لمّا انتصر القرامطة و أقاموا دولة الفقراء التي دامت سبعين سنة جنّ جنون الإقطاعيين و الملوك الحاكمين آنذاك و شنوا عليهم حروبا دامية عسكرية و فكرية و دينية و كذلك لما انتصر العمّال في فرنسا و أقاموا كمونة باريس تعرّضوا لنفس الحرب و لما انتصر العمّال في روسيا و لحقت بهم الصين و فيتنام و كوريا جنّ جنون الرأسمال العالمي و شنّوا عليهم كذلك حروبا عسكرية و فكرية و دينية لم تهدأ نارها إلى يوم الناس هذا خاصة و نحن نعيش هذه الأيام ثورات الربيع العربي وبعد أن تزعمت أمريكا هذه الحرب مبشرة أقرانها بأنها المنتصرة لامحالة و لكنها تكتشف كل مرّة أنها لن تستطيع إخماد صوت الحقّ مهما أهدرت من أموال و قتلت من مناضلين و مناضلات و مهما أزهقت من أرواح الشعوب فالنصر مسافة قلم حبر و صفحة جريدة و مسيرة ناجحة و تهوي كل امبراطوريات الظلم و الإستغلال و لكم البعض من جرائمها و تحركاتها المشبوهة و المنظمات العاملة في ركابها و إلى نصر قريب
الولايات المتحدة الأمريكية لهاث وراء التسلط قراءة في العقلية السياسية الأمريكية
صالح عوض
في عام 1776 وبعد حرب( الاستقلال) تكونت الولايات
المتحدة الأمريكية معلنة حق الشعوب في الثورة
ضد الطغيان الداخلي والعدوان الخارجي منادية بحقوق الإنسان وحق تقرير المصير..ولكن
سريعا ما تحولت هذه الدولة الى دولة صاحبة نهج توسعي نتيجة استيلاء ملاك العبيد وأصحاب
المزارع والبرجوازيين الكبار على مقاليد السلطة..و كان شعار هؤلاء للعالم الخارجي ( أمريكا قبل كل شيء وأمريكا هي الأولى في كل شيء).
ومن عام 1776 حتى عام 1900 أصبحت أراضي الولايات
المتحدة عشرة أضعاف أرضها السابقة و تم ذلك كله تحت شعارات الرسالة التاريخية للولايات
المتحدة الأمريكية التي ساعد التطور الرأسمالي الرهيب فيها والقائم على الاستعباد إن
تصبح اكبر دولة متقدمة من الناحية الاقتصادية وأصبح الرأي الأمريكي ( أن الولايات المتحدة
الأمريكية أعلى امة عن طريق الانتقاء الطبيعي)...في أواخر القرن التاسع عشر وجه الرئيس
الأمريكي (ج.مونرو) رسالة الى الكونغرس قال فيها: ( إن زيادة عظمة أمريكا وجبروتها
يتوقف على ضم الأراضي الجديدة) وهو ما استغل فعلا فيما بعد لتبرير التوسع الأمريكي
في أمريكا اللاتينية..و كان هذا في زمن تقاسم العالم بين الدول الاستعمارية الكبرى
آنذاك (انجلترا وفرنسا)..فنهجت أمريكا سياسة التوسع ألدولاري في بلدان أمريكا اللاتينية
و الشرق الأقصى وشنوا الحرب ضد اسبانيا لاقتسام المستعمرات. ومرحلة بعد مرحلة أصبحت
القوة هي العامل الحاسم في حركة السياسة الدولية وذلك كعقيدة أمريكا الجيوسياسية..لقد
كتب ج .كيفير المتخصص في السياسة الدولية أن ( القانون الوحيد الذي تستطيع الدولة السير
عليه هو قانون القوة>أنا احتاج أنا أريد أنا آخذ<).
وشهدت فترة العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين ترسيخ مطرد لهذه
العقيدة التوسعية، فقد أعلن الرئيس و.هاردينج : (إن الأمريكيين قد عملوا من اجل تطوير
البشرية خلال قرن ونصف أكثر مما عملته جميع الشعوب مجتمعة طوال تاريخها)..و في عام
1939 اشتعلت الحرب العالمية الثانية وكانت هذه الفرصة الذهبية لترجمة العقيدة الأمريكية
الجيوسياسية و كان الموقف الأمريكي حسب ما جاء على لسن الرئيس هاري ترومان: (إذا كسبت
ألمانيا الحرب يجب مساعدة روسيا، وإذا كسبت روسيا ينبغي مساعدة ألمانيا وليقتتلا فيقتلان
اكبر عدد ممكن فيما بينهما)..انتهت الحرب في عام 1945 بهزيمة ألمانيا ..إلا أن الرئيس
الأمريكي اصدر أمره بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما و ناجازاكي اليابانيتين
فقتل وشوه مئات الآلاف من المدنيين ولقد تم ذلك فيما كانت اليابان على وشك الاستسلام..
كان ذلك بمثابة رسالة أمريكا الى العالم بأنها تمتلك أهم شروط لإملاء
الإرادة والسيطرة تجاه البلدان الأخرى.. منذ ذلك الحين جرت العادة لدى كل رؤساء أمريكا
أن يعلنوا لحظة تنصيبهم عن تمسكهم بتسيد أمريكا على العالم..فهاهو الرئيس ه. ترومان
يقول :(النصر الذي حققته الولايات المتحدة قد وضع على عاتق الشعب الأمريكي عبء المسئولية
في قيادة العالم لاحقا) وفي عام 1953اعلن دوايت أيزنهاور الرئيس الأمريكي: ( إن المصير
قد وضع على الولايات المتحدة مسئولية العالم الحر ) و في عام 1961 دعا جون كندي أمريكا
( لتنفيذ التعهدات التي وضعها القدر عليها للتسيد على العالم لان الهدف من وجود أمريكا
هو قيادة العالم) .. وفي عام 1965 أكد ليندون جونسون على نفس أقوال كندي..أما ريتشارد
نيكسون فلقد أكد على هذا المعنى مرات عديدة وتلاحق رؤساء أمريكا في الاتجاه نفسه وصولا
الى الرئيس الحالي بوش الابن الذي أعلن: أن الله عهد إليه بمحاربة الإرهاب وان القدر
اختار أمريكا للحفاظ على الحضارة ولذا فكل من هو ليس مع أمريكا فهو ضدها.
لقد كانت سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية شاهدة على جهود أمريكية
جبارة لتثبيت وجودها العسكري في غرب أوروبا و اليابان في محاولة إيجاد طوق حصار للاتحاد
السوفيتي الذي انتصر على الجيوش الألمانية ومن المفترض أن يكون شريكا في الغنائم!!!!
فاستنهضت حلفاءها لخلق ميزان قوى لصالحها في مواجهة المعسكر الذي بدا يتشكل حول الاتحاد
السوفيتي إلا أنها احتفظت لنفسها بالتفوق الذري داخل الحلف الأطلسي ومن الجدير بالتذكير
أنها الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري في الحروب..استمرت الحرب الباردة بين
المعسكرين وقد سخرت الإدارات الأمريكية فيها مؤسساتها الأمنية والمالية وعلاقاتها لإيقاف
المد السوفيتي كمسلمة من مسلمات السياسة الأمريكية الخارجية واستخدمت في ذلك ثقافات
الشعوب ودياناتها واستطاعت تجنيد حركات ومنظمات دولية وإقليمية لإنجاح مخططها.
لقد سبق للرئيس ترومان أن أعلن عن مشروعه في الاستحواذ على دور ( تقرير
المصير) وفق معايير خاصة.. وبعد مشروع ترومان في حق تقرير المصير أعلنت أمريكا عن مشروع
مارشال وقد استهدف تحقيق الرقابة السياسية العسكرية على بلدان غرب أوروبا بزعم تقديم
المعونة الاقتصادية.. وامتدت هذه السياسة لتشمل
آسيا لاسيما بعد الحرب الكورية للتصدي للصين والاتحاد السوفيتي على السواء.
وفي منتصف القرن العشرين تكونت
سياسة الأحلاف والقصد منها إيجاد أحلاف عسكرية تابعة للأمريكان ضد المعسكر الاشتراكي
وبحلول عام 1954 كانت الولايات المتحدة مهيمنة على النظم السياسية في أكثر من ستين
بلدا كلها داخلة بشكل أو بآخر في تحالفات مع الإدارة الأمريكية. و في سياسة ملء الفراغ
الناجم عن انسحاب فرنسا وانجلترا من منطقتي الشرق الأدنى والشرق الأوسط طورت الولايات المتحدة إستراتيجية الأحلاف الى سياسة
الإشراف وحق التدخل في الشئون الداخلية لهذه البلدان الحليفة..وفي منتصف الستينات وضع
على طاولة التنفيذ برنامج إنشاء المجتمع الكبير وهي فكرة أولية لما سيعرف فيما بعد
بالعولمة..وهدفه حسب فكرة الاستراتيجيين الأمريكان أن يصبح نموذجا لإعادة بناء العالم
تحت قيادة أمريكا التي عقدت أملها في تحقيق ذلك على انتصار تحققه في فيتنام لتحقيق
الهيبة الدولية لها..و بخسارتها هناك خسرت كثيرا من المواقع وقد تفجرت الصراعات ضدها
في أكثر من مكان في العالم.
لقد انشأ توازن الردع بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي وسياسة
صراع النفوذ بين القطبين الدوليين حالة من هستيريا التفوق الذري أو حسب التعريف الأمريكي
( التدمير المتبادل المضمون) و قد ذكر هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق ( إن
القوة لم تعد تولد القوة اتوماتيكيا) وكان هذا يعني البدء في مخططات أخرى لإحراز التفوق
.
و في الستينات و السبعينات حققت
حركات التحرر انتصارات ساحقة ضد الاستعمار الغربي في الجزائر وكثير من الدول الإفريقية
وانتصرت الثورة في فيتنام ووحدت وطنها ، وانتصرت الثورة في نيكاراغوا ضد سوموزا وطردت
القواعد العسكرية في كثير من البلدان النامية ..لقد أسهم هذا في إقامة حواجز أمام سرعة
التمدد الامبريالي للولايات المتحدة الأمريكية..و أصبح الوطن العربي في معظمه خطا لعدم
الانحياز و معه معظم دول العالم الثالث..رغم ذلك كانت أمريكا توطن نفسها بالقرب من
مصادر النفط وتعزز حضورها في القرار الإسرائيلي خلفا لفرنسا وبريطانيا..و عملت بدأب
لإنجاح الثورات المضادة مما جعل النصف الثاني من الستينات شاهدا على حركة واسعة من الانقلابات في الدول المعادية لأمريكا.
استمر الاتجاه نحو فرد النفوذ على
الدول الواقعة ضمن دائرة الاستحواذ .. واخذ الاتجاه الأيديولوجي المتطرف في البروز
بفعل عدة أسباب وأصبح تيار المحافظين الجدد وهم يمتلكون رؤية دينية متطرفة بخصوص فلسطين
في سدة الحكم والقرار ..وكان لريغان دور بارز في ميلاد و تعزيز ذلك الاتجاه.. و في اتجاه مواز تحرك الاتحاد السوفيتي يضم الى
معسكره وبالقوة المسلحة أحيانا بلدان أوروبا الشرقية محاولا اقتسام العالم مع الأمريكان
الى كتلتين و معسكرين الأمر الذي أوقعه في شرك نصب له بإتقان كما يؤكد ذلك بريجنسكي
مستشار الأمن القومي الأمريكي في أواسط الثمانينات حيث ثم استدراجه الى مستنقع أفغانستان..و
كان ذلك بمثابة الفرصة الذهبية للإدارة الأمريكية في حملتها المنظمة ضده ..فلقد حسم
الغزو السوفيتي لأفغانستان الموقف العربي الإسلامي - على الأقل على المستوى الشعبي
– و الرسمي المرتبط مع الأمريكان بمصالح ضد التوسع السوفيتي لاسيما وقد أدار الاتحاد السوفيتي ظهره
للقضية العربية-فلسطين..بتزويده الكيان الصهيوني بمليون مهاجر أي بخمس الصهاينة المتواجدين
في فلسطين ليخلق وضعا معقدا في فلسطين..و في الوقت نفسه أشغلت الولايات المتحدة إيران
والعراق في حرب ضروس ، لتدمير قوتهما خوف تنامي
قوة إقليمية في مرحلة التراجع الأمريكي التكتيكي المتولد عن الهزيمة في أكثر من موقع
في جنوب شرق آسيا.. وهكذا أشرفت الإدارة الأمريكية على حربين في آن واحد الأولى ، متحالفة
مع ( الإسلام الأفغاني) ضد السوفيت ، و الثانية مع البعث والدول الخليجية ضد( الإسلام الإيراني) وقد تم تمويل المعركتين بأموال
العرب وبدمائهم .. في الأولى أنهكت الاتحاد السوفيتي وفي الثانية حجمت الثورة الخمينية
وأرهقتها.
كانت أفغانستان مقبرة للاتحاد السوفيتي و نقطة تحول التقطت الإدارة الأمريكية
خيوطها وعززته بهجوم على احد أهم أقطار العرب
وتدميره صانعة مناخ الهزيمة الذي ينبغي أن يضبط سلوك النظام العربي..إذ إن الوقت كان
مناسبا فلقد خرج الاتحاد السوفيتي مثخنا بجراحه من أفغانستان..و خرجت إيران مثقلة بديونها
وجراحها..فكان لابد من الهجوم الأمريكي وبسرعة لتثبيت المواقع في المنطقة من خلال انتصار
عسكري مدوي وهذا الذي حصل فعلا.
جاءت حرب الخليج الثانية لتعطي لأمريكا الفرصة
الأكثر تقدما في صياغة المنطقة و ترتيبها الأمني و الدخول بشكل تفصيلي في تركيبها السياسي
و الاقتصادي هذا في الحين الذي كانت الإدارة الأمريكية توجه فيه ضربات قاصمة للاقتصاد
الآسيوي تزامن ذلك كله مع شعار جديد (العولمة) والقصد منه السيطرة الكاملة على اقتصاد
العالم وسياساته وتنحية كل من يحاول الاستقلال عن الهيمنة الاقتصادية الأمريكية عن
مسرح الحياة.
لقد جندت أمريكا العالم من اجل
الحرب على العراق في حملتها الأولى متغطية بالشرعية الدولية وشرعية الموقف الرسمي العربي..
و بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في الحرب أبقت القوات الأمريكية على قواعد إستراتيجية
لها في دول الخليج العربي تشن منها الغارات المتتالية على العراق لإنهاكه واستنزافه
وتفتيت قوته وذلك في ظل كل أشكال الحصار عليه.
أصبح العراق ثمرة ناضجة لأي حملة
عسكرية .. فجاءت الحرب الأمريكية هذه المرة على العراق بدون أي غطاء دولي أو إقليمي..
بل نهضت أوروبا الرسمية والشعبية ضدها بمظاهرات مليونية في كل العواصم الأوربية.
حققت العسكرية الأمريكية نصرها
المتوقع على جيش منهك وبلد محاصر منذ خمسة عشر سنة.. وتشوفت العين الأمريكية الى السعودية
وسوريا لتفكيكهما وإغراقهما في الفوضى إلا أن المقاومة العراقية السريعة والعنيفة أرغمت
القادة الأمريكان على التراجع مؤقتا على الأقل عن التوجه الى هذين البلدين العربيين..
إلا أن الخطاب الأمريكي توسعت مطالبه ليشمل شتى مناحي الحياة في الوطن العربي و العالم
الإسلامي لتفكيك بناه التحتية الثقافية والسياسية والاقتصادية ليعاد تشكيلها حسب المخطط
الأمريكي في تشكيل شرق أوسط كبير ..
إن بروز تيار المحافظين الجدد والمتصهين وسيطرته على مقاليد الأمور في الولايات المتحدة
يضمن للخطاب العنصري العدواني قوة دفع ومفردات خطاب استكباري من الصعب في ظله أن تتراجع
الإدارة الأمريكية التي تقود الآن حربا منهجية ضد الوطن العربي في (العراق
وفلسطين و الصومال والسودان) وضد العالم الإسلامي ( أفغانستان وإيران و....) كما أنها
تتهدد العديد من الدول العربية والإسلامية..إن ذلك يعني أنها إزاء مهمة محددة تسخر
لها الجيوش والأموال .. و من غير المنظور أن تتراجع عن تنفيذها لخطتها رغم ما يلاقيها
من عقبات.
إلا أن المقاومة الباسلة ضد الوجود الأمريكي الاحتلالي
في العراق وأفغانستان أعطى فسحة من العمل والوقت لدول عربية وإسلامية لكي تتجنب المواجهة
الشرسة مع الأمريكان...المقاومة فقط هي من سيحدد مستقبل هذه القوة الغاشمة و مصير هيمنتها..
و إن غدا لناظره قريب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire