حكومة الشيخين حكّام بلا عقيدة!
صوت الشّعب”: حكّام بلا عقيدة!
لا عقيدة أمنيّة ولا عسكريّة ولا ديبلوماسيّة جديدة في تونس مع الحكّام الجدد الذين أفرزتهم انتخابات موفّى 2014. نداء تونس ورئيسه المؤسّس رئيس الجمهوريّة الحالي وقادته لم يتمكّنوا إلى حدّ الآن من تغيير شيء في العمق لاسيما في القطاعات التي تتطلّب تحرّكا عاجلا نعني الجيش والأمن والديبلوماسيّة. فكلّ ما يحدث ليس إلاّ تغييرات هامشيّة شكليّة لا تمسّ الجوهر مثل التعيينات التي تقوم فقط على مبدأ تغيير أشخاص بآخرين من الحزب الحاكم أو القريبين منه.
في المسألة الأمنيّة المتعلّقة بالحرب على الإرهاب، يكتفي الحكّام الجدد بالجانب العمليّاتي القائم على الانفعال والفعل وردّ الفعل. والمشهد المتّصل بالإرهاب أريدَ له أن يكون في متناول الجميع حتى يتمّ ابتذاله في نقاشات إعلاميّة علنيّة مطوّلة يغلب عليها الإسفاف والشحن والكلام الممجوج.
ولم تنجح السلطة في تونس حتى في أن تجعل هذه الحرب تليق باسمها باعتبارها حربا وطنيّة تتطلّب حدّا من التضحية والجرأة والحسم والشفافيّة والرؤية الاستراتيجيّة والسياسيّة. للحرب الوطنية شروط وهالة وتقدير وجسامة لم تقدر على حملها عبارات السبسي وهو يعلنها.
الحرب على الإرهاب قرنها السبسي في خطابه يوم 20 مارس قرنًا بالمصالحة الوطنيّة بما يجعل ما لم يُقَل أهمّ ممّا قيل بمعنى أنّ عنوان الحرب على الإرهاب ليس هو العنوان الرئيسيّ في ما يبدو بقدر ما هو منفذ لتحريك مسألة أخرى هي المصالحة الوطنيّة، بقطع النظر عن النوايا طبعا، المصالحة برؤية السبسي ومن حوله وحليفه الغنوشي وليست بمعنى الإجماع الوطني الكبير.
المسألة العسكريّة هي أيضا محجوزة في عبارات ممجوجة من نوع “فداء للوطن” و”التضحية من أجل الوطن” والحال أنّ عائلات العسكريّين تزداد يتما وثكلا ولا تنفع مع جراحها هذه المعلّبات.
لا نعتتقد أنّ العسكريّين في حاجة إلى تذكيرهم بكون أرواحهم فداء للوطن.
إنّهم في حاجة إلى ما وُعِدوا به من استراتيجيّة عسكريّة قائمة على عقيدة عسكريّة جديدة.
ولكن يبدو أنّ الوعود لم يكن يؤمن بها غير الناخبين.
قطاعا الأمن والجيش قطاعان متروكان فعليّا أو على الأقلّ هامشيّان في أولويّات الحكّام الجدد، فلا أكثر من الخطب الرسميّة المتلفزة أو الندوات الصحفيّة المعلنة عن العمليّات أو التعبير عن نوايا المصالحة.
بينما المسألة اللوجستيّة غائبة أو ضعيفة جدّا في الحرب المعلنة على الإرهاب.
فالمقاومة اللوجستيّة تعني إقامة مراكز دراسات ودوائر بحث مكوّنة من إعلاميّين وباحثين في الشأن الإرهابي وعلماء نفس وعلماء اجتماع يتولّون تحليل المعطيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنفسية والديمغرافيّة وتحيينها ودراسة آليات التجنيد وأساليبه وإعداد الخطط البديلة.
إنّ التعاطي العمليّاتي مع الإرهاب لن يجدي ولن يفلح في القضاء عليه باعتبار السبق الذي أخذه الإرهاب والإرهابيّون على أجهزة الأمن وخاصّة في مستوى التجنيد والدمغجة.
ولا تسلْ عن وزارة الشؤون الدينيّة التي مايزال التعامل معها سطحيّا! ولم يتمّ بعدُ البحث في السنوات الأربع الأخيرة ومراجعتها والتدقيق فيها لاسيما في فترة نور الدين الخادمي حيث استقرّ الإرهاب ونما.
ولعلّ هذا الموضوع في حاجة إلى توافقات أيضا..! ووراء الأكمة ما وراءها..!
أمّا المقاومة التربويّة والثقافيّة فهي تحتاج إلى المفقود نعني الاستراتيجيا المبتكرة والعقائد الجديدة.
أمّا الديبلوماسيّة فهي محطّ ثقل اهتمام كبير. وفيها نوعان من التدخّل المباشر من قبل رئيس الجمهوريّة ووزير الخارجيّة البكّوش
وغير المباشر من قبل راشد الغنوشي كما يستشفّ من التعاطي التونسي مع ليبيا ومع إعادة العلاقات الديبلوماسيّة مع سوريا.
فالواضح أنّ توافقات السبسي والغنوشي لا تنسجم دائما مع رؤى الطيّب البكّوش الديبلوماسيّة. ولنا على ذلك دليلان.
الأوّل يتّصل بالملفّ الليبي والثاني بالملفّ السوري.
ففي الملفّ الأول لمّا كان خيار الاعتراف بحكومة طرابلس غير الشرعيّة إلى جانب الاعتراف بحكومة طبرق يرضي الغنوشي صمت السبسي رغم أنّ موقف تونس يعدّ سابقة في تاريخ الديبلوماسيّة من حيث غرابته و وهنه.
وفي الملفّ السوري لمّا كان قرار إعادة العلاقات مع سوريا لا يرضي الغنوشي تكلّم السبسي وانحاز إلى حليفه على حساب وزيره.
يبدو، إذن، أنّ السبسي ينسّق مع الغنوشي أكثر من التنسيق مع وزير خارجيّته بدليل تناقض موقفي السبسي والبكّوش مقابل انسجام موقفي السبسي والغنوشي.
لم يمرّ الارتباك الديبلوماسي بلا نتائج على تونس، بل على العكس من ذلك كانت نتائجه سلبيّة جدّا إذ أنّ دول جوار ليبيا شرق المتوسّط وغربه تتداول في الشأن الليبي دون دعوة تونس إذ في الوقت الذي يرافق فيه البكّوش السبسي إلى فرنسا، اجتمع وزير الخارجيّة المصري ووزير شؤون المغرب العربي الجزائري ووزير الخارجيّة الإيطالي في روما بدعوة من الأخير وتونس غير موجودة مع أنّها أكبر متضرّر من الوضع الليبي أمنيّا واجتماعيّا واقتصاديّا.
إنّ إبعاد تونس عن هذا الاجتماع لم يكن إلاّ بسبب موقفها الغريب من الاعتراف بحكومتين في ليبيا خلاف للدول الثلاث المجتمعة في روما يوم 8 أفريل 2015 التي لم تعترف إلاّ بحكومة طبرق الجديدة .
لا توجد عقائد أمنيّة ولا عسكريّة ولا ديبلوماسيّة جديدة، إذن، وإنّما هو فقط الاكتفاء بمسايرة الأحداث والتعويل على التنسيق مع النهضة بما يضمن التوافق البرلماني.
أمّا الابتكار والتخطيط الاستراتيجي وتغيير واقع الدولة والشعب التونسي وتحقيق أهداف الثورة ونجدة المضربين عن الطعام فهو خارج دائرة الاهتمام الفعلي للحكّام الجدد.
(صوت الشّعب: العدد 171)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire