محسن مرزوق المثقف الخائن أو le prostitué politique
المثقف الخائن أو le prostitué politique
رسالة مفتوحة لكل المثقفين و السياسيين و الحقوقيين و الإعلاميين الذين تنكّروا لماضيهم التقدمي و النضالي ضد الإستبداد و العمالة و التفقير و كانوا ضمن عائلة اليسار و يعتبرون سندا لهذا البلد و من أحراره
و اليوم أصبحوا بخيانتهم لماضيهم عبيدا للسلطة و لشهواتهم و أنانيتهم فالخزي و العار لهؤلاء الأنذال
لهؤلاء أتوجه برسالتي المفتوحة و أهدي هذا الكتاب و أذكرهم بأن كل الخونة لم يذكرهم التاريخ إلا كعلامات سوداء و محطات قاتمة من تجربة اليسار و التقدميين و الوطنيين في ازدراء و بكل إحتقار
و حتى الجهات الرجعية التي وظفتهم و خدموها بعيونهم تحتقرهم و تراهم دائما خونة محتملين فتحذر منهم و تتعامل معهم كما تتعامل مع عاهرة التي يلقون لها بمعسول الكلام في أول الأمر و بعد قضاء حاجتهم يسخرون منها و يلقون لها بأجرتها و يحقرونها و قد يضربونها و يلقون بها في الشارع
لكم هذا الكتاب الذي كتب قبل أكثر من ثمانين عاما،و أطلق المفكر والروائي الفرنسي جوليان بندا، صرخته في وجه المثقفين أمثالكم الذين استهوتهم و تستهويهم مغريات السلطة والجاه و المال فتقودهم للانحياز لمصالحهم الأنانية السياسية والنفعية على حساب دورهم ومسؤولياتهم الأخلاقية و النضالية .
جاء كتاب بندا هذا صادما من عنوانه الذي حمل اسم «خيانة المثقفين» الصادر عام 1927. منذ ذلك الوقت صار مصطلح «خيانة المثقفين» يرمز للإشارة إلى تخلي المثقفين عن استقامتهم الفكرية و انتهازية الكثيرين منهم.
لم يكن كتاب بندا هو الوحيد، فبعده بأعوام جاء الكاتب الأميركي راسل جاكوبي، ليناقش في كتابه «آخر المثقفين» الصادر عام 1978 تراجع دور المثقف في الحياة العامة، وتخلف تأثيره في المجتمع.
كما أن الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد، تحدث في كتابه «صور المثقف» (صدرت طبعته الإنجليزية سنة 1994، وطبعته العربية سنة 1996) عن الصورة الأخلاقية المفترضة للمثقف.
وألف الكاتب البريطاني فرانك فوريدي أستاذ علم الاجتماع في جامعة كينت كتابا آخر باسم «أين ذهب كل المثقفين؟» (2004).
كل هؤلاء المفكرين وجهوا التوبيخ تلو الآخر للمثقف، الذي يتخلى عن رسالة أخلاقية افترضوا مسبقا أنه منذور لأجلها، وعن ممارسة أهم مسؤولياته في النقد،
وهي الوظيفة الرئيسة للمثقف، والتحلي بالشجاعة والمسؤولية، خاصة في ظل الاحتراب الفكري الذي يجعل الأمور ملتبسة، ويصبح «الرأي فوق شجاعة الشجعان»، كما يقول المتنبي.
لقد ورد في الأثر: «إذا فسد العالِم فسد العالَم»، وحين تصبح النخبة المثقفة منساقة خلف أهوائها وتحزباتها الفكرية والطائفية، فإنها تفقد رسالتها الأخلاقية، بل إنها تتحوّل إلى عامل هدّام ومدمّر للدور التقدّمي و النضالي الذي تقوم به الثقافة وينهض به الفكر.
من يصدّق مثقفا أو كاتبا يسوّغ ويبرّر العمالة و الفساد و الحيف الإجتماعي و النهب للمال العام أو يتغاضى عن محاسبة من قتل السياسيين و الجيش و الأمنيين ، و يعرّض سلامتهم للخطر، لمجرد أن زعيمه تغاضى عنه أو تحالف مع القتلة و الإرهابيين؟
وماذا بقي من مثقف حر أخذته العزّة بالإثم فراح يتغاضى عن العمالة و رهن البلاد لأمريكا و ضرب سيادة بلده و إنتشار الفساد و الفقر و الخصاصة التي تجتاح المدن والقرى فتخلف الخراب وفساد النفوس وتدمير الثقة، وتنزع الأمن وتزرع الخوف؟
إن خيانة المثقف لأفكاره السابقة التقدمية كالمرأة التي تخلّت عن الشّرف و اختارت الدعارة
صحيح أنه عبر التاريخ الثقافي و السياسي للبشرية غيَّر جمع من الفلاسفة والمفكرين والكتاب و السياسيين بعضا من آرائهم ومعتقداتهم السابقة إلى حد التناقض التام بين ما قيل أو كتب سابقا وبين ما قيل أو كتب لاحقا.
كان ذلك طبيعيا ومقبولاَ فالظروف المتغيرة والاكتشافات الجديدة ونضوج الإنسان نفسه مع مرور الزَمن تجعل التغيرات الفكرية والعقيدية أمرا محتما، بل مطلوبا.
لكن هناك فرقا بالغ الأهمية بين ظاهرة التغير والمراجعة الفكرية المقبولة تلك وبين خيانة ما قاله أو كتبه الإنسان سابقا، خصوصا إذا كانت الخيانة تلك ستنعكس آثارها على واقع الأمة والمجتمع لترهنه أو تدمّره أو تفسده أو تجوّعه أو تشتت وحدته.
ولذلك فعندما يقوم مثلا محسن مرزوق و أمثاله ممن إختار التسلق و تنكّر لماضيه، بإعطاء تصريحات وممارسة أفعال فيها رائحة خيانة لما قالوه وكتبوه وفعلوه في السابق،
فان المنطق يقتضي طرح الأسئلة وتفكيك الأقوال والأفعال، خصوصا أن الأمر لا يقتصر على فرد واحد بعينه وإنما يطال أعدادا متنامية من مفكرين ومثقفين و إعلاميين إختاروا التسلق بالإلتحاق بنداء تونس أو غيرها من الأحزاب الحاكمة طلبا للسلطة و فوائدها المادّية.
هل نضع جريمتهم في قول ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى منذ أربعة قرون «في الثقة وجدت الخيانة»، فيتحّسر على فجيعته في الثقة التي منحها لوطنيتهم وإخلاصهم وحسن نواياهم التي باعوها بأبخس الأثمان طمعا في السلطة و المال؟
أم نصنف أقوالهم بأنها تخرجهم من زمرة المثقفين الملتزمين عندما نتذكر ما قاله الكاتب الفرنسي ألبرت كامو من «أن المثقف هو الشخص الذي لديه عقل يراقب نفسه»، إذ من المؤكد أن تصريحاتهم تشير إلى أن عقلهم بالنسبة لهذا الموضوع قد اغتال نفسه بدلا من مراقبة نفسه؟
لكن لن نسرد كل أفعال و أقوال الكثير من انتهازيي الثقافة و السياسة و الإعلام و الحقوقيين في تونس اليوم بل سنحيلكم إلى كتاب الفيلسوف الفرنسي جوليان بندا المعنون «خيانة المثقفين» الذي كتب في بدايات القرن الماضي عن مثقفي أوروبا، و سنحيلهم له أيضا فلعل مثل هؤلاء المثقفين يجدون فيه ما يجعلهم يراجعون أنفسهم، وذلك بعد أن كثرت خيانات الفكر الذي بناه هؤلاء عبر العشرات من السنين من حياتهم السابقة الناصعة.
و لتكون هذه الرسالة المفتوحة ناقوس الخطر الذي يدّق لإيقاظهم من غفوتهم أو إن أصرّوا على خياناتهم يصبح إعلانا عن انتحارهم الإختياري و صوت المؤذن الذي يعلن على أن صلاة جنازتهم قد حلّت
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire