Tunisiens Libres: الإسلام وحقوق الإنسان

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 3 avril 2015

الإسلام وحقوق الإنسان


الإسلام وحقوق الإنسان 

طلعت رضوان 
الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 12:03 
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني 
     

سأل الأستاذ سامى الذيب على موقع الحوار المتمدن : هل من وسيلة لتطوير الإسلام لملاءمته حقوق الإنسان ؟ وأعتقد أنّ الإجابة تـُحتــّم تعريف الأسس الثابتة فى كل من الإسلام والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان. 

المرجع الأول فى الإسلام هو القرآن ، وهذا الكتاب صريح فى التفرقة بين البشر على أكثر من مستوى : فكل من رفض دعوة محمد أطلق عليهم (المشركين) أو (الكفار) 

وحتى أبناء الديانات التى اعترف بها أطلق عليهم (أهل كتاب) للتمييز بينهم وبين المسلمين. 

ولم يكتف بذلك وإنما فرض عليهم أداة استعملها كل الغزاة اسمها (الجزية) وبشرط أنْ تكون الوسيلة فيها درجة من الخضوع والمذلة وفق نص الآية رقم 29 من سورة التوبة ((حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) والصاغر فى قواميس اللغة العربية ((الراضى بالضيم)) (مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 387) وكلمة (الضيم) فى اللغة العربية تعنى الظلم (المصدر السابق - 411) والمعنى المُستخلص من نص الآية أنّ الحاكم (المسلم بحق وحقيق) لابد أنْ يأخذ (الجزية) من (أهل الكتاب) الذين عليهم أنْ يتقبّـلوا الظلم وبرضاهم . 

وإذا كانت مواد حقوق الإنسان العالمية مع العلوم الإنسانية ، وإذا كانت تلك العلوم تنطلق من قاعدة (السؤال) فإنّ القرآن له وجهة نظر مخالفة إذ نصّ على ((يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إنْ تـُبْدَ لكم تسؤكم)) (المائدة/ 101) أى أنه لم يترك مساحة للإنسان ليُحدّد ما يحب أنْ يسأل عنه. بينما مواد حقوق الإنسان لا تضع أى خطوط أمام حق الإنسان فى السؤال عن أى شيى وكل شيىء ، لأنّ تلك الآلية (الأسئلة) هى التى نقلتْ المجتمعات الإنسانية من مرحلة إلى مرحة أرقى . وأنّ أسئلة العلماء والمفكرين ، تبدأ بالدهشة عن نظام الكون والمجرات إلخ ومن تلك الأسئلة بدأ علم الفلك وما تلاه من علوم طبيعية أفادتْ البشرية. وبالتالى فإنّ تحريم السؤال هو ضد حقوق الإنسان. 

والقرآن صريح فى تقسيم البشر بين (أحرار) و(عبيد) ففى القصاص ((الحر بالحر والعبد بالعبد)) (البقرة/ 178) وفى نفس الآية يُـفرّق بين (المرأة) والرجل فقال (والأنثى بالأنثى) وامتدتْ تلك التفرقة لتشمل (حق) الرجل فى تملك أى عدد من النساء وفق قاعدة ((الرجال قوامون على النساء (النساء/ 34) و((للرجال عليهنّ درجة)) البقرة/ 228) ووفق قاعدة (ملك اليمين) التى نظمتها الآيات : 3، 24/ النساء و6/ المؤمنون و31، 33، 58/ النور، و28/ الروم و50، 52/ الأحزاب و30/المعارج . 

يتسق مع ذلك نظرة الفقهاء للمرأة ، فهى (تحت الرجل) أى ليستْ مُساوية له. 

وأنها مجرد وسيلة لإمتاع الرجل وهو ما عبّر عنه حديث نبوى جاء به ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تـُصبح)) وقال أيضًا ((إذا باتتْ المرأة هاجرة فراش زوجها فتأبى عليه إلاّ كان الذى فى السماء ساخطـًا عليها حتى يرضى عنها زوجها)) (أبو هريرة وأبو داود والنسائى قاله فى الترغيب) وقال ((أول ما تـُسأل عنه المرأة يوم القيامة عن صلاتها وبعلها)) والبعل (= الزوج) وهو أحد الآلهة قبل الإسلام ، وهو ما عبّر عنه القرآن عندما عاتب الرافضين الإسلام فقال ((أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)) (الصافات/125) أى أنّ (البعل وفق اللغة العربية والقرآن) فى مقام (الإله أو السيد) 

كما أنها تـُشبّه بالشاة ( الشيخ أحمد الأمين الشنقيطى – شرح المعلقات العشر- دار المعرفة- بيروت عام 2005- ص 183) وقال كذلك أنّ وصف المرأة بالشاة هو ما جاء فى تفسير الآية رقم 23من سورة ص . ووصل الأمر لدرجة أنّ المرأة (المسلمة) لا يحل لها أنْ تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه وذلك فى صيام التطوع (أخرجه البخارى) وفى حديث نبوى آخر قال ((لو أمرتُ أحدًا أنْ يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أنْ تسجد لزوجها)) (رواه الترمذى من حديث أبى هريرة وقال حسن صحيح وله شاهد من حديث عائشة عند ابن ماجه وقيس بن سعيد عند أبى داود وابن أبى أوفى عند ابن ماجه وابن حبان ومعاذ الحاكم أفاده فى الترغيب) 

لهذه الدرجة وصلتْ مكانة المرأة فى الإسلام أنْ تسجد لزوجها كما تمنى محمد. 

وكانت عمة حصين بن محصن تكلمتْ مع محمد عن زوجها فقال لها ((انظرى من أين أنتِ منه. فإنه جنتك ونارك)) وقال محمد ((إذا خرجتْ المرأة من بيت زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع أو تتوب)) (رواه الترمذى وحسّنه النسائى وابن حبان فى صحيحه) وكلمة (تتوب) ليس لها أى تفسير غير أنها ارتكبت معصية توجب التوبة. 

وقال الرسول ((أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة)) لهذه الدرجة منح الإسلام الزوج صلاحيات دخول الجنة إذا كان راضٍ عن زوجته. ومع مراعاة أنّ (الرضا) نسبى وتقديره من صلاحيات الزوج . وفى شرحه لهذا الحديث كتب الإمام الحافظ شمس الدين الذهبى ((فالواجب على المرأة أنْ تطلب رضا زوجها وتجتنب سخطه ولا تمتنع منه متى أرادها لقول النبى صلى الله عليه وسلم " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتأته وإنْ كانت على التنور. إلا أنْ يكون لها عذر من حيض أو نفاس)) (كتاب الكبائر- دار الغد العربى- بدون تاريخ إصدار ص 188) وكلمة التنور عند بعض الفقهاء تعنى ((ولو على ظهر بعير))

 لهذه الدرجة تـُمتهن المرأة فيُـضاجعها زوجها على ظهر أى دابة. وأضاف الشيخ الذهبى ((وينبغى للمرأة أنْ تعرف أنها كالمملوك للزوج فلا تتصرف فى نفسها ولا فى ماله إلاّ بإذنه وتـُقدّم حقه على حقها وحقوق أقاربه على حقوق أقاربها وتكون مستعدة لتمتعه بها)) (المصدر السابق – ص 189) 

ومع التجاوز عن كل الكلمات الواردة فى كلام الذهبى ، فإنّ العقل الحر لابد أنْ يتوقف أمام تعبير ((أنها كالمملوك للزوج)) 

وحديث نبوى آخر يُفرّق بين المرأة المُـطيعة لزوجها والمرأة (العاصية) أوامر الزوج فالأولى ((يستغفر لها الطير والحيتان والملائكة والشمس والقمر. 

والثانية عليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) ((وقال صلى الله عليه وسلم المرأة عورة فإذا خرجتْ من بيتها استشرفها الشيطان فاحبسوها فى البيوت. 

وكانت عائشة وحفصة رضى الله عنهما عند النبى صلى الله عليه وسلم جالستيْن فدخل ابن مكتوم وكان أعمى فقال النبى احتجبا منه : فقالتا يا رسول الله هو أعمى لا يُبصرنا ولا يعرفنا فقال صلى الله عليه وسلم / أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه؟)) (رواه أبو داود والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح) وقال الشيخ الذهبى ((إذا اضطرتْ المرأة للخروج لزيارة والديها فلتخرج بإذن زوجها غير متبرجة فى ملحفة وسخة)) (مصدر سابق – ص 192) 

ورغم أنّ يوم القيامة لم يأت بعد فإنّ الرسول قال لعلى بن أبى طالب ((يا على ليلة الإسراء رأيتُ نساءً من أمتى يُعذبنَ أنواع العذاب فبكيتُ لما رأيتُ من شدة عذابهنّ . ورأيتُ امرأة معلقة من شعرها يغلى دماغها ورأيتُ امرأة معلقة بلسانها (هكذا !!) والحميم يصب فى حلقها ورأيتُ امرأة قد شـُدّتْ رجلاها إلى ثديها ويداها إلى ناصيتها ورأيتُ امرأة معلقة بثديها ورأيتُ امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف ألف لون من العذاب ورأيتُ امرأة على صورة الكلاب والنار تدخل من فيها (= فمها) وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقاطع من نار. 

ولما سألته فاطمة (رضى الله عنها) عن السبب حكى أنّ المعلقة بشعرها كانت لا تـُغطى شعرها والمعلقة بثديها كانت تـُفسد فراش زوجها الخ 

ورغم كل ذلك فإنّ التراث العربى / الإسلامى ينضح بالتناقض من ذلك ما حكاه الإمام الذهبى قال ((رُوي أنّ رجلا جاء إلى عمر رضى الله عنه يشكو زوجته. فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتـُخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها ، وقال إنّ كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته فكيف حالى؟ 

فخرج عمر فرآه فناداه وقال : ما حاجتك؟ قال يا أمير المؤمنين جئتُ أشكو إليك سوء خلق زوجتى واستطالتها علىّ فسمعتُ زوجتك كذلك وقلت إذا كان هذا حال عمر مع زوجته فكيف حالى ؟ فقال عمر: يا أخى إنى احتملتها بحقوق لها علىّ : إنها طباخة لطعامى خبازة لخبزى غسالة لثيابى مرضعة لولدى ويسكن قلبى بها عن الحرام فأنا احتملها لذلك . 

فقال الرجل يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتى . فقال عمر: فاحتملها يا أخى)) (مصدر سابق- ص 195) فكيف جاء هذا التناقض؟ سؤال متروك للعقل الحر ليجتهد فى الإجابة. 

وهل ينطبق عقاب المرأة العاصية لزوجها على عائشة (رضى الله عنها) زوجة محمد ؟ فقد ذكر كل من أرّخوا لحياتها أنّ أشد ((ما كان يغيظ العروس الشابة أنّ خديجة تـُشاركها عواطف زوجها وهى راقدة تحث ثرى مكة. فما تستطيع عائشة أنْ تشتفى منها بدعابة قاسية. 

وحاولتْ عائشة أنْ تتجاهل هذه الضرة التى ماتت فذهبتْ محاولتها عبثــًا. وزاد فى قسوة الموقف أنّ الشهور مضت والسنون وعائشة لا تـُنجب لزوجها ولدًا على حين ولدتْ له ((تلك العجوز من قريش)) كما كانت تصفها عائشة ، البنين والبنات . وكانت تحاول التقرب من بنات محمد من خديجة لكن ((ما تكاد تذكر أنهنّ بنات ضرتها خديجة حتى تحس كأنّ حواجز منيعة تقوم بينها وبينهنّ . وأنّ كل واحدة منهن هى خديجة بلحمها ودمها . تثير فيها شعورًا مرًا بالعقم)) 

وغاظ عائشة أكثر أنْ تزوج محمد عليها وما تزوج على خديجة. خاصة أنها (عائشة) هى الوحيدة التى تزوجها بكرًا. بل إنها كانت تعتبر أنّ فاطمة بنت الرسول ضرة لها مثل زوجاته.

 وقرّرتْ عائشة أنْ تعقد حلفـًا مع حفصة بنت عمر. وحانتْ الفرصة عندما أخبرها الرسول أنّ الوحى أمره بزواج زينب بنت جحش فما كان من عائشة (رضى الله عنها) إلاّ أنْ ردّتْ عليه قائلة ((إنى أرى ربك يسارع فى هواك)) وذاك الرد فيه تطاول على الزوج وتطاول على الذات الإلهية. وأنّ (الله) استجاب لرغبة نبيه. وأنّ الوحى تابع لهوى الرسول الذى تقبل سخرية عائشة ولم يعاتبها أو يضع حديثــًا لمعاقبتها. 

لذلك تمادتْ عائشة- تؤازرها حفصة- فى التربص بزينب خاصة والزوج يمكث معها الساعات الطوال . فاخترعتْ حكاية (المغافير- ثمر حلو كريه الرائحة) فقالت عائشة لمحمد إنى أشم رائحة مغافير. ولأن كل زوجة نفتْ أنها سقته المغافير أو شراب العسل فى بعض الروايات فإنه حرّم شرب العسل عند زينب بنت جحش . 

وعندما تزوج الزوجة رقم 13 (أسماء بنت النعمان بن الأسود الكندية الجونية) أعملتْ عائشة حيلها لتطفيشها فنصحتها (فى ليلة الزفاف) بأنْ تستعيذ بالله عندما يدخل الرسول عليها حتى يرضى عنها ، وصدقتها المسكينة وعملتْ بالنصيحة. وفى حسابها أنها تستجلب محبته. فغادرها وأمر أنْ تعود لأهلها وقال محمد ((إنّ كيدهن عظيم)) وابتسم . وبذلك تخلــّصتْ عائشة من منافسة جديدة . وفى كتب السيرة خلاف حول اسم هذه المسكينة. فالطبرى كتب أنها ملكة بنت داود أو فاطمة بنت الضحاك. 

ولم تهتم عائشة فى بداية الأمر بمارية المصرية ، فهى مجرد (أمة = عبدة) وملك يمين . ولكن بعد أنْ حملت فى ابنها إبراهيم ((حتى هاجتْ غيرة عائشة وغيظها فبدأتْ تكيد لها. والرسول يُحاول حماية مارية من كيد الحبيبة المُدللة. لكن الأمر خرج من يده ذات يوم : جاءتْ مارية تلتمس لقاءه فى شأن لها فخلا بها فى بيت حفصة التى كانت تزور والدها. فلما عادتْ وجدتْ الستر مسدلا. فلما نظرتْ رأت مارية. فقالت لمحمد ((على فراشى يا رسول الله؟!)) ولم تهدأ حتى حرّم الرسول مارية على نفسه. وطلب من حفصة كتمان الأمر(تفسير الطبرى لسورة التحريم) ولكن حفصة لم تستطع كتمان السر عن عائشة فكأنما أشعلتْ فيها النار. 

وسرى الهمس أنّ الرسول طلق نساءه . ولكنه لم يطلقهن . 

وكما تطاولتْ عائشة على محمد فى حكاية الوحى وزواجه من زينب بنت جحش، تطاولت عليه وسخرتْ منه عندما حمل الطفل إبراهيم ابن مريم إلى عائشة ((لترى ما فى الصغير من ملامح أبيه. 

فأحسّتْ عائشة كأنّ سهمًا نفذ إلى قلبها فقالت بغيظ ((ما أرى بينك وبينه شبهًا)) (د. بنت الشاطىء- عائشة عبد الرحمن- فى ترجمتها لسيرة عائشة- دار الريان للتراث- عام 87) 

فهل تـُعاقب عائشة (رضى الله عنها) على طعنها فى شرف زوجها الرسول قائل الأحاديث عن عذاب المرأة العاصية لزوجها ؟ 

وهل تـُعاقب على وقوفها مع معاوية بن أبى سفيان ضد على بن أبى طالب؟ أم أنّ ما يسرى على (كل) النساء لا يسرى على زوجات الرسول وبصفة خاصة عائشة رضى الله عنها؟ 

وإذا كنّ مُستثنيات كما قال الفقهاء ، فإنّ ذاك الاستثناء يؤكد أنّ الإسلام لا علاقة له بحقوق الإنسان وفق المواثيق العالمية. 

وهل تنطبق نصوص القرآن والأحاديث النبوية على المرأة فى القرن الحادى والعشرين.؟ 

إنّ الفقهاء يُفسّرون آية ((الرجال قوامون على النساء)) بما أتى فى عجزها حيث ((بما أنفقوا من أموالهم)) على أساس أنّ المرأة فى المجتمع العربى فى القرن السابع الميلادى (غالبًا) كانت لا تعمل وأنّ عبء الإنفاق على الأسرة مسئولية الرجل ، 

وهنا نجد حقيقتيْن يتغافل عنهما الإسلاميون : 

الأولى قولهم أنّ المرأة العربية – حتى فى زمن الرسول – كانت تعمل ، فإذا كان الأمر كذلك فهذا يعنى أنها تـُساهم فى مصروف البيت ، وبالتالى تسقط حجة إنفاق الزوج . 

الحقيقة الثانية أنّ المرأة فى العصر الحديث ، أحيانـًا يكون دخلها أكبر من دخل زوجها. وأنا أعرف سيدة تعمل فى الجهاز المركزى للمحاسبات دخلها يفوق دخل زوجها سبعة أضعاف ، وكل دخلها تصرفه على أولادها وعلى كل تحسينات فى شقتها. وهنا أيضًا تسقط حجة إنفاق الزوج ، 

وبالتالى فإنّ المُـتغيرات فى العصر الحديث أسقطتْ الكثير من العرف السائد فى القرن السابع الميلادى . ولذلك فإنّ التشريعات الوضعية فى العصر الحديث مع المساواة التامة بين المرأة والرجل . 

كما أنّ التشريعات الحديثة:

** ضد صلاحية الرجل فى ضرب زوجته بالتطبيق لنص الآية 34من سورة النساء. 

**وضد الإرادة المنفردة للزوج فى طلاق زوجته. وأنّ الطلاق لابد أنْ يكون أمام المحاكم المدنية. 

**وضد تعدد الزوجات ... ، 

**وضد قاعدة (ملك اليمين) ....

و لقد كتب كثيرون من دعاة حقوق الإنسان عن حرية الاعتقاد ، ولكن قليلين كتبوا عن حرية (عدم الاعتقاد) وهو المعنى الذى تنص عليه مواثيق حقوق الإنسان العالمية ، 

مثل الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة فى 10ديسمبر1948. 

ومن بين تلك الحقوق حق الإنسان فى تغيير ديانته وهو ما نصّتْ عليه المادة رقم 18((لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك سرًا أم مع جماعة)) ونصّتْ المادة رقم19على ((لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أى تدخل.. الخ)) وتلك المادة هى أساس حق الإنسان فى الاعتقاد بما يراه ويقتنع به ، 

وبالتالى حقه فى رفض المعتقدات السائدة فى مجتمعه. وكل هذا ضد التشريعات الإسلامية وما حدث من وقائع فى التاريخ العربى/ الإسلامى . فمثلا فإنّ التعديل الصادر عن لجنة حقوق الإنسان عام93 نصّ على ((حق كل فرد فى أنْ تكون له اعتراضات ضميرية على الخدمة العسكرية كممارسة مشروعة لحق حرية الفكر والضمير والدين)) 

وكتب المفكر الكويتى الكبير د. أحمد البغدادى ((لا يرد فى دساتير الأنظمة العربية أى ضمان لحرية الأديان ، بل يقتصر الأمر على حرية العقيدة التى تظل حبيسة الصدر من دون الممارسة خوفـًا من محدودات النص الدينى . 

فى حين أنّ حرية الأديان أصبحتْ اليوم حق أصيل من حقوق الإنسان ، الأمر الذى أصبح معترفـًا به فى معظم الدول التى تتنوع فيها الأديان ، ومع تداخل الشعوب من خلال حرية التنقل بين البلدان وبسبب ترسخ مبدأ المواطنة ، ما عاد أحد يهتم بديانة الإنسان باعتبارها من مقوماته الشخصية التى لا علاقة لها بالمجتمع على مستوى التشريع ، 

وبلغ الأمر مداه بإلغاء شروط الديانة بشكل عام من تولى المناصب العامة فى الدولة القومية حتى ولو كان دينها الإسلام)) (أحاديث الدين والدنيا- مؤسسة الانتشار العربى- عام 2005- 86، 87) 

وإذا كانت المجتمعات الإنسانية تشهد (تعدد الأديان) داخل كل مجتمع ، فإنّ تطبيق ذلك يتعارض مع حديث الرسول محمد الذى قال فيه ((لا يجتمع فى أرض العرب دينان)) 

وتؤكد وقائع التاريخ العربى أنه تم تطبيق هذا الحديث فقد ((تم إجلاء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب بأمر من عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) كما أنّ حديث محمد هو ترجمة (واقعية) لنصوص القرآن ((ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعحبكم)) و((ولأمة (أى عبدة) مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم)) (البقرة/ 221) 

ورغم أنّ القرآن أباح زواج المسلم من (الكتابية) أى اليهودية والمسيحية، فإنّ عمر(رضى الله عنه) منع الصحابة (رضى الله عنهم) من ((نكاحهنّ)) وعندما تزوّج (حذيفة) من يهودية قال له عمر(رضى الله عنه) ((طلقها فإنها جمرة)) تمسّك حذيفة بزوجته لفترة ((ثمّ أذعن لمشيئة عمر)) (عن موسوعة فقه عمر بن الخطاب – تجميع د. محمد روّاس) 

والتاريخ العربى أثبتَ أنّ مجرد السؤال عن (المُتشابه فى القرآن) ممنوع وهو ما حدث مع (صبيغ) فطلب عمر أنْ يأتى إليه. فسأله من أنت ؟ قال الرجل : أنا عبد الله صبيغ . فأخذ عمر عرجونـًا وضربه حتى دُمى رأسه ثم عاد له ثم تركه حتى بُرىء فدعا به ليعود فقال له صبيغ : إنْ كنت تريد قتلى فاقتلنى قتلا جميلا . 

فأذن له بالعودة وكتب إلى أبى موسى الأشعرى ألاّ يُجالسه أحد من المسلمين وفى رواية أخرى أنّ عمر كتب إلى أهل البصرة ألاّ يجالسوه ولا يبايعوه وإنْ مرض فلا يعودوه (= يزوروه) وإنْ مات فلا يشهدوه . وهذا الموقف من عمر (رضى الله عنه) شبيه بموقف محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما علم أنّ (عمر) يقرأ شيئـًا فى التواة ، فغضب محمد وعاتبه وقال ((والله لو كان موسى بن عمران حيًا ما وسعه إلاّ اتباعى)) 

بل إنّ عمر(رضى الله عنه) كان يمنع الصحابة من رواية أحاديث محمد وهو ما اعترف به الصحابى (قرظة بن كعب) والى الكوفة فقال ((نهانا عمر عن الحديث عنه)) (جامع بيان العلم) وأورده الدرامى والبيهقى فى سننهما . ووصل الأمر بعمر (رضى الله عنه) أنْ منع عبد الله بن مسعود من رواية أحاديث محمد الذى قال عن ابن مسعود أنه ((أمين أمتى وأوصلها)) كما منع أبو الدرداء الذى قال محمد عنه أنه ((أعدل أمتى وأرحمها)) 

وعند الانتقال من (العقائد) إلى السياسة ، فإنّ عمر(رضى الله عنه) عيّن ستة ليتم اختيار أحدهم للخلافة بعده. والستة كلهم من قريش مع تعمد استبعاد (الأنصار) ثم كانت نصيحته التى سار عليها كل مستبد إذْ قال ((منْ يُخالف من هؤلاء الستة رأى الباقين يُشدخ رأسه بالسيف)) 

وكان تعقيب الراحل الجليل أ. خليل عبد الكريم أنّ ((هذه الوصية إحدى روافد العرف الذى استقرّ طوال التاريخ الإسلامى بقتل المُعارضين لرأى الحاكم بالسيف)) (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية - سينا للنشر- عام 95- ص 115) وبينما المواثيق العالمية مع حق الإنسان فى تغيير ديانته أو أنْ يكون بلا دين فإنّ الإسلام لا يقبل ذلك ، 

وفى هذا الشان واقعة تاريخية إذْ كتب عمر بن العاص إلى عمر (رضى الله عنهما) يسأله عن رجل أسلم ثم (كفر) وتكرّر ذلك أكثر من مرة فهل يقبل منه الإسلام ؟ فردّ عليه : اعرض عليه الإسلام فإنْ قبل وإلاّ اضرب عنقه. وحكى ابن قدامة أنّ الصحابة أجمعوا على ذلك ومنهم عمر(موسوعة فقه عمر بن الخطاب) 

وإذا كان التعصب الدينى أباح لأهل ديانتيْن هدم دور العبادة ، فإنّ العقل الحر يتوقف أمام الواقعة التالية ((انصرف النبى صلى الله عليه وسلم من تبوك . وقد أتوه (بنو عوف بن غنم قوم عامر الراهب وقد سماه النبى الفاسق) وقد فرغوا من بناء مسجد ضرار وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد . فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد ضرار. فدعا النبى صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدى وعامر بن السكن ووحشيًا (قاتل حمزة) وقال انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه ، فخرجوا مسرعين . وأخرج مالك بن الدخشم من منزله شعلة نار ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه)) (من تفسير القرطبى للآية 107من سورة التوبة. وسيرة ابن هشام – ج4) 

فإذا كان الذين بنوا المسجد (ظلمة) فلماذا لم يتم معهم الحوار (بالحسنى) والإبقاء على المسجد الذى ((يُذكر فيه اسم الله ورسوله))؟ 

ونظرًا لكثرة الوقائع التاريخية عن التعصب الدينى وقهر وقتل كل مختلف مع الأغلبية الدينية كتب الراحل الجليل أحمد البغدادى ((ليس من المبالغة القول أنّ تعديل مسار الانحراف الدينى بنقل الإنسان من مرحلة الشرك وعبادة الأصنام إلى التوحيد ، لا يدل على تطور حضارى على مستوى الفعل الإنسانى ، 

ولهذا نؤمن بأنّ من الخطأ القول بمُسمى (الحضارة الإسلامية) لأنّ الحضارة كفعل إنسانى لا تحتاج إلى دين كى تتطور- هذا إذا لم يُـقيدها الدين ويحد من تطورها ، لكن الدين بحاجة إلى الحضارة الإنسانية لأنه جزء من الدنيا.. ولا شك أنه لولا التطور الحضارى الذى كان موجودًا فى بلاد الشام ، 

لما بُنيَتْ المساجد على النحو الفخم الذى أنكره عمر بن الخطاب على معاوية باعتباره مخالفـًا لبساطة الدين (لذلك) لا يُعد تجنيًا على النص الدينى القول أنّ لا علاقة له بالحضارة.. وتكفى الإشارة إلى المضمون المعرفى للفكر الدينى ، مقارنة مع الفكر الحر الذى يتميّز بالحرية والتنوع والإبداع الذى يُعد من أهم السمات الحضارية لأى مجتمع .

 ولا شكّ أنّ هذا كله يعود إلى عدم قدرة النص الدينى على تصعيد العنصر الحضارى فى حياة المجتمع باعتبار أنّ هذا العنصر بشرى فى المقام الأول ، ويحتاج فى مجال البناء الحضارى إلى العقل أكثر مما يحتاج إلى النص الدينى)) (مصدر سابق- من ص97- 99) وأضاف ((النص الدينى يرفض أى شك من العقل ، 

مما يُـفسر ذلك النزاع الدائم بين الفلسفة والدين ، أو بين العقل والنقل ولذا سادتْ مقولة ابن تيميه ((من تمنطق فقد تزندق) ولذلك من الصعوبة الادعاء أنّ النص الدينى يدعو إلى كل ما هو عقلانى ، لأنّ الحقيقة خلاف ذلك.. 

ولو ظلّ المسلمون مُطبقين للنص الدينى لما تطور لديهم مبدأ المساواة ولظلّ غير المسلمين يعانون من الظلم القانونى والاجتماعى . كما أنّ الفارق الاجتماعى بين المسلمين أنفسهم (بين أشراف وعوام الناس) سيظل قائمًا)) وذكر ((أنّ النص الدينى سبب مباشر فى إعاقة تطوير مبدأ المساواة ، وبما يُمثل جناية على المرأة وبما يُـدحّض بصورة قاطعة الادعاء بأنّ الإسلام كرّم المرأة)) (ص119) 

ولذلك فإنّ ((الدول الإسلامية تتحفظ على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسيْن . كما تتحفظ على بعض بنود الاتفاقات الدولية النابذة للتمييز ضد المرأة . 

والسبب فى هذا كله يكمن فى النص الدينى الذى يرفض الفقهاء تطوير أحكامه)) (ص193) وبينما المواثيق الوضعية مع المساواة التامة بين البشر، فإنّ المساواة بين المسلمين وغير المسلمين فهى منعدمة على الاطلاق ، إذْ أجمع الفقهاء على رأى عمر الذى أمر ((بجز نواصيهم وشد الأحزمة فى أوساطهم وأنْ يركبوا الدواب عرضًا)) 

ولذا فإنّ مركز اليهود والنصارى فى الدول الإسلامية مُـنحطـًا من الوجهة الاجتماعية ، ويُشبه مركزهم فى أوروبا فى العصور الوسطى . ونخلص من ذلك إلى صعوبة معنى مبدأ المساواة على إطلاقه فى الفكر الإسلامى ، نظرًا إلى الارتباط العنصرى بالنص الدينى من جهة ، واجتهادات الفقهاء المرتبطة بالنظرة الدونية لغير المسلم وللمسلم الرقيق (العبد) من جهة أخرى)) (ص248) 

ولكل ذلك ((ذكرتْ موسوعة العلوم السياسية أنّ الإعلان (الإسلامى) لحقوق الإنسان لم ينل ترحيب بعض الدول الإسلامية التى تحفظتْ على بعض البنود ، مثل ((حق الحياة وحرية التصرف فيها وحرية العقيدة وحق الزواج وحق اختيار الشريك والحق فى الميراث والمساواة المُطلقة بين المرأة والرجل . وأنّ الحقوق والحريات الواردة فى الإعلان ليستْ مطلقة بل مقيدة بالشرع ويجب أنْ تكون متفقة مع الشريعة الإسلامية)) 

وكان تعقيب د. البغدادى ((ألا يعنى ذلك وجود حريات لا تتفق مع الشريعة الإسلامية ؟ وكان يجب على واضعى الإعلان ذكرها وتحديدها. 

كذلك ورد فى الديباجة أنّ البشرية فى حاجة ماسة إلى سند إيمانى ، وفى نفس الوقت تـُعلن الحرب على الديانات الغربية (المادية) من جهة كما تلغى القيمة الدينية للديانات الأخرى من خلال الحكم على بطلانها من جهة أخرى)) (من 255- 257) 

ولذلك ((يقتضى الأمر أنْ يُعاد النظر فى ترتيب علاقة الإنسان بالمجتمع وليس مع الله نظرًا إلى أننا نعيش فى مجتمع مدنى وإذا تمكن الفكر الدينى من التعامل مع الإنسان كمفهوم مستقل ، عندئذ سيتغير مفهوم الدين للحرية. وستكتسب الحرية أبعادًا حضارية جديدة)) ص 323) 

وعن ذات الإعلان (الإسلامى) لحقوق الإنسان كتب المفكر الجليل خليل عبد الكريم أنه لم يحدث – ولو مرة وحيدة – أنْ خرج الإسلاميون ((بنظرية علمية إنسانية أو طبيعية استقوها من النصوص (الدينية) وهذا أمر بديهى لعدة أسباب منها : إنّ النصوص الدينية ليس من وظيفتها إفراز نظريات علمية. 

كما أنّ البيئة التى ظهرتْ فيها لم تكن مهيأة لظهور نظريات علمية فى زمانها ، فما بالك بعد مضى نيف وعشرة قرون . وأخيرًا فإنّ النظريات العلمية إنما تجيىء نتيجة للتجريب والملاحظة ولا تـُمطرها السماء عن طريق النصوص. 

وقد فات الجهابذة البهاليل الذين دبّجوا مواد الإعلان (الإسلامى) لحقوق الإنسان أنّ تلك الحقوق انتزعها البشر بجهودهم انتزاعًا وبتضحياتهم ودمائهم ، وأنها لستْ منحة إلهية أو عطية نبوية وهبة خليفية. 

لقد فات على الإسلاميين الذين وضعوا الإعلان (الإسلامى) لحقوق الإنسان ، فى غمرة حماستهم الفجة للإسلام ومحاولة إظهاره فى كل ميدان بأنه لا يقل عن غيره ، ولذلك أرجعوا (إعلانهم) إلى النصوص المقدسة ، ولو أنهم أرجعوه إلى نضالات المسلمين والعرب ، والثورات الشعبية فى مصر ومنها الثورة العارمة التى انفجرتْ فى عهد المأمون العباسى والذى حضر من بغداد عاصمة خلافته ونجح فى إخمادها بوحشية ودموية.. حتى الثورات الحديثة ، لو فعلوا ذلك لكان لإعلانهم ذاك مصداقية)) (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية - مصدر سابق – من ص 91- 93) 

كما قسّمتْ منظمات حقوق الإنسان العالمية الحقوق إلى قسم فردى ويشمل (حق السكن والتنقل وعدم التلصص على الأفراد أو مراقبتهم إلاّ بقرار المحكمة وعدم فتح خطاباتهم أو تسجيل مكالماتهم الخ) 

وهذا القسم يدخل ضمن باب (الحريات العامة) والقسم الثانى هو (الحريات السياسية) ويشمل أسلوب الحكم (برلمانى أو رئاسى أو مختلط) وآلية تداول السلطة (الانتخاب الحر المباشر) 

والرقابة على المال العام (مجلس نيابى مُـنتخب + أجهزة رقابية مثل الجهاز المركزى للمحاسبات فى مصر) الحرية الكاملة للإعلام لمُحاربة الفساد السياسى والأخلاقى ، والاستغلال الاقتصادى ، ووضع الدساتير التى تـُحدّد طبيعة العلاقة بين أفراد الشعب من ناحية ، وبين السلطة الحاكمة والشعب من ناحية ثانية. 

وتلك الحقوق لم يعرفها التاريخ العربى / الإسلامى ، سواء على مستوى النصوص الدينية أو على مستوى ما حدث على أرض الواقع . 

فإذا كانت التطورات الحديثة مع حق الشعب فى سحب الثقة من الوزراء ومن رئيس الدولة فى الحالات التى ينص عليها الدستور(مثل التجسس لصالح جهة أجنبية أو التفريط فى المال العام لصالح المستثمرين الخ) فإنّ الإسلام لم يعرف تلك الآلية ، بل هو ضدها لأنّ (التشريعات السماوية) ضد التشريعات الوضعية. والإسلام يعتمد على قاعدة أنّ المُشرّع هو الله وليس البشر. وبالتالى فإنّ الحاكم (الخليفة) هو (ظل الله على الأرض) 

تنفيذا للنص القرآنى ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)) وفى آية أخرى نصّتْ على ((وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإنْ توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)) (المائدة/ 92) وبالتطبيق لهذا النص قال محمد ((من أطاعنى فقد أطاع الله. ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى . ومن عصانى فقد عصى الله. ومن عصى أميرى فقد عصانى)) (أبو الحسن الماوردى - الأحكام السلطانية والولايات الدينية - مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر- عام 1973- ص48) 

وبينما التشريعات الوضعية مع المساواة التامة بين المرأة والرجل ، وأنّ مِنْ حق المرأة تولى أى منصب فى قيادة وطنها فإنّ الحديث النبوى صريح إذْ قال ((ما أفلح قومٌ أسندوا أمرهم إلى امرأة)) (المصدر السابق- ص27) وأضاف فى باب (فى ولاية القضاء) أنّ الشرط الأول هو أنْ يكون القاضى من الرجال لنقص فى النساء. 

والشرط الثانى أنْ يكون (حرًا) لنقص فى (العبيد) (ص65) ولهذا كما كتب أحد الأصوليين فإنّ ((التشريع الإسلامى فى وادٍ والتشريع الفعلى والتنفيذى فى وادٍ آخر)) (د. رؤوف شلبى- الشيخ حسن البنا ومدرسته - دار الأنصار- عام 78- ص339) وبالتالى لا يجوز الحكم إلاّ بما أنزل الله. 

وتنفيذا لذلك يجب على عضو جماعة الإخوان المسلمين ((مقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامى . ومقاطعة الأندية والصحف والمدارس والهيئات التى تـُناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة)) وعلى العضو الإسلامى أنْ لا ((يُـكثر الجدل فى أى شأن من الشئون أيًا كان)) (ص400، 404) وأنّ من بين الموبيقات العشر ((الخلافات السياسية والمذهبية والشخصية)) ومن بين المُـنجيات العشر ((إقامة الحدود الإسلامية)) (ص407، 408) 

وإذا كانت المادة رقم 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان مع الحق فى تغيير الديانة ، فإنّ ذلك يتعارض مع حديث محمد ((من بدّل دينه فاقتلوه)) وقال الإمام مالك ((لا أقبل توبة من ارتد إلى ما يتستر به من الزندقة. وأقبل توبة غيره من المرتدين.

 وقال أبو حنيفة ((من قام على ردته ولم يتب وجب قتله رجلا كان أو امرأة)) وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردة امرأة كانت تكنى أم رومان . ومدة التوبة ثلاثة أيام بعدها يُقتل صبرًا بالسيف. وقال ابن سريج من أصحاب الشافعى يُـضرب بالخشب حتى يموت ، لأنه أبطأ قتلا من السيف (أى حتى يطول تعذيبه) ولا يُـغسل ولا يُـصلى عليه ولا يُدفن فى مقابر المسلمين . 

ويجوز قتل الأسرى وسبى نسائهم . وأنّ المولود بعد ردة أمه أو أبيه يجوز سبيه)) والفقه الإسلامى يُـفرّق بين دار الإسلام ودار الحرب من أربعة وجوه : 

وجوب قتل الأسرى مُـقبلين ومُدبرين (أى عند محاولة الهروب) كالمشركين 

والثانى إباحة إمائهم أسرى ومُمتنعين 

والثالث تصير أموالهم فيئــًا للمسلمين 

والرابع بطلان مناكحتهم (أى فيما بينهم) وقال أبو حنيفة تبطل مناكحتهم بارتداد أحد الزوجيْن)) 

وقال ((قاتل أبو بكر مانعي الزكاة (فى الحقيقة كانت الصدقة وليست الزكاة – ط . ر) مع تمسكهم بالإسلام حتى قالوا والله ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا فقال عمر لأبى بكر رضى الله عنهما علامَ تقاتلهم ورسول الله يقول : أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأولادهم)) (الماوردى – مصدر سابق- من 55- 58) 

وبينما الليبرالية أنتجتْ آلية (الديمقراطية) لتنظيم شئون الحكم ، فإنّ الإسلاميين يتمسكون بآلية مستمدة من الإسلام (الشورى) وفى رأى الأصوليين فإنّ الحاكم غير مُلزم برأى مَنْ استشارهم وأنّ مهمة الشورى كما كتب سيد قطب ((تقليب أوجه الرأى أو اختيار اتجاه مِنْ الاتجاهات المعروضة ، فإذا انتهى الرأى إلى هذا الحد انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ)) (فى ظلال القرآن- المجلد الأول دار الشروق- عام 82- ص512) وكتب الشيخ الشعرواى أنّ ((الشورى لا تـُلزم الحاكم الذى بايعته الأمة الإسلامية بيعة إيمانية ، لأنّ الحاكم حين ينال بيعة الأمة الإسلامية على أساس دينى يكون مُـتحملا للأمر بأكمله مسئولا عنه أمام الله وأمام الرعية)) (الشورى والتشريع فى الإسلام - دار ثابت بالقاهرة - عام 81- ص 17) ولابد مِنْ ملاحظة تعبير (الرعية) المُستمد من مجتمع رعاة الغنم ، وأنّ الجماهير لا رأى لهم لأنهم أشبه بالمعيز. وفى هذا الشأن كتب المرحوم خليل عبد الكريم ((الفرق جوهرى بين (الشورى) و(الديمقراطية) فالأول يقتصر على أخذ رأى (الملأ) أما (القبيل) فلا حساب عنده ولا قيمة. فى حين أنّ الآخر يرتكز أساسًا على رأى القاعدة الشعبية العريضة لا على رأى (الايليت) أو النخبة أو الصفوة أو الملأ أو مجلس الشورى ، فهو حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب . ومَنْ يناقض هذه الحقيقة تقف ضده الأصول التاريخية للشورى وطبيعتها ومكوناتها وكذلك السوابق التى حفظتها لنا كتب التاريخ. سواء فى الفترة السابقة على الإسلام أو فترة الخلافة الإسلامية)) 
والديموقراطية نظام يتأسّس على الانتخاب من القاعدة إلى القمة ، فى حين أنّ نظام الشورى لا يعرفه ولم يعرفه طوال ماضيه. ولهذا ((ليس مصادفة أننا لم نقرأ فى كتب التاريخ الإسلامى أنّ خليفة أو واليًا تمّ تنصيبه عن طريق الانتخاب الحر المباشر الذى شاركتْ فيه جماهير المسلمين (السواد/ العامة/ الرعية) وليست البيعة انتخابًا بأى صورة من الصور، حتى (البيعة العامة) لا يمكن أنْ توصف بذلك ، فالبيعة الخاصة تقوم بها النخبة أو (مجلس الشورى) أو ما أطلقوا عليه (أهل الحل والعقد) وأضاف أ. خليل ((ليس صحيحًا ما يدّعيه البعض أنّ الشورى هى الطبعة العربية أو الإسلامية للديمقراطية ، ذلك أنّ الاختلاف الجذرى بين كنه وطبيعة النظاميْن يؤكد أنه ادعاء فاسد وكذلك القول بأنّ الديمقراطية هى الوسيلة العصرية للشورى – كما قال الأصولى محمد سليم العوا – فهذا خلط للأوراق وتمييع للمفاهيم وهدم لحدود التعريفات)) فإذا كانت الشورى والديمقراطية نقيضان فكيف تكون إحداهما وسيلة للأخرى ؟ ويرى أ. خليل أنّ هناك سببًا آخر لرفض آلية الشورى وضرورة احلال الديمقراطية ، وهذا السبب ((هو الطغيان السياسى من قِبل غالبية حكام العرب والمسلمين وبطاناتهم المتعددة الأشكال ، والذى هو من أخطر الأمراض التى تضرب بجذورها لأعماق غائرة فى جسد الشعب العربى . وأنّ التمسك بالشورى – مع الهجوم على الديمقراطية بحجة أنها دخيلة ومستوردة (من بلاد الكفار) يُساعد على تجذير الطغيان السياسى وتكريسه واستشرائه وإضفاء شرعية عليه. ولذا فليس من باب المصادفة أنّ عددًا من الأنظمة الحاكمة حكمًا استبداديًا تـُشجع عودة الشورى وشنْ الحملات الضارية على الديمقراطية ونعتها بأبشع الأوصاف ، وهذا ما تفعله الجماعات الفاشستية التى ترفع شعارات دينية لإخفاء أهدافها السياسية الدنيوية)) (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- سينا للنشر- عام 95- من ص 139- 144) 
كما تبدو صعوبة التوفيق بين الإسلام وآليات العصر الحديث فيما يتعلق بمسألة نشأة الأحزاب ، فالإسلام لا يعرف إلاّ حزبيْن (حزب الله) سورة المائدة/ 56 و(حزب الشيطان) سورة المجادلة/19. والاسم الأول (حزب الله) سرقه فريق من اللبنانيين من القرآن بقيادة حسن نصر الله فى مواجهة (حزب الشيطان) لأنّ أعضاء حزب الله ((هم الغالبون)) أما أتباع حزب الشيطان ((هم الخاسرون)) والنجم التليفزيونى الشيخ الشعرواى حذر فى خطبه من (حزب الشيطان) فى تفسيره لسورة المجادلة وربط ذلك بضرورة عدم موالاة غير المؤمنين أتباع (حزب الشيطان) والتسجيل موجود على موقع You Tube لذلك كان برنامج الإخوان المسلمين ((القضاء على الحزبية)) (د. رؤوف شلبى – مصدر سابق – ص 441) وكتب عن رفض الإخوان المسلمين لثورات الشعوب فقال ((أما الثورة بالمفهوم الغوغائى الشعوبى أو بمفهومها العسكرى فلا يُـفكر فيها الإخوان ، بل لا يؤمنون بجدواها ، فقد ثار عرابى وسعد زغلول فما زاد الوطن إلاّ خسرانـًا (ولذلك) فإنّ الإخوان المسلمين لا يُفكرون فى الثورة ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها)) وهو ما ورد فى رسالة (المرشد) حسن البنا فى المؤتمر الخامس (المصدر السابق - ص368، 369) وهو ما تأكد فى مجلة النذير (العدد 33) الصادرة عن جماعة الإخوان المسلمين حيث جاء بها ((إنّ إهاجة العامة ثورة .. وإنّ الثورة فتنة.. وأنّ الفتنة فى النار)) 
وفى سنة 1938 كتب حسن البنا فى مجلة النذير مقالا بعنوان (الإخوان بين الدين والسياسة: أهو تدخل حزبى أم قيام بواجب إسلامى) قال فيه ((ليس هناك شىء اسمه دين وشىء اسمه سياسة وهى بدعة أوروبية)) وبالتالى ((ضرورة القضاء على الحزبية وإلغاء الأحزاب)) (طارق البشرى- الحركة السياسية فى مصر: 1945- 52. دار الشروق – عام 83- ص 54) 

لكل هذه الوقائع والنصوص الدينية ، يتبيّن للعقل الحر استحالة التوفيق بين آليات الإسلام وآليات العصر الحديث ، وإذا كانت التشريعات الوضعية ومواثيق حقوق الإنسان العالمية ، هى التى حمتْ ونظــّمتْ الحقوق الشخصية والسياسية ، فإنّ كثيرين من أدعياء الليبرالية هاجموا منظمات حقوق الإنسان ، وامتلك أحد الباحثين جرأة الافتئات على الواقع فكتب ((تتخذ منظومة حقوق الإنسان طابعًا أيديولوجيًا يُحفز على الاستهلاك والاندماج فى السوق الرأسمالية))

 ثم كان أكثر صراحة فى عدائه لتجارب الشعوب الأوروبية فكتب ((المفاهيم الغربية لحقوق الإنسان لا تصلح للتعميم لأنها جزء عضوى من الحالة الغربية العنصرية المعاصرة)) (الكاتب المغربى – د. محمد سبيلا – مجلة الدوحة – العدد 15- يناير2009) 

ولا يكون أمام العقل الحر غير اللجوء إلى براءة الأطفال فى أسئلتهم الفطرية : مَنْ الذين تنطبق عليهم صفة (العنصرية المعاصرة) ؟ كما قال سيادته ؟

 أليسوا هم أبناء الثقافة الأحادية المنغلقة التى فرّقتْ بين (الحر) و(العبد) وبين (المسلم) و(أهل الكتاب) وبين (المرأة) و(الرجل) ومع قطع اليد والجلد وقص الرقبة (ونحن فى القرن الحادى والعشرين) 

فى حين أنّ أبناء ثقافة (التعددية) مع المساواة المُطلقة لكل البشر، بغض النظر عن الدين واللون والعرق الخ. والكارثة أنّ شعوب المنطقة المُسماة ب (العربية) مكتوب عليهم تلقى الطعنات من الأصوليين الإسلاميين حتى لا يخرجوا من ظلمات العصور الوسطى ، 

ثم يأتى أدعياء الليبرالية ، كجيش احتياطى من المتطوعين (لحساب من ؟ العلم عندهم وحدهم) ليقوموا بمهمة الاجهاز على روح النضال الفكرى لدى الشرفاء من أبناء الشعوب العربية ، الحالمين بمستقبل أكثر تحضرًا ، أى أكثر إنسانية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire