Tunisiens Libres: التكفير و الإكراه

Home

Home

http://tunisienslibres.blogspot.com/2016/03/blog-post_25.html

vendredi 24 janvier 2014

التكفير و الإكراه



                               التكفير و الإكراه

نوري حمدون 
الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 17:54 
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني 
    
= يقدر أطلس أوف جلوبال كريستيانيتي Atlas of Global Christianity معتنقي الأديان في العالم الآن بنحو 88.7 % من سكان العالم. وبحسب تقديره أن معتنقي المسيحية زادوا خلال المائة سنة الماضية من 612 مليون نسمة إلى 2.29 مليار نسمة (كاثوليك وبروتستانت وأرثوذكس وغيرهم)، كما زاد عدد المسلمين في تلك الفترة أيضا من 221 مليون نسمة إلى 1.55 مليار نسمة. ويعطي الأطلس المذكور ترتيب العشرة أديان الأولى في العالم كالآتي :
الديانة عدد أتباع الديانة بالتقريب
مسيحيون 2,280,454,000 2 مليار و ربع
مسلمون 1,549,444,000 1 مليار و نصف
هندوس 948,507,000 1 مليار
بوذيون 468,536,000 نصف مليار
صينيون 458,316,000 نصف مليار
روحانيون 261,429,000 ربع مليار
أديان حديثة 64,442,000 1/20 مليار
السيخ 24,591,000 1/40 مليار
يهود 14,641,000 1/10 مليار
أديان طبيعية 13,978,000 1/10 مليار
10 تصنيفات 6,084,338,000
يشكلون 88.7% من السكان

وصل تعداد سكان العالم نهاية 2009 إلى نحو 6.9 مليار نسمة، بينما يقدر تعداد سكان العالم الآن بنحو 7087612800 نسمة (حوالى 7.088 مليار.)

تشغل قارة آسيا أكثر من 60% من عدد سكان العالم بتعداد يبلغ 4 مليارات و 342 مليون نسمة, حيث تشكل الصين والهند معاً لوحدهما حوالي 40% من عدد سكان العالم. تأتي بعدها قارة أفريقيا بتعداد يبلغ مليار نسمة, مشكلة بذلك 15% من عدد سكان العالم. وتمثل قارة أوروبا التي يقطنها 733 مليون نسمة حوالي 11% من تعداد السكان حول العالم. بينما تعتبر أمريكا الشمالية موطن 352 مليون نسمة(5%), وتشغل أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ما يمثل 589 مليون نسمة (9%), ويبلغ عدد السكان في أوقيانوسيا 35 مليون نسمة مشكلين بذلك أقل من 1% من تعداد سكان العالم.

= ظهر وسط هذا العالم ما يسمى بالإسلام التراثي و هو الإسلام الذي يتجاوز النصوص الرئيسة للإسلام الموجودة في القرآن و الحديث المتواتر ليضم اليها النصوص الظنية من القرآن و الحديث و كافة إجتهادات السلف الصالح الى جانب إجتهادات علماء الأمة اليوم . و الإسلام التراثي هو أيضا الذي يعتمد التكفير و الإكراه منهجا في الدعوة و التبليغ مما يجعله في حالة صدام حاد مع مفاهيم الديمقراطية و حقوق الإنسان و بالتالي المجتمع الدولي ظنا منه أن الإسلام الحقيقي لا يعرف هذه المفاهيم . كما أن الإسلام التراثي لديه برنامج أساسي هو السيطرة على الحكومات بكافة السبل و ذلك ليتمكن من فرض رؤيته على الناس و العالم الذي ستتم إدارته حينئذ عبر حكومة عالمية جديدة إسمها الخلافة تصنف السكان الى صنفين لا ثالث لهما : مسلم و كافر . و في النهاية لا توهب الحياة إلا للمسلم منهما فقط . المسلمون في العالم هم إحدى الأقليات حيث يشكلون أقل من خمس سكان العالم على أحسن تقدير . و أما أصحاب الإسلام التراثي فهم أقلية داخل الأقلية .

= نحن نعتقد أن أحلام ما نسميه الإسلام التراثي أحلام غير واقعية و مصادمة ليس فقط للحاضر الذي نعيشه و إنما أيضا للمستقبل الذي بدأ يتشكل . و إذا قدر للدول المستبدة و الأمبراطوريات القابضة أن تظهر في الماضي البعيد و القريب و تتمدد و تكتسح حتى تغطي جزءا كبيرا من الكرة الأرضية كما حدث مع دول الإستعمار العربي و الإنجليزي على سبيل المثال فإن عالم اليوم بات على مرمى حجر من إيجاد الحكومة الكونية التي تحتكم الى مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان في معاملاتها . و لم يعد هناك مكان للتكفير و الإكراه التي و هما إثنان من أسوأ أسلحة الدمار الشامل في إمبراطوريات الماضي الأليم .

= الحكومة الكونية تتبلور منذ أواسط القرن الماضي لحظة أن بدأت في إصدار الوثائق و الإتفاقات الدولية التي ستشكل في نهاية المطاف الدستور العالمي الذي سيحدد معالم السلوك البشري و الدولي المستقبلي و الذي يتنافر في معظم جزئياته مع الإسلام التراثي كما يبشر به السلفيون حيث السيادة في الإسلام التراثي للأقلية الإسلامية بينما الآخرون إما مقتولون أو مسترقون أو دافعون للجزية . الحكومة الكونية لها وثائق و إتفاقات و لها دستور و قوانين و لوائح . و للحكومة الكونية أيضا قضاء و محاكم و شرطة و جيش . و للحكومة الكونية وزارات تنفذ و تتابع عبر لجان و منظمات و هيئات دولية . و أهم ما في الموضوع أن الحكومة الكونية تستمد سلطتها من الشعب القادر على ممارسة الديمقراطية و المكفولة له كل حقوق الإنسان . إن أكبر أهداف هذه الحكومة هو ضمان عدم عودة الإستبداد و الظلم خصوصا ما كان منها بإسم الدين .

= ففي عالم كهذا المطلوب من الجميع أفرادا و حكومات التعايش السلمي و الإعتراف بالآخر المختلف لأنهما أساس الحياة في عالم المستقبل الذي يشكل فيه المسلمون كما قلنا واحدة من الأقليات بعدد 1.5 مليار فقط ,, بينما يشكل الآخرون عدد 5.5 مليار إنسان لا يعتنق أيا منهم الإسلام و لا يرغب في أن يفعل ذلك أيضا . و إذا كان ثمة من يستطيع أن يفرض دينه على الناس بالإكراه فإن النصر هنا لا شك من نصيب الصين و الهند اللتان وحدهما تشكلان أكثر من 40% من سكان العالم و من أديانه معا كما أن أكثر أهلهما من اللادينيين . و كان الأجدر بالأقلية المسلمة في ظل هذه الحقائق أن تكون الأحرص على التعايش السلمي لو لا تسلط الجماعات المتطرفة .

= و نحن نعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين الدين و السياسة . و على هذا الأساس سيظل الدين الإسلامي الحقيقي حيا في النفوس لا تعكر صفوه إلا أحلام بعض الجماعات بالسيطرة على العالم عبر التكفير أو الإكراه أو الإثنين معا . تعتمد تلك الجماعات في إزكاء شعلة ذلك الحلم على الحديث عن نظام الخلافة . الأمر الذي يزيد من نفور أكثرية المسلمين منها لأنهم يعلمون تماما أن الخلافة لا تعني شيئا سوي الإستبداد و الأستعمار و الظلم و المجون بإسم القبلية حينا و العنصرية حينا آخر و بإسم الدين معظم الأحيان .

= لو كان الإسلام تواقا لسفك الدماء و تكفير الناس و إكراه المختلفين لما قال )) :لكم دينكم و لي دين )) . و في تقديرنا أن حروب الرسول (ص) كانت لأجل إرساء مبدأ حرية التدين الذي ضن به المشركون على الرسول (ص) في مكة و ذهبوا ضده حد تهجيره (ص) و أصحابه قسرا الى يثرب و الحبشة . و كما ذكرنا مرارا في مساحات سابقة أن الحرب الوحيدة الجديرة بالدعم و المساندة هي الحرب من أجل إرساء دعائم الديمقراطية و حقوق الإنسان . فما أن تحقق هذا الأمر للرسول (ص) و صحابته الكرام بفتح مكة حتى حطم الرسول (ص) قيود التكفير و الإكراه و الى الأبد عندما أصدر الإعلان النبوي الكريم بأن (( إذهبوا فأنتم الطلقاء )) .. أي أحرارا بالإسلام و بحقوق الإنسان من غير تكفير أو إكراه .

                     إن الحرب الوحيدة الجديرة بالإحترام و المساندة هي                      الحرب من أجل حقوق الإنسان


= أولا ..الإسلام لم يأمر بإقامة دولة و لا أعطى أحد الناس وصاية على الناس . فقد قال القرآن ( و ما على الرسول إلا البلاغ المبين .. لست عليهم بمسيطر .. ليس عليك هداهم .. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين ) . و قال أيضا ( و من لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الفاسقون) . الحكم المقصود هنا هو حكم الإنسان نفسه بتوجيهات الهه . و قد وردت هذه الآية تحث اليهود و النصارى و المسلمين أن يحكم كل فريق منهم شريعته على نفسه حتى لا يكونوا من الفاسقين أو الكافرين أو الظالمين .
= و عليه فالأوامر الواردة في النصوص أوامر توجيهية إرشادية و من باب النصيحة و تتوجه للفرد ليطبقها على نفسه ليخلق الإنسان الصالح الذي يعبد الله الواحد و يعمل العمل الفاضل الصالح . و إذا أخطأ في تطبيقها أو قام برفضها فلله الأمر أولا و أخيرا .. فقد قال القرآن ( من يعمل مثقال ذرة شرا يره .. و لا تذر وازرة وزر أخرى ) . إن أصعب العقوبات و هي الرجم و القطع و الصلب لا يمكن تطبيقها إذا لم يرغب الجاني نفسه في ذلك عبر أعترافه و إقراره القاطع مهما يجتهد الآخرون في إلصاق التهمة به عبر إقامة الدليل و شهادة الشهود . إن صحوة الإيمان في قلب الجاني (قبل قيام الدليل و شهادة الشهود) وحدها هي التي تدفعه للإعتراف من أجل التطهر مما إرتكب من الإثم و ما تعفر به من الذنب .
= ثانيا .. ما لا يجب فعله و ما هو خاطئ و المنكر و الفاحشة وردت بخصوصها أوامر إلهية. تلك الأوامر تتحدث عن تجنب الفاحشة و ليس منع الفاحشة . فبعض الأديان كفر بواح و فاحشة مبينة . و مع ذلك قال عنها القرآن ( لكم دينكم و لي دين ) . كما أن الأوامر تلك تتحدث الى الفرد و ليس الى المجتمع .. يقول القرآن (يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه .. و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) . إن منع الفاحشة يتطلب وجود دولة و هي التي قلنا أن الإسلام لا يعرفها و لم يطلب قيامها . رغم أنه قد طالب بوجود أمة من المسلمين تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر . لكنها الأمة التي تقوم بشؤون الدعوة و التبشير عبر بذل النصح و الإرشاد و ليس عبر المنع و الإرهاب . يقول القرآن (.. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين) . إن الرسول و المسلمين عليهم الدعوة و الإرشاد . و الله تعالى وحده هو الذي يهدي من يشاء و يضل من يشاء .
= ثالثا .. لم يرد في النصوص القرآنية ما يمثل خرقا للحريات الأساسية العامة و الشخصية أو يمثل خرقا لأي من مبادئ حقوق الإنسان و خاصة التي تدعو الى حرية التعبير و التدين و الوصول للمعلومات أو نشرها و الإنضمام الى الجمعيات و الأحزاب و الطوائف المختلفة التي تعمل وفقا للقانون بحيث لا تعتدى على حريات الآخرين . و عند هذه اللحظة يقول فقهاء الإسلام ( لا ضرر و لا ضرار ) . و إذا كانت بعض هذه الجمعيات وفق منظور الإسلام تبيح الفاحشة فالمطلوب من المسلم أن يتجنبها ( إنه كان فاحشة و ساء سبيلا ) .. و ليس المطلوب منه منع وجودها لأن المنع يمثل خرقا للحريات الأساسية التي قلنا أننا نجد أن النصوص شديدة الإحترام لها .
= رابعا .. المشكلة أن الفاحشة لا توجد في الطبيعة وجودا منفصلا عن محيطها . لأن الفاحشة في الطبيعة هي فعل . و الفعل سلوك نسبي يتأثر بالمحيط بحيث أن الفعل الواحد قد يكون فاحشة في محيط معين و يكون حسنا في محيط آخر . فعبادة الأصنام و تعدد الآلهة و تجسد الأله و إنكار وجود الإله لها معنى إيجابي كبير بل و ترفع من قيمة الفرد عند البوذيين و الهندوسيين و المسيحيين و الملحدين على التوالي بينما ينفر منها جميعا المسلمون الموحدون . و عليه فلا يجب أن يتم منع الفاحشة على مستوى المجتمع و الدولة . و لا يجب أن يفهم من ذلك أننا نشيع الفاحشة . الواقع أننا عندما نترك الآخرين يمارسون الفاحشة فإننا أولا نسمح لهم بممارسة معتقداتهم و عاداتهم و أفكارهم و التي لا يرون من قريب أو بعيد أنها من الفاحشة و ثانيا نسمح لأنفسنا بممارسة معتقداتنا رغم أن الآخرين لا يعرفون عنها شيئا سوى أنها الفاحشة عينها . لقد ترك الرسول القبائل و ما تدين به بعد أن تمكن من فتح مكة بعد حروب دموية فتاكة . و لم يدمر الأصنام في الأمكنة الأخرى و الكعبات الأخريات كما فعل مع أصنام كعبة مكة و التي لم يبق منها شيئا . و لم يكن تدمير الأصنام في الكعبة نوعا من إكراه الناس على عدم عبادتها بقدر ما كان إعادة للكعبة لما كانت عليه عندما أقامها أول مرة أبو الأديان ابرهيم و الذي جاء الرسول الكريم ليكون إمتدادا له و لحنيفيته و بالتالي كعبته المخصصة لعبادة الأله الواحد الذي لا يتجسد في صورة أو صوت .. و لم يكن في مقدور الجاهليين إنكار تاريخ و حقيقة البعد الإبراهيمي للكعبة لا قبل الفتح و لابعده . و من أجل دين إبراهيم أو الحنيفية صدح الرسول بدعوته و معه كل الحنيفيين بمكة . و قد خرق الجاهلييون حقه في التدين و في الإعتقاد و في الدعوة لما يراه صحيحا رغم أنه كان قد نأي بنفسه و صحابته عن العنف و الإكراه . و قد إلتزم الرسول بحقوق الإنسان هذه إذ قال القرآن : ( لا إكراه في الدين .. و جادلهم بالتي هي أحسن ) . و لإن الحرب الوحيدة الجديرة بالإحترام و المساندة هي الحرب من أجل حقوق الإنسان فقد إضطر الرسول الكريم للدخول مع مشركي مكة في حروب طويلة ضروس . و لعل حروب الرسول في الجزيرة كانت هي الأولى من نوعها في العالم حيث أنها كانت حربا من أجل إحقاق حقوق الإنسان . و بعد أن أثبت الرسول حقه في حرية العبادة و الدعوة عفى عن أعدائه في سيمفونية للسلام رفيعة المقام .. و عاهدهم على عدم خرق حقوق الإنسان في حرية العبادة و الدعوة منذ تلك اللحظة فصاعدا مقابل أن يتركهم و ما يدينون .. فبقي المسيحي منهم على عقيدة التثليث و المشرك على عبادة الأصنام و اليهودي مع توراته المحرفة . لم تكن حروب الرسول من أجل إزالة الفاحشة و منعها لأنه كان يعلم أن الفاحشة أمر نسبي . ففي ذلك قالت النصوص القرآنية ( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم ) . كانت الآية تتحدث عن الفعل الواحد و عن القيمة النسبية له . إذ ليس بوسع أحد حتى اليوم أن يضع الحدود الفاصلة بين الفاحشة و الفضيلة .

                            الخلط بين الدين و القانون


الخلط بين الدين و القانون :
= مضى زمن طويل على المسلمين و هم يخلطون بين أحكام الدين و أحكام القانون . و قد إتفقوا على أن أحكام الشريعة المسماة الحدود تسري على المسلم و على غير المسلم . ذلك ببساطة لأنهم جعلوا أحكام الشريعة هي أحكام القانون المنظم للمعاملات بين المواطنين بغض النظر عن دينهم . يقول الفقهاء مثلا أن المخمور يجلد و إن كان من غير المسلمين طالما أنه من مواطني الدولة المسلمة .
= فما نحب أن ننبه اليه هو أن القانون هو مجموعة الأحكام التي توافق عليها المواطنون في الدولة المعينة بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية و العرقية و الجنسية لتنظم معاملاتهم و شؤؤنهم العامة . و هذه القوانين قابلة للأخذ و الرد و الإضافة و التعديل و النقد و التحليل لأنها قوانين من وضع البشر و تهدف الى حماية المصالح المشتركة بينهم رغم إختلافاتهم الفكرية و الثقافية و الدينية . و في العصر الحديث أصبحت هناك مرجعية دولية لهذه القوانين يجب على المشرعين مراعاتها عند وضع القوانين في كل دولة لآن الغالب على مواطني الدول الحديثة هو التباين الديني و الثقافي و العرقي و لأن التداخل بين الدول و التعايش بين مواطنيها صار نمطا يوميا يجري في كل ناحية من الكرة الأرضية جعل عالم اليوم شيئا أشبه بمدينة الرسول (ص) يثرب أو مهبط الوحي المقدس مكة .. أي مكانا ضيقا محدود الآفاق . هذه المرجعية الدولية هي مجموعة مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان و الدولة المدنية ذات السلطات الثلاثة المستقلة . فعندما ننظر الى العالم من الأعلى نرى أن الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد القوانين الوضعية المشار اليها أعلاه . و لكن .. عندما ننظر الى العالم من خلال قلب الإنسان و فؤاده و وجدانه نجد أن الدين يحتل المركز الأول بجدارة . و المفروض أنه ليس للدين مكان آخر غير القلب و الفؤاد من الإنسان . فالدين له مشرعه الخاص به و هو الله سبحانه و تعالى و له رعيته التي تطبق تلك التشريعات و هى قلوب و أفئدة المؤمنين بالله مشرعا و مخلصا و هاديا . و إنما يقع الخلط عندما نضع تشريعات السماء مكان تشريعات الأرض . حينئذ تصبح تشريعات السماء أداة في يد شخص أو جماعة أو دولة تعطي نفسها حق فرض الشريعة الإلهية إضافة الى تفسيرها و تعديلها متى ما رأت ذلك مفيدا . و بذلك تصبح هنالك وصاية على الفرد المؤمن الذي لم يجعل الله في كتابه الكريم عليه وصاية لا من أحد الناس و لا من جماعة و لا من دولة . و للأسف هذه الوصاية الغير موجودة في الإسلام و لم ترد في أي آية من آيات القرآن الكريم هي التي فرضت على المسلمين قرونا طويلة بسبب التعاون الذي حدث بين الفقهاء و السلاطين . كان السلاطين يطلبون قوانين تدعم سلطانهم على الناس . فإذا بالفقهاء يقدمون لهم أحكام الشريعة . و عندما وجدوا أن أحكام الشريعة لا تسع كل الحوادث و الملابسات فتحوا باب الإجتهاد و لوضع المزيد من الأحكام . و صارت أحكامهم و هي قوانين وضعية بإمتياز جزء من الشريعة و المفترض أنها وحي من عند الله . و لعله قد آن الأوان للخروج من حالة الخلط و اللبس التي أوقعنا فيها فقهاء و سلاطين الأمس .. تلك الحالة التي ما تزال تتلبس بعض فقهاء اليوم و سلاطينهم .
= هذا من ناحية .. و من ناحية أخرى فإن ما نحب أن ننبه اليه هو أن أحكام الشريعة يجب أن لا تسري إلا على المسلمين فقط المؤمنين بالإسلام دينا و بمحمد رسولا و بالله و بالقرآن كتابا منزلا اليهم من الله سبحانه و تعالى . فالأصل كما جاء في القرآن أن الله قد جعل لكل أمة شرعة و منهاجا . فبحسب الدين لا يجوز فرض تعاليم اليهودية على المسلمين و لا فرض تعاليم الإسلام على المسيحيين . كما أن القرآن في الأصل جاء خطابا ملزما للمؤمنين به مثلما أنزل الكتب الأخرى ملزمة لمن خوطبوا بها فقال في القرآن أن المؤمنين و اليهود و المسيحيين و الصابئين من آمن بالله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون إن عملو الصالحات . و الشرائع جميعها هي دعوة لعمل الصالحات و لكن على أنماط مختلفة لله في وضعها شؤون . و جاء في القرآن أيضا أن الله قد أنزل لكل فئة كتابها لتحكم به بينها و قال أن من لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون . فلم يرد في القرآن أن الإسلام خطاب لغير المؤمنين . و المؤمنون هم المسلمون الذين آمنوا بمحمد رسولا و بالقرآن كتابا هاديا و حاكما . كما أن القرآن لا يحرض بالقوة و الإكراه على الدخول في الإسلام فكيف يستقيم أن يدعوا أتباعه لتطبيق أحكام الإسلام على غير المسلمين الذين لم يختاروا الدخول فيه . و لا نرى أية تعارض بين تعددية الأديان و الشرائع و الملل و بين ما ورد في القرآن من أن الدين عند الله هو الإسلام . فالإسلام المشار اليه هنا هو إسلام الوجه لله تعالى مع عمل الصالحات . و هو الإسلام الذي بسببه صار آدم و نوح و أبراهيم و إسماعيل و موسى و عيسى مسلمين تماما ككل بقية الأنبياء الذين أختتمهم الرسول الكريم محمد بن عبدالله نبي الإسلام . و بهذا يفهم أن الإسلام الذي جاء به محمد (ص) هو نفس ما جاء به الأنبياء قبله . و لكن الشريعة التي أتي بها هي شريعة المؤمنين و هم أتباعه و قومه و ملته التي إرتضت أن تسير على خطاه و تهتدي بهديه صلي الله عليه و سلم . كذلك لا تعارض بين قول القرآن أن الرسول (ص) مرسل للناس كافة بشيرا و نذيرا . فهو دعوة للمشركين و اليهود و النصاري و الصابئين و كافة الناس . و لكنها دعوة على قاعدة من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر .. و على قاعدة أن لا إكراه في الدين و .. على قاعدة (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين) أى أن الرسول (ص) ممنوع من أن يكره أحدا على أن يكون مسلما .. و في نهاية المطاف تسود قاعدة ( لكم دينكم و لى دين ) و قاعدة أن المؤمنين و النصارى و اليهود و الصابئين و المشركين و المجوس و كافة النحل إنما الله يحكم بينهم يوم القيامة و يخبرهم بما كانوا فيه مختلفين . و طبعا .. أحكام الإسلام التي يراد تطبيقها على المسلمين و غير المسلمين هي من الشريعة و ليست من الإسلام بالمعني الواسع الموضح أعلاه . و طالما أنها من الشريعة و قد ثبت أن الله جعل لكل أمة شريعة و منهاجا و أن الله أثبت أن لغير المسلمين دينهم و للمسلمين دين .. فيجب عدم إلزام غير المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية لأنها لا تلزم إلا المؤمنين بها . 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire