حكومة الصيد في التعيينات تبقي على المحاصصة و تبتعد عن الكفاءة
الرئيسية / أقلام / ملفّ التعيينات: ملفّ قديم متجدّد يخضع لمنطق الزبونيّة
ملفّ التعيينات: ملفّ قديم متجدّد يخضع لمنطق الزبونيّة
أجرى رئيس الحكومة مؤخّرا تحويرا جزئيّا في سلك الولاة مسّ ولايات جندوبة والكاف والقيروان وقفصة وقابس وتطاوين.
وكان من المتوقّع أن تطال هذه التحويرات عددا أكبر من الولايات وخاصة الولايات الحدودية، ولكن وعلى ما يبدو – حسب ما راج من أخبار – أنّ تجاذبات كثيرة داخل الفريق المحيط برئيس الحكومة ورئاسة الجمهورية حكمت بالاقتصار مؤقتا على هذه الولايات الستّ في انتظار ربّما قرار آخر قريب.
وككلّ مرّة أثارت التسميات الجديدة ردود أفعال أوساط كثيرة بما في ذلك الأحزاب الشريكة في الحكومة، النهضة والاتحاد الوطني الحر وحركة آفاق الذين أعلنوا جميعا عدم استشارتهم في هذا القرار وأظهروا وبدرجات متفاوتة من الحدّة عدم رضاهم عنها.
وقابلت قوى أخرى، في مقدّمتهم حزب العمال والجبهة الشعبية، هذا القرار بالاستياء والتنديد والمطالبة بالتراجع عنها.
لقد أعاد هذا التحوير طرح ملف قديم متجدّد هو ملف التعيينات الذي كان ومازال مفتوحا وموضوع جدل وخلاف بين من هم في الحكم ومن هم خارجه.
وللتذكير فقد كان هذا الملف مجال صراع حاد مع الترويكا وورد كبند من البنود الأساسية في مبادرة الرباعي للحوار والتزمت حكومة المهدي جمعة بالنظر فيه ومراجعته كشرط من شروط معالجة الأزمة السياسية الحادة التي أودت بحكومة علي العريض.
وللتذكير أيضا فقد تولّى المهدي جمعة إبّان تولّيه مقاليد الحكومة تغيير 18 واليا ووعد باستكمال مراجعة تعيينات الترويكا دون أن يلتزم بوعوده الأمر الذي ترك هذا الملف مطروحا.
وفي ظلّ طغيان ملف الانتخابات وتلهّي القوى السياسية بها تراجع الاهتمام بهذا الملف على أمل أن تقع معالجته بعد مجيء الحكومة الجديدة حكومة فترة “استقرار مؤسّسات الدّولة” بعد الانتخابات.
غير أنّ التعيينات الأخيرة في ست ولايات أعاد وضع هذا الموضوع على رأس الأولويات لأنه بكلّ بساطة أعاد للأذهان ما كان حصل في عهد الترويكا.
التّرويكا والتّغلغل في مفاصل الدولة
ما إن تشكّلت حكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي حتى شرعت بتنفيذ مخطّط شامل يهدف إلى مسكها بكلّ أجهزة الدولة فأقالت وفق قائمات محددة سلفا – على ما يبدو – أعدادا كبيرة من الإطارات في مختلف الإدارات والمؤسّسات والهيئات وبدأت بزرع عناصر موالية لها مكانها.
وقد طالت هذه التعيينات رؤساء دواوين الوزارات والرؤساء المديرين العامين في الشركات والمنشآت العمومية وفي مؤسّسات الأمن والدفاع والولاة والمعتمدين وحتى العمد وكبار مسؤولي الهيئات المهنية والفنية والتربوية ومؤسسات الإعلام الوطنية (التلفزة الوطنية، جريدة الصباح، الخ.) والسفراء والقناصل في الخارج ورؤساء المصالح الإدارية مركزيا وجهويا وأئمّة المساجد والقضاة.
ولم تتوان عن افتكاك بعض المنظمات المهنية (اتحاد الفلاحين واتحاد المهندسين) وعن بعث منظمتها النقابية الخاصة إلى جانب عدد لا يحصى من الجمعيات، كلّ ذلك بقصد السيطرة على جميع مراكز القرار السياسي والإداري والتأثير الإعلامي والثقافي.
وتمّت هذه التّسميات بمنطق المحاصصة بين أحزاب الترويكا دون مراعاة لأبسط معايير الكفاءة والاقتدار متجاوزة أبسط مقتضيات الإجراءات والتراتيب الإدارية في الإقالة أو التسمية غير عابئة بالاحتجاجات الشعبيّة ورفض موظّفي وعمّال المئات من المؤسّسات والإدارات متجاهلة نداءات الأحزاب واتحاد الشغل والمنظّمات والجمعيّات ووسائل الإعلام الغاضبة.
لقد ذهب في ظنّ أحزاب الترويكا أنها بمجرد وصولها للحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 باقية فيه لوقت طويل فراحت تتصرّف وكأنّ الدولة ومقدّراتها المالية والبشرية ملك خاص وطوّعت القوانين وتراتيب العمل لما يخدم مصالحها الخاصة.
وقد نجم عن ذلك تدهور الخدمات وتراجع أداء الإدارة وكلّ المصالح بما في ذلك الأمن الذي تمّ اختراقه بما سمّي الأمن الموازي.
وعلى خلاف ما كانت تعتقده الترويكا لم يذعن الشعب لهذا التمشّي فعمّت الاحتجاجات وتنوّعت أشكالها واتسعت حركة المعارضة لحكومة الجبالي حتى سقطت وكذلك لخليفتها التي بعد صراع طويل ألقت المنديل وخرجت من الباب الخلفي للحوار الوطني.
النداء على خطى الترويكا
لكن يبدو وأنّ البلاد تخلّصت من الترويكا لتقع مجدّدا بين براثن منظومة أخرى لا تختلف في شيء عن سابقتها إن لم تكن أخطر.
ووجه الخطر يكمن في التهافت على العودة إلى أساليب ورموز النظام السابق، نظام التجمع وبن علي.
ويكمن خطر هؤلاء على وجه الدقة في تمرسهم على أساليب الفساد واستغلال النفوذ للإثراء غير المشروع ودوس القانون.
إن ما تكرّر على مسامعنا من حديث حول عودة “الكفاءات” القديمة والمسؤولين ذوي الخبرة ليس غير ممهّدات لتبرير عودة هذه الرموز.
ولعلّه المنطق الذي خضعت له التعيينات الأخيرة التي شهدت مرّة أخرى اعتماد أسلوب المحاصصة بين مكوّنات الائتلاف الحاكم الجديد (النداء والنهضة) وتغليب منطق الولاء دون أدنى اعتبار لمعيار الكفاءة والخبرة.
فلا شيء يفسّر تعيين والٍ في القيروان عُرف بانتمائه للتجمع قبل 14 جانفي، وآخر على رأس ولاية قفصة يشتبه في تعاطفه مع حركة النهضة كما رفض أهالي ولاية بنزرت أن يتولّى أمرهم من كان في عهد حكومة الباجي سنة 2011.
ولا شيء يفسّر تعيين رئيسة على مركز تنمية الصادرات كانت وإلى آخر أيام بن علي على رأس منظمة وطنية كبيرة كانت على الدوام مدجّنة للتّجمع.
ولا شيء يفسّر أيضا عودة مدير عام للوزارة الأولى تمّ استبعاده بعيد 14 جانفي لتورّطه في عمليّات رشوة مفضوحة، غير مسعى الحكام الجدد إلى إعادة النظام القديم ليتغلغل مجدّدا في مفاصل الإدارة والدولة.
من أجل إدارة مستقلّة ومحايدة
لعلّ ما يفسّر ردّة الفعل الغاضبة التي رافقت تعيين الولاة الجدد هو رغبة القوى التقدمية والديمقراطية في أن تبقى الإدارة باعتبارها مرفقا عاما بعيدة عن التوظيف الحزبي وزرع الأتباع وتقاسم المنافع بين الأحزاب عامّة والأحزاب الحاكمة على وجه الخصوص.
فمنصب الوالي بصفته رئيس الإدارة الجهوية هو المسؤول الأوّل عن خدمة مصلحة المواطن بصرف النظر عن انتمائه وعلى ضمان مبدأ التكافؤ في الفرص وأمام القانون.
وطالما لم يقع تحرير هذا المنصب مثله مثل منصب المعتمد من تحكّم السّلطة التنفيذية المركزية فيه فإنه سيظل خاضعا للاعتبارات السياسية في معناها الحزبي الضيق وواقعا تحت تأثير التجاذبات ليقع إفراغه من بعده كسلطة في خدمة المواطن.
وفي انتظار أن يقع تفعيل الباب السابع من الدستور لإرساء قواعد تنظيم الإدارة وانتخاب السلط الجهوية والمحلية أي المجلس الجهوي والمجلس المحلي والمجلس القروي الذي ينتخب بدوره الوالي والمعتمد وكلّ مسؤولي التنفيذ على الصعيد الجهوي أو المحلي،
في انتظار ذلك لا مناص من التخلّي عن منطق الزبونية في التعيينات القادمة والتي ينبغي أن تشمل كلّ المواقع التي تمّ إغراقها بأتباع النهضة والترويكا سابقا أو بأتباع قدامى التجمّعيّين في فترة لاحقة.
(جيلاني الهمامي، نائب الجبهة الشعبية بمجلس نواب الشعب)
(صوت الشعب: العدد 172)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire