هل يكفي الإسلاميين الفوز الانتخابي للحكم؟
بما يرضي تلك الشعوب و يساهم في تقدم بلدانها
و حالة البلدان المذكورة في الصورة أعلاه و غيرها تعطينا نبذة عن فساد و خراب حكمهم
- الأربعاء 26 فيفري
- | بقلم: خالد شوكات 2014
تبعث بعض المؤشّرات على قلق بالغ وعميق، إذ تشير في مجملها إلى أن قيادة الحركة الإسلامية التونسية ربّما لم تستوعب بعد العبر من تجربة السنتين الماضيتين، ولم تفهم الدرس الأساسي الّذي عليها أن تعيه جيّدا
حتّى لا تفضي سياساتها مجدّدا إلى تعريض نفسها وأتباعها ووطنها مجدّدا للخطر، وتدفع مشروع الديمقراطية مرّة أخرى إلى حافّة الهاوية، إذ لا يكفي أن تفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات حتّى يكون بمقدورك أن تسيّر البلاد وتحكم.
لا يكفي أن تربح انتخابيا لتكون مؤهّلا للنجاح في استحقاقات السلطة، لأن الحكم مجموعة من الشروط يجب أن تتوفّر أوّلا، قد تكون الانتخابات من بينها وقد لا تكون كذلك، فإن لم تتوفّر فإن الحكم ساعتها سيكون مغامرة غير محمودة العواقب، وهدرا أكيدا للجهد والطّاقة، ومضيعة كبيرة لوقت الوطن والأمة، وإحياء للأزمة الّتي بالكاد حلّت وغادرها الإسلاميون وهم لا يصدّقون أنّهم حافظوا بعدها على حظوظهم كاملة وأن لعنة الفراعنة لم تلحق بهم ضررا.
قد تحوز على كتلة أولى كبيرة في انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة، كالّتي جرت في بلادنا يوم 23 أكتوبر 2011، لكنّك ستكتشف لاحقا أنّ كومتك الانتخابية لم تضمّ في ثناياها غالبية كافية من رجال المال والإعلام والمثقّفين والفنّانين وصنّاع الرأي وسائر المبدعين، وأن هذه الفئات وإن كانت من جماعات «صفر فاصل»، إلاّ أن تأثيرها على الأحداث يفوق حجمها بمرّات كثيرة، وأن تكتّلها ضدّك سيجعل حكومتك محاصرة وعاجزة وحائرة منذ يومها الأوّل، وستنتهي الأحداث لا محالة بسقوطها وإن طال صمودها.
لا يحتاج الإسلاميون الآن إلى فوز انتخابي وسلطة، بقدر ما يحتاجون إلى زمن كفيل بتحقيق إعادة اندماجهم في المجتمع، فالنّاس لا يعرفونهم في الغالب، حتّى تلك الأغلبية من الأصوات الّـتي أحرزوا عليها لا تعرفهم، فقد انتخبتهم في الغالب إمّا لكونهم «متاع ربّي» وكأن البقية «متاع الشيطان»، وإمّا لأنّهم الحزب الحاكم الجديد والتونسي ميّال بطبعه إلى السلطان، كما أنّهم كذلك لا يعرفون النّاس بعد أن جرّبوا عذاب «التيه» في السجون والمنافي، فكيف بهم يتطلّعون إلى حكم شعب لا يعرفونه ولا يشبهونه ولا يتحدّثون لغته حتّى وإن استعملوا ذات ألفاظها وجملها.
ما يحتاجه الإسلاميون حقّا، أن يمنحوا أنفسهم بعض سنين من الرّاحة بأن لا يتصدّوا للحكم في مقام أوّل، وإن كانت مشاركتهم النسبية (بمقدار) فيه مطلوبة، وأن يتفرّغوا للكتابة في أدب السجون والاستمتاع بفترة من العيش الطبيعي مع أهاليهم، و ممارسة الحياة العادية كغيرهم من المواطنين، عساهم يقطعون مع أربعة عقود من المواجهات والمداهمات والاعتقالات والعذابات والاتّهامات، وعساهم بعد خمسة أو عشرة أعوام يكونون قد عادوا قوما آخرين بعد مراجعات وتأمّلات ومشاركات محدودة مكسبة للتجربة والحكمة، وفوق ذلك قراءات وعبادات وحياة بعض الشيء هادئة هانئة يجلسون فيها مع أبنائهم وأحفادهم قليلا ويذوقون معها طعم بلد آمن مطمئنّ غير حزين.
تبرز معظم استطلاعات الرأي الأخيرة في هولندا أن حزب «الحريّة اليميني المتطرّف بقيادة «خيرت فيلدرز» يتقدّم بقية الأحزاب ومرشّح أن يكون أوّلا في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكنّ جميع تصريحات القيادات السياسية الهولندية تؤكّد أن هذا الحزب لن يحكم الأراضي المنخفضة حتّى وإن فاز، فبقية الأحزاب لن تشاركه الائتلاف الضروري لتشكيل الحكومة مهما قدّم من تنازلات ومغريات، وما سيستخلص أنّ شروط حكمه لم تتوفّر وإن ضمن انتصارا انتخابيا.
لقد بدأ الإسلاميون الأتراك محاولاتهم في الوصول إلى السلطة منذ خمسينيات القرن الماضي، وحقّقوا في بعض المرّات انتصارات انتخابية، ودخلوا بين فينة وأخرى في ائتلافات حكومية عادة ما أنهتها انقلابات عسكرية، ولم تتوفّر شروط وصولهم إلى السلطة إلا سنة 2002 عبر حزب العدالة والتنمية وبقيادة إصلاحي كبير هو رجب طيّب أردوغان، لم يبق عمليّا من آثار الإسلاميين في مشروعه إلاّ رائحة بسيطة جدّا، وكانت خلطة حزبه الّتي ضمّت محافظين ويمينيين ويساريين أقرب إلى حالة «الوطنية» منها إلى حالة «الإخوانية الإسلامية»، وإن اضطرّته نظرية «العثمانية الجديدة» إلى تقوية النزعة الدينية مؤخّرا أكثر ممّا يحتمل الظرف، ومن هنا كانت معاناته الأخيرة.
أمّا إخوان مصر فقد كان تهوّرهم عظيما، ولو صبروا على ما أصابهم وأذعنوا لقدرهم وسلّموا السلطة برضاهم كما فعل نجم الدّين أربكان رحمه الله قبل عشر سنوات ونيف، واستنكفوا أن يكونوا وقود فتنة لن تفرح سوى أعداء الدّين والملّة، واحتسبوا مصيبتهم عند الله، وفهموا أن ممارسة الحكم رهينة توفّر الشروط، وباتوا مظلومين لا ظالمين، لوفّروا قدراتهم وملايينهم ومؤسساتهم وشبابهم وعلاقاتهم لخدمة بلادهم لا إقامة الحجّة على بعض أبناء وطنهم وجلدتهم حتّى وإن كانوا برأيهم من الظالمين، فقد أضعفوا بحماقاتهم مصر وجرّوا جيشها وأمنها واقتصادها وعزّتها ومنعتها للخطر، وخسروا بأفعالهم الهوجاء احترام النّاس حكّاما ومحكومين.
ولا يظنّن عاقل من الإسلاميين أن شروط الحكم في تونس ستتغّير خلال بضعة أشهر، وأن المناورات السياسية قادرة على ترميم الصورة وكسب أحلاف وإقناع الآخرين، أو أنّ الجولات الخارجية ستحمل صورة مختلفة مغايرة كلّيا عن الجماعة لدى الغربيّين والعالمين، فإن ثبت هذا الظنّ فلن يكون أهله إلاّ من الضالّين الواهمين، والخير كلّه في حساب الراشدين، حساب يجعل من الوطن قبل الحزب، ومن أزمات الماضي البعيد والقريب عبرة للمتّقين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire