Tunisiens Libres: ثورة الزنج..إنتفاضة العبيد على دولة الخلافة

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

mardi 21 janvier 2014

ثورة الزنج..إنتفاضة العبيد على دولة الخلافة

تعود أحداث هذه الثورة إلى خلافة المهتدي بالله العباسي، وتحديداً إلى العام 255هـ، فى جنوب العراق حيث كان مشحونا بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها ويقومون بكسح السباخ والأملاح وذلك تنقية للأرض وتطهيرها كي تصبح صالحة للزراعه وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغايه تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديميي الرحمه ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين كليهما على العراق ,اما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين، وكانت الدولة العباسية تعاني حالة ضعف بعد وفاة المتوكل، وضعف أمر الخلفاء، الذين صار يتحكم بهم الجند، كما أن دولة الخلافة أضعفتها الحروب الطويلة ضد الروم، وضد الدويلات الشيعية التي انفصلت عن جسم الدولة.
كان العبيد يجلبون من إفريقيا وخصوصا من ساحلها الشمالى ومن أهمها المنطقة المعروفة بزنجبار (أرض الزنج) حيث يتم خطفهم و يشدونهم بالزناجيل ويسوقونهم مشينا بالسياط في قوافل الى البصرة وغيرها من الاقطار والامصار، وكانت مناطق جنوب العراق والأهواز ذات أرض خصبة و لكن يغطيها المد والجزر بطبقة ملحية سبخية فاستوردوا الزنوج الذين عملوا تحت لهيب الشمس وضرب السوط في إزالة الطبقة الملحية السبخة لتظهر من تحتها التربة الصالحة للزراعة ثم يقومون بتجميع أكوام الملح والسباخ وينقلونه بالبغال إلي حيث يباع في المدن والقرى وكان أجرهم اليومي حفنات من الدقيق والسويق والتمر لا تسمن ولا تغني من جوع هذا بينما كان المترفون في بغداد يوضع علي موائدهم طبق " الجام" وهو ألسنة السمك، وثمنه يزيد علي ألف درهم فيما يرويه المسعودي..!
وإزاء الأوضاع السيئة التي كان يعيشها هؤلاء الزنوج اقتصادياً واجتماعياً، اقبل العبيد على الثوره طريقا لم يجدوا امامهم سواه للتغيير، هذه الثورة التي حظيت باهتمام المؤرخين المستشرقين بالتاريخ الإسلامي في العهد العباسي، والتي سجلها المؤرخ (
Noldeke Theodor) في عام 1892 م، كما ذكر الطبري في مؤلفه (تاريخ الأمم والملوك) بأنها حركة تمرد في عهد الخلافة العباسية لقائد عربي استخدم الزنوج المرتزقة والعبيد المملوكين، وعرفت بعد ذلك تاريخيًا بهذا الاسم، ومن المعروف ان الطبري والمسعودي يعدّان من اهم المصادر الرئيسة التي رصدت اخبار ما حدث، بحكم الاهتمام الفائق بايراد التفاصيل شبه اليومية . كان الطبري بمثابة الناطق الرسمي للخلفاء والمدون لسير المعارك التي طحنت جنوب العراق على امتداد السنوات الأربع عشرة للثورة ( 869 م ـ 883 م)، وفى العصر الحديث كتب فى الموضوع الكثير من المحدثين وعلى رأسهم الدكتور طه حسين والدكتور محمد عمارة ولكن دراسة د. فيصل السامر والتي ظهرت في كتاب حمل عنوان (ثورة الزنج) كانت الدراسة الأبرز والأكثر تأصيلا ورصانة من حيث جدة الطرح وشموليته مما جعلها في طليعة الدراسات التي تصدت لهذا الحدث.
لم تكن ثورة الزنج هى الأولى فى تاريخ الدولة الإسلامية والتى جاءت بعد حوالى 1000 عام من ثورة العبيد فى روما القديمة بقيادة سبارتاكوس وقد عقد (طه حسين) فصلاً في كتابه ألوان, قارن فيه بين ثورة العبد الأبيض الاسبرطي (سبارتاكوس) ضد روما من أجل تحرير العبيد ونيل الحرية في القرن الأول الميلادي . وبين العبد الأسود (عبد الله بن على بن محمد) الذي قاد ثورة للعبيد السود المعروفين بالزنج ضد الخلافه الاسلامية , من أجل ذات الهدف تحرير العبيد ونيل الحرية، وذكر طه حسين أن قائدهم على بن محمد كان رجلاً ذكي القلب بعيد الامل دقيق الحس ضابطاً لأمره مالكاً لارادته، أما محمد عمارة فيقول: "عندما أكتب اليوم عن ثورة الزنج، وقائدها علي بن محمد (270ه/883م) فإنني أحقق بذلك أمنية تمنيتها منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان. فلقد قرأت يومها صفحات كتبها المرحوم الدكتور طه حسين (1889م - 1973م) عن هذه الثورة التى قارن بينها وبين ثورة سبارتكوس
Spartacus (73 - 71 ق.م) لتحرير العبيد من مظالم الدولة الرومانية واستعبادها وتمنيت ان اكتب عنه، ويقول د. عمارة في موضع آخر: "نعم انتهت ثورة الزنج وطافت الدولة العباسية برأس الثائر الشاعر العالم علي بن محمد في المدن والأمصار والآفاق، ولكن حلم الإنسان العربي المسلم بالعدل لم ينته بنهاية هذه الثورة".
لن أدخل فى تفاصيل المعارك بين جيش على بن محمد الملقب بصاحب الزنج و جيوش الخليفة المعتمد وأخيه أبى أحمد الموفق وهى التفاصيل التى أغرقنا بها كتاب السيرة وذلك بالرغم من أهميتها فيمكن الرجوع اليها مباشرة، فقد مضت تلك الحرب بين كر وفر فى حوالى خمسة عشر عاما (255 -270 هجرية) واستطاع العبيد تحرير منطقة شاسعة كما أسلفنا لكنهم لم يحظوا بالإستقرار المطلوب لبناء دولتهم التى إنهارت بعد مقاومة عنيفة وحصار لعاصمتهم المختارة دامت لحوالى 3 سنوات ولكن ما يعنينا هنا هو دراسة التجربة فى ذاتها وأسباب فشلها.
مما لاشك فيه أن صاحب الزنج كان له قدرات عقلية فائقة وملكات تحريضية وتهييجية عالية بحيث إستطاع فى فترة زمنية وجيزة حشد جيش كبير جدا بقياس عصره قدره بعض المؤرخين بثلاثمائة الف من العبيد والأرقاء والأقنان استطاع بواسطة ذل الجيش ان يوجه ضربات موجعة كادت أن تهز اركان دولة الخلافة وتقضى عليها، ونقل عنه القيروانى شعرا حادا وتحريضيا منه:
لهف نفسى على قصور بغداد وما حوته من كل خاص
وخمور هناك تشرب جهرا ورجال على المعاصى حراص
لست بابن الفواطم الزهراءإن لم أقحم الخيل بين تلك العراص
* اشتهر عن الرجل شجاعته واخلاصه ووفائه لعهوده ومن ذلك حديثه لجنده من العبيد " اشرككم فيها بيدي واخاطر معكم فيها بنفسي، و ليُحط ْ بي جماعة ٌمنكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي" أى انه يقدم حياته رهينة فى سبيل القضية، ولكنه خلط ذلك بمجموعة من الإدعاءات والهلاوس، من ذلك إدعائه الإنتساب الى على بن ابى طالب ثم ما قيل عن انكاره ذلك ( هذا الموضوع أخذ جهدا كبيرا من المؤرخين والباحثين حول أصل الرجل ونسبه)، وأيضا ما نسب اليه من إدعاء النبوة ونزول الوحى عليه، وزعمه أنه المهدى المنتظر مما خلط دعوته بهالة ضبابية غامضة وأوقعها فى إتهامات متكررة بالمروق عن صحيح الدين.
*رغم أن حركة الزنج قد انطلقت من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها الا أن العنف الشديد الذى لون الحركة تجاه خصومها من قتل واغتصاب وسبى ادى الى سهولة اتهامها بأنها حركة فوضوية تعمل على الإنتقام، وبالرغم من أن الطرف الآخر هو من بدأ بالعنف وأن العنف كان مفهوما ومبررا بمقاييس ذلك العصر الا أن العقلية العربية لم تكن لتستسيغ أن يقوم العبيد بسبى حرائرهم وتحويلهن الى جوارى وملك يمين وبيعهن فى الأسواق مما أدى الى تعاظم رد الفعل وسهولة حشد الخليفة للرأى العام خلفه ضد تلك الثورة.
* إعتماد الثورة فى قوامها الرئيسى على العبيد وفى القلب منهم المستجلبون من إفريقيا وعدم ضم أى فئات أو طبقات أخرى بشكل مؤثر فى الحركة مما حكم على الثوّار مبكرا بالعزلة والقتال منفردين وظهرهم الى الحائط، ورغم أن على ابن محمد لم يكن عبدا ولا من أصول زنجية وان عدد كبير من قادتها كذلك الا أن جيشها الحقيقى كان من الزنج تحديدا، ويصف ابنُ خلدون إقبالَ الزنج على الثوره وزحفـَهم للقاء قائدها فيقول : لقد تسايل اليه الزنجُ واتبعوه.
* أيضا فإن الهدف المعلن لصاحب الزنج لم يكن القضاء على العبودية واقامة مجتمع حر ولكن ما أعلنه الرجل ومارسه وسعى الى تطبيقه هو تحريرُ الرقيق من العبوديه وتحويلُهم إلى سادة لأنفسهم وأعطاؤهم حق َامتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بأمتلاك َسادتِهم سادة الامس الذين كانوا يسترقونهم وجعلِهم عبيدا عندهم وركوب نسائهم وبناتهم وتلك فى حقيقتها أفكار لا تختلف كثيرا عن النظام الطبقى الذى كان سائدا مما أفقد الثورة التعاطف و الطابع الإنسانى.
وهكذا انطوت سريعا صفحة هذه الثورة بعد حمامات الدم التى أغرقتها ولكنها لم تذهب سدى فقد أوقدت جذوة الثورة فى قلوب المستضعفين والفقراء وبعدها بقليل جاءت ثورة القرامطة أكثر نضجا وخبرة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire