الإخوان والاستعمار: تاريخ الخزى والعار
طلعت رضوان
نتيجة الثقافة المصرية السائدة (وعلى رأسها الإعلام) ترسّخ لدى البسطاء أنّ الإسلاميين المؤمنين بالعنف المُسلح أمثال أعضاء تنظيم دولة الإسلام فى العراق والشام ، وهو التنظيم الذى أطلقتْ عليه الإدارة الأمريكية اسم الدلع (داعش)
بينما الحقيقة أنّ داخل الإعلام المصرى، وداخل أغلب المُـتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة السائدة، شخصيات لا يقلون خطورة عن أعضاء التنظيمات الإسلامية الإرهابية، وتبعًا لذلك يكون لدينا (إرهابيون بأسلحة القتل) و(إرهابيون بالقلم)
من بينهم أ. فهمى هويدى الذى تساءل بأسلوب (الغمز) عن موقف السيسى من اتفاقية السلام مع إسرائيل (الشروق 10/10/2013)
وكأنه لم يقرأ ما فعله مرسى، من تعهد ب (الاتفاقات الدولية) والخطاب المُهين لرئيس دولة إسرائيل، واتفاقه مع قادة حماس لمنع شن أى هجمات على إسرائيل، وكذا اتفاقه معهم على توطين الغزاويين فى سيناء ،
ومع ملاحظة أنّ توطين الفلسطينيين فى سيناء حلم إسرائيلى (قديم ومُتجدّد) معروف بمصطلح (الترانسفير)
أى أنّ محمد مرسى قدّم بذلك (خدمة العمر) لصالح الصهيونية العالمية التى تتمنى وتحلم بالقضاء النهائى على قضية الشعب الفلسطينى بترحيله من فلسطين إلى سيناء والأردن
هويدى عرّى نفسه وكشف وجهه الإخوانى إذْ أضاف أنّ السيسى لم يكن موفقــًا فى حديثه عن عدم انشغال الإخوان بالوطن والحدود والتزامهم بأفكار الخلافة.
ونصحه بأنْ يُراجع التاريخ لأنّ الإخوان قادوا معسكرات محاربة الإنجليز.
ولأنّ أ. طارق البشرى (كان) مؤرخـًا محايدًا عندما كتب كتابه (الحركة السياسية فى مصر- 1945- 52 – دار الشروق – ط 2- عام 1983) ثم تحوّل إلى أصولى عتيد بعد توليه منصب رئيس الجمعية العمومية لقسمىْ الفتوى والتشريع فى بداية التسعينيات،
فإنّ الاستشهاد بما كتبه فى كتابه المذكور فيه الرد الدامغ،
وبذا يتواجه الأصوليان هويدى والبشرى الذى كتب إنّ الإخوان المسلمين ((برغم ما كان يصدر عنهم من تعريض بالاستعمار(أحيانـًا) كانت أقل التنظيمات السياسية المصرية تعرضًا للمسألة الوطنية))
وفى رسالة (نحو النور) التى كتبها حسن البنا عام 1936وأرسلها إلى رؤساء الحكومات العربية والإسلامية وتكلم فيها عن الموبقات العشر، لم يرد بها مطلب واحد يتعلق بالجلاء أو الاستقلال
((وكانت أقل التنظيمات السياسية المصرية تعرضًا للمسألة الوطنية وتحديدًا للموقف إزاءها))
وأنّ مطلب الخلافة الإسلامية كان مقدمًا عند الجماعة على أى هدف آخر. وأنّ حسن البنا تكلم عن (الوطن الإسلامى) الذى يسمو على الحدود الوطنية الجغرافية.
وأكد أ. البشرى أنّ مطلب الخلافة الإسلامية ((لم يكن يُثير عداء الاستعمار طالما لم يتضمن موقفــًا صريحًا معاديًا للاستعمار)) (ص54، 55)
وفى رسالة (نحو النور) أيضًا كان تركيز حسن البنا الأساسى على ((إلغاء كافة القوانين الوضعية- وإقرار الحدود الشرعية الإسلامية مثل قطع اليد والقتل)) (ص 56)
ونظرًا لتركيز الإخوان المسلمين على الترويج لمشروع (الخلافة الإسلامية) ورفض مشاركة الحركة الوطنية فى الكفاح المسلح ضد الإنجليز، فإنّ كل ذلك أثار ((ريبة الحركة الوطنية (عندما أدركتْ أنّ جماعة الإخوان) رفعتْ شعارات مغايرة للهدف الوطنى الديمقراطى المطروح)) (56)
وأنّ الإخوان تلقوا من (مرشدهم) وصية تحض على احتلال الشعوب فقال لهم ((الدور عليكم فى قيادة الأمم وسيادة الشعوب، لأنّ الدين يوجّه المسلمين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح ويُقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا))
وبلغة المؤرخ المحايد كتب البشرى ((إنّ مواقف زعيم الجماعة والجماعة من ورائه كانت دائمًا فى صالح السراى وحكومات الأقلية)) (ص72)
وسارتْ مظاهرات الإخوان ضد مجلس الأمن لنظر قضية الاحتلال وكانت ((هذه الهتافات تصدر عن رغبة الإخوان فى تفادى اتخاذ موقف واضح تجاه الدول الاستعمارية التى عارضتْ مصر أو الدول الاشتراكية التى ناصرتها))
وعندما سارتْ ((مظاهرات تـهتف بسقوط الاستعمار استعان سليم زكى حكمدار العاصمة بالبنا الذى طلب من المتظاهرين الانصراف)) (ص172، 173)
وعندما رفعتْ التنظيمات اليسارية شعار الكفاح المسلح ضد الإنجليز((كانت قيادة الإخوان تجمع السلاح خفية فى تنظيم سرى دون أنْ تـُعلن منهجًا يتعلق بالكفاح المسلح لانتصار الحركة الوطنية)) (ص175)
والأخطر أنّ قيادة الإخوان ((نجحتْ إلى حد كبير فى أنْ تمتص ثورية القواعد الشعبية للإخوان وعزلها عن المد الثورى . وقد يكون لجماهير الإخوان ما يجعلهم حربًا على الاستعمار(لو تحرّكوا) ولكن بقيتْ الجماعة فى عمومها بعيدة عما تتطلبه موجات الكفاح الشعبى .
وانهدّ بذلك قسم خطير من الكتلة الشعبية)) (ص388) وذكر البشرى أيضًا مواقف الإخوان (المائعة) ((من القضية الوطنية وعزوفها الصريح عن الارتباط بالحركة الثورية.
وسياسة المرشد وقيادة الجماعة الواضحة فى الابتعاد عن خوض الكفاح المسلح فى وقت نادتْ فيه جميع التيارات الثورية بالدعوة إليه)) (ص404) وفى 26ديسمبر51 وصف مراسل صحيفة (الملايين) فى الإسماعيلية المعركة بين القوى الوطنية والإنجليز((وأنّ التفكير بدأ فى تنظيم المقاومة، فاتصل بعضُ الوطنيين بالقنال بالأحزاب ولكن هذه الاتصالات لم تؤد لنتيجة بسبب رفض الإخوان العمل المشترك رغم الالحاح عليهم بما تقتضيه مصلحة الوطن)) (ص507)
وبعد مقتل البنا ظلتْ قيادة الجماعة على موقفها الرافض لتكوين جبهة موحدة (مع باقى القوى الوطنية) لمقاومة الاحتلال البريطانى .
وذكر البشرى أنّ الجماعة ((صرفتْ همها فى المطالبة بتغير أسماء الشوارع والحض على إغلاق دور اللهو إلخ وكان الهضيبى على اتصال واضح بالملك وطلب من قيادة الجماعة أنْ تقف بكتلتها الشعبية بعيدًا عن المعركة. فلم يُنتظر منها المساهمة فى تكوين الجبهة ((ص529، 530)
وأنّ قيادة الجماعة وقفتْ بالإخوان بعيدًا عن الحركة الثورية وفى صف الملك.
وقد عُرف وقتها أنّ ثمة جماعة تـُسمى نفسها (إخوان الحرية) على اتصال بالمخابرات البريطانية تقوم بعمليات تآمر(لصالح) الإنجليز فى مصر)) (ص530)
وهذا الموقف يجب ربطه بما ذكره حسن البنا فى مذكرات الدعوة والداعية من دعم الإنجليز له بمبلغ 500جنيه بحجة التبرع لبناء مسجد بالإسماعيلية. وكذلك ربطه بما ذكره البشرى من أنّ حسن البنا (عندما كان يعمل مدرسًا) كان يُملى على التلاميذ موضوعات ((يتوخى فيها الثناء على الملك فؤاد وتعداد مآثره))
وأنه ((دفع العمال يوم زيارة الملك لمدينة الإسماعيلية (عام 1927) إلى التجمع لتحيته ((حتى يفهم الأجانب فى هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه))
ونظرًا لهذا الموقف المُهادن والمُـتملق للسلطة كتب أحد رجال البوليس تقريرًا ، أشاد فيه بأثر جماعة الإخوان المسلمين فى تقويم من لم تنفع معه وسائل التأديب البوليسية واقترح ((أنْ تـُشجع الحكومة وتعمل على تعميم فروع هذه الجماعة فى البلاد حتى يكون فى ذلك أكبر خدمة للأمن)) (ص43، 45)
فهل هناك انتهازية أكثر من ذلك ؟ وبعد إلغاء معاهدة 36عام 51 تطوع بعض شباب الإخوان للاشتراك فى الكفاح المسلح، فوقف الهضيبى يخطب فيهم وقال ((اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن)) (ص523)
وأثناء معركة القنال قال رئيس شعبة الإخوان بالسويس ((ليس للإخوان أى نشاط فى حركة المقاومة. وأنّ الإنجليز يستطيعون استبدال العداء التقليدى بصداقة إنسانية مع مصر))
وفى صحيفة الدعوة عدد24/6/52مقال قال فيه كاتبه ((ربانية لا وطنية. الإيمان بالله أبقى وأغنى من الإيمان بالأرض)) (ص 574)
وإذا كانت أمريكا- اليوم- تتزعم مشروع (الشرق الأوسط الكبير) فإنّ الفكرة لها جذور قديمة، فكتب البشرى ((أوضحتْ تصريحات مرشد الإخوان أنه لا يرفض مبدأ الأحلاف الدفاعية الإقليمية. فى وقت ظهرتْ فيه فكرة إنشاء حلف من الدول الإسلامية باسم الكتلة الإسلامية يرتبط بالغرب كبدليل احتياطى لمشروع حلف البحر الأبيض المتوسط واستغلال الدين للعمل على تحقيقه)) فهاجم د. راشد البراوى مشروع الكتلة الإسلامية وارتباطه بسياسة الأحلاف الأمريكية/ الإنجليزية (575)
فإذا كان هذا هو موقف الإخوان من الاحتلال الإنجليزى لمصر، فإنّ موقفهم من الاحتلال الصهيونى لفلسطين هو المتاجرة بالقضية.
ونصّ البشرى على ((فلما احتدمتْ أزمة فلسطين، نشطتْ جماعة الإخوان وبادر الفدائيون بالتطوع للجهاد. ووجدتْ الجماعة فى الأزمة فرصة لها للتوسع انتهزتها كما انتهزتْ ثورة فلسطين سنة36.
وذكر أحمد حسين ((أمدّتهم معركة فلسطين بفرصة ذهبية لحشد السلاح والتمرن على استعماله بدعوى أنه من أجل فلسطين. وأنّ الإخوان كان لديهم كميات من الأسلحة والذخائر الضخمة ((جمعوها تحت ستار تجهيز المتطوعين إلى فلسطين وهم يعدونها لإحداث انقلاب فى مصر بالقوة)) (أحمد حسين فى كتابه واحترقت القاهرة- من ص313-315)
ولعلّ ما حدث يوم 2 نوفمبر1945 بمناسبة ذكرى وعد (بلفور) الذى منح اليهود (حق) احتلال فلسطين ، فى هذا اليوم خرجتْ القوى الوطنية (خاصة من اليساريين والوفديين) فى مظاهرات للتنديد بوعد (بلفور) بينما اندفع الإخوان المسلمون لتحطيم المحلات التجارية التى يمتلكها مصريون .
هل أ. هويدى لم يقرأ كتاب البشرى أو كتاب أحمد حسين؟
وإذا كان قد فعل، فلماذا يستمر فى المغالطة؟ وهل صدّق أكذوبة أنّ الإسلاميين هم ((سادة العالم)) وأنّ ((الدين يوجّه المسلمين إلى أفضل استعمار، ويقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة وتعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا)) وهى الكلمات التى نقلها البشرى بالحرف؟
أم أنّ الإيديولوجيا تلغى العقل؟ وإذا كان فهمى هويدى (وأمثاله من الذين يتربّعون على عرش الميديا المصرية) يُدافعون عن توجهات الإسلاميين المُـعادية للانتماء الوطنى ، وضد الحداثة إلخ ، فما الفرق بينه هو و أمثاله من الصحفيين عن أعضاء تنظيم دولة الإسلام فى العراق والشام ، وهو التنظيم الذى أطلقتْ عليها الإدارة الأمريكية اسم الدلع (داعش) ؟
إنّ فهمى هويدى وأمثاله من المتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة هم (دواعش) فى أقنعة صحفيين ،
وهم يتصوّرون أنّ الشعوب لا تعرف التاريخ المخزى للإسلاميين الذين تعاملوا مع الاستعمار الإنجليزى ثم مع الاستعمار الأمريكى.
وعن تلك الحقيقة صدرتْ كتب عديدة أكد فيها مؤلفوها عن دور الاستعمار فى احتضان الإسلاميين المجرمين ، ومن بين هذه الكتب كتاب (لعبة الشيطان : دور الولايات المتحدة الأمريكية فى نشأة التطرف الإسلامى- تأليف روبرت دريفوس- ترجمة أشرف رفيق – تقديم مصطفى غبد الرازق- مركز دراسات الإسلام والغرب)
الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 15:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن جميع الكتب المهمة في الغرب تقول إن جماعة الإخوان المسلمين جماعة مصنوعة، صنعها الاستعمار لتفتيت الدول العربية، وفي كتاب «لعبة الشيطان» هناك تصريحات واعترافات من جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، حيث أكد الموساد أنهم قاموا بإرسال أموال لجماعة الإخوان المسلمين، وأن المتطرفين في الموساد قاموا بإنشاء حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في فلسطين وقاموا بدعمها.
فنحن ضيّعنا العلم والتعليم، وجعلنا كلمة العلم تقتصر فقط على رجال الدين، وأصبح لا يوجد لدينا علماء آخريين سواء في الطب أو غيره، وقد رأي الاستعمار وكثير من المفكرين أن «الدين هو أفيون الشعوب العربية».
إن الاستعمار عرف كيف يتم تقسيمنا من خلال الدين، عن طريق تقسيمنا إلى فرق ومذاهب مختلفة، فأصبح هناك الشيعة ضد السنة، وداخل السنة هناك أشخاص يتصارعوا ضد بعضهم البعض، ثم تظهر فجأة جماعة لتقول نحن جماعة الإخوان المسلمين لكي يميزوا أنفسهم، ثم تظهر جماعة لتميز نفسها أكثر فتستخدم العنف فتقول نحن الجماعة الإسلامية، ثم تظهر جماعة الجهاد، فلماذا تميز نفسك عن البقية؟، كلكم مسلمون.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire