حزب العمال الشيوعي التونسي: أمميٌون لكن مفعمون بالعزَة القومية
كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول مسألة "الهوية" التي تطرح رأسا قضية الانتماء القومي و الحضاري لشعبنا. و قد أسال ذلك حبرا كثيرا. وأصبحت هذه المسألة الفرس الرابح الذي تسعى لركوبه كل حركة أو حزب سياسي أو فرقة ثقافية أو جريدة أو مجلة بدءا بالحزب الحاكم، ووصولا إلى "الاتجاه الإسلامي" و مرورا ببعض الليبراليين المستقلين و"الاشتراكيين التجمعيين".
فالجميع يتغنى بألف لحن ب"حضارتنا العربية الإسلامية" و الجميع يسعى إلى إظهار نفسه في مظهر الأكثر دفاعا عنها و تمسكا بها و الآخرين في مظهر المتنكرين و المعادين لها. واتخذ الأمر أحيانا أشكالا فلكلورية تبعث على السخرية و الاستهزاء، من ذلك أن بعض الساسة عادوا بقوة (والعود أحمد) يؤمون الجوامع بعد هجر طويل لها، و أصبحت السبحة لا تفارقهم، و هم يهمسون في آذان أتباعهم بان يروجوا الخبر وسط الناس. والبعض الآخر مثل راشد الغنوشي انتابه هوس النبوة و ذهب في اعتقاده أنه مبعوث الله في هذا القرن"ليجدد للأمة دينها"و يعيد لها مجدها. و هلم جرا...
و في غمار هذه "المباراة" اختلط الحابل بالنابل و غدا من العسير على المرء أن يميز الخط الفاصل بين المنافق الذي يريد خداع الشعب و بين الغيور على تراثه و على ذاتيته القومية، بين الذي يلهث وراء كرسي في الحكومة أو وراء صفقة مع هذا الاتجاه أو ذاك و بين الإسهام في نهضة هذا الشعب الوطنية.
و في الحقيقة ما كان لهذه المسألة أن تأخذ مثل هذه الأبعاد، و أن تركب عليها هذه الممارسات، لولا أن هناك واقعا موضوعيا يطرحها بإلحاح. فنحن في بلد مطعون في كرامته الوطنية بسبب سياسة التبعية للامبريالية التي ما انفكت تنتهجها البرجوازية الكبيرة و التي مكنت هذا الوحش الضاري -أي الامبريالية- من التسلل من كل الفلول لضرب كل ما هو أصيل في حضارة شعبنا و محق مميزاته القومية في إطار سياستها التقليدية إزاء الشعوب والأمم الصغيرة و الضعيفة، هذه السياسة القائمة على تجاهل تراثها و تقاليدها التقدمية، و التحقير من قدراتها الفكرية، و الحط من عزَتها القومية، كل ذلك لتسيير استغلالها الاقتصادي و استعبادها السياسي، و تأبيد تبعيتها.
لكن ما من "قطوس يصطاد لربِي" كما يقول المثل الشعبي. فالصراعات الفكرية و السياسية التي إثارتها مسألة "الهوية" بين مختلف القوى السياسية و العائلات الفكرية ليست مجرد رياضات عقلية و لكنها تعكس رؤى طبقية متباينة حول هذه المسألة، مباراة، بين مختلف الطبقات التي تمثلها تلك القوى و العائلات للفوز بالسيطرة على المجتمع. فليس هناك إلا السذج أو المختبلون الذين يذهب بهم الظن أن هذه الصراعات "بريئة" أو أن هدفها "خدمة الوطن".
و حري بنا نحن الماركسيين اللينينيين أن ندلو بدلونا في القضية، و أن نعبر عن وجهة نظرنا فيها أي عن وجهة نظر الطبقة العاملة ، خاصة و أننا مرمى سهام عديدة. سهام:
- ممثلي البرجوازية الكبيرة الذين يقترفون رذيلة الخيانة الوطنية و يتهموننا بها لإبعاد الشبهة عن أنفسهم.
- و القوى الظلامية الفاشية (" الاتجاه الاسلامي" و " حزب التحرير الإسلامي") التي لا تتوانى عن نعتنا و نعت كل الثوريين و الد يمقرا طيينو العلمانيين بشتى النعوت ك " التغريبيين" و " المنبتين" و اللاوطنيين" لمغالطة الطبقات الكادحة و جرها وراء مشروعها ألظلامي الرجعي.
- و أولئك المسمين أنفسهم " الإسلاميين التقدميين" الذين يرددون نفس أقوال القوى الظلامية في خصوص القوى التقدمية.
- و انتهازي " التجمع الاشتراكي" الذين يزعم بعض رموزهم، كذبا و بهتانا، لتبرير اصطفافهم وراء البرجوازية الكبيرة، إن الماركسية اللينينية لا تعير المسألة القومية أية أهمية...إلخ
و إذا كنا مرمى سهام كل القوى الرجعية و الظلامية فلأننا في الحقيقة أعلنا و نعلن أننا معشر الماركسيين اللينينيين امميون، ننتمي لهذه العائلة الكبيرة التي اسمها الطبقة العاملة العالمية التي لم يترك لها تدويل لرأس المال و ما يصاحبه من تدويل لطرق الاستغلال و الاضطهاد أي مجال للانغلاق القومي.
و لأننا أعلنا و نعلن إن هدفنا النهائي، نحن و شيوعيو العالم أجمع، هو تأسيس الجمهورية العالمية للعمال التي ينتفي فيها أي استغلال الإنسان للإنسان، و اضطهاد امة لأخرى بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين، كما هو الحال في ظل النظام البرجوازي الحالي، و التي يتمكن فيها كل شعب من تطوير ثقافته و تقاليده خارج أي ضغط مسهما بذلك في تطوير الكنز الثقافي الإنساني العام.
و هذا لا نخفيه أبدا، بل نعتز به أيما اعتزاز و هو نقطة قوتنا، و قوة الطبقة العاملة المكبلة في مختلف أصقاع العالم بأغلال رأس المال. لذلك فنحن نهتف مع كل بروليتاري العالم " يا عمال العالم اتحدوا".
و لكن هل ان امميتنا، تعني اننا من أنصار العدمية القومية أو اننا منبتون، نبصق على المشاعر القومية للجماهير الكادحة و نعتبرها مجرد رواسب رجعية؟ هل تعني أننا مجرد مناضلين نقابيين يمكن أن نصلح فقط لرفع بعض المطالب الاقتصادية و السياسية(الحريات) و لسنا أهلا لنكون حملة مشروع نهضة وطنية(وهي المهمة الموكولة "للإسلاميين ") حسب زعم احميدة النيفر و صلاح الدين الجوشي؟
كلا و ألف كلا. و من يعتقد ان هذه هي الماركسية الينينية فهو اما جاهل و غبي. و في هذه الحالة لا يمكن للماركسية ان تكون مسؤولة عن جهله و غباوته.و إما انتهازي و في هذه الحالة لا يسعنا الا ان نقول له :" إن لم تستحي فافعل ما شئت"، لكننا نعدك باننا لن نصمت عن اتهازيتك و سنرفع عن عورتك ورقة التوت التي تتخفى بها.
الماركسية تناهض العدمية القومية و لكنها تعادي القومية البرجوازية
ان الماركسية اللينينية لا تناصر العدمية القومية وهي لا تعادي القومية بشكل مطلق، بل هي تعادي على وجه التحديد القومية البرجوازية، بوصفها ايديولوجية رجعية، ايديولوجية رأس المال التي تهدف الى زرع الشقاق بين الامم و تشريع سيطرة الدول الراسمالية الاقوى على الدول الصغيرة او الضعيفة تحت غطاء نظريات عنصرية تروج لافضلية أمة على أخرى أو شعب على اخر' و قد استعمرت تونس و غيرها من البلدان العربية تحت مثل هذه التعلات). كما تهدف الى زرع الشقاق بين كادحي مختلف البلدان و اثارتهم ضد بعضهم البعض و استخدامهم كلحم مدافع في الحروب الاستعمارية التي تثيرها الراسمالية من اجل السيطرة و التوسع فتمنعهم بالتالي من ان يتحدوا في نضالهم التحرري ضد عدوهم المشترك، الراسمالي القومي و العالمي.و لنا كمثال على ذلك الحرب العالمية الاولى و الحرب العالمية الثانية في طورها الأول.و العديد من الحروب المحلية و الجهوية الرجعية الاخرى.
و في تضاد مع القومية البرجوازية، بلورت الماركسية اللينينية، أسس وطنية جديدة، وطنية الطبقة العاملة، الوطنية الاشتراكية القائمة على الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج، اي على اساس انتفاء استغلال الانسان الذي يشكل القاعدة المادية للتناحر القومي في ظل سيطرة البرجوازية. و هذه الوطنية الاشتراكية هي التي عناها كلاسيكيو الشيوعية عندما أكدوا ان الحركة حركة الطبقة العاملة الاممية في مضمونها تأخذ في كل بلد شكلا وطنيا أي إنها تنمو و تتطور على قاعدة الخصائص القومية لكل شعب، على قاعدة ما لديه من تقدمي و جميل في تراثه و تقاليده العريقة و إلا استحال بناء الاشتراكية الذي لا يمكن ان يشيد على العدم او بصورة مجردة. لذلك فغن الأممية البروليتارية لا تعني البتة، كما يزعم المحرفون و المغرضون، لا مبالاة الطبقة العاملة و الشيوعيين ازاء بلدهم ووطنهم بل على العكس من ذلك، فهي تجمع بشكل منسجم بين حبهم اللا متناهي لوطنهمو رغبتهم في ان يروه محررا من كل اضطهاد وطني و اجتماعي، هذه الرغبة التي يحوَََََلونها الى عمل دؤوب و كفاح مستمر من اجا تحقيق الهدف المنشود و بين تاييدهم الكامل لنضال العمال في البلدان الاخرى من اجل الحرية و الاشتراكية و السلم.
ان هذا المفهوم الثوري التقدمي للوطنية و الاممية هو الذي قاد كلاسيكيي الشيوعية على الصعيدين النظري و العملي في مناهضة كل شوفينية قومية و كل اضطهاد قومي و في مناصرة كل قضايا التحرر الوطني العادلة. فماركس نفسه، واضع اسس الاممية البروليتلرية، و مبدع (بمعية انجلس) شعار يا عمال العالم اتحدوا. و هو الذي أطلق تلك القولة الشهيرة:" إن شعبا يضطهد شعوبا أخرى لا يمكن أن يكون حرًا" و ساند بتماسك كل قضايا التحرر القومي العادلة التي طرحت في عصره، و من ضمنها القضية الايرلندية.
أما لينين فقد تزعم أول ثورة اشتراكية ظافرة في تاريخ البشرية، قدَمت حلولا ثورية ملموسة لمسألة القوميات التي كانت ترزح تحت نير القيصرية الرَهيب، مقدمة للبشرية مثالا حيا على ان العلاقات بين قوميات مختلفة ان تقوم على اساس من الخاء و الاحترام و التعاون، شريطة القضاء على النظام الرأسمالي و الامبريالي و بناء الاشتراكية. و قد تمكنت مختلف القوميات في ظل الجمهورية السوفياتية من الحفاظ على ذاتيتها بل وعلى تطويرها و دفعها على اسس سليمة و تقدمية. و علاوة على كل هذا فان أعمال لينين النظرية السياسية المفعمة بالدفاع عن النضال القومي للشعوب و الأمم المقهورة، و المليئة حقدا على الظلم القومي و الشوفينية البرجوازية بما فيها شوفينية بورجوازية بلده لا تحصى و لا تعدُ. و قد قاوم لينين النزعة الاشتراكية الشوفينية التي كان ابطالها زعماء الأممية الثانية من امثال كاوتسكي و شايدمان،وغيرهما، الذين اصطفُوا وراء بورجوازيات بلدانهم في نهبها و اضطهادها للمستعمرات، و في الحرب العالمية الامبريالية الاولى. و تفطن لينين الى الدور الهائل للحركة التحررية للشعوب و الامم المضطهدة في السيرورة الثورية في عصرنا الحالي. و بلور "تلاحم الثورة الاشتراكية في البلدان الراسمالية و الثورة الديمقراطية المعادية للامبريالية في المستعمرات و البلدان التابعة في الشعار الشهير:" يا عمَال العلم، يا شعوب و امم العالم المضطهدة اتَحدوا". و قد وجدت هذه الامم( بما فيها العرب) في الجمهورية السوفياتية قبل ان تنحرف و تتحول الى امبريالية بعد ستالين خير سند في كفاحها التحرُري
و في خصوص هذا الاخير، فبالاضافة الى مواصلته لعمل لينين الجبَار في ارساء علاقات الأخوَة و الاحترام المتبادل بين مختلف القوميات المنضوية تحت لواء الجمهورية السوفياتية الكبرى، فانه قاوم بحزم على الصعيدين النظري والسياسي في الساحة العالمية شوفينية البلدان البورجوازية التي بلغت اقصاها مع النازية و الفاشية المسؤولتين عن اندلاع الحرب العالمية الثانية، و ازر قضايا التحرُر الوطني في كامل انحاء المعمورة، بل وكان للاتحاد السوفياتي بقيادته دور محدَد في الاطاحة بالوحش النازي، و تخليص شعوب العالم من هوله. وليس ثم ابلغ من هذه الفقرة لحوصلة موقف ستالين الاممي من المسألة القومية.
" يقدًر أناس في بلد السوفيات، ان لكل أمة، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، خصائصها النوعية، و طابعها المميًز الدي تنفرد به دون سواها، و لا تشاركها فيه الأمم الأخرى، و هي خصائص تشكل إسهام كل امة في الكنز المشترك للثقافة العالمية يكمله و يثريه. و في هذا المعنى فان كافة الأمم صغيرة كانت ام كبية، في وضع متساو و ليس هناك امة أفضل من اخرى.". (ستالين-الماركسية و المسألة القومية و الكولونيالية-دار نورمن بيتين 1974 )
و تشكل البانيا البلد الاشتراكي الوحيد اليوم في العالم، بعد الردصة التحريفية في الاتحاد السوفياتي و بلدان الديمقراطيات الشعبية سابقا، مثالا حيا على الربط الخلاًق بين الوطنية الاشتراكية و الاممية البروليتارية. فالشعب الالباني لم يعرف نهضة وطنية شاملة، في الاقتصاد و السياسة و الثقافة كالتي عرفها بقيادة الحزب الشيوعي(حزب العمل حاليا) و هو أمريعترف به حتي أعداؤه الذين يشهدون له بانه قضى على كل تبعية للامبريالية، و غلى الفقر و البؤس و الأميًة و البطالة، و بانه ارتقى بثقافة الوطن الى درجة عليا، فازدهرت حركة الادب و الفن و العلم فيه و ان شعور الذل و الخذلان القومي الذي حاول ان يزرعه فيه غزاته بتواطئ مع الرجعية المحلية في العهود الماضية، ترك مكانه للشعور بالعزة القومية و الثقة في النفس. و في الان ذاته تسلك ألأبانيا الاشتراكية على الصعيد العالمي سياسة اممية ثورية معادية للامبريالية و مناصرة لكل قضايا التحرر الوطني و الاجتماعي بما فيها قضايانا العربية. و تنعكس هذه الروح في الثقافة الألبانية التي تطفح بالمشاعر الانسانية و الحب للشعوب الاخرى و الاحترام لتراثها و تقاليدها النيرة و التقدمية.
هذا هو مضمون الاممية البروليتارية. و هو كما نرى يتنافى بصورة قطعيًة مع الكونية (الكوسموبوليتية) التي تشكل سلاحا ايديولوجيا بيد الامبريالية لضرب الاستقلال الوطني للشعوب و إخضاعها اقتصاديا و سياسيا. ففي تضاد مع الاممية البروليتارية تشيع هذه النظرية في صلب الطبقة العاملة و الشعوب روح اللامبالاة إزاء المصالح و التقاليد و الثقافة الوطنية بدعوى ان لكل انسان وطنا واحدا هو العالم. و تحت هذا الستار تسعى الامبريالية الى ضرب كل المميزات القومية لمختلف الشعوب، و احلال ثقافتها و قيمها الفاسدة و المتعفنة محلها. و قد قاوم الماركسيون اللينينيون بشدة التحلل "الكوني" منذ ظهوره على الساحة اليديولوجية.
مفعمون بالعزًة القومية و لكن...
تعرًضنا في الفقرات السابقة بعجالة لموقف الماركسية اللينينية العام من المسألة القومية. وسنمر الان الى بيان موقفنا نحن الماركسيين اللينينيين التونسيين منها حتًى نسحب البساط من تحت اقدام كل الرجعيين و الانتهازيين الذين لا ينتعشون الا في الغموض، و قد ساعدهم على ذلك مصادرة الحرًيات السياسية و عدم توفر الفرصة لكلً تيًار فكري او حركة سياسية لكي بعبًر في العلن و باللغة التي تريد عن موقفها من كل القضايا.
و من البدء يهمُنا ان نعلن اننا، معشر الشيوعيين(الماركسيين - اللينينيين) التونسيين لسنا من أنصار العدمية القومية، و اننا نعادي الكونية كنظرية امبريالية أشد عداء بل نحن مفعمون بالعزة القومية و قلوبنا تطفح بالمحبًة للغة الضاد و لهذه الأرض الطيبة التي تحتضن الملايين من جماهير شعوبنا من الخليج الى المحيط. ولكن الفارق بيننا و بين خصومنا يكمن في الموقع الطبقي الذي يتناول منه كل منا هذه المسألة. فاذا كانوا هم يتناولونها من موقع الدفاع عن مصلحة البورجوازية او البورجوازية الصغيرة القومية، فنن نتناولها من زاوية المصلحة العليا للطبقة للطبقة العاملة. و هذا الموقع يتخلل نظرتنا، كما يتخلل نظرتهم لماضي شعبنان و الشعوب العربية عامة و حاضرها و مستقبلها.
أولا و قبل كل شيء نحن نقرُ ان هذه البلاد -تونس- كانت لها قبل ان تستعرب ما بين القرنين الثامن و العاشر ميلادي حضارة، و نقاوم بكل حزم النظرة الشوفينية التي يروًجها القوميون البرجوازيون و الشوفينيون الدينيون(الاسلاميون) و التي تعتبر ان تاريخها لم يبدأ الا مع استعرابها و دخولها دين الاسلام، او ان سكانها اصلهم عرب... الى غير ذلك من الطروح المنافية الحقائق التاريخية. و من موقعنا المذكور نعتزُ بالحضارة البربرية، كما نعتز بحنًبعل و يوغرطا، و نتعاطف مع مقاومة السكان الأصليين (البرابرة) و استماتتهم في الدفاع عن ذاتيتهم في وجه غزاتهم.
و نحن نعتبر ايضا ان تاريخ المغرب العربي الحالي عموما ام يبدأ منذ مجيء العرب فقط ولكنه أعمق من ذلك بكثير و أن هناك شعبا بربريا عاش على هذه الأرض طوال قرون، و له حضارته، و ان هذه الحضارة هي جزء من حضارته اليوم بعد ان استعرب.
و كذلك بالنسبة لمصر، مصر أبو الهول، و الأهرام...الخ. فنحن لسنا من دعاة دفن ماضي هذه البلاد الفرعوني، و تحطيم اثاره بدعوى انها وثنية.كما ينادي بذلك "الاخوان المسلمون" والفرق الدينية الشوفينيةالاخرى.بل نعتبره انه من حق المصري بل من واجبه ان يحافظ على هذه الاثار كجزء من مخزون الانسانية الثقافي الدذي يعكس مرحلة معيًنة من تاريخها في مصر.
و من نفس المنطلق نعتبر ان الاستعراب الكامل لبلاد ما بين النهرين، لا ينبغي ان ينسي الحضارات العظيمة التي شيدت في هذه المنطقة و منهاالضارتان البابلية و الاشورية اللتان لعبتا دورا تاريخيا كبيرا في المنطقة و تركتا اثارا، و مخزونا ثقافيا هاما، لا بد من صيانتها. وينبغي على اهل العراق اليوم ان يعتزُوا بحمور ابي الذي عاش على ارضهم و كان- حسب ما بينته العلوم التاريخية الى حد الان- واضع اول مجلة قانونية في العالم.
و يمكننا أن نعمم هذا الموقف على كل الشعوب ذات الحضارات القديمة و التي استعربت لاحقا. و حتًى بالنسبة للجزيرة العربية، مهد الديانة الاسلامية، و التي انطلقت منها الحملات التي تأسست على قاعدتها الامبراطورية العربية-الاسلامية، فنحن لا نعتبر ان ما وجد قبل الاسلام "جاهلية" و كفر، و ان ليس من شيء حسن الا وجاء به الاسلام.نحن نقدر ان شعب الجزيرة خلف ماثر كثيرة منها تلك الحضارة العظيمة التي شيًدت في في الجنوب(مملكتا تدمر و سبأ) ومنها ذلك الشعر الصيل الذي خلفه لنا امرىء القيس، عروة بن الورد، و الشنفرى،و عنترة... و غيرهم و الذي يحمل وصفا دقيقا لحياة العرب قبل ظهور الاسلام. كما نفقدر انه ما كان بالامكان ان تنشأ حضارة عربية كالتي ظهرت منذ أواخر القرن السادس ميلادي، دون ان تكون لها جذور في التاريخ، و نشعر بالاحتقار ازاء تلك النظرة التبسيطية و التسطيحية المنافية للعلم التي يدرًس بها تاريخ الجزيرة او التي يروج لها الشوفينيُون الدينيون و التي تقدمه على انه كان خلاابا و جهلا و كفرا، فجاء الاسلام فانقلب الأمر رأسا على عقب.ففي هذه النظرة نكران لحقبة هامة من حياة شعب الجزيرة و تجن عليها ينبغي ان تحظى بالعناية.
نحن مع عدم نكراننا لماضي الحضارات التي شيًدت هنى و هناك في الوطن العربي، فاننا فخورون بانتمائنا للقومية العربية الذي يرجع الى قرون عديدة، والذي تم في ظروف تاريخية ليس المجال هنا لشرحها.
و نعادي أشد العداء الدعوات الاقليمية لايديولوجيًي البرجوازية الكبيرة الذين يمتدحون ماضي تونس الفينيقي، او القرطاجني و ماضي مصر الفرعوني لينكروا انتماءهما العربي الراهن و ليخدموا مصلحة الامبريالية القائمة على مبدأ " فرًق تسد".
نحن فخورون بالانتماء لهذه القومية التي قدًمت للانسانية اعمالا جليلة و روًادا في الرياضيات و الطب و الفلك و شعراء و أدباء و فنًانين كبارا لن يقدر ايديولوجيو الامبريالية على محوهم من الذاكرة الانسانية مهما تفنًنوا في المغالطة و التحريف.
نحن نشعر بالاعتزاز عندما نعرف ان هذه القومية انشات المعتزلة و ابن رشد و أبا العلاء المعرًي و غيرهم ممًن أعطوا للعقل مكانة هامة في التفكير العربي و حرَروه- الى حدً بالطبع - من قيود الجبرية و الاستسلام فكانوا خير مواصل للجوانب المضيئة في الفلسفة اليونانية، بل و يرجع الفضل لبعضهم-ابن رشد- في تعريف الوروبيين بعظماء الفلسفة ( أرسطو مثلا). كما نشعر بالاعتزاز القومي عندما نعرف ان هذه الأرض الطيبة أنجبت جابر ابن حيان و بن الجزار و بن البيطار و بن زهر و بن الهيثم و المقريزي و الادريسي و غيرهم ممَن أبدعوا في ميادين الرياضيات و الطَب و الفلك و الجغرافيا فاتحين مرحلة جديدة في العلوم الصحيحة. و قد أكد انجلز أحد مؤسسي النظرية الشيوعية هذه الحقيقة بقوله:
" فأسس العلوم الطبيعية الصحيحة قد وضعت من قبل اغريق المرحلة الاسكندرية بادئ الأمر،و من قبل العرب فيما بعد، و في القرون الوسطى"(ف.انجلس-أنتي-دوهرنغ-ط.دار دمشق-تعريب الد. فؤاد أيوب-ط جامعية 1981-ص.27).
و يغمرنا نفس الشعور أيضا عندما نعلم ان اصحاب "رسالة الغفران" و "المقامات" و " البخلاء" هم من اسلافنا المبدعين في وصف أحوال عصرهم بعبارة أدبية صافية و ذكية. وان من بينهم ايظا الخليل بن احمد الفراهيدي واضع العروض، و غيره من اللغويين الذين صنَفوا أولى المعاجم العربية.
إن نفس هذا الشعور بالعزة القومية، يغمرنا أيضا عندما نلتفت الى ماضينا فنجد فيه اباذرَ الغفاري و القرامطة، و غيرهم ممن قاوموا الظلم و الاستبداد و رفعوا راية المساواة و العدل في وجه الطغاة الجائرين.
مما يزيدنا اعتزازا ان القطر التونسي قد ساهم في صنع هذا البناء الحضاري الشامخ عن طريق أسماء لمعت في تاريخ الطب كابن الجزار و الرياضيات كالقلصداوي و الأدب كابن رشيق و التاريخ كابن خلدون.
لكن هذا الشعور بالعزة القومية لا يعمينا عن الاعتراف بالجميل للعديد من عظماء الرجال المنحدرين من اقوام أخرى و خاصة من بلاد فارس وأسهموا ايما اسهام في تطوير الحضارة العربية بما كتبوا و أبدعوا بلغتنا من أمثال الطبيب ابن سينا و اللغوي سيبويه الذي وضع أسس النحو العربي و عبد اللَه بن المقفع مترجم كليلة و دمنة و غيرهم كثير.
غير أننا و إن كنا نشعر بالعزة القومية أمام هذه الاسهامات التلريخية العظيمة الشان فاننا لا نخفي ابدا، الجوانب المظلمة من تاريخنا القومي.نحن لا نخفي ازدراءنا الاستغلال الاجتماعي الفظيع الذي استهدف الطبقات الشعبية لقوميتنا طوال قرون عديدة من قبل الاقطاعيين و الاسياد و العسكريين. و من الاستبداد الفكري و السياسي الذي عرفته ربوعنا. فبين ظهرانينا نشأ ألف حجاج، و اصبح "السفاح" من ألقاب أمرائنا، و تفنن حكام اسلافنا في خلق أساليب التعذيب الوحشية التي لا يتصوضرها الخيال و التي عدَ بعضها مثل قطع اليد و الرجم و بتر الأعضاء من سبيل المقدسات الشرعية، و قد ذهب ضحية هذا التعسف اكثر من مفكر و أديب كبير بدعوى الزندقة فنكل بالمعتزلة، و أحرقت كتب بن رشد و جلد بشار حتَى الموت و اعدم بن المقفع الخ... و ينتابنا شعور بالاستياء عندما ننظر الى ماضينا القومي، فنلاحظ تلك المهانة الكبيرة التي خصَ بها النساء. فابيح تعدُد الزوجات، و التسرَي و الاماءو الجواري، حتي أصبحن يملأن بلاطات خلفاء و أمراء أفنوا أعمارهم في السكر و الدعارة، و يكفي القارئ أن يلقي نظرة على الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني و على كتب التاريخ حتى يتبين المظالم الكبرى التي ألحقتها الطبقة الاقطاعية بذلك الكائن النبيل.
و ينتابنا هذه الشعور أيضا أمام ما يقدمه لنا تاريخنا القومي من مظاهر الجور التي مارسها الحكام الاقطاعيون العرب تجاه القوميات الأخرى. فنحن نستاء مما ألحقه هؤلاء بالفرس من اضطهاد قومي و نقر بشريعة الكفاح الذي خاضه هؤلاء دفاعا عن ذاتيتهم و اتخذ أشكال عدة و قد عرفت حركتهم في الأدب "بالشعبوية" التي كان بشار بن برد و ابو نواس من روادها. كما نستاء من القهر الذي تعرضت له الأديان الأخرى الذين ظلوا معتبرين "كفرة" من " أهل الشيطان" و في أحسن الحالات، من "أهل الذمة". و سلطت عليهم مظالم كالجزية خاصة، و حرما من حقوقهم السياسية...
نحن لا ننكر هذا الماضي و لا نسعى الى تبريره و تجميله بشتى الطرق، و لسنا ممن يعتبرون ان العرب " خير أمة أخرجت للناس" و لكننا نقدر أن تاريخ كل امة يحمل في طياته الأنوار و الظلمات.لذلك لا تنتابنا العقد عندما نتحدث عن ماضينا و لا نخجل من نقده و من وضع كل ظاهرة في سياقها التاريخي بالاعتماد على سلاحنا العلمي، سلاح المادية الجدلية و التاريخية.
غير ان تاريخ قوميتنا لم يتوقف عند هذا الحد الذي تطورت فيه الحضارة العربية تطورا هائلا، فقد جاء عهد تكلس فيه الفكر العربي و توقفت العلوم عن التطور، و سادت عقلية "النقل" و "التقليد" تحت ضربات المذاهب المحافظة و الحكام الجائرين. و من وقتها بدأ عهد الانحطاط العربي، فوقعت هذه القومية تحت نير الاضطهاد العثماني ثم تحت نير الاضطهاد الاستعماري و الامبريالي.
و نحن كماركسيين لينينيين ينتابنا الألم و الحسرة عندما نعاين ما اصبحت عليه أحوال هذه القومية في عصرنا الحالي.فهي ممزقة، مشتتة، ينهب ثرواتها و خيراتها الهائلة الامبرياليون و الامبرياليون الاشتراكيون و الصهاينة. و ما كان لهؤلاء ان يعيثوا فسادا في هذا الوطن ، لولا الطغمالبرجوازية و الاقطاعية التي تحكم اقطاره و تمرغ الشرف و الكرامة القوميين في الوحل. و هي تصبح و تمسي على الخطب الرنانة حول العروبة و حول "قضية العرب المركزية" القضية الفلسطينية، و هي في الواقع تبيع هذا الوطن بالمزاد العلني للامبرياليين و تشكل منهم مستشاريها و حرَاسها و تطعن الشعب الفلسطيني بالف خنجر، و لم تفلح الا في حياكة الدسائس ضدَه و ضدَ بعضها، في الوقت الذي تعجز فيه على ان ترفع التحدي الصهيوني و لو لحظة واحدة عن اجزاء ارضها المحتلة. و قد اصبح المواطن العربي في ظلَ حكم الطوائف هذا، يخجل في ياعات اليأس من انتسابه القومي، و يغمره الخذلان و يتمنى لنفسه الموت على يعيش هذه المهانة.
قومية يكدح عمَالها و فلاَحوها من الصبح الى المساء و لا يحصلون على قوت يومهم. و يموت فيها الالاف جوعا و اراضي قطر واحد من أقطارها يمكن ان تسد حاجياتها كاملة من الحبوب.
و هي بقدر ما كانت مركزا للاشعاع الحضاري و الثقافي بقدر ما اصبحت نموجذا في التخلف و الأمية.
قومية نساؤها مازلن يرزحن تحت نير الاضطهاد الأبوي و يملأن حريم الذين لم يبقى للشرف عندهم من معنى سوى في تلبيس "حوَاء" حجابا و يعد فيها تعدد الزوجات "رحمة و رأفة بالمرأة" و يعتبر فيها مشاركتها في الانتخابات كفرا والحادا...قومية محكومة بالحديد و النار معتقلاتها تنافس مدارسها و مستشفياتها عدًا و لا تزال تقطع فيها الرؤوس بتهمة الزندقة، و يرجم الناس و تقطع اليدي و يناقش على صفحات بعض جرائدها ان كانت اليد المقطوعة ملكا للحكومة او لصاحبها.
النهضة القومية آتية لا ريب فيها:
هذه هي احوال قوميتنا التي تدمي قلوبنا. لكننا بالرغم من ذلك نشعر بالعزة لان هذه القومية لم تنجب الخونة و العملاء و الجلاَدين والمجرمين فقط بل أنجبت أيضا أبناء بررة يعدُون بالملايين و ما انفكوا يفدون هذا الوطن الكبير بأرواحهم و يسقونه بدمائهم.
نحن نشعر بالعزة القومية عندما تجول بخاطرنا صورة المجاهد الجزائري... صورة جميلة بوحيرد وصورة الفدائي الفلسطيني الذي ضرب أروع المثال في البطولة و الدفاع عن شرف هذه القومية... و صورة سناء يوسف عروس لبنان بمسلميها و مسيحييها، و تزداد هذه العزة شموخا عندما نرى ان هذه القومية قد انجبت عملاقا جبَارا مازال عوده يافعا لا محالة، غير انه ما انفك يتدرب الصراع و يتأهب للانقضاض النهائي على العدو الوطني و الطبقي و هذا العملاق هو ملايين العمَال الذين اصبحوا يشكلون في معظم الأقطار العمود الفقري لنضالها الاجتماعي و الوطني.
ان كل العناصر الايجابية التي تبعث فينا الاعتزاز، هي التي تغمرنا بالامل بان النهضة القومية العربية آتية، لا ريب فيها، بل ان العاصفة الثورية التي بدأت تهب فيها تؤكد ان كل الشروط اصبحت متوفرة لهذه النهضة غير اننا نحن الماركسيين اللينينيين، لسنا مثاليين، لا نحلم " بنبوات" جديدة من شأنها ان تحقق هذه النهضة، و لا بقيام صلاح الدين من قبره ليحرر القدس. بل نعتبر ان كل شعب يبني نهضته وفق ظروف عصره. و ليس وفق أوهام بعض مثقفيه أو دجَاليه . و عصرنا الحالي، هو غير عصر العرب منذ 15 قرنا خلت. فقد تغيرت المعطيات الفكرية و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية للعصر و من واجب شعوبنا أن تأخذ بعين الاعتبار هذا التغير، لا أن تبقى تمجَد السَلف الصالح و تندب حظَها، و تنتظر إحدى المعجزات لإنقاذها لان ذلك لن يجديها نفأخرى.عصرنا يتميز بكونه، يقابل بين قوتين أساسيتين هما الرأسمالية و الامبريالية و التي تمثلها اليوم على حدَ السواء الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوفياتي و الصين و انجلترا و فرنسا و ألمانيا و غيرها. من جهة الاشتراكية، هذه النظرية التي استوعبت كل ما هو تقدمي في تاريخ الإنسانية بما فيها تاريخنا العربي، و ما حققته العلوم المعاصرة من تقدم هائل، لتطرح فكرا ثوريا جديدا متماسكا يقطع مع نقائص الفكر التقدمي الماضي من جهة أخرى . و قد وافق ظهور هذه النظرية بروز طبقة العمال التي تشكل الاشتراكية العلمية(أو الماركسية اللينينية) التعبير الواعي عن مصالحها، و هي الطبقة المحورية للسيرورة الثورية لعصرنا و التي عبَرت عن قدرتها على النضال و التغيير في أكثر من مرة و في أكثر من بلد(الاتحاد السوفياتي بقيادة لينين و ستالين، ألبانيا...)
هذه المعطيات الأساسية لعصرنا و التي يندرج فيها نضال القومية العربية من اجل نهضتها و هي غير معطيات القرن السادس أو العاشر ميلادي. و لا يمكن البتة الاعتقاد في أي نهضة إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار لان محاولة طمسها، و الاكتفاء بالتغني بالماضي لن يقود إلاَ إلى المآزق. إن ماضينا القومي، لا يفيدنا إلا بقدر ما نستلهم منه و ليس بنقله. و من هذه الزاوية ينبغي أن نستلهم من أسلافنا نهلهم من ثقافات عصرهم، و استيعابها دون عقد ضمن خصائصهم القومية و تمكنهم على قاعدة ذلك من تقديم إسهامات كبرى في ميادين الطب و الرياضيات و الفلك و الأدب و الفن...
و من المتأكد أن أسلافنا لو توقفوا في حدود لوك الماضي لعجزوا عن تقديم أي شيء. و ليس أدل عن ذلك من عصور الانحطاط التي تميزت بتوقف العرب عن "الاجتهاد" و التفكير باهتمامهم بتقليد "السلف الصالح". لذا يصبح من واجب شعوبنا اليوم أن تستفيد من تطور العلوم، و من الماركسية اللينينية، النظرية الثورية لعصرن. و على الطبقة العاملة في الأقطار العربية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، بعد أن ثبت الفشل الذر يع للبرجوازية القومية الخاضعة للرأسمال العالمي و المنضوية تحت البعث أو الناصرية أو الأحزاب المسماة زيفا شيوعية عربية، في التقدم خطوة واحدة بقضية العرب، أن تتحمل مسؤولياتها في قيادة العملية الثورية التحررية من نير الهيمنة الامبريالية و الرجعية في كل قطر من هذه الأقطار، و من الأكيد أنها لا يمكن أن تقوم بهذه المهمة، دون أن تتوفر لها هيئة أركانها " الحزب الشيوعي"(الماركسي اللينيني)، الذي يطرح على الماركسيين اللينينيين في كل قطر تكوينه، و تحقيق انصهاره بطبقته و التفاف الشعب حولهما.
ونحن نعتبر كشيوعيين (ماركسيين ليينين) أن نهضتنا القومية ليست ذات بع ديني لأن صراع شعوبنا مع أعدائها الوطنيين ة الطبقيين ليس صراعا صليبيا، تحرَكه أغراض دينية. و لكنه صراع يحركه (الاستغلال و الفقر و النهب) و سياسي( القمع و الإرهاب و القهر) و ثقافي (التجهيل و تذويب الشخصية القومية) و بالتالي فان نهضة هذه الشعوب التي يعمل من أجلها الشيوعيون (الماركسيون اللنينيون) الحقيقيون هي:
أولا: اقتصادية؛ لان العرب إذا لم يضعوا أيديهم على ثرواتهم و خيراتهمالطبيعية و في مقدمتها البترول لتوظيفها في خدمة مصالحهم الوطنية، ولم يكنسوا كل وجود امبريالي بأقطارهم كنسا نهائيا و لم يتملكوا التكنيك العصري و لم يسدوا حاجياتهم بأنفسهم فمن واجبهم أن يطرحوا من بالهم إمكانية تحوَلهم إلى أمة حرة.
ثانيا: اجتماعية؛ لأن شعوبنا إذا لم تقضي على الفوارق الاجتماعية، و لم ترس العدالة بين ظهرانيها و ذلك وسائل الإنتاج من ملكية خاصة إلى ملكية اجتماعية. و إذا لم تحرر آخر فقير من قيود فقره و لم تشغل آخر بطال فلا يمكنها أن تحلم باستعادة عزتها القومية.
ثالثا: سياسية؛ لأن نهضة دون القضاء على الاستبداد الفكري و السياسي و دون إقرار نظام ديمقراطي بحق قائم على سيادته الشعب، يكنس إلى الأبد كل تعسف طائفي أو ديني، وكل تعد على حقوق الكادحين في التعبير و التنظيم و التظاهر، و يقبر بلا رجعة الممارسات المشينة التي لا تزال قائمة في بعض أقطارنا من قطع للأيدي و جلد و رجم و غيرها، و يعطي السلطة للشعب.
رابعا: ثقافية؛ إذ لا نهضة قومية أيضا دون نشر المعارف العلمية و القضاء على الأمية قضاء تاما، و دون تطوير آدابنا و فنوننا و علومنا، بالاعتماد على ما في مخزوننا الثقافي من تقدمي و جميل، و على ما حققته الإنسانية من مكاسب.
هذا هو مضمون النهضة الذي يستجيب لظروف عصرنا، و الذي من شأنه أن يعيد لشعوبنا العربية عزتها. و هو مضمون له أبعاد إنسانية تقدمية علمية خال من كل شوفينية و عرقية و تعصب ديني، يربط مع نضال الشعوب الأخرى من أجل التحرر الوطني و الاجتماعي و يدعمها. و من الواضح، و هو ما أكدته التجربة التاريخية أن لا قوة اجتماعية غير الطبقة العاملة تقدر على تحقيق هذه المهمات بتماسك لأنها الطبقة الوحيدة التي تتعارض موضوعيا مصالحها مع الامبريالية و مع رأس المال و كل بقايا المجتمع الإقطاعي حتى النهاية، و لأنها الطبقة الوحيدة التي يملك فكرا(الاشتراكية) قادرا على رسم السبل الموصلة إلى هذه الغاية. و نحن كماركسيين لينينيين، نتحرك ضمن القطر التونسي فأن رسالتنا تتمثل في أن نعمل من أجل تحقيق الأهداف المذكورة ضمن حدودنا و من الأكيد أن الماركسيين-اللينينيين في الأقطار العربية الأخرى سيقومون إن عاجلا أم آجلا بما هو منوط بعهدتهم. إن الماركسيين اللينينيين لا يختارون ظروف نضالهم، و لكنهم يعملون ضمن ظروف موضوعية موجودة و مستقلة عن إرادتهم يسعون إلى تغييرها
أمميون و أمميتنا مادة جذورها في وطننا
أمميون و أمميتنا مادة جذورها في وطننا
هذا هو نحن الماركسيين اللينينيين التونسيين، إننا أمميون. ولكن أمميتنا مادة جذورها في تربة هذا الوطن. نحن الورثة الشرعيين لكل ما هو نير و ايجابي في تاريخه. لا ندافع عنه بالكلام فحسب و لكن نفديه بكل غال و نفيس، و لا نكتفي بالتأمل فيه في متحف التاريخ و لكن نستلهم منه و نطوره متجاوزين حدوده و نقائصه. و بعبارة أخرى نحن تواصل لابن رشد و لكل رموز العقلانية في تاريخنا الذين شكلوا منارة العرب في العصور السالفة. و لكننا لسنا تواصلا لهم بالمعنى السطحي للكلمة. لسنا مجرد ناقلين عنهم أو مكيفين لأفكارهم مع عصرنا، بل تواصل لهم بمعنى إننا استوعبنا ما حققته البشرية من مكاسب معرفية منذ عصرهم على ضوء تقدم العلوم و الحياة الاقتصادية، (وهي المهمة التي قاموا بها هم في عصرهم ليقدموا ما قدموا من إسهامات) لتسليح شعبنا بمفهوم أرقى لتطور الطبيعة و المجتمع، و الذي تمثله نظرية المادية الجدلية و التاريخية التي تشكل تجاوزا للطابع المثالي و الميتافيزيقي لعقلانيتهم و قطيعة معه.
نحن تواصل لأبي ذر الغفاري و لكل رموز مقاومة الاستغلال و القهر في تاريخنا. و الطبقة العاملة هي طبقة "العبيد" و "الأقنان" المعاصرة. و لكننا لسنا تواصلا لهم أيضا بالمعنى التسطيحي للكلم أي أننا لسنا مجرد دعاة "للعدل" و "الإخاء" فقط...
و لكننا تواصل لهم بمعنى أننا نحن الممثلون الحقيقيون للقوى الرافضة للاستغلال في عصرنا مثلما كانوا هم في عصرهم، مع الفارق أن بيننا و بينهم قرونا من الزمن و أن العدل الاجتماعي في عصرنا أصبحت قاعدته في التطور المادي للمجتمع البشري، و أصبحت هناك نظرية صحيحة(الاشتراكية العلمية) تحدد كيف يتحقق، بين كان هذا الشعار في عهد أبي ذر الغفاري و أمثاله من التقدميين شعارا مثاليا، غير ممكن التحقيق لعدم توفر الشروط الموضوعية و الذاتية لذلك مما جعل الغلبة تكون للطبقات الإقطاعية التي كانت تمثل طبقات عصرها. و لئن كانت الطبقة العاملة هي طبقة "العبيد" المعاصرين فهي ليست أيضا ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة. و لكن بمعنى أنها الطبقة الأساسية المنتجة للخيرات المادية في عصرنا و التي تتعرض لاستغلال فاحش مع الفارق أن بين ظروف العبيد من جهة و الطبقة العاملة من جهة ثانية بونا واسعا في كيفية استغلالهم، و في أن هذه الطبقة و هو الأهم جاءت في ظرف - ظرف نمط النتاج الرأسمالي- أصبح فيه- بحكم التطور الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي للمجتمع – تحرير نفسها و تحرير كافة المجتمع من استغلال الإنسان للإنسان أمرا ممكنا بينما كان في العهود السابقة مجرد حلم طوباوي.
هكذا، إذن، نمثل نحن الماركسيين اللينينيين، في العصر الحالي لقوميتنا المكافحين الحقيقيين من أجل نهضتنا الوطنية، لأن الاشتراكية التي نرمي إلى إرسائها تعني الخلاص للوطن، و ستفتح له الطريق نحو الارتقاء كما تعني صيانة ثقافته و تراثه و تقاليده بكل ما فيها من تقدمي و جميل، و المضي بها قدما إلى الأمام من أجل مكاسب جديدة.
خصومنا بين التقوقع في الماضي
و" الحلم الغربي"
و الآن بعد أن حاولنا أن نبين موقفنا من مسألة الهوية، نمر إلى استعراض مواقف خصومنا. و سنركز بصورة خاصة على الذين لم يفتضحوا بعد بما فيه الكفاية. سنبدأ ب "حركة الاتجاه الإسلامي" التي تطرح نفسها كبديل للواقع الحالي، و كوصي على " التراث" و على "الحضارة العربية الإسلامية" ثم سنعرج على مواقف التيار القومي البرجوازي و بعض التيارات الليبرالية الأخرى من هذه المسألة. و أننا لا نرى فائدة من التعرض في هذا المجال إلى موقف ممثلي البرجوازية الكبيرة، أي موقف التبعية إلى الغرب الذي يعكس التبعية الاقتصادية و السياسية ، لان هذا الموقف افتضح، و ما كان لهذه القضية أن تطرح لولا هذه التبعية و ما نجم عنها من ضرب للشخصية الثقافية لشعبنا.
إن ما يميز " الاتجاه الإسلامي" هو انه يتستر بشعار "التمسك بالحضارة العربية الإسلامية" لإخفاء مفاهيم و ممارسات موغلة في الرجعية تتنافى مع شروط كل نهضة وطنية لشعبنا. فباسم هذا الشعار و مقاومة "التغريب" يغرق " الاتجاه" شعبنا في غربة أخرى، غربة عن حاضره و مستقبله، غربة عن مكتسبات الإنسانية التقدمية الفكرية و العلمية، و من البديهي، إن مثل هذه النظرة لا تقود، شاء أصحابها أم لم يشاؤوا، إلا إلى إبقاء شعوبنا غارقة في التخلف،و هو ما يجعلها باستمرار فريسة للهيمنة الأجنبية.
فعلى المستوى الفكري، ينظر "الإسلاميون" إلى الحضارة العربية الإسلامية، نظرة إطلاقية تغيب فيها كل روح نقدية، بل انه يحصر كل تراث العرب و الإنسانية في القران و السنة الذين يخرجهما عن كل مكان و زمان و يحولهما إلى إكسير صالح لكل شيء، معتبرا كل تجديد بدعة و كل إعمال للعقل بدعة. و هذه النظرة السكونية، الجامدة هي نظرة عصر الانحطاط التي تبرز لنا الإسلاميين كورثة شرعيين لمذاهب هذا العصر السائدة الزارعة للعجز، للاعقلانية الغزالي، و لجمود ابن تيمية و ابن حنبل. و مثلما رمى هؤلاء السكونيون كل عقلانيي الحضارة العربية من أمثال رشد و المعتزلة، و أبي العلاء بالكفر و الزندقة’ معتبرين أن كل تفكير من شأنه أن يسقط في الابتعاد عن " الدين" فان "الإسلاميين" يواصلون نفس ما قام به أسلافهم. فعلاوة على مشاركتهم نفس النظرة لأعلام الحضارة العربية’ فأنهم يقومون بنفس المهمة القذرة تجاه القوى التقدمية في عصرنا، التي تعمل من أجل النهضة الفكرية لهذا الوطن. فتراهم يستنكفون من ذكر محمد عبده و يرمون علي عبد الرازق بالكفر، و يكلون شتى التهم للطاهر الحداد، و ينعتوننا نحن الماركسيين- اللينينيين "باللا وطنية"و " التغريب". و هكذا يتحول التمسك بالحضارة العربية الإسلامية لدى "الإسلاميين" إلى و سيلة لقتل ملكة التفكير عند شعبنا، و إسقاطه في الجمود، و التصدي لكل تطور أو نهضة فكرية و رمي كل مجدد بالكفر و الزندقة. و هي وسيلة أيضا للحيلولة دون كل تفاعل مع المكتسبات الفكرية للإنسانية، بصورة خاصة نظرية المادية الجدلية و التاريخية التي تمثل المنهج المعرفي المكتمل و المتماسك في عصرنا الراهن. و من البديهي أن من يدعو إلى الجمود لا يمكن أن يشكل نواة نهضة، لأن النهضة حركة تتضمن تجاوز سلبيات القديم، و تطوير ايجابياته، بل القفز إلى مرحلة جديدة أرقى.
أما على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، ماذا يطرح هؤلاء؟ و هل أن ما يطرحونه يقدر على تحقيق نهضة شعبنا فيخرج من التخلف و يقضي فيه على الفقر و البؤس و الفوارق الاجتماعية؟ إن ما نلاحظه في سلوك "الإسلاميين" أنهم يتهربون من تقديم برامجهم بدعوى أنهم ليسوا في السلطة و ليسوا حكومة ليطالبوا ببديل.
لكن هذه الديماغوجيا لا تقدر على طمس حقيقة "الاتجاه" فهو مع الاستغلال و ليس ضده و هو مع انقسام المجتمع إلى طبقات، إلى أغنياء و فقراء، و يعتبر ذلك أمرا طبيعيا، ومن باب "سنة الله في خلقه" تماما كما كان الأمر في "حضارتنا العربية الإسلامية" التي وجد فيها الأغنياء و الفقراء و المساكين و العبيد، و كانت الزكاة و الصدقة و ما إلى ذلك من "أعمال الخير" هي الوسيلة التي يغطي بها الغني ثراءه و يكمم أفاه معارضيه. و مثل هذا الموقف القائم على تقديس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، "كنازع فطري" في الإنسان، و يقدمون له العون المادي و المعنوي و يراهنون عليه مستقبلا لصد تنامي الحركة الشعبية و العمالية التي تناضل من أجل غد أفضل، من أجل مجتمع متحرر من الاستغلال. لذلك فان الإسلاميين ليسوا سوى امتداد لقوى الاستغلال القديمة، مع فارق أنهم المدافعون عن نظام الاستغلال المميز لعصرنا و هو الرأسمالية، رغم تخفيهم وراء "مساندة المستضعفين" و معارضة "المستكبرين"للمغالطة و التمويه.
و هكذا يتضح بأن "التشبث" بالحضارة "العربية الإسلامية" و نبذ "التغريب" ليس سوى تعلة بالنسبة للإسلاميين لتأبيد الاستغلال في مجتمعنا و صرف أنظار الطبقة العاملة و الكادحين عن الاشتراكية العلمية التي تمثل طريق خلاصهم، بدعوى أنها "دخيلة على حضارتنا". و من البديهي أن الاتجاه الإسلامي، بمثل هذا المنظور لن يتمكن من قيادة شعبنا في نضاله من اجل التخلص من استغلال الطبقات الرجعية و من الهيمنة الاقتصادية الأجنبية. بل سيؤبدها ويؤبد معها التعاسة و الفقر و البطالة و كل هذه الأمراض اللصيقة بالنظام الرأسمالي.
أما على الصعيد الاجتماعي، فأن أمر "الاتجاه الإسلامي" يفتضح أكثر في قضية أساسية من قضايا مجتمعنا، و هي قضية المرأة التي تشكل جزءا أساسيا من المسألة الديمقراطية. فالإسلاميون يتظاهرون بنقد مظاهر التحلل البرجوازي الذي استفحل في مجتمعنا(البغاء...الخ)، و لكنهم ماذا يطرحون كبديل للنهوض بالمرأة و المجتمع؟ إنهم يطرحون الرجوع إلى حضارتنا العربية الإسلامية لنستلهم منها ماذا: عودة المرأة إلى البيت و حبسها فيه و حرمانها من الشغل و إعادة إقرار تعدد الزوجات و حرمان المرأة من حق الطلاق و فرض لباس الحجاب عليها... في كلمة الرجوع بها إلى وضعية عصور الانحطاط بدعوى أن "تقاليدنا" تأبى أن تتساوى "ناقصة عقل و دين" مع الرجل الذي تتوفر فيه كل الشروط الجسمانية و العقلية ليستعبدها. و قد نسي الإسلاميون أن من تقاليدنا إباحة الجواري و السراري و الإماء و الغلمان.
و انطلاقا من هذه النظرة يعتبر الإسلاميون أن كل من ينادي بتحرر المرأة و بمساواتها مع الرجل في الحقوق و الواجبات "تغريبيا"و "منبتا" و هم يتهمون الماركسيين اللينينيين بصورة خاصة بأنهم من دعاة "الحرية الجنسية" و اتهام يثير الاستهزاء و الشفقة في نفس الوقت ، إذ ترى من هو داعية الفجور و الزن اهو المدافع عن تعدد الزوجات (و لما لا الجواري أيضا) و الذي يعتبر المرأة "وعاء" ليس إلا، حاصرا وظيفتها في تلبية شهوات الرجل و إنجاب الصغار و تربيتهم؟ أم هو الذي يناضل من أجل استعادتها لكرامتها ككائن بشري عبر إقرار مساواتها مع الرجل بإدماجها في الحياة الاقتصادية و تمكينها من كسب المعارف و المساهمة النشيطة في الحياة السياسية، و عبر القضاء على كل الظروف التي ترمي بالمرأة في أحضان البغاء و عبر خلق الشروط الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تحول الزواج الأحادي إلى واقع فعلي. يقول أنجلس احد مؤسسي الشيوعية العلمية، ردا على الذين يتهمون الشيوعيين بأنهم من دعاة "مشاعة النساء":
"إن مشاعة النساء ظاهرة لا يعرفها سوى المجتمع البرجوازي وحده و تحقق اليوم عن طريق البغاء، غير أن البغاء يرتكز إلى الملكية الفردية، و بزوالها يزول، و عليه فإن النظام الشيوعي لن بمشاع لنساء، بل بالعكس سوف يلغيه".(انجلس مبادئ الشيوعية"
و يزعم الاسلاميون أن تعدد الزوجات وسيلة لمنع الزنا،بينما المناداة بالزواج الاحادي تحريض عليه. أفليس تعدد اللزوجات نفسه زنا؟ ثم متى اختفى الزنا من تاريخ العرب ( و معظم الشعوب) رغم تعدد الزوجات؟ و علاوة على ذلك أليس في هذه الحجة دلالة على الحط من قيمة الرجل والمرأة على حد السواء: الرجل وحش جنسي و المرأة أداة متعة، و هو المفهوم الذي ساد طوال العصور الذي تسيطر فيه الطبقات الاستغلالية التي استعبدت الرجل و المرأة على حد السواء.
هكذا اذن يتضح لنا كيف أن "التمسك بالحضارة العربية الاسلامية" ليس سوى وسيلة بالنسبة للإسلاميين على مستوى اجتماعي، لتأبيد استعباد المرأة و قهرها. وتراهم يفعلون معنا نحن الماركسيين اللينينيين ومع كل التقدميين تماما كما فعل اسلافهم مع قاسم أمين في مصر ومع الطاهر الحداد في تونس. أفلم يرم الحداد بالكفر والزندقة لأنه نادى بتشغيل المرأة وتعليمها والمساواة بينها وبين الرجل في الإرث و بمنع تعدد الزوجات, على أنه لم يخرج في الدفاع عن أفكاره عن الاستناد إلى الدين؟ فكيف يمكن لحركة "كحركة الاتجاه الاسلامي" أو ما شابهها(حزب التحرير) ان تقود نهضة اجتماعية ببلادنا؟
و على المستوى السياسي لا يخفي "الاسلاميون" الاستبداد. فباسم "التمسك بالحضارة العربية الاسلامية" أيضا, يعتبر هؤلاء الديمقراطية بدع غريبة, ولا يرون من أنموذج لنظام الحكم الا ذاك الذي ساد في العصور الاسلامية الاولى, اي ذاك النظام التيوقراطي المبني على الحكم الفردي والذي تنتفي فيه حرية التفكير والتعبير والتنظيم و يضطهد فيهالإنسان سبب معتقده بدعوى"ان الحاكمية لله" التي تعني في حقيقة الأمر حاكمية الغنوشي او مورو المستترة بالدين لتتخذ هالة قدسية ولتصبح كل معارضة لهما معارضة لله يعاقب عليها صاحبها بالقتل. أما أن يأخذ الشعب مصيره بيده, ويشرع القوانين ويراقب تنفيذها, يختار ممثليه ويمارس ضدهم العزل كلماخرجوا عن الخط الذي رسمه ويعامل كل فرد منه على اساس المساواة فذلك "بدعة"و"كفر"و"تغريب".
ويظهر الوجه البشع "للاسلاميين" عندما يعبرون بوضوح عن عزمهم على إعادة العمل " بالحدود " أي بقطع الأيدي و الأرجل والجلد والرجم. ويعتبرون ذلك من باب "التمسك بالحضارة العربية الإسلامية" و يربطون "نهضة الأمة" بالعودة إلى هذه الممارسات و يستهزؤون بمن يعارض هذه الممارسات (الماركسيون اللنينيون و القوى التقدمية) و يدعو إلى تجاوزها و خلق مجتمع يحافظ على حياة البشر. و تنمي فيه أجسامهم و عقولهم, و هو المجتمع الاشتراكي الذي ينتفي فيه استغلال الإنسان و يقضي على أسباب السرقة و البطالة والبؤس كأمراض اجتماعية.
و هكذا يتضح أن "التمسك بالحضارة العربية الإسلامية" ليس إلا طريقة بالنسبة للإسلاميين لحرف الطبقة العاملة والشعب عن النضال من أجل نظام سياسي ديمقراطي يجعل من إسعاد الإنسان المادي والمعنوي هدفه الأول و الأخير, بدعوى أن هذا يتنافى مع "حضارتنا" و مع "ديننا". و بهذه الصورة يبرز "الإسلاميون" كورثة للوجه المظلم من حضارتنا, كورثة للاستبداد, للحجاج و السفاح... و مثلما كان أسلافهم يمثلون الطبقات الإقطاعية فإنهم اليوم يمثلون غلاة البرجوازية الكبيرة التي لنتتورع لصد النضال الطبقة العاملة والشعب عن العودة إلى تلك الممارسات الإقطاعية الهمجية التي رأينا كيف مورست في السودان
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire