وصفات الصندوق الدولي أوعولمة الفقر
والبطالة
الوجه الآخر للنظام العالمي الجديد: -عولمة الفقر والبطالة
شادية العارف قاروط
الحوار المتمدن-العدد: 149 - 2002 / 6 / 3 - 06:37
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
يتجه الاقتصاد العالمي
نحو هدفين متناقضين: من جهة ترسيخ اقتصاد عالمي ليد عاملة رخيصة، ومن جهة اخرى
البحث عن أسواق جديدة للاستهلاك. توسع الشركات المتعددة الجنسيات يفرض تخريب
وتدمير الاقتصادات الوطنية، عبور الاموال والبضائع، الثروات الطبيعية والأفراد دون
حواجز او عوائق، بالاضافة الى وضع اليد على ممتلكات الدول. هذه هي الخطوط العريضة
لبرامج الاصلاحات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية ْمَُُّّ طُُلَّ
(او ما يعرف باسم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) على دول العالم الثالث.
لعبت هذه البرامج دورا أساسيا في بروز النظام العالمي الجديد وبروز ظاهرة <<عولمة الفقر والبطالة>> التي بدأت في الثمانينات مع انهيار أسعار المواد الأولية وتراجع الاقتصاد العالمي.
بلغ التباين في مداخيل الأغنياء والفقراء داخل البلد الواحد في تلك الفترة حداً لا سابق له، ومديونية دول العالم الثالث للمؤسسات المالية الدولية زادت بشكل مطّرد (عام 1980 بلغت الديون الطويلة الأجل 481 مليار دولار بعدما كانت 62 مليارا عام 1970).
صحيح ان الاقتصاد العالمي ينتظم عبر آلية الدين، ولكن ديون الدول الفقيرة تجاوزت في أعبائها قدرة الاحتمال، فانهارت مؤسساتها الوطنية وأنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وانتشرت فيها المجاعات والحروب الاتنية والاهلية.
المؤسسات المالية الدولية: قروض مقابل إصلاحات بنيوية
لا يعطي صندوق النقد الدولي مساعدات مالية لدول العالم الثالث قبل التأكد من تنفيذ برنامج سوفلٌُّ ذُْهْفٍ.
يطرح هذا البرنامج خطوطا وتوجهات اقتصادية ومالية عامة، إضافة الى نصائح تقنية تقدم الى الحكومات التي يتوجب عليها الالتزام بها قبل البدء في التفاوض على المساعدات المالية. بعد الحصول على القرض تتابع المؤسسات الدولية مراقبة الاصلاحات الاقتصادية، وقد توقف الدفع اذا لاحظت خروج احدى الدول عن الخطة المرسومة ةن ُّوم ْمنٍَُّْ فْم َُُّ َُ ُّْفكً وتوضع على القائمة السوداء، فتجمد قروضها القصيرة الاجل وتجارتها الدولية. فالعلاقة وثيقة بين ادارة الدين والاصلاحات البنيوية او ما يسمى بالضبط البنيوي.
برنامج صندوق النقد الدولي
يقسم صندوق النقد الدولي برنامج الاصلاحات او الضبط البنيوي الى مرحلتين: المرحلة الاولى تثبيت اقتصادي والمرحلة الثانية تعميق الاصلاحات.
أ المرحلة الاولى: تثبيت اقتصادي على المدى القصير ئىٍّفُّىَُ يتم في هذه المرحلة تحقيق الامور التالية:
1 خفض سعر صرف العملة الوطنية: يسعى صندوق النقد الدولي الى زعزعة العملة الوطنية من اجل رفع الاسعار وخفض القدرة الشرائية، وخفض قيمة الإنفاق العام بالدولار مما يسمح لعائدات الدولة بأن تذهب نحو الدين الخارجي.
2 دولرة الأسعار: في اطار العلاج بالصدمة يقترح صندوق النقد الدولي سقوطا عنيفا للعملة الوطنية يؤدي الى ارتفاع الأسعار ليصل بها الى مستوى الأسعار العالمية فيتم دولرتها.
3 الرقابة على الكتلة النقدية: يفرض صندوق النقد الدولي تجميد الكتلة النقدية بهدف محاربة التضخم. يؤدي هذا التدبير الى إلزام الحكومة بحصر إنفاقها الفعلي وتقليص الأجور الفعلية وتسريح موظفيها.
4 تحرير سوق العمل من القيود القانونية وتحرير الأجور (الغاء الحد الادنى للأجور بهدف تخفيضها).
5 وضع يد صندوق النقد الدولي على البنوك المركزية: يطالب صندوق النقد الدولي <<باستقلالية البنك المركزي عن السلطة التنفيذية والتشريعية>>، هذا يعني ان كبار موظفي البنك المركزي لا يخضعون لرقابة البرلمان او الحكومة، ويعني ايضا ان صندوق النقد الدولي هو الذي يتحكم بالسياسة النقدية لا الحكومة، فالدولة التي تأخذ قرضا لا يحق لها إصدار عملة جديدة لتمويل مصاريفها العامة ومشاريعها التنموية. وفي النتيجة فإن تجميد الكتلة النقدية يؤدي الى زيادة تبعية الدولة لمصادر التمويل الخارجي وزيادة مديونيتها.
6 تحرير الأسعار: يؤدي هذا التدبير الى إلغاء دعم الدولة لبعض السلع الأساسية (مواد غذائية او غير ذلك).
7 تقشف الميزانية: يترجم بتخفيض عدد موظفي الدولة وتقليص النفقات الاجتماعية، الصحية والتربوية، وهذا ما أظهرته تقارير اليونيسيف.
8 تثبيت أسعار المنتجات النفطية: تحت إشراف البنك الدولي تحدد الحكومات سعر النفظ (نحو الارتفاع) من أجل زيادة واردات الخزينة، مما يؤدي الى زيادة الكلفة الصناعية وزيادة الأعباء المعيشية.
يعتبر تنفيذ هذه المرحلة شرطا أساسيا للحصول على مساعدات مالية ولإعادة جدولة الدين الخارجي مع نوادي باريس ولندن، على ان يتبع ذلك القيام بالاصلاحات البنيوية التالية:
ب المرحلة الثانية: الاصلاح البنيوي: يتم في هذه المرحلة الاصلاحات الجذرية التالية:
1 تحرير التجارة الخارجية وفتح الحدود: يعتبر صندوق النقد الدولي ان حماية الاقتصاد الوطني يساعد على تنمية السوق الداخلي على حساب قطاع التصدير، وهذا يؤدي الى سوء توزيع المصادر، لذلك يهدف برنامج تحرير التجارة الى إلغاء كوتا الاستيراد وخفض التعرفة الجمركية لجعل الاقتصاد الوطني أكثر تنافسية!
2 خصخصة مؤسسات الدولة: يفرض البنك الدولي على دول العالم الثالث إقفال المؤسسات الحكومية <<المريضة>> وتسريح موظفيها قبل البدء بخصخصتها، وذلك في اطار اعادة التفاوض على الديون الخارجية.
3 الاصلاح المالي: تجري بعض التعديلات الاساسية على النظام المالي تحت إشراف البنك الدولي، فيتم استحداث ضريبة على القيمة المضافة ش.ض.ء. وضريبة على المبيعات، وتغيير في بنية الضرائب المباشرة وهذا يؤدي الى إضعاف الانتاج المحلي. في الوقت الذي يخضع فيه الانتاج الصناعي والزراعي الوطني للضرائب، تنعم المؤسسات ذات الرأسمال المختلط او الاجنبي بالاعفاءات الضريبية كنوع من التشجيع على الاستثمار.
4 تحرير النظام المصرفي: يعني فتح السوق المالي على المصارف الاجنبية وخصخصة مصارف الدولة. إلغاء كافة أشكال القروض والدعم التي تعطيها الدولة الى المزارعين والصناعيين المحليين.
تحدد نسبة الفوائد حسب لعبة السوق، وهذا يؤدي احيانا الى مضاربات مصرفية على نسب الفوائد قد تجر الاقتصاد نحو الخراب.
5 تحرير حركة الرساميل: تؤكد مؤسسات ْمَُُُّّ طُُلَّ على ضرورة <<الشفافية>> و<<حرية حركة الرساميل>>. فالشركات الاجنبية لها كل الحق في سحب أموالها وأرباحها بالعملات الاجنبية.
هل نجح صندوق النقد الدولي أم فشل في الوصول الى أهدافه؟ العلاج الذي يقترحه يدمر الاقتصاد الوطني ويفكك المجتمع المدني للدول الفقيرة المثقلة بالديون ويقودها الى الهاوية.
برغم تطبيقه في أكثر من مئة دولة من دول العالم الثالث بما في ذلك دول أوروبا الشرقية لم يحقق برنامج الضبط البنيوي اي تقدم، سواء من حيث مستوى التضخم او النمو، بل على العكس من ذلك يلاحظ صندوق النقد الدولي في احدى دراساته ان تطبيق هذا البرنامج كان يترافق مع زيادة في التضخم وهبوط في مستوى النمو.
برغم هذا الفشل المعلن، يعتبر صندوق النقد الدولي ان برنامج اصلاحاته البنيوية ساهم بإزالة الاختلالات الماكرو اقتصادية، وأنه يبقى أفضل الوسائل لتحسين مستوى حياة الشعوب!
لنر من خلال تجارب بعض دول العالم الثالث اي نوع من التحسن المعيشي يقصده مدير عام صندوق النقد الدولي ميشال كامدسوس.
تجربة رواندا
قبل اندلاع الحرب الاهلية في تشرين الاول عام 1990، عانت رواندا من أزمة اقتصادية قاسية نتجت عن تراكم عدة عوامل أهمها: هبوط سعر البن وتنفيذ برنامج إصلاح ماكرو اقتصادي فرض عليها.
في عام 1988 أرسل البنك الدولي بعثة الى رواندا للتدقيق في برنامج النفقات العامة، ثم أعطى <<وصفته المعهودة>>: تحرير التجارة، خفض قيمة الفرنك الرواندي، إلغاء دعم الدولة للمزارعين، خصخصة مؤسسات الدولة والخدمات العامة وتسريح الموظفين الخ.
في صيف 1989 تقرر في اجتماع تاريخي للدول المنتجة للبن في مدينة فلوريدا، بضغط من كبار التجار الاميركيين، إلغاء كوتا التصدير، مما أدى الى انهيار سعر البن الى أكثر من 50% مسببا بانهيار المنتجين الأفارقة وخصوصا الروانديين حيث يشكل البن 80% من قيمة صادراتهم.
في بداية الاضطرابات عام 1990، تدفق على رواندا (260 مليون دولار أميركي) وذلك في اطار اتفاقات ثنائية بين رواندا والدول الغربية. قسم كبير من هذه الأموال تمت مصادرته من قبل النظام وميليشياته.
تدابير التقشف طبقت فقط على إنفاق المدنيين، أما إنفاق الدولة على العسكريين والمعدات العسكرية فقد امتص جزءا كبيرا من مداخيل الدولة ومن التمويل الخارجي.
الدول المانحة كانت على علم بما يجري في رواندا واستمرت في تغطية العجز الناتج عن النفقات العسكرية (96% من عجز الميزانية كان يغطى بالمساعدات الخارجية).
بعد انتهاء الحرب فرضت الدول المانحة على رواندا اجراء اصلاحات ديموقراطية كشرط أساسي لمنح المساعدات، ولكن الازمة الاقتصادية حالت دون تحقيق هذه الاصلاحات.
البنك الدولي حجب مساعداته عن رواندا نتيجة عدم توصل جميع المتقاتلين الى اتفاق سلمي.
طالب المجتمع الدولي بإلغاء جميع ديون رواندا للفترة الممتدة بين 1990 1994 لأنها ديون أنفقت على قتل شعبها وتجويعه.
ما هو تأثير برنامج صندوق النقد الدولي على رواندا؟
1 عام 1989 كانت نسبة التضخم 1% ثم أصبحت 2,19% عام 1991.
2 تراجع في ميزان المدفوعات.
3 نمو سلبي للاقتصاد.
4 تزايد الدين الخارجي بنسبة 3,34% ما بين 1989 و1992.
5 غرق جهاز الدولة بالفوضى، وإفلاس المؤسسات العامة.
6 تخفيض قيمة الفرنك الرواندي أدى الى هبوط أسعار المنتجات الزراعية الاساسية (الفاصوليا والسورغو) وانهيار نظام التعاونيات الزراعية والمزارعين.
تجربة الصومال
كان اقتصاد الصومال مبنيا على التبادل بين المجتمعات الرعوية المتنقلة (كانوا يشكلون 50% من مجموع السكان) والمجتمعات الزراعية، ولغاية عام 1983 كانت المواشي تشكل 80% من قيمة صادراته.
في بداية الثمانينات فرض صندوق النقد الدولي على الصومال تنفيذ برنامج اصلاحات اقتصادية بهدف استرجاع دين كانت مقاديشو قد حصلت عليه من نادي باريس. شكل هذا البرنامج خطرا كبيرا على التوازن الهش القائم بين الاقتصاد الرعوي والاقتصاد الزراعي وكان سببا في تفكك الدولة وانتشار المجاعة والاقتتال الأهلي.
ماذا فعل صندوق النقد الدولي في الصومال؟
أ) هبوط سعر (الشلن الصومالي) المبرمج من صندوق النقد الدولي عام 1981 أدى الى ارتفاع اسعار كافة السلع وبشكل خاص المواد الزراعية ومستلزماتها (وقود، أسمدة الخ..). النتائج كانت كارثية على الزراعة والمزارعين.
ب) خصخصة الخدمات البيطرية وارتفاع أسعار أدوية الحيوانات، ترافق مع غياب برامج غذائية انقاذية للحيوانات خلال فترة الجفاف أدى الى نفق اعداد كبيرة من المواشي.
الهدف غير المعلن لهذه السياسة كان التخلص من رعاة المواشي الرحل الذين كانوا يشكلون جزءا من النظام التقليدي المبني على التبادل.
ج) تقشف الدولة أدى الى تسريح 40% من الموظفين، أما الأجور الفعلية فقد انخفضت عام 1989 بحيث أصبح متوسط الدخل الشهري للفرد لا يتجاوز ثلاثة دولارات، وهذا ما سرع في انهيار الادارة.
د) ضاعف برنامج الضبط البنيوي من تبعية الصومال الغذائية.
بين عامي 1975 و1985 زادت المساعدات الغذائية 31% سنويا، وأدى تدفق هذه المساعدات من قمح وأرز ومواد غذائية اخرى (كانت تباع في الاسواق المحلية بأسعار أقل من سعر المنتجات الوطنية) الى دمار المزارعين الصوماليين.
في العام 1989 جمد صندوق النقد الدولي قرضا للضبط البنيوي للصومال بقيمة 70 مليون دولار اميركي، لان الحكومة الصومالية لم تبذل جهدا كافيا لتحسين وضعها الاقتصادي!
ثم تتابعت الاحداث: سقوط سياد بري وانهيار الدولة واندلاع الحرب الاهلية، فالمجاعة ثم <<عملية الانقاذ>> التي قامت بها القوات الاميركية.
تعبر تجربة الصومال عن الوضع الأفريقي، حيث لا تزال هناك مجتمعات رعوية بدوية تعيش على التبادل والمقايضة، مجتمعات هامشية بعيدة عن النظام العالمي الجديد ومصالحه، ولذلك يريد صندوق النقد الدولي القضاء عليها.
تجربة روسيا
<<ان دول السبعة الكبار يريدون تدمير صناعاتنا ذات التقنية العالية ومنعنا من تطوير نظام رأسمالي منافس لهم. يريدون تحويلنا الى جنة تقنية مجهزة بيد عاملة رخيصة وان يدفعوا الى علمائنا 40 دولارا في الشهر>>. هذا ما قاله عام 1992 أحد اقتصاديين اكاديمية العلوم الروسية.
عام 1992 طبق رئيس الحكومة الروسية ايغور غايدار علاج الصدمة الذي تتحدث عنه وصفة صندوق النقد الدولي فمنع روسيا من التحول الى رأسمالية وطنية يديرها طبقة من رجال الاعمال الروس.
ومن خلال تلاعبه بقوى السوق ونوعية الاصلاحات المفروضة تحددت القطاعات الاقتصادية المسموح لها بالاستمرار في روسيا، فهبط الانتاج الصناعي الى أكثر من 50% عام 1992.
الاصلاحات التي قام بها غايدار هي صورة طبق الاصل عن برامج الضبط البنيوي التي فرضها صندوق النقد الدولي على دول افريقيا واميركا اللاتينية، والتي أدت الى إفقار قطاعات واسعة من السكان: ارتفاع الاسعار ودولرتها، وانهيار العملة الوطنية (عام 1991 كان سعر الخبز 15 كوبيك وفي تشرين الاول 1992 تجاوز سعره 20 روبلا)، وانخفضت القدرة الشرائية الى أكثر من 80% فضاعت أموال المدخرين الروس. علق رئيس صندوق النقد على هذا الموضوع فقال: <<كان لا بد من سحب السيولة الزائدة من السوق لأن القدرة الشرائية للروس كانت مرتفعة جدا>>.
نتائج برنامج الضبط البنيوي على روسيا
1) انهيار سعر الروبل عام 1992 ساعد على نهب الموارد الطبيعية للبلد: نفط، معادن، مواد اولية استراتيجية الخ... كان يتم شراء هذه المواد من مؤسسات الدولة بالروبل ثم تباع الى دول الاتحاد الاوروبي بعشرة أضعاف سعرها وبالعملات الاجنبية، فالنفط الخام مثلا كان يتم شراؤه بسعر (5200 روبل) للطن أي ما يعادل (17 دولارا اميركيا)، وبعد الحصول على اجازة تصدير عن طريق رشوة أحد الموظفين كان يعاد بيعه حسب سعره العالمي (150 دولارا أميركيا) للطن.
2) الاصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي على ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي كانت تهدف الى مسألتين:
أ) تشجيع حرية تصدير المواد الأولية: نفط، معادن ومواد استراتيجية ومنتجات زراعية الخ... لذلك لم يكن هناك حماية للصناعة الوطنية ولم يتم تحويل المواد الخام.
ب) تسهيل استيراد السلع الاستهلاكية الموجهة الى النخبة الجديدة ذُْلِّىَُّّ لم ٌٍِّّم (سيارات فخمة، الكترونيات، مواد غذائية ذات قيمة مضافة عالية)، مثلا كان يتم استيراد الفودكا الروسية (مصنوعة من الكريستال) من الولايات المتحدة الاميركية بسعر 345 دولارا اميركيا.
3) سهلت برامج الخصخصة عملية انتقال قسم كبير من مؤسسات الدولة الى العصابات المنظمة التي سيطرت على 40% من الاقتصاد، والى وضع يد الرساميل الاجنبية على المرافق الاقتصادية المهمة. المافيا الروسية تفاوضت مع الدول الغربية على تجهيزات عسكرية فضائية وأسلحة نووية. فليس من المستغرب القول ان المافيا الروسية شكلت دعما سياسيا للاصلاحات الاقتصادية التي اجراها يلتسين.
4) تحرير النظام المصرفي في روسيا: ساهم تحرير النظام المصرفي في روسيا بتسهيل عمليات تبييض الاموال وهروب مليارات الدولارات الى المصارف الغربية.
إصلاحات بنيوية تمر عبر حل البرلمان الروسي:
حاول غايدار ان يقدم حلا وسطا بين النظام التوتاليتاري واقتصاد السوق، أي بين صندوق النقد الدولي والبرلمان الروسي (الدوما)، بأن خصخص قسما من مؤسسات الدولة وأعطى مساعدات وقروضا الى القسم الآخر، ولكنه وصل في النهاية الى حائط مسدود أدى الى تجميد صندوق النقد الدولي مساعداته المالية.
حل بوريس يلتسين البرلمان لينهي هذه الاشكالية وأجرى تعديلات في القوانين الروسية لكي تتوافق مع الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة.
لم يتأخر كثيرا جواب رئيس صندوق النقد الدولي، اذ أفرج بعد يومين من حل البرلمان على 5,1 مليار دولار اميركي على ان يدفع القسم الآخر من القرض بعد إجراء الاصلاحات الضرورية.
الخيار الوحيد
لكي يتوسع رأس المال العالمي عليه ان يدمر القدرات الانتاجية الموجودة:
الاصلاحات الماكرو اقتصادية المفروضة على دول العالم الثالث تؤدي هذه المهمة بنجاح، فهي تضرب الانتاج المحلي وتفلس المؤسسات الصغيرة والمتوسطة او تفرض عليها العمل لصالح الشركات العالمية وضمن شروطها Sous-traitance">..
مؤسسات الدولة تخصخص، يزداد عدد العاطلين عن العمل، المزارعون يزدادون فقرا الخ... عولمة الفقر تغذي نمو الاقتصاد العالمي وتوجه الدول الفقيرة نحو التصدير المبني على يد عاملة رخيصة، التصدير او الموت هذا هو الخيار الوحيد
لعبت هذه البرامج دورا أساسيا في بروز النظام العالمي الجديد وبروز ظاهرة <<عولمة الفقر والبطالة>> التي بدأت في الثمانينات مع انهيار أسعار المواد الأولية وتراجع الاقتصاد العالمي.
بلغ التباين في مداخيل الأغنياء والفقراء داخل البلد الواحد في تلك الفترة حداً لا سابق له، ومديونية دول العالم الثالث للمؤسسات المالية الدولية زادت بشكل مطّرد (عام 1980 بلغت الديون الطويلة الأجل 481 مليار دولار بعدما كانت 62 مليارا عام 1970).
صحيح ان الاقتصاد العالمي ينتظم عبر آلية الدين، ولكن ديون الدول الفقيرة تجاوزت في أعبائها قدرة الاحتمال، فانهارت مؤسساتها الوطنية وأنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وانتشرت فيها المجاعات والحروب الاتنية والاهلية.
المؤسسات المالية الدولية: قروض مقابل إصلاحات بنيوية
لا يعطي صندوق النقد الدولي مساعدات مالية لدول العالم الثالث قبل التأكد من تنفيذ برنامج سوفلٌُّ ذُْهْفٍ.
يطرح هذا البرنامج خطوطا وتوجهات اقتصادية ومالية عامة، إضافة الى نصائح تقنية تقدم الى الحكومات التي يتوجب عليها الالتزام بها قبل البدء في التفاوض على المساعدات المالية. بعد الحصول على القرض تتابع المؤسسات الدولية مراقبة الاصلاحات الاقتصادية، وقد توقف الدفع اذا لاحظت خروج احدى الدول عن الخطة المرسومة ةن ُّوم ْمنٍَُّْ فْم َُُّ َُ ُّْفكً وتوضع على القائمة السوداء، فتجمد قروضها القصيرة الاجل وتجارتها الدولية. فالعلاقة وثيقة بين ادارة الدين والاصلاحات البنيوية او ما يسمى بالضبط البنيوي.
برنامج صندوق النقد الدولي
يقسم صندوق النقد الدولي برنامج الاصلاحات او الضبط البنيوي الى مرحلتين: المرحلة الاولى تثبيت اقتصادي والمرحلة الثانية تعميق الاصلاحات.
أ المرحلة الاولى: تثبيت اقتصادي على المدى القصير ئىٍّفُّىَُ يتم في هذه المرحلة تحقيق الامور التالية:
1 خفض سعر صرف العملة الوطنية: يسعى صندوق النقد الدولي الى زعزعة العملة الوطنية من اجل رفع الاسعار وخفض القدرة الشرائية، وخفض قيمة الإنفاق العام بالدولار مما يسمح لعائدات الدولة بأن تذهب نحو الدين الخارجي.
2 دولرة الأسعار: في اطار العلاج بالصدمة يقترح صندوق النقد الدولي سقوطا عنيفا للعملة الوطنية يؤدي الى ارتفاع الأسعار ليصل بها الى مستوى الأسعار العالمية فيتم دولرتها.
3 الرقابة على الكتلة النقدية: يفرض صندوق النقد الدولي تجميد الكتلة النقدية بهدف محاربة التضخم. يؤدي هذا التدبير الى إلزام الحكومة بحصر إنفاقها الفعلي وتقليص الأجور الفعلية وتسريح موظفيها.
4 تحرير سوق العمل من القيود القانونية وتحرير الأجور (الغاء الحد الادنى للأجور بهدف تخفيضها).
5 وضع يد صندوق النقد الدولي على البنوك المركزية: يطالب صندوق النقد الدولي <<باستقلالية البنك المركزي عن السلطة التنفيذية والتشريعية>>، هذا يعني ان كبار موظفي البنك المركزي لا يخضعون لرقابة البرلمان او الحكومة، ويعني ايضا ان صندوق النقد الدولي هو الذي يتحكم بالسياسة النقدية لا الحكومة، فالدولة التي تأخذ قرضا لا يحق لها إصدار عملة جديدة لتمويل مصاريفها العامة ومشاريعها التنموية. وفي النتيجة فإن تجميد الكتلة النقدية يؤدي الى زيادة تبعية الدولة لمصادر التمويل الخارجي وزيادة مديونيتها.
6 تحرير الأسعار: يؤدي هذا التدبير الى إلغاء دعم الدولة لبعض السلع الأساسية (مواد غذائية او غير ذلك).
7 تقشف الميزانية: يترجم بتخفيض عدد موظفي الدولة وتقليص النفقات الاجتماعية، الصحية والتربوية، وهذا ما أظهرته تقارير اليونيسيف.
8 تثبيت أسعار المنتجات النفطية: تحت إشراف البنك الدولي تحدد الحكومات سعر النفظ (نحو الارتفاع) من أجل زيادة واردات الخزينة، مما يؤدي الى زيادة الكلفة الصناعية وزيادة الأعباء المعيشية.
يعتبر تنفيذ هذه المرحلة شرطا أساسيا للحصول على مساعدات مالية ولإعادة جدولة الدين الخارجي مع نوادي باريس ولندن، على ان يتبع ذلك القيام بالاصلاحات البنيوية التالية:
ب المرحلة الثانية: الاصلاح البنيوي: يتم في هذه المرحلة الاصلاحات الجذرية التالية:
1 تحرير التجارة الخارجية وفتح الحدود: يعتبر صندوق النقد الدولي ان حماية الاقتصاد الوطني يساعد على تنمية السوق الداخلي على حساب قطاع التصدير، وهذا يؤدي الى سوء توزيع المصادر، لذلك يهدف برنامج تحرير التجارة الى إلغاء كوتا الاستيراد وخفض التعرفة الجمركية لجعل الاقتصاد الوطني أكثر تنافسية!
2 خصخصة مؤسسات الدولة: يفرض البنك الدولي على دول العالم الثالث إقفال المؤسسات الحكومية <<المريضة>> وتسريح موظفيها قبل البدء بخصخصتها، وذلك في اطار اعادة التفاوض على الديون الخارجية.
3 الاصلاح المالي: تجري بعض التعديلات الاساسية على النظام المالي تحت إشراف البنك الدولي، فيتم استحداث ضريبة على القيمة المضافة ش.ض.ء. وضريبة على المبيعات، وتغيير في بنية الضرائب المباشرة وهذا يؤدي الى إضعاف الانتاج المحلي. في الوقت الذي يخضع فيه الانتاج الصناعي والزراعي الوطني للضرائب، تنعم المؤسسات ذات الرأسمال المختلط او الاجنبي بالاعفاءات الضريبية كنوع من التشجيع على الاستثمار.
4 تحرير النظام المصرفي: يعني فتح السوق المالي على المصارف الاجنبية وخصخصة مصارف الدولة. إلغاء كافة أشكال القروض والدعم التي تعطيها الدولة الى المزارعين والصناعيين المحليين.
تحدد نسبة الفوائد حسب لعبة السوق، وهذا يؤدي احيانا الى مضاربات مصرفية على نسب الفوائد قد تجر الاقتصاد نحو الخراب.
5 تحرير حركة الرساميل: تؤكد مؤسسات ْمَُُُّّ طُُلَّ على ضرورة <<الشفافية>> و<<حرية حركة الرساميل>>. فالشركات الاجنبية لها كل الحق في سحب أموالها وأرباحها بالعملات الاجنبية.
هل نجح صندوق النقد الدولي أم فشل في الوصول الى أهدافه؟ العلاج الذي يقترحه يدمر الاقتصاد الوطني ويفكك المجتمع المدني للدول الفقيرة المثقلة بالديون ويقودها الى الهاوية.
برغم تطبيقه في أكثر من مئة دولة من دول العالم الثالث بما في ذلك دول أوروبا الشرقية لم يحقق برنامج الضبط البنيوي اي تقدم، سواء من حيث مستوى التضخم او النمو، بل على العكس من ذلك يلاحظ صندوق النقد الدولي في احدى دراساته ان تطبيق هذا البرنامج كان يترافق مع زيادة في التضخم وهبوط في مستوى النمو.
برغم هذا الفشل المعلن، يعتبر صندوق النقد الدولي ان برنامج اصلاحاته البنيوية ساهم بإزالة الاختلالات الماكرو اقتصادية، وأنه يبقى أفضل الوسائل لتحسين مستوى حياة الشعوب!
لنر من خلال تجارب بعض دول العالم الثالث اي نوع من التحسن المعيشي يقصده مدير عام صندوق النقد الدولي ميشال كامدسوس.
تجربة رواندا
قبل اندلاع الحرب الاهلية في تشرين الاول عام 1990، عانت رواندا من أزمة اقتصادية قاسية نتجت عن تراكم عدة عوامل أهمها: هبوط سعر البن وتنفيذ برنامج إصلاح ماكرو اقتصادي فرض عليها.
في عام 1988 أرسل البنك الدولي بعثة الى رواندا للتدقيق في برنامج النفقات العامة، ثم أعطى <<وصفته المعهودة>>: تحرير التجارة، خفض قيمة الفرنك الرواندي، إلغاء دعم الدولة للمزارعين، خصخصة مؤسسات الدولة والخدمات العامة وتسريح الموظفين الخ.
في صيف 1989 تقرر في اجتماع تاريخي للدول المنتجة للبن في مدينة فلوريدا، بضغط من كبار التجار الاميركيين، إلغاء كوتا التصدير، مما أدى الى انهيار سعر البن الى أكثر من 50% مسببا بانهيار المنتجين الأفارقة وخصوصا الروانديين حيث يشكل البن 80% من قيمة صادراتهم.
في بداية الاضطرابات عام 1990، تدفق على رواندا (260 مليون دولار أميركي) وذلك في اطار اتفاقات ثنائية بين رواندا والدول الغربية. قسم كبير من هذه الأموال تمت مصادرته من قبل النظام وميليشياته.
تدابير التقشف طبقت فقط على إنفاق المدنيين، أما إنفاق الدولة على العسكريين والمعدات العسكرية فقد امتص جزءا كبيرا من مداخيل الدولة ومن التمويل الخارجي.
الدول المانحة كانت على علم بما يجري في رواندا واستمرت في تغطية العجز الناتج عن النفقات العسكرية (96% من عجز الميزانية كان يغطى بالمساعدات الخارجية).
بعد انتهاء الحرب فرضت الدول المانحة على رواندا اجراء اصلاحات ديموقراطية كشرط أساسي لمنح المساعدات، ولكن الازمة الاقتصادية حالت دون تحقيق هذه الاصلاحات.
البنك الدولي حجب مساعداته عن رواندا نتيجة عدم توصل جميع المتقاتلين الى اتفاق سلمي.
طالب المجتمع الدولي بإلغاء جميع ديون رواندا للفترة الممتدة بين 1990 1994 لأنها ديون أنفقت على قتل شعبها وتجويعه.
ما هو تأثير برنامج صندوق النقد الدولي على رواندا؟
1 عام 1989 كانت نسبة التضخم 1% ثم أصبحت 2,19% عام 1991.
2 تراجع في ميزان المدفوعات.
3 نمو سلبي للاقتصاد.
4 تزايد الدين الخارجي بنسبة 3,34% ما بين 1989 و1992.
5 غرق جهاز الدولة بالفوضى، وإفلاس المؤسسات العامة.
6 تخفيض قيمة الفرنك الرواندي أدى الى هبوط أسعار المنتجات الزراعية الاساسية (الفاصوليا والسورغو) وانهيار نظام التعاونيات الزراعية والمزارعين.
تجربة الصومال
كان اقتصاد الصومال مبنيا على التبادل بين المجتمعات الرعوية المتنقلة (كانوا يشكلون 50% من مجموع السكان) والمجتمعات الزراعية، ولغاية عام 1983 كانت المواشي تشكل 80% من قيمة صادراته.
في بداية الثمانينات فرض صندوق النقد الدولي على الصومال تنفيذ برنامج اصلاحات اقتصادية بهدف استرجاع دين كانت مقاديشو قد حصلت عليه من نادي باريس. شكل هذا البرنامج خطرا كبيرا على التوازن الهش القائم بين الاقتصاد الرعوي والاقتصاد الزراعي وكان سببا في تفكك الدولة وانتشار المجاعة والاقتتال الأهلي.
ماذا فعل صندوق النقد الدولي في الصومال؟
أ) هبوط سعر (الشلن الصومالي) المبرمج من صندوق النقد الدولي عام 1981 أدى الى ارتفاع اسعار كافة السلع وبشكل خاص المواد الزراعية ومستلزماتها (وقود، أسمدة الخ..). النتائج كانت كارثية على الزراعة والمزارعين.
ب) خصخصة الخدمات البيطرية وارتفاع أسعار أدوية الحيوانات، ترافق مع غياب برامج غذائية انقاذية للحيوانات خلال فترة الجفاف أدى الى نفق اعداد كبيرة من المواشي.
الهدف غير المعلن لهذه السياسة كان التخلص من رعاة المواشي الرحل الذين كانوا يشكلون جزءا من النظام التقليدي المبني على التبادل.
ج) تقشف الدولة أدى الى تسريح 40% من الموظفين، أما الأجور الفعلية فقد انخفضت عام 1989 بحيث أصبح متوسط الدخل الشهري للفرد لا يتجاوز ثلاثة دولارات، وهذا ما سرع في انهيار الادارة.
د) ضاعف برنامج الضبط البنيوي من تبعية الصومال الغذائية.
بين عامي 1975 و1985 زادت المساعدات الغذائية 31% سنويا، وأدى تدفق هذه المساعدات من قمح وأرز ومواد غذائية اخرى (كانت تباع في الاسواق المحلية بأسعار أقل من سعر المنتجات الوطنية) الى دمار المزارعين الصوماليين.
في العام 1989 جمد صندوق النقد الدولي قرضا للضبط البنيوي للصومال بقيمة 70 مليون دولار اميركي، لان الحكومة الصومالية لم تبذل جهدا كافيا لتحسين وضعها الاقتصادي!
ثم تتابعت الاحداث: سقوط سياد بري وانهيار الدولة واندلاع الحرب الاهلية، فالمجاعة ثم <<عملية الانقاذ>> التي قامت بها القوات الاميركية.
تعبر تجربة الصومال عن الوضع الأفريقي، حيث لا تزال هناك مجتمعات رعوية بدوية تعيش على التبادل والمقايضة، مجتمعات هامشية بعيدة عن النظام العالمي الجديد ومصالحه، ولذلك يريد صندوق النقد الدولي القضاء عليها.
تجربة روسيا
<<ان دول السبعة الكبار يريدون تدمير صناعاتنا ذات التقنية العالية ومنعنا من تطوير نظام رأسمالي منافس لهم. يريدون تحويلنا الى جنة تقنية مجهزة بيد عاملة رخيصة وان يدفعوا الى علمائنا 40 دولارا في الشهر>>. هذا ما قاله عام 1992 أحد اقتصاديين اكاديمية العلوم الروسية.
عام 1992 طبق رئيس الحكومة الروسية ايغور غايدار علاج الصدمة الذي تتحدث عنه وصفة صندوق النقد الدولي فمنع روسيا من التحول الى رأسمالية وطنية يديرها طبقة من رجال الاعمال الروس.
ومن خلال تلاعبه بقوى السوق ونوعية الاصلاحات المفروضة تحددت القطاعات الاقتصادية المسموح لها بالاستمرار في روسيا، فهبط الانتاج الصناعي الى أكثر من 50% عام 1992.
الاصلاحات التي قام بها غايدار هي صورة طبق الاصل عن برامج الضبط البنيوي التي فرضها صندوق النقد الدولي على دول افريقيا واميركا اللاتينية، والتي أدت الى إفقار قطاعات واسعة من السكان: ارتفاع الاسعار ودولرتها، وانهيار العملة الوطنية (عام 1991 كان سعر الخبز 15 كوبيك وفي تشرين الاول 1992 تجاوز سعره 20 روبلا)، وانخفضت القدرة الشرائية الى أكثر من 80% فضاعت أموال المدخرين الروس. علق رئيس صندوق النقد على هذا الموضوع فقال: <<كان لا بد من سحب السيولة الزائدة من السوق لأن القدرة الشرائية للروس كانت مرتفعة جدا>>.
نتائج برنامج الضبط البنيوي على روسيا
1) انهيار سعر الروبل عام 1992 ساعد على نهب الموارد الطبيعية للبلد: نفط، معادن، مواد اولية استراتيجية الخ... كان يتم شراء هذه المواد من مؤسسات الدولة بالروبل ثم تباع الى دول الاتحاد الاوروبي بعشرة أضعاف سعرها وبالعملات الاجنبية، فالنفط الخام مثلا كان يتم شراؤه بسعر (5200 روبل) للطن أي ما يعادل (17 دولارا اميركيا)، وبعد الحصول على اجازة تصدير عن طريق رشوة أحد الموظفين كان يعاد بيعه حسب سعره العالمي (150 دولارا أميركيا) للطن.
2) الاصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي على ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي كانت تهدف الى مسألتين:
أ) تشجيع حرية تصدير المواد الأولية: نفط، معادن ومواد استراتيجية ومنتجات زراعية الخ... لذلك لم يكن هناك حماية للصناعة الوطنية ولم يتم تحويل المواد الخام.
ب) تسهيل استيراد السلع الاستهلاكية الموجهة الى النخبة الجديدة ذُْلِّىَُّّ لم ٌٍِّّم (سيارات فخمة، الكترونيات، مواد غذائية ذات قيمة مضافة عالية)، مثلا كان يتم استيراد الفودكا الروسية (مصنوعة من الكريستال) من الولايات المتحدة الاميركية بسعر 345 دولارا اميركيا.
3) سهلت برامج الخصخصة عملية انتقال قسم كبير من مؤسسات الدولة الى العصابات المنظمة التي سيطرت على 40% من الاقتصاد، والى وضع يد الرساميل الاجنبية على المرافق الاقتصادية المهمة. المافيا الروسية تفاوضت مع الدول الغربية على تجهيزات عسكرية فضائية وأسلحة نووية. فليس من المستغرب القول ان المافيا الروسية شكلت دعما سياسيا للاصلاحات الاقتصادية التي اجراها يلتسين.
4) تحرير النظام المصرفي في روسيا: ساهم تحرير النظام المصرفي في روسيا بتسهيل عمليات تبييض الاموال وهروب مليارات الدولارات الى المصارف الغربية.
إصلاحات بنيوية تمر عبر حل البرلمان الروسي:
حاول غايدار ان يقدم حلا وسطا بين النظام التوتاليتاري واقتصاد السوق، أي بين صندوق النقد الدولي والبرلمان الروسي (الدوما)، بأن خصخص قسما من مؤسسات الدولة وأعطى مساعدات وقروضا الى القسم الآخر، ولكنه وصل في النهاية الى حائط مسدود أدى الى تجميد صندوق النقد الدولي مساعداته المالية.
حل بوريس يلتسين البرلمان لينهي هذه الاشكالية وأجرى تعديلات في القوانين الروسية لكي تتوافق مع الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة.
لم يتأخر كثيرا جواب رئيس صندوق النقد الدولي، اذ أفرج بعد يومين من حل البرلمان على 5,1 مليار دولار اميركي على ان يدفع القسم الآخر من القرض بعد إجراء الاصلاحات الضرورية.
الخيار الوحيد
لكي يتوسع رأس المال العالمي عليه ان يدمر القدرات الانتاجية الموجودة:
الاصلاحات الماكرو اقتصادية المفروضة على دول العالم الثالث تؤدي هذه المهمة بنجاح، فهي تضرب الانتاج المحلي وتفلس المؤسسات الصغيرة والمتوسطة او تفرض عليها العمل لصالح الشركات العالمية وضمن شروطها Sous-traitance">..
مؤسسات الدولة تخصخص، يزداد عدد العاطلين عن العمل، المزارعون يزدادون فقرا الخ... عولمة الفقر تغذي نمو الاقتصاد العالمي وتوجه الدول الفقيرة نحو التصدير المبني على يد عاملة رخيصة، التصدير او الموت هذا هو الخيار الوحيد
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire