الأحد، 24 أبريل، 2011
الهوية في سوق المتاجرين بالدين
نعود
مرة أخرى لتناول موضوع العلمانية/اللائكية بعد أن سال حوله في العديد من المناسبات
و في كل المنعرجات و عند اشتداد الأزمات و خاصّة وخاصّة قبل كل الإنتخابات حبرٌ
كثير خاصة على صفحات الفايسبوك وفي ملاحظات بعض رموز وقواعد التيارات الدينية،أو
الموالين لهم ويتمحور الحديث أساسا حول كون "العلمانية/اللائكية معادية
وناسفة للدين وهي "نبتة غريبة عن بلادنا وحضارتنا" وهي أيضا "خطر على الهوية وعلى الأخلاق، إلخ. واتخذت هذه
الدعاوي صيغة الحملات التي طالت الفكر والحركة الديمقراطية، كما طالت رموزا مثل
الرفيق حمه الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسين ووصلت إلى حد
التشهير في المساجد وبعث رسائل التهديد و"إهدار الدم". نعود لهذا
الموضوع لا لمقاربته من زاوية نظرية وتاريخية، بل سنركز على الجوانب السياسية
والعملية أساسا.
1 - لماذا هذه الحملة الآن؟ من حقـّنا
أن نطرح هذا السؤال، إذ في الوقت الذي ينشغل فيه شعبنا بقضايا مصيرية مثل إسقاط
الحكومة وحل التجمع والبوليس السياسي والدعوة إلى المطالبة بالمجلس التأسيسي...
وفي الوقت الذي تتركز فيه جهود أبناء الشعب وبناته في مختلف المناطق والجهات على
الدفاع عن مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي الوقت الذي يشتد فيه الجدل بين
القوى السياسية والمدنية حول أشكال وأساليب التعبير عن إرادة الثورة في هذه
المرحلة الانتقالية، في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ شعبنا تطلع علينا بعض القوى
لتركز على فكرتين أساسيتين: الهوية في خطر، ولا حل إلا الدولة الدينية. وهذا في
اعتقادنا تحريف خطير لنضال شعبنا وقضاياه، فالشعب الثائر منذ 17 يسمبر 2010 لم
يطرح في أي لحظة من لحظات مساره الثوري هذه القضايا لا من بعيد ولا من قريب. بل إن
الجميع في تونس يعرف أن هذه القضاايا طرحت لأول مرة بعد 14 جانفي، أي بعد فرار
الدكتاتور واكتساح الشعب للفضاء العام وفرض هامش واسع من الحركة والتعبير. ويمكن
التأريخ لظهور هذه الدعاوي بحادثة شارع الحرية بالعاصمة حين تجمّع بعض الأفراد
أمام الكنيس اليهودي للمطالبة بغلقه، ومن الغد للمطالبة بغلق ماخور العاصمة
والهجوم على المشتغلات به، وفي ترابط الحدثين أكثر من معنى، فالمختلف الديني
(اليهود) مثله مثل المختلف الاجتماعي (البغاء) يجب نسفه. وقد تزامن ذلك مع ظهور
دعاوي وممارسات وشعارات مماثلة في اعتصام القصبة الثاني خاصة. إننا نعود لهذه
التدقيقات لنقول إن الأفكار التي يزرعها الجماعة ليست أفكار شعبنا ولا ثورته، ومن
غير المقبول قول ذلك. إن الأصح هو كون هذه الأفكار هي خاصة بأصحابها ونحن لا نجادل
حقهم في ذلك بل نحن نتساءل عن توقيت ظهور هذه الأطروحات ولمصلحة من رفعت، فضلا عن
أسلوب أصحابها الذي يتسم بصفتين: المغالطة والعنف، العنف من خلال الاعتداء المادي
على الخصوم وكذلك استعمال العنف اللفظي ومعجم التكفير والتشهير.
2 – خطاب مهزوز يقوم على المغالطة ما من شك
أن كل الأفكار الرجعية بما فيها العنصرية والتمييزية والظلامية، دائما تقوم على
مغالطات وتراهن على جهل الجمهور وأحيانا خوفه. وهي تلعب على جوانب المشاعر مستعملة
أساليب الاستعطاف والتخويف، وهو نفس الأسلوب الذي تعمد إليه القوى الظلامية في كل
البلدان العربية والإسلامية، إذ تركز دعايتها أن المسلمين في خطر ولا خيار أمامهم
سوى التمسك بهويتهم وإقامة دولتهم على شاكلة السلف الصالح وهو نفسه ما يبثونه
اليوم في بلادنا، إن هذه المجموعات بعملها هذا إنما تريد – شاءت أم أبت- التشويش
على نضال شعبنا الذي يريد أن يركز في هذه المرحلة الدقيقة على القضايا الأساسية
التي وفقا لها سيتحدد مستقبله، هذا لا يعني أن هوية الشعب مسألة لا قيمة لها، بل
بالعكس إن شعبنا بنضاله الميداني هو يرسم ملامح هويته كشعب حر، واعي، أبي، له عزة
وكرامة، منغرس في جذوره ومتطلع إلى مستقبله المضيء، جذوره ليست في قصور الأمراء
وبلاطات الملوك وشعوذات الدجالين وظلم الجبابرة من مضطهدي الفقراء والبؤساء
والنساء وأصحاب الرأي المختلف، إن جذور شعبنا هي التي تحركه اليوم، إنها الجذور
الضاربة في تاريخ انتفاضات الفقراء، انتفاضات العبيد والفلاحين ضد مضطهديهم ومصاصي
دمائهم من أمراء وملوك لم يكن لهم من شاغل سوى تكديس الثروات وتمضية العمر بين
تعدد الزوجات والغلمان. إن ما أردنا قوله هو كون مسألة الهوية وعلاقتها بالعلمانية
أو اللائكية مسألة مفتعلة وتطرح في غير سياقها الموضوعي والمعقول، وثانيا هي تطرح
بشكل مغلوط، فكلمة الهوية حمّالة أوجه ومعاني ومضامين مختلفة عن الجماعة يرمونها
هكذا لأن التعمق في دلالاتها ومضامينها يفتح عليهم قضايا لا يريدون الخوض فيها
ويتهربون منها. إن الجواب على سؤال الهوية إذا حصر في إجابة سطحية وشعارات
ديماغوجية ينحرف بالموضوع تماما، هذا فضلا عن كون مسألة الهوية غالبا ما تطرح حين
يكون هناك تهديد ما ( استعمار، اعتداء على الأقليات، نفي الخصوصات...) وهو أمر غير
وارد في بلادنا، بل إنه لا يوجد من ينفي بأن شعب تونس شعب عربيّ مسلم، فهذا معطى
موضوعي لا يختلف فيه اثنان، الاختلاف في مضمون هذه الهوية الثقافية والحضارية،
فالأطروحات السلفية والرجعية عموما تقف عند حدود الكلمتين، أما التقدميون فيعطون
للهوية معناها الذي ذكرناه سلفا، إضافة لكون الهوية هي نتاج لتشكل تاريخي بين عديد
العناصر، فلا نعتقد أن هناك شعب ما له "هوية نقية" أي لم تكن نتيجة
تداخل وتمازج بين مراحل تاريخية وثقافات متعددة، وهو حال شعبنا الذي يضرب تاريخه
في العمق ويعود إلى ثلاثة آلاف سنة مر فيها بحضارات مختلفة: فينيقية، بربرية،
رومانية، عربية، إسلامية... بما شكـّل هذه الشخصية القائمة اليوم، هذا من جهة، ومن
جهة أخرى فأن نقول أننا شعب عربيّ مسلم، فكلمة مسلم لا تحمل على معنى العقيدة، بل
تحمل على معنى الحضارة، فجانب العقيدة ليس كل التونسيين مسلمين، ففيهم من يحمل
ديانة أخرى أو من لا يحمل أي ديانة، أما بمعنى الحضارة فالجميع دون استثناء ينتمون
إلى هذه الحضارة، هذا في مستوى دلالة اللفظ، أما في مستوى المضامين ومثلما بينا
فإن موطن الخلاف هو: أيّ مضمون للهوية العربية الإسلامية؟ هل هو المضمون النير،
التقدمي أم المضمون الرجعي والظلامي؟ وهذا الأمر تطرحه كل الشعوب، فالهوية
الفرنسية مثلا يمكن أن تنحاز إلى ما هو مضيء (الثورة الفرنسية، فلسفة ديكارت
وفولتير...)، أو إلى ما هو رجعي ومظلم (القرون الوسطى مثلا). والتقدميون ينحازون
لكل ما هو نير فكرا وممارسة، ويرفضون كل ما هو مظلم ورجعي. أيضا، كلمة عربي مسلم
لا تعني في أي حال من الأحوال انغلاقا أو تعصبا أو رفضا وإقصاء للآخرين، فمثلما
تشكلت هذه الهوية في إطار تلاقح وتمازج بين عناصر مختلفة، مطروح عليها اليوم أن
تتفاعل أخذا وعطاء مع الحضارة الإنسانية العصرية لمختلف الشعوب دون تبعية، نحن
ندافع عن التلاقح والحوار والإثراء المشترك ونرفض هيمنة حضارة/ثقافة باسم التفوق
الذي تشيعه الامبريالية العالمية التي تريد فرض هيمنتها على العالم بمختلف
الأساليب بما فيها تحقير الثقافات الأخرى وفرض ثقافتها وحضارتها الخاصة. أمّا
الوجه الآخر لطرح مسألة الهوية، فإن شعار "الدولة الدينية هي الحل"،
باعتبارها الفضاء الذي تتحقق فيه إمكانية الحفاظ على هذه الهوية، وهذا في اعتقادنا
أمر خطير للغاية. إن الدولة الدينية هي الدولة التي ينبني تشريعها وقوانينها
ومختلف أوجه حياتها على الدين، وهنا من حقنا أن نسأل: أي دين؟ ووفقا لأي قراءة وأي
مذهب وأي تأويل؟ طبعا هذه الدولة ستختار فهمها للدين وتأويلها له حسب مصالح
الطبقات التي تمثلها وتدافع عن مصالحها، فماذا سيكون مصير المذاهب الأخرى؟ فضلا عن
الديانات الأخرى وغير المتدينين. وفي هذه الدولة، كيف سيكون مصيرنا إن نحن عارضنا
الحاكم باسم الدين؟ إذن نحن "ضد الدين"، وهنا يجب "تطبيق الحد".
إن الدولة الدينية في اعتقادنا ليست مطلبا من مطالب شعبنا ولا تحمل حلا لأي من
مشاكله، فضلا عن كونها لن تكون إلا دولة جور وتعسف ودكتاتورية. إن ما يطمح إليه
شعبنا هو دولة مدنية، ديمقراطية منتخبة من قبله، فضلا عن كون الدولة الدينية لن
تحمي الهوية بل ستعزل الشعب، وهذا في غير صالحه، علما وأن كلمة الدولة الدينية
كثيرا ما تردف بلفظ دولة الخلافة كما يدعو لها "حزب التحرير" وأنصار
السلفيّة الجهادية الذين يعمدون إلى العنف المادي للدفاع عن أفكارهم، كما يعمدون
لحملات التكفير مثل التي طالت ولا تزال الرفيق حمّه الهمامي من أجل التصدي
لإمكانية ترشيحه لرئاسة الدولة، فهذا أمر مرفوض لأن المواطن حين يكون صاحب رأي آخر
أو عقيدة أخرى هو مرفوض في الدولة الدينية، وهذا في رأينا نموذج حي لفكر هؤلاء
ولما ستكــــــون عليها الوضعية إن وصلوا إلى السلطة، فكل معارضيهم سيحرمون من
حقوقهم السياسية وبالتالي من حقهم في المواطنة، وهذه هي الدولة التي يبشر بها
هؤلاء، إنها كما قلنا دولة ظلم وقهر. إن الدين في اعتقادنا يجب أن يبقى أمرا شخصيا
وحميميا. أما السياسة ومنها الدولة فهي شأن عام يهم كل المواطنين والمواطنات. إن
الدين إذا امتزج بالسياسة ينتج التكفير والإقصاء والاضطهاد وهو ما أنتجته تاريخيا
الدولة الدينية في الشرق والغرب. ففي القرون الوسطى الأوروبية كان الملك يفرض
ديانته ومذهبه وكانت الرعية تبدل مذهبها مع كل ملك جديد، وفي الدولة الإسلامية،
عدى حالات محدودة، كانت تقوم على التمييز حتى في الجباية وتوزيع الثروة مع الديانات
الأخرى ومع المذاهب الإسلامية التي غالبا ما حكمت بالحديد والدم، فضلا عن معاناة
المفكرين خاصة من يتطاول على الدين" وهي تهمة جاهزة تطلق على الفلاسفة
والعلماء، وكذلك النساء اللواتي طالهن الغبن والحجب والرفض طيلة ردهات دولة
الخلافة. إن توظيف الدين لتمرير مشروع سياسي واجتماعي أصبح اليوم مرفوضا حتى من
قطاعات في الحركة الإسلامية في عدة بلدان، والرجوع إلى هذه الدعاوي بهذا الشكل
الهجومي وفي هذا الوقت بالذات يثير لدينا عدة أسئلة حول من يقف وراء هذا ومن له
المصلحة فيه؟ لا شك ان قوى الثورة المضادة الظاهرة والخفية لها مصلحة أكيدة في
ظهور هذه الدعاوي التي تربك مسار الثورة وتخلط أوراق القوى السياسية، وتثير حفيظة
جزء من الشعب خاصة الفئات الوسطى التي أصبحت ترفع صوتها أن كفى، إننا في خطر لا
يجب أن نتقدم أكثر، وهذا أمر لا يخدم إلا مصلحة تحالف رجال الأعمال والبوليس
السياسي وفلول التجمع، هذا التحالف الذي يقف وراء الستار ويتحكم في العديد من
الأنشطة في مختلف الجهات وهو مستعد لعمل أي شيء إلا أن تنتصر الثورة وتحقق أهدافها
التي اندلعت من أجلها في منتصف ديسمبر الماضي.
3 – التقسيم العقائدي للشعب لا يخدم إلا الثورة المضادة. وكنتيجة
لما قلنا ظهرت بعض ردود الأفعال التي اعتبرت أن البلاد والشعب والجمهورية في خطر،
والخطر هو في هذا المد الظلامي، وبالتالي يجب التصدي له عمليا ووقعت الدعوة لبعض
التحركات من أجل اللائكية شارك فيها العديد من المثقفين والمناضلين الديمقراطييين،
وعلى هامش هذه التحركات صارت مناوشات مع أنصار التيارات الظلامية وصاحب هذه
الأنشطة حوارات صحفية حول موضوع اللائكية، وظهرت بوادر اصطفاف جديد في البلاد:
لائكي/متدين، وهذا في اعتقادنا اصطفاف مغلوط، وطرح مسألة اللائكية أو العلمانية
بهذا الشكل مضر ولا يخدم مصلحة الشعب التونسي. نحن نرى أن المسألة فيها بعد
بيداغوجي، يجب علينا أن نبسط المفاهيم أمام الجماهير، فالظلاميون وحدهم يستفيدون
من الطلاسم وليس المفاهيم وغموضها وهو ما حدث واقعيا. ومن جهة أخرى نحن نرى أن
مسألة العلمانية لا يجب أن تطرح بمعزل عن القضايا الأخرى التي يناضل الشعب من
أجلها، قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي لن تتحقق إلا في إطار
جمهورية ديمقراطية، شعبية، عصرية، تقوم على الفصل بين تكريس مبدا المواطنة والفصل
بين السلط واحترام حقوق الإنسان وكرامته وحرمته الجسدية والمعنوية، إن دولة مثل
هذه ليس لها من اسم سوى كونها علمانية. إننا حين نبسّط هذه المفاهيم للشعب
ليستسيغها ويقبلها ويدافع عنها، وهو ما لم يحدث في "معركة اللائكية"
التي استغلها الخصوم للتشويه ولبعث فزاعة جديدة أمام الشعب هي فزاعة اللائكية التي
انخرط فيها ليس فقط القوى السلفية بل حتى لفيف من قوى يفترض أنها مدنية وحداثية
وديمقراطية. لذلك علينا تنظيم معاركنا بشكل جيد ومسؤول ومنظم وإخضاع كل المعارك
للتناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وطرح المحاور في توقيتها بالضبط وبشكل جماهيري
واسع. إن شعبنا اليوم في حالة ثورة ووعيه السياسي بصدد التطور وهو قادر على الفهم
والاستيعاب وتنظيم المعارك فلنرتبط به ولتكن كل المعارك بمشاركته الواسعة ومن
تنظيمه نشرت بصوت الشعب لسان حزب العمال الشيوعي التونسي24/04/2011
نعود مرة أخرى لتناول موضوع العلمانية/اللائكية بعد أن سال حوله في العديد من المناسبات و في كل المنعرجات و عند اشتداد الأزمات و خاصّة وخاصّة قبل كل الإنتخابات حبرٌ كثير خاصة على صفحات الفايسبوك وفي ملاحظات بعض رموز وقواعد التيارات الدينية،أو الموالين لهم ويتمحور الحديث أساسا حول كون "العلمانية/اللائكية معادية وناسفة للدين وهي "نبتة غريبة عن بلادنا وحضارتنا" وهي أيضا "خطر على الهوية وعلى الأخلاق، إلخ. واتخذت هذه الدعاوي صيغة الحملات التي طالت الفكر والحركة الديمقراطية، كما طالت رموزا مثل الرفيق حمه الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسين ووصلت إلى حد التشهير في المساجد وبعث رسائل التهديد و"إهدار الدم". نعود لهذا الموضوع لا لمقاربته من زاوية نظرية وتاريخية، بل سنركز على الجوانب السياسية والعملية أساسا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire