مليون دولار.وبموازاة ذلك، منحت سيرين مهمة الإشراف على الانترنيت، التي تستغلها تحت اسم »بلانيت Pلانيت «، وتدر عليها ارباحاً طائلة، بعد أن أجبر الرئيس بن علي كل المؤسسات العامة والمؤسسات الجامعية والثانوية والابتدائية على الاشتراك في الانترنيت. وزد على ذلك، اشتركت سيرين بن علي بدعم من والدها في صفقة شراء طائرات إيرباص من قبل شركة الخطوط التونسية.أخيراً، كان الرئيس بن علي عادلاً، إذ أنه لم يحرم أي من بناته الثلاث من القبض على مستحقاتها من صفقة مهمة جداً ألا وهي تحديث أسطول طيران شركة الخطوط التونسيه
سادسا: عائلة الطرابلسي
هي عائلة الزوجة الثانية للرئيس بن علي ليلى الطرابلسي، وتتألف من 11 أخاً وأختاً، وهي الأكثر عدوانية، والأكثر جشعاً، وخصوصاً الأكثر تورطاً مع النظام السياسي القائم. وفي الواقع الفعلي، تسيطر هذه العائلة مباشرة على الحرس المقرب جداً من الرئيس بن علي، منهم عبد الوهاب عبد الله الناطق الرسمي باسم الرئاسة، والمتلاعب والرقيب للإعلام، وعبد الله الكعبي، وزير الداخلية الحالي، والخليفة المزعوم لبن علي، ومحمد علي قنزوعي كاتب الدولة للأمن الوطني، وعلي بالشاوش وزير الداخلية السابق. ويعتبر محمد شكري مهندس كل الدسائس السياسية لهذه العائلة المافياوية، وهو مرتزق يعمل في الظل حسب محاورينا. ويضم فريق محمد شكري رجالاً سياسيين أكثر فأكثر، أمثال عبد الرحيم الزواري وزير الخارجية السابق، وأمين عام حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقاً، وعبد الله كعبي محافظ مدينة تونس سابقاً، وعبد العزيز بن ضياء، ومصطفى بوعزيز وزير أراضى الدولة، وكذلك العديد من المسؤولين الكبار في وزارة الداخلية. ويتخذ هذا الفريق القرارات المهمة ( تعيينات، إعفاأت.. الخ ) عقب الاجتماعات التي تعقد خارج المؤسسات الشرعية،ـ في مزرعة شكري بمرناق، أو في قصره » مريم العذارء – Nوتري ضامي. ثم تقدم هذه القرارات إلى الرئيس بن علي – المتورط حتى النخاع في قضايا النهب – الذي يوافق على تطبيقها.وتتميز هذه العائلة أيضاً بطيش أعضائها. فمراد، الأخ الصغير لليلى ( 36 سنة ) متورط مع ابن أخته سفيان الطرابلسي في تجارة المخدرات، التي انفجرت في شهر كانون ثاني 1998. وعلى الرغم من أن كل الشباب الموقوفين اقروا في اعترافاتهم بأن مراد وابن أخته هم الممولون الرئيسيون للمخدرات، إلا أنه لم يتم التحقيق معهما من قبل البوليس، الأمر الذي يؤكد حسب الشخصيات المحقق معها مدى استقلال القضاء في دولة الحق والقانون.ويركب أبناء أخ زوجة الرئيس السيارات الفاخرة، ويأكلون في المطاعم من الدرجة الممتازة، ويسهرون في المراقص الليلية وفنادق الحمامات، تحت حماية أجهزة البوليس.أما أخ ليلى، بلحسن الطرابلسي، فبعد زواج أخته من الرئيس بن علي، طلق زوجته الأولى، وتزوج بنت هادي جيلاني، رئيس اتحاد أرباب العمل التونسيين، الذي دخل بالمناسبة في عائلة السلطان، وتم محو الفوائد على ديونه المستحقة والمقدرة بنحو 54 مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 45 مليون دولار. واُتُخذَ هذا القرار في اجتماع مجلس الوزراء، الأمر الذي جعل بعضهم يرى أن هادي جيلاني باع بنته في بلد تم فيه القضاء على نظام الرق في عام1848. وقد اشتهرت هذه العائلة، حالياًَ باختلاس الموروث العقاري للدولة، بعد ان وضعت يدها على عقارات تعود ملكيتها لأجانب بطريقة غير شرعية مستخدمة الحيل وتزوير الوثائق. ويذكر محاورونا على سبيل المثال حال الأرض المفرزة » خمسة «. فقد منح بلحسن الطرابلسي قطعة ارض بمساحة عدة هكتارات في رأس قرطاج في المنطقة السياحية من قبل الوكالة العقارية للسياحة، بقصد بناء فندق سياحي، بفضل الأموال المتأتية من الابتزاز والنهب (40 مليون دولار). غير أن التونسيين فوجؤا بإعلان في الصحافة في شهر أيار 1998، بطرح بيع مساحات من الأرض المذكورة إلى الخواص بقيمة 300 دينار تونسي ( 300 دولار ) للمتر المربع الواحد، في حين أن قطعة الأرض هذه منحت إلى بلحسن الطرابلسي بسعر رمزي هو 30 دولاراً للمتر المربع الواحد ( وهذه العملية فريدة في نوعها في المناطق السياحية ). وفي ضاحية قمرت، فعل مراد الذي ذكرناه آنفاً أفضل من أخيه بلحسن، إذ منحت الدولة قطعة ارض للوكالة العقارية للإسكان (7000 متر مربع )، وبدلاً من أن تقوم هذه الأخيرة بتخصيصها وبيعها إلى المواطنين، قامت الوكالة ببيع قطعة الأرض هذه إلى مراد الطرابلسي بقيمة رمزية هو 30 دولاراً للمتر المربع الواحد، الذي قام بدوره بتخصيصها وبيعها من جديد بقيمة 320 دولاراً للمتر المربع الواحد، الأمر الذي مكنه من ربح مليوني دولار أميركي في بحر بضعة أسابيع.وفي منطقة مرسى الصنوبر، حقق مراد عملية من طبيعة أخرى. فقام بشراء قطعة أرض تقع في منطقة مصنفة أثرية منذ ما يقارب أكثر من نصف قرن بسعر رمزي، وقامت الدولة بأوامر من الرئيس بن علي بإسقاط صفة الأثرية عن قطعة الأرض هذه، وتحويلها إلى منطقة حضرية. وهو ما مكن مراد من تخصيصها وبيعها بقيمة 320 دولاراً للمتر المربع الواحد، وحصل بذلك على ربح بضعة ملايين من الدولارات تم إيداعها في بنك سويسري.ويضيف الأشخاص الذين قدموا لنا المعلومات حول هذه القضايا، أن الوزراء والمسؤولين الذين سمحوا وابتلعوا هذه الاختلاسات لن يقلقوا من المتابعة القضائية، مثل وزراء السياحة، والثقافة، وديوان قياس الأراضي، والتجهيز، وكذلك مسؤولي الوكالة العقارية للإسكان، وشيخ بلدية المرسى. فالرئيس بن علي نفسه، بنى قصراً في منحدر هضبة سيدي بوسعيد على ارض تعود ملكيتها لوزارة الدفاع، تم فيما بعد إسقاطها. فلا ثروته الشخصية ولا راتبه كرئيس منذ ما يزيد على عشر سنوات، يسمحان له ببناء مثل هذا القصر.وفي ملف آخر، يبتز بلحسن الطرابلسي مالياً شركة فوسفات قفصة والمجموعة الكيماوية التي يرأسها رافع دخيل، المتواطئ معه. إنهما يقبضان عمولات عن كل ما تبيعه أو تشتريه هاتان الشركتان، وقد صرح لنا كوادر هاتين الشركتين، بأنهما يحصلان على ملايين الدولارات سنوياً. وقد بنى رافع دخيل فيلا فاخرة في حي المنار بقيمة ثلاثة ملايين دولار. ويؤكد لنا المسؤولون الذين قاموا بإطلاعنا على مكان هذه الفيلا، أن من المستحيل على أي رئيس أو مدير عام، مهما كانت رواتبه والحوافز المالية التي يتقاضاها من الشركة، أن يكون بمقدوره بناء مثل هذا البناء الفاخر. ويطمح رافع دخيل إلى أن يصبح وزيراً للإقتصاد، الأمر الذي سيمكن مافية الطرابلسي من القيام بمزيد من الاقتطاعات المالية، ومزيد من الاختلاسات.وتمكن بلحسن هذا نفسه، في إطار عمليات خصخصة شركات القطاع العام التي تمت في جو من الشفافية حسب الخطاب الرسمي، من تملك » شركة النقل « بالاشتراك مع والد زوجته هادي جيلاني، وهي شركة عامة، ممثلة لشركة فولسفاغن Wولكسواعين، وبدعم من فريق تونس العاصمة، المتكون بشكل خاص من حمودة بلخوجة، الرئيس المدير العام للبنك العربي – التونسي، ورئيس بلدية المرسى، ومن جعفر محسن كادر سابق في الشركة عينها. وفضلاً عن ذلك، فإن بلحسن هو الممون لكل مواد الأشغال العامة، التي يقتنيها من وزارة التجهيز. وهذه العمليات يحققها حمادي طويل، وهو شخص آخر يضطلع بتبعات عمل أو عقد بدلاً من صاحبها الحقيقي، وشريك لعائلة الطرابلسي. ولا يتردد بلحسن في أي لحظة عن ابتزاز مصارف القطاع العام. ويوضح المثال التالي الذي كشفه لنا أحد مسؤولي بنك الجنوب، نموذجاً لهذا الابتزاز. لقد اشترى عفيف كيلاني الشركة العامة » الرفاهية Lي Cونفورت « في عام 1993 – 1994 بفضل قرض بنكي بقيمة 50 مليون دولار. وبدلا من أن توضع هذه الأموال في خزينة الدولة، تقاسمها عفيف مع بلحسن من أجل الحصول على حمايته.إزاء هذا الوضع، نفذ عمال هذه الشركة إضراباً مطالبين بالحصول على رواتبهم. وبعد ذلك، عدل عفيف عن تملكه شركة » الرفاهة « وأعادها إلى الدولة، وأوقفت الشركة نشاطها حالياً. وفي غضون ذلك، تبخر القرض بقيمة 50 مليون دولار، فلا يستطيع البنك استعادته بأي حال من الأحوال. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية الشاذلي نفاتي بأنه قدم الملف بنفسه المتصل بهذه القضية إلى رئيس الجمهورية، الذي أمر بحفظه.اشتهرت عائلة الطرابلسي بفظاظة أساليبها. وتذكر الأوساط الدبلوماسية في هذا الصدد الاحتلال بالقوة لمنازل في ضاحية قرطاج تعود ملكيتها لأجانب، مثل منـزل السيدة لوهمان طبيبة فرنسية من أصل تونسي، الذي احتله أعوان السيدة الأولى لكي تسكن فيه أمها. وقد سمّمت هذه القضية العلاقات الفرنسية التونسية إلى درجة أن رئيسي الحكومة الفرنسية بالتناوب بالادور وجوبي رفضا زيارة تونس ما لم تتم تسوية هذه القضية. وهناك احتلالات همجية أخرى لمنازل تعود ملكيتها إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة، أساءت إلى العلاقات التونسية – الجزائرية.وكان مهندس هذه الاحتلالات محمد شكري، الذي يحمل صفة محافظ، وله مكاتب في وزارة الداخلية. وقد استخدم هو مثل هذه الأساليب في البداية، فأصبح» مالكاً « لعشرات المنازل التي تعود ملكيتها في الأصل لأجانب، وتقع في » المدينة الجنائنية « لتونس. يعتبر الابتزاز المالي من أخطر ممارسات أعضاء عائلة الطربلسي إزاء رجال الأعمال والشركات الوطنية والدولية، التي يترتب عليها دفع مبالغ مالية ضخمة تحت طائلة الملاحقة من قبل وزارة المالية، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNصص ). ويقود هذه المؤسسة الأخيرة عبد الحميد نويرة رغم معارضة أربع وزراء تناوبوا على وزارة الشؤون الاجتماعية، لا لشيء إلا لأنه يعمل لمصلحة العائلات المافياوية. ولهذا السبب رددت افتتاحية جريدة الشعب لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل في عددها الصادر بتاريخ 15 آذار/مارس 1997 مغامرات مطلعين على الإجرام لمصلحة سلطات سرّية. وقد عرض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNصص ) للبيع في المزاد العلني حقوق اكتتاب على أسهم الاتحاد الدولي للبنوك الذي يملكه، قبل ربع ساعة من انتهاء تقديم العروض، وذلك بعد أن تعمد ترك سعر السهم الواحد ينزل إلى ثمن زهيد (0.5 دولار مقابل 3.5 دولار في الصباح ). وقد قدرت الفوائد التي حققها المشترون لهذه الحقوق بنحو 2.5 مليون دولار. وكان المشترون حقوق الاكتتاب هذه هم عزيز ميلاد، وسليم مرزوق، وأحد أخوة عائلة الطرابلسي. وبلا شك فإن مبلغ 2.5 مليون دولار يمثل خسارة »طواعية « لصندوق التضامن الاجتماعي.وتتمتع عائلة الطرابلسي بامتيازات مالية استثنائية. وفي هذا السياق، حمت هذه العائلة مدة طويلة مصرفي كبير هو السيد منصف كعوش الذي يرأس عدة بنوك: بنك الجنوب والشركة التونسية للبنك، وكان مكلفا بمهمات ثلاث: الأولى: تمويل شؤون وأعمال عائلة الطرابلسي من دون ضمانات أو فرضيات تشكيكية، والثانية، مساعدتها على تهريب أموالها إلى الخارج، والثالثة ممارسة الضغوط أو عرقلة أعمال الشركات ورجال الأعمال الذين يرفضون دفع »خاوة« إلى أخوة الطرابلسي. وقد سقط هذا المصرفي الكبير لأنه قطع مع قانون الصمت. في العام 1992، رفض المسؤول في بنك وطني، محمد بوعوجة، منح قرض بقيمة 1.5 مليون دولار من دون ضمانات لشركة تأجير سيارات ( Mاعيچ Cارس ) التي يملكها بلحسن الطرابلسي وتدار الآن من قبل منتصر مهرازي صهر ليلى الطرابلسي. فما كان من الرئيس بن علي إلا أن أقاله في اليوم عينه من رفضه التمويل حسب مصدر مسؤول في ذلك البنك.وانتشرت في تونس نصوص سرية بأعداد كبيرة منددة بالاسم بأفـراد عائلة الطرابلسي، وبشكل خاص أزواج أخوات ليلى، مثل » الحاج « » معلّم « غير منازع فيه للتهريب واستيراد المواد الفاخرة التي تباع في شارع زرقون بتونس العاصمة، والذي أحبط محاولة أجهزة الجمارك إجبار تجار الشارع المذكور دفع الحقوق المترتبة عليهم. وقد ذهب محافظ العاصمة شخصياً إلى عين المكان لتقديم اعتذار رئيس الجمهورية إلى تجار شارع زرقون المحميين من قبل الحاج.ومن أبرز الحالات المثارة بقوة من قبل محاورينا حال ناصر الطرابلسي، أخ »الرئيسة« الذي تخصص في احتكار استيراد اللحوم إلى تونس، بالاشتراك مع حبيب الصيد، الذي يشغل منصب رئيس ديوان وزير الداخلية . وقد لعب حبيب الصيد هذا دور الغواصة بالنسبة لعائلة الطرابلسي لدى وزير الداخلية السابق بن رجب المتحالف مع سليم شيبوب، في نطاق الحرب الدائرة بين العائلات المافياوية أمام أعين التونسيين. كما أن حال منصف الطرابلسي، الأخ الأكبر » للرئيسة « أثير بإصرار أيضاً، حيث كان يعمل مصوراً في ليبيا، وأحد رواد سجونها، وعاد إلى وضعه السابق كعامل في أحد المطاعم الحقيرة في حلق الواد. لكن منذ عملية التغيير في 7 نوفمبر 1987، فرض نفسه كرجل أعمال عديم الاستقامة بالاشتراك مع ياسين هميلة، المتخصص في استيراد المواد الغذائية ( موز، تون، عسل الخ ). ونظراً لانتمائه إلى عائلة الطرابلسي، فهو معفى من دفع الضرائب إلى أجهزة الجمارك عن كل المواد المستوردة. وهكذا، يقوم بسرقة ملايين الدنانير من المال العام، وتحوَّل إلى البنوك الفرنسية والسويسرية لاحقاً. وعرف عنه احتقاره للقانون وللمواطنين، حسب ما يتردد عنه في الأوساط الشعبية، خاصة في ضاحية رادس، جنوب العاصمة، حيث يحتل منصب نائب رئيس بلديتها «.
سابعا: عائلة الفآر بن علي
في السابق كان أخو الرئيس يرأس هذه العائلة، وهو منصف بن علي، عريف سابق في الجيش، ومؤتمن على أسرار الرئيس، ومعروف في أوساط طبقة اللصوص والحرامية منذ السبعينات. وقد توفي في ظروف غامضة في نيسان/أبريل 1996. وإذا وضعنا جانباً الموت الطبيعي، فهناك احتمال يبرز على السطح، ويتمثل في التصفية الجسدية من قبل المافيا الإيطالية بسبب الاختلاف على تقاسم عوائد بيع المخدرات، إذ أن البوليس لم يسمح لأحد بالإقتراب من جثة المغدور. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن منصف بن علي كان قد حكم عليه غيابياً من قبل محكمة فرنسية بالسجن مع الأشغال الشاقة مدة 12 عاماً. أما شركائه من التونسيين المقيمين في فرنسا، الأخوة روما، فقد قبلوا التعاون مع البوليس الفرنسي، وأطلق سراحهم مؤخراً، ولم يطردوا من الأراضي الفرنسية، ويعيشون تحت الحماية الفرنسية مخافة من ردود أفعال الرئيس بن علي. وفي هذه القضية، تورطت الدولة التونسية في الدفاع عن المتهم منصف بن علي، وعهد بالدفاع في هذه القضية إلى أحد المحامين المقربين من الرئيس بن علي هو عبادة الكافي، الذي تحول إلى باريس. وقامت الوكالة التونسية للاتصال الخارجي ( إطCى) ء وهي مؤسسة حكومية ء بحملة إعلامية شرحت فيها أن المدعو منصف بن علي غير مسجل في سجل الأحوال المدنية، وأن أخ الرئيس يدعى حبيب. وقد كوفئ رئيس هذه الوكالة على جهوده، ومنح منصب وزير لاحقاً. وفي الواقع، منذ بداية العهد الجديد، نصب منصف بن علي نفسه رئيساً في أوساط أولئك الذين يسيؤون استعمال الوظيفة. فقد بدأ يوزع الرخص الممنوحة بصعوبة من قبل وزارة الداخلية: بارات، مقاهي، مطاعم، أماكن لبيع الكحول، صالات ألعاب بقيمة 10000 دولار عن كل رخصة. كما منح شركاءه في تجارة المخدرات جوازات سفر تونسية حقيقية، ولكن بأسماء مستعارة، نظراً لسيطرته على أجهزة البوليس. وكانت هذه العمليات تدر عليه مبلغاً بقيمة 15000 دولار عن كل عملية، كما ذكر لنا أحد أصدقائه، وقد تخلى مؤخراً عن العمل في هذه الأوساط المرموقة. وبما أن مؤسسة القضاء فاسدة ومخترقة في تونس، فقد نصب منصف بن علي نفسه »رئيساً لهذه المؤسسة «، حيث أنه بإمكان أي أحد إذا أراد أن يكسب حكماً لمصلحة قضيته، أن يدفع ما بين 20 ألف دولار إلى 30 ألف دولار إلى منصف بن علي. ولما رفض أحد القضاة الإذعان لمثل هذا الأسلوب طرد من باب القصر العدلي أمام أعين كل الناس، وبلا أي تفسير كما روى لنا ذلك أحد المحامين المشهورين في تونس. كما تخصصت أكثر من عشرين شركة استيراد وتصدير، وشركات خدمات أخرى بمشاركة أجنبية في رأسمالها، والتي تعود ملكية بعضها إلى منصف بن علي أو إلى رجاله فاقدي الشخصية من غازي ملولي، وأحمد قبي، في تبييض اموال المخدرات لحساب مجموعة إيطالية أو أميركية لاتينية. وقد وظف منصف بن علي محاميين يعملان كامل الوقت في مكتبه بالمدينة الأولمبية من أجل الاشراف على تركيب عملياته المعقدة. ويمتلك منصف بن علي قصراً فخماً في مرناق، المنطقة الزراعية، وهو شبيه بقصور رؤساء الكارتلات في الميدلاين (Mيدلين) ويتحرك دائماً في سيارة مصفحة وتحت حراسة مشددة. وبعد موته، استمرت أعمال العائلة في الازدهار تحت قيادة الرئيس بن علي نفسه. لقد تخصصت عائلة بن علي بالاستيراد عن طريق تهريب الأشياء الثمينة، من السجائر، والكحول الفاخرة، والموز، والماكينات الإلكترونية، وألعاب البليار.. الخ. أما مكان نشاط هذه العائلة، فقد تمركز في منطقة سوسة مسقط رأسها، حيث تعيد استثمار أموالها في الفنادق. وقد بنت هذه العائلة فندقين بقيمة 45 مليون دولار: الأول تعود ملكيته لأخ الرئيس بن علي في حمام سوسة، والثاني بنته أخته الكبرى حورية التي توفيت منذ سنوات قليلة. وهذه المعلومات يمكن التأكد منها لدى سجل الديوان التونسي للسياحة.وشقيقتها نعيمة التي تشارك مع ابنها عماد لطيف في حالات الغش والتدليس في الممتلكات العقارية مع إدارة شؤون الدولة والمواطنين من العديد من التونسيين ضحيةأعمالهم واحتكاراتها جمارك والموانئ تونس أما الأخت الصغرى للرئيس بن علي حياة، والتي يمثل زوجها سيفي المنظمة الوطنية للعمال التونسيين في ألمانيا (ON طط ) فقد تخصصت في تهريب الذهب والماس، وقد أكد لنا رجال الجمارك هذه الحقائق. ويحتكر ابن أخي الرئيس بن علي صلاح، قيس بن علي توزيع الكحول في منطقة الساحل التونسي، حيث اقتصر دور البوليس على حماية زبائنه حسب رواية أحد العاملين في محافظة مدينة سوسة. وفضلاً عن ذلك، فقد منحته إدارة تليكوم استثمار مجموع التاكسيفون (الهاتف العام) في كل المطارات التونسية، كما استعاد سفيان بن علي ابن المتوفى منصف بن علي قسما من نشاط والده في استيراد وتوزيع المخدرات، ولما اتهمته بعض الجهات الرسمية، غادر تونس بضعة أسابيع بناء على توجيهات عمه الرئيس، لكي تمر العاصفة. وقد اشترى مؤخراً كل الفري – شوب ( FRىى صحOP) في كل المطارات التونسية، حيث عهد استثمارها إلى شركة سويسرية متخصصة ( Wييتناوير)، الأمر الذي مكنه من ربح ملايين الدولارات سنوياً.
وهناك أعضاء آخرون من العائلة يحتلون وظائف رسمية أمثال مهدي مليكة ابن أخي الرئيس الذي عين وزيراً للبيئة، من غير أن يحمل شهادة جامعية. وقد وصف بأنه رجل متعجرف وعديم الذمة. وهو الآن يمتلك ثروة تقدر بنحو 40 مليون دولار، ويلقبه كوادر وزارته بالسيد 20 %، لأنه يفرض على كل الموردين للخدمات أو للأعمال دفع كومسيون بقيمة 20 %. ويمتلك قصرين، الأول في تونس العاصمة بمنطقة المنار، والثاني في حمام سوسة، وهو بصدد بناء قصر ثالث في ضاحية قمرت بتونس الشمالية، بعد أن قام بتخريب قسم من البيئة الخضراء المحيطة به.وهو شريك مكتب للدراسات متخصص في دراسة التأثيرات المختلفة على المحيط البيئي. وهذا الوضع يفرض على أي شركة صناعية تريد فعلاً الحصول على ترخيص لإقامة مصنعها أن تمر أتوماتيكياً على هذا المكتب.
أما حامد مليكة المستشار في القصر، فتكمن مهمته في اقتطاع كومسيونات عن كل الصفقات التي تبرمها الرئاسة، حسب المعلومات المقدمة لنا من قبل ضباط من البوليس. ويحتل الابن الأكبر من عائلة مهيري ( أبناء عم الرئيس ) منصب رئاسة الاتصالات لمنطقة تونس، حيث تكمن مهمته في التنصت على المكالمات الهاتفية لمصلحة الرئيس، الذي ينعم عليه من أموال الصناديق السوداء. أما الأخ الأصغر ظفر الله مهيري صاحب نص ممنوع نشره وتوزيعه في تونس ويحمل العنوان التالي » جمهورية ابن عمي « فقد عاد من باريس بعد إبرام تسوية بين أبناء العم، ومنح منصب مراقبة الأنترنيت ليمنع بذلك التونسيين من الدخول إلى مواقعها الحساسة . وقد تم وضعه على رأس هذه المؤسسة من قبل أحد أخويه في كانون ثاني عام1997. ويعمل الآن مستشاراً للبنوك، ويتمتع بامتيازات كثيرة، من دون أن يكون له دوام فعلي، كما أكد لنا مدير بنك الجنوب. وهناك ابن أخت بن علي، محمد علي دواس، الذي أصبح محافظاً للبنك المركزي في بداية عام 2001. وهناك عدد هائل من هذه العائلة الكبيرة تم تعيينهم في مناصب بالخارج، كممثلين للمصالح التونسية، وهي وظائف تمكن هؤلاء من الإثراء السريع عن طريق نهب أموال الدولة التونسية «.
ثامنا: عائلة الجري
هذه العائلة محمد الجري، الذي كان في البداية مجرد موظف في الدولة، لكنه أصبح بعد ذلك الرجل القوي بعد بن علي طوال ثماني سنوات، بوصفه مديراً لديوان الرئاسة. إنه ينفذ كل الأوامر الموكلة إليه، مقابل السماح له بإنشاء جمعية إساءة سوء استعمال الوظيفة مع الأخوة مزابي، منصف، مزوغي، وصادق، وهم رجال أعمال من مدينة جربة بالجنوب التونسي، حيث كان الأول أحد أعضاء لجنة تنظيم الحملة الانتخابية للرئيس. وقد استفادوا جميعاً سنوات طويلة من احتكار استيراد سيارات الشحن » سكانيا – صچانيا «، وهم الآن يسيطرون على أربعين شركة في مختلف الميادين.وفي الوقت عينه، تسيطر عائلة محمد الجري بالاشتراك مع أعضاء من عائلته على بنك لا شكلي يعمل في الواقع، على الطريقة المؤدية إلى ليبيا في مدينة مدنين، كمركز مالي لتصريف العملة الليبية بطريقة غير شرعية، وخارج نطاق معدلات الصرف الرسمية. وهكذا يحول هذا البنك أكثر من نصف مليون دولار يومياً، مستفيداً من الحصار الذي كان مضروباً على ليبيا منذ العام 1992.وحصلت عائلة الجري على ملكية شركة تابعة للقطاع العام تم تخصيصها بقيمة (700000) ألف دولار في نهاية عام 1995، في حين أن سعرها الحقيقي قدر من قبل أحد محاورينا بنحو 4.5 مليون دولار. وعندما فقد محمد الجري حظوته لدى رئيس الدولة، اجتمع مجلس وزراء ضيق بهدف دراسة حالة قطاع النقل في تونس «.
الخـاتمـة
نستخلص من هذا العرض حول الفساد في تونس، الذي كثيراً ما ينطوي على تحويل أو تحريف وجهة الموارد المالية أو الخدمية من الاستفادة العامة إلى العائلات الخاصة النهابة، إذ غالباً ما يتطلب هذا التحريف تحويلاً للأموال إلى مصارف وبنوك أجنبية، ما سبب حدوث تسريبات ضارة بالإقتصاد الوطني تعمل على زيادة عرقلة التنمية الإقتصادية. والفساد في تونس له علاقة بالمتغيرات الإقتصادية و الاجتماعية الناجمة عن سياسة الخصخصة، التي بدأ النظام يطبقها منذ مجيء الرئيس بن علي إلى السلطة. وفي ظل غياب قوانين صارمة ضد الاحتكار تعني الخصخصة استبدال احتكار القطاع العام باحتكار القطاع الخاص، وهذا يؤدي إلى استشراء الفساد بكلفة إقتصادية واجتماعية كبيرة. هناك حاجة إلى موازاة التخصيص مع وجود قوانين ضد الاحتكار لدرء الفساد، وهذه القوانين كانت علامات أساسية في التطور الإقتصادي في الدول الرأسمالية المتقدمة. يعمل الفساد في تونس على تقزيم التنمية الإقتصادية، ويعمل أيضاً على مفاقمة الفقر، لأن الطبقة السياسية الحاكمة التي وصلت إلى السلطة في الـ 7 من نوفمبر 1987، أحاطت نفسها فجأة ببهارج السلطة ومفاتنها، لا سيما سبل الوصول إلى الموارد المالية والسلطة الاستثنائية في منح العقود والمجاملات. وقد اجتهدت هذه الطبقة السياسية التي تلوثت بالفساد حتى النخاع، بعد أن ذاقت ثماره في جعل الفساد منهجياً ومستديماً بذاته، بحيث أنه تحول إلى »مؤسسة «. كما أن ممارسات الفساد في تونس ليست مجرد ممارسات فردية خاصة لهذه العائلة أو تلك من العائلات النهابة، كما جاء في حيثيات قضايا الفساد الكبرى التي تم عرضها في هذا الفصل من الكتاب، وإنما هي تتحرك من خلال » أطر شبكية « و » مافيات « منظمة، وهكذا تكتسب ممارسات الفساد طابعاً مؤسساتياً في إطار تلك » المنظومات الشبكية «. إن للفساد آثاراً سلبية ومدمرة على الاستثمار الأجنبي والمساعدات الأجنبية، والتنمية الإقتصادية، حيث أن الفساد يعوق التنمية السياسية ويقوض الفعالية والكفاءة الإدارية، وشرعية القادة السياسيين والمؤسسات السياسية. غير أن الفساد ما كان له أن ينتشر في تونس، وينمو ويزدهر، لولا أنه لم يجد » بيئة حاضنة للفساد «. هذه البيئة الحاضنة للفساد، هي الدولة البوليسية بزعامة الرئيس بن علي، الذي ترك العنان للفساد يستشري في تونس، ولم يمارس أي دور في كبح جماحه. بل أن هذه الديكتاتورية البوليسية لجأت إلى تأسيس علاقات وروابط مع رجال » البزنس « لاقتسام العمولات والصفقات والغنائم ليس فقط كنتيجة لضعف رموزها أمام إغراأت المال والثراء، وليس فقط بدافع تأمين المستقبل وإنما أيضاً لضرورات البقاء في السلطة. وكلما تعززت علاقات الطرفين وتشابكت مصالحهما قويت دافع الطبقة الأخيرة لحماية النظام وإحاطته بسياج من الولاء مدفوع الثمن. وهذا تحديداً ما ساعد بن علي على الاحتفاظ بالسلطة طويلاً. وحين تكون السلطة السياسية القائمة هي التي تحث على الفساد، لا بل، تدفع إليه دفعاً منظماً ، كما هي الحال بالنسبة لسلطة السابع من نوفمبر في تونس، فإن الفساد يصبح »مؤسسة«. فكما يقول المثل الشعبي » االسايب يعلّم السرقة
إن مكافحة الفساد، تتطلب توافر الإرادة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتقوية المؤسسات، فضلاً عن دور التعاون الدولي. إلى أن القضاء على التداعيات السلبية للفساد على عملية التنمية ومسيرة التقدم في الوطن العربي، يتطلب التحرك على المحاور الرئيسية التالية:
1 ـ محور توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة: ويقتضي ذلك توسيع دائرة الرقابة والمساءلة من جانب المجالس التشريعية والنيابية، والأجهزة الرقابية، ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق درجة أكبر من » الشفافية « في العقود الدولية والعطاأت وإتفاقيات المعونة، للقضاء على ما يسمى بـ » الفساد الكبير «. وليس هناك من شك في أن الضمان الحقيقي لحل » مشكلة الفساد « حلاً جذرياً يكمن في تداولية السلطة، حتى لا يعشش الفساد طويلاً ويتم توارثه والتستر عليه. وهنا يبرز دور الإعلام والصحافة إن ٱصلح في تسليط الضوء على » الفساد الكبير « في أعلى المواقع، مع توافر الضمانات القضائية اللازمة لحصانة الصحفي ورجل الإعلام.
2 ء محور الإصلاح الإداري والمالي : لا بد من وضع القواعد والضوابط اللازمة لمنع »التداخل « بين الوظيفة العامة وممارسة النشاط التجاري والمالي ( بالأصالة أو بالوكالة ) لمنع اختلاط المال العام والمال الخاص. وهذا يقتضي بدوره إعادة النظر في اللوائح المالية والإدارية والشفافية، وتشديد القيود والضوابط والقضاء التدريجي على مفهوم » الدولة –
3 ء محور إصلاح هيكل الأجور والرواتب : ولكي يمكن محاصرة الفساد عند أدنى المستويات، لابد من تحسين أوضاع صغار الموظفين وكبارهم في الخدمة المدنية، من حيث مستوى الأجور والمرتبات وبما يتمتعون به من مزايا، حتى تصبح تلك الأجور والمرتبات أداة لـ » العيش الكريم « (Lيڢينع واعيس)، مما يساعد على زيادة درجة حصانة » صغار الموظفين « و » كبارهم « إزاء الفساد والمفسدين، وبما يساعد على القضاء على » الفساد الصغير « بأشكاله المختلفة. وغني عن القول أن محاصرة الفساد وتقليص مساحته، يقتضيان التحرك على » المحاور الثلاثة « في وقت واحد.. إذ إن إصلاح هيكل الرواتب والأجور وتحصين »الموظف العام « لا يكفيان وحدهما للقضاء على الفساد
المصدر:شبكة اجيال السلام السلام
تتكون هذه العائلة من ثلاثة أخوة: كمال وصلاح ورؤوف، ويعتبر الأول صديقاً شخصياً للرئيس بن علي منذ وقت طويل. وكانت هذه العائلة القوية والمتكونة من مقاولين في الأشغال العمومية، تمتلك القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل الحكومات، طيلة السنوات الخمس الأولى من تاريخ حكم الرئيس بن علي. وقد احتل أحد أعضاء هذه العائلة مولدي زواري وزارة الفلاحة عن طريق التحالف. وكانت كل الشخصيات التونسية تنتظر في مكتب كمال لطيف القائم بنهج بيروت قبل مقابلته. وقد مكنه هذا الامتياز من الظفر بمعظم عقود مقاولات البناء العمومية، وكل مدير عام لشركة تابعة للقطاع العام مجبر على منحه عقود الأشغال العمومية، لشركته تحت طائلة فصله. وحتى الشركات التابعة للقطاع الخاص، فإنها تخضع للقاعدة نفسها. مثلا لا يستطيع مؤسس فندق أن يحصل على قروض من البنك دون أن يعطي لشركة لطيف مهمة تنفيذ أشغال البناء. وقد استحوذت هذه العائلة على ملايين الدولارات بفضل احتكارها واستحواذها على أسواق مقاولات البناء في القطاعين العام والخاص.غير أنه منذ عام 1992، سقطت هذه العائلة من برجها العاجي بسبب خلاف نشب بين كمال لطيف وبن علي، حيث رفض الأول دخول عائلة مافياوية جديدة في نظام النهب، أي عائلة ليلى الطرابلسي الزوجة الثانية للرئيس بن علي، ومنذئذ خضعت عائلة لطيف لعقوبات صارمة، ووضعت تحت الرقابة البوليسية، وأحرقت عدة مقرات لها، والتزم أعضاؤها سياسة الصمت ثمن بقائهم على قيد الحياة «.
ثانيا: عائلة عمار
ظهرت هذه العائلة الثانية في عام 1987 أيضاً. وكان رئيسها حبيب عمار، أحد المنظمين للانقلاب العسكري، ووزير الداخلية في » العهد الجديد «. وتميز ابنه دريد بطيشه وغطرسته، وقلة الذمة، وانحصرت نشاطاته في الاستيراد غير الشرعي للمواد المحظورة، الكحول، والسيارات الفارهة، وإقامة المشاريع المشبوهة مع شركاء إيطاليين وارتكاب عمليات احتيال، وسلب، ونهب... الخ.ولما وصل تعميم إلى الرئيس بن علي يكشف عن هذه التصرفات المشينة للابن في أيلول 1988، استخدمه هذا لأخير كذريعة لإقصاء الأب حبيب عمار من وزارة الداخلية في نوفمبر 1988، بهدف الاستيلاء على كامل السلطات. وتم تعيين حبيب عمار سفيراً في فيينا، ولم يعد إلى تونس إلا في عام 1995، بوساطة صداقته القديمة مع زوجة بن علي، وبعد إقصاء عائلة لطيف احتل حبيب عمار منصب وزير الاتصالات لكنه أعفي من منصبه في كانون ثاني عام 1997. وكانت العوامل التي أسهمت في سقوطه، جشع أبنائه، وعلاقاته المتميزة مع أجهزة المخابرات الليبية وبعض ضباط الجيش، إضافة إلى خشية بن علي منه، باعتباره رجلاً عسكرياً مثله «.
ثالثا: عائلة شيبوب
تعتبر عائلة شيبوب الأقوى من بين كل العائلات النهابة، بإجماع كل المراقبين للأوضاع التونسية.يرأس هذه العائلة سليم شيبوب، الذي كان صاحب مقهى حتى عام 1987، وزوج بنت الرئيس بن علي الثانية دورصاف، ويرأس منذ مدة نادي الترجي الرياضي التونسي (ى. ص. ط ) أقوى أغنى الأندية التونسية على الإطلاق.تضم عائلة شيبوب التي يرأسها سليم، أخويه عفيف وهو نائب في البرلمان، ورئيس لجنة في الجمعية الوطنية، وصاحب شركة تأمين، وقد وضع يده على كل أسواق التأمين منذ بداية العام 1990، وهي تدر عليه أرباحاً تفوق المليون دولار سنوياً. ويضطلع في بعض الأحيان بالقيام بمتابعة أعمال أو عقود مشبوهة بدلا من صاحبها الحقيقي أخوه سليم. أما أخوه الثاني إلياس، فهو متخصص في تصدير منتجات البحر، ويتمتع بامتيازات كبيرة في هذا المجال. وتوظف هذه العائلة خدمات عدد كبير من رجال الأعمال مثل يوسف زروق، تاجر سلاح معروف من قبل أجهزة المخابرات الغربية لأنه كان أحد موردي الأسلحة إلى العراق طيلة حرب الخليج الأولى، أو عزيز ميلاد أيضاً، صاحب عدة فنادق، ولديه الآن ثروة طائلة، ويملك أسهماً كبيرة في عدة بنوك، حصل عليها في ظروف مشبوهة، ويلعب منذئذ دور المسخر لبن علي نفسه لشراء العقارات في أميركا اللاتينية وخاصة في الأرجنتين.ويتمثل اختصاص رئيس هذه العائلة سليم شيبوب وشركاته في التوسط بين الشركات الأجنبية ومؤسسات الدولة التونسية، ويحصل على نسبة مئوية ناتجة عن كل الصفقات العمومية الدولية. فقد كان الوسيط عندما اشترت الخطوط التونسية للطيران أربع طائرات بوينغ وأربع طائرات إيرباص. وكذلك في صفقة الاتصالات التي انتزعتها شركة نورثرن تيليكوم (Nورتهيرن طيليچوم) بقيمة 480 مليون دولار، وصفقة توربينات الغاز لحساب الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (صطىG)، التي انتزعتها الشركة الإيطالية (إنسالدو) بقيمة 200 مليون دولار، وصفقة شراء سفن من قبل الشركة الوطنية للملاحة وهي في طور إعادة الهيكلة على طريق عملية تخصيها.إن الشراسة التي يبديها سليم شيبوب في ابتزاز شركات القطاع العام » تثير الإعجاب «، فهو يقبض عمولات عن كل مسحوق الحليب المستورد من الشركة التونسية لصناعة الألبان بفضل تواطؤ أحد أصدقائه المقربين، كمال التليلي، حسبما أكد لنا أحد مدراء شركة (صطىL). وهناك مثال آخر يوضح لنا أسلوب سليم شيبوب في اختلاس الأموال العامة: في آذار/مارس 1997، كانت هناك حالة من المساومات بصدد الفوز بصفقة بناء المدينة الأولمبية برادس (ضاحية لتونس)، بقيمة 200 مليون دولار، ولم يتم الاختيار بين مختلف المتعهدين، وخاصة الفرنسيين والكوريين الجنوبيين حسب المعايير الموضوعية، » الخاصية التقنية – السعر«، وإنما حسب مقدار العمولة (Lإ،COMMىصصىON) التي يقبل المتعهد بدفعها فقط. وحسب مسؤول كبير في وزارة التهجير، فإن الرئيس بن علي يقرر في اجتماع مجلس الوزراء فقط، عندما يكون صهره قد عقد الصفقة مع المتعهد. ويحتكر سليم شيبوب أسواق تجهيزات وزارة الدفاع أيضاً، إذ استولى بالاشتراك مع عزيز ميلاد، صاحب فندق وصديق شخصي للعائلة على مزرعة تابعة لأملاك الدولة تبلغ مساحتها 1200 هكتار. ويمتلك سليم وزوجته بفضل مساعدة »مكلف تونسي « فندقاً خاصاً في مدينة كان الفرنسية على الشاطئ الأزرق وبناية في باريس بقيمة عشرات الملايين من الفرنكات الفرنسية. وتقدر الأموال المسروقة من قبل عائلة شيبوب وشركائها، منهم الرئيس بن علي بعدة مئات الملايين من الدولارات، مودعة في عدة بنوك أجنبية في أوروبا، وبعض بلدان أميركا اللاتينية. وقد استخدمت هذا الأموال ظاهرياً لدفع مشتريات الرئيس بن علي في الأرجنتين، وفلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، كما أكدت ذلك صحيفة البايس الإسبانية. زد على ذلك، فإن افتراض التحويل المتأتي عن عملية تبييض الأموال من تجارة المخدرات لحساب مجموعات أميركية لاتينية يكتسب صدقيته. ولم يكن تعيين محمد علي دواس، ابن أخ الرئيس بن علي محافظاً للبنك المركزي، في حين لم تكن لديه أي ثقافة بنكية، مفاجئاً في شيء. في الواقع، يُقدر تحويل الأموال بالعملة الصعبة خلال السنوات الماضية بنحو 4.5 مليار دولار حسب الدراسة الجديدة المقدمة من صندوق النقد الدولي ( كانون أول/ ديسمبر 1996). وتخضع أصول ومقاصد هذه الحركات إلى امتحان دقيق من أجل تحديد درجة تورط هذه العائلة و الدولة البوليسية التونسية والجنرال بن علي في تبييض الأموال، وإعادة هيكلة دولارات تجارة المخدرات.ويقول مسؤولون كبار، وضباط في الجيش وقضاة وحتى بعض الضباط في البوليس، في الصالونات الخاصة، إنهم على دراية بهذه الممارسات، ويستنكرونها بشدة. ومع ذلك، نظراً لسيادة الإرهاب البوليسي، فإنهم عاجزون عن التنديد بإنحرافات للدولة التونسية هذه. ويذكر التونسيون في أحاديثهم اليومية أمثلة يمكن التحقق منها تقريباً «.
رابعا: عائلة سليم زروق
زوج البنت الكبرى للرئيس بن علي، غزوة ، كان في الأصل موظفا معلوماتياً في وزارة الداخلية، وهو قادم جديد على الساحة، غير أنه حقق صعوداً ساطعاً، وبسرعة، وأصبح مالكاً لوحدات تحويل البلاستيك، بسبب التسهيلات غير المحدودة لدى قطاع البنوك الخاضع لسيطرة الدولة بنسبة 70 في المئة. وهكذا وضع يده على ثلثي سوق البلاستيك، الأمر الذي جعل منافسيه يشتكون من نزعته الاحتكارية.واصبح سليم زروق من بين القيادات المتنفذة في اتحاد أرباب العمل التونسيين (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (U.ط.ى،C.إ)، إذ يرأس أحد فيدرالياته. ويتساءل أرباب العمل المنتمون إلى الاتحاد إن كانت مصلحته داخل الاتحاد ليس لها من هدف سوى مراقبته، وتقديم تقارير عن نشاطه إلى الرئيس بن علي. وتمثلت إحدى عملياته الناجحة بشرائه مدة أشهر فقط، شركة عامة عرضت للخصخصة (سيراميك تونس ) بقيمة 17 مليون دولار، بعد أن ردع كل المشترين الأقوياء الذين تقدموا لشرائها بوساطة التهديد في أبريل/نيسان 1996. وقام ببيع هذه الشركة بقيمة 24 مليون دولار في أيلول من العام ذاته، محققاً بذلك ابتزازاً مالياً بقيمة 7 ملايين دولار من المال العام. وحين عبر رشيد صفر ( رئيس حكومة سابق ) عن دهشته بصدد سير هذه العملية، أحيل على التقاعد، في اليوم عينه ، ومن المعروف في تونس أن رئيس الجمهورية يمتلك وحده صلاحيات تعيين وإنهاء مهامه، وهذا يوضح لنا جيداً طبيعة النظام الذي أقامه.ويثابر سليم زروق الملقب بالسيد » سيراميكس « على السير على نهج سليم شيبوب. ولما كان الرئيس بن علي مدافعاً جيداً عن المساواة والعدل بين المواطنين، فإنه يضع أيضاً بناته على قدر من المساواة في نطاق سياسة النهب.من جهة أخرى، أشرك الرئيس بن علي سليم زروق مع سليم شيبوب في عقد الصفقات المحققة من أجل شراء أربع طائرات بوينغ من قبل شركة الخطوط التونسية. وقد استطاع سليم زروق وزوجته أن يحققا ثروة قدرت بقيمة 42 مليون دولار، الأمر الذي جعل »المجموعة الوطنية «، العارفة بجميل رجل الأعمال اللامع هذا ، تمنحه مجاناً قطعة أرض في قرطاج، حيث يشيد فيها قصراً يليق بموهبته الفذة
خامسا: عائلة مبروك
تزوجت البنت الثالثة للرئيس بن علي سيرين من ابن رجل أعمال ثري من مدينة المهدية هو علي مبروك في صيف عام 1994، وبسرعة مذهلة سارت هذه العائلة على طريق النهب. فقد فرضت نفسها كوكيلة لشركة ( إلچاتيل) التي فازت بمناقصة تجهيزات الهاتف النقال في تونس، على حساب متعهدين آخرين قدموا منتوجاً أفضل وبكلفة أقل. وقد انسحبت شركة إريكسون من مقرها في تونس، احتجاجاً على هذه الممارسات الاحتيالية. ومكنت هذه العملية سيرين من قبض 1.9 مليون دولار.وبموازاة ذلك، منحت سيرين مهمة الإشراف على الانترنيت، التي تستغلها تحت اسم »بلانيت Pلانيت «، وتدر عليها ارباحاً طائلة، بعد أن أجبر الرئيس بن علي كل المؤسسات العامة والمؤسسات الجامعية والثانوية والابتدائية على الاشتراك في الانترنيت. وزد على ذلك، اشتركت سيرين بن علي بدعم من والدها في صفقة شراء طائرات إيرباص من قبل شركة الخطوط التونسية.أخيراً، كان الرئيس بن علي عادلاً، إذ أنه لم يحرم أي من بناته الثلاث من القبض على مستحقاتها من صفقة مهمة جداً ألا وهي تحديث أسطول طيران شركة الخطوط التونسيه
سادسا: عائلة الطرابلسي
هي عائلة الزوجة الثانية للرئيس بن علي ليلى الطرابلسي، وتتألف من 11 أخاً وأختاً، وهي الأكثر عدوانية، والأكثر جشعاً، وخصوصاً الأكثر تورطاً مع النظام السياسي القائم. وفي الواقع الفعلي، تسيطر هذه العائلة مباشرة على الحرس المقرب جداً من الرئيس بن علي، منهم عبد الوهاب عبد الله الناطق الرسمي باسم الرئاسة، والمتلاعب والرقيب للإعلام، وعبد الله الكعبي، وزير الداخلية الحالي، والخليفة المزعوم لبن علي، ومحمد علي قنزوعي كاتب الدولة للأمن الوطني، وعلي بالشاوش وزير الداخلية السابق. ويعتبر محمد شكري مهندس كل الدسائس السياسية لهذه العائلة المافياوية، وهو مرتزق يعمل في الظل حسب محاورينا. ويضم فريق محمد شكري رجالاً سياسيين أكثر فأكثر، أمثال عبد الرحيم الزواري وزير الخارجية السابق، وأمين عام حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقاً، وعبد الله كعبي محافظ مدينة تونس سابقاً، وعبد العزيز بن ضياء، ومصطفى بوعزيز وزير أراضى الدولة، وكذلك العديد من المسؤولين الكبار في وزارة الداخلية. ويتخذ هذا الفريق القرارات المهمة ( تعيينات، إعفاأت.. الخ ) عقب الاجتماعات التي تعقد خارج المؤسسات الشرعية،ـ في مزرعة شكري بمرناق، أو في قصره » مريم العذارء – Nوتري ضامي. ثم تقدم هذه القرارات إلى الرئيس بن علي – المتورط حتى النخاع في قضايا النهب – الذي يوافق على تطبيقها.وتتميز هذه العائلة أيضاً بطيش أعضائها. فمراد، الأخ الصغير لليلى ( 36 سنة ) متورط مع ابن أخته سفيان الطرابلسي في تجارة المخدرات، التي انفجرت في شهر كانون ثاني 1998. وعلى الرغم من أن كل الشباب الموقوفين اقروا في اعترافاتهم بأن مراد وابن أخته هم الممولون الرئيسيون للمخدرات، إلا أنه لم يتم التحقيق معهما من قبل البوليس، الأمر الذي يؤكد حسب الشخصيات المحقق معها مدى استقلال القضاء في دولة الحق والقانون.ويركب أبناء أخ زوجة الرئيس السيارات الفاخرة، ويأكلون في المطاعم من الدرجة الممتازة، ويسهرون في المراقص الليلية وفنادق الحمامات، تحت حماية أجهزة البوليس.أما أخ ليلى، بلحسن الطرابلسي، فبعد زواج أخته من الرئيس بن علي، طلق زوجته الأولى، وتزوج بنت هادي جيلاني، رئيس اتحاد أرباب العمل التونسيين، الذي دخل بالمناسبة في عائلة السلطان، وتم محو الفوائد على ديونه المستحقة والمقدرة بنحو 54 مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 45 مليون دولار. واُتُخذَ هذا القرار في اجتماع مجلس الوزراء، الأمر الذي جعل بعضهم يرى أن هادي جيلاني باع بنته في بلد تم فيه القضاء على نظام الرق في عام1848. وقد اشتهرت هذه العائلة، حالياًَ باختلاس الموروث العقاري للدولة، بعد ان وضعت يدها على عقارات تعود ملكيتها لأجانب بطريقة غير شرعية مستخدمة الحيل وتزوير الوثائق. ويذكر محاورونا على سبيل المثال حال الأرض المفرزة » خمسة «. فقد منح بلحسن الطرابلسي قطعة ارض بمساحة عدة هكتارات في رأس قرطاج في المنطقة السياحية من قبل الوكالة العقارية للسياحة، بقصد بناء فندق سياحي، بفضل الأموال المتأتية من الابتزاز والنهب (40 مليون دولار). غير أن التونسيين فوجؤا بإعلان في الصحافة في شهر أيار 1998، بطرح بيع مساحات من الأرض المذكورة إلى الخواص بقيمة 300 دينار تونسي ( 300 دولار ) للمتر المربع الواحد، في حين أن قطعة الأرض هذه منحت إلى بلحسن الطرابلسي بسعر رمزي هو 30 دولاراً للمتر المربع الواحد ( وهذه العملية فريدة في نوعها في المناطق السياحية ). وفي ضاحية قمرت، فعل مراد الذي ذكرناه آنفاً أفضل من أخيه بلحسن، إذ منحت الدولة قطعة ارض للوكالة العقارية للإسكان (7000 متر مربع )، وبدلاً من أن تقوم هذه الأخيرة بتخصيصها وبيعها إلى المواطنين، قامت الوكالة ببيع قطعة الأرض هذه إلى مراد الطرابلسي بقيمة رمزية هو 30 دولاراً للمتر المربع الواحد، الذي قام بدوره بتخصيصها وبيعها من جديد بقيمة 320 دولاراً للمتر المربع الواحد، الأمر الذي مكنه من ربح مليوني دولار أميركي في بحر بضعة أسابيع.وفي منطقة مرسى الصنوبر، حقق مراد عملية من طبيعة أخرى. فقام بشراء قطعة أرض تقع في منطقة مصنفة أثرية منذ ما يقارب أكثر من نصف قرن بسعر رمزي، وقامت الدولة بأوامر من الرئيس بن علي بإسقاط صفة الأثرية عن قطعة الأرض هذه، وتحويلها إلى منطقة حضرية. وهو ما مكن مراد من تخصيصها وبيعها بقيمة 320 دولاراً للمتر المربع الواحد، وحصل بذلك على ربح بضعة ملايين من الدولارات تم إيداعها في بنك سويسري.ويضيف الأشخاص الذين قدموا لنا المعلومات حول هذه القضايا، أن الوزراء والمسؤولين الذين سمحوا وابتلعوا هذه الاختلاسات لن يقلقوا من المتابعة القضائية، مثل وزراء السياحة، والثقافة، وديوان قياس الأراضي، والتجهيز، وكذلك مسؤولي الوكالة العقارية للإسكان، وشيخ بلدية المرسى. فالرئيس بن علي نفسه، بنى قصراً في منحدر هضبة سيدي بوسعيد على ارض تعود ملكيتها لوزارة الدفاع، تم فيما بعد إسقاطها. فلا ثروته الشخصية ولا راتبه كرئيس منذ ما يزيد على عشر سنوات، يسمحان له ببناء مثل هذا القصر.وفي ملف آخر، يبتز بلحسن الطرابلسي مالياً شركة فوسفات قفصة والمجموعة الكيماوية التي يرأسها رافع دخيل، المتواطئ معه. إنهما يقبضان عمولات عن كل ما تبيعه أو تشتريه هاتان الشركتان، وقد صرح لنا كوادر هاتين الشركتين، بأنهما يحصلان على ملايين الدولارات سنوياً. وقد بنى رافع دخيل فيلا فاخرة في حي المنار بقيمة ثلاثة ملايين دولار. ويؤكد لنا المسؤولون الذين قاموا بإطلاعنا على مكان هذه الفيلا، أن من المستحيل على أي رئيس أو مدير عام، مهما كانت رواتبه والحوافز المالية التي يتقاضاها من الشركة، أن يكون بمقدوره بناء مثل هذا البناء الفاخر. ويطمح رافع دخيل إلى أن يصبح وزيراً للإقتصاد، الأمر الذي سيمكن مافية الطرابلسي من القيام بمزيد من الاقتطاعات المالية، ومزيد من الاختلاسات.وتمكن بلحسن هذا نفسه، في إطار عمليات خصخصة شركات القطاع العام التي تمت في جو من الشفافية حسب الخطاب الرسمي، من تملك » شركة النقل « بالاشتراك مع والد زوجته هادي جيلاني، وهي شركة عامة، ممثلة لشركة فولسفاغن Wولكسواعين، وبدعم من فريق تونس العاصمة، المتكون بشكل خاص من حمودة بلخوجة، الرئيس المدير العام للبنك العربي – التونسي، ورئيس بلدية المرسى، ومن جعفر محسن كادر سابق في الشركة عينها. وفضلاً عن ذلك، فإن بلحسن هو الممون لكل مواد الأشغال العامة، التي يقتنيها من وزارة التجهيز. وهذه العمليات يحققها حمادي طويل، وهو شخص آخر يضطلع بتبعات عمل أو عقد بدلاً من صاحبها الحقيقي، وشريك لعائلة الطرابلسي. ولا يتردد بلحسن في أي لحظة عن ابتزاز مصارف القطاع العام. ويوضح المثال التالي الذي كشفه لنا أحد مسؤولي بنك الجنوب، نموذجاً لهذا الابتزاز. لقد اشترى عفيف كيلاني الشركة العامة » الرفاهية Lي Cونفورت « في عام 1993 – 1994 بفضل قرض بنكي بقيمة 50 مليون دولار. وبدلا من أن توضع هذه الأموال في خزينة الدولة، تقاسمها عفيف مع بلحسن من أجل الحصول على حمايته.إزاء هذا الوضع، نفذ عمال هذه الشركة إضراباً مطالبين بالحصول على رواتبهم. وبعد ذلك، عدل عفيف عن تملكه شركة » الرفاهة « وأعادها إلى الدولة، وأوقفت الشركة نشاطها حالياً. وفي غضون ذلك، تبخر القرض بقيمة 50 مليون دولار، فلا يستطيع البنك استعادته بأي حال من الأحوال. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية الشاذلي نفاتي بأنه قدم الملف بنفسه المتصل بهذه القضية إلى رئيس الجمهورية، الذي أمر بحفظه.اشتهرت عائلة الطرابلسي بفظاظة أساليبها. وتذكر الأوساط الدبلوماسية في هذا الصدد الاحتلال بالقوة لمنازل في ضاحية قرطاج تعود ملكيتها لأجانب، مثل منـزل السيدة لوهمان طبيبة فرنسية من أصل تونسي، الذي احتله أعوان السيدة الأولى لكي تسكن فيه أمها. وقد سمّمت هذه القضية العلاقات الفرنسية التونسية إلى درجة أن رئيسي الحكومة الفرنسية بالتناوب بالادور وجوبي رفضا زيارة تونس ما لم تتم تسوية هذه القضية. وهناك احتلالات همجية أخرى لمنازل تعود ملكيتها إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة، أساءت إلى العلاقات التونسية – الجزائرية.وكان مهندس هذه الاحتلالات محمد شكري، الذي يحمل صفة محافظ، وله مكاتب في وزارة الداخلية. وقد استخدم هو مثل هذه الأساليب في البداية، فأصبح» مالكاً « لعشرات المنازل التي تعود ملكيتها في الأصل لأجانب، وتقع في » المدينة الجنائنية « لتونس. يعتبر الابتزاز المالي من أخطر ممارسات أعضاء عائلة الطربلسي إزاء رجال الأعمال والشركات الوطنية والدولية، التي يترتب عليها دفع مبالغ مالية ضخمة تحت طائلة الملاحقة من قبل وزارة المالية، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNصص ). ويقود هذه المؤسسة الأخيرة عبد الحميد نويرة رغم معارضة أربع وزراء تناوبوا على وزارة الشؤون الاجتماعية، لا لشيء إلا لأنه يعمل لمصلحة العائلات المافياوية. ولهذا السبب رددت افتتاحية جريدة الشعب لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل في عددها الصادر بتاريخ 15 آذار/مارس 1997 مغامرات مطلعين على الإجرام لمصلحة سلطات سرّية. وقد عرض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNصص ) للبيع في المزاد العلني حقوق اكتتاب على أسهم الاتحاد الدولي للبنوك الذي يملكه، قبل ربع ساعة من انتهاء تقديم العروض، وذلك بعد أن تعمد ترك سعر السهم الواحد ينزل إلى ثمن زهيد (0.5 دولار مقابل 3.5 دولار في الصباح ). وقد قدرت الفوائد التي حققها المشترون لهذه الحقوق بنحو 2.5 مليون دولار. وكان المشترون حقوق الاكتتاب هذه هم عزيز ميلاد، وسليم مرزوق، وأحد أخوة عائلة الطرابلسي. وبلا شك فإن مبلغ 2.5 مليون دولار يمثل خسارة »طواعية « لصندوق التضامن الاجتماعي.وتتمتع عائلة الطرابلسي بامتيازات مالية استثنائية. وفي هذا السياق، حمت هذه العائلة مدة طويلة مصرفي كبير هو السيد منصف كعوش الذي يرأس عدة بنوك: بنك الجنوب والشركة التونسية للبنك، وكان مكلفا بمهمات ثلاث: الأولى: تمويل شؤون وأعمال عائلة الطرابلسي من دون ضمانات أو فرضيات تشكيكية، والثانية، مساعدتها على تهريب أموالها إلى الخارج، والثالثة ممارسة الضغوط أو عرقلة أعمال الشركات ورجال الأعمال الذين يرفضون دفع »خاوة« إلى أخوة الطرابلسي. وقد سقط هذا المصرفي الكبير لأنه قطع مع قانون الصمت. في العام 1992، رفض المسؤول في بنك وطني، محمد بوعوجة، منح قرض بقيمة 1.5 مليون دولار من دون ضمانات لشركة تأجير سيارات ( Mاعيچ Cارس ) التي يملكها بلحسن الطرابلسي وتدار الآن من قبل منتصر مهرازي صهر ليلى الطرابلسي. فما كان من الرئيس بن علي إلا أن أقاله في اليوم عينه من رفضه التمويل حسب مصدر مسؤول في ذلك البنك.وانتشرت في تونس نصوص سرية بأعداد كبيرة منددة بالاسم بأفـراد عائلة الطرابلسي، وبشكل خاص أزواج أخوات ليلى، مثل » الحاج « » معلّم « غير منازع فيه للتهريب واستيراد المواد الفاخرة التي تباع في شارع زرقون بتونس العاصمة، والذي أحبط محاولة أجهزة الجمارك إجبار تجار الشارع المذكور دفع الحقوق المترتبة عليهم. وقد ذهب محافظ العاصمة شخصياً إلى عين المكان لتقديم اعتذار رئيس الجمهورية إلى تجار شارع زرقون المحميين من قبل الحاج.ومن أبرز الحالات المثارة بقوة من قبل محاورينا حال ناصر الطرابلسي، أخ »الرئيسة« الذي تخصص في احتكار استيراد اللحوم إلى تونس، بالاشتراك مع حبيب الصيد، الذي يشغل منصب رئيس ديوان وزير الداخلية . وقد لعب حبيب الصيد هذا دور الغواصة بالنسبة لعائلة الطرابلسي لدى وزير الداخلية السابق بن رجب المتحالف مع سليم شيبوب، في نطاق الحرب الدائرة بين العائلات المافياوية أمام أعين التونسيين. كما أن حال منصف الطرابلسي، الأخ الأكبر » للرئيسة « أثير بإصرار أيضاً، حيث كان يعمل مصوراً في ليبيا، وأحد رواد سجونها، وعاد إلى وضعه السابق كعامل في أحد المطاعم الحقيرة في حلق الواد. لكن منذ عملية التغيير في 7 نوفمبر 1987، فرض نفسه كرجل أعمال عديم الاستقامة بالاشتراك مع ياسين هميلة، المتخصص في استيراد المواد الغذائية ( موز، تون، عسل الخ ). ونظراً لانتمائه إلى عائلة الطرابلسي، فهو معفى من دفع الضرائب إلى أجهزة الجمارك عن كل المواد المستوردة. وهكذا، يقوم بسرقة ملايين الدنانير من المال العام، وتحوَّل إلى البنوك الفرنسية والسويسرية لاحقاً. وعرف عنه احتقاره للقانون وللمواطنين، حسب ما يتردد عنه في الأوساط الشعبية، خاصة في ضاحية رادس، جنوب العاصمة، حيث يحتل منصب نائب رئيس بلديتها «.
سابعا: عائلة الفآر بن علي
في السابق كان أخو الرئيس يرأس هذه العائلة، وهو منصف بن علي، عريف سابق في الجيش، ومؤتمن على أسرار الرئيس، ومعروف في أوساط طبقة اللصوص والحرامية منذ السبعينات. وقد توفي في ظروف غامضة في نيسان/أبريل 1996. وإذا وضعنا جانباً الموت الطبيعي، فهناك احتمال يبرز على السطح، ويتمثل في التصفية الجسدية من قبل المافيا الإيطالية بسبب الاختلاف على تقاسم عوائد بيع المخدرات، إذ أن البوليس لم يسمح لأحد بالإقتراب من جثة المغدور. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن منصف بن علي كان قد حكم عليه غيابياً من قبل محكمة فرنسية بالسجن مع الأشغال الشاقة مدة 12 عاماً. أما شركائه من التونسيين المقيمين في فرنسا، الأخوة روما، فقد قبلوا التعاون مع البوليس الفرنسي، وأطلق سراحهم مؤخراً، ولم يطردوا من الأراضي الفرنسية، ويعيشون تحت الحماية الفرنسية مخافة من ردود أفعال الرئيس بن علي. وفي هذه القضية، تورطت الدولة التونسية في الدفاع عن المتهم منصف بن علي، وعهد بالدفاع في هذه القضية إلى أحد المحامين المقربين من الرئيس بن علي هو عبادة الكافي، الذي تحول إلى باريس. وقامت الوكالة التونسية للاتصال الخارجي ( إطCى) ء وهي مؤسسة حكومية ء بحملة إعلامية شرحت فيها أن المدعو منصف بن علي غير مسجل في سجل الأحوال المدنية، وأن أخ الرئيس يدعى حبيب. وقد كوفئ رئيس هذه الوكالة على جهوده، ومنح منصب وزير لاحقاً. وفي الواقع، منذ بداية العهد الجديد، نصب منصف بن علي نفسه رئيساً في أوساط أولئك الذين يسيؤون استعمال الوظيفة. فقد بدأ يوزع الرخص الممنوحة بصعوبة من قبل وزارة الداخلية: بارات، مقاهي، مطاعم، أماكن لبيع الكحول، صالات ألعاب بقيمة 10000 دولار عن كل رخصة. كما منح شركاءه في تجارة المخدرات جوازات سفر تونسية حقيقية، ولكن بأسماء مستعارة، نظراً لسيطرته على أجهزة البوليس. وكانت هذه العمليات تدر عليه مبلغاً بقيمة 15000 دولار عن كل عملية، كما ذكر لنا أحد أصدقائه، وقد تخلى مؤخراً عن العمل في هذه الأوساط المرموقة. وبما أن مؤسسة القضاء فاسدة ومخترقة في تونس، فقد نصب منصف بن علي نفسه »رئيساً لهذه المؤسسة «، حيث أنه بإمكان أي أحد إذا أراد أن يكسب حكماً لمصلحة قضيته، أن يدفع ما بين 20 ألف دولار إلى 30 ألف دولار إلى منصف بن علي. ولما رفض أحد القضاة الإذعان لمثل هذا الأسلوب طرد من باب القصر العدلي أمام أعين كل الناس، وبلا أي تفسير كما روى لنا ذلك أحد المحامين المشهورين في تونس. كما تخصصت أكثر من عشرين شركة استيراد وتصدير، وشركات خدمات أخرى بمشاركة أجنبية في رأسمالها، والتي تعود ملكية بعضها إلى منصف بن علي أو إلى رجاله فاقدي الشخصية من غازي ملولي، وأحمد قبي، في تبييض اموال المخدرات لحساب مجموعة إيطالية أو أميركية لاتينية. وقد وظف منصف بن علي محاميين يعملان كامل الوقت في مكتبه بالمدينة الأولمبية من أجل الاشراف على تركيب عملياته المعقدة. ويمتلك منصف بن علي قصراً فخماً في مرناق، المنطقة الزراعية، وهو شبيه بقصور رؤساء الكارتلات في الميدلاين (Mيدلين) ويتحرك دائماً في سيارة مصفحة وتحت حراسة مشددة. وبعد موته، استمرت أعمال العائلة في الازدهار تحت قيادة الرئيس بن علي نفسه. لقد تخصصت عائلة بن علي بالاستيراد عن طريق تهريب الأشياء الثمينة، من السجائر، والكحول الفاخرة، والموز، والماكينات الإلكترونية، وألعاب البليار.. الخ. أما مكان نشاط هذه العائلة، فقد تمركز في منطقة سوسة مسقط رأسها، حيث تعيد استثمار أموالها في الفنادق. وقد بنت هذه العائلة فندقين بقيمة 45 مليون دولار: الأول تعود ملكيته لأخ الرئيس بن علي في حمام سوسة، والثاني بنته أخته الكبرى حورية التي توفيت منذ سنوات قليلة. وهذه المعلومات يمكن التأكد منها لدى سجل الديوان التونسي للسياحة.وشقيقتها نعيمة التي تشارك مع ابنها عماد لطيف في حالات الغش والتدليس في الممتلكات العقارية مع إدارة شؤون الدولة والمواطنين من العديد من التونسيين ضحيةأعمالهم واحتكاراتها جمارك والموانئ تونس أما الأخت الصغرى للرئيس بن علي حياة، والتي يمثل زوجها سيفي المنظمة الوطنية للعمال التونسيين في ألمانيا (ON طط ) فقد تخصصت في تهريب الذهب والماس، وقد أكد لنا رجال الجمارك هذه الحقائق. ويحتكر ابن أخي الرئيس بن علي صلاح، قيس بن علي توزيع الكحول في منطقة الساحل التونسي، حيث اقتصر دور البوليس على حماية زبائنه حسب رواية أحد العاملين في محافظة مدينة سوسة. وفضلاً عن ذلك، فقد منحته إدارة تليكوم استثمار مجموع التاكسيفون (الهاتف العام) في كل المطارات التونسية، كما استعاد سفيان بن علي ابن المتوفى منصف بن علي قسما من نشاط والده في استيراد وتوزيع المخدرات، ولما اتهمته بعض الجهات الرسمية، غادر تونس بضعة أسابيع بناء على توجيهات عمه الرئيس، لكي تمر العاصفة. وقد اشترى مؤخراً كل الفري – شوب ( FRىى صحOP) في كل المطارات التونسية، حيث عهد استثمارها إلى شركة سويسرية متخصصة ( Wييتناوير)، الأمر الذي مكنه من ربح ملايين الدولارات سنوياً.
وهناك أعضاء آخرون من العائلة يحتلون وظائف رسمية أمثال مهدي مليكة ابن أخي الرئيس الذي عين وزيراً للبيئة، من غير أن يحمل شهادة جامعية. وقد وصف بأنه رجل متعجرف وعديم الذمة. وهو الآن يمتلك ثروة تقدر بنحو 40 مليون دولار، ويلقبه كوادر وزارته بالسيد 20 %، لأنه يفرض على كل الموردين للخدمات أو للأعمال دفع كومسيون بقيمة 20 %. ويمتلك قصرين، الأول في تونس العاصمة بمنطقة المنار، والثاني في حمام سوسة، وهو بصدد بناء قصر ثالث في ضاحية قمرت بتونس الشمالية، بعد أن قام بتخريب قسم من البيئة الخضراء المحيطة به.وهو شريك مكتب للدراسات متخصص في دراسة التأثيرات المختلفة على المحيط البيئي. وهذا الوضع يفرض على أي شركة صناعية تريد فعلاً الحصول على ترخيص لإقامة مصنعها أن تمر أتوماتيكياً على هذا المكتب.
أما حامد مليكة المستشار في القصر، فتكمن مهمته في اقتطاع كومسيونات عن كل الصفقات التي تبرمها الرئاسة، حسب المعلومات المقدمة لنا من قبل ضباط من البوليس. ويحتل الابن الأكبر من عائلة مهيري ( أبناء عم الرئيس ) منصب رئاسة الاتصالات لمنطقة تونس، حيث تكمن مهمته في التنصت على المكالمات الهاتفية لمصلحة الرئيس، الذي ينعم عليه من أموال الصناديق السوداء. أما الأخ الأصغر ظفر الله مهيري صاحب نص ممنوع نشره وتوزيعه في تونس ويحمل العنوان التالي » جمهورية ابن عمي « فقد عاد من باريس بعد إبرام تسوية بين أبناء العم، ومنح منصب مراقبة الأنترنيت ليمنع بذلك التونسيين من الدخول إلى مواقعها الحساسة . وقد تم وضعه على رأس هذه المؤسسة من قبل أحد أخويه في كانون ثاني عام1997. ويعمل الآن مستشاراً للبنوك، ويتمتع بامتيازات كثيرة، من دون أن يكون له دوام فعلي، كما أكد لنا مدير بنك الجنوب. وهناك ابن أخت بن علي، محمد علي دواس، الذي أصبح محافظاً للبنك المركزي في بداية عام 2001. وهناك عدد هائل من هذه العائلة الكبيرة تم تعيينهم في مناصب بالخارج، كممثلين للمصالح التونسية، وهي وظائف تمكن هؤلاء من الإثراء السريع عن طريق نهب أموال الدولة التونسية «.
ثامنا: عائلة الجري
هذه العائلة محمد الجري، الذي كان في البداية مجرد موظف في الدولة، لكنه أصبح بعد ذلك الرجل القوي بعد بن علي طوال ثماني سنوات، بوصفه مديراً لديوان الرئاسة. إنه ينفذ كل الأوامر الموكلة إليه، مقابل السماح له بإنشاء جمعية إساءة سوء استعمال الوظيفة مع الأخوة مزابي، منصف، مزوغي، وصادق، وهم رجال أعمال من مدينة جربة بالجنوب التونسي، حيث كان الأول أحد أعضاء لجنة تنظيم الحملة الانتخابية للرئيس. وقد استفادوا جميعاً سنوات طويلة من احتكار استيراد سيارات الشحن » سكانيا – صچانيا «، وهم الآن يسيطرون على أربعين شركة في مختلف الميادين.وفي الوقت عينه، تسيطر عائلة محمد الجري بالاشتراك مع أعضاء من عائلته على بنك لا شكلي يعمل في الواقع، على الطريقة المؤدية إلى ليبيا في مدينة مدنين، كمركز مالي لتصريف العملة الليبية بطريقة غير شرعية، وخارج نطاق معدلات الصرف الرسمية. وهكذا يحول هذا البنك أكثر من نصف مليون دولار يومياً، مستفيداً من الحصار الذي كان مضروباً على ليبيا منذ العام 1992.وحصلت عائلة الجري على ملكية شركة تابعة للقطاع العام تم تخصيصها بقيمة (700000) ألف دولار في نهاية عام 1995، في حين أن سعرها الحقيقي قدر من قبل أحد محاورينا بنحو 4.5 مليون دولار. وعندما فقد محمد الجري حظوته لدى رئيس الدولة، اجتمع مجلس وزراء ضيق بهدف دراسة حالة قطاع النقل في تونس «.
الخـاتمـة
نستخلص من هذا العرض حول الفساد في تونس، الذي كثيراً ما ينطوي على تحويل أو تحريف وجهة الموارد المالية أو الخدمية من الاستفادة العامة إلى العائلات الخاصة النهابة، إذ غالباً ما يتطلب هذا التحريف تحويلاً للأموال إلى مصارف وبنوك أجنبية، ما سبب حدوث تسريبات ضارة بالإقتصاد الوطني تعمل على زيادة عرقلة التنمية الإقتصادية. والفساد في تونس له علاقة بالمتغيرات الإقتصادية و الاجتماعية الناجمة عن سياسة الخصخصة، التي بدأ النظام يطبقها منذ مجيء الرئيس بن علي إلى السلطة. وفي ظل غياب قوانين صارمة ضد الاحتكار تعني الخصخصة استبدال احتكار القطاع العام باحتكار القطاع الخاص، وهذا يؤدي إلى استشراء الفساد بكلفة إقتصادية واجتماعية كبيرة. هناك حاجة إلى موازاة التخصيص مع وجود قوانين ضد الاحتكار لدرء الفساد، وهذه القوانين كانت علامات أساسية في التطور الإقتصادي في الدول الرأسمالية المتقدمة. يعمل الفساد في تونس على تقزيم التنمية الإقتصادية، ويعمل أيضاً على مفاقمة الفقر، لأن الطبقة السياسية الحاكمة التي وصلت إلى السلطة في الـ 7 من نوفمبر 1987، أحاطت نفسها فجأة ببهارج السلطة ومفاتنها، لا سيما سبل الوصول إلى الموارد المالية والسلطة الاستثنائية في منح العقود والمجاملات. وقد اجتهدت هذه الطبقة السياسية التي تلوثت بالفساد حتى النخاع، بعد أن ذاقت ثماره في جعل الفساد منهجياً ومستديماً بذاته، بحيث أنه تحول إلى »مؤسسة «. كما أن ممارسات الفساد في تونس ليست مجرد ممارسات فردية خاصة لهذه العائلة أو تلك من العائلات النهابة، كما جاء في حيثيات قضايا الفساد الكبرى التي تم عرضها في هذا الفصل من الكتاب، وإنما هي تتحرك من خلال » أطر شبكية « و » مافيات « منظمة، وهكذا تكتسب ممارسات الفساد طابعاً مؤسساتياً في إطار تلك » المنظومات الشبكية «. إن للفساد آثاراً سلبية ومدمرة على الاستثمار الأجنبي والمساعدات الأجنبية، والتنمية الإقتصادية، حيث أن الفساد يعوق التنمية السياسية ويقوض الفعالية والكفاءة الإدارية، وشرعية القادة السياسيين والمؤسسات السياسية. غير أن الفساد ما كان له أن ينتشر في تونس، وينمو ويزدهر، لولا أنه لم يجد » بيئة حاضنة للفساد «. هذه البيئة الحاضنة للفساد، هي الدولة البوليسية بزعامة الرئيس بن علي، الذي ترك العنان للفساد يستشري في تونس، ولم يمارس أي دور في كبح جماحه. بل أن هذه الديكتاتورية البوليسية لجأت إلى تأسيس علاقات وروابط مع رجال » البزنس « لاقتسام العمولات والصفقات والغنائم ليس فقط كنتيجة لضعف رموزها أمام إغراأت المال والثراء، وليس فقط بدافع تأمين المستقبل وإنما أيضاً لضرورات البقاء في السلطة. وكلما تعززت علاقات الطرفين وتشابكت مصالحهما قويت دافع الطبقة الأخيرة لحماية النظام وإحاطته بسياج من الولاء مدفوع الثمن. وهذا تحديداً ما ساعد بن علي على الاحتفاظ بالسلطة طويلاً. وحين تكون السلطة السياسية القائمة هي التي تحث على الفساد، لا بل، تدفع إليه دفعاً منظماً ، كما هي الحال بالنسبة لسلطة السابع من نوفمبر في تونس، فإن الفساد يصبح »مؤسسة«. فكما يقول المثل الشعبي » االسايب يعلّم السرقة
إن مكافحة الفساد، تتطلب توافر الإرادة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتقوية المؤسسات، فضلاً عن دور التعاون الدولي. إلى أن القضاء على التداعيات السلبية للفساد على عملية التنمية ومسيرة التقدم في الوطن العربي، يتطلب التحرك على المحاور الرئيسية التالية:
1 ـ محور توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة: ويقتضي ذلك توسيع دائرة الرقابة والمساءلة من جانب المجالس التشريعية والنيابية، والأجهزة الرقابية، ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق درجة أكبر من » الشفافية « في العقود الدولية والعطاأت وإتفاقيات المعونة، للقضاء على ما يسمى بـ » الفساد الكبير «. وليس هناك من شك في أن الضمان الحقيقي لحل » مشكلة الفساد « حلاً جذرياً يكمن في تداولية السلطة، حتى لا يعشش الفساد طويلاً ويتم توارثه والتستر عليه. وهنا يبرز دور الإعلام والصحافة إن ٱصلح في تسليط الضوء على » الفساد الكبير « في أعلى المواقع، مع توافر الضمانات القضائية اللازمة لحصانة الصحفي ورجل الإعلام.
2 ء محور الإصلاح الإداري والمالي : لا بد من وضع القواعد والضوابط اللازمة لمنع »التداخل « بين الوظيفة العامة وممارسة النشاط التجاري والمالي ( بالأصالة أو بالوكالة ) لمنع اختلاط المال العام والمال الخاص. وهذا يقتضي بدوره إعادة النظر في اللوائح المالية والإدارية والشفافية، وتشديد القيود والضوابط والقضاء التدريجي على مفهوم » الدولة –
3 ء محور إصلاح هيكل الأجور والرواتب : ولكي يمكن محاصرة الفساد عند أدنى المستويات، لابد من تحسين أوضاع صغار الموظفين وكبارهم في الخدمة المدنية، من حيث مستوى الأجور والمرتبات وبما يتمتعون به من مزايا، حتى تصبح تلك الأجور والمرتبات أداة لـ » العيش الكريم « (Lيڢينع واعيس)، مما يساعد على زيادة درجة حصانة » صغار الموظفين « و » كبارهم « إزاء الفساد والمفسدين، وبما يساعد على القضاء على » الفساد الصغير « بأشكاله المختلفة. وغني عن القول أن محاصرة الفساد وتقليص مساحته، يقتضيان التحرك على » المحاور الثلاثة « في وقت واحد.. إذ إن إصلاح هيكل الرواتب والأجور وتحصين »الموظف العام « لا يكفيان وحدهما للقضاء على الفساد
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire