التحريف النفسي للاستبداد السياسي العربي*
للاستبداد السياسي نظام فكري دفاعي يحميه من
التمرد والاختراق ويوفر له الاستقرار في نفوس الناس وعقولهم، بحيث تصبح الناس هم
المدافعين عنه ويمنحونه الشرعية باعتباره النموذج الأمثل والأوحد! نظام دفاعي
كالجيش والشرطة والاستخبارات لكنه مستتر، وأساس هذا النظام الفكري هو (القدرية)
ليسمى (الفكر القدري) القائم على قلب الحقائق والأسباب، فيقلب الزمن ليكون الماضي
هو الحاضر المستقبل، والحاضر والمستقبل تحقيق لماضي مكتوب مسبقا بالغيب يتكرر
واقعا! حيث يجعل الناس تعتقد إن الظلم والاستبداد قدر رباني من الله عقابا لهم على
ذنوبهم وعصيانهم ومخالفتهم له، والاستبداد هو تسليط من الله عليهم، وهذا الفكر
القدري يقلب الأسباب والحقائق بالعكس فبدل أن ُيدين الاستبداد، ُيدين الناس على
ذنوبهم! ويحّول ظلم الحاكم إلى عقاب رباني! وهي تعني ضمنا إن الله هو الظالم وليس
الحاكم دون أن تشعر الناس بذلك، عندها يُحمّل الفكر القدري مسؤولية البؤس والشقاء
لطبيعة الحياة فلا يدعوا لحب الحياة بل تسفيلها برمتها وتحقيرها واعتبارها بلاء
مقدر، وامتحان عسير مكتوب لنا، وإنها شر وقبح، ووجود زائل وفاني، دون الإشارة إلى
أي مطالبة بحقوق إنسانية كريمة كالحرية والكرامة والمساواة والعدالة والرفاهية،
قالبا حقيقة إن هذه الصفات السلبية للحياة هي نتاج الاستبداد وليس نتاج الحياة
وطبيعتها، في مقابل هذا يتم التركيز على ما حياة بعد الموت والحديث عن مغريات تلك
الحياة بتفاصيل جاذبية حيث الجنس والسكن والطعام والشراب والحرية المطلقة وكل ما
هو مسلوب من حقوق في الحياة الدنيا للشعب الضحية للاستبداد والظلم والتخلف كبديل
عن الحياة الدنيوية المستلبة، وكأن الحياة وجود غير ضروري وبلا قيمة؟ بعدما صور
لهم الفكر القدري التفاوت الطبقي بأنه قدر أيضا، فمال الفقراء (خبزتهم) حلال عند
الرب أكثر من غيره، لان أيديهم المتعبة أفضل من الأيدي المترفة! والله يبارك بعرق
الجبين، بينما الفكر القدري يصمت عن الغني ويهدده بالنار إن لم يدفع الضريبة؟
والفقراء يتهمون الأغنياء بالبخل والكسب الحرام لتعزية بؤسهم، ويواسيهم الفكر
القدري أيضا بان الله لا ينسى عبده، وهو الذي يرزقه نصيبه كما يشاء، وانه ما من
احد مات جوعا!(1) وإن حتى الحشرات يرزقها الله، وعليه أن يكون شكورا قنوعا، ولا
ينظر للأغنياء ويسأل عن التفاوت الطبقي في (الرزق) والمال والمعيشة، لان هذا هو
تقسيم الله لنعمته على عباده! و(الرزق على الله) أو (على باب الله) كما يقال، وهذه
قسمته أن يكون فقيرا كما قدر لله له ذلك وفق مشيئته التي لا يعلم بها احد! لهذا
يسمى قوت الإنسان أو ماله أو عمله (نعمة أو رزق) وهي بمعنى الهبة والتفضل عليه
وليس حق المواطن على الحكومة بالعيش الكريم! وهكذا فان أي شك بالفكر القدري، فانه
شك بنعمة الله وقسمته، الذي لا يقوى أي إنسان على الجهر به دون أن يكون ضحية
الحاكم والناس معا، وحتى الموت يدخل في المنطق القدري فإذا مات الإنسان مرضا بسوء
التغذية أو سوء الرعاية الصحية بسبب الفقر قالو (هذا اجله) أما إذا مات من الكدح
بسبب سوء سلامة المهنة والإرهاق قالو (إنها منيته) أما لو قتل على يد الجماعات
المسلحة المعارضة قالو (هذا يومه أو جاءت ساعته) أما لو مات في حروب النظام
العبثية قالو (هذا قدره) وعلى أهل الضحية أن يشكروا الله على كل حال، فهذه قسمة
الله! التي لا تبديل لها، ويتوسع المنطق القدري في كل شيء ليشمل الزواج والطلاق،
الحمل والإجهاض، البطالة والعمل، النجاح والفشل، الغنى والفقر، المرض والعافية،
الراحة والمشاكل الخ فيصبح المنطق القدري ثقافة بكلام الناس فيتداولون عبارات مثل
(ما يصيبنا إلا نصيبنا) و (المكتوب عالجبين لابد أن تراه العين) و(اللهم لا أسألك
رد القضاء ولكن أسألك اللطف في) و (أنها مقسومة) و (مكتوب عليك هذا) وأي عمل أو
مشوار ينوي اتخاذه يجب أن يرفق بعبارة (إن شاء الله أو بقوة الله أو إذا أراد
الله) وهكذا يتحصن الاستبداد بالقدرية والقداسة، ثم يتوسع الفكر القدر من تسفيل
الحياة إلى تسفيل ألإنسان، فيعتبر عبد حقير ذليل، نفسه أمارة بالسوء، والتحذير من
(شر بني آدم) الجاحد لنعمة الله والعاصي لأوامره، المغرور والغير القنوع والذي (لا
يملأ عينه إلا التراب) الخطّاء والمذنب، ولا يقول (أنا) إلا ويتعوذ منها، والذي
يصبح انتن جيفه بعد موته! وهو الذي أنولد من بين مخرجين! وصحيح أن الإنسان شرير
لكنه خيّر أيضا، ويتوقف خيره وشره على ظروفه الاجتماعية وتنشئته الأسرية وليس عليه
وحده، لكن الفكر القدري يقلب كعادته الأسباب من الظروف والبيئة إلى الإنسان
وطبيعته، وبهذا ُيحّمل البشر مسؤولية ما سببته الظروف السلبية، وتكون علاقة
الإنسان بالرب عبد ذليل يتوسل ويرتجي العفو والمغفرة والمسامحة عن ذنوبه وسيئاته
خوفا من عقابه وعذابه الأبدي! أي أن العلاقة مبنية على العبودية، وعلى الخوف
والطاعة، فالإنسان يسمى (عبد الله) وجمعها (عباد الله)، والأدعية غالبا ما تتضمن
(أنا عبدك الذليل أو المطيع أو الفقير)! ذلك أن صورة الله في الأنظمة الاستبدادية
تكون منسوخة عن هذا النظام، فيشاع الخوف والرعب من الله مع الحب والطاعة له، ويجمع
بين الرحمة الامومية والقسوة السادية في آن واحد، أما جحيمه فصورة طبق الأصل (مع
التضخيم) لواقع السجون في النظام المستبد، حيث التعذيب الوحشي الأبدي للمعارضين
بواسطة جلاوزته (الزبانية) دون أي عفوا أو رحمة لكل من يختلف معه بالرأي أو يخالف
تعاليمه، أما الجنة فهي نسخة طبق الأصل (مع التضخيم) للحياة التي يعيشها السلطان
وحاشيته من ترف وجواري وغلمان وطعام وشراب وجنس (باستثناء المال) وهي تعويض وهمي عن
الحقوق المستلبة للأغلبية الفقيرة ثمنا لشقائهم! أي أن الفقراء يضمنون الجنة
ببؤسهم وتعاستهم بعد الموت! بينما يرفل الأغنياء من حاشيته بدنياهم بالجنة
الواقعية، وكما يحيط اسم السلطان بألقاب (النبي، المستنير، المختار، المجيد، ظل
الله) يحيط اسم الله بألقاب مهيبة (القوي، السلطان، العظيم، الملك الخ) ويكون له
عرش في السماء! وكما السلطان وحده منفرد بحكمه، فالله واحد ليس له شريك في حكمه،
وتاريخيا كان الملوك يدّعون صراحة إنهم الله ثم ادعوا إنهم من سلالته ثم ادعوا
أنهم ظله على الأرض فيما بعد، ومثلما الجميع يمدح المستبد ويتغنى به لحنا وشعرا
ويتوسل ويشحذ ويتذلل له ليعطف عليه السلطان بصدقة أو مكرَمة بمال أو هدية، كذلك
الأدعية والتراتيل كلها تتغنى وتمدح وتتوسل وترتجي من الله ليمن الخير والرزق
والأمن على البشر الضعيف الذليل البائس، وأساليب العبادة هي محاكاة لأدب الوقوف في
حضرة السلطان كالانحناء والسجود والركوع التي نرصدها بالصلاة، وكما الانتقام
والعقوبة الجماعية هي من صفات النظام الاستبدادي، نرى مبدأ العين بالعين، والعقاب
الجماعي من صفات حكم الله، مثل ما نجده في أقوال (بشر الزاني بالزنا، والقاتل
بالقتل) (والظالم ُيسلط عليه ظالم) أو معاقبة مذنب بأحد أفراد أسرته الأبرياء
عقابا له! أو زلزال لمدينة أو دولة خالف بعض أفرادها أوامره فعاقبهم كلهم بما في
ذلك الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ! وهذا تشريع علني بقل الأبرياء! فهل نصدق
صورة الله التي رسمها السلاطين المستبدين على شاكلتهم؟ ليقنعونا أنهم على شاكلته
على الأرض؟ إن الاستبداد يحمي نفسه بالفكر القدري المقدس، مع ذلك يطالبنا الفكر
القدري أن لا نغيره بل نغير أنفسنا له! أي إن التغيير يأتي من نفوس الناس وعقولهم
وليس من ظروفهم وأوضاعهم، فعليهم أن يغير نظرتهم للحياة وسلوكهم، فيزهدون الحياة
المغرية ويحتقروها، بدل العيش والرفاهية بالحياة والمطالبة بالحقوق وتحقيق الطموح،
فيجعل منهم أفراد سلبيين على المجتمع ليس لهم طموح أو هدف يخدم الناس سوى الموت
الذي يخلصهم من هذه الحياة الشريرة الفانية، أي بدل النظرة الجميلة للحياة نغيرها
بالنظرة الشريرة والقبيحة المتشائمة لها، وبدل أن نغير الأوضاع نغير أنفسنا بحيث
نتكيف معها لأنها مقدرة لنا ولا تتغير أبدا إلا (بمشيئة من الله)، وهذا ما أسميته
قلب الحقائق بالفكر القدري، فيُدين هذا الفكر الناس وليس الاستبداد، ويسمي ظلم
الحاكم عقاب رباني، وبدل أن يدين الفقر والفرق الطبقي، يباركه ويجعله قسمت الله
المُقدرة، ويدين الفقير إذا اعترض على الفرق الطبقي لأنه لا يرضى بقسمة الله! وبدل
تغيير الأوضاع الحياتية للأفضل نغير نحن أنفسنا لنقبلها، وبدل أن نُحب الحياة
ونتفاءل نكره الحياة ونتشائم! ونفضل الموت عليها! وبدل أن ندين صورة الله التي
رسمها السلطان على شاكلته، علينا أن نقبل إن صورة السلطان منسوخة عن صورة الله،
رغم أن صورة الله هي صورة السلطان معكوسة على السماء، بعكس ادعاء السلطان انه مجرد
صدى أو مرآة أو ظل الله على الأرض، إن صورة الله هي ظل السلطان بالسماء، باختصار
على النظام المستبد أن يبقى وان نغير الناس أجمعين من اجل النخبة الفاسدة بحسب
الفكر القدري!.
لكن كيف يتسنى للاستبداد بفكره القدري أن ينغرس في نفوس الناس كأنهم منومون مغناطيسيا؟ بحيث تصبح الناس هي متقبلة ومنتجة ومدافعة عن الاستبداد؟ ضد من يثور عليه أو يتمرد؟ وهنا ندخل في علم النفس لأطرح نظرية (التحريف النفسي) ومختصرها (تحريف الانتماء للنقيض) التي استوحيتها من التحليل النفسي، وهي حيلة نفسية من قبل الأنا لتحريف انتمائه ايجابيا وبتحريف انتماء الآخر سلبيا، وذلك لتلبية رغبات مكبوتة أو مقموعة أو محظورة، فتصبح مباحة ومقبولة من الأنا الأعلى، الذي كان يحرمها ويحضرها، فتحريف الانتماء الايجابي للانا هو أن يحرف البشر أناه الفردية أو الجماعية إلى نقيض البشر الايجابي وهو الآلهة والملائكة والرسل، أما نقيض الإنسان السلبي فهو الحيوان والشيطان، والاستبداد يقوم بقلب الحقائق كما أوضحت بجعل الناس تمارس تحريف الانتماء للنقيض السلبي على ذاتهم وليس على الآخرين كما يفعل الأسوياء، وممارسة تحريف الانتماء الايجابي على المستبد، حيث يضغط الواقع القائم على الفكر القدري وقلب الحقائق ليتطبع الأنا بفكرة الخطيئة والشعور بالذنب والعقاب الرباني فتتسلط عليه الأنا الأعلى، فيحّرف الأنا انتماءه للنقيض السلبي الحيوان، فتصبح الناس كالحيوانات تحكمها الغرائز والانفعالات والعواطف ولا غاية لها سوى الطعام والأمن (النعمة والستر) شكورة وقنوعة ممتنة بها! ولا هم لها سوى البقاء والتكاثر، فتدعوا الناس إلى ربها ليل نهار بإدامة (النعمة والستر) عليها دون أي مطالبة بحقوق إنسانية كالكرامة والحرية والعدل والرفاهية والمساواة؟ فيصبح هذا الإنسان (المتحيون) كائن غريزي شره جنسيا، طماع برغباته الأنانية، يحب ويكره بانفعالاته، جشع بمصالحه، يحكمه الخوف والخنوع والمصالح والأنانية والرياء، وتعتاد الناس على قول (نحن لسنا بني آدم، نحن لن نأتي إلا بالقوة والخوف، لا يفيدنا إلا القائد القوي، كل الذي يحصل بنا من أيدينا) والمستبد من جانبه يحرّف انتماء أناه للنقيض الايجابي، ويحرف انتماء الآخرين للنقيض السلبي، فيعتقد انه يؤدي غاية نبيلة سامية لهولاء الحيوانات (الرعية) الضعيفة الوحشية بينها، التي لا تستطيع العيش بدونه وانه يسعى لرفع حياتهم من الهمجية والحضيض إلى الاستئناس والألفة لخدمته وخدمت غايته ووطنه، تعيش في حظيرته يرعاها ويعلفها ويذبحها متى يشاء قربانا من اجل الوطن، فيعتبر نفسه نبي أو خليفة الله على الأرض أو ظله في الدنيا، والسائر على نهجه، وحامي الدين، وطاعته هي طاعة الرب! لأنه من عائلة مباركة أو مختار من الله، أو مقدس لديه، أو منصور منه، أو ضرورة زمانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اكتملت هذه المقالة في الشهر الأخير من العام 2013 ، وارتأيت عدم نشرها خشية أن أضيف عليها تعديلات أضافية.
1_هناك آلاف الناس يموتون جوعا في بقاع الأرض كأفريقيا، ثم أن المسالة ليست بالموت جوعا من عدمه، بل بالعيش الكريم، أي ليس الأكل وحده يكفي بدون كرامة وضمان صحي وبيئة نظيفة وخدمات سليمة كالماء والكهرباء، فالحيوانات تأكل من الزبائل يوميا ولا تموت جوعا، فهل نكتفي بالعيش كالحيوانات لمجرد أننا لا نموت جوعا؟.
لكن كيف يتسنى للاستبداد بفكره القدري أن ينغرس في نفوس الناس كأنهم منومون مغناطيسيا؟ بحيث تصبح الناس هي متقبلة ومنتجة ومدافعة عن الاستبداد؟ ضد من يثور عليه أو يتمرد؟ وهنا ندخل في علم النفس لأطرح نظرية (التحريف النفسي) ومختصرها (تحريف الانتماء للنقيض) التي استوحيتها من التحليل النفسي، وهي حيلة نفسية من قبل الأنا لتحريف انتمائه ايجابيا وبتحريف انتماء الآخر سلبيا، وذلك لتلبية رغبات مكبوتة أو مقموعة أو محظورة، فتصبح مباحة ومقبولة من الأنا الأعلى، الذي كان يحرمها ويحضرها، فتحريف الانتماء الايجابي للانا هو أن يحرف البشر أناه الفردية أو الجماعية إلى نقيض البشر الايجابي وهو الآلهة والملائكة والرسل، أما نقيض الإنسان السلبي فهو الحيوان والشيطان، والاستبداد يقوم بقلب الحقائق كما أوضحت بجعل الناس تمارس تحريف الانتماء للنقيض السلبي على ذاتهم وليس على الآخرين كما يفعل الأسوياء، وممارسة تحريف الانتماء الايجابي على المستبد، حيث يضغط الواقع القائم على الفكر القدري وقلب الحقائق ليتطبع الأنا بفكرة الخطيئة والشعور بالذنب والعقاب الرباني فتتسلط عليه الأنا الأعلى، فيحّرف الأنا انتماءه للنقيض السلبي الحيوان، فتصبح الناس كالحيوانات تحكمها الغرائز والانفعالات والعواطف ولا غاية لها سوى الطعام والأمن (النعمة والستر) شكورة وقنوعة ممتنة بها! ولا هم لها سوى البقاء والتكاثر، فتدعوا الناس إلى ربها ليل نهار بإدامة (النعمة والستر) عليها دون أي مطالبة بحقوق إنسانية كالكرامة والحرية والعدل والرفاهية والمساواة؟ فيصبح هذا الإنسان (المتحيون) كائن غريزي شره جنسيا، طماع برغباته الأنانية، يحب ويكره بانفعالاته، جشع بمصالحه، يحكمه الخوف والخنوع والمصالح والأنانية والرياء، وتعتاد الناس على قول (نحن لسنا بني آدم، نحن لن نأتي إلا بالقوة والخوف، لا يفيدنا إلا القائد القوي، كل الذي يحصل بنا من أيدينا) والمستبد من جانبه يحرّف انتماء أناه للنقيض الايجابي، ويحرف انتماء الآخرين للنقيض السلبي، فيعتقد انه يؤدي غاية نبيلة سامية لهولاء الحيوانات (الرعية) الضعيفة الوحشية بينها، التي لا تستطيع العيش بدونه وانه يسعى لرفع حياتهم من الهمجية والحضيض إلى الاستئناس والألفة لخدمته وخدمت غايته ووطنه، تعيش في حظيرته يرعاها ويعلفها ويذبحها متى يشاء قربانا من اجل الوطن، فيعتبر نفسه نبي أو خليفة الله على الأرض أو ظله في الدنيا، والسائر على نهجه، وحامي الدين، وطاعته هي طاعة الرب! لأنه من عائلة مباركة أو مختار من الله، أو مقدس لديه، أو منصور منه، أو ضرورة زمانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اكتملت هذه المقالة في الشهر الأخير من العام 2013 ، وارتأيت عدم نشرها خشية أن أضيف عليها تعديلات أضافية.
1_هناك آلاف الناس يموتون جوعا في بقاع الأرض كأفريقيا، ثم أن المسالة ليست بالموت جوعا من عدمه، بل بالعيش الكريم، أي ليس الأكل وحده يكفي بدون كرامة وضمان صحي وبيئة نظيفة وخدمات سليمة كالماء والكهرباء، فالحيوانات تأكل من الزبائل يوميا ولا تموت جوعا، فهل نكتفي بالعيش كالحيوانات لمجرد أننا لا نموت جوعا؟.
بين الفكر
العملي والفكر الخرافي في المجتمع العربي
تستخدم الناس فكرها المنطقي
والعملي القائم على السببية المادية في حياتها العملية سواء بالعمل أو للمصالح
الشخصية بصورة عامة حيث أن الناس في السعي لمصالحها وكسبها للمال والجاه والنفوذ
والمناصب والأملاك تستخدم الذكاء والتخطيط والتحايل والإقناع والكذب والتملق في
سبيل تحقيق مآربها، وهذا أمر طبيعي، إلا أن هذه الأفكار المنطقية والعملية تتعطل
تماما حين تنتقل من التعامل في الحياة العملية إلى التعامل مع المعتقدات
الاجتماعية كالخرافات والأساطير والأشباح والسحر والمعجزات؟ وتستبدل السببية
المادية بالسببية القدرية والسحرية والربانية؟ فما الذي يجعل الفكر المنطقي
والعملي يعمل أو يتعطل أو لنقل يغير نهجه من السببية المادية إلى نقيضها حسب تغير
الموضوع؟ وهذه مفارقة بالفكر كيف يسلك هذا السلوك المزدوج؟ وهذا السؤال الأساسي
الذي انطلق منه لبحث هذه الإشكالية الفلسفية و النفسية، هل الخلل في ذلك التناقض
هو الفكر أم البيئة؟ مبدئيا إن عقل الإنسان ليس مستقلا في تفكيره وأحكامه عن بيئته
ومجتمعه ونفسيته وموروثاته فهو خاضع لهذه المؤثرات التي هي صنعت نمط تفكيره
وتصوراته الخام، لهذا فحكمه على معتقداته لن يكون محايدا أو موضوعيا بل منحازا
ومبررا لها بالعقل وبالعلم أحيانا؟ وحتى لو توصل إلى نفيها ولا عقلانيتها فإن
للمجتمع ضغوط عقابية كالنبذ والاغتراب والتخوين والقصاص الجسدي، هذا عدا الصراع
النفسي الذي يعيشه كل من يحاول تغيير عاداته ومعتقداته بين التطبع والعادة وبين
التخلي عنها، وغير قليل من الناس تعرف أن هذه المعتقدات الاجتماعية بالية من
الناحية العقلية لكنها لا تستطيع الإقلاع عنها بسبب التطبع الفردي والاجتماعي لها
حد العادة، وليس سهلا على الفرد الخروج على الجماعة لأنه يخاطر بانتمائه، وليس كل
ما هو مخالف للعقل يشترط التخلي عنه، فرغم علم الناس بمضار التدخين والكحول صحيا
إلا أنها لا تتخلى عن إدمانها، وهذا سر بقاء المعتقدات الاجتماعية البالية
وتوارثها من جيل إلى جيل، مهما تعلم الفرد وحاز أعلى الشهادات الجامعية، لهذا يفكر
العربي بطريقة تختلف عن الأوربي، ويختلف هذا الأخير عن تفكير الأفريقي والآسيوي
وهكذا، لان هذه المعتقدات تكتسب بالتلقين والتربية والتقليد والتطبع وليس بالدليل
والبرهان، وكل ما لم يكتسب بالدليل لا يغيره الدليل المضاد أو ينفيه، وهذه القاعدة
الأساسية للتمييز بين المعتقدات الاجتماعية و الحياة العملية التي على العكس تكتسب
مهارتها بالتجربة والخبرة الفردية أو ُتعلّم من شخص آخر أو بتأثيره، وهي نشاط
الفرد للحصول على المال وتحقيق مصلحته، ويظهر مما سبق إن كل ما يحقق للإنسان
رغباته وفي صالح بقائه وتكاثره ينشط لديه قدراته العقلية المنطقية، ويبدوا أن صراع
الإنسان مع الطبيعة في سبيل البقاء والتكيف والتكاثر على مر العصور هو الذي طور
قدراته العقلية وأنتج التفكير المنطقي والعملي، بينما تشكل المعتقدات الاجتماعية
هوية الإنسان وانتمائه الاجتماعي التي تبلورت من تأملاته بالطبيعة و تكيفه مع
بيئته، وهذا احد أهم الفروق بين المجالين، حيث الأولى تصب لمصلحة الفرد في حين
الثانية تصب في مصلحة الجماعة.
ويجب الإشارة إن الناس في استعمالها الفكر المنطقي والعملي لا تتبنى الأفكار المثالية الأخلاقية والدينية والقانونية، وإنما الأفكار التي تصب في مصلحتها حيث أن الناس في تعاملها مع غيرها تحكمها الانفعالات والمصالح والتنافس والأنانية والعادات الاجتماعية، ولا مجال للأفكار الأخلاقية المثالية إلا القليل ونظريا فقط، خصوصا حين يكون الشخص مظلوم لا ظالم، وتبقى هذه الأفكار الأخلاقية المثالية مجرد كلام نظري في أحاديث الناس لا في أفعالهم إلا نادرا وبسبب الخوف في كثير من الأحيان، لهذا من الطبيعي حين نرى كثير من الناس أفعالهم تخالف أقوالهم، لهذا دائما أقول إن الناس لا تسيرها الأفكار المثالية وإنما المصالح والعواطف والانفعالات والتقليد.
وهذا لا يعني عدم قدرة الإنسان على تغيير عاداته الاجتماعية لكن بشرط تغيير الظروف الحاضنة لهذه الأفكار السحرية والقدرية والخرافية التي تميز علاقتها بالإنسان بثنائية (التسلط والرضوخ) التي وصفها (مصطفى حجازي) في التخلف الاجتماعي، واستبدالها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمات وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية، ومن غيرها لا يمكن أن نتوقع تكامل أو توحد بين التفكير العملي والتفكير الاجتماعي وارتقائهما في خدمة الفرد والمجتمع معا، وهذا التغيير يبدأ من النخبة السياسية ومدى الانفتاح الثقافي والتراكم الحضاري للمجتمع، فاليابان وألمانيا والصين استطاعت النهوض بعد انهيارها بفعل ارثها الثقافي الكبير.
ويجب الإشارة إن الناس في استعمالها الفكر المنطقي والعملي لا تتبنى الأفكار المثالية الأخلاقية والدينية والقانونية، وإنما الأفكار التي تصب في مصلحتها حيث أن الناس في تعاملها مع غيرها تحكمها الانفعالات والمصالح والتنافس والأنانية والعادات الاجتماعية، ولا مجال للأفكار الأخلاقية المثالية إلا القليل ونظريا فقط، خصوصا حين يكون الشخص مظلوم لا ظالم، وتبقى هذه الأفكار الأخلاقية المثالية مجرد كلام نظري في أحاديث الناس لا في أفعالهم إلا نادرا وبسبب الخوف في كثير من الأحيان، لهذا من الطبيعي حين نرى كثير من الناس أفعالهم تخالف أقوالهم، لهذا دائما أقول إن الناس لا تسيرها الأفكار المثالية وإنما المصالح والعواطف والانفعالات والتقليد.
وهذا لا يعني عدم قدرة الإنسان على تغيير عاداته الاجتماعية لكن بشرط تغيير الظروف الحاضنة لهذه الأفكار السحرية والقدرية والخرافية التي تميز علاقتها بالإنسان بثنائية (التسلط والرضوخ) التي وصفها (مصطفى حجازي) في التخلف الاجتماعي، واستبدالها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمات وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية، ومن غيرها لا يمكن أن نتوقع تكامل أو توحد بين التفكير العملي والتفكير الاجتماعي وارتقائهما في خدمة الفرد والمجتمع معا، وهذا التغيير يبدأ من النخبة السياسية ومدى الانفتاح الثقافي والتراكم الحضاري للمجتمع، فاليابان وألمانيا والصين استطاعت النهوض بعد انهيارها بفعل ارثها الثقافي الكبير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire