Tunisiens Libres: طالبان.. داعش آسيا الوسطى

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

lundi 23 mars 2015

طالبان.. داعش آسيا الوسطى


طالبان.. داعش آسيا الوسطى


السبت 21 مارس 2015 - الأنباء
  

بقلم: يوسف عبدالرحمن




الزميل يوسف عبد الرحمن يتحدث مع المجاهدين
خلال زيارته الى افغانستان لتغطية اخبار الحرب
بين افغانستان والاتحاد السوفييتي
.

قيادات طالبان في طريقهم لعقد مجلس الشورى.
«طالبان» اسم ظهر في الإعلام وحاز الصدارة وهو اسم خاص بالحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية، وهؤلاء هم الطلاب الذين درسوا في باكستان وعرفوا بهذا الاسم «طالبان» وهي كلمة أفغانية تعني الطلبة، ومعظم قادتها هم أفراد حرس المدارس الدينية الديوبندية (نسبة الى قرية ديوبند في الهند) في ظل وجود 600.000 نازح لايزالون في العراء في جنوبي وغربي افغانستان، حيث تشير معدلات الفقر الى نحو 36% من إجمالي عدد السكان.

وقدرت نسبة البطالة بنحو 36%.
ظهرت هذه الحركة المصنوعة في باكستان على مسرح الأحداث في مطلع عام 1994 بعوامل خاصة أولها الاستخبارات الباكستانية والأميركية وغيرها من الدول التي تحاول جاهدة استقطاب الحركة الإسلامية وإفشالها، إذن هناك طالبان باكستانية وأخرى أفغانية، تلتقيان في الأهداف في نهاية الأمر وبينهما تنسيق واتصالات وأدوار.
واذكر هنا بالبداية الحقيقية لقيام كتلة المجاهدين وظهور الشيخ عبدالله عزام وتحالفه مع اسامة بن لادن غير أن الفضل في هذا كله يرجع الى ضابط الاستخبارات الباكستاني سلطان امير الذي جمع عددا من الافغان المتشددين وعلمهم على كل انواع السلاح وحرب العصابات والتسلل وسموا «اصحاب القبعات الخضر» وهم النواة التي حاربت قوات الاتحاد السوفييتي.
أنا أكتب عن هذه الحركة بعد ان غطيت الملف الأفغاني لجريدة «الأنباء» طيلة فترة الثمانينيات والتسعينيات، ولي كتاب ضخم بعنوان: «قضية أفغانستان» وكأنني استقرئ المستقبل، فمازالت هذه القضية في دائرة الحوار والنقاش ومنها حركة طالبان.
الاستراحة اليوم تأخذكم الى هناك الى آسيا الوسطى وأعود بكم الى المشهد الأفغاني مرة ثانية لأعرض لكم كيف تقدمت هذه الحركة منذ 1994 لتعلو كل المشاهد وسرعان ما سيطرت على الولايات الجنوبية واستمر زحف هذه الحركة نحو الشمال وتصدى لها قادة الشمال فمنيت بخسائر جسيمة خاصة في مزار شريف في اغسطس 1997 وفي عام 1998 حسمت المعركة ودخلتها وسيطرت على 90% من أفغانستان.
في 9 سبتمبر عام 2001م أي قبل يومين فقط من تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، نجح اسامة بن لادن في اغتيال أحمد شاه مسعود (أسد البانشير) بعد أن ارسل بن لادن اثنين زورا شخصيتهما وانتحلا صفة صحافيين وحملا كاميرا ملغومة قتلت أسد البانشير.
سر قوة الطالبان في باكستان وأفغانستان انها من قبيلة البشتون التي تمثل اكثر من 42% من سكان أفغانستان من أصل 31.3 مليون نسمة، اضافة الى أقربائهم في التخوم الباكستانية، ومعروف ان أفغانستان تضم 21 قومية عرقية لكل واحدة لغة خاصة بها وتقول الأمم المتحدة إن 76% من الأفغان مازالوا في المناطق الريفية ويأتي الطاجيك بـ 27% في المركز الثاني.
حركة طالبان تتبع «المدرسة الدينية» ومرجعها الهند وتطبق المذهب الحنفي والذي تطبقه المحاكم الشرعية التي تعمل تحت حركة طالبان.
الاستراحة تشير الى ان أبرز قادة طالبان والذي شغل الإعلام هو الشيخ ملا محمد عمر، وسُمي «أمير المؤمنين» بعد ان بايعه 1500 عالم من الشخصيات الأفغانية عام 1996 والذي اختير أميرا للحركة في أغسطس 1994 بعد سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول ونائبه هو ملا محمد رباني والذي توفي في عام 2000 وأسند المنصب الى ملا محمد حسن، ولاحظوا كلهم «محمد» كما هو الآن في «داعش» الكل «أبوبكر»! ومن أشهر قادة «طالبان» محمد حسن رحماني ونور الدين الترابي وإحسان الله إحسان وسيد محمد حقاني ويار محمد ووكيل احمد متوكل.
طبعا، طالبان لها مجلس حاكم يعمل تحت إمرة أمير المؤمنين، ولها مجلس وزراء يقوم بالدور التنفيذي، ولها مجلس شورى يتكون من قادة طالبان وكلهم «معينون» وهناك الولاة ومسؤولو الولايات مثل الولايات الشرقية والولايات الجنوبية والولايات الغربية، ويكون لكل مجموعة من الولايات مسؤول يحل الأمور الإدارية، ولهم دار إفتاء مركزية «المرجعية الدينية» وهي تضم عددا من حفظة القرآن وعلوم الشريعة ومقرها قندهار.
لم يكن أحد يتصور ان تتأسس هذه الحركة الناشئة من معسكرات اللاجئين في بيشاور وصدى وجاجي الى ان تشكلت مدعومة من المخابرات الباكستانية وأطراف العلاقة الخفية، ومما زاد في بروزها هو التقارب والعلاقة الحميمة بين الملا عمر واسامة بن لادن ونظام طالبان والتحالف المتين والذي وصل الى التزاوج والتصاهر والدعم اللوجستي الذي وفره الشيخ اسامة بن لادن من عتاد وسلاح وافراد لمحاربة الشمال (رفاق الجهاد الافغاني السابق الذين تصدوا لقوات الاتحاد السوفييتي وهم: صبغة الله مجددي ـ مولوي ـ حكمتيار ـ رباني ـ سياف ـ يونس خالص وغيرهم)، ومما بقي في ذاكرتي انني اذا سألت أي أفغاني عن سبب كل مصائب أفغانستان لقال دون تردد الملك ظاهر شاه.
«الاستراحة» اليوم نوعية وهي عن «طالبان» ذات التاريخ من النزعات الدامية والمفاوضات «الملتبسة» السرية والظاهرة.
طالبان التي أعدمت وبترت الايدي وطبقت عقوبات نسبت الى الشريعة الاسلامية مثل الاعدامات التي طبقوها على المدنيين المتهمين بجرائم الزنا والقتل وبتر الايادي التي سرقت ثم منع اجهزة الاعلام مثل التلفزيونات والاذاعات والامر بإطلاق اللحى وارتداء النساء للنقاب ومنع سماع الموسيقى وارتياد دور السينما ورفض ذهاب الفتيات من سن العاشرة الى المدارس.
ومن أبرز حقائق طالبان انها جعلت 52% من النساء يتزوجن في سن العشرين وكلنا شاهد في التلفاز كيف تم إطلاق النار على رأس امرأة وهي ام لسبعة أطفال وجدت مذنبة بقتل زوجها الذي كان يضربها في ملعب غازي الرياضي بالعاصمة كابول في 16 نوفمبر 1999، منظر مروع.
ومنذ عام 2001 والغارات الاميركية لم تتوقف على افغانستان بطائرات من دون طيار او اسراب موجهة من القواعد الباكستانية او القريبة، مستهدفة حركة طالبان وزعيمها الملا محمد عمر والذي اختفى عن المسرح السياسي، ويقال انه فقد احدى عينيه اثناء قتال قوات الاحتلال السوفييتي في الثمانينيات.
حكاية طالبان حكاية مستمرة حتى اليوم، وتغيير المعادلات مازال مستمرا لاثبات السلفية الاصولية الجهادية وتعزيز دور المدارس الدينية التي تعرف في باكستان وافغانستان تحت مسمى «المدارس الديوبندية» والتي بدأت بعد العام 1933 بكل خلفياتها المتشددة.
طالبان اليوم هي مرحلة خروج من التاريخ واستغناء عن الذاكرة، فكلنا نذكر الاحلاف الدولية التي صنعت طالبان حتى تحتوي ملف «الجهاد» الذي ضم دولا عديدة باسمها، ومما لا شك فيه ان الجنرال الباكستاني حميد غول رئيس المخابرات الباكستانية كانت له يد طولى في التوجيه السياسي وقبر ملف «جماعات الجهاد الاسلامي» ضد الالحاد وبعد ان ضلت طريقها آن الاوان لطي الملف، وقد كان بالفعل هزيمة قادة الجهاد وبروز حركة اسلامية تحل محلهم وتسعى جاهدة لتحويل الجهاد الاسلامي الى إفساد كبير في الارض، ولهذا ظهرت طالبان وداعش، وهناك مسميات جديدة قادمة في الطريق، وأيضا طرق عديدة لجمع المال اللازم من زراعة الأفيون والطرقات والجسور والمدارس والعيادات، اضافة الى أموال خليجية عبرت منذ عام 2007 عبر مطار كابول.
«الاستراحة» تأخذكم بكل صدق لفتح ملف «طالبان» وتعاظم دور الاجهزة المخابراتية وجموح النزاعات الداخلية حربا وعنفا وارهابا، ولا عجب ان تحالفت واعلنت تأييدها لتنظيم الدولة..
وعلى بركة الله نبدأ:


«طالبان» لعبة باكستان والقوة الخفية
لو نظرت نظرة الباحث المتخصص في حركة طالبان، لوجدت أنها لعبة باكستان وصنيعتها وأداتها، فلا يوجد بين قادة حركة طالبان من هو منحدر من اصل عائلة افغانية كبيرة متجذرة، انما يوجد قادة ارتبط اسمهم بالدين والتشدد، وباكستان هي ملجأهم اولا واخيرا، ولربما حتى الاصول تعود لـ «البشتون» كقبيلة في التخوم الحدودية، ومن يدقق يجد ان هذه الميليشيات الطالبانية أسست على أسس عرقية «فسيفساء قبلية مذهبية» ومن قندهار بدأت طالبان مسيرتها بقيادة الملا عمر محققة اجندة باكستانية واستحقاقات اميركية، غير ان مقتل الجنرال شاه مسعود عَقّد مهمة الاميركيين، لأنه «حَرَم معارضي» حركة طالبان من ملء الشخصية القوية، لذا نجد ايضا ان الدول الاسلامية عبرت بكل إرادتها عن سعادتها بعزل طالبان ومباركة قصف الطائرات الاميركية لها حتى ايران والسودان.
انه باختصار «لعبة الكبار»، وهذا يقودنا دائما الى ان عالمنا اليوم «مسيس موجه» يقود الى «صدام الحضارات» برغبة اللاعبين، حتى لو قرر اطراف اللعبة الاختفاء داخل الكهوف في تورا بورا والجبال والوديان، فالكل محكوم بالتكنولوجيا الحديثة.. فلنفكر معا! ويبقى ان أشير الى ان القائد برهان الدين رباني قالها علنا: خلافاتنا سمحت بإنشاء حركات غير شرعية، ويقصد هنا طالبان، واذكر بأن رباني حلم بالعودة الى القصر الجمهوري الذي أزيح عنه عام 1996 عقب دخول طالبان العاصمة كابول.
حقائق تاريخية
حققت قوات طالبان مكاسب عسكرية سريعة بفضل الدعم اللوجستي من باكستان، واستطاعت هزيمة القوات ذات الخبرة العسكرية اثناء الحرب الافغانية- السوفييتية والسبب في رأيي هو «قوة الدافع الديني» المحرك الذي استغلته بشكل صحيح، خاصة بعد وجود فتاوى من مشايخ وعلماء افغان بأن ما تقوم به طالبان هو جهاد في سبيل الله، وهذا له تعاطف شعبي كبير، كما تضلل «داعش» الناس اليوم.
أتذكر كمتابع وراصد لحركة طالبان ان هذه الحركة التي ظهرت في نوفمبر 1994 استطاعت السيطرة على مناطق شاسعة بعد هزيمة «قادة الجهاد الافغاني» وهم من المعارضة الشمالية لها، حيث استطاعت ان تسيطر على خارطة افغانستان وتسقط بيدها تباعا كل المدن الرئيسية في كابول وقندهار ومزار شريف وهيرات وباميان وبدخشان وكونر وبكتيا وهيلمند ونيمروز وهيرات وفارياب وقندز طالقان وفي عام 2000 تمت السيطرة على جميع مدن الشمال وهي (باميان وطالقان وبادغيس)، وهكذا استمرت باكستان تلعب بكل أوراق الضغط وبن لادن وان تحولت أفغانستان الى قاعدة إرهاب تهدد العالم!

أكبر الهجمات على «طالبان»
فيما يلي اكبر الهجمات التي شنتها القوات الدولية على «طالبان» في جنوب افغانستان:

2006
٭ 31 يوليو: حلف الاطلسي يتولى مسؤولية العمليات العسكرية الدولية في الجنوب الذي يشهد تصعيدا غير مسبوق في اعمال العنف منذ الاطاحة بنظام «طالبان» نهاية 2001.
وقتل حينها الف من «طالبان» في عملية توغل في الجبل (مونتاني ثراست) التي قادها التحالف منذ منتصف مايو.
٭ 14 سبتمبر: عملية «ميدوسا» التي شارك فيها الفا جندي من القوات الافغانية والاجنبية في مقاطعة بنجاواي بولاية قندهار. قتل حوالي 500 من عناصر «طالبان» في تلك العملية.
2007
٭ 15 ديسمبر: عملية «صقر القمة» التي شنتها القوات الكندية والبريطانية في حلف الاطلسي مدعومة بالقوات الاميركية على مقاطعة بانجواي بولاية قندهار.
٭ 6 مارس: «ايساف» تشن عملية «اخيل» بمشاركة 5500 جندي في ولاية هلمند اكبر منتج للافيون الذي يشكل اكبر موارد حركة طالبان.
2008
٭ 29 ابريل: القوات الاميركية والبريطانية و«ايساف» تشن هجوم «كونوا احرارا» في هلمند.
٭ 18 يونيو: الف جندي من القوات الافغانية والاطلسية يشنون هجوما في دوار بوخو على «طالبان» في مقاطعة ارغنداب على بعد اقل من عشرين كلم من قندهار.
2009
٭ 23 يونيو و2 يوليو: بداية العمليات العسكرية البريطانية «مخالب الفهد» والاميركية «خنجر» في هلمند.
٭ 4 ديسمبر: اكثر من الف جندي اطلسي مدعومين بالقوات الافغانية يشنون هجوم «غضب الكوبرا» في هلمند.

وهكذا قادت طالبان حربا غير متكافئة بالمجندين المنضوين تحتها وهم 45 ألف مجند و650 دبابة (سكراب) من مخلفات الحروب ويقال 67 طائرة، وانا اعتقد ان هذه الارقام التي نشرتها جريدة (جينس العسكرية) في عام 2001 مبالغ فيها وهذه الضربات اضعفت تواصل صعودهم.
لكن الذي اعرفه تماما عن الامة الافغانية انها في الحروب تؤمن بقضية الجهاد والثأر لان هذه هي طبيعتهم وما تعلموه، أما الانتحار بكل انواعه فليس موجودا في ثقافتهم، وبقي ان يعرف القارئ ان «طالبان» أجهل من أن تعرف موقع الأمم المتحدة ولكنها حتما تعرف الإرهاب الأصولي والسلفية الجهادية وهم اليوم يتحولون من «طالبان» الى «داعش» آسيا الوسطى.

«طالبان» و«داعش»

الذي يتابع المشهد يرى ان تصاعد هجمات طالبان منذ ديسمبر 2014 له اسبابه ومؤشراته ومنها (التوقيت) ونوعية الهجمات خاصة بعد ان قام الجيش الباكستاني بإرخاء القبضة الامنية مما يتيح تبرير بقاء القوات الاميركية وضرب مساعي التسوية السياسية ولهذا كله اسباب داخلية تتعلق باستفزاز الشعب الافغاني وما يرد من تصريحات للقادة الافغان ضد المدارس الدينية والتعليم الديني وخاصة عندما صرحت زوجة الرئيس الافغاني حول قضايا كثيرة منها الحجاب وما ينشر في وسائل الاعلام المختلفة من هجوم على «طالبان»، كل هذا جعل «طالبان» يجتمعون مع «داعش» عقب تولي الرئيس الافغاني الجديد للتنسيق حول ما ينشر عنهم في وسائل الاعلام خاصة في جريدة «افغانستان اكسبرس» التي نشرت مقالا بعنوان «اسلام طالبان وداعش» وتعرضت الى قضية الاساءة الى الذات الالهية مما أثار احتجاجات واسعة في العاصمة كابول وحتى بعد اعتذار الجريدة بأنها اخطأت قام موقع «كابول برس» بنشر المقال مما أثار حفيظة العلماء والطلبة في الجامعات الافغانية ووعدت الحكومة بالتحقيق، غير انهم لم يروا اي نتائج ملموسة مما جعل كثيرا من الشباب يطالبون بعودة الجهاد والتنسيق مع «داعش» خاصة ان الكثير من الشباب المتحمس يجدون ان تنظيم طالبان مريض وآن الأوان لحسم الصراع من حوله وتحويله الى القوة البارزة اليوم «داعش» بدلا من احتوائه من تنظيم القاعدة بقيادة الظواهري، اذن الصراع حول طالبان يتمثل في القوتين القاعدة وداعش، فمن يكسب الضم؟!جسم بلا رأس
اليوم «طالبان» جسم بلا رأس، وهذه هي الحقيقة، وإن كانت باكستان كدولة أنبتت التنظيم في بداياته إلا أن المرحلة الحالية تتطلب حليفا لتنظيم يعيد ترتيب صفوفه لأنه تمدد إلى كل افغانستان وتراجعت قوة وسطوة قياداته وظهرت مجاميع شبابية متحمسة تريد الانضواء تحت «داعش» خاصة بعد غياب رمز الحركة الزعيم محمد عمر وتزايد الحملات العسكرية التي تستهدف التنظيم وقياداته الشابة في وجود قيادات ضعيفة لا وجود لها على الأرض.
اللغز الأثير والأسلوب الجاذب دائما لجموع المسلمين في العالم من الشباب المتحمس هو «إحياء الجهاد»، وهو اللغز والرمز و«الكود نمبر» الذي يشد مجاميع الشباب.
لقد غطيت أخبار افغانستان منذ بداية حقبة الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات، وتوقفت عندما بدأت طالبان في الظهور لمعرفتي المؤكدة انها صنيعة استخباراتية، لذا اقولها وأؤكدها اليوم سيبقى «بريق الجهاد» هو الجاذب لآلاف الشباب المتحمس وهو «المغناطيس» الذي عرفه اعداء الإسلام، فهو الجاذب القوي، فما ان تعلن انك تحارب أمة الكفر حتى تأتيك جحافل تبايع على الجهاد حتى الموت.. ثقافة خطيرة، من ينبري لمواجهتها وتوضيحها يا أمة الاسلام؟! ستكرر الصورة وهناك في جعبة الحاوي اكثر من ثعبان!
«داعش» يقضم طالبان
في شهر يناير 2015 شاهدنا وقرأنا مبايعة حركة طالبان الباكستانية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وهو أمر تتقنه باكستان لما له من تبعات لاحقة في المستقبل القريب والبعيد، خاصة بعد تزايد العمليات ضد وزيرستان الحدود المشتركة مع افغانستان وما تبع ذلك من انتشار وتمدد لمجموعات تنظيم الدولة، خاصة ان المجتمعين الباكستاني والافغاني يجدان تناغما مع فكرة المدرسة الديوبندية المبنية على المذهب الحنفي وانسجامه تماما مع المسلمين هنا وهناك.
اعتقد- لا بل انني على يقين- بأن الحركات الجهادية في باكستان وافغانستان تغلب عليها النزعة المحلية لا الدولية.
إن ظهور مسمى «محاربة الإرهاب» يعني ان انقسام اي مجتمع متطرف مثل افغانستان يؤدي الى بروز انقسام حاد بين الناس، فكثير من المضطهدين والفقراء والمنكسرين من البطالة والحرب والكوارث يجدون ضالتهم في هذه التنظيمات لان الملاحظ ان «داعش» قضم «طالبان» بسرعة من خلال انضمام القادة الميدانيين وطلبة الجامعات الى تنظيم الدولة الإسلامية لأنهم وجدوا من يسهل لهم العبور الى المشرق العربي او المغرب العربي لممارسة الجهاد، ولعل انتشار أدبيات وثقافة «داعش» اليوم عند الشاب الباكتساني والافغاني خير مثال أطرحه، فهم من الناحية الواقعية عزلوا المدرسة الديوبندية وأحيوا المدرسة التكفيرية خاصة في وجود الامكانيات والتسهيلات!
طالبان على كرسي الحوار
قادت الولايات المتحدة أكثر من اجتماع مع حركة طالبان، منها ما هو سري وخفي وأسند دور كبير لفرنسا عن طريق مؤسسة الابحاث الاستراتيجية وهو مركز ابحاث متخصص على اثر لقاءات عديدة في عام 2013 لرسم خارطة طريق تمتد إلى عام 2015 وهي خطة مفصلة تلعب فيها باكستان كالعادة دورا في تسهيل المحادثات أو عرقلتها.
كلنا يذكر ان الحركة افتتحت مكتبا لها في قطر بدعم من الولايات المتحدة، ولم ترحب الحكومة الافغانية في البداية بهذه الخطوة، بل ذهبت الى سحب سفيرها من الدوحة مؤقتا (وهذا خطأ استراتيجي) لأنها بدأت بعد ذلك تتحمس لوجود طالبان الرسمي، لكن بشروط، وهذا دور مشكور لدولة قطر لأن هذه الحركات يجب جرها إلى طاولة المفاوضات حتى تظهر قياداتها الى النور بدل «الملثمين» من «داعش»!
وأعرف بحكم اليوم ان هناك مفاوضات معلنة واخرى سرية وطلبات، وكلنا يذكر المؤتمر الاكاديمي في مدينة كيوتو اليابانية، حيث تمت فيه دعوة حركة طالبان لاستكمال المحادثات التي اجريت في باريس ولم يحضر وفد طالبان لانهم لا يريدون مناقشة رؤيتهم لافغانستان وسياستهم الموالية لسياسة تنظيم الدولة، وهكذا هناك مباحثات تتلوها مباحثات دون جدوى لأن الطريق غامض وطويل للأسف!
طالبان والحكومة الأفغانية
هناك خلافات كثيرة وعميقة لأن حركة طالبان مدعومة من أطراف خارجية وأيضا الحكومة الأفغانية بمعنى ان هناك «كرة مرتدة» وبعضها يسجل هدفا فرغم محاولات المصالحة الكثيرة التي بدأت الا انها سرعان ما انكفأت واختفت.
من يمسك الملف الأفغاني ويعرف خلفية طالبان وخلفية وصول الرئيس الأفغاني يعي تماما انه امام ملف مزدوج ومعقد فهناك اكثر من طرف، بمعنى ان هناك طرفا ثالثا لاعبا اعرف منه على الاقل «الولايات المتحدة- باكستان».
حركة طالبان اليوم تتمسك بضرورة وجود وسيط دولي يشرف على المصالحة فيما يقوم الطرف المناهض لها بإعلان ان طالبان لا تملك رؤية حضارية والتفاوض لا يتم معها الا بشروط صعبة.
طالبان تريد ان تتحرر من تهمة الإرهاب وغياب الثقة واعطاء ضمانات رغم ان قادتها يعيشون بصورة سرية في دول مجاورة تعمل على حجز اكبر عدد من القيادات حتى تفاوض عليهم.
الأفغان اليوم أمة متجذرة في الارهاب الدامي ونزعة الانتقام ومستعدون لبيعك في سوق النخاسة كما فعلوا بالمجاهدين العرب وما أولادنا في سجن غوانتانامو إلا جزاء مما ذكرت من معلومات، أفغانستان بحاجة الى سلام عادل وتحقيق الرعاية الدولية الشاملة.

هل تعود «طالبان» لحكم أفغانستان؟
الولايات المتحدة الأميركية لديها في افغانستان اكثر من 33 ألف جندي من أصل 100.000 في عام 2010 ومع وصول الرئيس اوباما الى الحكم وعد بتدريب الأفغان ودعم حامد كرزاي والانسحاب، واستطاعت الولايات المتحدة ان تجعل الجيش الافغاني اكثر من 300 ألف جندي وتقلص حاليا الى 220 ألف جندي ما يعني تراجعا وهذا في تصوري وضع طبيعي لان طالبان ممكن ان تعود اليوم مدعومة من تنظيم الدولة لاستعادة السلطة السياسية في كابول لانها بالأساس لديها حليف قديم اساسي وهو «الباكستان» و«داعش» اليوم وكوادرها مهيأة ومدربة وعاشت على ثقافة وجود عدو.

اذا اعطانا الله معكم العمر فسأكتب ان شاء الله عن تمدد طالبان في عام 2016 وستكون هذه المرة «طالبان» اكثر عدوانية عن باقي الحركات لانها اخذت جرعة كافية من الوقت من تنظيم الدولة وأرى ان «طالبان» اليوم ستكون ملاذا آمنا للإرهابيين خصوصا المؤمنين بفكر «التكفير» وستضع مع «داعش» خططا لتعود الى الصدارة والمقدمة خاصة بعد ان اعلن «شهيد الله شهيد» (يعني هو شهيد وأبوه شهيد ماذا تتوقعون؟)، ان حركة طالبان مستعدة لتزويد تنظيم الدولة بالمجاهدين لإحياء وإقامة الدولة الاسلامية وقال لهم: نحن يا اخواننا فخورون بكم وبانتصاراتكم، وهنا اشير الى ان الظواهري سيعمل على استعادة المشهد.. انتظروا وراقبوا ما كتبت.



آخر الكلام

أيها القراء الكرام تذكروا ما يلي:حركة طالبان هي حركة دينية ظهرت من ولاية قندهار في جنوب غرب افغانستان على الحدود الباكستانية وذاع صيتها منذ عام 1994 على يد الملا محمد عمر وهو يسمى أبوالطالبان بعد ان بايعته المدارس الدينية أميرا لها في العام نفسه.
عقيدة «طالبان» سنية على المذهب الحنفي وهي في رأيي المتواضع حركة عقائدية تقوم على تفسير الدين الاسلامي وتحليل النص كما في الحركات السلفية الجهادية بعيدا عن سلفيتنا التراثية أو منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب طيب الله ثراه ومثواه.
انتماء «طالبان» الفكري للأحكام الشرعية من حدود مثل اقامة حد الزنا والقتل وقطع يد السارق، وترى الحركة ان الحكم الشرعي في مذهبها حكم واحد لا يحتمل الاخذ والرد حوله.
العوامل التي ساعدت على ظهورهم كما رأيتها من خلال متابعتي هي: اغتيال أحمد شاه مسعود قائد تحالف الشمال سهل لهم مهمة السيطرة على كل افغانستان، كما ان الحروب الاهلية الطاحنة بين فصائل المعارضة الأفغانية سهلت لهم القبول خصوصا بعد ان دبت الفوضى وانعدم الأمن وساد الفساد الاخلاقي والاضطراب الامني وظهور طبقة اثرياء الحرب الذين تاجروا بالأسلحة وأكوام الذخيرة وأكوام الحديد والخردة، ما أوجد مشاعر الحنق والغضب ضدهم فجعلهم يعملون على التخلص من «طالبان» مرة بباكستان ومرات عن طريق الولايات المتحدة ودول ظاهرة وخفية ومنها ايران والهند.
أما أهدافها فهي كثيرة وأستطيع ان اختصرها للقارئ الكريم بأنها كانت ولاتزال وستظل تسعى لإقامة الحكومة الإسلامية (حلم) أضاعته الحركات الإسلامية بتصرفاتها واستعجالها قطف الثمرة، حيث ان من أكثر أهدافها وضوحا اقامة الدولة التي تحكمها الشريعة وأن تزول جذور العرقيات القومية والقبلية والتعصب للرأي الأحادي وعدم وجود كوادر مؤهلة وقلة الاهتمام بالتعليم العصري وحفظ أهل الذمة والمستأمنين وتوثيق العلاقات مع الدول الإسلامية وتحسين العلاقات معها والتركيز على انتشار الحجاب وإلزام المرأة به وتعيين هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقمع الجرائم ومكافحة المخدرات، وهذا هو ما أضحكني لأن الأفغان كثيرا ما مولوا حروبهم من ثمن هذه المحرمات امام نظر المحاكم الشرعية التابعة لها، وإحياء سنة الزكاة وفريضة الجهاد من وجهة نظر واحدة.
يبقى السؤال الصعب: من وراء طالبان؟
كثرت التحليلات لكنني ألوذ بذكاء وفهم القارئ بعد ان تناولت تاريخ الحركة والدول التي ذكرتها وراء إنشاء حركة طالبان وبروزها على مسرح الأحداث وهي تحديدا أجهزة مخابرات مختلفة تنفي عن نفسها هذه التهمة.
وأنا أكتب هذا التقرير تذكرت المولوي فضل الرحمن أمير جمعية علماء الإسلام في باكستان الذي رأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الباكستاني في حكومة بنظير بوتو يوم قالها علنا: علينا ان نعزز دور المدارس الدينية (طالبان) ولأنني أعرف هذه القضية بكل تفاصيلها أعي ان المولوي فضل الرحمن شخصية ضعيفة لم يكن باستطاعته إنشاء حركة مثل طالبان رغم وجود رغبة عند القائد برهان الدين رباني وعبدرب الرسول سياف اللذين سعيا إلى إنشاء هذه الحركة لضرب قلب الدين حكمتيار القائد الأفغاني البشتوني عدوهما اللدود، غير ان الواقع والأكيد ان الملا محمد عمر هو المؤسس الحقيقي وان كان بعين واحدة لأن الفكرة لازمته منذ ان وجد الفساد سيطر على ولاية قندهار، حيث كان يتلقى علومه الدينية في المدرسة الدينية فحقق حلم حياته ونال القرب من أسامة بن لادن ومصاهرته والاستيلاء على الحكم بعد ان هزم قادة استطاعوا هزيمة القوات السوفييتية ولكنهم أبدا لم يستطيعوا مقاومة هذا القادم لهم من قندهار والذي لا يقبل أحزابا أخرى تشاركه السلطة، وهكذا استطاع الملا محمد عمر الذي فر بدراجة نارية الى المجهول ان يعزل افغانستان عن محيطها بسبب خوف العالم كله من نظريته والقائمة على «فكرة الخلافة الاسلامية» بعيدا عن الدولة المدنية الحديثة وموقفه المتشدد من مخالفيه ومن المرأة ورفضه المعلن والمثبت بعدم تسليم الشيخ أسامة بن لادن وأيضا الأدلة التي تثبت تورط بن لادن في يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 يوم اعتبرت أميركا حركة طالبان هدفا له الأولوية عندها ردا على التفجير الذي وصل أراضيها، ويبقى السؤال: متى نتعلم الدرس من التاريخ والجغرافيا والأحداث؟ ويقيني ان القارئ الكريم عرف بما لا يقبل الشك وباليقين ان هذه الحركات لها حقائق غائبة في قضية التمويل لأن المتهمين كثر على اعتبار ان الدعم المادي هو أحد أبرز عناصر صمود أي تنظيم كما هو حاصل في حزب الله الذي يحظى بدعم ايراني علني وكما تفعل ايضا الحركات والجماعات التي ترفع راية الجهاد المقدس لتبقى على قيد الحياة، وليظل الصراع قائما رغم توجه الشعب الأفغاني الى صناديق الاقتراع وهو لا يؤمن بها بل يؤمن بمجلس «اللوي جركا» مجلس الشورى القبلي المتأصل في نفوسهم، لذا وصل حامد كرزاي الى السلطة في أعقاب سقوط نظام طالبان عام 2001 غير ان الأمر بقي مستمرا لظهور طالبان (2) وهم «داعش» آسيا الوسطى.
أتمنى ان تكون وصلت الرسالة فـ«داعش» يتمدد على أكثر من مسار وفي أكثر من قارة، بقي ان نسمع الأذان يأتي من هنا وهناك فواشنطن وأوروبا تؤذن للجهاد واللغة الفرنسية لغة رسمية لقادة «داعش»، فماذا عن طالبان؟ وهل من خروج من التاريخ؟ وهل يطلبون منا أن نستغني عن ذاكرتنا؟!
والحقيقة كل الحقيقة ان الشعب الأفغاني يرى كرامته في دينه وأن عزته في عودته لمدنه وقراه التي هجر منها صاغرا، وهذا البلد المنكوب يحتاج الى تعليم ونقلة حضارية حقيقية بعيدا عن سياسة ملالي المخابرات وأفكارهم العنيفة الضالة الداعشية لأن تركيبة أفغانستان مزاييك وديموغرافية خاصة وتباين عرقي وعنصري (بشتون ـ طاجيك ـ اوزبك ـ هزاره)، تباين مذهبي واستقطاب اقليمي يهز الولاءات والانتماءات وعليهم مراجعة أصول الإمارة الإسلامية وضوابطها الشرعية بعيدا عن تدخلات الأطراف الخارجية، وهذه كلها اخطاء في طالبان الأولى التي دعمتها القاعدة، وطالبان الثانية التي اعلنت ولاءها لتنظيم الدولة «داعش» لتمارس دورا جديدا في آسيا الوسطى والذي يمكن ان يستقطبه دول الجوار والروس والأميركان كطرفي نقيض، فماذا تخبئ لهم ولنا الأيام القادمات؟


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire